المعركة الأخيرة

اندفعَت سيارة الشياطين إلى قلب الحي السكني الهادئ الراقي في قلب القاهرة …

كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، وقد ساد السكونُ الحيَّ، وقد نام أهله في أمانٍ وطمأنينة، وقد خلَت الشوارع من المارة. وإن كانت العين الخبيرة تلمح عددًا كبيرًا من رجال الأمن والقوات الخاصة راحوا يذهبون ويجيئون دون أن يُثيروا الانتباه إلى حقيقتهم. وقد وقَفت أكثر من سيارة أمن في التقاطعات الهامة داخل الحي وبداخلها مجموعة من رجال القوات الخاصة المسلحين. وكان من الواضح أن رجال الحراسة في المكان يعرفون سيارة الشياطين، فسمحوا لها بالتحرك في حرية دون اعتراض … وانطلقَت سيارة الشياطين تقطعُ شوارع الحي الهادئ خاصةً منطقة السفارات دون أن يعثر الشياطين على ما يريبهم.

تساءل «خالد»: هل تظنون أن الإرهابيِّين الأربعة قد تراجعوا عن تنفيذ مخططهم في آخر لحظة؟

قيس: ولماذا؟

خالد: بسبب وجود رجال الأمن بكثافة في المكان … فإن هؤلاء الإرهابيِّين من المحترفين، ولن تخفى عليهم حقيقة وجود رجال أمن بكثافةٍ عالية في المكان بقصد القبض عليهم.

أحمد: لا أظن أن هؤلاء الإرهابيِّين سيتراجعون عن عمليتهم الإجرامية؛ فقد اعتادوا تحدِّي قوات الأمن، ولا تنسَوا الشريط السينمائي الذي شاهدناه لهم، وكيف تمكَّنوا من اغتيال المسئول السياسي الأوروبي برغم وجود رجال الحراسة حوله، وبرغم أنه كان يجلس في سيارةٍ مصفَّحة.

إلهام: تقصد أنهم سيلجئون إلى حيلةٍ في تنفيذ عمليتهم؟

أحمد: هذا هو المنطق الأقرب.

وساد الصمتُ سيارةَ الشياطين وهي تتحرك ببطءٍ في الحي، وعيون الشياطين تراقب ما حولهم في تفحُّصٍ وتمعُّنٍ شديدَين، وفجأة دوَّى صوتُ تحطمِ الزجاج الخلفي لسيارة الشياطين، عندما اخترقَته رصاصة من مسدس كاتم للصوت، وفي الحال أدار «أحمد» سيارته بعنف صاعدًا فوق الرصيف ليتحاشى بقية الرصاصات التي طاشَت في الهواء بسبب حركة «أحمد» السريعة، وقفز الشياطين من السيارة بسرعةٍ بالغة، وقد أدركوا أنهم يتعرَّضون لمحاولة اغتيال، وأن مَن أطلق الرصاص لا يمكن أن يكون إلا واحدًا من أعضاء منظمة «الأصابع الدموية» … فاندفع الشياطين الأربعة إلى الوراء باتجاه المكان الذي انطلقت منه الرصاصات، ولكن لم يكن هناك أثرٌ لأيِّ إنسان حولهم، وقد ظهرَت مجموعة من العمائر الساكنة يحيطها الظلام والهدوء …

وهتف «قيس» غاضبًا: أين ذهب هذا الإرهابي المجرم الذي أطلق الرصاص علينا؟

أجابه «خالد»: لا بد أنه أسرع بالهرب.

إلهام: ولكن أليس من الغباء أن يحاول هؤلاء الإرهابيون اغتيالَنا وفضْحَ أنفسهم في حين أنهم يسعَون خلف هدف أكبر؟

ضاقَت عينَا «أحمد»، وقال: معكِ حقٌّ يا «إلهام» إن المسألة تبدو كما لو كانت خدعة صغيرة تمامًا مثل القنبلة التي ألقاها هؤلاء المجرمون على سيارة المسئول السياسي الأوروبي، ولم يكن الغرض منها قتله، بل شيء آخر … وما حدث من إطلاق الرصاص علينا في هذا المكان سيجعلنا نبادر بالبحث عن الإرهابيِّين الأربعة قريبًا من مكان إطلاق الرصاص، أليس كذلك؟

قيس: هذا كلام منطقي.

أحمد: ولكني أعتقد أنها مجرد خدعة. وبذلك فعلينا أن نفكِّر بعكس المنطق الذي نراه حولنا …

قال «خالد»: وما معنى ذلك؟

أحمد: معناه أن الإرهابيِّين أرادوا أن يندفع رجال الأمن إلى هنا، ويبحثوا معنا عنهم. على حين أنهم ينوون تنفيذَ عمليتهم الإجرامية في مكان بعيد عن هنا.

هتفَت «إلهام» بدهشة: هل تقصد أنهم …

قاطعها «أحمد» قائلًا: من المؤكد أن هؤلاء المجرمين سيختارون هدفًا بعيدًا عن هنا … وأنهم سيختارون هدفًا آخر لقنابلهم وقد عرفتُه … هيَّا بنا … فلا شك أنهم قد عدَّلوا خُطتهم بسبب وجود رجال الأمن هنا.

واندفع «أحمد» إلى السيارة الصغيرة، ولحق به باقي الشياطين … وانطلقَت السيارة مخترقة الشوارع الساكنة إلى أطراف الحي الهادئ … بالقرب من نهر النيل … وأوقف «أحمد» السيارة بجوار فندق كبير قريب يُطلُّ على النيل … وراحَت أعينُ الشياطين تراقب المكان.

واقتربَت سيارة نظافة هبط منها ثلاثة من العاملين راحوا يُفرغون صناديق القمامة بداخل السيارة، ثم يعيدونها إلى مكانها خلف الفندق، على حين انتظر سائق السيارة في مكانها، ثم انطلقَت السيارة مبتعدة. وظهر الشك على وجه «إلهام»، فاقتربَت من صناديق القمامة الفارغة، ثم اتسعَت عيناها ذهولًا … فقد كان بداخل كلِّ صندوق قنبلة ضخمة.

وأسرعَت «إلهام» نحو الشياطين صارخة: هناك قنابل بداخل صناديق القمامة قد تنفجر بعد لحظاتٍ.

صاح «أحمد»: لا وقتَ لاستدعاء رجال القوات الخاصة لإبطال مفعولها، فلنحمل هذه القنابل بأنفسنا، ونعطل مفعولها بسرعة.

وبعد أن نجح الشياطين في مهمَّتهم وترامقوا في سرورٍ وهتفَت «إلهام»: الحمد لله … فلنسرع لمطاردة هؤلاء الإرهابيِّين؛ فقد حان وقت النهاية.

وانطلقَت سيارة الشياطين في طريق الكورنيش خلف سيارة النظافة التي يستقلُّها الإرهابيون الأربعة.

وفجأةً تعالَى على البعد صوتُ طلقات رصاص، فقال «أحمد»: لا بد أن رجال الأمن قد اكتشفوا حقيقة سيارة النظافة، وأن الإرهابيين يتبادلون إطلاق الرصاص مع رجال الأمن.

كان «أحمد» على حقٍّ، فقد ظهرَت أمامهم على مسافة سيارة النظافة، وقد اعتلَت رصيف الكورنيش. واصطدمَت بشجرةٍ ضخمةٍ بعد أن أفرغَت رصاصات رجال الأمن والقوات الخاصة إطارتها …

اندفع الإرهابيون الأربعة، هاربين وهم يُطلقون الرصاص باتجاه رجال الأمن خلفهم … ولكن … كانت هناك مفاجأة في الناحية الأخرى …

فقد ظهر الشياطين في اللحظة المناسبة كعادتهم تمامًا، ليقطعوا الطريق على الإرهابيِّين … وقبل أن يفكر الإرهابيون في إطلاق الرصاص على الشياطين، كانت أسلحة الشياطين البشرية قد عَمِلت بسرعة أكبر.

فقد قفزت «إلهام» نحو «صافي»، وأطاحَت بمسدسها بضربةٍ من قدمها، ثم ضربَتها ضربة قوية جعلَتها تنحني متأوِّهةً، فعالجَتها «إلهام» بصفَعاتٍ متتالية جعلَت «صافي» تسقط على الأرض باكية لشدة الألم.

تكفَّل الشياطين الثلاثة ببقية الإرهابيِّين، واندفع رجال الأمن إلى المكان ليُلقوا القبض على الإرهابيِّين الأربعة، ويأخذوهم تحت الحراسة للتحقيق معهم … واقترب قائد القوات الخاصة من الشياطين الأربعة قائلًا في فخرٍ: لقد قمتم بعمل رائع وتعاونتم معنا بإخلاص للقبض على هؤلاء المجرمين.

أجاب «أحمد»: نحن دائمًا في خدمة العدالة وخدمة أمن وطننا وكل بلادنا العربية.

وعاد الشياطين إلى سيارتهم الصغيرة التي انطلقَت بهم في طريق الكورنيش، وقد بدأ نور الفجر يُشرق على المكان … حاملًا معه الأمان والطمأنينة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤