الربيع

مرحبًا ذُبْنَا اشتياقًا يا ربيعْ
يا خفيفَ الروحِ أهلًا مرحبا
كلَّما ضاء محيَّاكَ البديعْ
هبَّتِ الأرضُ تباهي الكوكبا
ومشى في سفحِ أضلاعي صريعْ
مات لولا ذكرُ أيَّام الصِّبا
عجبًا تمضي زمانًا وتعودْ
وربيعي قد مضى لم يرجعِ
مَن ترى أنباكَ أسرارَ الخلودْ
فتوقَّيتَ الرَّدى لم تصرعِ

•••

أمْ هيَ الأرضُ التي تبغي البقا
عرفَتْ كيف البقا بالاقتصادْ
فأبتْ عن حكمةٍ أنْ تُنفِقا
ما لديها حسنًا حتى المعادْ
واكتستْ ثوبَ بهاءٍ مورِقا
ما لهُ ما دامتِ الدنيا نفادْ
يا لهُ ثوبًا موشًّى بالورودْ
كلُّ عامٍ يُرتدى لم يُنزعِ
حبَّذا لو كان لي منهُ برودْ
كنتُ أرويها إذنْ من أدمعي

•••

ما أُحيلى وجهكَ الصافي الجميلْ
رصَّعتهُ بالندى أيدي الدهورْ
رُبَّ نفسٍّ سُجنتْ دهرًا طويلْ
مثلما يُسجنُ مصداحُ الطيورْ
أصبحتْ مطلقةً بعد الكبولْ
تغتذي ريحَ الموامي والصخورْ
فهي لم تُخلق لترسو بالقيودْ
لا ولا قد صُنعتْ للبرقعِ
عجبًا في هذه الدنيا النقودْ
حجبتْ إحدى النجوم اللُّمَّعِ

•••

يا ربيعَ الأرضِ يا نعمَ الدَّوا
لنفوسٍ ما لها إلَّا الهمومْ
حيثما تنشرُ منها ما انطوى
وتذرِّيهِ إذا مرَّ النسيمْ
ويحَ أهل العشق أرباب الهوى
خُلقوا في الكون كي يرعوا النجومْ
قسمتْ أرزاقُهم قبل المهودْ
وقفوا في كلِّ دارٍ بلقعِ
حفظوا للناس في الدنيا العهود
إنَّما حفظُهُمْ لم ينفعِ

•••

عطِّري يا زهرُ أذيالَ الرياحْ
إنْ سرتْ فوق الرياضِ القشُبِ
أودعيها كلَّما لاح الصباحْ
أرَجًا يُغنى بهِ عن كتُبي
غربةً أمست حياتي وانتزاحْ
ومناجاةً ورعيَ الشُّهُبِ
فإذا ما لاح للصُّبحِ عمودْ
بعد ليلٍ كغرابٍ أبقعِ
قلتُ في نفسي وللنوم صدودْ
أوَحتَّى غربةٌ في مضجعي

•••

أنا لولا ذكرُ أيَّام الصِّبا
قلتُ يا نفس إذا شئتِ اذهبي
غيرَ أنِّي كلَّما هبَّت صَبا
أنعشتْ قلبي بذكرٍ طيِّبِ
لا أبالي إنْ حللتُ المغربا
طالما شمسُ المُنى لم تَغرُبِ
فحياةُ المرء في هذا الوجودْ
رغبةُ النفس وعتْ أو لم تعي
وبكائي للأُولى طيَّ اللُّحودْ
كعزائي بالأُولى باتوا معي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤