الفصل الثالث

نهاية الاقتصاد السياسي

١

الاقتصاد السياسي، وكما ذكرنا، علم أوروبي النشأة والنكهة. ظهر كي يفسر ظواهر «جديدة!» على المجتمع الأوروبي؛ ظواهر لم يألفها، بل لم يعرفها من قبلُ، أو على الأقل هكذا صور المفكرون الرسميون الأمر: الآلة، السلعة، الإنتاج من أجل السوق، الهدر الاجتماعي، الرأسمال، الرأسمالي، القيمة الزائدة، المصنع، بيع قوة العمل، الأثمان، المبادلة النقدية … إلخ؛ فكان من المتعين ظهور العلم المفسر لهذه الظواهر، والكاشف عن قوانينها الموضوعية؛ ولذا ظهر الاقتصاد السياسي كعلم هدفه البحث في ظواهر نمط الإنتاج الرأسمالي. بعبارةٍ أكثر دقة: هدفه البحث في القانون الموضوعي العام الذي يحكم الإنتاج والتوزيع في المجتمع الرأسمالي. هذا القانون العام هو قانون القيمة. وحينما يُنكر هذا القانون أو يجري تجاهله، يتوقف، في نفس اللحظة، الحديث في علم الاقتصاد السياسي ويُستَدعى «علم!» الاقتصاد الذي يتجرعه علقمًا الضحايا في المدارس والجامعات في العالم الرأسمالي المعاصر١ بوجهٍ عام، وفي عالمنا العربي بوجهٍ خاص، ومصر بالأخص. وتكمن المأساة في استمراء الخلط الفج بين الاقتصاد السياسي والاقتصاد، بل في الكثير من الأحيان يتم تلقين نظريات «الاقتصاد» (الحدي، والكينزي، والرياضي، والقياسي،٢ …)، داخل مؤلفاتٍ كُتِب على أغلفتها الخارجية: مبادئ/محاضرات في الاقتصاد السياسي!

٢

فخلال قرنَين من الزمان (١٦٢٣–١٨٧١م) تَبلَور الاقتصاد السياسي كعلمٍ اجتماعي محل انشغاله الإنتاج عند آدم سميث، والتوزيع لدى دافيد ريكاردو، وهيكل النظام لدى كارل ماركس. والقاسم المشترك كان قانون القيمة. لكن هذا العلم توارى تاريخيًّا مع آخر صفحة من كتاب «رأس المال» الذي أنجزه ماركس، المفكر لا الصنم. بالتأكيد وُجدت دراسات وأبحاثٌ أصيلة (أمين، وأوتار، وباران، وبراون، وبتلهايم، وبيرو، ودوب، وفرانك، وسنتش، وسرافا، وسويزي)، ولكنها ظلت خارج إطار النظرية الرسمية على أقل تقدير في الأجزاء المتقدمة، وجُل الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، إذا استثنينا الاتحاد السوفياتي الذي اتخذ من الاقتصاد السياسي أداةً أسطورية لإخضاع الجماهير! ومن هنا، ومن باب أولى، لا يمكن اعتبار ذاك التيار الفكري الذي سوف يتربع على عرش الفكر الأكاديمي الرسمي، التابع للمؤسسة السياسية بطبيعة الحال، امتدادًا لعلم الاقتصاد السياسي لأنه، وكما سنرى أدناه، يمثل فنًّا، لا علمًا، يستند إلى بعض الأفكار العامة للكلاسيك.

فكما علمنا أن ماركس تلقى المبادئ العامة لعلم الكلاسيك، وحاول أن يستكمل بمقتضاها علم الاقتصاد السياسي، لكنه كان أكثر قسوة في النقد من أسلافه الذين مفصلوا حول قانون القيمة جملة من القوانين التي تتيح فهم النظام وتطوره عَبْر الزمن. وفي الوقت الذي كانت فيه شوارع أوروبا تغلي بالثورات العمالية والاحتجاجات الجماهيرية في أواسط القرن التاسع عشر، كانت المؤسسة التعليمية الرسمية (الجامعة الأوروبية) تُعِد العدة للحرب الفكرية المضادة!٣ فلقد تبلور تيار النيوكلاسيك، وفي المقدمة: فون ثنن (١٧٨٣–١٨٥٠م) وكورنو (١٨٠١–١٨٧٧م) وجوسن (١٨١٠–١٨٥٨م) وفالراس (١٨٣٤–١٩١٠م) وجيفونز (١٨٣٥–١٨٨٢م) ومنجر (١٨٤٠–١٩٢١م) ومارشال (١٨٤٢–١٩٢٤م) وفون فايزر (١٨٥١–١٩٢٦م) وبوهم بافرك (١٨٥١–١٩١٤م) وفون ميزيس (١٨٨١–١٩٧٣م) وفون هايك (١٨٨٩–١٩٩٢م).٤ مع هذه الحرب المضادة أخذ الاقتصاد السياسي، كعلمٍ اجتماعي، في التراجع مختفيًا من الوجود الأكاديمي ومن التحليل العلمي اليومي كي يحلَّ مَحلَّه «علم» الاقتصاد٥ كفنٍّ تجريبي صارت له الهيمنة على فكر المؤسسة التعليمية وفكر المؤسسات النقدية والمالية الدولية كالصندوق والبنك الدوليَّين.
فمع الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تَبلورَت أفكار المدرسة النيوكلاسيكية، التي تُسوَّق دائمًا على أساس من كونها امتدادًا لأفكار الكلاسيك؛ كي تقوم بتصفية العلم الاقتصادي من محتواه الاجتماعي مع عزله عن باقي العلوم الاجتماعية الأخرى؛ الأمر الذي أُعلن معه نهاية الاقتصاد السياسي، وظهور «علم!» الاقتصاد. ﻓ «علم!» الاقتصاد بالنسبة للتيار النيوكلاسيكي هو علمٌ معملي والعلاقات الاقتصادية المتمثلة في الإنتاج والتوزيع على الصعيد الاجتماعي هي علاقات بين أشياءَ مادية، ليس لها أدنى علاقةٍ بالمجتمع! وعلى ذلك ينطلق هذا التيار، الذي سيقود المؤسسة التعليمية، من فكرة المنفعة٦ كمركز تدور في فلكه جُل علاقات النشاط الاقتصادي التي تم اختزالها في المعادلات الرياضية والدوالِّ الخطية والرسوم البيانية، اعتمادًا على تفسيرٍ هزْلي للقيمة؛ فالقيمة لدى النيوكلاسيك هي أمرٌ وجداني؛ حيث يرى كل شخص قيمة الشيء من وجهة نظره الذاتية؛ وبالتالي صارت قيمة الشيء متوقفةً على ما يُقرِّره ذهن المرء نفسه وعلى ما يميل إليه هواه! خلْط النيوكلاسيك إذن واضحٌ بين قيمة الشيء ومنفعته. نعم تتباين منفعة الشيء من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ولكن القيمة، كظاهرةٍ اجتماعية تحكمها قوانينُ موضوعية، لا يمكن أن تتباين إلا إذا تم تمييع مفهومها من الموضوعي إلى الذاتي، مسخًا لمذهب الآباء المؤسسين لعلم الاقتصاد السياسي.

محض لغو إذن، القول بأن النيوكلاسيك لديهم نظرية في القيمة؛ فلم يكن أبدًا لديهم نظرية في القيمة، إنما هي نظرية في المنفعة، تحاول تمييع مفهوم القيمة؛ وبالتالي لم يكن لديهم أبدًا نظرية في القيمة التبادلية إنما هي نظرية في ثمن السوق. ومن هنا نستسخف كثيرًا انشغال الأساتذة، أساتذة الاقتصاد في الجامعات، بحشو دماغ الطلاب بكلامٍ مرسلٍ سيال عن «نظرية القيمة عند النيوكلاسيك»!

ولكي نتعرف إلى الطبيعة النظرية لهذا التيار الفكري المضاد؛ فيتعين أن نعي مدى ارتباط ظهوره بما لحق الواقع الاجتماعي، في غرب أوروبا، من تطور على الصعيد الثقافي، إذ انتشر الخطاب العلمي البحت، واطَّرد السعي من أجل فهم الكون بشكلٍ مادي صرف، استنادًا إلى العلوم الطبيعية والرياضيات؛ استكمالًا للرغبة الجماعية في التحرر من صنمية الفكر ووثنية الرأي اللَّذَين فرضا الظلام على القارة الأوروبية طَوالَ قرونٍ من الجهل والفقر والمرض والثيوقراطية وادعاء امتلاك الحقيقة. وهو الأمر الذي انعكس على كتابات النيوكلاسيك، فرغبوا في الابتعاد عن لغة العلوم الاجتماعية التي قد تؤدي، وأدت فعلًا، إلى إبراز الصراع الاجتماعي بين قوى الإنتاج. واتجهوا بقوة نحو القياس الكمي للظواهر عن طريق التعبيرات الرياضية، واستعاروا أيضًا الكثير من الألفاظ، والأفكار، من العلوم الطبيعية، وظهروا أكثر ميلًا إلى تجريد الظواهر الاقتصادية من كل ما هو إنساني واجتماعي! وقادهم ذلك إلى النظر إلى «علمهم الجديد!» كعلمٍ منفصل عن العلوم الاجتماعية؛ الأمر الذي أفضى إلى فصل العلم الاقتصادي عن التاريخ وفلسفته وعن باقي العلوم الاجتماعية بأَسْرها، وصار يُنظر له على أساس من كونه علمًا طبيعيًّا بحتًا.٧ ولذا، جاءت المدرسة النيوكلاسيكية، وقد وجَّهت سهام النقد العنيفة جدًّا لكتابات ماركس، بل ولبعض أفكار الكلاسيك،٨ وبصفةٍ خاصة إلى الأفكار المتعلقة بنظرية العمل في القيمة، رغبة في تدمير التحليل الطبقي الذي قدمه ماركس!

٣

وابتداءً من النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي طرأت على المدرسة النيوكلاسيكية تغيراتٌ واضحة وحاسمة؛ فلقد تحول اهتمام التحليل من الجزئي إلى الكلي، من تحليل توازن المستهلك والمنتِج، إلى تحليل توازن الاقتصاد القومي. جاء هذا التبدل كبلورة لما أسهم به الفرنسي «ليون فالراس»، في استخدام تحليل التوازن العام/الشامل بكيفية لم تكن معهودة من قبلُ، وبطريقة خاصة في التحليل باستخدام مجموعة من المعادلات الرياضية البحتة في محاولته للبحث عن التوازن الاقتصادي العام على الصعيد القومي بدراسة جميع العوامل التي تتضافر معًا لتحديد سلوك المنتِج والمستهلك في السوق. وهو يدرس، رياضيًّا، أَثَر كل هذه العوامل في نفس الوقت.٩ فقد كان، ولم يزل، النيوكلاسيك يدرسون أَثَر الدخل أو ثمن السلعة، أو ثمن السلعة البديلة، أو الذوق على الكمية المطلوبة، كل أثرٍ بمفرده، ولكن فالراس درسهم جميعًا من خلال نظام المصفوفات الرياضية!
وقد ظلت هذه التحولات في حقل التيار النيوكلاسيكي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي محصورة في مجال النظرية الأكاديمية، والمراجع والمؤلفات العلمية. أما على الصعيد السياسي والاقتصادي فلم يكن لها أدنى تأثير، فخلال تلك الفترة كان مذهب الإنجليزي جون مينارد كينز يشهد قمة انتصاراته وطغيانه الفكري؛ فحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، كان مذهب الحرية الاقتصادية سائدًا إلى حدٍّ بعيد في الأوجه المختلفة للنشاط الاقتصادي، ولكن ما إن اندلعت نيران الحرب حتى تبدلت الأحوال وتغيرت التصورات؛ فخلال الفترة الممتدة ما بين الحربَين العالميتَين (١٩١٩–١٩٣٩م) وهي الفترة التاريخية التي زاد فيها تركُّز الرأسمال وتمركُزه، وتبلورت الاحتكارات الصناعية الضخمة، إيذانًا ببداية هيمنة المشروع الرأسمالي في شكله الدولي، تعرض النظام الرأسمالي للعديد من التوترات، بدءًا بثورة العمال في ألمانيا عام ١٩١٨م، ثم أزمة الديون والتعويضات التي فرضتها معاهدة فرساي عام ١٩١٩م، ثم أزمة الكساد الكبير عام ١٩٢٩م،١٠ وبروز الحرب النقدية والتكتلات الاقتصادية، ثم انهيار قاعدة الصرف بالذهب … إلخ؛ ومن ثم كان طبيعيًّا ظهور الكينزية، إنما كمبررٍ نظري، في زمن الأزمة في شكلها الدوري، وتصوراتها التي تعتمد على وجوب التدخل الحكومي١١ (الذي تم فعلًا على أرض الواقع قبل كتابة «النظرية العامة») بوصفه عاملًا مساعدًا في تحريك الاقتصاد القومي الذي كفَّ عن السير؛ بعدما لاحت في الأفق أزماتٌ متتالية.
في ظل هذه الهيمنة الكينزية، كان هناك تيارٌ فكري قوي يتكون في أحضان التيار النيوكلاسيكي، هو تيار النقديين بقيادة مِلتون فريدمان (١٩١٢–٢٠٠٦م)١٢ الذي سيَتزعَّم حملةً ضارية في مواجهة الكينزية، كي ينتهي الأمر باختلافٍ جذري، وتَوارٍ للسياسة الكينزية، مع بقاء الكينزية، وظهور تيار النقديين، الذي سيلقى تطبيقًا رسميًّا في الفترة من ١٩٧٩م حتى ١٩٨٤م، وبصفةٍ خاصة في المملكة المتحدة بقيادة مارجريت تاتشر (١٩٢٥–٢٠١٣م) والولايات المتحدة الأمريكية برئاسة رونالد ريجان (١٩١١–٢٠٠٤م)، ولم تكن النتائج سارة على الإطلاق؛ فلقد تعمق الكساد، واستفحلت البطالة، وانخفض الميل الاستثماري، وازدادت الضغوط التضخمية نتيجة للزيادة الواضحة في عرض النقود، بالإضافة إلى إضعاف المركز التنافسي للاقتصاد داخل السوق الرأسمالية العالمية. وهو الأمر الذي قاد إلى ظهور وإحياء تياراتٍ فكرية ونظرية رافضة على الصعيد النظري (وهو الذي تزامن مع التحول التاريخي الثالث في مركز الثقل العِلمي: من الفيزيوقراط في فرنسا، مرورًا بالكلاسيك في إنجلترا، وانتهاءً بالليبراليين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية).

٤

لدينا إذن الآن، وبعد هجر النظرية الموضوعية في القيمة، ثلاثة تياراتٍ فكرية كبرى: النيوكلاسيك، وكينز، والنقديين، وذلك في الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى أيامنا تلك.١٣ وما يجمع التيارات الثلاثة هو الانشغال بحقل التداول، لا الإنتاج. وفي التداول يظهر ذلك الرجل الاقتصادي الذي يتصرف بمنتهى الرشادة! محاولًا حل أزمته الاقتصادية التي تتركز في حاجاته غير المحدودة وعليه أن يشبعها بمواردَ محدودة! وبالتالي يتم اختزال المجتمع بأكمله في هذا الرجل الرشيد، كما يتم اختزال الأزمة الاقتصادية بأَسْرها في حاجاتٍ غير محدودة ومواردَ محدودة. وفي التداول أيضًا تكون الأولوية لظاهرة الأثمان التي تتحكم فيها اعتبارات الطلب والعرض! هذا الطرح برمته والذي تَشكَّل في معامل الغرب الرأسمالي يستند إلى واقعٍ تَحدَّد ببلوغ الأجزاء المتقدمة مرحلةً من التطور أدَّت إلى أزمة، لا في حقل الإنتاج الذي حقَّق مستوياتٍ مرتفعة وربما غير مسبوقة، إنما في حقل التداول حيث فَرْط الإنتاج والهَدْر الاجتماعي، وهو ما أنشأ ضرورة البحث عن أسواقٍ جديدة لتصريف هذا الإنتاج الضخم الذي يفضي تكدُّسه إلى أزماتٍ هيكلية في تلك الاقتصادات المتقدمة. ومن هنا تَبلورَت أزمتان أصابتا الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، إحداهما على صعيد الواقع، والأخرى على صعيد الفكر:

تبدَّت الأزمة الأولى في أنْ وقَع اختيار الأجزاء المتقدمة على أسواق الأجزاء المتخلفة كي تكون الأسواق الجديدة التي تمتص الفائض، ولكن امتصاص فائض الأجزاء المتقدمة من قِبل الأجزاء المتخلفة يستلزم التمويل الممكِّن من شراء هذا الفائض؛ حينئذٍ قامت الأجزاء المتقدمة، من خلال وكلائها: البنك والصندوق الدوليَّين، ووفقًا لتعاليم النقديين، بتقديم القروض، المشروطة، للأجزاء المتخلفة؛ مما أدَّى إلى غرَق الأجزاء المتخلفة في المديونية، وحينما همَّت بالخروج منها وَجدَت نفسها متورطة أكثر وأكثر في قروضٍ جديدة لتسديد القروض القديمة التي استُخدمَت في شراء السلع والخدمات المنتَجة في الأجزاء المتقدمة؛ وبالتالي ساهمَت في تشغيل مصانع الأجزاء المتقدمة ومن ثم تخفيض معدَّلات البطالة والتضخم والركود … إلخ، في تلك الأجزاء المتقدمة.

أما الأزمة الثانية فقد ظَهرَت على مستوى الفكر المهيمن على المؤسسة التعليمية في الأجزاء المتخلفة، وبصفةٍ خاصة في مصر وعالمنا العربي؛ فعلى الرغم من أن نظريات النيوكلاسيك والنقديين على الأقل، قد أُنتجَت في معامل الغرب الرأسمالي من أجل الغرب الرأسمالي، وعلى الرغم أيضًا من عجزها التاريخي عن تفسير أزمات الرأسمالية، إلا أنها تهيمن على المناهج التعليمية في الأجزاء المتخلفة، ويتم تقديمها عادةً وكأنها النظريات الصحيحة، بل والوحيدة، تاريخيًّا!

٥

ولكي نفهم طبيعة ومحتوى «العلم!» الذي يُلقَّن للطلاب في المدارس والجامعات في عالمنا العربي بوجهٍ خاص، وفي مصر بالأخص، وكيف تم الانتقال من علمٍ يوضِّح ويكشف إلى فنٍّ يخفي ويطمس، من علمٍ اجتماعي إلى فنٍّ معملي، وكيف تم تسويق هذا الفن، وبصفةٍ خاصة في الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي المعاصر، وعالمنا العربي في مقدمة هذه الأجزاء بتفوق! ولأننا كذلك سوف نرى في الفصل القادم كيف يتم الإعدام الفكري للطلبة، فسنكتفي فيما يلي بمراجعة، موجزة بطبيعة الحال، لانعكاس هذا الانتقال والتحول من علم الاقتصاد السياسي إلى «فن التسيير» على واقع نظرية من أهم النظريات، وهي نظرية التخلف؛ بعبارة أدق: تجديد إنتاج التخلف، في مصر بوجهٍ خاص وفي عالمنا العربي بوجهٍ عام؛ لأنها، وكما ذكرنا سلفًا، التي يتعين أن تمثل محلًّا دائمًا لانشغالنا الفكري: فمن العبارات المألوفة والتي غالبًا ما يتم تداولها في الندوات والمؤتمرات وعلى المنصات الاحتفالية للمؤسسات المهتمة بمشكلات الوحدة العربية، وللعجب نجد العبارات نفسها يتم تداولها في بعض الندوات، والمؤتمرات، والفعاليات الفكرية والثقافية، التي تنظمها الأنظمة السياسية الحاكمة، والمؤسسات الرسمية في الأقطار العربية، تلك العبارات التي تقول: إنه يحق لكل عربي مؤمن، وحتى غير المؤمن، بالقومية ووحدة المصير والهدف المشترك، أن يندهش، بل ويسخر حزينًا متألمًا، حينما يجول ببصره على خريطة عالمنا المعاصر، ومهما أن كانت الخريطة التي ينظر إليها، سياسية، جغرافية، طبيعية … أو حتى صمَّاء، فلسوف يدرك على الفور أن هناك شيئًا مستنكرًا غريبًا يحدث على أرض الواقع؛ إذ إن تلك المساحة الشاسعة الهائلة على الخريطة والتي تحتل نحو ١٠٪ من يابسة الكوكب؛ وتُسمى العالم/الوطن العربي، لا ينقصها أي شيء من الموارد البشرية والإمكانات الطبيعية والمادية، حتى تنطلق نحو التقدم، نحو حياةٍ أفضل، نحو خلق حياةٍ كريمة للأجيال القادمة. ومع ذلك لم يزل وطننا العربي «متخلِّفًا» «تابعًا» على الرغم من أن الاستعمار، الذي كان حجة المتحججين، قد انقشع منذ عشرات السنين، ولم يزل الوطن العربي مكبلًا بقيود التخلف! فلماذا؟ وإلى أي حد؟ وكيف الخروج من هذا الأَسْر؟ وهل هذا من الممكن إنجازه؟ أظن أن الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها من الأسئلة المرتبطة بوجودنا الاجتماعي ذاته كعرب، بل كبشر، تتعلق بمدى وعينا بالأمور الخمسة الآتية:
  • (١)

    إن غالبية المساهمات النظرية، وما يُعرف ﺑ «التراكم المعرفي» في حقل تحليل ظاهرة التخلُّف الاقتصادي العربي، بوجهٍ خاص، لم تستطع أن ترى ظاهرة التخلُّف إلا من خلال بيانات المرض وأرقام الفقر وأحوال الجوع، وإحصاءات الدخل والمنتوج والتضخُّم … إلخ؛ ومن ثَمَّ يصير الحل لدى هذه المساهمات، وهي المعتمدة رسميًّا، للخروج من الأزمة، أزمة التخلُّف، هو التركيز على النداء، وأحيانًا الصراخ، باتباع السياسات «الرأسمالية/الحرة» التي تتبعها الدول التي لا تعاني من الفقر والجوع والمرض؛ لكي تخرج البلدان المتخلفة من الفقر والجوع والمرض!

  • (٢)

    وهو ما يترتب على الأمر الأول؛ فغالبية المساهمات إنما تنتهي حيث يجب أن تبدأ؛ إذ عادةً ما نرى مئات الكتابات في هذا الصدد تقترح للخروج من أزمة التخلُّف سياساتٍ اقتصادية ذات مدخلٍ أدائي/خطي، دون محاولة إثارة الكيفية، الجدليَّة، التي تكوَّن بها التخلُّف تاريخيًّا على الصعيد الاجتماعي في الأجزاء المتخلِّفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر بوجهٍ عام، وعالمنا العربي، الذي هو أحد تلك الأجزاء، بوجهٍ خاص. وأفضل ما أمكن تحقيقه هو الإشارة إلى الاستعمار، كتاريخٍ ميت، ثم القفز البهلواني، بعد الجهل بالتاريخ أو تجاهُله بجهل، إلى اقتراح سياسات السوق الحرة!

  • (٣)

    عادةً ما يتم تناول إشكالية التخلُّف الاقتصادي العربي بمعزل عن إشكالية التخلُّف على الصعيد العالمي؛ أي دون رؤية الاقتصاد العربي كأحد الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، وربما كان هذا ترتيبًا منطقيًّا لتناول الإشكالية من منظورٍ أحادي يفترض التجانُس ولا يرى سوى الطرح «التكاملي» والمناداة «المثالية» بالتكامل الاقتصادي العربي، وكأن البلدان العربية تعيش خارج الكوكب! على الرغم من ارتباط «إنجاز» مشروع التكامل الاقتصادي العربي بالتعامُل مع الرأسمالية (التي هي خضوع الإنتاج والتوزيع في المجتمع لقوانين حركة الرأسمال)، ابتداءً من الوعي بقوانين حركتها تلك، بقصد فك الروابط مع الإمبريالية العالمية من خلال مشروعٍ حضاري لمستقبلٍ آمن.

  • (٤)
    السؤال الأهم، وغالبًا ما لا تتم الإجابة عنه، هو: لماذا، بعد أن خرج الاستعمار الذي شوَّه الهيكل الاقتصادي وسبَّب التخلُّف، لم تزل بلدان العالم العربي متخلِّفة؟ هذا السؤال من المعتاد تجاهُله من قبل النظرية الرسمية، والانتقال الكوميدي إلى: كيف نخرج من التخلُّف بالتكامل؟ وحينئذٍ نرى سيلًا من الآراء والمقترحات (المدرسية/الرسمية) التي لا تعرف ما الذي تبحث عنه بالتحديد؛ وذلك أيضًا أمرٌ منطقي؛ حينما لا تعرف هذا المقترحات ماهية التخلُّف ذاته! على الرغم من أن الحديث عن التكامل الاقتصادي يكون عديم المعنى والفائدة معًا إذا لم يقترن بالبحث الموازي في ظاهرة التخلُّف الاقتصادي والاجتماعي في بلدان العالم العربي، بوصفها أحد الأجزاء المتخلفة (وغير المتجانسة) من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، من جهة درس ماهية ظاهرة التخلُّف ومحدداتها وكيفية تجاوزها التاريخي، فلن يمسي مقنعًا الحديث عن تكاملٍ اقتصادي عربي بدون الحديث عن كيفيةٍ هيكلية لتجاوز التخلف نفسه، وإنما ابتداءً من إعادة النظر في التراكم المعرفي في حقل نظرية التخلف ذاتها.١٤
  • (٥)

    ولأن النظرية الرسمية (النيوكلاسيكية في مجملها) هي المعتمدة للتلقين في المدارس والمعاهد والجامعات في عالمنا العربي؛ فالنتيجة هي الإعدام اليومي لمئات الآلاف من الطلاب، الذين يتم تلقينهم صباحًا ومساءً بيانات الفقر وعدد المرضى والجوعى، ويُقال لهم إن هذا هو التخلف بعينه، وإذا ما أردتم الخروج ببلادكم من هذه الحالة فلتنظروا إلى ما يفعله صنَّاع القرار السياسي الاقتصادي في الغرب الرأسمالي، بل وافعلوا ما لا يفعلون! لأنهم حقًّا يستحون! كونوا أكثر طموحًا، افتحوا الأسواق، حرروا التجارة، عوموا العملة، لا تدعموا الفلاح واتركوه نهبًا للرأسمال المضاربي، سرِّحوا العمال، قلِّصوا النفقات العامة، ارفعوا أيديكم عن الأثمان، ساندوا كبار رجال المال، تخلصوا من القطاع العام، رحبوا بالرأسمال الأجنبي، وافعلوا ما يمليه عليكم البنك والصندوق الدوليان، قدِّسوا نموذج هارود/دومار، لا تقرءوا إلا للنيوكلاسيك، اتَّبعوا جيفونز، ومنجر، وفالراس، وفيلبس، وصامويلسون، وجوارتيني، وفريدمان، وكروجمان، وصولو، وغيرهم من الحديين والكينزيين والنقديين؛ حتمًا بعد أن يُقال لهؤلاء الضحايا الذين يتم إعدامهم فكريًّا يوميًّا في المؤسسات التعليمية في العالم العربي إن «العلم الاقتصادي» هو ذلك الكمُّ المكدَّس من الأرقام والمعادلات والرموز في مؤلَّفاتِ هؤلاءِ فقط، أما غيرهم فهم إما تاريخٌ مقبور، أو كفارٌ ملحدون، ولكي تكون المحصلة النهائية، حينما يكون بأيدي هؤلاء الطلاب/الضحايا صُنع القرار السياسي في بلادهم المتخلِّفة، هي المساهمة الأكثر فعالية في تعميق التخلُّف، وربما تسريع وتيرة تجديد إنتاجه!

    إن الذي يتم تلقينه للطلاب الذين يوميًّا يتم إعدامهم فكريًّا في عالمنا العربي يرتكز على قاعدةٍ أساسية في الاقتصاد قوامها: أن كل شيءٍ متوقف على كل شيء!١٥

    الأدْهَى والأمَر، أن الأساتذة، أساتذة الاقتصاد في الجامعات، الذين يتولَّون التلقين لا يجدون أدنى غضاضة في أن يقولوا لهؤلاء الطلاب، الضحايا، إن الاقتصاد هو الاقتصاد السياسي، والاختلاف بينهما هو اختلافٌ، مزاجي، في الاسم، نتج عن تطورٍ تاريخي! على الرغم من أن الفارق بين الاثنين هو كالفارق بين الوهم والحقيقة، بين التبرير والعلم، فلننتقل الآن إلى الفصل الأخير كي نشاهد هذه المأساة عن قرب!

١  من أهم وأشهر المقررات الدراسية على الصعيد العالمي: Samuelson and D. Nordhaus, “Economics” (New York: McGraw-Hill Companies 2005).
R. G. Lipsey and P. N. Courant, “Economics” (New York: Addison-Wesley, 1999).
٢  يُسمِّي مجمع اللغة العربية، بالقاهرة، هذا الفرع باسم الاقتياس! وهي كلمة، كما يقول، منحوتة من كلمتَين، هما الاقتصاد والقياس! انظر: مجمع اللغة العربية، «معجم مصطلحات الاقتياس» (القاهرة: مجمع اللغة العربية، ٢٠١٣م).
٣  يمكن تلخيص الموضوع بأكمله في الحوار التالي:
– ما الذي يريده هؤلاء الثوار من العمال في الميادين والمصانع والساحات؟
– إنهم يريدون حقهم في القيمة التي أنتجوها وذهبت إلى جيوب الرأسماليين والريعيين والمرابين.
– ومَن الذي قال لهم مثل هذا الكلام الخطير الذي سيُخرِّب عروش أباطرة المال؟
– مَن قال لهم ذلك هو علم الاقتصاد السياسي.
– حسنًا! القيمة! فلنمسخ مفهوم القيمة؛ فلنقل لهم إن القيمة تُقاس بالمنفعة، وليس بعرق العمال! الاقتصاد السياسي! فلنُفرغْه من محتواه الاجتماعي! فلنُخربِ العلم! ولنجعل من الاقتصاد السياسي علمًا معمليًّا. فلنحوله إلى رموز ومعادلات وأحجبة وطلاسم، بل إلى أحاجي وألغاز! فلنصرف الأنظار عن المحتوى الطبقي، والموضوع الثوري لهذا العلم! فلنجعله على أرفف التاريخ! ونستبدله بعلم، أو هكذا نقول للناس، يخلو من الوعي بمعنى الحياة والهدف منها. ولنُسمِّ ذلك «علم الاقتصاد»!
وانظر ما كتبه الأمريكي جون موريس كلارك (١٨٨٤–١٩٦٣م): “The mariginal theories of distribution were developed after Marx their bearing on the doctrines of Marxian socialism is so striking as to suggest that the challenge of Marxism acted as a stimulus to the search for more satisfactory explanations” In: B. H. fried, “The Progressive Assaulton Laissez faire: Robert Hale and the first Law and Economics Movement” (Harvard: Harvard University press, 2002), p. 282.
٤  بالإضافة إلى الكتابات الأساسية لمفكري هذا الاتجاه، يمكن لمن أراد المزيد من التحليل أن يرجع إلى: L. Moss, “The Economics of Ludwig von Mises: Toward a Critical Reappraisal”, (Kansas City: Sheed and Ward, Inc, 1976). E. Dolan, “The Foundations of Modern Austrian Economics” (Kansas City: Sheed and Ward, Inc, 1976). James Buchanan, “Cost and Choice: An Inquiry in Economic Theory” (Indianapolis, IN: Liberty Fund, Inc, New York: The Foundation for Economic Education, 1999). O’Driscoll Gerald, “Economics as A Coordination Problem: The Contributions of Friedrich Hayek” (Kansas City: Sheed and Ward Inc 1977) “Beyond Neoclassical Economics: Heterodox Approaches to Economic Theory”, Ed: Fred E. Foldvary (Cheltenham: Edward Elgar Publishing Limited, 1996). Klaus H. Hennings, “The Austrian Theory of Value and Capital: Studies in the Life and Work of Eugen von Bohm-Bawerk” (Cheltenham: Edward Elgar Publishing Limited, 1997). Schumpeter, “History”, op, cit, Ch VII.
٥  حسبنا هنا تأكيد اتفاقنا مع ما عبَّر عنه د. سمير أمين، وببراعة، في أطروحة باريس (١٩٥٧م) بشأن «العلم!/الفن» الجديد الذي طغى على المؤسسة التعليمية الرسمية؛ إذ رأى أن فنًّا «للتسيير» وليس «للاقتصاد» هو الذي يركن إليه مُنظِّرو الرأسمالية والإمبريالية العالمية لكنهم يُغلِّفونه بغلاف العلم إمعانًا في التضليل: «مات العلم الاقتصادي الجامعي إذن كعلمٍ اجتماعي ميتة العجز لصرفه النظر عن النظرية الموضوعية للقيمة. لكنه خلَّف وراءه فنًّا في التسيير، وهو فنٌّ لا شك في عيبه ونقصانه لأنه يقوم على الملاحظة الوضعية بلا نظرية سواءٌ على الصعيد الميكرو-اقتصادي (فن تسيير المؤسسة) أو على الصعيد الماكرو-اقتصادي (فن السياسة الاقتصادية الوطنية). إن أدلجة ما هو اقتصادي وحدها، وهذه هي الاقتصادوية، هي التي تتيح إنشاء علمٍ ممَّا لا يمكن أن يكون علمًا على الإطلاق.» للمزيد من التفصيل، انظر: سمير أمين، «التراكم»، ص٣٤–٣٩. وفي «نقد روح العصر»، كتب: «هناك مادةٌ مثيرة تُدرَّس في كل جامعات العالم المعاصر، يسمونها العلم الاقتصادي أو الاقتصاد فقط، كالفيزياء، مثلًا. وفي حين ينطلق المنهج العلمي من الواقع نفسه، يقوم هذا العلم الاقتصادي على مبدأ نقيض؛ فهو يتصور، بوصفه فردانيةً منهجية، أن بالإمكان اختزال المجتمع إلى مجموع الأفراد الذين يتكون منهم، وأن كلًّا من هؤلاء يمكن أن يتحدد بدوره بالقوانين التي تترجم عقلانية سلوكه. ولسنا نعرف بالضبط حسب روحية هذا العلم، ما إذا كان البناء المتخيل القائم على تفاعل هذه التصرفات الفردية هو صورة مقاربة للحقيقة، أو أنه يقترح نموذجًا معياريًّا لما يجب أن يكونه المجتمع المثالي. ينطلق الاقتصاد الصرف، كما هو معروف، من اعتباراتٍ مستوحاة من سلوك روبنسون في جزيرته؛ فالاقتصاديون يتخيلون مجتمعًا عالميًّا مكونًا من خمسة مليارات روبنسون، ويُدشِّنون خطابهم بفصلٍ مدهش، يتعامل مع هذه المليارات من الوحدات الأولية بوصفهم مستهلكين صرف يتمتعون بعطاءاتٍ أولية ويبحثون في سوقٍ تنافسية كاملة عن مبادلة ما هو متوافر عندهم بما لا يملكونه.» انظر: سمير أمين، «نقد روح العصر»، ترجمة فهيمة شرف الدين (بيروت: دار الفارابي، ١٩٩٨م)، ص١٧١–١٧٩. وقارب: «النظرية النيوكلاسيكية ليست منفصلة عن مجمل الواقع الاجتماعي فحسب، بل هي منفصلة أيضًا عن الواقع العملي اليومي؛ فمن الممكن البرهنة على نظرية القيمة/العمل، ولو بمعنى أن جميع عناصر نفقة إنتاج سلعةٍ ما تميل في التحليل الأخير إلى أن ترتد إلى العمل، وإلى العمل وحده. وبالرغم من جميع تعاليم النيوكلاسيك ما يزال الرأسماليون يحسبون أثمان كلفتهم على هذا الأساس، وعندما يحاولون إجراء حساباتٍ مقارنة عن الإنتاجية؛ فإنهم يجرونها أيضًا بمساعدة معيار كمية العمل.» انظر: أرنست ماندل، «النظرية الاقتصادية الماركسية»، ترجمة جورج طرابيشي (بيروت: دار الحقيقة، ١٩٧٢م)، ج٢، ص٥٠٠.
٦  انظر: “In the first place, utility, though a quality of things, is no inherent quality. It is better described as a circumstance of things arising out of their relation to man’s requirements. As Senior most accurately says, “Utility denotes no intrinsic quality in the things which we call useful; it merely expresses their relations to the pains and pleasures of mankind.” We can never, therefore, say absolutely that some objects have utility and others have not. The ore lying in the mine, the diamond escaping the eye of the searcher, the wheat lying unreaped, the fruit ungathered for want of consumers, have no utility at all. The most wholesome and necessary kinds of food are useless unless there are hands to collect and mouths to eat them sooner or later. Nor, when we consider the matter closely, can we say that all portions of the same commodity possess equal utility. Water, for instance, may be roughly described as the most useful of all substances. A quart of water per day has the high utility of saving a person from dying in a most distressing manner. Several gallons a day may possess much utility for such purposes as cooking and washing; but after an adequate supply is secured for these uses, any additional quantity is a matter of comparative indifference. All that we can say, then, is, that water, up to a certain quantity, is indispensable; that further quantities will have various degrees of utility; but that beyond a certain quantity the utility sinks gradually to zero; it may even become negative, that is to say, further supplies of the same substance may become inconvenient and hurtful”. William Stanley Jevons, “The Theory of Political Economy” (London: Macmillan and Co. 1888) ch.III.
٧  بالإضافة إلى الاستخدام الفج والمبالَغ فيه للهندسة والتفاضل والتكامل، والاستعمال الموسَّع للرموز والأرقام والمعادلات الرياضية، بصفةٍ خاصة عند ليون فالراس؛ فعلى سبيل المثال: تم نقل فكرة «منحنيات السواء» التي تقيس ارتفاعات الجبال، والأجسام المرتفعة بالنسبة لسطح البحر، من علم الجيولوجيا. كما تم نقل فكرة «المرونة» من علم الطبيعة. للمزيد من الشرح، انظر: ميشيل بو، وجيل دوستالير، «تاريخ الفكر الاقتصادي منذ كينز»، ترجمة حليم طوسون (القاهرة: دار العالم الثالث، ١٩٩٧م) بخاصة الفصل الرابع: الاستنباطات والرياضيات وتطبيقها على الاقتصاد. والفصل السابع: الليبرالية تُبعث من جديد.
٨  انظر: “The classical economists and their epigones could not, of course, recognize the problems involved. If it were true that the value of things is determined by the quantity of labor required for their production or reproduction, then there is no further problem of economic calculation. The supporters of the labor theory of value cannot be blamed for having misconstrued the problems of a socialist system. Their fateful failure was their untenable doctrine of value. That some of them were ready to consider the imaginary construction of a socialist economy as a useful and realizable pattern for a thorough reform of social organization did not contradict the essential content of their theoretical analysis. But it was different with subjective catallactics. Wieser was right when he once declared that many economists have unwittingly dealt with the value theory of communism and have on that account neglected to elaborate that of the present state of society, it is tragic that he himself did not avoid this failure. The illusion that a rational order of economic management is possible in a society based on public ownership of the means of production owed its origin to the value theory of the classical economists and its tenacity to the failure of many modern economists to think through consistently to its ultimate conclusions … Thus the socialist utopias were generated and preserved by the shortcomings of those schools of thought which the Marxian’s reject as “an ideological disguise of the selfish class interest of the exploiting bourgeoisie.” In truth it was the errors of these schools that made the socialist ideas thrive. This fact clearly demonstrates the emptiness of the Marxian teachings concerning “ideologies” and its modern offshoot, the sociology of knowledge”. Ludwig Von Mises, “Human Action: A Treatise on Economics” (Irvington-on-Hudson, NY: The Foundation for Economic Education, 1999), p. 364.
٩  يعتبر مصطلح التوازن العام أن طلب وعرض سلعةٍ ما، لا يتوقفان على ثمن هذه السلعة، ولكن على كل الأثمان الأخرى. وقد اكتفَى فالراس بحساب عدد المعادلات والمجهولات فيها ليعلن، دونما برهنة، أن التوازن العام قائم! لتكوين الوعي بفكر فالراس في هذا الشأن راجع مؤلَّفه المركزي: Leon Walras, “Éléments d’economie ous pur politique théorie de la richesse sociale” (Lausanne: F. Rouge, Libraire-Editeur, 1929).
وللمزيد من الشرح والتحليل، انظر: Schumpeter, “History of Economic Analysis”, Ch VII. ولقد أعلن فالراس في الصفحات الأولى (ص٥٣) من كتابه المذكور: «إذ كان علم الاقتصاد السياسي البحت أو نظرية قيمة التبادل، والتبادل ذاته؛ أي نظرية الثروة الاجتماعية، يُعتبر في حد ذاته علمًا طبيعيًّا ورياضيًّا، على غرار الميكانيكا والهيدروليكا فيجب ألا يخشى استخدام منهج الرياضيات ولغتها.» والواقع أن محاولة استخدام الرياضيات إنما تعود إلى القرن السابع عشر؛ فقد استخدمها وليم بتي، وشارل دافنانت، وجريجوري كينج، وغيرهم تحت اسم الحساب السياسي، وقاموا بإجراء أول تقديرات للحسابات القومية. انظر، على سبيل المثال: William Petty, “Several Essays in Political Arithmetick”, 1682, History of British Economic thought (London: Thoemmes Reprints, 1955).
وللمزيد من الشرح، انظر: Jürg Niehans, “A History of Economic Theory: Classic Contributions”, 1720–1980 (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1994) pp. 159–187.
ويُعتبر كينج أول من قدَّم القياس الكمي لدالَّة الطلب. وفي عام ١٧٣٨م، صاغ دانيال برنولي (١٧٠٠–١٧٨٢م) فرضية تناقُص المنفعة الحدية للثروة بالنسبة للفرد وصوَّر ذلك برسمٍ بيانيٍّ يمثل خطه الأفقي تدرُّجات الثروة وخطه الرأسي المنافع المتولدة عن الثروة. غير أن أوغسطين كورنو هو الذي نشر في عام ١٨٣٨م؛ أي بعد برنولي بمائة عام، أول دراسةٍ حقيقية عن الاقتصاد الرياضي/القياسي عنوانها: «بحوث حول المبادئ الرياضية لنظرية الثروات». انظر: Augustin Cournot, “Recherches sur les Principes mathématiques de la théorie des Richesses” (Paris: Calmann-Levy, 1974).
ولقد حاول ماركس كذلك استخدام المعادلات الرياضية لدراسة العلاقة بين مُعدَّل الربح ومُعدَّل القيمة الزائدة، وترك بعد موته مجموعةً هائلة من المخطوطات اضطُر إنجلز إلى أن يدفع بها إلى صامويل مور، المتخصص في الرياضيات في جامعة كامبريدج، كي يقوم بمراجعتها قبل أن يقوم بنشرها في الكتاب الثالث من «رأس المال». انظر: مقدمة إنجلز التي كتبها في لندن ١٨٩٤م، والفصل الثالث من القسم الأول: تحول القيمة الزائدة إلى ربح ومعدل القيمة الزائدة إلى معدل ربح، في: «رأس المال»، المصدر نفسه. ويمكن القول بأن عام ١٩١٢م قد شهد المحاولات الأولى لتأسيس جمعية لنشر الاقتصاد الرياضي بقيادة كلٍّ من إيرفينج فيشر وويسلي ميتشل، وعلى الرغم من فشلها إلا أنها كانت تمهيدًا لازمًا لتكون لجنة هارفارد للبحوث الاقتصادية التي سوف تُؤسِّس في عام ١٩١٩م مجلة الإحصاءات الاقتصادية (مجلة الاقتصادات والإحصاءات فيما بعدُ) وفي عام ١٩٢٠م أنشأ ميتشل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الذي أكد وجوده كإحدى المؤسسات المركزية في حقل البحث الاقتصادي التجريبي بالولايات المتحدة، وقد تولى ميتشل رئاسة المكتب منذ تأسيسه وحتى عام ١٩٤٥م وخلفه في الرئاسة معاونه آرثر بورنز. ولقد قام راجنار فريش (أول من حصل على نوبل بالتقاسم مع تنبرجن) بدورٍ حاسم في نشأة وتنظيم الفرع العلمي الجديد الذي أطلق عليه تسمية الاقتصاد القياسي. وبعد أن نجح فريش بالتعاون مع فيشر في إقناع شارل روس بإنشاء جمعيةٍ علمية تهدف إلى التقريب بين الاقتصاد والرياضيات والإحصاء، انعقد الاجتماع التأسيسي في عام ١٩٣٠م برئاسة جوزيف شومبيتر، وتم انتخاب إيرفينج فيشر رئيسًا. ولقد بلور دستور الجمعية طبيعتها وهدفها، فقد نص على: «جمعية الاقتصاد القياسي رابطة دولية من أجل تقدُّم النظرية الاقتصادية في علاقتها مع الإحصاءات والرياضيات وهدفها الأساسي دفع الدراسات الرامية إلى توحيد المعالجات النظرية/الكمية، والتجريبية/الكمية مع القضايا الاقتصادية المتشربة بالتفكير البنَّاء والدقيق على غرار ذلك الذي بات سائدًا في العلوم الطبيعية.» وفي عام ١٩٣٢م تأسست لجنة كولز للبحوث الاقتصادية، وهي مؤسسة وثيقة الصلة بجمعية الاقتصاد القياسي، وقد تمكن ألفرد كولز من إقناع اقتصاديين لهم مكانتهم المرموقة بحضور مؤتمرات اللجنة، ومن هؤلاء: ج. د. ألن، وإيرفينج فيشر، وراجنار فريش، وهارولد هوتلنج، وجاكوب مارشاك، وكارل منجر، وجوزيف شومبيتر، وإبراهام فالد، وت. إنتيما. كما نجح كولز فيما بعدُ في أن يجذب كنيث آرو، وجورج كاتونا، ولورنس كلاين، وأوسكار لانج، وهربرت سايمون. ويمكن القول إن هناك ثلاثة مفكرين قاموا بلعب الدور الرئيسي في إعادة الصياغة الرياضية للعلم الحدي: ففي بريطانيا كان جون هيكس (١٩٠٤–١٩٨٩م)، الذي أطلع العالم الأنجلوسكسوني على أفكار ليون فالراس، كما قدم عددًا كبيرًا من أدوات التحليل التي تُلقَّن للطلبة حتى اليوم، وتُعَد مساهمته الأكثر جوهرية تلك المتعلقة بإعادة الصياغة الشهيرة لنظرية الطلب مع ألن، وكذلك كتابه «القيمة والرأسمال». أما المفكر الثاني فهو موريس آليه (١٩١١–٢٠١٠م) وكان متخصصًا في المناجم والألغام، وسعى إلى إعادة بناء العلم الاقتصادي بأَسْره على أسسٍ مُشابهة لأُسُس الفيزياء، ولكن ما قام به لإثبات نظريةٍ للتعادل شبيهةٍ ببرهنة آرو ودوبرو للتعادل بين التوازن التنافسي والحد الأقصى للجدوى عند باريتو، ظل غير معروف. وأخيرًا لدينا بول صامويلسون (١٩١٥–٢٠٠٩م)، وقد كان أوفر حظًّا لأنه نشر أفكاره باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية (التي انتقل إليها مركز الثقل العلمي والثقافي على الصعيد العالمي) حيث كان لمقالاته الغزيرة الدور المهم في إعادة الصياغة الرياضية لكل المعرفة الاقتصادية، وقد استهل ذلك في عام ١٩٣٧م بأطروحة الدكتوراه التي حاول البرهنة فيها على أنه تُوجد في مجالات البحث الاقتصادي كافة، نظرياتٌ مشتقة من افتراض أن شروط التوازن متعادلة مع الحد الأقصى أو الأدنى لكمٍّ ما. وعلى الرغم من أن هذه الرسالة لم تُنشر إلا في عام ١٩٤٧م؛ إذ كان صدورها صعبًا لطابعها الرياضي، فقد أدت دورًا مركزيًّا في التحول الذي جاء في أعقاب الحرب. والذي تميز بصدور مجلاتٍ علمية جديدة، ذات سمعةٍ عالمية، للاقتصاد الرياضي. وذلك فضلًا، كما يقول م. بو، ودوستالير، عن ارتفاع المحتوى الرياضي في المجلة الاقتصادية الأمريكية من ٣٪ في عام ١٩٤٠م إلى ٤٠٪ في ١٩٩٠م. انظر: بو، ودوستالير، «تاريخ الفكر الاقتصادي»، المصدر نفسه، ص٩١؛ شومبيتر، «تاريخ التحليل الاقتصادي»، المصدر نفسه، ج٤، الفصل السابع: تحليل التوازن.
١٠  الواقع أن الأزمات الاقتصادية لم تكُفَّ عن زعزعة أركان الرأسمالية المعاصرة طوال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى (١٩١٤–١٩١٨م) بالأخص: أحداث ١٨٤٨م، وكومونة باريس في ١٨٧١م، والثورة الروسية في ١٩١٧م، ثم التمردات العمالية التي شهدتها عدة عواصمَ رأسماليةٍ أوروبية إثر انتهاء الحرب.
١١  يُلخص كينز نظريته في التشغيل، في الفصل الثالث من الكتاب الأول من «النظرية العامة»، بقوله: “The outline of our theory can be expressed as follows. When employment increases aggregate real income is increased. The psychology of the community is such that when aggregate real income is increased aggregate consumption is increased, but not by so much as income. Hence employers would make a loss if the whole of the increased employment were to be devoted to satisfying the increased demand for immediate consumption. Thus, to justify any given amount of employment there must be an amount of current investment sufficient to absorb the excess of total output over what the community chooses to consume when employment is at the given level. For unless there is this amount of investment, the receipts of the entrepreneurs will be less than is required to induce them to offer the given amount of employment. It follows, therefore, that, given what we shall call the community’s propensity to consume, the equilibrium level of employment, i.e. the level at which there is no inducement to employers as a whole either to expand or to contract employment, will depend on the amount of current investment. The amount of current investment will depend, in turn, on what we shall call the inducement to invest; and the inducement to invest will be found to depend on the relation between the schedule of the marginal efficiency of capital and the complex of rates of interest on loans of various maturities and risks. Thus, given the propensity to consume and the rate of new investment, there will be only one level of employment consistent with equilibrium; since any other level will lead to inequality between the aggregate supply price of output as a whole and its aggregate demand price. This level cannot be greater than full employment, i.e. the real wage cannot be less than the marginal disutility of labour. But there is no reason in general for expecting it to be equal to full employment. The effective demand associated with full employment is a special case, only realised when the propensity to consume and the inducement to invest stand in a particular relationship to one another. This particular relationship, which corresponds to the assumptions of the classical theory, is in a sense an optimum relationship. But it can only exist when, by accident or design, current investment provides an amount of demand just equal to the excess of the aggregate supply price of the output resulting from full employment over what the community will choose to spend on consumption when it is fully employed”.
John Maynard Keynes, “The General Theory of Employment, Interest and Money” (London: Macmillan, 1967). The Principle of Effective Demand. Book I, Ch III.
١٢  يُرجع النقديون، كاتجاه نشأ في أحضان الفكر النيوكلاسيكي، جميع المشكلات الاقتصادية (التضخم، البطالة، الركود، الخلل في موازين المدفوعات … إلخ) إلى القضايا النقدية. ويَرَوْن أن الأزمات الاقتصادية كافةً إنما تنشأ عن أخطاءٍ في السياسات النقدية فحسب، وهم إذ يذهبون ذلك المذهب يُهمِلون تمامًا وكليًّا الجوانب الهيكلية للأزمات، مع غَضِّ الطرف تمامًا عن الاعتبارات الاجتماعية. انظر بصفةٍ مركزية: M. Friedman, “Capitalism and Freedom” (Chicago: University of Chicago Press, 1962).
١٣  في هذا الإطار من التطور أخذت الليبرالية الجديدة تجتاح العالم المعاصر. في مصر مثلًا، وعلى صعيد التشريعات التي تعكس التوجه الرسمي، سنجد: تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر (الأرض الزراعية، والمحال التجارية، والاتجاه بقوة نحو تحريرها كذلك في إطار الوحدات السكنية). تحرير العلاقة التعاقدية في نطاق الأسرة (قانون الخلع). تحرير علاقات النشاط الاقتصادي السلعي والخدمي (قانون التجارة الجديد، قانون الاستثمار الجديد). تحرير العلاقة التعاقدية في إطار العمل، مع انسحاب الدولة وتقليص جهازها الإداري (قانون العمل، وتعديله المرتقب، ثم قانون الخدمة المدنية مع تأقيت جميع عقود العمل). إجلال رجال المال والأعمال (تعديل تقنين الإجراءات الجنائية، وإنشاء المحاكم الاقتصادية). محاباة الطبقات الغنية (حزمة التشريعات المالية القائمة بالأساس على نقل العبء الضريبي إلى الطبقات الفقيرة والأشد فقرًا). يتساوق كل ذلك مع اتجاهات صارت مستقرة لدى قُضاة الدستور، ومحددة سياسيًّا بتحطيم جميع المكاسب التي حققتها الجماهير الغفيرة على الصعيد الاجتماعي في فترةٍ تاريخية معينة؛ ولذا، فأبسط ما يمكن أن نصف به الحراك الاجتماعي الراهن، حتى بفرض التسليم بصحة القول بالموجات الثورية، هو: أن هناك تحركًا خاطئًا في اتجاهٍ خاطئ من أجل الحصول على شيءٍ مبهم! ولن يصير التحرك صحيحًا، بل ولن يصبح ممكنًا، دون الوعي بقوانين حركة الرأسمال.
١٤  لتكوين الوعي بشأن النظريات الرئيسة في حقل نظرية التخلف، بمفهومها التقليدي، انظر، على سبيل المثال: Benjamin Higgins, “Economic Development: Principles, Problems, Policies” (London: Constable and Co, 1959). Ragnar Nurkse, “Problems of Capital Formation in Underdeveloped Countries” (Oxford: Basil Blackwell, 1960). G. Myrdal, “Economic Theory and Underdeveloped Regions” (London: Gerald Duckworth Co, 1957). Joseph A. Schumpeter, “The Theory of Economic Development” (Cambridge: Cambridge University press, 1967). Walt Whitman Rostow, “The Stages of Economic Growth, A Non-Communist Manifesto” (Cambridge: University press, 1960).
١٥  الحوار التالي قد يلخص المأساة:
الطالب (الضحية) : ما هو علم الاقتصاد؟
الأستاذ : هو ذلك العلم الذي يدرس الظواهر الاقتصادية.
الضحية : وما هي الظواهر الاقتصادية؟
الأستاذ : الظواهر الاقتصادية هي تلك التي يدرسها «علم!» الاقتصاد!
الضحية : شكرًا.
هؤلاء الطلاب هم الأجيال القادمة التي سوف تتحمل مسئولية أمة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤