الفصل الثالث والثلاثون

السلطان مراد خان الخامس

وهو ابن السلطان عبد المجيد، وكانت ولادته في ٢٥ رجب سنة ١٢٥٦ (٢٢ سبتمبر ١٨٤٠).

هذا؛ ولما تمَّ أمر المبايعة أرسل مخصوص إلى رديف باشا يخبره بذلك ويسلمه صورة الفتوى القاضية بعزل السلطان عبد العزيز، فقصد رديف باشا باب الحريم واستدعى جوهر آغا — رئيس آغاوات السراي — وكلفه بأن يبلغ السلطان أن الأمة قد عزلته، وأنه مأمور بتوصيل السلطان المخلوع إلى سراي طوبقبو، وسلمه صورة الفتوى ليطلعه عليها فلم يصدِّق السلطان الخبر إلا بعد أن نظر من الشبابيك ورأى العساكر محيطة بسرايته برًّا وبحرًا إحاطة السوار بالمعصم.

وعند ذلك أيقن أن التوقف لا يكون وراءه إلا الإكراه على الخروج فنزل مستسلمًا، وبمجرَّد خروجه أحاطت به العساكر وأنزلوه مع ابنه يوسف عز الدين أفندي في زورق، ووالدته في ثانٍ، وباقي أولاده وأمهاتهم في ثالث، ثم خفرتهم الزوارق الحربية إلى أن أوصلتهم إلى سراي طوبقبو، حيث كانت العساكر مصطفة على حافتي الطريق من البرِّ إلى باب السراي.

وفي الساعة الحادية عشرة ليلًا أطلقت المدافع من البر والبحر إيذانًا بخلع السلطان عبد العزيز وتنصيب السلطان مراد الخامس، ونادى المنادون بذلك في الشوارع؛ فهرع الأهالي أفواجًا إلى سراي السر عسكرية، وبايعوا السلطان مراد، ولم يحصل أدنى مقاومة من أحد، ولم تحتجَّ إحدى الدول على هذه الثورة الداخلية، وذلك مما يؤيد أن جميع القناصل كان عندهم علم بما حصل قبل وقوعه وأنه ربما كان ذلك باتفاقهم.

وفي الساعة الثالثة صباحًا ذهب السلطان مراد في عربة بين صفوف الأهالي إلى سراي بشكطاش حيث استمرَّت المبايعة ثلاثة أيام متوالية.

وفاة السلطان عبد العزيز

ولقد اختلفت الأقوال في كيفية موت هذا السلطان وكثرت الروايات عن ذلك، فمن قائل إنه قتل نفسه لعدم انتظام قواه العقلية بعد خلعه، ومن قائل إن الذين تآمروا على خلعه ارتكبوا هذا الأمر الفظيع؛ فقتلوه خيفة أن يسعى في الرجوع إلى منصة الأحكام. أما الحقيقة فمغمضة نترك كشف الستار عنها لمن يأتي بعدنا، ونكتفي بذكر الرواية التي تناقلتها الألسن والجرائد في ذلك الحين.

وذلك أنه شاع أو أشاع أرباب الغايات أن قد أصابته — رحمه الله — أمراض دماغية يوم خلعه فاضطربت أحواله، وكان يتخيل أن البواخر الراسية في البوغاز تطلق النار على العدوِّ فزاده ذلك قلقًا، ولم يستطع الرقاد في ليلة الأحد التالية لعزله، فلما أصبح الصباح ذهب إلى الحمام كعادته ثم إلى البستان ثم رجع إلى حجرته، وصار يأمر بفتح الشبابيك والأبواب ثم يخرج إلى البستان ويعود ثم يخرج ثانيًا كأن الدنيا ضاقت أمامه برحبها، ثم حاول الخروج إلى شاطئ البحر، فرآه الضابط الذي كان يحرس الباب، فقال له بلطف: لا إذن بالخروج يا سيدي؛ فهدَّده بغدَّارة كانت في يده ثم دخل، ويقال إن هذه الحادثة كانت سببًا في ازدياد أعراض الخلل، واستشهد أصحاب هذا الرأي ببعض خدَّامه وحجابه، فقالوا إنه — رحمه الله — كان يتوهَّم أن عدوًّا هاجم عليه وأنه يجب على العساكر أن تمانعه وتطارده، وعلى البواخر أن توجه نيرانها على هذا العدوِّ المفاجئ.

وأخيرًا؛ طلب من إحدى الجواري مقصًّا ومرآة ليقص أطراف لحيته كما كانت عادته، فأحضرتهما له من والدته وانصرفت، ثم رأى والدته تنظره من وراء الباب فغضب وأمرها بالانصراف، وبعد ذلك حضر أحد أعوانه فأخذ يحادثه في مسألة مهاجمة العدوِّ التي كان يتخيلها، وفي أثناء الحديث أخذ المقص وقطع به عرقًا من ذراعه الأيمن، فحاول العون منعه ولما لم يتمكن ذهب وأخبر والدته، ولما خرج العون قفل السلطان الشبابيك والأبواب وقطع عرق ذراعه الأيسر واضطجع على متكأ حتى تصفَّى دمه. ولما شاع هذا الخبر وعلا صريخ الجواري أتى الوزراء، وبعد أن شاهدوا الحالة استدعوا لجنة طبية من مشاهير الأطباء ومن ضمنهم أطباء سفراء الدول، وبعد الكشف عليه طبع الكشف ووزع على العموم ونشر في الجرائد ليعلم الناس كيفية موته.

وفي الساعة الخامسة عربيًّا نقلت جثته إلى سراي طوبقبو (وكان رحمه الله قد نقل منها إلى سراية أخرى في يوم السبت السابق لوفاته بناءً على طلبه) وهناك غسلت وجهزت.

وفي الساعة العاشرة شيعت جنازته ودفن بجوار أبيه السلطان محمود رحمهما الله.

ومما يوجد شكًّا في أنه قتل نفسه بسبب اختلال قواه العقلية ما كتبه للسلطان مراد قبل وفاته بيوم واحد يطلب منه الانتقال من طوبقبو؛ فإنه لا يؤخذ من عبارته أن به أقل اضطراب عقلي، وإليك صورة هذه الكتابة نقلًا عن منتخبات الجوائب:

بعد اتكالي على الله تعالى وجهت اتكالي عليك، فأهنئك بجلوسك على تخت السلطنة، وأبيِّن لك ما بي من الأسف على أني لم أقدر على أن أخدم الأمة حسب مرادها، فأؤمل أنك أنت تبلغ هذا الأرب، وأنك لا تنسى أني تشبثت بالوسائل الفعالة لصيانة المملكة وحفظ شرفها، وأوصيك بأن تتذكَّر أن من صيرني إلى هذه الحالة هم العساكر الذين سلحتهم أنا بيدي، وحيث كان من دأبي دائمًا الرفق بالمظلومين وشملهم بالمعروف الذي تقتضيه الإنسانية أرغب إليك أن تنقذني من هذا المكان الضيق المعنَّى (بتشديد النون) الذي صرت إليه، وتعين لي محلًّا أكثر ملاءمة لي، وأهنئك بأن الملك انتقل إلى ذرِّية أخي عبد المجيد خان.

الإمضاء: عبد العزيز

ومن جهة أخرى فإن استدعاء الوزراء لأطباء القناصل يدل أيضًا أنهم كانوا معتقدين أن الأمة تصدِّق قولهم بأنه قتل نفسه، فعمدوا إلى تقوية قولهم بهذا الكشف الطبي الموقع عليه أطباء السفارات، مما يعتبر إقرارًا من الدول وتصديقًا لروايتهم، ومع ذلك فلا يمكن الجزم الآن بأنه قتل شهيد الدسائس أو انتحر تخلصًا من الحياة بعد خلعه؛ لعدم وجود الأدلة الكافية على القطع في هذه المسألة حتى اليوم.

قتل حسن بك لكل من حسين عوني باشا ومحمد راشد باشا

حسن بك المذكور هو ابن إسماعيل بك، أحد أعيان الجراكسة المهاجرين من بلادهم بعد دخولها ضمن أملاك الروسيا، وكان ياورًا ليوسف عز الدين أفندي نجل السلطان عبد العزيز الذي كان مشيرًا للأوردي الهمايوني الخاص. ولما توفي السلطان عبد العزيز أراد حسين عوني باشا السر عسكر إبعاده عن الآستانة؛ فألحقه بأحد الآلايات بمدينة بغداد، وأمره بالسفر على عجل؛ فامتنع فحُبس بحسب الأصول العسكرية، ثم أظهر الرغبة في السفر وطلب إمهاله يومين لا غير للتأهب للسفر فأفرج عنه. وفي مساء يوم الخميس ٢٣ جمادى الأولى سنة ١٢٩٣ (الموافق ١٥ يونيو سنة ١٨٧٦) تسلَّح بأربعة رفولفرات وخنجر ماضٍ وقصد منزل عوني باشا فقيل له إنه بمنزل مدحت باشا فذهب إليه.

ولما سأل الخدم عن حسين عوني باشا قالوا له إنه مع سائر الوكلاء (النظار) في مجلس مخصوص، فأوهمهم أن معه تلغرافًا مهمًّا يختص بالحربية يريد توصيله فورًا للسر عسكر، ثم انتظر برهة وطلع إلى المحل المجتمع فيه الوكلاء، فوجد حارسًا بالباب منعه عن الدخول، فقال له: من أنت؟ قال: سالم آغا خادم الصدر الأعظم. فقال: اذهب ونادِ خادم حسين عوني باشا لأني مستعجل. فنزل سالم آغا، وعندها دخل حسن بك الغرفة وأطلق غدَّارته على حسين عوني باشا فأصابه برصاصتين، فقام للدفاع عن نفسه فأجهز عليه بالخنجر، وأصاب محمد راشد باشا ناظر الخارجية برصاصة في عنقه أفقدته الحياة، ثم قام أحمد باشا قيصرلي ناظر البحرية وقبض على يد حسن بك فأثخنه جراحًا حتى فرَّ مع باقي الوزراء إلى غرفة أخرى تابعة لدائرة الحريم، ووضعوا خلف الباب بعض أمتعة ثقيلة، ثم جاء أحمد آغا رئيس خدم مدحت باشا وأراد القبض عليه فقتله، ثم حاول فتح الباب الذي اختفى باقي الوزراء خلفه، ولما لم يمكنه أطلق رصاصتين نفذتا من الخشب بدون أن تصيبا أحدًا، ثم أخذ كرسيًّا وصار يكسر في الثريات لإطفاء النور، وأخذ شمعدانًا ليحرق به الأستار ويوقد النار في المنزل ليمكنه الهروب، لكن لم يتمكَّن من ذلك إذ حضرت عدَّة من عساكر الضبطية فقبضوا عليه بعد أن قتل شكري بك ياور الصدر الأعظم وأحد أنفار العساكر، ثم سيق إلى ديوان السر عسكرية، وفي صباح الجمعة تشكل مجلس حربي تحت رئاسة رديف باشا فحكم عليه بالتجريد من الرتب والقتل شنقًا، وجرد في الحال من الرتب وعلامات الشرف.

وفي فجر يوم السبت شنق على شجرة في ساحة بايزيد، وبقي مشنوقًا إلى صباح الاثنين وعلى صدره ورقة تبيِّن أسباب شنقه ليكون عبرة لغيره، ويقال إنه عند استجوابه أمام المجلس لم يبد أقل تأسف على قتل عوني باشا١ وراشد باشا،٢ بل على من قتلهم من الجند والضباط وعدم تمكنه من قتل ناظر البحرية أحمد باشا قيصرلي.

هذا؛ ولا يعقل أن الباعث لحسن بك على قتل الوزراء مجرَّد الانتقام لإرساله إلى بغداد؛ إذ لو كان الأمر كذلك لاكتفى بقتل ناظر الحربية مع أن هذا الأمر بعيد الاحتمال أيضًا، ويغلب على الظن أن ما حمله على هذا الفعل إلا تعلقه بالسلطان الشهيد وعائلته، ولتواتر الإشاعات أن السلطان عبد العزيز مات مقتولًا بدسيسة هؤلاء الوزراء بإيعاز من بعض الدول ذوات الصالح الأكبر في الشرق، أراد قتلهم انتقامًا لسلطانه المرحوم الذي ذهب فريسة الدسائس الأجنبية.

عزل السلطان مراد

السلطان مراد الخامس هو ابن السلطان عبد المجيد خان، ولد في ٢٥ رجب سنة ١٢٥٦، وارتقى منصب الخلافة في ٧ جمادى الأولى سنة ١٢٩٣، وكان متعلمًا مهذبًا ميالًا للإصلاح محبًّا للمساواة بين جميع أصناف رعيته، مقتصدًا في مصرفه غير ميالٍ للسرف والترف، يشهد بذلك الفرمان الذي أرسله إلى الباب العالي بإبقاء الوزراء وجميع المأمورين في وظائفهم، ومبينًا فيه خطة الإصلاح الذي يريد إجراءه، وها هو بنصه:

وزيري سمير الحمية محمد رشدي باشا

إنه لما وقع الآن بإرادة جناب مالك الملك الأزلية وبإجماع الرعية ورغبتها جلوسنا على تخت أجدادنا العظام جدَّدنا إبقاء خدمة الصدارة في عهدتكم؛ اعتمادًا على ما جرب من رؤيتكم وحميتكم، وأقررنا جميع الوكلاء والمأمورين في مأموريتهم وخدمتهم، وقد عرف الناس أجمع أن ما طرأ من مشكلات الأحوال على الدولة في أمورها الداخلية والخارجية ولد في أفكار العامة قلة الأمنية؛ فأفضى ذلك لمضرَّتهم مالًا وملكًا، وتنوعت بناءً عليه أشكال عدم استراحتهم، فكان من الواجب أن نتخذ على الفور طريقًا لاستئصال هذه الحال وإصلاحها؛ تأمينًا وتنشيطًا للملكة وعموم تبعة الدولة، في صورة تتكفل ماديًّا ومعنويًّا بسعادتهما وسلامتهما، ولا شك أن هذا يتوقف على تأسيس أصول إدارة الدولة على أساس صحيح ومتين، وهو الذي ما برحت أفكارنا محصورة في النظر إليه ونوايانا معطوفة عليه، فلذا كان جل مأثورنا الخالص:
  • أولًا: إجراء الأحكام الشرعية وتقييد إدارة الدولة العمومية بقوانين قوية موافقة لنفس الأمر ولقابلية الأهالي، فيقتضى والحالة هذه أن يتذاكر الوكلاء في كيف يلزم أن تكون تلك القاعدة السالمة الثابتة، وما هو الأساس الذي تبنى عليه لتكون كافلة لعموم رعيتنا السلطانية التمتع بتمام الحرية بدون استثناء، وتؤهلهم لأنواع الترقي، وتميل كل فرد منهم للاتحاد بالفكر والنية على المحبة والمحافظة على الوطن والدولة والملة، فيبادرون للاستئذان على ما يقرُّ عليه القرار.
  • ثانيًا: إن المهم اللازم نظرًا لهذه النية الأساسية إنما هو تجديد تنظيم نظامات وإدارات شورى الدولة، والأحكام العدلية، والمعارف العمومية، وأمور المالية، وسائر المأموريات؛ فينبغي إذن النظر في تنظيم ذلك بالتتابع.
  • ثالثًا: لما كانت المصالح الأميرية هي إحدى الأحوال المعظمة التي أوقعت أمور الدولة في إشكال، كان من الواجبات وعلى حساب ما سيشرع به من التنظيمات إدخال المعاملات المالية تحت التأمين؛ أي إنها تربط بقاعدة وثيقة وتوضع تحت نظارة قويمة تمنح العموم تأمينًا على عدم وقوع مصروف خارج عن الميزانية. وإعانة لهذا التدبير قد نزلنا من تخصيصات خزينتنا الخاصة ستين ألف كيس، وتركنا كذلك إلى خزينة المالية إدارة معدن الفحم في أركلي وسائر المعادن وبعض المعامل وحاصلاتها بأجمعها؛ فبناءً عليه يلزم الاعتناء كذلك بإجراء مثل هذه التعديلات والتصرُّفات في سائر الجهات تسهيلًا، ولحصول الموازنة في الأمور المالية.
  • رابعًا: فلتدم كافة معاهداتنا مع الدول المتحابة مرعية الإجراء، ويُصرف المجهود بتأكيد الحب والموالاة، وتزييد المصافاة فيما بين دولتنا العلية وجميع الدول، فنسأل جناب الحق المعين أن يوفقنا للخير أجمعين. في ١٦ جمادى الأولى سنة ١٢٩٣. ا.ﻫ.

لكن لم يتحْ له الدهر إتمام هاتيك المشروعات الجليلة ذات الفوائد الجزيلة، بل ظهرت عليه علامات الاضطراب العصبي عقب توليته بنحو أسبوع، ثم ازدادت شيئًا فشيئًا، خصوصًا بعدما بلغه خبر قتل حسين عوني باشا ومحمد راشد باشا بالصفة التي سبق شرحها، حتى لم يتمكَّن من تمييز الوزراء عن بعضهم، ومع ذلك فكان الصدر الأعظم يُخفي هذا الأمر عن العموم، لكن ذاع خبره لعدم إجراء الاحتفال بتسليمه السيف السلطاني في جامع أبي أيوب الأنصاري حسب العادة، ولعدم مقابلته قناصل الدول ليقدِّموا إليه أوراق تجديد تعيينهم لدى حكومته.

وأخيرًا لما اشتدَّ عليه الحال استدعى الوزراء الطبيب ليدزورف النمساوي الشهير بمداواة الأمراض العقلية فحضر، وبعد أن فحص جلالته ولازمه عدَّة أيام متفرسًا كل ما يبدو منه من الأقوال والإشارات، واستعلم عن عاداته وكيفية معيشته قال بتعسُّر بُرْئِهِ من هذا المرض؛ فتشاور الوزراء في الأمر ثم عرضوا على أخيه عبد الحميد أفندي أن تسلم إليه مقاليد الأحكام؛ حيث حكم الأطباء بعدم لياقة أخيه السلطان مراد لإدارة مهامها، فأجابهم — حفظه الله وأطال عمره — أن الأولى عدم التسرُّع في الأمور ربما يمنُّ الله عليه بالشفاء ويعود إلى ما كان عليه من شدَّة الذكاء وتوقد الذهن، فامتثل الوزراء، لكن لما رأوا أن الحالة في ازدياد اجتمعوا في يوم الأربعاء ١٠ شعبان سنة ١٢٩٣ (الموافق ٣٠ أغسطس سنة ١٨٧٦) وقرروا بوجوب المبايعة لمولانا السلطان عبد الحميد خان الثاني أدامه الله، وأرسلوا رقيمًا لوالدة السلطان مراد يخبرونها بذلك؛ فأجابت باستحسان ما قرروه، ثم في صباح يوم الخميس اجتمع الوزراء ثانية واستدعوا شيخ الإسلام خير الله أفندي وجميع الذوات والعلماء والأمراء والأعيان، واستفتوا مولانا شيخ الإسلام في الأمر؛ فأفتى بوجوب عزله، وهاك نص الفتوى:

صورة استفتاء الوزراء في وجوب خلع السلطان مراد خان الخامس

إذا جُنَّ إمام المسلمين جنونًا مطبقًا ففات المقصود من الإمامة، فهل يصح حل الإمامة من عهدته؟ الجواب: يصح والله أعلم.

كتبه الفقير حسن خير الله
عفى عنه
١  ولد عوني باشا في ولاية قونية سنة ١٢٣٦هجرية، وبعد أن تعلَّم المبادئ أتى الآستانة ودخل المكتب الحربي سنة ١٢٥٣، وفي سنة ١٢٥٨ صار ملازمًا، ثم أخذ يترقَّى شيئًا فشيئًا إلى أن وصل لرتبة فريق في أواخر شعبان سنة ١٢٧٨ هجرية. وفي سنة ١٢٨٠ وجهت إليه قائمقامية السر عسكر مع مشيرية الأوردي الهمايوني الخاص. وفي سنة ١٢٨٥ عين سر عسكر عموم الجيوش الشاهانية. وفي سنة ١٢٩٠ عين صدرًا أعظم، ثم بعد تقلُّبه في عدة مناصب مهمة رجع إلى السر عسكرية في ربيع الآخر سنة ١٢٩٢، وقتل وهو بهذه الوظيفة.
٢  هو ابن حسن حيدر باشا من أعيان درامة، وكان والده مستخدمًا بالحكومة المصرية، ثم سافر إلى الآستانة أيام ولاية المرحوم عباس باشا الأول، وأرسله والده إلى أوروبا مع الخديو إسماعيل باشا الأسبق وأخويه، ولما عاد منها عين بوظيفة مترجم، ثم ترقى في الوظائف الملكية إلى أن بلغ رتبة الوزارة، وأحسن عليه بالنيشان العثماني الأول المرصع، وتقلد عدة وظائف مهمة، وقتل وهو وزير للخارجية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤