الفصل السابع والعشرون

السلطان الغازي عبد الحميد خان الأول

ابن السلطان أحمد الثالث، ولد سنة ١١٣٧ﻫ (الموافقة سنة ١٧٢٤م)، وقضى مدَّة حكم أخيه مصطفى الثالث محجوزًا في سرايته كما جرت به العادة، وفي اليوم الثالث من توليته توجَّه في موكب حافل إلى جامع أبي أيوب لتقلد سيف السلطان عثمان — مؤسس هذه الدولة — ولم يوزع على الجنود الإنعامات المعتادة لنضوب خزائن الدولة التي استنزفتها الحرب الأخيرة، ثم أقرَّ الصدر الأعظم محسن زاده وأغلب كبار الموظفين والقوَّاد البرية والبحرية في مناصبهم لعدم وقوع الخلل في الأعمال. أما الروسيا فكانت تستعدُّ استعدادًا هائلًا لرد ما فقدته من الاسم والشرف في أواخر أيام المرحوم مصطفى الثالث، ولم يأتِ شهر يونيو سنة ١٧٧٤ إلا وقد زحف الفلد مارشال رومانزوف الروسي بعد أن انضم إليه ما جمع من الجيوش تحت قيادة «سواروف» وكرامنسكي، وبعد عدَّة مناورات ومناوشات اجتاز الفلد مارشال نهر الطونة وسار قاصدًا مدينة وارنة، فالتقى مع الجيش الذي أرسله الصدر الأعظم من معسكره بمدينة «شوملا» تحت قيادة الرئيس أفندي عبد الرزاق، وهزمه بالقرب من مدينة يقال لها «قوزليجق» في (١٤ يوليو سنة ١٧٧٤)، وسار قاصدًا معسكر محسن زاده الصدر الأعظم، فطلب الصدر من رومانزوف المهادنة وتوقيف القتال، وأرسل إليه مندوبين للاتفاق على عقد الصلح وقبول الشروط التي رفضتها الدولة عند اجتماع مؤتمر بوخارست، فاجتمع المندوبان العثمانيان مع البرنس رابنين — سفير الروسيا — في مدينة قينارجه.

وبعد مخابرات طويلة وأخذ وردٍّ بين الطرفين قَبِلَ الصدر المعاهدة التي تم الاتفاق عليها في (٢١ يوليو سنة ١٧٧٤)، وهي مكونة من ثمانية وعشرين بندًا أهمها استقلال تتار القرم وبسارابيا وقوبان، مع حفظ سيادة الدولة العلية فيما يتعلق بالأمور الدينية، وتسليم كافة البلاد والأقاليم التي احتلتها الروسيا إلى خان القرم، ما عدا قلعتي كريش ويكي قلعة، وردُّ ما أُخِذَ من أملاك الدولة بالفلاخ والبغدان وبلاد الكرج ومنكريل وجزائر الروم ما عدا قبرطة الصغيرة وقبرطة الكبيرة وآزاق وقلبورن، وأن يعطى إلى إمبراطور الروسيا لقب باديشاه في المعاهدات والمحررات الرسمية، وأن يكون للمراكب الروسية حرية الملاحة في البحر الأسود والبحر المتوسط، وأن تبني الروسيا كنيسة بقسم بيرا بالآستانة، ويكون لها حق حماية جميع المسيحيين التابعين للمذهب الأرثوذكسي من رعايا الدولة، وأن تكون كافة المعاهدات السابقة لاغية وغير ذلك، ومن الغريب أنه لم يذكر شيء فيها عن مملكة بولونيا «لهستان» سبب هذه الحرب التي عادت على الدولة بأوخم العواقب.

وأضيف إلى هذه المعاهدة بندان سِرِّيَّان جاء في أحدهما أن الدولة تدفع إلى الروسيا مبلغ خمسة عشر ألف كيسة بصفة غرامة حربية على ثلاثة أقساط متساوية في (أول يناير سنة ١٧٧٥ وسنة ١٧٧٦ وسنة ١٧٧٧).

وفي الثاني أنها تقدِّم للروسيا المساعدات المقتضية للجلاء عما احتلته من جزائر الروم وسحب دونانمتها منها، وهذا نص معاهدة قينارجه kainarja نقلًا عن ترجمة الجزء الأوَّل من تاريخ جودت باشا:
  • المادة الأولى: كل ما سبق وقوعه بين الدولة العلية ودولة الروسيا من عداوة ومخاصمة قد مُحي وأزيل من الآن إلى الأبد، وكل الأضرار والتعدِّيات التي صار الشروع في استعمالها وإجرائها من الطرفين بالآلات الحربية وبغيرها صارت نسيًا منسيًّا إلى الأبد، ولا يجري بعد الآن ولا في وقت ما انتقام، بل صار الصلح برًّا وبحرًا عوضًا عن العدوان بوجه لا يعتريه التغير، بل يراعى ويصان من طرفي الهمايوني ومن طرف خلفائي الأماجد، وكذلك يحفظ ويصان ما جرى تمهيده مع ملكة الروسيا المشار إليها وحلفائها من الاتفاق والموالاة الصافية المؤبدة والسالمة من التغيير، وتستمرُّ هذه المواد جارية ومعتبرة بكمال الدقة والاهتمام، وتكون قضية الموالاة مرعية بهذه الصورة بين الدولتين وفي أملاكهما وبين رعايا الطرفين، بحيث لا تقع فيما بعد ضدِّية بين الفريقين لا سرًّا ولا جهرًا ولا نوع من أنواع البغضاء والأضرار، وبحسب الموالاة والمصافاة المتجدِّدتين تكون جرائم جميع الرعايا المتهمين لدى الدولتين وكيفما كانت تهمتهم بلا استثناء نسيًا منسيًّا ويعرض عنها بالكلية من الجهتين، والذين أخذوا منهم ووضعوا في السجون يطلق سبيلهم، وتعطى الرخصة برجوع الأشخاص الذين نفوا إلى الجهات، وبعد إمضاء المصالحة يردُّ إليهم ما كانوا أحرزوه من الرتب والأموال والذين استحقوا منهم عقابًا من أي نوع كان لا يتعرَّض لهم بسبب ما أصلًا أو بوسيلة ما أصلًا أو بوسيلة ما أصلًا ولا بضرر وتأديب، وإذا تصدَّى أحد لضررهم والتعرُّض لهم يصير تأديبه، وكل من المذكورين يكون تحت حماية ومحافظة القوانين، ومن الواجب معاشرتهم بحسب عادات الولايات قياسًا على الولايات المتاخمة.
  • المادة الثانية: بعد تنقيح هذه العهدة المباركة ومبادلة صكوك التصديق إذا ظهر من بعض رعايا الدولتين عدم الطاعة أو خيانة أو اتهموا بتهمة أخرى ووجدوا في بلاد إحدى الدولتين لقصد الاختفاء أو الالتجاء فهؤلاء — ما عدا الذين دخلوا منهم في الدين الإسلامي في دولتي العلية والذين تنصروا في دولة الروسيا — لا يقبلون أصلًا ولا تجري لهم الحماية بل بالحال يردُّون إلى بلادهم أو يطردون من بلاد الدولة التي التجئوا إليها، وذلك حتى لا يحصل بين الدولتين بسبب أشخاص لا نفع فيهم أمر يُفضي إلى البرودة بين الطرفين أو يكون باعثًا لبحث لا طائل تحته، كذلك إذا حصل من أحد رعايا الطرفين — سواء كان من الإسلام أو من زمرة المسيحيين — ذنب أو تقصير وعلى أي ملاحظة كانت، التجأ لإحدى الدولتين؛ فإنه ينبغي ردُّه عند طلبه بلا تأخير.
  • المادة الثالثة: جميع قبائل القريم وطوائف بوجاق وقوبان وبديسان وجانبويق ويديجكول التاتارية يصير قبولها والاعتراف بحريتها بلا استثناء من طرف الدولتين بشرط أن لا تكون تلك القبائل تابعة لدولة أجنبية بوجه ما، والخانات المنتخبون من نسل آل جنكيز المستقلون في حكوماتهم باتفاق جميع طوائف التاتار يبقون على ما هم عليه يحكمون في الطوائف المرقومة بحسب قانونهم وعاداتهم القديمة، بشرط أن لا يؤدُّوا ضريبة من مادة ما لدولة من الدول الأخرى، ودولتنا العلية ودولة الروسيا لا يتدخلان في أمر انتخاب الخانات المومأ إليهم ونصبهم، ولا فيما يحدث من أمورهم المخصوصة ولا في أمور حكومتهم بوجه ما، بل يكون حكمهم نافذًا في حكومتهم وفي الأمور الخارجية كدولة مستقلة مثل سائر الدول المستقلة، وطائفة التاتار المرقومة تكون مقبولة ومعترفًا بكونها غير تابعة لأحد سوى الحق سبحانه وتعالى، وحيث إن الطائفة المذكورة هي من أهل الإسلام، وكون ذاتي السلطانية الموسومة بالعدالة هي إمام المسلمين وخليفة الموحدين، فإنها توجب على الطائفة المرقومة أن لا تلقى خللًا في الحرية الممنوحة لدولتهم وبلادهم، بل يجب أن تنظِّم أمورها المذهبية من طرفي الهمايوني بمقتضى الشريعة الإسلامية، وأراضي كرش وأراضي القلعة المسماة بالقلعة الجديدة التي خصصت لدولة الروسيا والقصبة الواقعة بجانب قريم وقوبان ما عدا ثغورها والقلاع والأماكن والأراضي التي وقع الاستيلاء عليها.

    وجميع الأراضي الواقعة بين مياه برادونسكي ودي دادزي ومياه نهريْ آق صو وطور له حتى حدود مملكة «له»، فهذه جميعها تردُّ للطوائف المرقومة، وقلعة أوزي مع قطعتها القديمة تبقى تحت تصرف دولتي العلية كالسابق، وبعد تكميل عهدة المصالحة تتعهد دولة الروسيا بإخراج جميع عساكرها من الممالك التاتارية، وتتعهد دولتي العلية أيضًا بكفِّ يدها عما هو لها — كليًّا كان أو جزئيًّا — من جميع أنواع القلاع والقصبات والمساكن وسائر الأشياء الواقعة في جزيرة القريم وجزيرة قوبان وطمان، وأن لا ترسل فيما يأتي محافظًا عسكريًّا للمحل المرقوم أو عساكر، بل ترد الممالك المذكورة لطوائف التاتار المرقومة بالوجه المحرر. وكما أن دولة الروسيا جعلت الطوائف المرقومة غير تابعة لأحد ومستقلة في حكومتها على وجه أن تكون الحرية المطلقة معمولًا بها فيها، كذلك دولتنا العلية تتعهد بأن لا ترسل فيما يأتي للقصبات والقلاع والأراضي والمساكن المذكورة محافظًا عسكريًّا ولا غيره من زمرة عساكر السكبان أو غيرها كيفما كان اسمهم ونوعهم، والحرية الممنوحة للطوائف المرقومة من طرف دولة الروسيا تمنحها لها أيضًا دولتنا مع الاستقلال بحيث لا تكون الطوائف المذكورة تابعة لأحد.

  • المادة الرابعة: لما كان بمقتضى القواعد الأصلية المخصوصة بجميع الدول، يجوز لكل دولة أن تُجري في ممالكها ما تراه مناسبًا من النظام، فللدولتين المتعاقدتين الرخصة الكاملة المطلقة بدون تقييد أن تبنيا ما تستنسبه من القلاع والمدن والقصبات والأبنية، وأن يصلح كل منهما ويجدِّد ما يكون قديمًا من قلاعهما وقصباتهما وسائر أملاكهما.
  • المادة الخامسة: وحيث إنه قد تيسَّر تجديد ما للجوار من حقوق الموالاة والمصافاة بانعقاد هذه المصالحة المباركة، فلدولة الروسيا أن تعيِّن من طرفها في الآستانة «أنوبياتو» — يعني سفيرًا متوسطًا أو مرخصًا من الدرجة الثانية — فيقيم دائمًا لدى دولتنا العلية، وعلى الدولة العلية أن تجري للسفير المومأ إليه — بالنظر لرتبته — مراسم الاعتبار والرعاية الجارية منها لسفراء الدول الأوفر اعتبارًا، وإذا وقع احتفال رسمي عمومي وكان سفير إمبراطور الألمان في رتبة رفيعة أو صغيرة فإنه يكون بعد سفير «ندرلاند» (أي هولاندا أو الفلمنك) الكبير، وإذا لم يكن لدولة ندرلاند سفير كبير فإنه يكون بعد سفير ونديك الكبير (أي البندقية).
  • المادة السادسة: إذا وقعت سرقة أو تهمة عظيمة أو أمر غير لائق يستوجب التعزير من الذين هم بالفعل في خدمة سفير دولة الروسيا، فبعد التقرير يجب استرداد تلك الأشياء المسروقة بالتمام على الوجه الذي يبينه السفير، والذين يتصوَّرون قبول الدين المحمدي وهم في حالة السكر فلا يقبلون في الدين المحمدي، بل بعد زوال السكر ورجوعهم إلى حالتهم الأصلية بعود عقولهم لرءوسهم، يطلب منهم بيان إقرارهم واعترافهم في مواجهة من يرسله السفير أيضًا وأمام بعض المسلمين ممن ليس لهم غرض، ثم يصير قبولهم على هذا الوجه.
  • المادة السابعة: تتعهد دولتنا العلية أن تصون حق الديانة المسيحية وكنائس المسيحيين صيانة قوية، وتمنح سفراء دولة الروسيا الرخصة بإبراز التفهيمات المتنوِّعة عند كل احتياج، سواء أكان متعلقًا في الكنيسة المذكورة في المادة الرابعة عشرة الكائنة في محروسة القسطنطينية أو في صيانة خادميها، وإذا عرض السفير المومأ إليه شيئًا ما بواسطة معتمد له يتعلق بدولة مصافية ومجاورة لدولتي العلية، فتتعهد دولتنا العلية بقبول المعروض والمعتمد.
  • المادة الثامنة: تعطى الرخصة التامة لرهبان دولة الروسيا ولسائر رعاياها بزيارة القدس الشريف وسائر الأماكن التي تستحقُّ الزيارة، ولا يتكلف المسافرون ولا السائحون لدفع نوع من أنواع الجزية والخراج والويركو أصلًا، ولا يطلب ذلك منهم أثناء الطريق لا في القدس الشريف ولا في سائر الأماكن، وتعطى لهم الفرمانات بالوجه اللائق مع أوامر الطريق التي تعطى إلى رعايا سائر الدول والذين يقيمون منهم في أراضي دولتي العلية لا يمكن أن يحصل لهم تعرض ومداخلة بوجه من الوجوه، بل تصير حمايتهم وصيانتهم تمامًا بمقتضى قوَّة أحكام الشريعة.
  • المادة التاسعة: المترجمون الموجودون في خدمة سفراء الروسيا المقيمين في محروسة القسطنطينية من أي ملة كانوا حيث خدموا أمور الدولة وخدمتهم هذه راجعة للدولتين، فإنهم يعامَلون بكمال المروءة والاعتبار، ولا تجوز مؤاخذتهم في الأمور المكلفين بها من طرف من هم بخدمته.
  • المادة العاشرة: لحين إمضاء هذه المصالحة المباركة وإيصال التنبيهات اللازمة من طرف سردارية عساكر الطرفين للمحلات المقتضية إذا حدثت خلال ذلك مخاصمة في أي محل كان لا يعدُّ ذلك تعرُّضًا، وما يحصل بسبب ذلك من الفتوحات والاستيلاء لا يعتبر، ويكون كأنه لم يكن ولا أحد من الدولتين يستفيد من مثل هذا شيئًا.
  • المادة الحادية عشرة: قد تقرَّر لأجل منفعة الدولتين سير سفنهما وسفن تجارهما بلا مانع في جميع بحارهما، وتعطى الرخصة من جانب دولتي العلية إلى سفن روسيا وسفن تجارها بأن تتمتَّع بالتجارة في كل الأساكل وكل محل بالوجه الذي أجازته دولتي العلية فيها لسائر الدول، وأن يمكثوا في المعابر والثغور المتصلة بالبحار المذكورة وفي عموم المرافئ والشطوط الساحلية، من البحر الأبيض إلى البحر الأسود ومن البحر الأسود إلى البحر الأبيض، وكما صار البيان أعلاه بحق هذه المادة قد أعطيت الرخصة من جانب دولتي العلية إلى رعايا دولة الروسيا بأن يتَّجِرُوا برًّا مع أهالي ممالك دولتنا العلية، ويكون لهم ما حصلت به المساعدة والمسالمة والمعافيات في التجارة البحرية إلى أحب أصدقائنا فرنسا وإنكلترا، ويسيرون على هذا المنوال في نهر الطونة.

    وعند ظهور أي نوع كان من الاحتياج، سواء أكان في أمر التجارة أو فيما يتعلق بنفس التجار أو بالجميع، تراعى شروط الملتين المذكورتين، وتعتبر على الوجه المحرر لفظًا بلفظ في هذه المادة، ولتجار الروسيا أن ينقلوا ويخرجوا كل نوع من الأمتعة، بعد أن يؤدُّوا الرسومات التي يعطيها غيرهم من الملل المذكورة، ويجوز لهم أن يصلوا إلى سواحل ومرافئ البحر الأسود وسائر البحار وإلى محروسة القسطنطينية، وقد رخص لرعايا الطرفين بالتجارة وتسيير السفن في عموم مياه المواضع المذكورة بلا استثناء، وأعطيت لهم الرخصة من جانب الدولتين بالإقامة في بلادهما المدَّة اللازمة لإدارة مصالحهم وتجارتهم، وحصل التعهد بذلك من الطرفين بهذا الباب بأن يكون لتجار روسيا أيضًا ما لرعايا سائر الدول المتحابة من الحرية والمسالمة. ولكون المحافظة على النظام في كل المواد هي من ألزم الأمور أعطيت الرخصة من جانب دولتنا العلية بتعيين قناصل ووكلاء قناصل من طرف دولة روسيا في عموم المواقع التي ترى أنها لازمة لذلك، ويعتبرون في سائر الأمور مثل قناصل سائر الدول المتحابة، وقد رخص لهؤلاء القناصل ووكلاء القناصل بأن يستخدموا في معيتهم مترجمين من المسلمين الحائزين براءتي الشاهانية المعبر عنها «ببرأتلي»، ويكون لهؤلاء المترجمين ما لأمثالهم الموجودين في خدمة إنكلترا وفرنسا وسائر الملل من المعافيات، وأعطيت الرخصة من جانب دولة الروسيا إلى رعايا دولتي العلية بأن يتاجروا برًّا وبحرًا في ممالك روسيا ويكون لهم ما لسائر الملل المتحابة مع روسيا من الامتيازات والمعافيات، وذلك بعد أداء الرسوم المعتادة، وتجري المساعدة بكل وجه لسفن الدولتين التي تطرأ عليها الطوارئ في أثناء سيرها في البحر، يعني عند وقوع حوادث تلزم لها الإعانة بما يلزم لجانب سائر الدول الأوفر صداقة، ويؤخذ لهذه السفن ما يلزمها من الأشياء بالأسعار الجارية.

  • المادة الثانية عشرة: إذا رغبت دولة الروسيا أن تعقد معاهدة تجارية مع الإفريقيين؛ أي حكومات طرابلس الغرب وتونس والجزائر، فدولتنا العلية تتعهد ببذل اعتبارها وجهدها لحصول دولة روسيا على مرغوبها، وتكفل حكومات الأيالات المذكورة بأنها تحافظ على العهود المرسومة.
  • المادة الثالثة عشرة: يلزم استعمال هذه العبارة في اللسان التركي (تمامًا روسيه لولرك بادشاهي) يعنى (إمبراطور جميع بلاد الروسيا) من طرف دولتنا العلية في جميع السندات وعامة المكاتيب وفي كل خصوص اقتضى وضع هذا اللقب المعتبر أعني (تمامًا روسيه لولرك إمبراطور يجه سي) (إمبراطور عموم روسيا).
  • المادة الرابعة عشرة: يجوز لدولة روسيا أن تبني كنيسة على الطريق العام في محلة «بك أوغلي» في جهة غلطة، غير الكنيسة المخصوصة، قياسًا على سائر الدول.

    هذه الكنيسة هي كنيسة العوام، وتسمى كنيسة «دوسوغرنه»، وتكون تحت صيانة سفير دولة روسيا إلى الأبد، وتكون أمينة من كلِّ تعرض ومداخلة وتصير حراستها.

  • المادة الخامسة عشرة: إنه بمقتضى النظام الذي به تعينت وتحدَّدت حدود الدولتين يبعد عن الملاحظة وجود أمر يستوجب نزاعًا جسيمًا يوجب المباحثة لرعايا الطرفين، لكن لأجل دفع أسباب المضار والخسائر المحتمل ظهورها من عوارض غير مأمولة قد وقع القرار بالاتفاق بين الدولتين أنه عند حدوث أمر كهذا يجب على الحاكم الموجود على طرف الحدود أن يفتش على المادَّة التي حدثت، أو أنه يجري فحصها بمعرفة مأمورين يتعينون لذلك، وبعد تفتيش المادة كما ينبغي يجرون إحقاق الحق لصاحبه بلا تأخير، وحصل التعهد الصافي بأن مادة حسن النظام والموالاة التي تمهدت حديثًا وانعقدت بهذه العهدة المباركة لا تتغير أصلًا بحدوث قضايا كهذه.
  • المادة السادسة عشرة: تردُّ دولة روسيا لدولتي العلية مملكة البوجاق مع قلاع أقكرمان وكلي وإسماعيل وسائر القصبات والقرى بما فيها من جميع الأشياء، وتردُّ لدولتي العلية قلعة بندر أيضًا، وكذلك تردُّ لدولتي العلية أيالتي الأفلاق والبغدان مع كافة قلاعها ومدنها وقصباتها وقراها وما هو داخلها من جميع الأشياء، وقد قبلت دولتي العلية الممالك المرقومة على الشروط الآتي بيانها، وتعهدت بحفظ الشروط المذكورة تمامًا، ووعدت بذلك وعدًا معمولًا به:
    • أوَّلًا: يجري العفو عن أهالي هاته الحكومات الجديدة جميعًا من أي قسم كانوا من المراتب والكيفيات والحال والاسم والوجاهة بلا استثناء، وأن تغضي عما ظنَّ فيهم من الأعمال المغايرة، وكل تهمة تتعلق بهم من الحركات التي كانت مخالفة لأمور دولتي العلية تكون نسيًا منسيًّا إلى الأبد، وعلى موجب مضمون المادة الأولى يصير إعادتهم إلى مناصبهم ورتبهم، وتردُّ أملاكهم السابقة، ويعودون إلى ما كانوا يملكونه من الأملاك قبل الحرب وتجدَّد أمورهم.
    • ثانيًا: الديانة المسيحية تكون من كل الوجوه حرَّة كالأوَّل، ولا يحصل ممانعة لإجرائها قط، ولا يمنع إحداث كنائس جديدة ولا ترميم الكنائس القديمة.
    • ثالثًا: الأراضي والأملاك الموجودة ضمن دائرة إبرائل وخوتين وفي سائر المواضع المأخوذة بغير حق المتعلقة من القديم بالأديرة وبسائر الأشخاص، فهذه جميعًا تردُّ للمرسومين المعبر عنهم الآن بالرعايا.
    • رابعًا: يكون لجماعة الرهبان الاعتبار بما يناسبهم من الامتياز.
    • خامسًا: يرخص للأعيان الذين يرغبون التوجه إلى محل آخر بترك الوطن أن ينقلوا أشياءهم بالحرِّية، وأن يمهلوا مدة سنة للانتقال من وطنهم؛ وذلك ليكون لهم وقت كافٍ لتنظيم مصالحهم، وتعتبر هذه المهلة من تاريخ التصديق على الصك.
    • سادسًا: لا يصير تحصيل شيء لا نقود ولا خلاف ذلك من المحاسبات القديمة مهما كانت.
    • سابعًا: لا يصير تكليفهم ولا مطالبتهم بشيء عن مدَّة الحرب بتمامها، بل نظرًا لما صادفوه بأثناء امتداد الحرب من المضرَّات والتخريب قد أعطي بعد ذلك للمذكورين أيضًا مهلة سنتين تعتبر من تاريخ مبادلة صك التصديق الهمايوني.
    • ثامنًا: بعد انقضاء هذه المهلة تتعهد دولتنا العلية بمعاملتهم بالمروءة الكلية في أمر تعيين الجزية، وتحافظ على سخائها الجليل على قدر الإمكان، ويصير تأدية جزيتهم بواسطة مبعوثيهم مرة في كل سنتين، وبعد أداء هذه الجزية بتمامها فلا يتعرض لهم أحد أصلًا كائنًا من كان من باشا أو حاكم، ولا يطالَبون بشيء ما من اقتراحات الضرائب بأي اسم كانت، بل يكونون متمتعين بالامتيازات التي تمتعوا بها في الزمن السعيد أيام سلطنة جدِّي الأمجد السلطان محمد خان الرابع.
    • تاسعًا: يرخص لأمراء هذه الحكومات أن يقيم كل منهم من طرفه وكيلًا لدى دولتي العلية باسم: مصلحتكدار، ويكون هؤلاء الوكلاء نصارى من ملة الروم بدلًا عن القبوكتخدايات الذين كانوا يتعاطون رؤية أمور الملك وتجري في حقهم من جانب دولتي العلية المعاملة بكمال المروءة وينالون ما يستحقونه بحسب قواعد الملل؛ أي إنهم يكونون معتبرين ومن كل تعرُّض آمنين ومصانين.
    • عاشرًا: تعطى الرخصة وتحصل الموافقة من جانب الدولة العلية إلى سفراء إمبراطورية الروسيا بأن يتذاكروا عند الاقتضاء فيما يتعلق بصيانة ومساعدة الحكومتين المذكورتين، وتتعهَّد الدولة العلية برعاية ما يعرضه سفراء الروسيا من المواد بحسب اعتبار الصداقة اللائقة بالدولتين.
  • المادة السابعة عشرة:
    • أولًا: يلزم دولة الروسيا أن تردَّ إلى دولتي العلية جزائر البحر الأبيض التي هي الآن تحت حكمها، وتتعهد دولتي العلية بأن تجري في حق أهل الجزائر المذكورة كمال الرعاية والعدل، وتعاملهم بالعفو عن جميع أنواع القباحات المصرَّح بها فى المادة السالفة وعموم الأفعال التي جرت بمظنة المخالفة لأمور دولتي العلية، فهذه جميعها تكون نسيًا منسيًّا ومُعفًى عنها بالكلية.
    • ثانيًا: لا يصير أدنى تعرُّض وتضييق على ديانة المسيحيين، ولا يحصل ممانعة بوجه ما في أمر تعيين وتجديد الكنائس المذكورة.
    • ثالثًا: بسبب التكديرات والتخريبات التي أورثتها لهم هذه المحاربة من تاريخ وجودهم تحت حكومة دولة الروسيا، وبعد مرور سنتين من تاريخ استرداد الجزائر المذكورة لدولتي العلية، لا يستحصل من أهالي الجزائر المذكورين رسم سنوي من أي نوع كان أصلًا.
    • رابعًا: الذين يرغبون في ترك الوطن ويريدون التوجه إلى بلاد أخرى تعطى لهم الرخصة من جانب دولتي العلية بنقل أموالهم وأشيائهم، ولكي يكون لهم وقت كافٍ لتنظيم مصالحهم يمهلون مدَّة سنة كاملة اعتبارًا من تاريخ مبادلة التصديق على صك المعاهدة.
    • خامسًا: يلزم رجوع أسطول روسيا من مياه الدولة العلية في مدَّة ثلاثة أشهر من بعد مبادلة التصديق على هذا الصك، وإذا احتاج الأسطول لشيء فعلى دولتي العلية أن تعينه على قدر الإمكان.
  • المادة الثامنة عشرة: قلعة قلبرون الواقعة في بوغاز أوزي صوي مع مقدار كافٍ من الأراضي الكائنة في ساحل الطرف الشمالي من النهر المذكور مع الصحراء الخالية الواقعة بين آق صوواوزي صو، تبقى مستقلة على الدوام تحت تصرُّف روسيا بلا معارضة.
  • المادة التاسعة عشرة: يكي قلعة، الواقعة في جزيرة القريم وجميع ما هو موجود داخل كرش وثغورها مع أراضيها من البحر الأسود إلى حدود كرش القديمة طولًا لحدِّ المحل المسمى بوخارجه وسن بوخارجه على خط مستقيم من الأعلى إلى بحر آزاق يبقى تحت تصرف روسيا على الدوام بلا معارضة.
  • المادة العشرون: بحسب مفهوم السندات التي عقدت بين الحاكم تولستوي وبين حسن باشا — محافظ آجو — بتاريخ سنة ١٧٠٠ ميلادية وسنة ١١٠٠ هجرية، خصصت قلعة آزاق بحدودها الأولى إلى دولة الروسيا للأبد.
  • المادة الحادية والعشرون: وحيث إن القبارطتين؛ أي القبارطة الكبيرة والقبارطة الصغيرة لهما تعلق مع خانات القريم بسبب وقوعهما في جوار طائفة التاتار قد أحيلت مادة تخصيصها لدولة الروسيا إلى خانات القريم ومشورتهم وإلى رأي رؤساء التاتار.
  • المادة الثانية والعشرون: قد تقرر بالاتفاق بين الدولتين محو وإزالة جميع الشروط والعهود السابقة والعهدة الواقعة في قلعة بلغراد المنعقدة بينهما وما حدث بعدها من كافة الشروط محوًا أبديًّا، وهو أن كلًّا من الدولتين المتعاقدتين لا يقوم بداعية ما من حيث العهود المذكورة، ويستثنى من تلك الشروط الواقعة في سنة ١٧٠٠ ميلادية بين الحاكم تولستوي وبين حسن باشا — محافظ قلعة آجو — فيما يتعلق بتعيين وتحديد حدود القلعة المذكورة وحدود قوبان، فإن الشروط المذكورة تبقى كالأوَّل بلا تغيير.
  • المادة الثالثة والعشرون: أن قلاع «بغداجق» وكونانسي «وشهربان» الكائنة في حوالي كورجي ومكريل المستولية عليها عساكر الروسيا تقبلها دولة الروسيا على أن تكون هذه القلاع لأصحابها الأصليين؛ وذلك أنه بعد التحقيق إذا تبيَّن أن دولتي العلية كانت مالكة لها منذ القدم أو منذ مدَّة مديدة حينئذ تكون عائدة لدولتي العلية، وبعد مبادلة التصديق على هذا الصك المبارك تخلي عساكر الروسيا القلاع المذكورة في الوقت المعين، ودولتي العلية تتعهد أيضًا بحسب مضمون المادَّة السابقة بأن تشمل بالعفو جميع الذين صدرت منهم حركات ضدَّ دولتي العلية في أثناء امتداد المحاربة، وأن تكفَّ يدها إلى الأبد عن أخذ الويركو عن الصبيان والبنات وعن طلب أي نوع كان من الجزية، وأنه ما عدا الذين لهم تعلق بها من القديم لا تدعي على فرد واحد من الطوائف المذكورة بكونه من رعاياها، وأنها تترك مرة أخرى جميع الأراضي وسائر الاستحكامات التي ضبطها الكرجيون والمكريون لحكومتهم ولمحافظتهم المطلقة، وأنها لا تتعرَّض ولا تجري تضييقًا على أديرة وكنائس الديانة بوجه ما، ولا تمنع ترميم القديم ولا بناء الجديد منها، وبأن تمنع باشا جلدر وجميع رؤساء الجيوش والضباط من التعرُّض بأيِّ داعٍ كان لأموال الأديرة والكنائس المذكورة وإضاعتها، ولا تتعرَّض دولة الروسيا للطوائف المذكورة، ولا تتدخل في أمورهم لأنهم من رعايا دولتي العلية.
  • المادة الرابعة والعشرون: بعد إمضاء المواد والتصديق عليها تتهيأ بالحال جميع عساكر الروسيا الموجودة في الجهة اليمنى من نهر الطونة للعودة والرجوع بحيث في ظرف شهر واحد تقطع الضفة اليسرى عن نهر الطونة المذكور، وبعد مرور العساكر المذكورة تمامًا إلى الضفة اليسرى المرقومة يصير إخلاء قلعة حرسوه وتسلَّم لعساكر الإسلام وبعده تحصل المبادرة دفعة وفي آن واحد لتخلية مملكتي الأفلاق والبوجاق، وقد تعين لهذا الإخلاء مهلة شهرين، وبعد انسحاب كافة عسكر روسيا من المملكتين المذكورتين تترك عساكر روسيا من الجهة الواحدة قلعة يركوك وبعده قلعة أبرائل، ومن الجهة الأخرى قصبة إسماعيل وقلاع كلي وأقكرمان، وتسير متوجهة لتلتحق بسائر عساكرها تاركة القلاع المذكورة للعساكر الإسلامية، وقد خصص لتخلية المملكتين المذكورتين مهلة ثلاثة أشهر.

    وبعد ذلك تترك عساكر روسيا مملكة بغدان وتمرُّ في الجهة اليسرى من نهر طورله، وعلى هذه الصورة تحصل تخلية المواضع والممالك السابق ذكرها، يعني في مدة خمسة أشهر بعد إمضاء المعاهدة والمصالحة المؤبدة بين الدولتين، وعند مرور كافة عساكر روسيا للضفة اليسرى من نهر «طور له» حينئذ يصير تسليم قلاع خوتين وبندر للعساكر الإسلامية. وأما أراضي قلبرون التي سبق التصريح عنها وزاوية الصحراء الواقعة بين آق صو وأوزي صو، يصير تسليمها على الوجه الموضح في المادة الثامنة عشرة بهذه الشروط وفي الوقت المذكور لدولة الروسيا، وتكون إلى الأبد مصونة من التعرُّض، وعلى عساكر روسيا الموجودة في جهات جزائر البحر الأبيض أن تجري بالسرعة الممكنة ما يتعلق بأسطول الجزائر المذكور من المصالح والتنظيمات الداخلية، وترد الجزائر المذكورة كالأوَّل لتضبطها دولتي العلية مصونة من التعرض؛ لأنه نظرًا لبعد المسافة لا يمكن تعيين وقت لذلك، ونظرًا لاستعجال عزيمة أسطول روسيا ولكونها دولة مصافية فدولتي العلية تتعهد بإعانة الأسطول المذكور في إيفاء لوازمه وبإعطائه كل شيء في الوسع والإمكان، وما دامت عساكر روسيا موجودة في الممالك المستردة لدولتي العلية على الصورة المذكورة فحكومتها وما يتعلق بها من النظامات تستمر جارية فيها كما كانت في الوقت الذي كانت فيه بيدها وإلى حين خروج جميع عساكر روسيا من الممالك المذكورة لا تقع مداخلة من جانب دولتي العلية في أمورها، ويبقى العمل في كيفية تناول ما يلزم من المأكولات ومداركة سائر لوازم عساكر روسيا في الممالك الموجودة فيها على ما هو الآن إلى حين خروجها منها تمامًا، ولا تضع دولتي العلية قدمًا في القلاع المستردَّة المذكورة ما لم يرسل سر عسكر روسيا الأوَّل الخبر إلى مأموري دولتي العلية الذين عينوا لهذا الأمر بتخلية وفراغ كل محل من الممالك المذكورة وبعدم إجراء حكومتها فيها، والذخائر والمهمات التي للروسيا في هذه القلاع والقصبات يصير إخراجها من طرف عساكر روسيا بالوجه الذي تريده، وتترك مدافع دولتي العلية التي وجدت في القلاع المسترَّدة لدولتي العلية، والذين استعملوا في خدمة دولة روسيا من أهالي الولايات المسترَّدة لدولتي العلية من أي جنس، وفي أي حال وكيفية كانوا إذا رغبوا في الانسحاب والانتقال بأهلهم وعيالهم وأموالهم مع عساكر روسيا في المدَّة السنوية المنعقدة لا يُمنعون، وتتعهد دولتي العلية بعدم ممانعتهم بأيِّ وجه كان بموجب الشروط المذكورة، سواء خرجوا في ذلك الزمن أو في مدَّة سنة كاملة.

  • المادة الخامسة والعشرون: جميع أسرى الحرب من ذكور وإناث من أي درجة ورتبة كانوا يُسرَّحون ويردون إلى أوطانهم ما عدا المسيحيين الذين دخلوا في الدين المحمدي بإرادتهم في دولتي العلية، والمسلمين الذين تنصروا بإرادتهم في أثناء وجودهم في أراضي روسيا، وهذا كله بعد مبادلة التصديق على صكوك هذه العهدة المباركة حالًا بلا عذر أصلًا وبلا عوض وبغير فدية، وكذلك جميع المسيحيين الذين وقعوا في الاسترقاق من لهيين وبغدانيين وأفلاقيين ومن أهالي المورة والجزائر والكرجيين كافة بلا استثناء، يعتقون بلا ثمن وبغير عوض، وكذلك الذين استرقوا من رعايا روسيا ووجدوا في ممالكي المحروسة يصير تسليمهم وردُّهم إلى مواطنهم، وذلك بعد انعقاد هذه المصالحة المباركة، وكذلك تجري هذه الأمور أيضًا بهذه الصورة عينها في حق رعايا دولتي العلية.
  • المادة السادسة والعشرون: لأوَّل وصول الخبر عن إمضاء هذه المواد إلى القرم وأوزي، يخابر سر عسكر روسيا الموجود في القرم بالواقع محافظ أوزي، وفي مدَّة شهرين يرسلان مأمورين معتمدين لأجل تسليم قلعة قلبرون مع الصحاري المصرحة في المادة الثامنة عشرة التي مرَّ ذكرها، والمعتمدون المذكورون يجرون تمام المادة المذكورة في مدة شهرين من تاريخ مقابلتهم واجتماعهم؛ يعني أن المادة المذكورة تجري بتمامها في مدة أربعة أشهر من تاريخ يوم إمضاء هذه المعاهدة، وإن أمكن ففي أقل من ذلك بدون تأخير يخبرون الصدر الأعظم والفلد مارشال عن إكمال مأموريتهم.
  • المادة السابعة والعشرون: لأجل زيادة تأكيد وتمهيد وتقوية هذه المصالحة المباركة والموالاة والمصافاة بين الدولتين يصير بعث وتسيير سفيرين كبيرين فوق العادة، حاملين صكوك التصديق لهذه المصالحة الخيرية، ويكون ذلك في الوقت الذي يتعيَّن برضا الطرفين، فيتقابل السفيران في رأس الحدود بمعاملة متماثلة، ويراعى بحق السفيرين المومأ إليهما الرسم المعتاد المرعي بحق سفراء دول أوروبا الأوفر اعتبارًا لدى دولتي العلية، وترسل هدايا بواسطة السفيرين المومأ إليهما لائقة بشأن دولتيهما ليكون ذلك دليلًا على صفاء الجهتين.
  • المادة الثامنة والعشرون: بعد إمضاء مواد هذه المصالحة المؤيدة من معتمدي دولتي العلية وهما الموقع الرسمي أحمد ورئيس الكتاب إبراهيم منيب دام مجدهما، ومن مرخص دولة الروسيا البرنس ربنين جنرال لفونيا ختمت عواقبه بالخير، تصدر التنبيهات من جانب الصدر الأعظم والجنرال فلد مارشال إلى جميع عساكر الدولتين الموجودة برًّا وبحرًا في كل جهة لمنع كل نوع من معاملة خصامية بينهم، ويرسل أيضًا في الحال من جانب الصدر الأعظم والجنرال فلد مارشال معاونان إلى أساطيلهم الموجودة في البحر الأبيض والبحر الأسود وتجاه بلاد القرم وإلى جميع المواقع الحربية لمنع العدوان وأسباب القتال في كل محل بعد انعقاد المصالحة، والمعينان المرسلان من طرف الصدر الأعظم والجنرال فلد مارشال لا بد أن يكونا بحسب التنبيهات مصونين ومأمونين من كل وجه.

    وإذا سبق وصول معاون روسيا إلى سر عسكرها فالمومأ إليه يبعث إلى سر عسكر دولتي العلية أمر الصدر الأعظم الحاوي على التنبيه، وإن سبق وصول معاون الصدر الأعظم يبعث سر عسكر الدولة العلية إلى سر عسكر الروسيا أمر الفلد مارشال الحاوي كذلك على التنبيه، وبما أن الصدر الأعظم وفلد مارشال دولة روسيا «بتروقونت رومانجوف» قد فوض إليهما من طرفي الهمايوني ومن طرف إمبراطورية روسيا المشار إليها، أمر تمهيد عقود وعهود عهدة الصلح المباركة المنعقدة، فجميع مواد الصلح المؤبد المسطور في العهدة المذكورة يصير إمضاؤها من طرف الصدر الأعظم والفلد مارشال وختمها بأختامهما للتصديق كما لو كانت جرت بحضورهما، والمواد المنعقدة التي تمهدت وصار الوعد بها تراعَى مراعاة قوية بدون تغيير ولا تبديل، وتجري بالدقة بحسب منطوقها، ولا يفعل شيء مخالف لها قطعيًّا، ويحرر في المواد المذكورة التي تقررت وجرى التصديق عليها من طرف الصدر الأعظم والفلد مارشال المومأ إليهما سندان ممضيان بإمضائهما ومختومان بختميهما، أحدهما: وهو سند الصدر الأعظم يتحرر بالتركية والإيطاليانية، وسند الفلد مارشال يكتب بالروسية والإيطاليانية أيضًا، وبمقتضى الرخصة المعطاة إلى المرخصين من طرف الدولتين ينبغي أن يوصلوا إلى الفلد مارشال السند الواحد باعتبار كونه صادرًا من جانب دولتي العلية، وبعد إمضاء المواد بخمسة أيام وإن أمكن في مدَّة أقل من ذلك تجري مبادلة السندات، وحالما يسلم المرخصون سندات الصدر الأعظم يأخذون سندات الفلد مارشال القونت رومانجوف.

  • الخاتمة: إن ما جرى تحديده وتمهيده بحسب المواد المذكورة من الصلح والصلاح المبطل للحرب والكفاح يكون مقررًا ومعتبرًا من بعد الآن، وبحسب ما اعتادت عليه سلطنتي من شيم الصداقة الكريمة ومن الوفاء بالعهود، فإننا نجري العهد والميثاق والتصديق تمامًا، ونراعي حقَّ الرعاية جميع ما وقع من قيود وشروط فى الثمان والعشرين مادة المذكورة، ونجري جميع عهود ومواثيق الصلح والصلاح، وكذلك شرط المادَّتين المحررتين فى نيشاني الهمايونيين اللذين صار إعطاؤهما، ويكون ذلك مدَّة دوام واستمرار المواد التى صار تأييدها والتصديق عليها من مرخص دولة روسيا ومرخصنا، بحيث إنه لا يحصل فيها خلل ولا مخالفة من طرفها ولا من طرفنا السلطاني الهمايوني، ولا من طرف أخلافنا ووكلائنا ذوي المقام المتصفين بالإنصاف والميرميرانيين أصحاب الاحتشام والأمراء ذوي الاحترام، وعموم عساكرنا المنصورة، وكافة المتشرِّفين بشرف العبودية من صنوف الخدمة (تمت).

•••

ذُكِر مادتان في خاتمة العهدة إحداهما تتضمن المصاريف الحربية؛ وذلك لأن الدولة العلية كانت تعهدت بتأدية خمسة عشر ألف كيس للروسيا في مدة ثلاث سنين يدفع منها في كل سنة قسط، وهو خمسة آلاف كيس، والمادة الثانية سرعة تخلية جزائر البحر الأبيض تأييدًا لما هو مذكور في المادة السابعة عشرة من العهدة المذكورة، وأسطول روسيا الموجود في البحر الأبيض وإن كان مشترطًا في المادة المذكورة أنه يخرج في مدَّة ثلاثة أشهر فدولة روسيا قد تعهدت بإخراجه قبل المدَّة المذكورة إذا أمكن.

وبذلك انتهت هذه الحرب، ونالت الروسيا أقوى أمانيها بعد إذلال مملكة أسوج ومحوها من العالم السياسي تقريبًا بحصرها ضمن حدودها الطبيعية، وهي طمس آثار مملكة بولونيا من الوجود كلية تقريبًا، وتجزئة معظمها بينها وبين النمسا والبروسيا بمقتضى معاهدة بين الروسيا والبروسيا في ١٧ فبراير سنة ١٧٧٢، وقبلتها النمسا في أبريل، وأعلنت لملك بولونيا في ١٨ سبتمبر سنة ١٧٧٢، وبذلك سقط الحاجزان الأوَّلان من الحواجز الثلاثة الحائلة بين تقدُّم الروسيا من جهة أوروبا، وأمكنها أن توجه كلَّ قواها لمكافحة الدولة العلية التي عملت بجهل بعض وزرائها ومحاباة البعض الآخر على تقدُّم الروسيا بدون تبصُّر في نتائج هذه السياسة، ولو أصغت إلى طلبات شارل الثاني عشر السويدي وساعدته على محاربة بطرس الأكبر في بدء ظهوره، وسعت معه على إطفاء هذه الشرارة التي امتدَّ لهيبها وكادت تلتهبها، ولو لم يرفع الوزير بلطه جي محمد باشا الحصار عن بطرس الأكبر لما أحاط به وخليلته وجيوشه إحاطة السوار بالمعصم على نهر البروت، لما وصلت دولتنا العلية إلى ما وصلت إليه بمعاهدة قينارجه التي ما لبثت أن ظهرت نتائجها في العالم.

وبعد ذلك أخذت الدولة في إصلاح بعض الشئون، وبذل القبطان باشي حسن باشا جهده في إنشاء المراكب الحربية بدل ما فقد في محاربة الروسية الأخيرة، ومن جهة أخرى استعانت بمحمد بك أبي الذهب على طاهر عمر فأتى لمحاصرته بمدينة عكا من جهة البر، وحاصرها حسن باشا البحري من جهة البحر وضايق عليه الحصار حتى فرَّ هاربًا من العقاب على عصيانه قاصدًا جبال «صفد»، فقتل في أثناء هروبه وتخلَّصت الدولة من شره، وكذلك قتل أبو الذهب أثناء محاصرة عكا، ثم سقطت المدينة في أيدي العثمانيين، وانتهت الفتنة بسلام.

استيلاء الروسيا على بلاد القرم

أما الروسيا فأخذت تبثُّ رجالها في بلاد القرم لإيجاد المشاغب الداخلية بها؛ وبالتالي لابتلاعها وضمها إلى أملاكها، حيث لم يكن قصدها من استقلالها السياسي وقطع روابط تبعيتها للدولة إلا الوصول لهذه الغاية، وما زالت مستمرة في إلقاء الدسائس ونشر الفتن بين الأهالي حتى عزلوا أميرهم دولت كراي، الذي انتخبه الأهالي بمقتضى نصوص معاهدة قينارجه، وأقاموا جاهين كراي مكانه، فلم يقبل تعيينه فريق عظيم من الأعيان، وخيف من وقوع حروب داخلية؛ ولذا أمرت الروسيا الجنرال بوتمكين باحتلالها، فدخلها بسبعين ألف جندي كانوا منتظرين على الحدود لهذه الغاية، فتم لها مقصدها الذي كانت تسعى وراءه من مدة؛ وهو امتلاك كافة سواحل البحر الأسود الشمالية في غضون سنة ١٧٧٣، فهاجت الدولة وأرادت إشهار الحرب على الروسيا لإلزامها باحترام معاهدة قينارجه القاضية باستقلال بلاد القرم استقلالًا سياسيًّا تامًّا، لكن حوَّلت أنظارها ثانيًا عن الحرب بمساعي فرنسا التي أقنعتها بأن هذه الحرب مع استعداد كاترينه وتأهبها لها لا يكون وراءها إلا الخراب والدمار، ولعلمها أن الروسيا أبرمت مع النمسا وفاقًا سِريًّا تمَّ بين كاترينه الثانية وبين الإمبراطور يوسف الثاني عند مقابلتهما بمدينة «كرزن»، قاضيًا بمحاربة الدولة لإنشاء حكومة مستقلة تكون حاجزًا بينهما وبين الدولة ومكوَّنة من الفلاخ والبغدان وإقليم بساربيا يكون اسمها مملكة «داسي»١ ويعين لها ملك من المذهب الأرثوذكسي، وبأن تأخذ الروسيا ميناء «أوتشاكوف» التي تسمى في كتب الترك بمدينة أوزي، وبعض جزائر الروم، وتأخذ النمسا بلاد الصرب وبوسنة وهرسك من أملاك الدولة وبلاد دلماسيا من أملاك البندقية، وتعطيها عوضًا عن ذلك بلاد مورة وجزيرتيْ كريد وقبرص، وأن تعطى باقي دول أوروبا أجزاءً أخرى يتفق عليها فيما بعد.

أما إن أتيح لهم النصر ودخلوا مدينة الآستانة فيعيدون مملكة بيزانطة الأهلية كما كانت قبل الفتح العثماني، ويعين الغراندوق الروسي قسطنطين بن بولص ملكًا عليها بشرط أن يتنازل عن حقوقه في مملكة الروسيا؛ حتى لا يتفق وجود المملكتين الروسية والبيزانطية «الوهمية» في قبضة ملك واحد.

فخوفًا من وقوع الحرب بسبب القرم مع عدم استعداد الدولة وقدرتها في ذاك الوقت على مقاومة الروسيا فضَّلَتْ قَبول مشورة فرنسا، والاعتراف بضم القرم للروسيا على أن تتعرض لحرب تكون عاقبتها وخيمة، واعترفت بذلك في سنة ١٧٧٤، لكن لم يكن قصد الروسيا ومساعديها إلا انتشاب القتال ليحظى كل منهم بأمنيته؛ لذلك عملوا على إثارة خاطر الدولة وإيقاعها في الحرب، فأخذوا في تحصين ميناء «سباستوبول»، وأقاموا ترسانة عظيمة في ميناء «كرزن»، وأنشئوا عمارة بحرية من الطراز الأوَّل في البحر الأسود، وأرسلوا جواسيسهم إلى بلاد اليونان وولايتي الفلاخ والبغدان لتهييج المسيحيين على الدولة، ثم توصَّلت كاترينه إلى إدخال هرقل — ملك الكرج — تحت حمايتها مقدمة لفتح بلاده نهائيًّا.

وأخيرًا في سنة ١٧٨٧ ساحت كاترينه في البلاد الجنوبية وبلاد القرم بأبهة واحتفال زائد، وأقام لها القائد بوتمكين أقواس نصر كتب عليها «طريق بيزانطة»، فعلمت الدولة من كل هذه الأحوال أنها تقصد محاربتها ثانيًا، وتأكَّد لها هذا العزم لما تقابلت كاترينة في سياحتها هذه مع ملك بولونيا وإمبراطور النمسا، ولذلك أرادت هي المبادرة بإعلان الحرب قبل تمام استعداد أعدائها؛ ولإيجاد سبب له أرسلت بلاغًا إلى سفير الروسيا بالآستانة المسيو «جولغاكوف» في صيف سنة ١٧٨٧ تطلب منه تسليم «موروكرداتو» — حاكم الفلاخ — الذي كان عصى الدولة والتجأ إلى الروسيا، والتنازل عن حماية بلاد الكرج، بما أنها تحت سيادة الدولة، وعزل بعض قناصلها المهيجين للأهالي، وقبول قناصل للدولة في موانئ البحر الأسود، وأن يكون لها الحق في تفتيش مراكب الروسيا التجارية التي تمرُّ من بوغاز الآستانة للتحقيق من أنها لا تحمل سلاحًا أو ذخائر حربية.

فرفض السفير هذه الطلبات بإذن دولته، فأعلن الباب العالي الحرب عليها فورًا، وسجن سفيرها في أغسطس سنة ١٧٨٧.

ولما كان الجنرال بوتمكين لم يتم معدَّات الحرب وقع في حيص بيص، وكتب إلى كاترينه يخبرها بعدم صلاحية البقاء في القرم، ناصحًا لها بإخلائها في أقرب وقت، لا سيما وأن ملك السويد «جوستاف الثالث» أراد انتهاز هذه الفرصة لاسترجاع ما فقدته دولته من المقاطعات والبلاد التي أخذتها منها الروسيا، لكن لم تَثنِ هذه الحوادث همة هذه الإمبراطورة التي أعانتها الأيام، بل كتبت للجنرال بوتمكين بعدم انتظار العثمانيين والسير بكل شجاعة وإقدام على مدينتيْ بندر وأوزي، فصدع بأمرها وسار نحو «أوزي» فحاصرها مدَّة، ثم دخلها عنوة في ٣٠ ربيع الآخر سنة ١٢٠٣ (الموافق ١٩ نوفمبر سنة ١٧٨٨). وفي هذه الأثناء كانت النمسا أعلنت الحرب على الدولة مساعدة للروسيا، وحاول إمبراطورها يوسف الثاني٢ الاستيلاء على مدينة بلغراد، فعاد بالخيبة إلى مدينة تمسوار، حيث اقتفى أثره الجيش العثماني، وانتصر عليه نصرًا مبينًا؛ ولذلك ترك الإمبراطور قيادة جيوشه إلى القائد «لودن»، ثم بعد ذلك بقليل توفي السلطان عبد الحميد الأوَّل في ١٢ رجب سنة ١٢٠٣ (الموافق ٨ أبريل سنة ١٧٨٩) بالغًا من العمر ٦٦ سنة ومدَّة حكمه ١٥ سنة وثمانية شهور.
١  اسم كان يطلق قديمًا في أيام الرومانيين على إقليم متسع واقع على الشاطئ الأيسر لنهر الطونة، ويشمل البلاد المسماة الآن رومانيا وترنسلفانيا والجزء الشرقي من بلاد المجر، فتحه الإمبراطور الروماني تراجان حوالي سنة ١٠٠ ميلادية، ثم لما تولى الملك الإمبراطور أوريليان أطلق هذا الاسم على الإقليم المكون الآن للروملي الشرقية وجزء من بلاد مقدونية.
٢  هو ابن الإمبراطورة ماريه تريزه من زوجها الدوك دي لورين الذي تسمى فيما بعد فرنسوا الأول. ولد سنة ١٧٤١، وتولى سنة ١٧٦٥، لكن لم يصر ملكًا حقيقيًّا إلا بعد موت أبيه سنة ١٧٨٠؛ ومن ثم أخذ في تنفيذ أفكاره؛ فألغى استعباد الفلاحين، وأبطل التعذيب، وأجاز الطلاق وزواج المدنيين، ومنح الحرية الدينية لجميع رعاياه رغمًا عن معارضة الأشراف والقسوس، وسفر البابابيوس السادس إلى ويانة؛ للحصول على إبطال التساهل في أمر الدين. وتوفي سنة ١٧٩٠. وهو أخو الملكة ماري أنتوانيت — زوجة لويس السادس عشر ملك فرنسا — التي قتلها الفرنساويون في أكتوبر سنة ١٧٩٣، كما قتلوا زوجها وأخته إيليزابيث وغيرهما أثناء الثورة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤