الفصل السادس

ثروة مصر الطبيعية ومنتجاتها

لقد وهبت الطبيعة أرض مصر تربة خصبة، وجوًّا صالحًا، وجبالًا زاخرة بالأحجار والمعادن، ونهرًا فياضًا يعم أرضها كل عام، وحيوانًا انتشر في أرجائها، وطيورًا اختلفت أنواعها. كل ذلك هيأ لأهل البلاد أن ينشئوا مدينة منذ أقدم العهود لم تضارعها مدنية في الشرق، ولا في الغرب في تلك الأزمان السحيقة. وكان أول ما وجه إليه المصري همه زراعة الأرض، وتربية الماشية، ثم إقامة المباني لسكنه، واستثمار الأحجار الصلبة، والمعادن في صناعاته، وحرفه المختلفة التي كانت نتيجة طبيعية لتدرجه نحو الحضارة والعيشة الهنيئة. وسنتكلم عن الزراعة أولًا، إذ هي في الواقع الأساس الأول لحياة سكان وادي النيل.

(١) الزراعة

إن أهم ما يجب على الباحث في الزراعة عند قدماء المصريين، أن يعرفه أولًا أنواع الأشجار والنباتات التي كانت تنمو في تربة البلاد، وكذلك النباتات والأشجار التي كان يجلبها المصري من الخارج وينتفع بها في بلاده.

الأشجار الكبيرة: كان المصري منذ أقدم العهود يستعمل خشب الأشجار العظيم في إقامة مبانيه وفي صناعاته، فكان منذ فجر التاريخ وما قبله يصنع سقف مقبرته من الخشب، كما يشاهد ذلك في سقارة، وفي نجع الدير،١ وكذلك كان يستعمله في بناء السفن، وفي الأدوات المنزلية، غير أن مصر طوال تاريخها لم يكن لديها الخشب الكافي لسد حاجاتها، لذلك لجأت منذ الأزمان السحيقة إلى جلب الأخشاب اللازمة لها من البلاد المجاورة وبخاصة من بلاد سوريا وما جاورها.

وأكثر الأشجار التي وجدناها مرسومة على جدران المعابد المصرية والمقابر لم يتسن تعرفها وتمييزها بصفة قاطعة في كثير من الأحيان. وذلك لأنها كانت ترسم دائمًا بصورة مختصرة. وأهم ما عرف منها على وجه التأكيد ما يأتي:

السنط  (Acacia Nilotica Del) وقد عثر على أجزاء منه في عصور ما قبل التاريخ، وبخاصة في البداري،٢ وفي العصر التاريخي من عهد الأسرة الثالثة،٣ والأسرة الخامسة، ثم في الأسرة السادسة،٤ وكان يجلب من «حتنوب». وقد عثر على رسم شجرة سنط في عهد الأسرة الثانية عشرة في مقابر بني حسن،٥ وكان خشبه يستعمل في بناء السفن الحربية، والقوارب، كما يستعمل الآن في مصر لهذا الغرض، وكان يجلب كذلك من بلاد «وولت» بالنوبة. كما كان زهر السنط يدخل ضمن صناعة أكاليل الموتى، وثماره المعروفة بالقرض كانت تستخدم في الطب، وبعض الصناعات الأخرى كالدباغة.
النخيل Phoenix Dactliphere: عثر على بقايا من جذوع النخل في مصر منذ العصر الحجري القديم العلوي في الواحة الخارجة.٦
والواقع أنه كان يزرع في مصر منذ أقدم العهود، وكانت تستعمل جذوعه في السقف، وقد عثر على سقف مقبرة من فلوق النخل في سقارة، يرجع عهدها إلى الأسرة الثانية، أو الثالثة،٧ وكذلك عثر على سقف من الحجر مقلدة عليه جذوع النخل في حفائر الجامعة بمنطقة الأهرام بالجيزة في مقبرة «رع ور» من الأسرة الخامسة، وفي مقبرة من الأسرة الرابعة، وفي مقبرة «فتاح حتب» بسقارة.
ونخيل الدوم (Hyphaene thebaica Nart) أول رسم عثر عليه لهذه النخلة وجد في مقبرة العظيم «كا إم نفرت» في عهد الدولة القديمة،٨ ولا شك أنها كانت موجودة في مصر منذ عهد ما قبل الأسرات، إذ عثر على بذورها في مقابر البداري،٩ وفضلًا عن أكل ثمار النخل والدوم، فإن خوص أشجارها كان يستعمل في عمل السلال، وليفها لعمل الحبال والشباك، ويلاحظ أن عمل حبال أسطول الفرعون «سحورع»،١٠ التي كان يبلغ طول الحبل منها نحو ٣٠٠ ذراع كانت تصنع من ليف النخيل، وكان يصنع من خوص الدوم وفروعه السلال والحصير، والأطباق، والنعال والعصي والأقفاص.
الجميز (Ficus sycomorus) لا جدال في أن شجرة الجميز كانت تزرع في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات إذ عثر على خشبها١١ في مقابر نقادة وبلاص، وعلى ثمارها في عهد الأسرة الأولى.١٢ ويوجد في المتحف المصري ستة نماذج لشجرة الجميز، عثر عليها «ونلوك» في نماذج حدائق من عهد الأسرة الحادية عشرة،١٣ وكذلك عثر على قطع من خشب الجميز يرجع عهدها إلى الأسرة الخامسة.
وشجرة الجميز كانت تعتبر عند المصري القديم من الأشجار المقدسة (انظر الجزء الأول ص ١٩٧) هذا فضلًا عن أنه كان يعتقد أن تابوت الإله أوزير نفسه صنع من خشبها، وكانت تظلله بفيئها من اليوم الرابع والعشرين من شهر كيهك١٤ إلى نهايته، وهذه المدة هي عيد الإله أوزير. وكان خشب الجميز يستعمل عادة لعمل تماثيل الإلهات، ولصنع الأثاث والتوابيت والتماثيل على العموم. أما ثماره فكانت تؤكل وتقدم قرابين. وتستعمل المادة التي تتقاطر من لحاء هذه الشجرة عند قطعها بمدية في الأدوية،١٥ وبخاصة للعين وأمراض الجلد (القوب) وكان يصنع منه نوع من الخمر يسمى١٦ نبيذ التين.

ولما كان الجميز في مصر لا يتكاثر بنفسه فإن زراعته كانت تتوقف على نشاط الإنسان، مما يدل على تعرف قدماء المصريين على طرق الإكثار الخضري، كما أنهم عرفوا طريقة التختين، وتوجد عينة من الجميز المختن، وجدت بمخازن هرم «زوسر» المدرج بسقارة من عصر الأسرة الثالثة وهي محفوظة الآن بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي.

البرساء (اللبخ عند العرب) (Mimusops Schimperi Hochst) وكانت هذه الشجرة مقدسة للإله أوزير.
وقد عثر على فروع منها يرجع عهدها إلى الدولة الوسطى١٧ وكان يصنع من خشبها الأثاث وتماثيل المجاوبين، وتؤكل فاكهتها. وهي غير اللبخ المعروف في مصر الآن. وكانت أوراقها تدخل في صناعة معظم الأكاليل الجنائزية. وعثر في مقابر دير المدينة بالأقصر على طاقات كاملة من أفرع هذه الشجرة من الأسرة الثامنة عشر ووجدت ثمارها بمقبرة «توت عنخ آمون». وقد انقرضت من مصر حوالي القرن السابع الهجري.
شجرة النبق (Zizyphus Spina Christi) وقد عثر على فاكهتها في قبور عصر ما قبل الأسرات١٨ ويستعمل خشبها كثيرًا في التجارة المصرية حتى الآن.
شجرة الأثل (Tamarix nilotica) يوجد من هذه الشجرة أنواع عدة في مصر، وقد عثر على قطع متحجرة منها في وادي قنا منذ العهد الحجري القديم، وكذلك عثر على خشبها منذ العصر الحجري١٩ الحديث وفي البداري،٢٠ وفي عهد ما قبل الأسرات، وقد جاء ذكرها منذ عهد الأهرام.٢١ وقد كانت مقدسة للإله أوزير. لذلك زرعوها على بعض القبور. ولا تزال تنمو بكثرة في مصر وكان يصنع من خشبها كثير من أدوات الفلاحة.
شجرة الصفصاف (Salix safsaf Forsk) هذه الشجرة يرجع تاريخ وجودها في مصر إلى عصر ما قبل الأسرات، إذ عثر على يد سكين من خشبها،٢٢ وعلى صندوق من الأسرة الثالثة وكانت أوراقها تستعمل في عمل الأكاليل في عهد الأسرة الثامنة عشرة وما بعدها. وهذه الشجرة كانت مقدسة في دندرة، وكان الملك يأتي في أحد أعياد السنة المقدسة وينصب شجرة صفصاف أمام الإلهة حتحور٢٣ ويخاطبها.
شجر المخيط: Cordia Myxa وجدت فروعه في مقابر الأسرة الثانية عشر بطيبة كما صنعت من ثماره بعض أنواع الخمور، واستعمل ثمره في صيد الطيور.
أشجار التين: Fecus Carica توجد منقوشة على جدران المقابر، وخصوصًا في بني حسن والأقصر، وقد تسلقها القردة لقطف ثمارها.
الهجليج أو تمر العرب: Balanites aegiptiaca وجدت ثماره في كثير من المقابر وخصوصًا منذ الأسرة ١٢ وكان يستخرج منه زيت يستعمل في التطبيب ومحفوظة منه عينات بمتحف فؤاد الأول الزراعي.
وتدل الأحوال على أن صناعة النجارة لم تتقدم تمامًا في مصر إلا منذ كشف معدن النحاس. والآلات التي كانت تستعمل في النجارة وجدت مرسومة على المقابر أو وجد منها نماذج صغيرة في المقابر كالمجاميع التي عثر عليها في سقارة في مقبرة ابن «تي» وفي مقابر حفائر الهرم السليمة، وهذه الآلات بعضها معروف استعماله، وبعضها لم يعرف بعد، وأهم ما عرف منها القدوم، والبلطة، والمخرز، والإزميل أو المنقار، والأجنة، والمطرقة والمنشار. ونشاهد صناعة الأخشاب في مقابر الدولة القديمة في سقارة من عهد الأسرة الخامسة.٢٤

ومن أهم الأمثلة التي تبرهن على مهارة المصري في صناعة الخشب تمثال شيخ البلد، ونجارة الملكة «حتب حرس» من عهد الأسرة الرابعة في المتحف المصري.

الأخشاب الأجنبية

ظلت مصر منذ أقدم العصور حتى الآن في حاجة إلى جلب الأخشاب من البلاد المجاورة لها. وأهم البلاد التي كانت تجلب منها الأخشاب عدا الأبانوس؛ بلاد آشور، وأرض الإله «البنت»، وبلاد الحيثيين، ولبنان، والنهرين، وبلاد زاهي «سوريا» وفلسطين، وكل هذه البلاد ما عدا بلاد «بنت» التي كان يأتي منها خشب الأبانوس، وبعض الأخشاب ذوات الروائح العطرية التي كانت تستعمل «بخورًا» واقعة في غرب آسيا.

وقد ذكرت لنا المتون المصرية أنواعًا عدة من الأخشاب، والأشجار لم يحقق منها إلا عدد يسير جدًّا.

وأهم الأخشاب التي جاء ذكرها في نصوص الدولة القديمة ما يأتي: الأرز، والسرو، وشجر العرعر، والبلوط، والصنوبر.

وقد ذكر خشب الأرز في المتون المصرية باسم «عش». ولكن علماء الآثار اختلفوا في بادئ الأمر في ترجمة هذا الاسم، فمن قائل إنه السنط المصري، ومن قائل إنه اللبخ. ولكن الرأي الأخير أثبت أنه الأرز الذي يكثر في جبال لبنان. وقد جاء اسمه في متون الدولة القديمة وبخاصة في متون الأهرام. وكانت هذه الشجرة مقدسة للإله «أوزير» إله الموتى الذي كان ينتحب مثل صوت شجرة الأرز، والذي كان مختبئًا في قلبها في جبال ببلوص٢٥ «جبيل». ورغم كل ذلك فإن الأستاذ «لوريه» يقول إنها شجرة الصنوبر، ويقال إن خشبها استعمل في مصر منذ عهد ما قبل الأسرات. وكان خشب الأرز يستعمل في عمل الأبواب وفي صنع أثاث المعابد، والقصور وغيرها.
الأبانوس «هبني»: وتدل النقوش على أنه كان يجلب من بلاد كوش وبلاد النوبة، وبلاد بنت، والممالك الجنوبية. والظاهر أنه كان لا ينمو في كل هذه الجهات، ولكنه كان يصل إلى مصر من الجنوب فقط، وكان يستعمل منذ عهد الأسرة الأولى،٢٦ إذ عثر على لوحة منه، وعلى خاتم أسطواني الشكل منه أيضًا. ولكن اسم الخشب ذكر أولًا على ما نعلم في عهد الأسرة السادسة،٢٧ وكان يستعمل في أغراض شتى كعمل الصناديق، والتوابيت وآلة الطرب (العود)، والمحاريب الصغيرة، والتماثيل والعصي، ولكنا لا نعرف إذا كانت هذه الأشياء صنعت في مصر أو كانت تجلب إليها من الخارج، ويقول الأستاذ لوريه إن المصريين عرفوا الأبانوس عن طريق الحبشة.٢٨
البخور والروائح العطرية: مما لا جدال فيه أن البخور كان يستعمل في مصر في المعابد والمقابر. وقد جاء ذكر استعمال البخور في مصر في نقوش الأسرتين الخامسة والسادسة،٢٩ وأهم ما كان يجلب منه إلى مصر «الكندر»، وهو نوع من الصمغ «عنتي» لونه أبيض مائل إلى الصفرة أو أسمر، وهو شفاف، وأشجاره تنبت في الصومال، وجنوبي بلاد العرب.
ومن أهم موارد البخور التي كانت تجلب إلى مصر المر، واللبان الذكر. وكانت من أهم مستلزمات الطقوس الدينية كما كانت تستعمل الأصماغ والراتبنجات من الأشجار الصنوبرية. وهناك نوع آخر يأتي من بلاد شرق السودان بالقرب من جلابات، ومن البقاع المتاخمة لبلاد الحبشة. وقد ذكرت لنا المتون المصرية أنه كان يجلب من بلاد قبائل العبيد في عهد الأسرة السادسة،٣٠ ومن بلاد بنت. وقد ذكر الأستاذ «نيوبري» أن اللادن كان يستعمل في مصر منذ الأسرة الأولى.٣١

النباتات ذات الألياف

كان المصري يستعمل النباتات ذات الألياف في حاجاته اليومية. وأهمها الكتان وألياف النخيل والحلفاء التي كانت تستعمل في عمل الحبال منذ أقدم العهود.٣٢
الغاب أو البوص: كان يستعمل منذ الأزمان السحيقة، وكان نباته يتخذ وهو مزهر شارة تدل على الوجه القبلي لكثرة نموه فيه. واستعمل في بناء مساكن فقراء القوم، وكانت أزهاره تعمل طاقات منذ عهد ما قبل الأسرات، وكان كثير الانتشار في مناقع الدلتا وعمل منه بعض الأثاث كالسلال، وكذلك السهام، وأنابيب للنفخ في كور الصائغ، واليراع المثقب، والأقلام، والحراب، هذا إلى أنه كانت تصنع منه قوارب صغيرة في الأعياد والاحتفالات الدينية على طراز القوارب التي كانت تصنع من البردي.٣٣
السعد وحب العزيز: وهما من الفصيلة البردية، وينموان في أراضي الجزر الرملية والجهات الرطبة وهما على أنواع شتى، ويعتقد الأستاذ شفينفورت أنه ينبت منها في مصر ثمانية عشر نوعًا،٣٤ والنوع المسمى حب العزيز كان ولا يزال يؤكل ويتفكه به. والسعد نبات مثلث الشكل كالبردي له رائحة طيبة، ولذلك كان يستعمل في التحنيط، وقد وجدت منه حبوب ترجع إلى عهد ما قبل الأسرات.
البردي Cyperus papyrus: هو النبات الدال على الوجه البحري، وكان يستعمل في أغراض شتى، فكان يصنع منه الورق كما سنذكر بعد، ويؤكل ويعمل من سيقانه الحصر والسلال والغرابيل إلخ.
البشنين Nymphaea وهو اللوتس وكان ينمو في مصر بنوعيه الأزرق N. coerule، والأبيض N. Lotus منذ أقدم العصور، وكانت جذوره تؤكل على ما يظهر منذ عهد ما قبل التاريخ كما كان يصنع من بذوره نوع من الخبز. أما أزهاره فكانت تستعمل في صنع الأكاليل والطاقات. كما كان لها المقام الأول في الحفلات والزينات.٣٥
أما البشنين Nelumbium spiciosum المعروف باسم «الفول المصري» فهو من ألطف أنواع البشنين وقد أدخله الفرس في مصر حوالي سنة ٥٢٥ ق.م. وقد ذكر «هردوت»٣٦ أن المصريين كانوا يتزينون به. ومما هو جدير بالذكر أن زهر اللوتس على الإطلاق اتخذ محورًا للزخرفة ورمز به إلى الجمال والرقة. ولا يزال إلى يومنا هذا يتحكم في الفنون الجميلة.
النباتات الطبية: يظهر أن المصري منذ أقدم العهود قد برع في استعمال النباتات للطب. ويمكن القول حسب رأي الأستاذ موريه أنه جاء في الأوراق الطبية أكثر من ٥٠٠ نبات استخرجت منها مواد طبية.٣٧

الحبوب التي كانت تزرع في مصر

لما اهتدى الإنسان أول الأمر إلى النباتات الغذائية التي كانت تنبت بالطبيعة، وعرف فائدتها، أخذ في زرعها وتعهدها بالري والسماد وأهم هذه النباتات على ما نعلم هي الحنطة وهي نبات يشبه الشعير، ولكنه في الواقع نوع من القمح. وقد بقي يزرع في مصر طوال عهودها التاريخية ولعله انقرض من البلاد في القرن الأول المسيحي ويعرف عند الفرنج باسم Emmer. وقد وجدت حبوبه في مقابر «مرمدة» كما ذكرنا ذلك آنفًا في عهود ما قبل التاريخ وكذلك عثر عليه في مقابر عصر الأسر الأولى وما بعدها. ويعزى استعماله في الأساطير إلى الإله «أوزير» الذي يقال إنه وجد الشعير ناميًا بين النباتات البرية بطريق الصدفة فدرس طبائعه٣٨ ثم صنعت له أخته وزوجه إزيس منه الخبز، ولذلك تعتبر سنابل القمح والشعير من الأشياء المقدسة التي يرمز بها لهذه الآلهة، وقد وجد الشعير في المقابر القديمة مع الحنطة منذ عصر ما قبل الأسرات، وكذلك عثر على سنابل شعير منذ عهد الأسرة الخامسة ولكن في حالة تحلل، وقد استعمله قدماء المصريين خبزًا في عهد بناة الأهرام ولعمل الجعة حسب رواية هردوت.٣٩
ورغم كل ما ذكر فإن الرسوم التي وجدناها على مقابر الدولة القديمة لم تعطنا فكرة معينة عن أنواع الحبوب، كما أن قوائم موائد القربان لم تترجم إلى الآن ترجمة تجعلنا في مركز نحكم به على أنواع هذه الحبوب. وعلى أية حالة فإننا نعرف على وجه التقريب الحبوب الرئيسية من النماذج التي حفظت لنا في المقابر المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات، وهي التي نسبها القوم كما ذكرنا للإله أوزير.٤٠
وقد كشف عن نوع من القمح منذ عصر نقادة، وهو ما تسميه النقوش في الدولة القديمة «بدت» Tritcum, Decoccum.٤١
وكذلك عثر على نوع من الشعير أطلق عليه المصري في النقوش اسم «أت»،٤٢ وهذا النوع قد حققه العالم شفينفورت تحت اسم (Hordeum Hexastichum).
وقد ذكر «مونتيه» نوعًا آخر يسمى «بش»٤٣ تعرفه في مقبرة «مرا» بسقارة وفي مصطبة ليدن. ويقول الأستاذ بترى إن القمح النشوي يرجع تاريخ وجوده في مصر إلى العصر الحجري الحديث ولا يزال يزرع للآن في ممالك أوروبا، وعلى حسب قول المؤرخين كان يصنع منه الخبز المصري المعتاد،٤٤ أما الحنطة أو الجاودار (Triticum Vulgare) فتعد أنها أقدم نوع من الحبوب بذل الإنسان فيه مجهودًا لتحسينه بعد أن كان نباتًا بريًّا. وقد عثر على حبوبه محفوظة في الأواني وفي الأقداح وهو ما يطلق عليه في النقوش لفظة «سوت».٤٥
أما الذرة (Sorghum Vulgare) فقد أنكر العالم شفينفورت وجود الذرة في مصر ولكن «مسبرو» يظن أنه قد عبر عنها في كلمة «ديراتي» أو «دوراتي» وهي المذكورة في ورقة بردي من عهد الأسرة التاسعة عشرة، وشاركه في رأيه «ولكنسون» و«إرمن» وغيرهما ممن ظنوا أنهم حققوا وجود هذا النبات على الآثار المصرية.٤٦
ومهما يكن من أمر فإن زراعة الذرة في عهد الدولة القديمة لم تقم على دليل قاطع، وهذا خلافًا للقمح فإن وجوده كان مميزًا في كثير من المتون، فأحيانًا يذكر المتن حبوبًا بيضاء وأحيانًا يذكر حبوبًا حمراء وفي متون أخرى نجد ذكر شعير الوجه البحري وشعير الوجه القبلي.٤٧
وقد تساءل الأستاذ «إرمن» عن سبب هذه التسمية دون أن يجاب٤٨ والواقع أن قمح الوجه البحري له طابع خاص في أيامنا هذه وقمح الوجه القبلي له ميزة خاصة (قمح بحيري، وقمح صعيدي) وربما كانت هذه التسمية جاءت عن طريق التسمية الثنائية للقطرين.
الخضر: كان المصري منذ أقدم العهود يستعمل الخضر في طعامه لفائدتها من جهة واقتصادًا في أكل اللحوم من جهة أخرى، وكان يقدم كثيرًا منها على موائد القربان التي منها تعرفنا على كثير من أنواع الخضر المصرية القديمة، وأهمها الخس، والبصل، والفاقوس، كما عرفوا الكرفس، والحميض، والفجل، والكراث، والثوم إلخ.
الفول Fada Vugaris: وقد ذكر هردوت أن أكله كان محرمًا في بعض الجهات. وقد عثر على حبوب منه، ولكن من عهد الأسرة الثامنة عشرة.٤٩
العدس Lens esculenia: زكر «هردوت» أنه كان يستعمل طعامًا لبناة الأهرام، وقد عثر على إناء فيه عدس مطبوخ في مقبرة في دراع أبو النجا بالأقصر، وهذا الإناء موجود الآن بمتحف القاهرة.٥٠
الحمص: عرف بمصر منذ عهد الدولة القديمة. ويوجد نموذج منه من عصر الأسرة الثامنة عشرة محفوظ بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي.
الباميا: لم يثبت وجودها في العصر الفرعوني، ولكنها وجدت في العصر الإغريقي الروماني.
الفاقوس: وجد كثيرًا ممثلًا على موائد القربان المصرية في العهد الفرعوني.٥١
البطيخ: Citiullus Coloeynthoides: ويقال إن رسم البطيخ شوهد على موائد القربان، إلا أن البطيخ الذي عرف أيام الفراعنة، يرجح أنه من النوع البري الصغير الذي ينمو للآن في بلاد النوبة، وشرق السودان، وربما كان هذا هو أصل الأنواع الكبيرة. وقد ذكره «أنجار» في كتابه عن النباتات، وكذلك «لبسيوس»، وأعطى صورًا منه منذ عهد الأسرة الخامسة.٥٢ وكان ورقه كذلك يوضع على تابوت المتوفى. وقد ذكر اسمه في قصة البحار الغريق من عهد الدولة الوسطى.
الكراث: وهذا النبات الذي لا يزال يؤكل في مصر إلى الآن كان يزرع في مصر منذ الأسرة الخامسة على الأرجح، إذ إن اسمه باللغة المصرية القديمة قد وجد في تركيب اسم إحدى ضياع العظيم «تي»،٥٣ الذي يرجع عهده إلى الأسرة الخامسة، وقد وجد هذا الاسم ثانية في عهد الدولة الوسطى.٥٤
الكرفس: عثر على حبات من بذوره محفوظة في متحف فلورنس، وكانت أوراقه وزهوره تحلى بها الموميات. وتوجد قلادة منه من العصر الفرعوني محفوظة بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي، وكان يستعمل كثيرًا مادة طبية.
الخس: وهو من النباتات ذات الأنواع العدة، وكان يزرع في مصر منذ أقدم عهود الفراعنة. وقد مثل في سلال القرابين بورقه الأخضر. وقد عثر على حبات من بذوره، وهي محفوظة الآن بمتحف برلين، وكذلك بمتحف فؤاد الأول الزراعي، وهذا النبات هو الذي يرسم أمام المعبود «مين» إله التناسل؛ لأنه يعد من النباتات التي فيها قوة حيوية.
وقد عثر على نباتات أخرى عدة بعضها على الموميات، وبعضها ممثل على موائد القربان، أو مذكور في قوائمها، وأهمها الحميض، والفجل،٥٥ والشبث وقد ذكر «بتري» في كتابه Descriptive Sociology من ١٤٥–١٤٦ جدولًا لكل أسماء هذه النباتات والمصادر التي استقاها منها.
أما البصل فإنه رغم كثرة زراعته في مصر فلم يظهر على موائد القربان إلا في عهد الأسرة الخامسة.٥٦ ويظهر أن المصريين كانوا يأكلونه بكميات عظيمة إذا صدقنا ما ذكره «هردوت».٥٧ وقد كان يستعمل في الوصفات الطبية كثيرًا لشفاء عدة أمراض٥٨ ولا نزاع في أن عادة أكل البصل، وتعليقه في عيد شم النسيم ترجع إلى عادة مصرية قديمة. وقد كان عند المصريين عيد خاص يسمى عيد «نتريت» يحلى فيه جيد الناس بالبصل في ليلة العيد وذلك في ٢٥ كيهك. ويمشون وراء تمثال الإله فتاح «سكر».
الثوم: وكان المصري يستعمل الثوم كثيرًا في أكله كما هو الحال الآن، وفي الوصفات الطبية وقد عثر على حباته منذ عهد ما قبل الأسرات٥٩ على شكل نماذج من الحجر والعاج، وتوجد عينات منه طبيعية محفوظة بمتحف فؤاد الأول الزراعي.
التوابل: وتدل الكشوف الأثرية على أن المصري كان يستعمل كثيرًا التوابل، التي لم يستعملها الأوربيون؛ إلا بعد الحروب الصليبية، عندما نقلوها معهم من الشرق. وأهم هذه النباتات هي الكزبرة٦٠، وقد وجدت ضمن مخلفات الملك «توت عنخ آمون» كما وجدت كذلك في قوائم القربان منذ عهد الأسرة الخامسة مذكورة هي والكراويا.
وكذلك استعمل المصري الينسون، ووالكمون الذي الذي كان يستخرج٦١ منه الزيت.
أشجار الفاكهة: كانت أشجار الحدائق والكروم تزرع في مصر منذ أقدم العهود. ونخص بالذكر منها أولًا. الكرم (العنب) وقد عثر على رسم عصارة نبيذ من عهد الأسرة الأولى،٦٢ وكذلك على أواني نبيذ ترجع إلى هذا العهد، ولكن أول ما ذكر اسم العنب بالمصرية، كان في الأسرة الثالث٦٣) في تاريخ حياة «متن» (ص ١١ الجزء الأول) وما كان له من الكروم العظيمة المساحة، وكان النبيذ يستعمل قربانًا إلهيًّا، في قرابين المساء، وفي قرابين الأعياد، والقرابين المأتمية، كما كان يؤخذ شرابًا ويحصل ضريبة. ومناظر جمع العنب ودهسه بالأرجل، أو عصره تشاهد على جدران مقابر عصور مصر المختلفة منذ الأسرة الرابعة والخامسة٦٤ والسادسة،٦٥ وقد كانت عملية عصير العنب في غاية من البساطة، والظاهر أن لون النبيذ كان أحيانًا أسود، وأحيانًا أبيض، وربما كان ذلك هو السبب الذي دعا الأستاذ «إرمن» إلى أن يقول بوجود صنفين من النبيذ الأبيض والأسود٦٦ في عهد الدولة القديمة.

ومن المرجح أنه كان يسود في العصور الفرعونية، العنب الأحمر القاتم لأن معظم الثمار التي وجدت كانت بيضية الشكل، ذات لون أحمر قاتم، قريبة الشبه من الصنف الذي يزرع في مصر العليا، والفيوم الآن.

ويوجد نموذج من الزبيب (من النوع الأسود) محفوظ بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي. يرجع عهده للأسرة الثامنة عشرة عثر عليه في مقابر دير المدينة بالأقصر.

وبهذه المناسبة نذكر أنه كان يستخرج من نخيل البلح نوع من الخمر، ذكر منذ عهد الأسرة السادسة في متون الأهرام،٦٧ وهذا يختلف عن النبيذ الذي كان يستخرج من البلح منذ الأسرة السادسة٦٨ أيضًا، وهو المعروف الآن بالعرقي.
الرمان: وجد اسمه في اللغة المصرية «رمن» غير أن أقدم رسم له كان في عهد إخناتون،٦٩ وكانت منتجاته كثيرة. أما النبيذ الذي كان يستخرج منه فلم يذكر إلا في العصور٧٠ المتأخرة.

زراعة نباتات الألياف

الكتان: هو النبات الوحيد، الذي استعملت أليافه في صناعة النسيج، طوال عصور مصر الفرعونية؛ للاعتقاد السائد وقتئذ بأن «أوزير» كفن في الكتان بعد موته. وتدل بقايا الأقمشة التي عثر عليها منذ عصر البداري على أن صناعة نسيج الكتان كانت منتشرة في مصر منذ أقدم عهودها، وبخاصة عندما نعلم أن الأستاذ «ينكر» عثر في مقابر مرمدة (بني سلامة) على قطع من غزل الكتان أقدم عمرًا مما وجد في البداري،٧١ وكذلك عثر على أقمشة من العهد الحجري الحديث في الفيوم،٧٢ ولا نزاع إذن في أن الغزل والنسيج كانا من أقدم الحرف في مصر. ولكن تمثيل هذه الصناعات لم يعثر عليه منقوشًا إلا في عهد الأسرة الثانية عشرة في مقابر بني حسن، حيث مثلت الأدوار التي تمر على النبات من تعطين، ودق، وتمشيط، وغزل، ونسيج. هذا إلى أنه كشف عن نماذج لنساء يشتغلن بالغزل والنسيج في مقابر الأسرة الحادية عشرة في طيبة وهذه النماذج محفوظة الآن في متحف القاهرة.٧٣
وتدل البذور الكثيرة التي عثر عليها في المقابر المصرية على أنه كان هناك نوع خاص من الكتان يختلف عن النوع الذي يزرع في البلاد الآن.٧٤ وقد تكلم مؤرخو اليونان عن نسيج الكتان المصري ودقة صنعه، وخصوا نوعًا منه دقيقًا جدًّا حتى إنهم قالوا إنه نسج بالهواء ويطلق عليه اسم Byssus٧٥، ويعتقد الأستاذ «لوريه» أن هذه اللفظة تقابل في اللغة المصرية القديمة كلمة «نيسوت»، أي ملكي للدلالة على أفخر نوع من نسيج الكتان.٧٦
زراعة القطن واستعماله في مصر ٧٧ : لقد تضاربت الأقوال والآراء في موضوع استعمال القطن في مصر ومعرفة المصريين له؛ فمن ذلك أن «روزليني» يقول بوجود بذور هذا النبات في مقابر المصريين القدماء،٧٨ وكذلك عثر على بعض أكفان فحصت ويقال إنها مصنوعة من القطن، بيد أنه لم نعثر على وثائق حتى عصر الرومان تدل على صناعة القطن في مصر أو زرعه فيها، غير أن الأستاذ «ريزنر» اكتشف قطع نسيج قطنية من العهد الإغريقي الروماني في السودان في بلدة «مرو»٧٩ وكذلك ذكر لنا «هردوت» الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد (٥٦٩–٥٢٥ ق.م.) أن «أحمس» أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين أهدى قميصين من القطن،٨٠ وكذلك ذكر لنا «بليني»، الذي عاش في العصر الأول بعد الميلاد، أن الجزء العلوي من مصر المجاور لبلاد العرب كان يزرع نباتًا يسمى Gossypium؛ وأن أحسن ملابس يلبسها الكهنة كانت من فتائل هذا النبات،٨١ غير أن كلام «يليني» لا يعتمد عليه كثيرًا. ويمكن القول بأن القطن لم يعرف في مصر الفرعونية.
النباتات التي تستعمل في الصباغة: أهم النباتات التي كانت تستخرج منها الأصباغ في مصر هي النيلة، والعصفر المستخرج من زهر القرطم وقد عثر على اسمه منذ عهد الملك «تيتي» في الأسرة السادسة كما ذكر الأستاذ «لوريه»، وكان يزرع٨٢ في حقول القمح، وكذلك الحناء.٨٣
شجرة الزيتون وزيتها: كان أول من عثر على اسم شجرة الزيتون في المتون المصرية هو «نيوبري» في متون الأسرة الثالثة،٨٤ غير أن اسم زيت الزيتون لم يعثر عليه إلا نادرًا جدًّا في عهد الدولة الحديثة (ويعتقد الأستاذ «نيوبري»٨٥ أن الزيتون كان يزرع في مصر منذ بداية العصر التاريخي، غير أن ذلك مشكوك فيه). وأول تمثيل عثر عليه لشجرة الزيتون يرجع عهده للأسرة الثامنة عشرة.٨٦ ويدعى «بليت»٨٧ أن شجرة الزيتون قد أحضرت إلى مصر في عهد فتوحها العظيمة من آسيا، وقد وافقه على ذلك «كيمر»، إذ يقول: إن هذا النبات أحضر إلى مصر في عهد الأسرة الثامنة عشرة،٨٨ وقد عثر على بعض فروع صغيرة من الزيتون في مقبرة «توت عنخ آمون».
نبات البردي: كان البردي ينبت في مناقع الدلتا، ولكنه اختفى منها الآن. ويكثر نموه في السودان. وكان المصري القديم يستخدمه لأغراض شتى، قد ذكر بعضها «هردوت» و«تيوفرستس»٨٩ و«بليني».٩٠ ولكن أهم استعمال له هو صناعة الورق منه الذي جاء على غراره الورق المعروف لنا الآن، ويبلغ طول نبات البردي منه سبعة إلى عشرة أقدام، هذا عدا الزهرة، والجذور، ويبلغ عرض البردية نحو بوصة ونصف وقطاع الساق مثلث الشكل، ويحتوي على: لحاء رفيع خشن، ولب له أنسجة خلوية، ومن هذا اللب كان يصنع البردي.

كيفية صناعة ورق البردي

وقد وصف لنا «بليني» كيفية صنع ورق البردي، بأنه كان يقطع ساق النبات قطعًا رفيعة كانت توضع جنبًا إلى جنب على لوح من الخشب، وكان يوضع فوقها عدة قطع أخرى متقاطعة تكون مع الأولى زوايا قائمة، ثم تبلل بماء النيل، وبعد ذلك تضعط، وتجفف في الشمس. وأضاف بعد ذلك «بليني» أن ماء النيل عندما يكون معكرًا يحتوي على مادة لزجة. ولكن طريقة «بليني» هذه على ما يظهر غامضة، وخاطئة، إذ لم يذكر لنا أن اللحاء الخارجي كان يزال قبل تقطيع اللب، إلى أجزاء صغيرة، وإن كان ظاهرًا في كلام له أتى بعد ذلك، إذ يقول: إن اللحاء كان يستعمل فقط لعمل الحبال. هذا إلى أن ماء النيل لم يكن فيه مادة لزجة عند ما يكون عكرًا. وقد عملت تجارب لعمل ورق البردي كما كان يصنعه المصريون القدماء فلم تفلح إلى أن توصل الأستاذ «بتسكوم جن» إلى عمل ورق بردي مماثل لما كان يصنعه قدماء المصريين.

والطريقة التي اتبعها أنه قطع النبات الأخضر من البردي إلى عدة قطع يمكن تناولها ثم أزال اللحاء الخارجي، وبعد ذلك قطع اللب الداخلي قطعًا غليظة ووضع نسيجًا ماصًّا على لوحة من الخشب، ثم رتب عددًا من هذه القطع موازيًا بعضها لبعض، ومتماسة بعض الشيء. ثم وضع فوقها طائفة أخرى من هذه القطع متلاصقة، ومكونة زوايا قائمة مع القطع التي تحتها، ثم غطى الجميع بنسيج رفيع ماص ودقه لمدة ساعة أو ساعتين بمطرقة من الخشب، وبعد ذلك وضع هذه المادة في مكبس صغير عدة ساعات وعند الكشف عنها وجد أن القطع قد التأمت وكونت ورقة رفيعة متجانسة صالحة للكتابة، ثم صقلها بعض الشيء مما جعلها أكثر ملاسة، وكان لون الورق الذي نتج من هذه العملية يكاد يكون أبيض. غير أنه كان فيه بعض عيوب أمكن إصلاحها قبل أن توضع المادة في المكبس.

على أننا لا نعرف بالضبط التاريخ الذي بدأ فيه استعمال الورق وصناعته، وأقدم ما عثر عليه قطع من وثائق البردي يرجع عهدها إلى الأسرة الخامسة والسادسة وهي محفوظة بالمتحف المصري الآن.٩١

زراعة البساتين

لقد صورت النقوش والرسوم التي بقيت من عهد الدولة القديمة وغيرها صورة واضحة تفسر لنا بجلاء أن المصري القديم، كان مغرمًا بالأزهار وزراعة البساتين، فكان يذكرها في شعره، ويتخذها رموزًا وشارات، ويجعلها تلعب في حياته دورًا هامًّا، حتى إن أحد فلاسفة اليونان كان يتغنى بالعناية التي أظهرها المصريون في تربية الأزهار. ولا غرابة في ذلك فإنهم كانوا يزينون بها جدران قاعات أعيادهم ويحلون بها موائد قربانهم، حتى إننا وجدنا مائدة قربان أمام صاحب المقبرة، وليس عليها شيء سوى الزهور.٩٢ وكانت تحلى أواني الخمر بتيجان من الزهر تشبه قلائد الأزهار التي كان يضعها الخدم حول نحور الضيوف. أما النساء فكن يضعن الزهور على شعورهن وفي أيديهن. وقد ذكر المصري القديم في الوثائق التي تركها لنا أنه كان يتفيأ ظلال الأشجار اليانعة عندما كان ينتظر حبيبته وهي آتية إليه وصدرها مكلل بالزهور، وكان الفرعون نفسه يذهب إلى ساحة القتال في عربته ونحره مزين بأكاليل الزهر المختلف الأشكال والألوان. على أن فقراء القوم لم يهملوا التزين بالأزهار؛ إذ نجد غالبًا في رسوم الدولة القديمة أن الفلاحين كانوا يعلقون الأزهار حول نحورهم، وكذلك كانوا يزينون بها الحيوانات، كما نجد الثيران العظيمة التي كانت تربى لتذبح قربانًا تحلى رقابها بأكاليل الزهر وتلف حول نحورها زهور البشنين كما يشاهد ذلك في مقبرة «تي» في سقارة والأميرة «حمت رع» في مقابر أهرام الجيزة.

وكانت المومياء توضع على أسرة من الزهور اليانعة وحول جباهها تيجان من الزهور مثبتة بدبابيس، وفوق صدورها كانت توضع الأكاليل وطاقات الأزهار.

وكانت تصنع هذه الزهور أحيانًا من الخشب، أو من الورق المقوى وتوضع بجانب المتوفى. وكانت توجد بجوار طاقات الزهور الطبيعية التي نسقتها يد الزهار. وكانت النائحات في يوم الدفن يحملن الزهور أمام عربة المتوفى حتى يصلن إلى القبر، ومن ثم كانت تأتي حاملات القرابين بالزهور كل يوم إلى المقبرة. كما يشاهد ذلك في نقوش الدولة القديمة، وكان أحب الزهور إلى المتوفى زهرتا البردي والبشنين «اللوتس».

ومنذ أقدم العهود كانت تزرع البساتين وتقام في وسطها البرك التي تحيط بها أحسن زهور المشاتل كالبشنين والعنبر والبقلة المباركة، والأقحوان والنرجس، والزنبق الأبيض، وشجرة الغار الوردية اللون، والخشخاش، وكانت الزهور تقطف وتوضع في زهريات من كل الأنواع وتنمق بطريقة تكسبها هيئة طاقة الزهر، كما يشاهد ذلك في مقبرة العظيم «تسن» بمنطقة الأهرام ومقبرة «بتاح حتب» في سقارة.

ومن كل ذلك يتضح لنا أن المصري بحكم البيئة الزراعية التي كان يعيش في وسطها عرف كيف ينشئ لنفسه زراعة وطنية قوية منقطعة القرين في تلك العهود، فلم يفلح في الوصول إلى ذلك بتأثير الموارد الطبيعية التي هيأها له وادي النيل الخصب فحسب، بل كان الفضل في ذلك أيضًا إلى جهوده التي لا تعرف الملل وإلى ذكائه الموروث، وإلى حبه للبحث وراء التقدم والنمو في هذه الناحية. ولا أدل على ذلك من بذله المجهود في تحسين آلات زراعته، وطرق استثمار أرضه، مما جعل وادي النيل في عهد الدولة القديمة البقعة التي ازدهرت فيها زراعة الحقول في وقت كانت فيه كل بلاد العالم عامة (اللهم إلا وادي نهر دجلة والفرات) لا تزال في طفولتها في فن الزراعة. ولا شك في أن تقدم مصر وتفوقها في هذه الناحية أهم العناصر المادية التي جعلت مصر منبعًا لمدنية العالم. ولا أدل على سرعة تقدم مصر في الزراعة من اختفاء أنواع النباتات النجيلية في مدة وجيزة، تلك النباتات التي لاحظ وجودها العالمان «شفينفورت» «وانجار» في قوالب اللبن التي بني بها أهرام دهشور منذ الأسرة الرابعة وحل محلها أنواع الغلال. حتى إن الأستاذ «بترى» لم يجد في خرائب «كاهون» في عهد الأسرة الثانية عشرة أي أثر لهذه النباتات السالفة الذكر. وقد كان المصري في كل عصور تاريخه يعمل جهد طاقته لجلب الأشجار والنباتات من الأقاليم المجاورة ليستثمرها في بلاده. ويبذل جهده ليجعلها صالحة للنمو في أرضه الخصبة فلا تلبث أن تستقر في مصر وتزدهر وتأتي أكلها، ولا أدل على ذلك من جملة الأشجار والزهور والنباتات التي جلبها «تحتمس الثالث» معه من آسيا وصورها على جدران قاعة الأعياد التي أقامها في الكرنك والمعروفة بحجرة الزراعة، كما سنتكلم عن ذلك في حينه.

آلات الفلاحة

جرت العادة بل وسنن الطبيعة على أن تكون الآلات التي يستعملها الإنسان في حرفة من الحرف خاضعة في تقدمها وتحسنها إلى درجة الرقي التي يبلغها الإنسان في الطرق التي يتبعها في إبراز منتجات حرفه، وهذه القاعدة تنطبق بنوع خاص على الرقي الزراعي، فالآلات الزراعية في الواقع تتقدم بتقدم الزراعة والصناعة والتجارة. على أن تقدم العلم نفسه الذي يؤثر بطريقة غير مباشرة في طرق الزراعة لا يؤثر على تقدم الآلات إلا من بعيد، فنجد أحيانًا آلة جديدة تظهر مستعملة في زراعة بلد ما لكشف صناعة جديدة بها، وأحيانًا نجد أن هذه الصناعة الحديثة تستعمل مادة جديدة تمتاز بسرعتها أو خفتها أو سهولتها أو غير ذلك فتكون ذات فائدة محققة عن المادة التي كانت تستعمل من قبل، فيؤثر الفلاح استعمالها على غيرها.

وأحيانًا تجلب من البلاد الأجنبية آلات من مادة أرقى أو في شكل أصلح مما يستعمل في البلاد، غير أن هذه الآلات الجديدة تحتاج إلى مران طويل حتى يمكن استعمالها ويتعود الأهلون عليها.

ومنذ عهد ما قبل الأسرات نجد في مصر آلتين أصليتين خاصتين بالزراعة، وهما الفأس لفلح الأرض والمنجل لقطع المحصول وضمه. أي أن الأولى تجهز للفلاح عمله، والثانية تهيئ له حصد محصوله، وإذا فحصنا كلًّا من هاتين الآلتين نجد أن الطبيعة قد ساعدت على اختراعهما، فالفأس في الواقع حلت محل اليد عند ما يراد نبش الأرض لزرعها، وإذا تخيل الإنسان هذا المنظر فإن يده تمثل شكل الفأس عند حفر الأرض. أما المنجل فقد اخترع على غرار أسنان الحيوان وهو يأكل الحشائش، فأسنانه هي أسنان الحيوان. وقد نقل الإنسان هذا في المادة وأصبح يستعمله في كل أغراضه لضم محصوله.

وقد ظهرت الفأس للمرة الأولى في التاريخ المصري على طوابع الأختام الإسطوانية الشكل التي كانت تحلي سدادات الأواني العظيمة التي عثر عليها في نقادة.٩٣
ومنذ الأسرة الأولى الفرعونية أصبحت الفأس شائعة الاستعمال في الحقول وأعمال البناء وغيرها، وقد استعملت الفأس من الخشب واستعين على تثبيت مشطها في اليد بالحلفاء أو الليف؛ إذ كان الخشب أقرب منالًا للفلاح وأسهل صنعًا. واستمرت الفأس تصنع من الخشب حتى العصور المتأخرة وهي لا تزال تصنع أحيانًا من الخشب في الواحات كما صنعت الفأس من النحاس في عهد الأسرة الخامسة،٩٤ وأخذت تتدرج في التحسن شيئًا فشيئًا حتى أخذت أشكالًا عدة.
ولست أدري إذا كان لاسم رسم الفأس باللغة المصرية القديمة «مر» علاقة بالاسم الذي أطلق على كل مصر الزراعية وهو «تا مري» أي أرض الفلاحة أو أرض الفأس، وربما كان ذلك هو السبب في نسبة مصر كلها لاسم الآلة التي كانت أول شيء استعمل في فلاحتها. ومن المحتمل جدًّا أن لفظة «دميرة» التي يطلقها فلاحو الوجه القبلي عندما يكون الفلاح قد هيأ أرضه للزرع في وقت بداية الفيضان في النصف الأول من شهر مسرى، يرجع أصلها إلى لفظة «تا مري» أي أرض الزراعة أي الأرض التي هيئت للزراعة بالفأس. ومن ذلك يمكننا أن نفهم بسهولة معنى لفظة «مروت» التي تكتب بنفس الإشارة ويخصصها رجل وامرأة أي الفلاحون، وهنا يمكننا أن نفهم جيدًا معنى المثل القائل «كل فلاح مصري وليس كل مصري فلاحًا».
المحراث: تقص الأساطير أن مصر مدينة بالمحراث للإله «أوزير» إله النبت والزرع. والواقع أن المحراث هو فأس مكبرة من اختراع المصري عند ما أراد أن يقتصد في الوقت في شق أرضه. ويدل شكله على أنه كان يحرك بوساطة الإنسان لا بالحيوان في بادئ الأمر، وقد عثر في الرسوم المصرية القديمة على ما يثبت ذلك.
وقد عثر على محراث في شكله المعروف لأول مرة يجر بالثيران في آثار ميدوم٩٥ في عهد الأسرة الثالثة، وكان يستعمل في بادئ الأمر بسلاح واحد ثم استعمل بسلاحين.
المحشة «المنجل»: من الطبيعي أن الإنسان الأول سواء أكان صيادًا في البر أم في البحر لم يهتم بأمر النباتات واستعمالها لأغراضه الخاصة إلا في اليوم الذي أصبح في يده آلة من الظران صالحة لقطع الحشائش البرية أو نشرها ليستفيد منها، ومنذ أتقن المصري صناعة المحشة أصبح يصنعها بكثرة في معامل خاصة. وقد جمع الأستاذ «دي مرجان» في بحثه عن الآلات بين المنجل والمنشار، لأن وظيفتهما تكاد تكون واحدة وقد عرفنا شكل المنجل من الإشارات المصرية القديمة التي حُفِرَت على مقابر الأسرات الأولى٩٦ والدولة القديمة. إذ نجد في النقوش الملونة في ميدوم رسمًا دقيقًا للمنجل، فالمقبض والسلاح قد لونا باللون الأخضر على حين أن الظران الأبيض يظهر في داخل المنجل، وكذلك نجد هذه الإشارة محفورة بهذا الشكل في عهد الأسرة الخامسة٩٧ ولكن الرسم لم يبين لنا من أي عهد بدأت صناعتها من النحاس.
وتوجد آلات أخرى كانت تصنع من الظران كالبلطة التي يرجع عهد استعمالها إلى العصر الحجري القديم. وقد بدأت تصنع من النحاس في عهد الأسرة الثالثة، كما يشاهد ذلك على آثار ميدوم،٩٨ إذ إن لونها الأصفر أو الرمادي الأخضر يبرهن بوضوح على أن سلاحها كان مصنوعًا من هذا المعدن.
أما السكينة فكانت تصنع في مصر، وكذلك في كل البلاد الأخرى من الظران، ويهذب سلاحها حتى يصير قاطعًا، وقد وجدت السكاكين بين الإشارات الهيروغليفية وسلاحها من الظران ويدها من الخشب،٩٩ وقد وجدت نماذج منها من عهد الأسرة الخامسة.١٠٠

وهناك آلات أخرى كان يستعملها المصري كالأمشاط التي كان يمشط بها ألياف الكتان والمطارق والمجارف والمكانس والمناخل والغرابيل وألواح التذرية. أما المذراة فقد اخترعها لفصل التبن عن القمح وأصابعها تبرهن على أن الإنسان قد أخذ شكلها من يده عند ما كان في أول الأمر يستعملها لفصل القش عن القمح، ثم اخترع المذراة على غرار اليد اقتصادًا في الوقت والمجهود.

وقد وجد في بعض مقابر الدولة القديمة حديثًا عدة مجاميع من نماذج الآلات النحاسية التي كان يستعملها الإنسان في حياته اليومية، غير أن بحثها يحتاج إلى دراسات خاصة، وقد عثر على مجاميع منها سليمة أهمها مجموعة حفيد الملك «منكاورع» في حفائر الجامعة بالجيزة إذ تبلغ نحو ٩٠ قطعة، ومعظمها لم يعرف بعد كيفية استعماله. وقد تعرفنا من بينها الإبر الدقيقة المثقوبة والموسى والمقطع.

طرق الزراعة

لا نزاع في أن طرق الزراعة في بلد ما تتوقف قبل كل شيء على مقدار مدنية أهلها. ثم تتدرج معها، ولكن في أقاليم محدودة نجد أن استثمار الأقاليم من حيث النبات أو الحيوان خاضع إلى البيئة وبخاصة الجو وصلاحيته لنمو أنواع خاصة من النبات أو تربية نوع خاص من الحيوان، ولذلك فإن الطرق التي يجب أن يستعملها أهل بلد ما نراها مرتبطة بهذه الأحوال.

وقد استقينا معلوماتنا عن طرق الزراعة في مصر في عهد الدولة القديمة من مقابر عظماء القوم، والنقوش التي وجدت على جدران الطرق الجنازية لملوك الأسرة الخامسة والسادسة، وأهمها منطقة أهرام الجيزة وسقارة وميدوم وكذلك مقابر أمراء أسوان من الأسرتين الخامسة والسادسة.

وطرق الزراعة في مصر في عهد الدولة القديمة لا تختلف كثيرًا عن باقي ممالك العالم، وبخاصة في بذر الأرض.

وكان المصري حسب ملاحظاته الشخصية، وما تقتضيه طبيعة كل نبات يقسم السنة الزراعية ثلاثة أقسام متساوية تقابل ثلاث مراحل مختلفة في زراعة الأرض؛ فالفصل الأول وهو الشتاء عنده يبتدئ من أواسط أكتوبر إلى بداية فبراير وهو بذر الأرض وزراعتها ويسمى بالمصرية «برت» (أي الخروج) أي ظهور الأرض من تحت ماء الفيضان، ثم من فبراير إلى يونيو وهو فصل الحصاد ويسمى بالمصرية «شمو» (أي الصيف)، ثم فصل الفيضان ويسمى بالمصرية «أخت» وذلك من منتصف يونيو إلى منتصف أكتوبر. والفلاح المصري الحالي لا يزال محافظًا على حساب مواقيت زراعته بالأشهر المصرية القديمة التي كان يستعملها أجداده منذ أقدم العهود، وهي المعروفة الآن بالأشهر القبطية؛ ففي وقت الانقلاب الشتوي يبدأ زراعته الشتوية وهي الشعير والقمح، ثم يحصد محصوله بعد ذلك في شهري مايو ويونيو ثم يزرع بعد ذلك الذرة، وقبل حلول الانقلاب بشهر يزرع الصيفي (الذرة العويجة).

وكان الفلاح يستعمل الفأس في عزق أرضه، والمحراث في شقها والشادوف في ريها. والظاهر أن الشادوف استعمل عند قدماء المصريين منذ عصر بداية التاريخ كما يدل على ذلك رسم في مقبرة في هراكنبوليس،١٠١ وكذلك عثر «ولكنسون»١٠٢ على رسوم للشادوف في الآثار المصرية القديمة. أما الساقية فلم يعثر لها على رسم، ولكن من المحتمل أنها كانت تستعمل منذ العصر الإغريقي الروماني، ويظن العالم «دارسي» أنه رأى ساقية عندما كان ينظف بئرًا في الدير البحري.١٠٣

أما النورج فلم يستعمله قدماء المصريين في درس الغلال واستعاضوا عنه بأرجل الماشية كما هي الحال الآن في النوبة وبعض جهات السودان ومصر والواحات.

أما كيفية زراعة الأرض بأنواع الأشجار والحبوب المختلفة فقد رسمها قدماء المصريين على مقابرهم منذ أقدم العهود، وهي لا تختلف كثيرًا عن زراعة الفلاح وحصده وتخزينه لمحصولاته في أيامنا هذه. وليس هناك ما يلفت النظر إلا صناعة النبيذ من العنب وغيره، فإنها قد اختفت في عصرنا هذا. ومن المحتمل جدًّا أن يكون السبب في ذلك دخول الدين الإسلامي في البلاد وهو يحرم شرب الخمر بكل أنواعها.

يضاف إلى ذلك زراعة الكتان وطرق تحضير خيوطه ونسجها فإنه قد قل من البلاد بدرجة عظيمة، وذلك لتغلب زراعة القطن وكثرة الواردات من منسوجاته من الخارج.

صيد الحيوان وتربيته

كان المصري في بادئ حياته يقتات من صيد حيوانات البر والبحر وقد اجتهد منذ القدم في أن يستأنس من حيوانات البر النافع منها لأغراضه الحيوية، ثم أخذ بعد ذلك يضيف إلى تلك الحيوانات التي أخضعها له ما كان يجلبه من الخارج من الحيوانات المفيدة.

وقبل أن نتكلم عن الحيوانات التي استأنسها المصري القديم يجب أن نبحث أولًا عن الحيوانات المتوحشة التي كان يعيش على لحومها أو يحاربها خوفًا من سطوتها، إذ كان وادي النيل، بما حبته الطبيعة من جبال ووديان يرويها هذا النهر، يجلب إليه الحيوانات المتوحشة الكثيرة، هذا إلى أن ماء النهر كان يحوي أسماكًا متنوعة الأشكال، ومن أجل ذلك كله كان المصري مضطرًّا بطبعه إلى أن يتعلم طرق الصيد للتغلب على هذه الحيوانات التي كان يتألف منها غذاؤه الرئيسي.

لحوم الصيد

يلاحظ أن الإنسان قبل أن يتسلح لصد غارات الحشرات المؤذية والحيوانات الضارية التي كانت تعترضه في حياته اليومية ويخشى فتكها به، كان يجول بوازع الحاجة في المستنقعات رغم ذلك ليحصل على الحيوانات التي تقيم أوده.

وأهم هذه الحيوانات الثور الوحشي وهو قصير القامة له سنام في ظهره وقرنه قصير، وقد ظهر مرسومًا على الآثار منذ الدولة القديمة،١٠٤ أما الثور المستأنس فقرناه عظيمان وهو أجب.١٠٥
فصيلة الأيائل: Cervidae. وهذه الفصيلة هي حيوانات لبون مجترة مصمتة القرون ورسومها على الآثار المصرية قليلة جدًّا، وقد شوهد الأيل Stag على لوحة في «اللوفر»، وكذلك في رسوم «نقادة١٠٦ وبلاص» فيما قبل الأسرات، وفي مقبرة «بمير»،١٠٧ وما يمثله الفنان دائمًا هو «أيل آدم Cervus dama» الذي يصطاده الملك «سحورع»١٠٨ نفسه كما هو ممثل على جدران معبده الجنازي. وبعد عصر الدولة الوسطى نجد أن هذا الحيوان بدأ يختفي من مصر.
عشيرة الظباء. Antilopinae: هذه الحيوانات تعيش معًا في قطعان عدة، وأنواعها مختلفة، ولحومها مرغوب فيها جدًّا. وقد عثر على قرابين مطبوخة منها تدل على أنها من لحوم الظباء،١٠٩ وفي عهد الدولة القديمة نشاهد مناظر لصيد الظباء من كل الأنواع،١١٠ وكانت تعد عند قدماء المصريين من بين اللحوم المختارة التي تقدم قربانًا.
المها: Oryx. ويسمى في أيامنا «أبو عقص» أو «أبو سيف». وقد وجد على الآثار المصرية نوعان منه: الأول «مها بيسة Oryx Beisa» وهو نحيل القوام عظيم القرنين مستقيمهما. وقد عثر عليه منذ عصر ما قبل الأسرات، والنوع الثاني «أبو خراب Oryx leucoryx» وهو عظيم الجسم قصير الشعر مائل إلى البياض ومعروف بقرنيه الطويلين الرشيقين المتوازيين، وقد يكونان أحيانًا مستقيمين أو منحنيين بعض الشيء ومدببين وفي أسفلهما حز في الذكر وفي الأنثى، وقد استعمل قرن البيسة أقواسًا للرماية، وذلك بوصل قرنين بقطعة خشب من قاعدة كل منهما. ومن أجل ذلك يكون القوس لينًا سهل الاستعمال.
المؤذر أو الديشون أو المهاة الوضيحى: Addax وهو في جملته يشبه المهاة وقرناه طويلان منفرجان بعض الشيء، ومحززان إلى ثلثيهما، وفي فصل الصيف يكون جلد هذا الحيوان مائلًا إلى الصفرة، وفي الشتاء يكون كل شعره رمادي اللون، وهذا الفرق يمكن ملاحظته في إقليم منف حيث يكون تغيير الجو محسوسًا، وقد رسم الفنان على آثار ميدوم١١١ هذا الحيوان في الفصلين.
التيتل: Bubalis buselaphuus. وهو نوع من بقر الوحش عظيم الرأس قصير القرنين، وفي معظم الأحيان يختلف القرنان بعضهما عن بعض، وظهره منحدر، وهو كالمهاة يغير لونه، ففي وقت البرودة يكون فراؤه رماديًّا قاتمًا، وفي الأوقات العادية يكون لونه أسمر مائلًا إلى الصفرة ما عدا بطنه فإنه يكون أبيض، وقطعانه تسير من خمسة إلى عشرة في الأماكن الصحراوية١١٢ المعشة. وقد شوهد شكل هذا الحيوان على أواني عصر ما قبل التاريخ،١١٣ ويوجد له هيكل محفوظ بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي.
غزال آدم: Gazella dorcas. وقد وصفه العرب في كتب اللغة (الأدم من الظباء غبر الألوان تعلوهن جدد طوال القوائم والأعناق بيض البطون سمر الظهور) أما علماء الحيوان، فقد وصفوه بأن له جسم الحيوان الذي يقفز، وقائمتاه طويلتان رشيقتان، ومتصلتان بصدره الضيق، وهو خفيف. أما رجلاه الخلفيتان فأقصر، ورقبته طويلة، ورأسه تحلى بقرنين منحنيين إلى الأمام، والأنثى تتميز عن الذكر بقرنيها الرقيقين، وحزهما القليل، وفراؤه قصير أسمر اللون أو أغبره، وبطنه أبيض وفي أرجله بعض خطوط بيضاء، وسوداء.
غزال - إزابل١١٤ (جسا): قرناه منحنيان١١٥ أحدهما نحو الآخر عند طرفيهما. وكان منتشرًا في مصر العليا في عهد الدولة القديمة. وكان رأسه يوضع على موائد القربان،١١٦ وقد عثر على موميات لغزال آدم، وغزال إزابل في كوم مير١١٧ بالقرب من إسنا من العصر المتأخر.
الوعل أو البدن أو تيس الجبل Niaou (lbex).١١٨ وهو جنس من الماعز الجبلي، وقرناه طويلان قويان منحنيان كسيفين أحدبين يلتقيان حول ذنبه من أعلاه، وله لحية، ولحومه كانت تقدم قربانًا. وشكله يزين كثيرًا من أواني ما قبل التاريخ،١١٩ ولا يزال يوجد بكثرة في شبه جزيرة سينا.
الكبش البري (مفلون): Ammotragus tragelaphus. وللذكر والأنثى منه قرنان غليظان مدببان قويان يتجهان إلى أعلى متباعدين ثم ينحنيان في اتجاه مضاد، أما شعره فأشقر اللون خشن قصير ما عدا المعرفة ونهاية الذيل، وقد عرف الكبش البري مرسومًا على أواني عصر ما قبل التاريخ،١٢٠ وقد عثر على عدد من هذا الحيوان محنطًا في «كوم مير»،١٢١ ويوجد له هيكل عظمي بمتحف فؤاد الأول الزراعي.
الماعز: Hircus mambrinus. وقد عثر الأستاذ «دي مرجان» على بقايا منه ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، وكذلك يشاهد في نقوش مقبرة «مرا» بسقارة، وهو في حجم المهاة. ولكن قرنيه على شكل حلزوني عمودي تقريبًا، ولكنهما ينفرجان عندما ينحنيان إلى الخلف بصورة تكون شكل مثلث. أما أذناه فكبيرتان ومدلاتان. وقد عثر على رسمه منذ الأسرة الرابعة.١٢٢
الغنز الأهلية: Hircus thebaicus وجسمها أقل من جسم الماعز السالف الذكر وتميز بأذنيها الطويلتين المتدليتين، وبقرنيها الصغيرين اللذين لا يكونان إلا للذكر.١٢٣
الزرافة: وقد عثر على رسمها في عصور ما قبل التاريخ،١٢٤ وكانت تصاد لكي تستأنس، وكان يظن أنها لم تعرف في عهد الدولة القديمة، ولكن عثر على رسم لها في الطريق الجنازي للملك «وناس» في سقارة في سنة ١٩٣٨.١٢٥
الثعلب: وقد وجد على الآثار المصرية في ميدوم، وفي سقارة.١٢٦
الأرنب الجبلي: أذناه طويلتان، وجسمه أكبر من جسم الأرنب الأهلي، وقد عثر على رسمه في ميدوم وفي سقارة في الطريق الجنازي للملك «وناس».١٢٧

الحيوانات التي تصاد لجلدها أو فرائها

كان المصري مغرمًا دائمًا بلبس الفراء الوثيرة، وبخاصة فراء الحيوانات التي كان يصطادها هو بنفسه من الصحراء، وكان يعرف جيدًا كيفية تحضير الجلود ودبغها، ويلاحظ أنه في عهد العصر الحجري الحديث كان يستر عورته بكيس من الجلد١٢٨ معلق بحبل مربوط حول وسطه. ثم استعمل بعد ذلك الجلد في صناعة نعليه، وقميص عمله. ثم جدل منه سيورًا دقيقة وعمل منه درعه، وكنانته، وقربة مائه.
الفهد: ١٢٩ وهو من بين الحيوانات المتوحشة التي عثر على رسمها فيما قبل الأسرات، وكذلك عثر عليه في «ميدوم»،١٣٠ وكان جلده يستعمل لصنع الأبسطة، وغطاء الكراسي، وأهم من كل ذلك أنه كان يستعمل لباسًا للكهنة في الشعائر الدينية منذ الدولة القديمة، فكان يلبسه الكهنة، ومن بينهم الكاهن الأعظم للإله «فتاح» في منف. ولم يكتف المصريون بصيده من مصر، بل كان يجلب كذلك من الخارج، كما فعل ذلك «حرخوف» في رحلته الثالثة.
العسنت أو فرس النهر وكان قدماء المصريين في عهد ما قبل الأسرات يستعملون أسنانه في صناعة مقابض الخناجر، وسكينة جبل العرق مقبضها مصنوع من سن هذا الحيوان، أما جلده السميك فكان يستعمل لصنع الدرق والزخمة، وقد وجد مرسومًا على الآثار المصرية، وكان يصاد في الماء منذ الأسرة الخامسة.
الذئب (ونش): وجد مرسومًا على لوحة الشيست الموجودة في متحف «اللوفر»١٣١ ذئبان من طائفة الحيوانات التي كانت تصاد. وكان يقدس في أسيوط في صورة الإله «وبوات» كما ذكرنا آنفًا.
الفيل: كان الفيل الأفريقي يصاد في مصر في عصور ما قبل الأسرات، وقد عرف في الرسوم الساذجة، وعلى مقابض السكاكين المصنوعة من العاج،١٣٢ ومن المحتمل جدًّا أنه كان يصاد في الوجه القبلي في إقليم «إلفنتين» (أسوان)، وربما اشتق اسم هذه الجهة من اسم الفيل الذي كان منتشرًا هناك. على أننا لم نجده بين حيوانات الأسرة الثالثة في مصر، ولذلك كان المصريون يجلبون العاج من الخارج، من بلاد النوبة في عهد الدولة القديمة.
وحيد القرن أو الحريش: ويعتقد الأستاذ «دي مرجان» أنه كان يصاد في مصر في عصر ما قبل الأسرات، ويظن أنه مثل على قطعة من العاج من هذا العصر،١٣٣ ولكننا لم نشاهده في مصر بعد ذلك العهد. وقد عثر أخيرًا في معبد «منتو» بأرمنت على رسم وحيد القرن اصطاده «تحوتمس الثالث» من بلاد آسيا، وقد وضح في الرسم مقاسات هذا الحيوان وكيفية صيده، وكان من أهم مفاخره في براعة الصيد.

الحيوانات التي تصاد دفاعًا عن النفس أو للتسلية

الأسد، واللبؤة: مثل الأسد على آثار ما قبل الأسرات التي وجدت في «نقادة وبلاص»، وكذلك في «هراكنبوليس»،١٣٤ وكان من بين الحيوانات التي تصاد في الصحراء في عهد الدولة القديمة، وقد عثر على رسوم له في الطريق الجنازي للملك «وناس»، وكذلك في مقابر «مير»١٣٥ إذ كان يصاد بالسهام، وسنرى أن صيده في عهد الأسرة الثامنة عشرة كان من مفاخر الملوك، وكان المصري يجتهد في أن يستأنس الأسد في عهد الدولة القديمة، فكان يصطاده حيًّا ويضعه في قفص للفرجة،١٣٦ وسنرى أيضًا أن الملوك كانوا يصطحبونه معهم في ساحة القتال وذلك بعد استئناسه.
التمساح: كان هذا الحيوان يمثل إله الشر «ست» في بعض جهات القطر، ولذلك كان يطارد فيها، وفي جهات أخرى كان يعبد بصفته الإله «سبك» إله الخير، فكان يقدس كما كان الحال في الفيوم وفي «كوم أمبو» كما سبق ذكره.
الصل أو الثعبان: وهو ثعبان سام طوله نحو مترين، وكان يعتبر حارسًا للملك ومفيدًا جدًّا للزراعة وكان يعبد بهذه الصفة باسم «رننوت» إلهة الحصاد، وكان يترك في وسط الحقول المزروعة دون أن يصاب بأي أذى، يأكل الفيران الكثيرة التي كانت تهلك الحرث والزرع وتسبب القحط التام١٣٧ وكان لكل مقاطعة كما كان لكل بيت ثعبان حارس.

(٢) كلمة عامة عن المراعي وتربية الحيوان

يجدر بنا أن نبرز هنا بنوع خاص ميل الممولين المصريين إلى تربية قطعان الماشية المختلفة الأنواع، وهذا الميل يمكننا أن نلمسه فيما نشاهده من الثروة الطائلة من رءوس الأنعام التي كانوا يصورونها على جدران مقابرهم موضحة بالأرقام الدالة على عدد ما كان يمتلكه صاحب المقبرة لينعم به في آخرته، فمن ذلك نرى أن أحد الأشراف في عهد الدولة القديمة كان يملك ٢٢٣٥ رأسًا من الماعز و٩٧٤ من الضأن و٦٧٠ من الحمير،١٣٨ حقًّا إننا نشاهد أحيانًا أن المصري كان يبالغ في ثروته أو فيما استحوذ عليه من بهيمة الأنعام، فمثلًا نجد في نقوش الملك «سحورع» أنه عاد من غزوته في بلاد لوبيا ومعه أكثر من ٧٠٠٠٠٠ رأس من الماعز والضأن والحمير وأكثر من ١٢٠٠٠٠ من الماشية الكبيرة.١٣٩
يضاف إلى ذلك أننا وجدنا في مقبرة العظيم سنب بالجيزة أنه كان يملك أكثر من ٢٠٠٠٠ ثور، ومثلها من الماعز وعددًا عظيمًا من الحمير١٤٠ ورغم ما في هذه الأرقام الأخيرة من المبالغة فإنه يمكننا أن نعتبر الأرقام الأولى في حد المعقول، ومنها نستطيع أن نعرف على وجه التقريب أهمية أنواع البهائم التي كان يشارك فيها الممولون الكبار الرعاة الذين اتخذوا الرعي حرفة لهم، ولا نزاع في أن الرعاة المصريين الحاليين يعدون فقراء إذا قيسوا بأجدادهم القدماء، وسبب ذلك يرجع إلى التطورات التي حدثت في أراضي وادي النيل. وذلك أنه كان لا بد من وجود مراع شاسعة لتربية عدد عظيم من الماشية، وكانت هذه بطبيعة الحال موجودة في مصر في العصور القديمة. أما في أيامنا هذه فليس لها أثر، وتفسير ذلك أنه في الأزمان القديمة كانت المراعي الخضراء تظهر بعد نزول الفيضان وتعم البلاد عدة شهور، وقد كان هذا يلاحظ بنوع خاص في الدلتا التي كانت غنية في مساحتها الشاسعة التي ينبت فيها كل أنواع الحشائش طبيعيًّا وبخاصة البردي، وفي هذه المراعي كان الرعاة يطلقون سراح قطعانهم العظيمة لتنمو وتتكاثر، ولذلك يقول باران:١٤١

إن وادي النيل قبل تنظيمه الذي جاء تدريجيًّا، كان مغطى جزئيًّا بالمستنقعات التي كان ينمو فيها البردي والبشنين بكثرة. وهذه النباتات كان فقراء المصريين يعيشون على لبابها وحبوبها في عصور التاريخ المصري، هذا إلى أنها كانت ترعاها البهائم، ولا نزال نشاهد إلى يومنا هذا في مستنقعات الدلتا السفلية لبلاد كلديه نوعًا من الحياة الفطرية، إذ يعيش سكانها على تربية الماشية، فالسكان هناك يتجولون في المستنقعات بجاموسهم ويأكلون ما تأكله أنعامهم، وينحصر ذلك في نبات الغاب والقصبات اللينة، ويتخذون مأوى لهم أكواخًا من الغاب على الجزر أو أشباه الجزر، ومن المحتمل أن المستنقعات التي بقيت زمنًا طويلًا في الدلتا كانت تستعمل في فصل الصيف مراعي للقطعان التي كانت تفد من المناطق الزراعية في هذا الفصل، ثم تعود ثانية عند حلول الفيضان. وكذلك كان الحال في الوجه القبلي، إذ كان شريط الأرض الذي يقع بين الأراضي المغمورة بالفيضان وبين الصحراء يتخذ مرعى لتربية الحيوان الصغير، غير أنه تجب هنا ملاحظة أن انتقال القطعان إلى الدلتا لم يكن في عهد الأسرة السادسة، وهو عصر ازدياد سلطان الأشراف وانتشار ضياعهم واستثمار الأراضي الصالحة للزراعة بالري الصناعي.

الحيوانات التي كانت تنتخب لترويضها وتربيتها

وهي التي كان يجتهد المصري في استئناسها لما تنتجه، أو لمساعدته؛ فمنها الثور والبقرة، والعجول. وكلها من النوع الأفريقي مختلفة القرون، وعلى أثر حدوث طاعون الحيوان في البلاد كان المصريون يجلبون أنواعًا جديدة من أفريقيا وآسيا، كما تدل على ذلك النقوش،١٤٢ ولا أدل على ذلك من الثيران التي أحضرها الفرعون «سحورع» عند غزوه بلاد لوبيا، وكذلك ما ذكره «بيي ناخت» في رحلته (انظر ص ٣٨٩ من الجزء الأول).
ولا تكاد تخلو مقبرة من مقابر عظماء القوم في الدولة القديمة من منظر ذبح الثيران، أو سحبها للذبح، سواء أكانت من الثيران ذات القرن الطويل، أم الثيران التي لا قرن لها. ويجب أن نشير هنا إلى أن عملية ذبح الثور لأجل القربان كانت تجري حسب قواعد وشعائر خاصة لا بد من اتباعها بكل دقة.١٤٣
أما جلود الثيران فكانت تدبغ وتستعمل لصنع النعال وفي صناعة السفن وغير ذلك، أما أنواع الغزلان والمها والظباء فإنها كانت تستأنس وتسمن للذبح. وتوجد في مقبرة «مروكا» أنواع للغزلان والمها مربوطة إلى المذاود في شكل ينبئ باستئناسها وتسمينها للذبح. وقد شوهد على قطعة من الحجر رسم يبين كيفية ذبح مهاة في ميدوم.١٤٤
الخنزير: وجدت آثاره في «كوم السبيل» من عصر ما قبل التاريخ، كما ذكرنا أنه عثر عليه في «مرمدة» من عصر ما قبل التاريخ فيما سبق، وكذلك في «هراكنبوليس»١٤٥ من عصر ما قبل الأسرات، وفي عهد الدولة القديمة وجد اسم هذا الحيوان مقرونًا باسم الملك «سنفرو»١٤٦ ثلاث مرات. وكذلك رسم هذا الحيوان منذ الأسرة الثالثة في الإشارات المصرية القديمة في مقبرة «متن».
الضبع: لقد اختلفت الآراء في تجفير الضبع، وذلك بملء بطنها بالأكل بوساطة اليد في عهد الدولة القديمة؛ فيظن العالم «جيار» أن هذا الحيوان كان يسمن بأكل الطيور واللحوم لإزالة الروائح الكريهة التي تتصاعد من فمه، ولعدم التهام لحوم الصيد، وبذلك يمكن استعماله كالكلب للصيد. ولكن من جهة أخرى نشاهد في قبور الدولة القديمة أنه كان ضمن الحيوانات التي تساق لتقدم قربانًا، كما يشاهد ذلك في مقبرة الكاهن «دواكا» بالجيزة. وقد جاء في بعض النقوش١٤٧ أنه كان يساق ليقدم قربانًا.
الدواجن: تدل الرسوم القديمة في عهد ما قبل الأسرات، على أن المصري قد اجتهد في استئناس الطيور الكبيرة الحجم كالنعامة،١٤٨ والغرنوق (الكركي). وقد عثر على بيض للنعام منذ عصر ما قبل التاريخ، وفي عهد الأسرات الأولى كانت أفنية الدواجن تحتوي على أنواع عدة من الكراكي تعرف في اللغة المصرية بالأسماء الآتية: «زات»، «أو»، «وز»، ثم الأوز «سا»، وكان على نوعين ويقدم طعامًا للملوك والكهنة. وكانت توجد كذلك أنواع عدة من الأوز الصغير يشبه البط، وقد عددت أسماؤه على مقابر الدولة القديمة. ونخص بالذكر منها ما يأتي: «را»، «ترب»، «خبت»، «حز»، «حاب»، ومن البط الحقيقي وهو على أنواع منها: «سمن»، «تست»، «سا»، «منوت»، «سب»، «سر».١٤٩
على أن المصري كان مغرمًا بصيد الطيور في حقول البردي بعصاته المشهورة «البومرانج» وأهم هذه الطيور ما يأتي: الطائر «إيبس» (أبو منجل)، أو اللقلق الأسود،١٥٠ ومالك الحزين وهو طائر من طيور الماء طويل العنق والرجلين، وسمي بهذا الاسم لأنه على زعمهم يقعد بقرب المياه، ومواقع نبعها من الأنهار، فإذا جفت حزن على ذهابها، ويبقى حزينًا كئيبًا، ويعرف في مصر كذلك بالبلشون.١٥١ ثم أبو ملعقة أو الدواس، والغرة، والهدهد، والغطاس، والنكات، والبجعة، وفرخة البرك أو حمار الحجل وأبو مغازل، والقاق، والصرد أو الدقناس، والحجل أو فرخ الغيط، واليمامة، والقنبرة، والحمامة بأنواعها، وعصفور الجنة، والزقزاق، والسمان، والسلوى، والبط، والقطا.
الدجاج: والظاهر أن الدجاجة لم تكن معروفة في مصر القديمة، وليس لدينا أية صورة للدجاج إلا قطعة من الشيست١٥٢ لطائر له عرف يشبه الديك، ويظن «شمبليون»١٥٣ أنه عثر على رسم دجاجتين، في مقابر «بني حسن». وقد جاء في تاريخ «تحوتمس الثالث» عندما كان يعدد المحاصيل التي حصل عليها بعد غزوته الثانية١٥٤ طائران غير معروفين يبيضان كل يوم. والواقع أن الدجاجة والديك لم يظهرا على الآثار المصرية إلا في العهد الإغريقي،١٥٥ وفي مقبرة «بتوزيريس» الواقعة بالقرب من «تونا الجبل» نجد أن حاملة القرابين تحمل ديكًا.١٥٦
البيض: كان يستعمل البيض للأكل منذ العهد الحجري الحديث.١٥٧ وقد شوهدت سلات البيض بين القرابين التي كانت تقدم للموتى،١٥٨ مملوءة بالبيض المختلف الأشكال، وتدل أوانيه على أنه كان من عهد الأسرة الثامنة عشرة، ولكن للآن لم تحقق أنواع هذا البيض.
النحل وتربيته: تدل الآثار المكشوفة حديثًا في سقارة١٥٩ في طريق هرم الملك «وناس»، على أن تربة النحل وقطف شهده كانا من الأمور التي يُعتنى بها وكانا يعدان من المحاصيل التي يعتمد عليها؛ إذ نشاهد في هذا المنظر جمع الجميز وحصد الغلال وحني النحل إلخ، وقد عثر في «زاوية الميتين»١٦٠ على حجرة فيها خلية نحل، وقد اجتهد المثال في رسم هذا الإناء ليظهر دخول النحلة فيه لتضع شهدها، وهذه العملية نشاهدها إلى الآن متبعة عند فلاحي الوجه البحري، إذ يتخذون من (القادوس) خلية يأوي إليها النحل، وكان المصريون يأكلون الشهد كثيرًا. إذ عثر على رسوم في معبد الشمس تمثل رجلًا منهمكًا في وضع الشهد في أوان ثم يختمها.١٦١

الحيوانات التي كانت تربى لمنتجاتها الصناعية

أهم هذه الحيوانات النعام، والخراف، والتيوس؛ إذ كان ريش النعام يستعمل حلية للرأس منذ عصر ما قبل الأسرات، ومنذ العصر التاريخي نجد أن الإله «أوزيريس» كان يحلي لباس رأسه بريشتين جانبيتين، وكذلك الاثنان والأربعون قاضيًا الذين كانوا يجلسون في قاعة المحاكمة، وعلى رأس كل منهم ريشة من ريش النعام علامة على العدالة والحق. ومع كل فيظهر أن النعامة لم تشاهد في الآثار المكشوفة للآن في الدولة القديمة، والظاهر أن ما كانت تحتاج إليه مصر من ريش النعام كان يجلب إليها من بلاد النوبة.

الغنم: تدل الآثار على أنه لم يكن يوجد في مصر قديمًا إلا نوعان من الضأن يختلفان اختلافًا بينًا.
والنوع الأول هو Ovis longipes palaioaegyptiacus وهو ما يعرف بالكبش الوثاب (الكبش منديس). وهو نوع من الضأن المستأنس وقرناه يرمزان للقوة على رأس الملك. ويمتاز بقرنين عموديين على محور الجسم ملتويين التواء حلزونيًّا يكاد يكون خطًّا عموديًّا مستقيمًا. وهذا النوع من الخراف وجد في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات، ويمتاز بطول قدميه وذيله. وللخراف من هذا النوع عفرة عظيمة تغطي مقدمة العنق. وأذناه متدليتان في بعض الأحيان والأنثى من هذه الفصيلة ليس لها قرنان. وقد عثر على هذا النوع في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات. والظاهر أن شعره كان قصيرًا، ولذلك لم يكن صوفه يستعمل في صناعة الملابس. وتدل شواهد الأحوال على أن هذا النوع قد انقرض من مصر منذ الدولة الحديثة وحل محله نوع آخر ظهر في مصر منذ الأسرة الثانية عشرة، وقد تكاثر نتاجه تكاثرًا عظيمًا حتى قضى على النوع الأول، وهذا النوع الجديد يعرف باسم ١٥. Platyra aegyptiaca ويوجد عدد عظيم من بقايا هذا النوع وبخاصة قرونه، وهي محنطة تحنيطًا متقنًا. ويوجد في متحف فؤاد الأول الزراعي مجموعة جميلة منها.

ويمتاز هذا النوع من الخراف بقامة اعتيادية ووجه مقوس وأذنين متدليتين متوسطة الطول. وله قرون غليظة القاعدة متجهة إلى الخلف ثم تنحني إلى أسفل ثم إلى الأمام وله ذيل طويل، ضخم (اللية) عريض وقد جلب هذا الحيوان على ما يظهر إلى مصر حوالي ٢٠٠٠ ق.م. ومن المحتمل أنه كان محببًا للأهلين بسبب (ليته) العظيمة. والظاهر أن شعره كان كذلك قصيرًا. ومن ذلك يمكننا أن نستنتج أن المصريين كانوا يأكلون لحم الضأن ولم يكونوا يعرفون الملابس الصوفية؛ إذ كان ضأنهم لا ينتج صوفًا صالحًا للغزل. والحقيقة أن كل الأقمشة القديمة التي عثر عليها للآن في المقابر المصرية القديمة كانت مصنوعة من الكتان. ولم يعرف أن الملابس الصوفية استعملت في مصر أحيانًا إلا في العهد الإغريقي. وكانت تلبس كثيرًا في العهدين الروماني والقبطي. غير أننا لا نعلم إذا كانت قد صنعت في مصر أم كانت تجلب من بلاد سوريا أو اليونان وغيرهما من بلاد البحر الأبيض المتوسط، إذ كان الصوف يوجد فيها بكثرة.

ولا يبعد أن يكون قد جلب إلى مصر صنف آخر منتج للصوف أو حسن نوع الشعر الذي كان يكسى به الجنس الجديد من الضأن حتى أصبح صالحًا لصناعة الملابس الصوفية.

ويقول «هردوت»: إن المصريين كانوا يلبسون قباء من الكتان موشى بصور من الصوف الأبيض. غير أنه في الوقت نفسه يقول: إن دخول المعابد بملابس صوفية غير مباح. وقد كان بعض علماء الآثار يظنون أن الشعر المستعار الذي وجد في المقابر من الصوف، ولكن البحث العلمي أثبت أنه لا توجد واحدة من بينها من الصوف.

وقد عثر على كمية من الصوف في تل العمارنة يرجع عهدها إلى الأسرة الثامنة عشرة، مما يدل على احتمال استعمال الصوف والملابس الصوفية في مصر في هذا العهد، غير أنه من المحتمل جدًّا أن هذا الصوف قد جلب إلى مصر من آسيا وبخاصة في هذه الفترة التي كانت فيها مصر هي المسيطرة على هذه البلاد من كل الوجوه.

الحمار: كان الحمار يستعمل في مصر لحمل الأثقال منذ عهد الدولة القديمة. وقد عثر له على رسوم عدة، أهمها في مصطبة «ورخو»، من عهد الأسرة الخامسة١٦٢ بالجيزة، إذ نشاهد حمارين يحملان محفة بينهما لجلوس موظف للتفتيش على أعمال الحقول. وقد كانت أهمية الحمار عظيمة في القوافل التي كانت تعد عند قدماء المصريين أهم طرق المواصلات مع خارج البلاد.

ولا نزاع في أن البعثات التي قام بها المصريون في عهد الدولة القديمة إلى سينا وفي مصر العليا كانت بوساطة الحمير. وفي عهد الأسرة السادسة عندما قام «حرخوف» برحلته للبحث عن البخور والعاج من أعالي بلاد النوبة كان معه ٣٠٠ حمار، وقد عاد بها محملة بالنفائس من هذه الجهات (انظر ص ٣٨٢ وما بعدها من الجزء الأول).

الثور: كانت الثيران ذوات القرون الطويلة تقوم بكل الأعمال التي يتطلبها الفلاح، فكانت تستعمل في حرث الأرض، ودرس القمح، وجر عربة الدفن ونقل الأحجار الثقيلة١٦٣ من المحاجر إلى الأماكن التي كانت تبنى فيها، كالمعابد، والأهرام.
الحصان: لم يظهر الحصان إلا في عهد الدولة الحديثة وسنتكلم عنه في حينه.
الجمل: تدل الأحوال على أن المصري لم يستعمل الجمل في العهد التاريخي على الأقل،١٦٤ ولكن عثر على تمثال صغير له من الفخار من عصر «نقادة»،١٦٥ وكذلك عثر على تمثال صغير آخر من عهد الأسرة الثامنة عشرة١٦٦ يمثل الجمل حاملًا إناءين متدليين على جانبيه. وقد ذكر أحيانًا في متون الدولة الحديثة؛ مما يدل على أنه كان مستأنسًا «الجمل يسمع الكلام» كما جاء في ورقة «بولوني»،١٦٧ وقد قال عنه «فيدمان» إنه هو الحيوان الذي يمثل الإله «ست».

ويظهر أن الجمل كان مكروهًا عند قدماء المصريين لصلته بالعرب (؟) ولذلك لم يستعمل عندهم. أما في العصر الإغريقي الروماني فقد استخدم الجمل بكثرة.

الحيوانات التي تربى لمساعدة الإنسان وحمايته

الكلب: لقد استؤنس الكلب في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات،١٦٨ ودفن بالقرب من صاحبه كما ذكرنا، وكان الأول من بين حيوانات العالم التي استأنسها الإنسان. ولا شك في أن الإنسان في بادئ الأمر قد لاحظ فائدة هذا الحيوان في مساعدته على اقتناص فريسته حتى أصبح إخلاص الكلب وتفانيه في حب صاحبه دافعًا له ليتخذ منه صديقًا، إذ كان حاميًا له، ومدافعًا عن ماشيته عند إغارة الحيوانات المفترسة عليها. ومن ذلك ما وجدناه في أحد مقابر «مير»١٦٩ من عهد الدولة القديمة لرسم كلب جالس في مؤخرة القارب بجوار الصياد. ويقص علينا «ديدور الصقلي» أن الكلب قد ساعد «إزيس» في العثور على جثة «أوزير» (ربما يقصد «أنوب»)، ولذلك تأتي الكلاب في احتفال عيد إحياء «أوزير» بعد الإلهة «إزيس» تخليدًا لذكرى مساعدتها لها، وقد كان نباح الكلاب النذير بالخطر في الأرياف مما كان يؤكد لرجال الشرطة القائمين بالحراسة في المنطقة بقرب وقوع خطر كما ذكر لنا كاتب مريض كان يستشفى في الأرياف إذ يقول: «كان على باب داري مائتا كلب من الكلاب العظيمة، وثلاثمائة كلب سلوقي واقفة على باب بيتي طيلة اليوم، فيكون مجموعها خمسمائة، وفي أثناء النهار لا تقول شيئًا. ولكن أثناء الليل عندما تقلق أثناء نومها فإنها تضايق المار، وتقوم جماعات لترجعه من حيث أتى بنباحها، وإذا أمكن نهشته بأنيابها.»١٧٠
وقد كان الكلب يستخدم كالأسد في ساحة القتال، فعندما كان الفرعون يحصد رءوس الأعداء كان الكلب السلوقي١٧١ يمزق ثيابهم. توجد أنواع عدة من الكلاب المصرية قد جاءت عن طريق التناسل مع ابن آوى، والذئب، والضبع، وكل فصيلة الكلب الأخرى المتوحشة ومنها الكلب السلوقي. وهو مشهور باقتفاء الأثر، ومهاجمة الغزلان والثعالب، وقد كان مشهورًا في الصيد في الصحراء خلال عصر الدولة القديمة،١٧٢ وتشاهد كلبة في ضيعة العظيم «زاو» من هذا النوع ترضع جراءها١٧٣ الثلاثة ورقبتها محلاة بطوق، ويوجد نوع آخر يشبه الضبع، وفيه كل صفاتها ولا يمتاز عنها إلا بعلو مؤخرته،١٧٤ ولم يرسم هذا الكلب قط جالسًا. وفي وقت الصيد لا يهاجم بل يبقى بالقرب من سيده الذي لا بد أنه كان يستعمله مثل الضبع لاقتفاء الأثر بشم رائحة الفريسة فيرشد سيده إلى مكانها.

أما الكلاب العادية في مصر ذات اللون الأسود والأعضاء النحيلة والأذن المنتصبة فيقال إنها هي التي تمثل الإله «أنوب». ولكن ذلك مشكوك فيه جدًّا. وهناك أنواع أخرى من الكلاب رسمت على مقابر بني حسن وبخاصة الكلب السلوقي، الذي يشبه الثعلب، ونوع الكلب الذئبي الذي ظهر في عهد الأسرة الثانية عشرة.

وقد أصبحت كل هذه الأنواع من الكلاب رمز «الانتباه»، وقد استعمل نباحها في تسمية الشعرى النجم «سريوس» (نجم الكلب) الذي يظهر عند بداية الفيضان، وينبه الزارع المصري إلى حلول الفيضان.١٧٥
وقد كانت هناك كلاب صغيرة للهو والتلسلية، تكون دائمًا مرافقة لأصحابها، وهذه الكلاب تلاحظ كثيرًا على اللوحات المأتمية. وكان الكلب دائمًا مع الأسرة لا يفارقها، جالسًا على مؤخرته. وقد كان أحيانًا يؤدي دور الرجل فيتكلم عن نفسه مفتخرًا بأمانته: «أنا الكلب الذي ينام في الفراش، كلب السرير الذي يحب سيدته.»١٧٦
وكانت الكلاب الصغيرة تدفن في توابيت، ويوجد في متحف «بروكسل» تابوت من هذا النوع.١٧٧
القطة: كان قدماء المصريين يربون نوعين من القطط:١٧٨ نوعًا عظيم الحجم وهو الذي يمثل الإله «باست»، ويقول «استرابون»: إنه لذلك السبب كانت تقدس القطة في كل مصر وتسمى (Felis Maniculatas) ونوعًا آخر صغيرًا يشبه القطة التي نراها بيننا الآن مستأنسة.
أخذت القطة تعتبر كالقرد حيوانًا مدللًا عند قدماء المصريين في عهد الدولة الحديثة.١٧٩
وفي عهد الدولة الوسطى تشاهد القطة مستخدمة في صيد الطيور، وذلك للقبض على الطيور التي اصطادها سيدها، أو لصيدها١٨٠ بقفزة واحدة، وأحيانًا يرسم القط متحفزًا للوثب على فأر.١٨١
النمس المصري (أو فأر فرعون): (معجم الحيوان ص ١٢٧). وهو مضر للتمساح، والحية، والظاهر أنه كان مستأنسًا في مصر حسب قول بعض العلماء١٨٢ منذ الدولة القديمة، وهو يتقمص روح الإله «آتوم» الذي يمثل الشمس الغاربة عند قدماء المصريين. وذلك لأنه يظهر عند الغروب، ويبتلغ الثعبان١٨٣ الذي كان يعتقد أنه يلتهم الشمس عند الغروب (أي الإلهة آتوم).
القرد: تدل الآثار المكتشفة إلى الآن على أن المصري كان يستأنس نوعين من القردة منذ الدولة القديمة:١٨٤ نوعًا منها لونه أخضر، وهو كلبي الرأس ويسمى «ميمون» أو «قردوح» Papio hamadryas وهو عظيم الخلق قبيح المنظر. أما الثاني فيرسم بلون أصفر، وهو أصغر من الأول بكثير، ويلاحظ في رسوم «ميدوم»١٨٥ أن قردين يلعبان مع طائر من فصيلة أبي مغازل، وقزم، وذلك لتسلية الميت في قبره، كما كان يتسلى به في دنياه. ومن الطريف أن الأقزام كانت موكلة في العادة بحراسة القردة.١٨٦ وفي رسوم أخرى يشاهد القرد مربوطًا في كرسي سيده بطوق أحمر حول وسطه،١٨٧ وقد لوحظ في مقبرة «تسن» من الأسرة الخامسة أن القرد كان يصحب سيده مع الكلاب للصيد، والقنص (على الجدار الشرقي من مصطبة «تسن» بحفائر الجامعة المصرية).

الرفق بالحيوان والعناية بتربيته

إن أظهر دليل على رقي أي شعب من الشعوب، أو أي فرد فطري، هو معاملته للحيوان الذي يستخدمه في عمله، وفي غذائه، وفي تسليته. وسنعرف الآن كيف كان المصري يعامل الحيوانات التي يربيها، وكيف كان يعمل جل ما في طاقته لقضاء كل ما تحتاج إليه في رفق ورحمة.

كان الفلاح منذ استأنس الحيوانات يقودها إلى الحقل، والمراعي في أغلب الأحيان حرة طليقة، وأحيانًا كان يربطها بحبل ويقودها. أما الجامحة فكانت توكل إلى خدم معينين. وعندما يدعو الأمر الراعي إلى عبر قناة كان لزامًا عليه أن يستخدم قاربين لنقل البهائم من شاطئ إلى شاطئ.١٨٨ وذلك عندما تكون القناة عميقة، لكن عندما يكون الماء ضحضاحًا فإن الراعي يخوض الماء بجانب قطيعه حاملًا العجل الصغير على كتفيه خوفًا عليه، وليجعل البقرة تتبعه شفقة على رضيعها، وكان الفلاح دائمًا يخاف عبر القناة العميقة. ولذلك كان يقرأ تعويذة لحفظ ماشيته من شر التماسيح التي كانت تسبح في الماء.١٨٩
أما رعي البهائم فكان لا يختلف كثيرًا عن عصرنا هذا، إذ كان الراعي يترك قطيعه في المراعي الخضراء، ويتفيأ ظلال الأشجار، ولكن الحيوانات السريعة العدو، مثل الوعول والظباء والغزلان، كانت لا تترك حرة للرعي، بل كانت تبقى في الحظائر وتأكل في أوقات معينة بوساطة راعيها في مذاود خاصة. وفي الغالب يطعمها الراعي بنفسه.١٩٠ وأما الطيور١٩١ مثل أنواع الكراكي، وغيرها والأوز والبط، وأنواع الحمام فإن حوصلتها كانت تملأ بالحبوب بيد راعيها (الجفر).
الحظائر: كانت البهائم تعود كل ليلة لتنام في حظائرها كما يقول المصري نفسه، ولكن في وقت الحصاد كانت تبقى في الحقول ويقيم لها الفلاح حظائر من غصون الأشجار وذلك للمحافظة عليها من الحيوانات الضارية. وكانت الحيوانات تربط في أوتاد مغروسة في الأرض وأمام كل حيوان مذوده الذي يأكل فيه، وكذلك الطيور كانت لها أبراج خاصة فسيحة الأرجاء كما يشاهد ذلك في مقبرة «تي» و«بتاح حتب»١٩٢ بسقارة.
العناية بأجسام الحيوان: لم نشاهد على الآثار قط جز وبر الحيوانات أو تطميرها، ولكن «ديودور»١٩٣ يقول إن الغنم كانت تجز ثلاث مرات في العام. وإذا حكمنا بالظواهر فإنا نعتقد أن الحيوانات لا بد أنها كانت تنظف دائمًا، يضاف إلى ذلك أننا نعلم أنه وقت تضحية الحيوان كانت حوافره تنظف بفرجون كان يصنع في عهد الدولة القديمة من ليف النخل،١٩٤ كما هو الحال في عصرنا الآن، إذ يستعمل ليف النخل في غسل الحيوان والإنسان في الأرياف. وقد ذكر لنا «مسبرو»١٩٥ أن الثيران كانت تغسل مرة كل يوم على أقل تقدير عند الظهيرة.
وكان الراعي يخصي ثيرانه ليسمنها وكذلك ليجعلها صالحة للعمل، وربما كانت هذه العملية تجري في مكان خاص يسمى «مكان الخصي».١٩٦
ويتساءل «جيار»: هل المصري كان يخصي الثور لأجل أن يشب بدون قرن ليقدمه هدية لصاحب الضيعة العظيم وبذلك يتفادى كيّ الحيوان مرات عدة وهو صغير حتى لا يكون له قرنان كبيران، وهذه الطريقة الأخيرة هي التي يستعملها أهالي أواسط أفريقيا حتى الآن، فإذا كانت هذه النظرية صحيحة فإنها تدل على مقدار عناية الرعاة المصريين بالحيوانات التي يميلون إليها ورفقهم بها، على أن الرعاة كانوا دائمًا كثيري الاهتمام بحيواناتهم وما عسى أن ينالها من البرد بعد أي عمل شاق؛ ففي «ميدوم»١٩٧ نشاهد ثورين مغطيين بغطاء مربع مزين بخطوط سوداء وحمراء يخيل للإنسان أنه حصير من القش، وكان هذا الغطاء يوضع دائمًا على العجول الصغار،١٩٨ وكانت حيوانات الحمل لا يوضع على ظهورها شيء إلا إذا غطت ظهرها بردعة مربوطة على وسط الحيوان، وكان معظم الحمير يزود بالبرادع١٩٩ عندما كانت تحمل المحصول من الحقل.
وكان كل من الراعي وحارس الثيران يفتخر بالزينة التي كان يحلي بها حيواناته؛ فكان الواحد منهم يتفنن في تأنيق قلائدها٢٠٠ التي كانت أحيانًا قطع زينة حقيقية تستعمل تعاويذ لمنع الحسد (العين المؤذية)، وعندما كانت الحيوانات تذهب إلى المراعي كان سائقها يضع زهرة من البشنين في قلادة الحيوان٢٠١ زينة له.
أما حراس الحيوانات المدللة التي كان يعتز بها سيد البيت فكان جل همهم أن يتفانوا في تجميل لباسها وتزيينها، ففي مقبرة في «زاوية الميتين»٢٠٢ نشاهد قردًا مقيدًا ومغطى بلباس على شكل (البرنس) محكم رشيق المنظر.
وكان المصري يعتني بتنمية نتاج ماشيته، وقد رسم لنا عدة مناظر لهذه العملية واجتهد في تحسينها بالطرق المتبعة الآن؛ فنشاهد مثلًا في مناظر إحدى مقابر «دشاشة»٢٠٣ ثورًا بقرنين على شكل هلالين يلقح بقرة ذات قرنين ربابي الشكل (أي ملتويين) وفي مقابر «دير الجبراوي» نشاهد بقرة ذات قرنين جميلين يلقحها ثور بدون قرنين، وفي مقابر «بني حسن نشاهد قطعانًا من الماعز والحمير٢٠٤ تلقح. والواقع أن المصري كان يفرح فرحًا عظيمًا عندما كانت ماشيته تلقح وتنتج نتاجًا حسنًا، وكانت الماشية تضع حملها في الحقول وفي المراعي، وقد رسم المصري كل ذلك منذ الدولة القديمة، كما يشاهد في مناظر طريق الملك وناس»،
وقد كان المصري أول من اخترع التفريخ الصناعي كما ذكر ذلك لنا «ديدور»٢٠٥ وغيره، وكان المصري يتبع في حلب البقرة طريقة فنية إذ كان لا يحلب حلمة حلمة بل كان يحلب حلمتين أو ثلاثًا أو أربعًا٢٠٦ دفعة واحدة، ويجتهد في ألا يترك حلمة واحدة دون أن يبتز لبنها، لأنه كان في ذلك شل للعضو الذي لا يحلب وتقليل من إنتاج اللبن بشل الثدي الذي يهمل، ولعمري فإن الإنسان في عصرنا هذا يجتهد في تلافي هذا الخطر، وكان المصري يخلط لبن البقرة بالشهد ويقدم للمتوفى قربانًا مرطبًا.٢٠٧
أمراض الحيوانات: تدل كل الظواهر على أن المصري كان يعتني بتربية حيواناته، إذ في الواقع كانت لها الأهمية الكبرى في حياته حتى إن الفرعون كان يعد سني حكمه حسب التعداد الذي كان يعمل للحيوانات كل عامين، وقد عثر على ورقة لطب الحيوان من عهد الأسرة الثانية عشرة٢٠٨ وهي فريدة في نوعها، غير أنها لسوء الحظ ممزقة، ولكن من البقية الباقية منها يمكننا أن نحكم بأن كل فلاح كان يهتم بحيوانه والأمراض التي تنتابه وطرق علاجه، ففي مقبرة «تي» لاحظ الراعي أن أحد العجول لم يكن في نشاطه المعتاد في شد حبله، ولذلك كتب الفنان أن الراعي يفحص ما الذي حدث لهذا العجل.٢٠٩ والظاهر أن فن معالجة الحيوان قد بلغ شأوًا عظيمًا عند الأطباء البيطريين إذ قد لاحظ «كيفيه» Cuvier٢١٠ عندما فحص بعض عظام مكسورة في الحيوانات التي تعيش في وادي النيل أن هذه العظام قد ضمت إلى بعضها بطريقة في منتهى ما يكون من الحذق والمهارة تدل على نبوغ المصري في جبر العظام المكسورة بطريقة عملية ليسهل للحيوان استعمال العضو الذي حدث فيه الكسر.
معاملة الحيوان برفق: لم نر في النقوش المصرية أن المصري كان يعامل حيواناته معاملة سيئة اللهم إلا الحمار الذي كان يضرب لعصيانه وجموحه، أما باقي الحيوانات فكانت تعامل على وجه عام برفق وحنان، إذ الواقع أن العصا أو السوط (الفرقلة) كانت تستعمل للإرهاب فحسب. أما صغار الحيوان فكانت موضع عناية وحنان، إذ كانت تحمل على الأعناق أو في حضن حاملة القرابين كما يلاحظ ذلك في رسوم مقابر الدولة القديمة، إذ نرى الغزال الصغير أو العجل محمولًا بين ذراعي حامل القرابين،٢١١ كما نشاهد أميرات يلاطفن بأيديهن عصافير صغيرة قد سقطت من أوكارها، وأطفالًا يداعبونها كذلك.٢١٢
وقد كان الراعي يقود ماشيته إلى الحقل وهو ينشد لها الأغاني بحداء خاص. وقد كتب الفنان بعض هذه الأغاني التقليدية، والظاهر أن هذه الأغاني كان لها تأثير على البقرات وقت حلبها مما يزيد في مقدار اللبن الذي كانت تعطيه يوميًّا، إذ عملت تجارب لذلك في أمريكا فوجد أن البقرة تعطي ١٥٪ من اللبن زيادة على إنتاجها الطبيعي عندما تحلب والراعي يحدو لها بغناء يهدئ من أعصابها٢١٣ ويدخل عليها السرور. وكان الفلاح وهو يرعى ماشيته لا يكتفي بملاحظتها بل كان ينعت كلًّا منها بصفة تغلب عليها فكان يسمى «الذهبية» و«الجميلات» و«اللامعة»٢١٤ إلخ.
وعند اشتداد الخطوب في البلاد بسبب الثورات مما يسبب إهمال الحيوان وعدم العناية به يصف الكاتب هذه الحالة بقوله: «الحيوان يشكو مر الشكوى فقلبه يبكي أو ينتحب بسبب حالة البلاد.»٢١٥
وعندما يتناطح ثوران أو تشتبك قرونهما معًا كان الراعي يتدخل في الحال بينهما برفق.٢١٦
ولما كان المصري يخاف ضياع حيوانه بين الحيوانات عند ورود الماء كما يخاف عليها من السرقة فإنه كان يعلمها بعلامة خاصة، بكيّها في الغالب على الكتف أو على القرن وتوجد قرون كباش من نوع Ovis platyra مختومة على قرونها، وهي محفوظة بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي، وقد عثر على مناظر لهذه العملية٢١٧ كما عثر على حيوانات تحمل علامات خاصة.

ومنذ الدولة القديمة نجد أن الكهنة كانوا يختمون الحيوان، ومن المحتمل جدًّا أن هؤلاء الكهنة كانوا ينتخبون من بين الحيوانات ما يصلح للمعابد وما هو صالح للذبح. ويجب أن تكون هذه الحيوانات خالية من كل مرض أو تشويه مما يدنس لحمها. ويقول «هردوت» أنه على أثر موت أي عجل «أبيس» ترسل المعابد مفتشين عند مربي الحيوانات فيفحصون كل حيوان في حالتي وقوفه ورقاده على ظهره ثم يسحبون لسانه، ويرون إذا كان سليمًا وخاليًا من العلامات التي ذكرتها الكتب المقدسة … فإذا لم يجدوا في جسم الحيوان شعرة واحدة سوداء مما يجلعه مقبولًا في أعين الآلهة فإن الكهنة تعلمه بوضع حبل حول قرنيه مصنوع من ألياف نبات البردي ويضعون عليه طينة ويختمون عليها بخاتم خاص.

تعداد الحيوان: ذكر على حجر «بلرم» الذي يرجع عهده إلى الأسرة الخامسة أن الحيوانات كانت تحصى في عهد الدولة القديمة كل عامين مرة وذلك أمام ممثلين للإدارة الملكية، كانوا يرسلون إلى الأرياف لعد الحيوان حتى تقدر الضرائب بمقتضى ذلك، ولكن منذ عهد الدولة الوسطى كان التعداد يعمل كل عام،٢١٨ فكان يقدم كل فلاح الحيوانات التي في حراسته، وهي التي يرعاها لحساب صاحب المقبرة حيث قد رسم المنظر الذي يمثل ذلك آثارهم، وأحسن مثال لدينا عن تعداد الحيوانات وأهميته عثر عليه في «البرشة» من عهد الدولة الوسطى في مقبرة أحد أمراء مقاطعة «هرمو بوليس»، وهو «تحوت حتب»،٢١٩ وفي مناظر هذه المقبرة نجد تعداد كل أنواع الحيوان والطيور، وحتى البيض.

(٣) أسماك النيل والبحيرات

تدل مناظر صيد الأسماك العدة التي نشاهدها على الآثار المصرية منذ أقدم العهود على أن النيل كان يحتوي على أنواع أسماك مختلفة استعملها المصري طعامًا له. وقد كان صيد الأسماك من الأشياء المحببة للمصري منذ عصر ما قبل الأسرات، وقد رسمت الأسماك التي كانت تصاد في النيل بالشبكة أو بالشص بكل دقة ومهارة كل نوع بتفاصيله وخواصه، وقد استعمل المصري منذ فجر التاريخ عشرة أنواع من سمك النيل إشارات في اللغة المصرية القديمة لكل مميزاتها، ولذلك عرفنا اسم كل سمكة بلغة القوم٢٢٠ وقد رسم «روزليني» كل أنواع السمك المصري النيلي بألوان الطبيعة وسنسرد هنا أسماءها بالعربية واللاتينية والمصرية حسب ما وصلت إليه البحوث العليمة حتى الآن.
  • (١)
    «عحا»: Lates niloticus وهذا النوع يطلق عليه اسم «لاطس» أو «القشر» أو «الفرخ» أو «حمار البحر» وأول ما عثر على رسمها في «ميدوم»٢٢١ وهذه السمكة يبلغ طولها أحيانًا نحو ١٨٥ سنتيمترًا، وقد كانت هذه السمكة تقدس في بلدة «لاتوبوليس» (أسنا) وكانت تحنط هي وصغارها.٢٢٢
  • (٢)
    Tilapia nilotca: وهو السمك «البلطي» أو «المشط» وله زعانف طويلة على الظهر. وأقدم رسم عثر عليه في «ميدوم»٢٢٣ وكذلك في مصطبة «بتاح حتب»٢٢٤ بسقارة.
  • (٣)
    «عز» Mugil cephalus: وهذا النوع يعرف في مصر باسم «البوري» ويمكن تمييزه بزعانفه الأربعة التي تشاهد كل اثنتين على جانب. وقد رسم أولًا على آثار «ميدوم»٢٢٥ ورسمت كثيرًا في كل مناظر صيد الأسماك (ويقول عنها «جاردنر» إنها البوري).
  • (٤)
    «خا» Mormyrus Kannume Oxyrinque: وهي سمكة تعرف في مصر باسم «قنومة» وهي طويلة، لينة الزعانف، صغيرة الفم لها خطم طويل دقيق ويحكى أنها مزقت الإله «أوزير». ونشاهدها مرسومة في مقبرة «تي» وفي مقبرة «جمني كاي» بسقارة.
  • (٥)
    «نعر» Clarias anguillaris: وهو المعروف في مصر باسم «القرموط» (في اللغة العربية) «الجري» و«السلور».
  • (٦)
    Synodontis schall: وهو المعروف عندنا باسم «الشال» وهو سمك سلوى من أسماك النيل.
    وقد عثر على رسم هذه السمكة في مقبرة «تي» وكذلك في مصطبة «ليدن» وأيضًا في مقبرة «جمني كاي» بسقارة.٢٢٦
  • (٧)
    «بوت» Schilbe mystus ذكره «الدميري» في باب السمك وسماه «شلبا» وصاحب «المحيط» سماه «شلبة» (معجم الحيوان صفحة ٢١٨) والظاهر أن هذا السمك كان له رسمان، وقد وجد رسم هذه السمكة على جدران مقبرة «جمني كاي»٢٢٧ بسقارة.
  • (٨)
    «شبت» Tedreodobn. Fahaka. Fahaka وتسمى عند الصيادين «الفقاقة». ويطلق عليها كذلك اسم «فهكة»، و«فهقة».٢٢٨
  • (٩)
    «بس» بني (جردنر ٤٦٧) Bardus bynni وقد شوهد مرسومًا على جدران مقبرة «مرا» بسقارة وعلى آثار الأسرة الثانية عشرة من عهد «سنوسرت الأول».٢٢٩
وكذلك توجد أنواع أخرى كانت تصاد من الماء الملح والعذب على السواء وبخاصة الفرخ Perer ويسمى «فرخ نيلي».
وكانت هذه الأسماك التي ذكرناها يتكون منها الطعام الأساسي لسكان وادي النيل في عهد العصر الحجري الحديث كما تدل على ذلك بقايا المطابخ التي درسها العالم «دي مرجان».٢٣٠
والظاهر أن السمك كان من الأطعمة الأساسية عند المصريين في العصور التي تلت حسب قول «هردوت»٢٣١ إذ يقول: إنه كان يوزع على العمال جراية من السمك يبلغ وزنها نحو ٩١ جرامًا وفي بعض الأحوال كان يحرم أكل السمك إذ كان يعد نجسًا،٢٣٢ وفي نتيجة «سلييه» أو نتيجة الأسرات كان يحرم أكل السمك عامة في أيام مخصوصة من السنة، ولعلهم أرادوا بذلك إفساح المجال لإكثار السمك في النيل لأنه في هذا الوقت تقل الأسماك لقلة المياه. مثال ذلك في ٢٢ تحوت (توت): «لا تأكل السمك في هذا اليوم إذ فيه الكفرة يصيرون سمكًا في الماء.»٢٣٣ وكذلك في ٢٨ كيهك و٢٥ برمودة وفي ٢٩ كيهك ينصح بطرد العامة الذين أكلوا سمكًا. أما في المقاطعات التي تكون تحت حماية أي نوع من هذه الأسماك فإن القوم كانوا يمتنعون عن أكله، فمثلًا في «أسنا» كان يحرم أكل «اللوطس»٢٣٤ الذي يقدس في هذه الجهة.
وقد جاء في «بلوتارك»٢٣٥ أن في مقاطعة «القنومة» «اكسرنك البهنسا» لا يأكل القوم أي نوع من السمك وكذلك يقول متفقًا٢٣٦ مع «هردوت»٢٣٧ أن الكهنة كان محرمًا عليهم أكل السمك الذي كان يعد لحمه نجسًا،٢٣٨ يضاف إلى ذلك أن فصل التعاويذ السرية من كتاب الموتى٢٣٩ لا يمكن أن يتلوه إلا رجل طاهر مطهر لم يكن قد أكل لحمًا ولا سمكًا. وقد كان الكهنة يحرمونه أمام بابهم في اليوم التاسع من الشهر الأول من السنة، على حين أن كل مصري كان يأكل على عتبة بابه سمكة مشوية.٢٤٠

وكان يجفف السمك ويحفظ، وكذلك كانت البطارخ تستخرج منه كما يشاهد ذلك في رسوم مقبرة «نب كاووحر» في سقارة.

(٤) طرق الصيد وأنواعها

صيد الأسماك

كان لصيد الأسماك عند قدماء المصريين طرق عدة: وهي الصيد بالشص، والصيد بالشبكة، والصيد بالسلال، والصيد بالخطاف، والصيد بالنشالة، وكان صيد الأسماك محببًا عند القوم لدرجة كبيرة كرياضة وتسلية كما أنهم قدسوا بعض الأنواع كالأنوم والبياض والبني لورودها ضمن أقاصيصهم الدينية المتوارثة، وكانوا يتجنبون صيدها في أيام انخفاض الماء في النيل محافظة عليها، وقد تقدموا في حفظ الأسماك وتمليحها كما يظهر ذلك على الأخص في مقبرة «تي» بسقارة من الأسرة الخامسة.

أدوات صيد الطيور

عصا الرماية «البومرانج»: هذه الآلة كانت تستعمل لصيد الطيور منذ عصر ما قبل التاريخ، وهي تتكون من قطعة من الخشب رقيقة نوعًا ومنحنية عند ثلثها الأخير تقريبًا في شكل زاوية منفرجة، وكانت تستعمل لصيد الطيور في المستنقعات حيث يرى الصياد عادة واقفًا على قارب من البردي وسط النباتات المائية متحفزًا لرمي العصا أو لاستعمالها وهو قابض عليها لضرب الطيور القريبة منه ثم القبض عليها بعد إصابتها. وهذه الآلة تشبه آلة البومرانج التي لا تزال تستعمل في استراليا للصيد.
شباك صيد الطيور: تتكون هذه الشباك في مصر القديمة من الجريد أو الخشب ونسيج الكتان وحبال الليف أو قشر جريد النخيل.
  • (أ)
    الشباك السداسية الشكل التي نراها ممثلة بكثرة على جدران الآثار المصرية القديمة قريبة الشبه بالشباك التي كانت إلى عهد قريب جدًّا، ولا تزال في بعض الجهات المصرية مستعملة خصوصًا في بلدة «المطرية» «وأبو رواش». وتتلخص طريقة استعمالها في تثبيتها في الأرض بأوتاد وتركها مفتوحة بوساطة مضارب من الجريد تتحرك عند إغلاقها بوساطة الحبل المعد للسحب بعدما تدخل الطيور مغرورة بالحب الملقى فيها، وتتحرك المضارب بعد إغلاقها ويبقى العمال يشدون الشباك حتى يلقى القبض على الطيور وتعبأ في الأقفاص كما هو موضح على جدران المعابد والمقابر القديمة في «سقارة وأهرام الجيزة وبني حسن».
  • (ب)
    صيد السمان بشبك الحقول:الطريقة التي كانت متبعة عند قدماء المصريين لصيد السمان تتلخص في أن يسحب الرجال شباكًا مربعة تقريبًا بنظام: اثنان من الأمام واثنان من الخلف وبين هؤلاء رجلان أو أكثر. والمعروف عادة أن السمان يأوي إلى الزرع ليلًا، فعندما يشعر بحركة الشباك والصيادين في أثناء سيرهم يهم طائرًا فيعوقه الشبك ويسرع الرجال الأواسط إلى التقاط ما يحجزه الشبك، وهذه الطريقة واضحة في مقابر «سقارة» من عصر الدولة القديمة حوالي (٢٥٠٠ق.م.).
فخاخ الصيد: كان قدماء المصريين مولعين بصيد الطيور بالفخاخ المختلفة وكانت في جملتها تتكون من الخشب أو الجريد ونسيج الكتان أو الليف والبوص، وأهم هذه الفخاخ هو الفخ ذو الطارتين الذي يرى ممثلًا على الأخص في مقابر «بني حسن» التي يرجع تاريخها إلى عهد الدولة الوسطى حوالي (٢٠٠٠ق.م.).

أدوات صيد الحيوانات البرية

القوس والنشاب: استعمل القوس والنشاب منذ عصر ما قبل التاريخ وقد صنع من الخشب والجلد والكتان (أو الليف). أما النشاب فكان يصنع من البوص أو الخشب ورأسه من الصوان ثم البرنز فيما بعد، وفي بعض الأحيان كانوا يصنعونها من عظام الحيوانات أو من سن الفيل، إذ كانت تثبت القطعة بعد تشذيبها في عود رفيع من البوص تربط فيه بخيط أو بقطعة من الجلد.

ولقد كان القوس والنشاب من أهم أدوات الصيد ويستعملها هواة الصيد والرماية الذين يرغبون في إظهار مهارتهم.

فخاخ صيد الغزلان والتياتل: تتكون هذه الفخاخ من حلقة من الجريد يخرج منها شوك النخيل من المحيط إلى المركز حيث تجتمع الأطراف المدببة وتكون بؤرة ويتصل بالحلقة حبل ذو عروة (خية) حول البؤرة ينتهي بقطعة من الخشب أو الجريد. وطريقة استعمالها هي أن يلقى عدد منها في طريق الحيوانات وعندما تطؤها بأقدامها ينزلق ظلف الحيوان في البؤرة فتنحبس على التجويف الواقع أعلى الظلف فيضغط الشوك على رجل الحيوان وتطبق الخية عليه، وتعاكسه قطعة الخشب والحبل فتعوق جريه، وفي هذه الحالة يسرع الصياد إلى القبض عليه.
الخية: استعمل قدماء المصريين ضمن أدوات الصيد الحبال ذات الخية، وهي تحتاج إلى مهارة في الرمي لإحكام تطويق الحيوان بها. وهذه الطريقة كانت تستعمل غالبًا في حالة ما إذا أريد اقتناص الحيوان حيًّا دون إصباته بضرر ما. وكان الصياد في هذه الحالة يختبئ وراء الكثبان أو الشجيرات ويأخذ الحيوان على غرة. وهذه الطريقة تشبه ما هو متبع الآن في جنوب أفريقيا، والفارق بينهما أنهم في الأخيرة يستعملون الحبال ذات الخية وهم على ظهور الخيل.

ولأجل أن نربط الماضي بالحاضر نذكر هنا على وجه الإجمال الحيوانات والطيور التي لا تزال باقية في صحارى مصر وما جاورها من البلدان ويصطادها هواة الصيد والقنص حتى الآن. وسنرى أن بعض الحيوان والطيور قد انقرض أو تقهقر إلى الشمال بسبب قلة المرعى والجفاف وغير ذلك من الأسباب.

وأهم أنواع الظباء التي لا تزال تصاد في مصر حتى الآن هي العفر والآرام والأولى سمراء الظهر بيضاء البطن تعلوها حمرة وتعيش في الصحراء الغربية بعيدة عن الساحل الشمالي بعشرين كيلومترًا في الصيف وأربعين في الشتاء. أما الرئم فهو الغزال الأبيض الذي يسميه عرب الصحراء الغربية «الآريل»، والمعروف عنه أنه يسكن الرمال ويوجد فقط في منخفض القطارة الجنوبية حتى الواحات البحرية. ويرى كثيرًا في الكثبان الرملية بين تبغبغ والعرج وفي رمال خميسة بواحة سيوة وفي أم عشاق حتى القبقب. والآريل أكبر من العفر جسمًا وأقل منه عدوًا. ويصطاد الآن العرب هذه الغزلان بالبنادق، وكانوا من قبل يطلقون في صيدها الكلاب والعقاب والفهود. ومنهم من كان يصطادها بإيقاد النار ليغشى بصرها فينقضون عليها. وتكثر الغزلان كذلك في سهول البحر الأحمر بالصحراء الشرقية حيث يصيدها العبابدة والبشاريون بالشراك ويأكلون لحومها.

ويوجد في جبال العوينات الخراف البرية المعروفة بالودان وكذلك الماعز البري أو البدن في جبال سيناء والصحراء الشرقية وبخاصة في وادي الرشراش القريب من حلوان.

أما الحمر الوحشية: فتوجد في الصحراء الشرقية الجنوبية في منطقة جبال العلبة ويمتاز هذا النوع من الحيوان بأنه ينصب على القطيع واحدًا منها يحرسها وهي نائمة، فإذا اشتم رائحة الخطر أعطى إشارة تنبئ بذلك، ومن حيوانات الصحراء الشرقية الأرنب البري المسمى بالوبر ويكثر في وادي أبرق وجبال العلبة وجنوبي سيناء، وقد ورد ذكره في التوراة وكان محرمًا أكله على بني إسرائيل.

أما المها فهو معروف في الصحراء الغربية وكان يصطاد بوساطة الخيل والكلاب.

ويوجد النمر في الجبال العالية ويندر ظهوره لأن من طباعه الانفراد والعزلة، وهو يخاف الإنسان إلا إذا هاجمه، ومما يذكر عنه أنه يحب افتراس ما يلقاه من غنم وغزلان ويحب لحوم الحمير، ولذلك يصيده بها العرب في جنوب سيناء. والفهد يعيش في جهة تبغبغ بمنخفض القطارة وكذلك يوجد أحيانًا بالصحراء الغربية بالقرب من منطقة أهرام الجيزة. وكذلك يوجد القط البري في كل الصحراء وبخاصة بالصحراء الغربية وفي الواحات ووديان الواحات الشرقية. أما الثعالب فتوجد في الصحارى المصرية كلها على ألوان شتى منها الأبيض والأسود وهي تعيش على الفيران الصحراوية. والذئب يوجد في الواحات والوديان المتاخمة لوادي النيل وأحيانًا تكون قريبة من المساكن.

والضبع يوجد في الصحراء الغربية ويقل في الصحراء الشرقية، ويعد الضبع عدوًّا لدودًا للحمير والأغنام في الصحراء الغربية ويكمن العرب له ليرموه بالرصاص ويأكلون لحمه لاعتقادهم أنه دواء للكبد، وربما كان ذلك من الأسباب التي دعت قدماء المصريين لاستئناسه.

أما الطيور التي تعيش في الصحارى المصرية: فمنها السمان، ويكثر في الساحل الشمالي من مصر ويصاد بأنواع مختلفة من الشباك. ومن عادته أنه ينزح إلى الواحات الجنوبية والبحرية وسيوه ويصاد بنوع من الفخاخ يسمى «المردخ».
وأما جوارح الطير: فتوجد في مصر منذ أقدم عصورها ولا تزال إلى الآن، وأهمها العقاب والنسر والصقر، والشاهين، وكذلك يوجد الكركي والبط البري واللغلغ والحبرج، والغرنوق، والكروان، والقمري، وأنواع من القطا والقطقاط، والجلم، وأبو حوام، والهدهد، وأبو صفير وأبو حواح وأبو قطقاط وأبو رقيص. ويوجد في وادي النطرون الخضاري والبلبول، والفرفور، والشرشير، والغر، والكركي والعنز والبشرورش، وأبو قردان والنسر والصقر والشاهين والباقة، والبومة والعصافير على اختلاف أنواعها.
ومن المدهش أن سكان الصحارى لا يأكلون لحم الطير الحر أي الصقور لما يكنونه له في صدورهم من الإجلال والتعظيم فنراهم يدفنونها كما تدفن٢٤١موتاهم لأن الصقر في عرفهم طير كريم حر وفي لصاحبه، وقد يكون لهذا الاحترام علاقة بعبادة هذا الحيوان عند قدماء المصريين منذ أقدم العهود.
figure
منظر يبين طريقة من طرق صيد الطيور بالفخاخ.
figure
الطائر «أبو منجل».
figure
الطائر «مالك الحزين».
figure
منظر وجد في سقارة في طريق هرم «وناس» يمثل مجموعة من ظباء الصيد وهي من اليمين: الوعل، ومها بيسة، وغزال آدم، ومهاة أبو حراب، والتيتل، وغزال إزابل.
figure
منظر يمثل جني عسل النحل.

هوامش

(١) Reisner; The Early Dy. Cemeteries of Nage- el Deir part 1, t II P. 16, 19 & 22.
(٢) Brunton, Badarain Civil. P. 95.
(٣) Br. A. R., I, P. 336.
(٤) Rec. Tr. XVIII. P. 85. & Br. A. R. I, 323 & 234.
(٥) Beni- Hassan IV Frontspiece.
(٦) Journ. IV P. 27 Caton Thomp. & Grad. Geog. Of Kharga oasis in the Geog.
(٧) Ex. Saq. (1912–1914) P. 21.
(٨) Selim Hassan, Ex. Giza, Vol II P. 136.
(٩) Brunton., Badarian Civil. P 63.
(١٠) Borchardt, Grabdenkmal des Konigs Sahure PI 12 & 13.
(١١) Flinders Petrie & Quibell, Nagada & Ballas, P. 54.
(١٢) Petrie. Royal Tombs of the Earliest Dy. II P. 36, 38.
(١٣) Win’dk. Bull. Met. Museum of Art New York, II (1922) P. 26.
(١٤) Fêtes d’Osiris au mois de Khoiak Chap. V Rec Tr. t III P. 66.
(١٥) Loret, la Flore, P. 47 & Von Bissing Gemnikai.
(١٦) Newberry, Proc. Soc. Bib. Arch. XXI P 304.
(١٧) Moret, Rois et Dieux d’Egypte, 20 Ed. P. 9.
(١٨) Flinders Petrie, Prehistoric Egypt, 44.
(١٩) Sandford, The Pliocene & Pliostocene Deposits of Wadi Qena in Quart, J. G. S. LXXXV (1929) P. 503.
(٢٠) Caton Th. The Neolethic Ind, of the N. Fayum Desert in Journ. Royal Anth. Inst. LVI (1926) P. 314 No. 2 & Brunton & Caton op. cit 38 & 62.
(٢١) W. M. t III, P. 349.
(٢٢) Mollers & Scharff, Das Vorgeschitliche Graberfeld Von Abusi El Meleg P 47.
(٢٣) Bull. I. Eg. 1882. 2e Serie t. III P 68.
(٢٤) Das Grab des Ti (Steindorff) Pls 119. 120. 132. & 133.
(٢٥) Sethe A. Z. t X L V P. 13 & L X L V III P. 71.
(٢٦) Flinders Petrie, Royal Tombs of the First Dy. PP. 11, 22, 40.
(٢٧) Br. A. R. I. P 336.
(٢٨) Agl. A. E., Hart, P 34.
(٢٩) Frankfurt, The Cemetries of Abydos, 1925–1926 in J. E. A., XVI 1930, P 217.
(٣٠) Br. A. R. t P 336, 369.
(٣١) J. E. A., XV, 1929, P 94.
(٣٢) Loret. La Floie P 106.
(٣٣) Agi. A. E. Hart, P 41.
(٣٤) Illustration De Ia Flore d’Egypte N. 1079–1096.
(٣٥) Agr. A. E. Hart., P 42.
(٣٦) H. II, P 92 & W. m. t. III P 346.
(٣٧) Moret, L’Egypte au temps des Pharaons, 1890, P 220.
(٣٨) Deodore II P. 8.
(٣٩) Herodate II, 77.
(٤٠) Breasted, The Place of the Near Orient in the career of man, PP. 174.
(٤١) Junker Giza I, pp. 178, 246.
(٤٢) Junker Giza I, pp. 178, 246.
(٤٣) Montet, Scène de la vie Privée, P. 200.
(٤٤) Petrie, Descriptive Sociology Col 211 n 2.
(٤٥) Kees Ægypten P. 32 et n 2. & Junker Giza l, P. 178.
(٤٦) Schweinfurth. Bull Inst. Eg. t VII P 422.
Maspero, historie t I, P 66. (3) Wilkenson, Manners & Customs, t II, P 27.
Hartmann, Agriculture, P 53. (4) Kees, Ægypten, P 338 note 7.
(٤٧) Kees, Ægypten, pp31, 36, n 2,40–41, 207 th 294.
(٤٨) Erman-Ranke, Ægypten P 522.
(٤٩) Loret, la Flore Phar. II P. 94.
(٥٠) Bull. 1. Eg. 1884 P. 7, No. 18.
(٥١) Agr. A. E., llart., p. 35.
(٥٢) Lep. Denk. ll, Pl. 69 Saqqara, V th, D. n.
(٥٣) Loret, Rec. D. t. XVl, pp. 1, Sqq., t. XVll, p. 184.
(٥٤) Sphinx, t. Vlll, p. 145.
(٥٥) Agr. A. E. Hart. P. 50 op. P 57.
(٥٦) Sphinx, t. Vlll. P. 144.
(٥٧) H. 125.
(٥٨) Rec. Tr. XVI, p. 101. & Egyptian Religion, 1933, p. 52 etc.
(٥٩) Petrie, Prehis. Egy. Pl. 46 No. 24 and Ayrton, & Loat, Predyn. Cemetery at El Mahasna, 1911, p. 17.
(٦٠) Louvre, Bas Relief, B. 49. V, Dyn.
(٦١) La Flore, p. 57 & 415.
(٦٢) Flinders Petrie, Social life, p. 102, 135.
(٦٣) Br. A. R,, I , P. 173.
(٦٤) Davies, Ptah hotep at Sakkara, I, P. XXIII.
(٦٥) The Tomp of Meruka (Mera).
(٦٦) Erman, Life in Anc. Egy. 1894, p. 196.
(٦٧) F. F. Bruijning, The Tree of the Herakleopolite Nome in Ane. Eg.1922, p. 1–8.
(٦٨) Lucas, Ancient Egyptian Materials, p 22.
(٦٩) Petrie, Tell-el Amarna, Pl. 32.
(٧٠) Hunt. The Oxyhynchus Pap. VIII, P. 241.
(٧١) Badarian Civil. Brunton, P. 46–7.
(٧٢) Caton Thompson The Neolethic Ind. Of the N. Fayum Desert, in Jom.
Royal. anth. Inst. LVI, (1926) P.315.
(٧٣) H. E. Winlock, The Egy. Exp. 1918–1920, In Bull. Met. Mus. of Art New-York, 1920, P. 22.
(٧٤) Bull. I. Egy., 1884, P. 5.
(٧٥) Décret de Canope, Ligne 17.
(٧٦) Loret, L’Egypte au temps des Pharaons, P. 178.
(٧٧) Griffith & Crowfoot. On the Early use of Cotton in the Nile Valley in J. E. A. XI, 1934, p. 5–12.
(٧٨) Rosellini, Mon. Civ. t. I, P. 60. Monum. della Egizia P. 2.
(٧٩) Loret, la Flore, P. 105.
(٨٠) E. Massey, A note on the early history of cotton in Sudan. Notes and records, VI, (1923)p. 231–3.
(٨١) H., t. III, P. 47.
(٨٢) Rec. Tr. t XVI, p. 1.
(٨٣) Agr. A. E Hart, p. 64.
(٨٤) Meidum, pl. 13, col. I.
(٨٥) Ancient Egypt. t III, p. 97 to 103.
(٨٦) Nina de G. Davies, The Mural Painting of El-Amarna PL IXc.
(٨٧) Bloemen en plante nit oud Egypte in het Meuseum te Leipden p. 13. Leiden, 1882.
(٨٨) Bull. I. F. A O XXXI. 1931. P 133.
(٨٩) Bull I.F.A.O. XXXI. P. 133.
(٩٠) Haward Carter, The Tomp of Tut-Ankh-Amon Vol II, p, 33.
(٩١) Cairo Museum, Nos. 49625, 5804, 58063, & 58064.
(٩٢) مقبرة «دواكا» بحائر الجامعة المضرية بمنطقة الهرم.
(٩٣) De Morgan, Rech. T. II P. 151, 166.
(٩٤) Petrie, Tools & Weapons, 1917. Pl. 19 No. 3.
(٩٥) Meidum, PL. 18.
(٩٦) Meidum, PL. 28 & Ptah-hotep t. I, p. 9 No. 210.
(٩٧) Tombeau de Ti, Ed. Steindorff, PL. 47.
(٩٨) Meidum, pl. 10. 13 & 14.
(٩٩) Weill, Les Origines d’Egypte. Phar. P. 247.
(١٠٠) Petrie, Tools, pl. 24, No. 35.
(١٠١) Quibell and Green, Hierakonpolis, 1902. t. II pl. 74, 75.
(١٠٢) W. M. I, p. 281.
(١٠٣) Mem. Inst. Egypte 1915 t. VIII, Daressy, L’eau dans l’ancienne Egpte. p. 205.
(١٠٤) Davies, Ptah hotep, t. II P. 21.
(١٠٥) Loret et Gaillard, la Faune momifiée. P. 43.
(١٠٦) Petrie, Nagada & Ballas, P. 29. Vase No. 91.
(١٠٧) Blackman, Rock tombs of Meir, t. II, pl. 7.
(١٠٨) Sahourâ, t. II P. 15 see especially t. I P. 167.
(١٠٩) Recherches. t II P. 97.
(١١٠) Ptah hotep, t. I pl, 22, & Meir, t. I pl. 6.
(١١١) Meidum, pl. 14, 27 & 28.
(١١٢) Schweinfurth, Au Coeur de PAfrique, t. I, p. 192.
(١١٣) Petrie, Prehist. Eg. 1920, pl. 22. No. 47.
(١١٤) Loret & Gaillard, La Faune momiffiée p. 85.
(١١٥) Mastaba of Ti, pl. 128.
(١١٦) Deir el-Bahari t. III pl. 2.
(١١٧) Loret, La Faune momifiée p. 81.
(١١٨) Meidum, pl. 9, 24.
(١١٩) Petrie, Prehist. Eg. pl. 18, No. 73.
(١٢٠) Petrie, Prehist. Eg. pl. 18, No. 73.
(١٢١) Loret, la Faune momifée, p. 81.
(١٢٢) Lepsius Denk. II, pl. 104 t. 31, Saqqara IV Dyn.
(١٢٣) Loret, La Faune momifiée, p. 78.
(١٢٤) X: Lieblein, Z. A. S. t, XXXIII p. 130.
(١٢٥) Ann. Ser. Ant. t. XXXVIII p. 520.
(١٢٦) Meidum, pl. 9 & Leps. Denk. II, pl. 46.
(١٢٧) Ann. Serv. Ant. t. XXXVIII pl. XCVII.
(١٢٨) Carpart, Les débuts de l’art en Egypte, PL. 37, 44.
(١٢٩) Rosellini, Mon. Civ. t. II, pl. 20.
(١٣٠) Meidum, pl. 17.
(١٣١) Gapart, Débuts de l’art en Egypte, 2e, éd. P. 222.
(١٣٢) J. E. A., 1916, p. 229.
(١٣٣) Hierakonpolis, t. I, pl. 16, No. 4 2d, reg. from up to down.
(١٣٤) Nagada & Ballas, pl. 60 & Hierakonpolis t. II, pl. 28.
(١٣٥) Meir, Vol. I, pl. 6.
(١٣٦) Davies, Ptah-hotep, t. I, p. 21 & 24.
(١٣٧) Loret et Gaillard, La Faune Momifiée p. 171.
(١٣٨) Lepsius Denkmaler, II, P. 9.
(١٣٩) Borchardt Grabdenkmal des Konigs Sahure, t. II, p. 74.
(١٤٠) Junker, Vorbericht Giza, p. 316.
(١٤١) Egypte, Revne des études Juives, t. 97, 1934 VII Sqq. Ch. Parain, L’agriculture dans l’ancreme.
(١٤٢) Loret et Gaillard, La Faune momifiéc, p, 8, 25 & 65.
(١٤٣) Hart., Agl. A. E. p. 198–199.
(١٤٤) Meidum, pl. 22.
(١٤٥) Hierakonpolis, H pl. 76.
(١٤٦) Proc. S. B. A. 1892 t. XIV th. Dyn.
(١٤٧) Leps. Denk. II, 15 b. Gizeh, VI th. Dyn.
(١٤٨) Capart, Les débuts de l’Art en Eypte fig.144.
(١٤٩) Leps. Denk. II, pl. 69, 70, 74. Ti p. 129. & Pth.hotep t. I, pl. 27.
(١٥٠) معجم الحيوان ص١٣٢.
(١٥١) معجم الحيوان ص ١٢٥.
(١٥٢) Capart, Débuts de l’Art en Egypte, p. 231.
(١٥٣) Champollion, Notices, II, p. 387.
(١٥٤) Sethe, Urk. IV. P. 700.
(١٥٥) Erman.Z. A. S. t. XXI, p. 97.
(١٥٦) Ann. S. A. vol. XX p. 105, pl 4.
(١٥٧) Loret, La faune momifiée p. 309.
(١٥٨) Mission du Cairo, t. V, pl. 3, hors textes.
(١٥٩) Hamy, Les ruches en poterie dans la Haute Egypte, 1901.
(١٦٠) Ann. S. A. t. XXXVIII p. 520.
(١٦١) Z. A. S. 1907, t. XXXIX p. 9; p. 78, In the temple of Neouserrà & Z. A. S. 1900, pl. 5.
(١٦٢) Leps. Denk. II. Pl. 43.
(١٦٣) Griffith, Pap. Of Kahun, pl. 15, l. 14; pl. 31, 1. 25.
(١٦٤) Congrès des Orientalistes, 1907 Art. Lefebure, Le chameau en Egypte, et Wiedmann, Sphinx, t. XVIII. P. 174.
(١٦٥) Mariette, Abydos, t. II P. 40.
(١٦٦) Petrie, Giza, & Rifeh, 1907 pl. 27.
(١٦٧) Gr. Pap. de Bologne, No. 1086.
(١٦٨) De Morgan, Recherches, t. II p. 162, No. 8.
(١٦٩) Meir, t. II, 4.
(١٧٠) 99 trad. Maspero, Notes au jour le jour, Bib. Egy. t XXXII p. 316. Pap. Anastasi, V, pl.
(١٧١) Rosellini, Mon. Civ. pl. 66. & Champ. Mon. III pl. 63.
(١٧٢) Ann. S. A. E. t XXXVIII pl. XCVII.
(١٧٣) Deir el Gabrawi, t. II pl. II. & Ptah-hotep, I p. XXII.
(١٧٤) Lenormant, Comptes-rendus de L’Académie des Sciences. 1870 p 593, 632. Sur les Animaux employés par les Anciens Egyp. à la ehasse et à la guerre, & Virey, Rekhmara pl. 6.
(١٧٥) Loret & Gaillard. Faune mom. P. 3.
(١٧٦) p. 96. Stèle du Caire, Grab und Denks Lang & Schäfer, No. 20–506.
(١٧٧) Capart Z. A. S. t XLIV (1908, p. 13).
(١٧٨) Loret, la Faune mom. Pl. 4 & 19.
(١٧٩) Mem. Miss. Du Caire, t. V p. 552.
(١٨٠) W. M. t.ll p. 108.
(١٨١) Leps. Denk. II pl. 130.
(١٨٢) Lifebure Bib. Egyp. t XXXIV. Le nom Egyptien d’lehneumen p. 314.
(١٨٣) Leps. Denk. II, pl. 12, 60 & 77.
(١٨٤) Meidum, pl. 17. Mefermaat pl. 24 & Rock tombs of Sheikh Saïd Urana, pl. 4.
(١٨٥) Meidum, pl. 24.
(١٨٦) Deir el Gabrawi, t. 3, pl. 17, Sheikh Saïd, pl. 4 & 6.
(١٨٧) Mem. Miss. Arch. 1889, t. l, p. 3. Tomp d’Amenhotep.
(١٨٨) Ti. P. 188.
(١٨٩) Agr. A. E. Hart. P. 250 fig. 65 & fig. 65 P. 251.
(١٩٠) Agr. A. E. Hart. P. 255 fig. 67.
(١٩١) Ti pl. 122.
(١٩٢) Agr. A. E. Hart. 260.
(١٩٣) Diodore t. l, 36.
(١٩٤) Loret, La Flore. 2 édit. P. 35.
(١٩٥) Maspero, Etudes Egyptiennes, t. II p. 40.
(١٩٦) Pyr. Pepi, t. I, 605.
(١٩٧) Meidum, pl. 28.
(١٩٨) Miss Murray, Mastaba Saqqara, pl. 23.
(١٩٩) Beni Hassan, I, p. 29.
(٢٠٠) Leps. Denk. II, pl. 102.
(٢٠١) Ti, pl. 129.
(٢٠٢) Leps. Denk. II pl. 107.
(٢٠٣) Leps. Denk. t. II, pl. 132.
(٢٠٤) Ann. S. A. E. t. XXXVIII pl. XCVII.
(٢٠٥) Diodore, t.l. 74. Pline, X 54. & Bull. I. Eg. 5 Séries, t. V, 1911, p. 177.
(٢٠٦) Deir el Gabrawi, Tomb of “Aba” pl. 11, 187.
(٢٠٧) Pap Ebers, pl. V, 1, 1.
(٢٠٨) Griffith, Hieratic Papyri from Kahum, p. 12, Vol 3.
(٢٠٩) Maspero, Etudes égyptiennes, t. II p. 105.
(٢١٠) Cuvier, Mémoires sur l’lbis des Anciens Egyptiens dans les annals du Musée, 1804, p. 116 etc.
(٢١١) Ptah-hotep, pl 15, 25.
(٢١٢) Mémoires, Inst. Egytpe, t. III p. 528, 532 & 555.
(٢١٣) Journal du Paysan, Mars 1921.
(٢١٤) Lefebure, Recueil Champollion. 1922, Tombeau de Petosiris p. 83.
(٢١٥) Admonitions, pl. III, I, Ed. Gardiner; et Maspero, Causeries d’Egypte, p. 267.
(٢١٦) Deshasha, Tomp of Shedu, pl. 28.
(٢١٧) Rosellini, Mon. Civ. t. II, pl. 42 & Wilkenson, Manners t. II, p. 84.
(٢١٨) Hieratic Papiri Kahun. 1898.
(٢١٩) El Bersha, Part, I, Plates XVII–XIX.
(٢٢٠) Montet, Bull Inst. I ranc. d’Arch. 1913 t. XI p. 39. & Resellini, Mon Civ. t. II, pl. 25.(كل أنواع سمك النيل ملونة.)
(٢٢١) Petrie, Meidum, pl.12 & Von Bissing, Gem-ni-Kai, T..pl.26, fig. 39.
(٢٢٢) Loret. La Faune Mom.p. 5.
(٢٢٣) Meidum, pl.ll.
(٢٢٤) Ptah-hotep I, pl.9.
(٢٢٥) Meidum pl.9. Pl.26, fig. 44.
(٢٢٦) Gem-ni-Kai, I, pl.26, fig. 45.
(٢٢٧) Gem-ni-Kai, I, pl.26, fig. 48.
(٢٢٨) معجم الحيوان ص٢٤٦.
(٢٢٩) Bull. I. Eg. t. XIp. 41 fig. 3.
(٢٣٠) Recherches t. I, p. 99. وقد عثر كذلك على تعاويذ كثيرة العدد وعلى أوان في شكل أسماك من عصر ما قبل الأسرات انظر ص٨٤ الجزء الأول.
Diospolis Parva, pl.3, pl. 116. Nagada & Ballas pl.12, No.82 pl.27, No.68 a. b. c. pl.48 & Hierakonpolis, t. II pl.64, Abydos, t. II pl.39.
(٢٣١) H., II 72 & Strabon XVII 812 & 72.
(٢٣٢) William Radcliffe, Fishing from the Earliest times, London 1921. P 319 to 326.
في هذا الكتاب فحص المؤلف طرق صيد الأسماك في مصر وعند كل الأمم.
(٢٣٣) Calendrier Sallier, p. l & 2, Chabas, Le calendrier des jours fastes et néfastes de l’année, Paries.
(٢٣٤) William Radcliffe Sacred fishes. P. 327–332.
(٢٣٥) Isis & Osiris. P. 18.
(٢٣٦) Isis & Osiris p 7.
(٢٣٧) H. II p. 37.
(٢٣٨) La Stéle de Piankhi I, 151, & I acau, Z, A, S, t, XI 42.
(٢٣٩) Todtenbuch, Facsimilies of Papyi, 1889 pl.26 The Chapter of Coming 1898 p.145, 146.
(٢٤٠) H. II. 37.
(٢٤١) عن محاضرة ألقاها حسين بك عنان في نادي الصيد ومقال كتبه الدكتور مأمون عبد السلام في جريدة الأهرام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤