الفصل الثامن

السلطان الغازي بايزيد خان الثاني وأخوه الأمير جم

توفي السلطان أبو الفتح محمد الثاني عن ولدين أكبرهما بايزيد المولود سنة ٨٥١ﻫ (الموافقة سنة ١٤٤٧م)، وكان حاكمًا بأماسية، وثانيهما جم المشهور في كتب الإفرنج باسم البرنس زيزيم Zizim وكان حاكمًا في القرمان، فأخفى الصدر الأعظم قرماني محمد باشا موت السلطان محمد حتى يأتي بكر أولاده بايزيد، ولكنه لشدَّة ارتباطه ومودَّته بالأصغر أرسل إليه سرًّا يخبره بموت أبيه كي يحضر قبل أخيه الأكبر ويستلم مقاليد الدولة. ولما أذيع هذا الخبر ثار الانكشارية على هذا الوزير وقتلوه وعثوا في المدينة سلبًا ونهبًا، وأقاموا ابن السلطان بايزيد واسمه «كركود» نائبًا عامًّا عن أبيه لحين حضوره، وذلك في يوم ٥ ربيع الأوَّل سنة ٨٨٦ (الموافق ٤ مايو سنة ١٤٨١).

وفي يوم ١٣ ربيع الأوَّل وصل الرسول إلى بايزيد فسافر في اليوم التالي بأربعة آلاف فارس ووصل القسطنطينية بعد مسير تسعة أيام مع أن المسافة تبلغ ١٦٠ فرسخًا تقطع عادة في نحو ١٥ يومًا، فقابله أمراء الدولة وأعيانها عند بوغاز (مضيق) البوسفور، وفي أثناء اجتيازه البوغاز أحاطت به عدَّة قوارب ملأى بالانكشارية وطلبوا منه عزل أحد الوزراء المدعو مصطفى باشا وتعيين إسحاق باشا ضابط القسطنطينية مكانه فأجاب طلبهم.

وكذلك عند وصوله إلى السراي الملوكية وجدهم مصطفين أمامها طالبين العفو عنهم فيما وقع من قتل الوزير ونهب المدينة، وأن ينعم عليهم بمبلغ سرورًا بتعيينه، فأجابهم إلى جميع مطالبهم، وصارت هذه سُنةً لكل من تولى بعده إلى أن أبطلها السلطان عبد الحميد خان الأوَّل سنة ١٧٧٤. أما الرسول الذي كان أرسله الوزير محمد إلى الأمير جم فقبض عليه سنان باشا حاكم الأناطول وقتله حتى لا يصل خبر موت السلطان محمد إليه.

وكان السلطان بايزيد الثاني ميالًا للسلم أكثر منه إلى الحرب، محبًّا للعلوم الأدبية مشتغلًا بها، ولذلك سماه بعض مؤرخي الترك بايزيد الصوفي. لكن دعته سياسة الدولة إلى ترك أشغاله السلمية المحضة والاشتغال بالحرب، وكانت أول حروبه داخلية، وذلك أن أخاه جمًّا لما بلغه خبر موت أبيه سار على الفور مع من حاز به ولاذ به قاصدًا مدينة بورصة، فدخلها عنوة بعد أن هزم ألفيْ انكشاري، ثم أرسل إلى أخيه يعرض عليه الصلح بشرط تقسيم المملكة بينهما فيختص جم بولايات آسيا وبايزيد بأوروبا فلم يقبل بايزيد، بل أتى إليه وقهره بالقرب من مدينة «يكي شهر» في يوم ٢٣ جمادى الأولى سنة ٨٨٦ (الموافق ٢٠ يوليو سنة ١٤٨١)، وتبعه حتى أوصله إلى تخوم البلاد التابعة لمصر، وفي عودته إلى عاصمته طلب منه الانكشارية أن يبيح لهم نهب مدينة بورصة مجازاة لها على قبولها الأمير جمًّا فلم يوافقهم على ذلك، وخوفًا من حصول شغب منهم دفع إلى كل نفر منهم قرشين، فأقام جم هذه السنة بالقاهرة ضيفًا عند السلطان قايدباي، ثم عاد في السنة الثانية إلى حلب ومنها راسل قاسم بك — آخر ذرية أمراء القرمان — ووعده أنه لو أنجده وساعده للحصول على ملك آل عثمان يردُّ له بلاد أجداده، فاغترَّ قاسم بك بهذه الوعود وجمع أحزابه وسار مع الأمير جم لمحاصرة مدينة قونية عاصمة بلاد القرمان، فصدهم عنها القائد العثماني كدك أحمد باشا فاتح مدينتي كافا وأوترنت وألزم الأمير جمًّا بالفرار.

ثم حاول هذا الأمير الصلح مع أخيه بشرط إقطاعه بعض الولايات، ولما رفض السلطان هذا الطلب الذي لا يكون وراءه إلا انقسام الدولة أرسل الأمير جم رسولًا من طرفه إلى رئيس رهبنة القديس حنا الأورشليمي برودس يطلب منه مساعدته على أغراضه؛ فقبلوه عندهم بالجزيرة، ووصل إليها في ٦ جمادى الثانية سنة ٨٨٧ (الموافق ٢٣ يوليو سنة ١٤٨٢)، وقابلة أهلها بكل تجلة واحترام، وبعد قليل وصلت إلى الجزيرة وفود من السلطان بايزيد لمخابرة رئيس الرهبنة على إبقاء أخيه جم عندهم تحت الحفظ، وفي مقابلة ذلك يتعهَّد لهم السلطان بعدم التعرُّض لاستقلال الجزيرة مدَّة حياته ويدفع مبلغًا سنويًّا للرهبنة المذكورة قدره ٤٥ ألف دوكا، فقبل رئيسهم ذلك وأوفوا بوعدهم ولم يقبلوا تسليمه إلى ملك المجر أو إمبراطور ألمانيا اللذين طلبا إطلاق سراحه ليستعملاه آلة في إضعاف الدولة العثمانية، بل أرسله رئيس الرهبنة إلى فرنسا ووضع تحت الحفظ أولًا في مدينة نيس١ ثم في شمبري، وبقي ينقل من بلدة لأخرى مدة سبع سنوات. وفي سنة ١٤٨٩ سلمه رئيس الرهبنة إلى البابا أنوسان الثامن وهو خابر السلطان بايزيد طالبًا أن يحفظه عنده وتدفع إليه الدولة ما كانت تدفعه إلى رهبنة رودس فقبلت، ثم مات هذا البابا وخلفه إسكندر بورجيا الشهير،٢ ويقال إن هذا البابا عرض على السلطان بايزيد أن يخلصه من أخيه، وبعبارة أخرى يقتله لو دفع إليه ثلاثمائة ألف دوكا.

وفي أثناء هذه المخابرات أغار شارل الثامن — ملك فرنسا — على بلاد إيطاليا لتنفيذ مشروعه الوهمي، وهو فتح مدينة القسطنطينية والوصول إليها عن طريق بلاد البنادقة فألبانيا، ولذلك كان أرسل دعاة الفتنة والفساد إلى بلاد مقدونيا واليونان لإثارة الأفكار ضدَّ العثمانيين، لكن خشي ملك نابولي وجمهورية البنادقة من تعاظم شأن الدولة الفرنساوية، فوضعوا العراقيل أمامه وأرسلوا إلى السلطان بايزيد يخبرونه بمشروع ملك فرنسا ودسائسه، وطلبوا منه أن يرسل جيوشه إلى بلاد إيطاليا وأن يأخذ حذره في داخليته.

وفي هذه الأثناء حاصر ملك فرنسا مدينة رومة وطلب من البابا أن يسلمه الأمير جمًّا العثماني فسلمه إليه، ويقال: إنه دس له السم قبل تسليمه إليه وما فتئ هذا الأمير مصاحبًا لجيوش فرنسا حتى توفي في يوم ١٨ جمادى الأولى سنة ٩٠٠ (الموافق ١٤ فبراير سنة ١٤٩٥) في مدينة نابولي، ودفن في بلدة «جاييت» بإيطاليا، ثم نقلت جثته بعد ذلك بمدَّة إلى البلاد العثمانية ودفن في مدينة بورصة في قبور أجداده. وتوفي رحمه الله عن ٣٦ سنة قضى منها ١٣ في هذه الحالة الشبيهة بالأسر خارجًا عن بلاده.

هذا؛ ولنأتِ على ذكر ما حصل في مدة سلطنة بايزيد الثاني من الحروب بطريق الإيجاز لعدم حصول فتوحات في أيامه تقريبًا، فكانت أغلبها على التخوم لصدِّ هجمات المتاخمين ومجازاتهم على ما يرتكبونه من السلب، لكن في سنة ١٤٨٧ كانت الحروب تنتشب بين العثمانيين وملوك مصر لمتاخمة بلادهم عند أطنه وطرسوس، فبعد مناوشات خفيفة بين الطرفين على الحدود توسَّط بينهما باي تونس لعدم حصول الحرب بين أميرين مسلمين، فاتفقا على حل مرضٍ للطرفين، وساعد على ذلك حب السلطان بايزيد للسلم كما سبق الذكر، وكان ذلك في سنة ١٤٩١. وفي السنين التالية حصلت عدة وقائع ذات شأن لم تحصل منها الدولة على نتائج تذكر؛ إذ لم تفتح مدينة بلغراد التي كانت مطمح أنظار الدولة لبقائها كنقطة سوداء على شاطئ نهر الدانوب الأيمن الفاصل بين أملاك الدولة والمجر.

ابتداء العلاقات مع دول أوروبا

وفي عهد هذا السلطان ابتدأت علاقات الدولة العلية مع مملكة الروس، وذلك أنه بعد تفرق مملكة الروس الأولى عقب إغارة المغول على بلادهم وتسلطهم عليها مدة استخلصها إيوان الثالث، وكان يلقب «دوق موسكو»،٣ وأعاد لها بعض مجدها السابق في سنة ١٤٨١م، وابتدأت العلاقات بينها وبين الدولة في سنة ١٤٩٢ حيث وصل إلى القسطنطينية أول سفير روسي ومعه جملة هدايا للسلطان. وبعد ذلك بأربع سنوات أتى إليها سفير آخر واستحصل من الدولة على بعض امتيازات لتجار الروس.
وكذلك ابتدأت في عهده المواصلات الحبيَّة مع مملكة «بولونيا»،٤ فعقدت معاهدة بين المملكتين في سنة ١٤٩٠ وتجددت في سنة ١٤٩٢، لكن لم يلبث هذا الوفاق أن تكدَّر صفاؤه بسبب ادعاء كل من الدولتين حقَّ السيادة على بلاد البغدان وإغارة ملك بولونيا عليها، فالتزم العثمانيون بطرد المجر منها والإغارة على حدود بولونيا بمساعدة أمير بغدان نفسه الذي قبل حماية الباب العالي عليها.
وكذلك ابتدأت المخابرات بين الدولة العلية في ذلك الحين وبين البابا إسكندر السادس «بورجه» وملك نابولي ودوك ميلانو وجمهورية فلورنسا،٥ فكان كل منهم يجتهد في محالفة الدولة العلية والاستعانة بجنودها البرية ومراكبها البحرية لمحاربة من عاداه وفي قطع علائق الاتحاد بينها وبين من خالفه، وبتلك المساعي تمكَّن الإيطاليون من إيجاد النفرة بين الدولة وبين جمهورية البنادقة حتى تسبب عنها حرب عوان بينهما، فأرسل السلطان جيوشه من البر والبحر لفتح مدينة ليبنته من بلاد اليونان، وكانت تابعة للبنادقة؛ ففتحت بكل سهولة عقب انتصار العمارة العثمانية على مراكب البنادقة التي اعترضتها عند مدخل الخليج المسمى باسم هذه المدينة، وفي الوقت نفسه أغار والي بلاد البشناق على إقليم فريول، ثم اجتاز نهر إيزونطو ووصلت طلائعه إلى أرباض مدينة فيشنسا وأوقف القتال بسبب اشتداد البرد. وفي السنة التالية احتلَّ العثمانيون ثغور مودون وكورون وناورين٦ من بلاد اليونان، وكانت من أملاك البنادقة في هذه البحار.

فخافت جمهورية البندقية من تقدم الأتراك إلى مركز حكومتها من ضياع استقلالها، واستغاثت بممالك أوروبا المسيحية؛ فأنجدها البابا وملك فرنسا ببعض مراكب حربية وساعدوها على محاصرة جزيرة ميدللي لإشغال الدولة عن بلادها فلم تنجح، بل فتح العثمانيون مدينة «رودتسو» الواقعة على بحر الأدرياتيك، ولولا عصيان أولاد السلطان عليه ببلاد الأناطول كما سيجيء لفتحت باقي بلاد البنادقة، لكن اضطرت أحوال المملكة الداخلية السلطان إلى إبرام الصلح مع محاربيه بأوروبا، وهم المجر والبنادقة، فتم الصلح بينه وبين الجمهورية سنة ١٥٠٢، وفي السنة التالية تمَّ الصلح كذلك مع ملك المجر.

عصيان أولاد السلطان عليه وتنازله عن الملك لابنه سليم

ولقد تكدَّر صفاء حياة الملك في سني حكمه الأخيرة بعصيان أولاده عليه وإضرامهم نار الحروب الداخلية التي لولا ما وقع في قلوب أعدائها من الرعب لكانت هذه الحروب العائلية فرصة عظيمة لهم؛ وذلك أن السلطان بايزيد الثاني كان له ثمانية أولاد ذكور توفي منهم خمسة في صغرهم وبقي ثلاثة، وهم كركود وأحمد وسليم، وكان أوَّلهم مشتغلًا بالعلوم والآداب ومجالسة العلماء؛ ولذا كان يمقته الجيش لعدم ميله للحرب، والثاني كان محبوبًا لدى الأعيان والأمراء، وكان علي باشا — أكبر الوزراء — مخلصًا له. وكان ثالثهم وهو سليم محبًّا للحرب ومحبوبًا لدى الجند عمومًا والانكشارية خصوصًا.

ولاختلافهم في المشارب والآراء خشي والدهم وقوع الشقاق بينهم؛ ففرق بينهم وعيَّن كركود واليًا على إحدى الولايات البعيدة، وأحمد على أماسية، وسليمًا على طرابزون، وعيَّن أيضًا سليمان ابن ابنه سليم واليًا على كافا من بلاد القرم؛ فلم يرض سليم بهذا التعيين، بل ترك مقر وظيفته وسافر إلى كافا بالقرم، وأرسل إلى أبيه يطلب منه تعيينه في إحدى ولايات أوروبا، فلم يقبل السلطان، بل أصرَّ على بقائه بطرابزون؛ فعصى سليم والده جهارًا وسار بجيش جمعه من قبائل التتر إلى بلاد الروملي، وأرسل والده جيشًا لإرهابه، ولما وجد من ابنه التصميم على المحاربة قبل تعيينه بأوروبا حقنًا للدماء، وعيَّنه واليًا على مدينتيْ سمندرية وودين٧ سنة ١٥١١.

ولما وصل إلى كركود خبر نجاح أخيه سليم في مقاومته انتقل إلى ولاية صاروخان واستلم إدارتها بدون أمر أبيه ليكون قريبًا من القسطنطينية عند الحاجة.

ثم سار سليم إلى أدرنة وأعلن نفسه سلطانًا عليها، فأرسل والده إليه من هزمه وألجأه إلى الفرار ببلاد القرم. وأرسل جيشًا آخر لمحاربة كركود بآسيا فهزمه أيضًا، لكن التزم السلطان بايزيد بالعفو عن ابنه سليم بناءً على إلحاح الانكشارية لتعلقهم به وإعادته إلى ولاية سمندرية. وفي أثناء توجه سليم إليها قابله الانكشارية وأتوا به إلى القسطنطينية باحتفال زائد وساروا به إلى سراي السلطان، وطلبوا منه التنازل عن الملك لولده المذكور، فقبل واستقال في يوم ٨ صفر سنة ٩١٨ (الموافق ٢٥ أبريل سنة ١٥١٢)، وبعد ذلك بعشرين يومًا سافر للإقامة ببلدة ديموتيقا، فتوفي في الطريق يوم ١٠ ربيع الأول سنة ٩١٨ (الموافق ٢٦ مايو سنة ١٥١٢) عن ٦٧ سنة ومدة حكمه ٣٢ سنة، ويدَّعي بعض المؤرخين أن ولده دسَّ إليه السم خوفًا من رجوعه إلى منصة الملك، كما فعل السلطان مراد الثاني الذي سبق ذكره. ولم تزد أملاك الدولة العلية في زمن السلطان بايزيد الثاني إلا قليلًا لحبه السلم وحقن الدماء، فكانت حروبه الخارجية اضطرارية للمدافعة عن الحدود؛ حتى لا يستخف بها أعداؤها. وكان سلمي الطباع كارهًا للقتل، وكان أشهر وزرائه داود باشا الذي تولَّى الوزارة بعد كدك أحمد، ومكث بها أربع عشرة سنة واستقال منها باختياره سنة ١٤٩٧، وقضى باقي عمره في عمل الخيرات والمبرَّات.

١  مدينة لطيفة في جنوب فرنسا على البحر الأبيض المتوسط، معتدلة الهواء. ولقلة البرد فيها عن الجهات الشمالية يقصدها السياح في زمن الشتاء من جميع جهات الدنيا لترويح النفوس والأجسام من عناء الأشغال. كانت تابعة لإيطاليا، ثم فتحها الفرنساويون سنة ١٧٩٢، وفي سنة ١٨١٤ رُدَّت لإيطاليا، وهي أعطتها لفرنسا ثانية مع مقاطعة السافوا في سنة ١٨٦٠؛ مكافأة لها على مساعدتها على محاربة النمسا، والحصول على الاستقلال، وتكوين الوحدة لإيطاليا.
٢  هو إسكندر السادس، ولد سنة ١٤٣١ بإسبانيا، وانتخب لرياسة المذهب الكاثوليكي سنة ١٤٩١، وخلَّف عدة أولاد أشهرهم في التاريخ ابنه سيزار بورجا، وابنته لوكريس التي أنشأ «فكتور هوجو» — الشاعر الفرنساوي الذائع الصيت — رواية محزنة باسمها؛ شرح فيها ما ارتكبته هي وأبوها من فظائع الأمور. وينسب لهذا البابا ارتكاب جميع الآثام والمحرمات، وتوفي سنة ١٥٠٣. قيل إنه سَمَّ نفسه غلطًا بسم كان جهَّزَهُ لإعدام أحد أعدائه.
٣  موسكو مدينة عظيمة في وسط بلاد الروسيا، كانت عاصمة لها إلى أن نقل بطرس الأكبر تخت الحكومة إلى مدينة سان بطرسبورج، التي أسسها على خليج فنلاند الخارج من بحر بلطيق سنة ١٧٠٣، وبقربها انتصر «نابليون الأول» — إمبراطور فرنسا — على الروسيا سنة ١٨١٢؛ فدخلها بعد أن أحرقوها عن آخرها حتى لا يمكن العدوَّ المُكثُ بها؛ ولذلك اضطر نابليون إلى العودة إلى بلاده، وفي هذا التقهقر هلك أغلب جيشه مما هو مشهور ومسطور.
٤  ويسمَّى في كتب الترك «لهستان»، كانت مملكة قوية يبلغ عدد سكانها خمسة عشر مليونًا من النفوس، وتختها مدينة وارسوفيا، وكانت حكومتها ملوكية مقيدة انتخابية؛ أي إن الملك يعيَّن بالانتخاب، ويكون انتخابه من أمراء الأجانب، واستمرت محترمة إلى سنة ١٧٧٣ حيث اتفقت الروسيا والنمسا والبروسيا على تجزئتها؛ فاقتسموا أغلب بلادها غير تاركين إلا جزءًا قليلًا. وفي سنة ١٧٩٣ قسم أغلب ما بقي منها بين النمسا والروسيا. وفي سنة ١٧٩٥ قسمت ما بقي منها، وأعدمت هذه المملكة من الوجود. ثم لما قامت دولة «نابليون الأول» جمع منها نحو خمسها وسماها غراندوقية وارسوفيا. وفي سنة ١٨١٥ جُزِّئَتْ هذه الغراندوقية بين البروسيا والروسيا، لكن حفظت الروسيا لما أخذته استقلاله الإداري. وفي سنة ١٨٣٠ ثار البولونيون طلبًا للاستقلال السياسي؛ فحاربتهم الروسيا مدة عشرة أشهر؛ وانتصرت عليهم وسلبت منهم جميع امتيازاتهم، ولم يزالوا حتى الآن يسعون وراء الاستقلال بهمة لا تقعدها الصعوبات ولا تضعفها الاضطهادات.
٥  مدينة بإيطاليا من أجمل مدن الدنيا، وبها كثير من العمارات الشائقة، والتماثيل المفتخرة، والتحف، والصور الجميلة، والمتنزهات العمومية. كانت في القرون الوسطى جمهورية مستقلة، ثم امتلكتها عائلة «مديسي» الشهيرة. وأخيرًا صارت عاصمة لمملكة إيطاليا بعد انتصار الفرنساويين والإيطاليين على النمسا سنة ١٨٥٩، إلى أن انتقلت الحكومة إلى مدينة رومة بعد أن دخلها الإيطاليون في ٢٠ سبتمبر سنة ١٨٧٠ أثناء حرب فرنسا والروسيا.
٦  مينا مجرية في بلاد اليونان؛ شهيرة بتعدي مراكب فرنسا وإنكلترا والروسيا معًا على الدونانمة التركية المصرية، وحرقها عن آخرها في ٢٠ أكتوبر سنة ١٨٢٧ بدون إعلان حرب؛ مساعدة لليونان على الاستقلال كما ستراه في موضعه.
٧  مدينة حصينة ببلاد البلغار على نهر الدانوب على جانب عظيم من الأهمية الحربية؛ تبعد ٢٢٥ كيلومترًا عن بلغراد، سكانها خمسون ألفًا، شهيرة بعصيان حاكمها «بازوان أوغلي» سنة ١٧٩٨ واستقلاله بها. وهي الآن داخلة ضمن حدود مملكة الصرب بمقتضى معاهدة برلين الأخيرة المبرمة سنة ١٨٧٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤