مغامرة في مهب الريح

لقد كان الموقف صعبًا فعلًا، سواء في الوقت الذي يمرُّ، أو في حالة الطائرة … إلا أن ذلك لم يُفقِد الشياطين الأمل. كان «أحمد» قد جلس إلى مقعد القيادة، وبدأ يتعامل مع الموقف، في الوقت الذي كان طاقم الطائرة يراقبه، وهو يهبط بالطائرة، درجة درجة، في ثقة كاملة. مدَّ يده وفتح خط الحديث مع مطار «سوبرون».

قال «أحمد»: هنا طائرة الركاب القادمة إلى «سوبرون»، والتي لم تستطع أن تهبط في «بودابست». ما الموقف الآن؟

جاء صوت مراقبة المطار يقول: إنَّ الجو رديء، لكن المطار يسمح بالهبوط. ما هو الموقف عندكم؟

ردَّ «أحمد»: لقد تعطَّل المحرك رقم ٣، ونحن نطير بثلاثة محركات فقط. لكن الموقف ليس رديئًا!

قال مراقب المطار: مَن الذي يتحدث؟

نظر «أحمد» بسرعة إلى الكابتن، فأدرك ماذا يريد. أسرع الكابتن يردُّ: كابتن «كرون» هو الذي يتحدث!

قال مراقب المطار: سوف تهبط في الممر رقم ٦، حتى تكون بعيدًا عن المبنى. فهناك طائرات أخرى اضطرت للهبوط عندنا. سوف يكون كل شيء في انتظاركم. أعتقد أن المسألة ليست خطيرة.

ردَّ «أحمد»: نشكرك.

ظلَّ خط الاتصال مع برج مراقبة مطار «سوبرون» مفتوحًا. وكانت التعليمات مستمرة. نظر «أحمد» إلى عداد المسافة فعرف أنه بعد ربع ساعة، سوف يكون فوق مدينة «سوبرون». بدأ يهبط بالطائرة أكثر، حتى يكون مستعدًّا للنزول في المطار، وعندما لمعت أضواء المطار، قال الكابتن: هل تسمح لي الآن؟

لم ينظر له «أحمد» في نفس الوقت الذي قال فيه «قيس» ومسدسه في يده: ينبغي أن تلزم الهدوء!

همس الكابتن: إننا مقبلون على اللحظة الحرجة!

كان الفزع يُغطِّي وجه الكابتن. في حين لزم باقي طاقم الطائرة الصمت، واستغرق أحدهم في صلاة هامسة.

ابتسم «قيس» وقال: يا سيدي، نحن لا نعرف اللحظات الحرجة!

ظهرت الدهشة على وجه الكابتن، وهمس: ماذا تعني؟

ردَّ «قيس» بنفس ابتسامته: أعني ما قلته، وينبغي أن تهدأ الآن وراقب الزميل، فهو يحمل أعلى شهادات الطيران!

مرة أخرى، ظهرت الدهشة على وجه الكابتن، ولزم الصمت. كانت أضواء المطار تقترب أكثر فأكثر، وجاء صوت مراقب المطار يقول: أنت الآن، في وضع جيد. يمكنك الاتجاه إلى الممر رقم ٦، والله معك!

ردَّ «أحمد»: أشكرك، وأعتقد أننا سوف ننزل في سلام!

دار «أحمد» دورة كاملة حول المطار، حتى إذا ظهرت إشارات الضابط الأرضي، بدأ ينفذ تعليماته. أنزل عجلات الطائرة، لكن الإشارات في تابلوه الطائرة سجَّلت شيئًا مثيرًا. إن إحدى العجلات لم تنزل. صاح الكابتن: هذه كارثة محققة!

قال «أحمد» يخاطب برج المراقبة: إن إحدى العجلات تعطَّلت!

جاءه رد برج المراقبة: ماذا سوف تفعل الآن؟

أجاب «أحمد»: سوف أنتهي من إنفاد الوقود، حتى لا نتعرض لكارثة فعلًا.

مرة أخرى أخذ يدور حول المطار. في الوقت الذي لاحظ فيه الاستعدادات؛ سيارة حريق، وسيارة إسعاف، وعشرات من رجال المطار. قال في نفسه: هي فعلًا كارثة. لكن أرجو أن يوفِّقني الله في الهبوط بسلام.

نظر إلى مؤشر الوقود وكان يتجه إلى النقطة صفر … أبطأ الطائرة أكثر، ثم أخذ اتجاه الممر المحدد وهو رقم ٦، ثم مال بالطائرة بزاوية تسمح لها بالاعتماد على عجلتين فقط؛ الأمامية، والخلفية، وبهدوء لامس أرض المطار المبتلة بماء المطر … كان طاقم الطائرة كله مشدودًا في هذه اللحظة، وعيونه على «أحمد» وقد ركز انتباهه تمامًا. ظل يحكم الطائرة وهي تنزلق فوق الممر بسرعة، لكنه قلل سرعتها حتى توقَّفت.

أخيرًا عند نهاية الممر. فجأةً قفز الكابتن، يحتضن «أحمد» وهو يقول: أنت طيار بارع!

ابتسم «أحمد»، ووقف مغادرًا المقعد، فالتفَّ حوله الطيارون يهنئونه، وابتسم «قيس» يقول: لقد كنت رائعًا!

ثم شدَّ على يده، خرج «أحمد» إلى حيث كان الركاب لا يزالون في أماكنهم، وكأنهم لا يصدقون ما حدث، في نفس الوقت الذي كانت فيه بعض النسوة يبكين من الفرح. أما «عثمان» و«رشيد» فإنهما رفعا أيديهما بعلامة النصر. وفي دقائق، كان الشياطين يغادرون الطائرة تحت عاصفة المطر، وهمس «أحمد»: يبدو أن المغامرة لن تتم. وأظن أن د. «مازني» لن يجازف بالسفر مع ولديه في هذا الجو العاصف!

ردَّ «عثمان»: مَن يدري، قد يتحسن الجو حتى الغد!

كانت الطائرة تقف عند طرف المطار؛ ولذلك فقد كان عليهم أن يستقلُّوا إحدى سيارات المطار إلى بوابته.

كان عدد كبير من رجال المطار يلتفُّون حول الطائرة. في الوقت الذي أقبل فيه عدد من المهندسين، يعاينون الطائرة لكي يروا الأعطال التي حدثت لها، والتي لولا براعة «أحمد» لكانت كارثة حقيقية قد وقعت …

قطع الشياطين صالة المطار بسرعة. وفي خارجه كان الثلج قد بدأ يتساقط. كان الليل قد هبط منذ حوالي ساعة، وانعكاس الضوء فوق أرض الشارع يعطي انطباعًا جميلًا. وهناك، قريبًا من بوابة المطار، كانت سيارة في انتظارهم. ركبوا بسرعة … فأخذتهم إلى أكبر فنادق المدينة، واسمه فندق «الحرية» عندما ضمتهم حجرة «أحمد» …

قال «رشيد»: لماذا لا يقوم أحدنا بزيارة د. «مازني» وثَنْيِه عن السفر غدًا!

ردَّ «قيس»: لا أظن أننا سوف نفعل ذلك؛ فمن المؤكد أن بيت د. «مازني» مراقَبٌ تمامًا، وربما تحت التسجيل والتصوير!

قال «عثمان»: ولماذا لا تكون تجربة؟ إن هذا الجو يُتعب د. «مازني» بجانب أنه سوف يجعل من المشكلة مشكلتين!

نظروا إلى «أحمد» الذي قال: ربما لو تحدثنا إليه تليفونيًّا، يكون أفضل. وإن كنت أظن أن تليفونه مراقب أيضًا …

قال «قيس»: أعتقد أن علينا أن ننتظر حتى الغد … إن الجو هو الذي سيحدد موقفنا تمامًا.

سكت لحظةً ثم أضاف: إذا كانت معرفتنا لموقف د. «مازني» ضرورية، فعميل رقم «صفر» هنا يستطيع أن يقوم بالمهمة.

قال «أحمد»: هذه فكرة صائبة.

وبسرعة. رفع سماعة التليفون، وأدار القرص، فجاء صوت العميل يقول: لقد كنت أنتظر هذه المكالمة أمام هذا الجو العاصف.

ثم قال بسرعة: مرحبًا بكم هنا …

قال «أحمد»: نشكرك. هل هناك أنباء جديدة؟

رد العميل: لا …

سأل «أحمد»: هل يمكن الاتصال بدكتور «مازني» لمعرفة خطته في السفر، إن كان سيسافر أو أنه سوف يؤجِّل الرحلة؟

مرت لحظة صمت، ثم قال العميل: هذه فكرة طيبة. سوف أتصل بكم بعد ربع ساعة!

وضع «أحمد» السماعة، بينما نزع «قيس» جهازًا، يجعل صوت الطرف الآخر مسموعًا للجميع، وقال «رشيد»: نرجو ألا يفاجئنا بقرار غريب!

تساءل «عثمان»: ماذا تعني؟

ردَّ «رشيد» وهو يبتسم: أن يقرر السفر الليلة!

ابتسم الشياطين، وقال «أحمد»: هذه دعابة بالتأكيد. إنني أظن أنه سوف يؤجل الرحلة نهائيًّا، حتى يعتدل الجو!

أخذوا يناقشون الموقف من جميع زواياه. وفجأةً دقَّ جرس التليفون. وعندما رفع «أحمد» السماعة، كان «عثمان» قد ثبَّت جهاز الاستماع في جانب التليفون، جاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: حسب المعلومات التي حصلت عليها، فإن د. «مازني» لا يزال على نفس قراره، حتى لو كانت العاصفة أكثر قوة. فهو مرتبط ببرنامج عملٍ مع مجموعة عمل. لا بد أن يبدأ في موعده.

ردَّ «أحمد»: إذن فخطتنا كما هي.

قال العميل: بالتأكيد.

ثم أضاف بعد لحظة: يمكن أن أنقُل إليكم جانبًا من حياة الدكتور هذه الليلة في منزله!

ظهرت الدهشة على الشياطين، وقال «أحمد»: سوف يكون ذلك عملًا مدهشًا يا صديقي!

قال العميل وفي صوته بسمة خفيفة: هل تكفيكم ساعة؟

ثم قال بسرعة: إن عندكم جهاز فيديو في الغرفة، وسوف أرسل لكم شريطًا عن الساعة القادمة في بيت الدكتور!

ثم وضع السماعة. فجأةً، انفجر الشياطين في الضحك، وقال «رشيد»: هذا شيء رائع؛ سوف نكون مع الدكتور في بيته بعد ربع ساعة.

انقضت الساعة في أحاديثَ متفرقة. فهم لا يستطيعون الحديث في المغامرة. فاحتمالاتها قد تتغير في أي لحظة. وعندما انقضت الساعة، دقَّ جرس التليفون من جديد. وجاء صوت العميل يقول: الشريط في الطريق إليكم.

ولم تمضِ عشر دقائق حتى كانت طرقة خفيفة تدق الباب، فأسرع «عثمان» إليه، وعندما فتحه، امتدت يد بشريط فيديو، دون أن يسمع «عثمان» أية كلمة. أخذ الشريط، ثم ابتسم وأغلق الباب، وبسرعة، كان يضع الشريط في جهاز الفيديو، وجلس الشياطين أمامه يشاهدون ما فيه، ويعيشون ساعة في بيت د. «مازني» …

كان الشريط يبدأ باستعراض للصالة التي يجلس فيها د. «مازني» ووالدته، و«جون» ابنه، وابنته «جان ماري» … كانوا يجلسون أمام مدفأة. كان د. «مازني» يقترب سنُّه من الخامسة والستين. وكانت والدته عجوزًا جدًّا، حتى إن «رشيد» قال: إن السيدة يبدو أنها قد تجاوزت الثمانين. مع ذلك، فصحتها جيدة.

قطع كلامَه صوتُ الجَدَّة تقول: «مازني»، ينبغي أن تؤجل سفرك. إن العاصفة شديدة، ومَن يدري، قد تزداد في الطريق …

ابتسم «جون» وهو ينظر لوالده وقال: إنها ستكون مغامرة جيدة يا جَدَّتي، ثم إن سيارتنا لا تتعطل أبدًا، وفيها كل الأجهزة الضرورية لمثل هذا الجو.

سكت لحظة، وقد نظرت له جَدَّته، فابتسم قائلًا: ينبغي أن تفكري في القيام بالرحلة معنا؟!

ابتسم د. «مازني» وقال: إن العمل يا أماه لا ينتظر أحدًا. هذه مسألة هامة جدًّا!

هزَّت رأسها، وقد اكتسى وجهها بالحزن، فابتسم د. «مازني» وقال: لا بأس، نؤجل ذلك للغد، ومَن يدري ماذا سيحدث …

أسرع «عثمان» يوقف الشريط. وقال: هذا يعني أن الرحلة قد لا تتم … والمغامرة أيضًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤