تشريع اللعان وإعفاء الزوج القاتل من العقوبة إذا رأى زوجه متلبسة بجريمة الزنا

لما قدم النبي من تبوك، وكان عويمر العجلاني من رجال الحملة، فتوجه عويمر إلى داره فوجد امرأته حبلى، ومن المؤكد أن المرأة الحامل في ثلاثة أشهر تبدو لزوجها فيعرف حملها من علامات كثيرة أهمها «الوحم» فلا تحتاج للبحث في كيف عرف عويمر حمل زوجته، وهذه المرأة كانت خويلة بنت قيس ابنة عم زوجها عويمر.

أما شريكها في الجريمة فهو شريك بن سحماء ابن عم الزوج، فالمسألة عائلية محض، وتهمة عويمر أنه ضبطهما متلبسين، وفي كتب السير تعبير أوضح، ولا حياء في العلم؛ لأن هذه الحادثة كانت سببًا في تشريع اللعان، وقال الزوج: إنني ما قربتها منذ أربعة أشهر، ومن هنا استنتجنا أن حملة تبوك استغرقت هذه المدة.

ويظهر أن المرأة خويلة لم تفرط في نفسها؛ لطول فراقها عن زوجها، وهي أقصى مدة تصبر فيها المرأة على البعد عن الرجال كما حققه عمر بن الخطاب عندما أراد تحديد المدة التي يغيبها الجندي بعيدًا عن داره، وقد حدد الشرع أربعة أشهر لعدة الأرمل التي يتوفى عنها زوجها أي زادها شهرًا عن عدة المطلقة.

فاستدعى رسول الله الزوجة المتهمة وحقق معها وقال لها: اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعت.

خويلة: يا رسول الله، إن عويمرًا رجل غيور، وإنه يأتي وشريكًا (المتهم معها وهو الشريك!) يطيل السهر ويتحدث (أي معها) فحملته الغيرة على أن قال ما قال.

فاستدعى رسول الله شريكًا، فكان دفاعه كدفاع المرأة، أي إنهما أنكرا التهمة، فأنزل الله آية اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ … الآية.

فأمر الرسول أن ينادى بالصلاة جامعة، فلما صلى العصر واجتمع الناس قال الرسول لعويمر: قم. فقام وقال: أشهد بالله أن خولة زانية، وإني لمن الصادقين.

وكررها خمس مرات، وفي الثانية ذكر ما رآه بعينه، وفي الثالثة أنها حملت من غيره، وفي الرابعة أنه ليس مفتريًا عيها، وفي الخامسة لعن نفسه إن كان كاذبًا.

وقامت خولة ونفت التهمة عن نفسها بخمس صيغ تعادل ما قاله زوجها.

وجاء في بعض السير أنها في الخامسة تلكأت ونكصت؛ لأن النبي قال لها: إن اللعنة موجبة لعذاب الآخرة، وعذاب الدنيا أهون.

فقالت: والله لا أفضح قومي سائر الأيام!

وقالت الخامسة.

ففرق رسول الله بينهما.

وفي هذه النقطة يقول الإمام الشافعي: إن الفرقة تحصل بين الزوجين بنفس التلاعن أي لا يستطيع الزوج بعده أن يطلقها ولا يحتاج إلى ذلك؛ لأن الرسول قال: لا سبيل لك عليها.

فالطلاق يقع بالقانون؛ أي من تلقاء نفسه، وهو ما يسميه الشراح الإفرنج بقوة القانون أو بحق القانون de plein droit، وظن بعض الفقهاء أن عويمرًا طلق زوجته ثلاثًا، وهذا خطأ.

وقال النبي: إن جاء الولد على صفة كذا فعويمر صادق، وإن جاء على صفة كذا فعويمر كاذب. فجاء الولد على الصفة التي تصدق عويمرًا فنُسب إلى أمه.

حق القتل والإعفاء من العقوبة

جاء في البخاري أن عويمرًا أتى عاصم بن عدي شيخ قبيلته وسيد بني عجلان فقال له: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فيقتلونه؟ أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله.

وذلك الحوار حدث قبل ظهور جريمة الزنا، مما يدل على أن عويمرًا كان يشك في امرأته وكان يتأهب للانتقام ويريد أن يعرف مركزه القانوني من ناحية العقوبة.

فتوجه عاصم إلى رسول الله وسأله، فغضب النبي؛ لأنه كان يكره المسألة التي لا يُحتاج إليها؛ أي التي لم تكن وقعت، لا سيما إن كان فيها هتك ستر مسلم أو مسلمة.

وبعبارة أخرى: إن النبي لم يكن يستحسن التشريع إلا للضرورة وعند الحاجة، وهذا هو نفس الخطة التي تسلكها الحكومات الحديثة في التشريع؛ فإنها لا تضيف نصوصًا جديدة إلا لمواجهة أحوال طارئة.

ثم إن سعد بن عبادة قال للنبي: يا رسول الله، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلًا؛ أيقتله؟

فقال: لا.

فقال سعد: بلى! والذي أكرمك بالحق، إن كنت لأعاجله بالسيف من غير صفح!

فقال رسول الله: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم! إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني.

وفي هذا رأي النبي صريح، بعد أن حل القرآن المسألة حلًّا مدنيًّا باللعان، ووجه النبي السؤال نفسه إلى أبي بكر فقال: كنت فاعلًا به شرًّا!

وقال عمر: كنت والله قاتله.

فهذا الإجماع من النبي وخليفتيه ورجل يعد سيد قومه دليل على أن القانون الإسلامي يبيح للزوج المغدور أن يقتل غريمه.

ولكن لما وقت الحادثة لعويمر جاء رسول الله وقال له: يا رسول الله، أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا إن تكلم جلدتموه (أي عقابًا على القذف في حق المحصنة)، وإن قتله قتلتموه (أي على افتراض عدم إباحة القاتل بسبب القتل)، أو سكت سكت على غيظ؟!

فقال رسول الله: اللهم افتح. وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان.

فاشتكى عويمر زوجته، وتم ما تقدم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤