مغامرة مفاجئة في الفضاء

قال «أحمد» في نفسه: هل يمكن أن تنتهيَ المغامرة هكذا في الفضاء؟

لكنه ابتسم. فهذه ليست أول مرة يقابل فيها الشياطين مثل هذه المفاجآت … نظر إلى «البراشوت» الموجود أسفل مقعد الطائرة، ثم ابتسم قائلًا لنفسه: سوف نهبط للعصابة من الفضاء …

لاحظ «عثمان» ذلك، فقال: أراك تبتسم.

رد «أحمد»: نعم. إن أحسن مقابلة للمفاجآت أن تبتسم لها!

فجأةً، جاء صوت مذيعة الطائرة يقول: سوف نُضطرُّ للهبوط في مطار «سوبرون»؛ فإن العاصفة هنا تشتد بشكلٍ لا يجعلنا نستطيع الهبوط!

لمعت أعين الشياطين، وهمس «رشيد»: مَن يصدق؟

ردَّ «قيس»: مفاجأة جديدة، ويبدو أننا نقوم بمغامرة كلها مفاجآت …

قال «عثمان»: إنني لا أصدق، كان المفروض أن ننزل في مطار «بودابست»، ثم نسافر إلى «سوبرون»!

ابتسم «أحمد» وقال: لقد اختصرنا الرحلة، وها نحن نذهب إلى «سوبرون» رأسًا …

لم تكن المسألة متوقَّعة أبدًا؛ ولذلك شعر الشياطين أن التوفيق سوف يلازمهم في هذه المغامرة، ما دامت الظروف تلعب في صالحهم. لم تستغرق الطائرة وقتًا طويلًا. كان الركاب قد هدءوا بعض الشيء. بعضهم استغرق في صلاة صامتة. وبعضهم كان يتحدَّث إلى الجالس بجواره همسًا. أما الشياطين فقد كانت ملامح السعادة تملأ وجوههم. اقترب أحد الركاب من «عثمان» وهمس بكلمات مترددة: هل كل شيء على ما يرام؟

ابتسم «عثمان» ابتسامة عريضة توحي بالراحة، ثم أجاب: نعم يا سيدي. كل شيء على ما يرام، وسوف تهبط الطائرة في مطار «سوبرون»، ثم نأخذ طريقنا بالسيارات إلى «بودابست» مرة أخرى …

قال الراكب: إنها رحلة شاقة، فالمسافة طويلة بالإضافة إلى أن العواصف الثلجية يمكن أن تجعل الطريق خطرًا …

ابتسم «عثمان» وقال: إذن، نقضي الوقت في «سوبرون» حتى يتحسَّن الجو، ثم نعود مرة أخرى!

ردَّ الرجل: نعم … نعم … يمكن أن نفعل ذلك …

سكت لحظة ثم قال: لكن قد يكون المطار هناك أشدَّ خطورة من مطار «بودابست»!

ردَّ «عثمان»: أعتقد أن مسئولي الطيران سوف يجدون حلًّا لنا …

ابتسم الرجل ابتسامة مترددة، وقال: نعم … نعم أعتقد ذلك!

ثم سكت. كان «عثمان» يفكر: هل يمكن أن ينقضيَ اليوم وغَدٌ في حيرة؟ وهل يمكن أن يضيع موعد د. «مازني»؟ نظر إلى «أحمد» المستغرق في أفكاره ثم قال: هل يمكن أن يكون الجو في «سوبرون» رديئًا أيضًا، وتظل لعنة العواصف وراءنا؟

ابتسم «أحمد» وقال: أعتقد أننا سوف نجد طريقة ما …

قال «عثمان» هامسًا: أخشى أن يفوتَنا الوقت!

ضحك «أحمد» ضحكة خفيفة وهو يقول: لا تنسَ أن كمية الوقود في الطائرة محدودة. ولا بد أن تهبط وإلا انفجرت في الجو!

تنهَّد «عثمان» وهو يقول مبتسمًا: يبدو أنني تأثَّرت بكلام الرجل!

كانت الطائرة مستمرَّة في طيرانها، وإن كان صوت الجليد مسموعًا لارتطامه بجسمها في نفس الوقت، كان هناك اهتزاز خفيف، يجعل المسألة غير مُطَمْئنة. بعد قليل جاء صوت مذيعة الطائرة تقول: إن كل شيء طيب. وأرجو إلا يُخيفكم صوتُ الجليد، أو اهتزاز الطائرة … إن سلطات المطار في «سوبرون» تقول: إن الأحوال الجوية صالحة للهبوط.

انتشر داخل الطائرة نوع من الاطمئنان، لكن ذلك لم يستمرَّ طويلًا. ففجأةً، اهتزت الطائرة بعنف، حتى إن إحدى الراكبات صرخت، وجاء صوت المذيعة يقول: إنه مطبٌّ هوائي، وهي مسألة عادية.

كانت المذيعة تنقُل للركاب صورة طيبة للموقف. فكر «أحمد»: هل يعرض على الكابتن مساعدته؟ … إنه يستطيع أن يهبط بالطائرة في أي مكان. فهذه تدريبات أجراها كثيرًا في مركز الطيران بالمقر السري … نظر إلى «عثمان» ثم قال: ألا يجب أن نقدم مساعدتنا للكابتن؟

ردَّ «عثمان» بسرعة: نعم، لماذا لم نفعل ذلك منذ البداية؟!

ابتسم «أحمد» وقال: يجب أن نتصرف بهدوء حتى لا يحدث ارتباك بين طاقم الطائرة!

وبعد قليل، غادر مكانه إلى كابينة القيادة. وعندما تجاوز الحاجز، بين أماكن الركاب وكابينة القيادة، رأى عددًا من المضيفات كُنَّ صامتاتٍ تمامًا وكأنهن يصلين. كان يبدو عليهن الاستسلام الكامل. نظر إلى كُبراهن وقال: هل أستطيع أن أتحدث إلى الكابتن؟

نظرت له المضيفة لحظة، ثم قالت: هل هناك شيءٌ هام؟

ردَّ «أحمد»: أعتقد أنه يهمنا جميعًا. فنحن — سواء الركاب، أو طاقم الطائرة — في سلة واحدة!

ابتسمت المضيفة، ثم سألت: هل هناك شيء محدد؟

قال: نعم.

قالت: هل أستطيع أن أنقله إليه؟

قال: لا أظن. هو شخصيًّا الذي يجب أن يسمعني!

نظرت ﻟ «أحمد» لحظة، ثم قالت: انتظر لحظة!

ثم مشتْ خطوات واختفت داخل كابينة القيادة. مرت أربع دقائق، ثم ظهر الكابتن في باب الكابينة، كان يرسم ابتسامة هادئة على وجهه، كان طويل القامة، مفتول العضلات، وسيم الملامح. اقترب من «أحمد» مباشرة، وهو يقول: إنني تحت أمرك!

ابتسم «أحمد» وقال: جئت أُقدِّم معونتي!

ابتسم الكابتن ابتسامة عريضة تمامًا، ثم قال: في ماذا؟

قال «أحمد»: إننا نتعرض جميعًا لخطر واحد.

قال الكابتن: هذه مسألة شائكة، فنحن لسنا على الأرض!

أجاب «أحمد»: أعتقد أنني أعرف ذلك.

مرت لحظة، ثم قال: أمامنا الآن نصف ساعة حتى نصل إلى مطار «سوبرون»!

علت الدهشة وجه الكابتن، ثم قال: هذا صحيح، ولكن … ماذا يمكن أن تفعل؟

ابتسم «أحمد» وقال: سوف تكون الإجابة سهلة تمامًا، عندما تكون في كابينة القيادة!

فجأةً، خرج أحد الطيارين، وعلى وجهه علامات الفزع، وهو يحاول أن يكتم انفعاله. تردَّد قبل أن يقول: سيدي الكابتن. لقد تعطَّل أحد محركي الطائرة!

كانت مفاجأة جعلت الكابتن يكاد أن يتجمد. وبسرعة قال «أحمد»: أعتقد أنني أستطيع أن أفعل شيئًا. كاد الكابتن أن يصرخ في وجه «أحمد» الذي أسرع يقول: إنني لا أمزح، فالوقت لا يسمح بذلك.

كانت الحركة العادية للطائرة قد اختلفت، فانصرف الكابتن إلى كابينة القيادة. ولم ينتظر «أحمد»، فتبعه إليها. وعندما دخل الكابينة، كان «أحمد» يخطو هو الآخر داخلها. ثم قال قبل أن يحدث أي شيء: سيدي الكابتن. أرجو أن تعطيَني فرصةَ التصرُّف، إن هناك ثلاثة محركات أخرى تعمل، وواضح من تابلوه الطائرة أنها تعمل بكفاءة …

نظر له الطيارون جميعًا، والكابتن أيضًا الذي قال فيما يشبه الحيرة: ماذا تريد يا عزيزي؟ نحن لا نمزح، نحن في خطر!

ابتسم «أحمد» وقال: لا أظن!

قال الكابتن: هذه كارثة فعلًا. فالجو رديء، وأحد المحركات قد تعطَّل. ماذا تريد؟

وقبل أن ينطق «أحمد» بكلمة، قال الكابتن في هذه المرة: أرجو أن تخرج بهدوء، قبل أن أستدعيَ أمنَ الطائرة!

ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا بأس … إنني فقط عرضت خدماتي. والآن … أعتذر!

ثم غادر غرفة القيادة. فجأةً ارتجَّت الطائرة بعنف، وبدأت الصيحات تعلو. ورغم أن صوت كابتن الطائرة هو الذي خاطب الركاب هذه المرة، يحاول أن يُطمْئنَهم، إلا أن «أحمد» لم تَعْنِه النبرة الخائفة في صوته … فكر «أحمد» بسرعة: هل يمكن أن يظلَّ هكذا هو وركاب الطائرة. والطائرةُ نفسها، وطاقمها، عرضةٌ لهذا الخطر المستمر؟ تذكَّر في لحظة سريعة د. «مازني» وقال في نفسه لو أنه معنا وتعرَّض لهذا الموقف فإن الأزمة القلبية كانت كفيلةً بأن تقضيَ عليه.

كان الشياطين قد اقتربوا من «أحمد»، فسأل «رشيد»: ماذا حدث؟

ردَّ «أحمد»: رفض الكابتن أن أساعده!

فجأةً مرة أخرى، ارتجَّت الطائرة. كان يبدو أن العاصفة بالخارج قد ازدادت سوءًا، وأن الطائرة تتعرض للمخاطر الآن، خصوصًا وأن أحد محركاتها قد تعطَّل.

سأل «قيس»: هل الموقف خطير … إنني أعتقد أنهم يتعرضون لمثل هذه الحالات كثيرًا!

نقل «أحمد» إليهم الموقفَ كاملًا، فظهر الاهتمام على وجوههم، وعندما انتهى من كلامه، قال «رشيد»: ينبغي أن نتدخل. إن أي خطأ يمكن أن يقضيَ على الجميع، وقد لا يهمنا الأمر كثيرًا. إلا أن المهمة التي نحن في الطريق إليها تهم منطقتنا كلها!

سأل «أحمد»: ماذا تعني بقولك يجب أن نتدخل؟

ارتجَّت الطائرة من جديد، وارتفع الصراخ أكثر، وبدأ البكاء يعلو، فقال «رشيد»: نتدخل بالقوة!

التقت أعين الشياطين، وقال «قيس»: ماذا تعني؟

ردَّ «رشيد»: أن نكون المسئولين عن الطائرة، ولو بالقوة المسلحة!

قال «أحمد»: إن ذلك سوف يفزع الركاب أكثر، وهذه مسألة خطرة!

ردَّ «رشيد»: لا بأس أن يكون ذلك عند غرفة القيادة.

جرى حوار سريع بين الشياطين، اتفقوا في النهاية على تنفيذ الخطة التي قرروها. وبسرعة، تقدَّموا من الكابينة ووقف «أحمد» في المقدمة. أزاح الستار الفاصل بين أماكن الركاب، وبين طاقم الطائرة. كان قد أخرج مسدسه، ومثله فعل الشياطين وقال بصوت حازم: ينبغي أن تكون الطائرة مسئوليتنا الآن!

ولم تكن الإجابة سوى هزة عنيفة أوقعت بعض طاقم الطائرة، ونظر الكابتن بسرعة إليهم، فرأى المسدسات في وجهه، قال بلهجة حاول أن تكون ودية: بحق الله، ماذا تريد؟

قال «أحمد» بحزم: أريد أن أنقذَ الموقف الخطير الذي نحن فيه!

قال الكابتن: هذه ليست تسلية!

صرخ فيه «رشيد»: اخضع للأمر، وإلا فإنك ستفقد حياتك!

ولم يكن أمام الكابتن إلا أن يترك مكان القيادة ﻟ «أحمد» الذي نظر إلى الشياطين قائلًا: ينبغي أن يجلس الركاب بطريقة منظمة، وألا يتكتَّلوا في مكان واحد، حتى لا تفقد الطائرة توازنها.

انصرف «رشيد» و«عثمان»، وبقيَ «قيس» في حراسة طاقم الطائرة. كان الكابتن مأخوذًا لهذا الأمر الذي أصدره … وتعلَّقت عيناه ﺑ «أحمد» وهو يبدأ في ممارسة مسئوليته الخطيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤