الفصل الثاني

ميلاد نابوليون وطفولته

وُلد نابوليون في أجاكسيو في ١٥ أغسطس سنة ١٧٦٩ بعد أن ضُمَّتْ كورسيكا إلى فرنسا باتفاق بين جمهورية جينوا ولويس الخامس عشر.

وكان نحيف البدن ضعيفًا إلى حدِّ أنَّ أمَّه استعانتْ بمُرضِعٍ لتغذيتِه خوفًا عليه وإشفاقًا، ولم تجسُر على تعميده إلى أن بلغ السنتين ووَلَدَتْ أختَه ماري حنة، فانتهزَتِ الفرصة وعمَّدتْهما في وقت واحد، وكان يمتاز منذ ذلك العهد برأسٍ كبيرٍ لا يكاد يستقرُّ على عنقه، وكلَّما ترعرع زادتُ ملامِحُه وُضوحًا في الدلالة على قِلَّة الصبر وسوء الطَّبْع وشدة العناد، فلم يكن يَقْوَى عليه أحدٌ غيرُ أمِّه التي كانتْ على حنوِّها الشديد نحوَه صارمةً في معاملتِه حتى اضطُرَّتْ مرةً إلى جلْدِه، وقد بقِيَ تذكارُ ذلك الجَلْد حاضِرًا في ذهن الإمبراطور إلى الساعة الأخيرة، كما رَوَى خادمُه في جزيرة المنفى.

وكان على الرغم من المعارَضة واللَّوْم والتأنيب قويَّ الحُجَّة كثيرَ اللِّجاج، يُحبُّ التدخُّلَ في كل أمر، وفي ذلك يقول عند المقابَلة بينه وبين ابن الجنرال برتران: «كنتُ كهذا الولد، عنيدًا أحب الخصام ولا أهاب أحدًا، فأضرِبُ هذا وأخدِشُ ذاك بأظافري، ولا أخضَعُ إلَّا لوالِدتي التي كانتْ تَعرِف أن تضَعَ الجزاءَ والعقابَ كلًّا في موضِعِه.»

ومن الحوادث التي تُظهِر بعضَ ما كان عليه نابوليون من العزم والعناد في طفولته، ما رَوَتْه الكونتيسة دورسه عن أمِّه وكان عمره يومئذٍ ٧ سنين، قالت:

«كان نابوليون يتمشَّى في الحديقة فدَهَمَه المطرُ، وكانتْ أمُّه تُراقِبه مِن وراء زجاج النافِذة وتُشِير عليه بالدخول، إمَّا هو فلم يحفِل بإشارتِها وظلَّ على حالِه دونَ أن يُسرِع الخُطَى على الرغم من انْهِمار السَّيْل وقصْف الرَّعْد وثوران الزَّوْبعة، بل كان كأنَّه يشعر بلذَّةٍ غريبةٍ لوجودِه في تلك الحالة، ولمَّا انقَطَع الماءُ وصَفَتِ السماءُ عادَ وقد أصابَه البَلَل حتى العظم كما يقولون، وسارَ توًّا إلى أمِّه يستغْفِرها عن هذا العصيان محتجًّا بوجود التعوُّد على معاكسات الجوِّ؛ لأنَّه سيكون جنديًّا.»

figure
المدرسة الحربية الملكية في عهد لويس السادس عشر.

وكانتْ رغبتُه في الخِدْمة الحربية ظاهرةً في أكثر حركاتِه، فكان يرسم على الجدار صُوَر الجنود وقد اصطفَّتْ للقتال، كما كان يبدل من خبزه الأبيض بخبز الجنود الأسمر.

هذه الأمور تافهةٌ في ذاتِها، ولكنَّها ذات قِيمةٍ في حياة الرجل العظيم؛ لأنَّها تُظهِر تلك البذرة التي خرجتْ منها تلك الشجرة الكبيرة فتجعلنا نَفْهَم أسرارَ الغرابة التي كانتْ تتجلَّى في كثير من أعماله.

ومرَّتْ طفولة نابوليون بغير علةٍ تُذكَر، وانقضَى طور التسنين دون أن يُحدِث في حالته العمومية تأثيرًا، لولا قليلٌ من الصفراء والإسهال، تركا وجهَه شاحبًا قاتمًا، وجعلاه عصبيًّا قليل النوم سريع التهيُّج، مما جعل ذَوِيه غير مرة يَجْبَهونه باللَّوْم والتأنيب، دون أن يُدْرِكوا أنَّه غير مسئول عن هذه الحالة؛ لأنَّها حالةٌ مَرَضِيَّة، وكم من الوالدين حتى يومنا هذا يسيرون مع أولادهم على هذا النمط، إذا بدَرَ منهم بعضُ الحِدَّة أو ظهَرَتْ عليهم أعراضُ الكَسَل فيَقْسُون حيث يجب اللِّينُ، ولا يبحثون عن السبب الذي كثيرًا ما يكون من اختلال وظائف الهضْم، أو اعتلال أحد الأعضاء الرئيسية، أو الْتِهاب الحلق أو الأُذُن، وما شاكَلَ هذا.

وأُدْخِل نابوليون إلى المدرسة قبل العاشرة، فلبِثَ في «أوتن» مع أخيه جوزف ثلاثة أشهر وعشرين يومًا منتظرًا من حينٍ إلى آخَر أن ينتقل إلى مدرسة بريان Brienne الحربية.

ولم يَغِبْ عن أساتذته في أوتن ما كان عليه من العُبُوس والتفكير؛ لأنَّه كان يحب الانزواء، فلا يُعاشِر أحدًا، ولا يشترك مع رُفَقائه في الألعاب الرياضية وغيرها، وكان يَخْتَلِف عن أخيه جوزف كلَّ الاختلاف في العريكة والأخلاق، ولا يُشابِهُه إلَّا في الاجتهاد وحب المُطالَعة.

وبعد زمنٍ قصير ورَدَ على أبيه كتابٌ من وزير الحربية البرنس مونباره يُبشِّره فيه بتنازل الملك إلى قبوله في عِداد تلامذة مدرسة بريان، وكانتْ هذه المدرسة خصيصةً بالنُّبَلاء، فوَجَد نابوليون نفسَه غريبًا فيها، مُضطَهَدًا من رُفَقائه أبناء الأُسَر العريقة في النَّسَب المنتفخين غُرورًا انتفاخَهم بالمال، ومَن قرأ كتابَه إلى أبيه يومئذٍ يتبيَّنْ مِن خلال سطوره شدَّةَ الحَنَق الذي كان يُلْهِب قلبَ هذا الشاب في أوَّل مرحلة من حياته، فقد جاء فيه: «إذا كنتَ لا تستَطِيع أنْ تُعْطِيَني ما يلزم لأعيش في هذا المَعْهَد، فادْعُني إليك حالًا؛ فقدْ سَئِمَتْ نفسي التظاهُرَ بعدمِ الاكتراث بينما أعيش على مَرْأًى ومسمَعٍ من هؤلاء الأغرار الذين لا يَمْتازون عنِّي بشيءٍ سوى غناهم.»

وكانتْ رغبةُ الملك أن يتمَّ على أولاد النُّبَلاء نعمة التربية الاجتماعية، فأدْخَل في نظام المدرسة ما يُوجِب اختلاطَ التلامِذة بعضِهم ببعضٍ لتَلِين طِباعُهم بالاحتكاك ويَخِفُّ كبرياؤهم فيتعوَّدوا النظرَ إلى سواهم نظرةً أدنى إلى العدْل والمساواة، وكانتْ مدة الدراسة ستَّ سنوات لا يَجُوز في خلالها لتلميذٍ أن يطلُبَ إذنًا بالتغيُّب، كما أنَّه من الواجب على كلِّ فردٍ أن يَلْبَس ثيابَه ويَغْسِلَها بدون مُساعَدة خادِمٍ أو أَجِيرٍ، وأن يُجَعِّدَ شعرَه بنفسِه ويُرسِل منه ضفيرةً صغيرةً إلى الوراء، ولا يحقُّ له أنْ يذرَّ عليه «البودرة» إلَّا في الآحاد والأعياد، أمَّا السرير فكان بسيطًا، فِراشُه وغِطاؤُه لا يُغَيَّران صيفًا ولا شتاء.

وكانتِ الرياضةُ البدينةُ وكلُّ ما يزيد في قوة الجسم وخفَّتِه من الأمور الضرورية، أمَّا الرقصُ والموسيقى فليس لهما أن يأخُذا من أوقات الدرس كثيرًا ولا قليلًا، وكان العِقابُ بالضَّرْب ممنوعًا؛ لأنَّ الضرب «ممَّا يضرُّ بالصِّحَّة ويُذِلُّ النفسَ ويُفسِد الأخلاق»، ومِن الواجِب تَجَافِي العقاب ما أمكن؛ لأنَّه يجلِبُ العار على التلميذ ويحُطُّ من كرامتِه.

تلك هي الشرائط التي جرى عليها نظام مدرسة بريان لإعداد رجال أقوياء بدنًا وعقلًا، على أنَّها لم تكن تُحتَرم كلَّ الاحترام، فكم تغيَّب تلميذٌ! وكم عُوقِب بالضرب سواه! حُكِيَ أنَّ نابوليون استحقَّ القصاصَ مرةً فأُمِرَ أن يَرْكَع أمامَ باب غرفة الأكل ويتناوَل طعامَه على هذه الحال، فأطَاعَ إلَّا أنَّه ما كاد يَحْنِي ركبتَيْه حتى أصابَه قَيْءٌ شديدٌ ونوبةٌ عصبيةٌ واتَّفَق أنْ مرَّ المدير حينئذٍ، فأخَذَه بيدِه بعد أنْ وجَّه إلى المعلم كلماتِ اللَّوْم، وأسرَعَ أستاذُه في الرياضيات شاكيًا محتجًّا على إهانة أفضل تلاميذه.

وكانتِ العادةُ أن يَزُورَ المدارسَ الحربيةَ بين آونةٍ وأخرى مفتشٌ خاصٌّ غايتُه فحْصُ التلاميذ والإشرافُ على أحوال معيشَتِهم ودُرُوسِهم وصحَّتِهم؛ ليُقدِّم بذلك تقريرًا وافيًا إلى الوزير، فجاء بريان هذه المرة المسيو ده كراليو، وذلك في سبتمبر ١٧٨٣، ولمَّا رأى نابوليون أدرك حالًا ما عندَه من الاستعداد على الرغم من أنَّ معارف التلميذ الشاب كانتْ وقتئذٍ قليلةً لا تكاد تتعدَّى الرياضيات، فوقع اختيارُه عليه لإرسالِهِ إلى باريس، وحرَّر بذلك شهادةً أتَى فيها على وصْفِه من حيث القامة والبنية والصحة، ولم يَنْسَ أنْ يذكر فيها أنَّه ضعيفٌ في اللغة اللاتينية وفي الألعاب.

ثم جاءتْ أمُّه لزياتِه، فأفْرَغتْ جهدَها في إقناعِه بالعُدُول عن البحرية؛ حيث لا يَجِدُ إلَّا عدوَّيْن: الماء والنار. والذي زادَها قَلَقًا عليه ما رأتْ مِن نُحُولِه وتحوُّلِ ملامِحِه، حتى إنَّها أبَتْ بادئ ذي بدء أن تُصَدِّق أنَّه وَلَدُها، كما يقول نابوليون نفسُه في حديثٍ له مع الجنرال مونتولون؛ لأنَّه حقًّا كان قد تغيَّرَتْ صحتُه وساءتْ كثيرًا؛ لإفراطِه في الدَّرْس وسهر الليالي مُكِبًّا على المُطالَعة، وذلك «لأنَّ فطرتَه كانتْ تأبَى عليه إلَّا أن يكونَ الأوَّلَ في صفِّه».

ولا تُوجَد تفاصيلُ عن حياة نابوليون في بريان سوى ما كتبه أحدُ رُفَقائه في المدرسة ونشَرَه بعدَ سقوط الملكية؛ أي سنة ١٨١٥، فقد جاء في هذا الكتاب أنَّ نابوليون كان يَجْهَل تقريبًا الفرنسوية، فعيَّنوا له أستاذًا خصوصًا هو الأب ديبوي، وكانتْ ذاكرتُه ضعيفةً جدًّا؛ بحيث لا يَقْوَى على استظهار دروسِه، إلَّا أنَّه كان يَفْهَم بسرعةٍ معنى كلِّ ما يقرأ، وقد قرأ كثيرًا وخصوصًا التاريخ.

وكان متطرِّفًا في مدح الإنكليز وذم الفرنسويين، وقد اضطُرَّ فيما بعدُ إلى تغيير رأْيِه هذا، وكان لَوْن وجهِه أصفرَ شديدَ الاصفرار، فكان يعلِّل ذلك بأنَّه وهو في المهْد كانتِ الحرب مستَعِرةً في كورسيكا، فاضطُرَّتْ مُرْضِعُه أن تنجُوَ به إلى الجبال، وجلبتْ له عنزةً تُشارِكُها في إرضاعِه لقِلَّة لبنها، ولكنَّ العنزةَ ماتتْ فلم تَجِدْ غير الزيت لتغذِّيَه به (كذا).

figure
بونابرت حين كان طالبًا في المدرسة الحربية الملكية.

ويُقال: إنَّ نابوليون لم يكن ليشترك مع رُفَقائه في الرياضة واللعب، ولكنَّ الكاتب الذي يَدَّعِي أنَّه رافَقَ نابوليون أيام المدرسة يقول: إنَّه في باريس كان يلعب كغيره، ولا سيَّما لعبة تسمى لعبة اللِّصِّ وأخرى لعبة الصيد، وكلاهما حركةٌ وركضٌ. أمَّا ألعاب الخِفَّة فكان يَجْهَلها تمامًا حتى إنَّه لم يكن يعرف أن يَرْمِيَ حجرًا فيُصيب، بل إنَّه كان عاجزًا عن تجعيد شعرِه بذاتِه، وقد بلغ ذلك منه أن سمح له بالشذوذ عن القاعدة، فصار يدعو مُزَيِّنًا لتجعيده وإرسال جديلة وراء رأسه حسب زي تلك الأيام.

وقد غادر نابوليون بريان في ١٧ أكتوبر سنة ١٧٨٤ غادرها غير آسِفٍ؛ لأنَّ شوقَه إلى كورسيكا لم يَزَلْ مُتَّقِدًا وحنينُه إلى سمائها الجميلة لم يُزَايِل فؤادَه لحظة.

أمَّا مدرسة باريس فقد أُنْشِئَتْ على عهد لويس الخامس عشر بالقرب من الأنفاليد، كأنَّما أراد مُنشِئُها أن يُنْعِشَ الأبطال القُدَماء ويُفرِح شيخوختَهم بمنظر الشباب المعزِّي، ثم أُقْفِلَتْ واعتِيضَ عنها بمدرسةٍ خاصةٍ أُعِدَّتْ لقبول زهرة الطلاب ممَّن امتازوا في دروسهم من أي بلدٍ فرنسوي كانوا، وقد أظهر نابوليون أنَّه حائز الصفات المطلوبة فقُبِل فيها بسهولة.

ولا نَعرِف من حياة نابوليون في هذه المدرسة الملكية إلَّا نُتَفًا يَرْوِيها رُفَقاؤه، ومنها هذه الحادثة التي تدلُّ على نفسِه: كان الاعترافُ إجباريًّا في المدرسة، فإذا لم يَجِئِ التلميذُ من تلقاءِ نفسِه إلى الكنيسة جِيءَ به غَصْبًا، ووقف عند الباب حارسٌ يَمْنَعه من الخروج قبل أن يُتِمَّ هذا الفرضَ الديني، فلمَّا جاء دَوْر نابوليون ووقف أمامَ الكاهن سأَلَه هذا عن وَطَنِه، فأجابَه أنَّه من كورسيكا، فما كان من الكاهن إلَّا أنِ انطَلَق في ذمِّ الكورسيكيين وعدِّ عيوبِهم ولصوصيَّتِهم، فتكدَّر نابوليونُ واحتَدَمَ الجدالُ بينه وبين مُعَرِّفِه حتى انتقل من السبِّ إلى التهديد، وانتَهَى بأنْ ضرَبَ نابوليونُ بقبْضَةِ يدِه على الحديد الفاصل بينه وبين الكاهن، فكسَرَه وهجَمَ عليه، ولولا الحارس الذي أسرع إلى الفصْل بينهما لكانتْ معركة دموية، ولم يُعاقِبْه رؤساؤه على ما جرى؛ لأنَّه لم يفعل ذلك إلَّا دفعًا للإهانة التي أراد أن يُلِصْقَها الكاهن ببلاده.

وإليك حادثةً أخرى ليستْ أقلَّ دلالةً على أخلاقِه:

كانتِ العادةُ إذا مات قريبٌ لطالبٍ أن يُنَبِّئوه بذلك تدريجًا بعدَ أن يُدْعَى إلى غرفةٍ خاصةٍ يكون فيها وحدَه فيَتَّسِع له الاستسلام للحزن والبكاء، فلمَّا مات والِدُ بونابرت دعاه الرئيس وأخبَرَه بمُصابِه، وأشار عليه أن يَخْتَلِيَ إلى نفسِه في الغرفة المُعَدَّة للراحة والتطبيب، فما كان من نابوليون إلَّا أنْ أجابَه: «لن أذهب، فالبكاء للنساء، أمَّا الرجل فعليه أن يتعلَّم كيف يتألَّم، وأنا لم أصِلْ إلى هذه الساعة دون أن أفْتَكِرَ في الموت وأعوِّد نفسي عليه كما أعوِّدها على الحياة»، ولم تنحدرْ له دمعة وبقِيَ متتبَّعًا دروسَه بهدوءٍ، كأنْ لم يَمُتْ له أحدٌ، وكان يسمِّي هذا فلسفةً.

وخرج نابوليون من المدرسة في أكتوبر سنة ١٧٨٥ قاصِدًا فالانس، حيث انفَتَحَتْ أمامَه أبواب البيوتات وأخذتِ الطبقة الراقية تستقبل بلُطْفٍ وإعجابٍ هذا الضابطَ الشاب الذي يحمل في جيبه شهادةَ ليوتنان في فرقة المدفعية، ويُقال: إنَّه عندَما بلغَ قمةَ مجْدِه سنة ١٨٠٧ وصلَه يومًا من مُعلِّمة الرقْص هذه الكلمة: «إنَّ الذي قادَ خُطُواتِك الأولى في الصالونات يَسْتَنْجِدُ كرَمَك اليوم.»

ويشهَدُ أحدُ المؤرِّخين أنَّ فالانس واجتماعاتها كانتْ له مدرسةً كبرى شحَذَ فيها غرار ذكائه وادَّخَر ذلك الاختبار الواسِع وهو الذي يَصِفُه بقوله: كان صغيرًا حليقًا أصفر، بالِغًا من النُّحول حدَّه الأقصى، ضيِّق الكتِفَيْن تحت ثوبه الحربي، تُحيطُ برقَبَتِه ربطةٌ مُعَقَّدةٌ، ويُغَطِّي أذُنَيْه شعر رأسه المنبسط، وكان غائر الوجنتين، مطبق الشفتين، حادَّ النظر، قليلَ الكلام، وجيزَ العبارة، أجشَّ الصوت، وكلُّ ملامح وجهِه تدلُّ على العِناد والعَزْم وكثرة التفكير وحب الانفراد والنفور من الناس.

وكان يَشغَل أوقاتَ الفراغ بالقراءة والتأمُّلات، وأحبُّ المؤلِّفين إليه روسو الذي ترك أثرًا في كل ما كتب من ١٧٨٦ إلى ١٧٩٣، ولكنْ كان لهذا الميلِ والحبِّ حدٌّ فسَيَجِيءُ يومٌ يقول فيه عن معبوده الفيلسوف: كان خيرًا لفرنسا وراحتِها ألَّا يُولَد هذا الرجل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤