تمهيد

لقد أصبح من الآراء العامة المؤسفة الشائعة بين أبناء الجيل الذي أعقب الحرب العالمية، أن الإنسان لم يتورع يومًا ما عن استعمال قوته الآلية المتزايدة من الفتك بأبناء جنسه، وقد برهنت الحرب العالمية على إمكان وصول قدرة الإنسان الميكانيكية الهائلة على القيام بأعمال التخريب إلى حد مروع، فليست هناك إذن إلا قوة واحدة في استطاعتها أن تقف في وجه هذا التدمير: هي الضمير الإنساني. وهو شيء اعتاد نشء الجيل الحديث أن يعده مجموعة محددة من الوساوس البالية؛ إذ كل فرد يعلم أن قوة الإنسان الآلية المدهشة ليست إلا نتاج تطور طويل، ولكن لسنا كلنا ندرك أن هذه الحقيقة نفسها تنطبق كذلك على القوة الاجتماعية التي نُسميها الضمير، مع التسليم بفارق واحد هام بينهما وهو: أن الإنسان بصفته أقدم المخلوقات صنعًا للآلات، كان مجدًّا في صنع أسلحة فتاكة منذ نحو مليون سنة، في حين أن الضمير لم يبرز في شكل قوة اجتماعية إلا منذ مدة لا تزيد على خمسة آلاف سنة؛ أي إن أحد التطورين قد سبق الآخر بشوط بعيد؛ فأحدهما عتيق، والآخر وليد عهد قريب لا يزال أمامه ممكنات لا حصر لها. أليس في مقدورنا أن نعمل بجد لإنماء هذا الضمير الحديث الميلاد حتى يصير مظهرًا من مظاهر حسن النية، ويصبح من القوة بحيث يخمد أنفاس القوة الوحشية الباقية في نفوسنا؟ إن القيام بهذا الواجب يكون بالطبع أقل صعوبة بكثير مما عاناه أجدادنا المتوحشون في هذا المضمار؛ لأنهم خلقوا ضميرًا في عالم لم يكن فيه أول الأمر أي شعور بالضمير.

إن أعظم ظاهرة أساسية في تقدم حياة الإنسان هو نشوء المبادئ الخلقية وظهور عنصر «الأخلاق»، وهو تحول في حياة الإنسان، يدلنا التاريخ على أنه وليد الأمس فقط، وقد يكون من الخير أن نعيد الإشادة بتلك القيم القديمة التي أصبحت في زوايا الإهمال لاستخفافنا بها، وبخاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الجيل الحديث ينبذ الأخلاق الموروثة ظهريًّا. ولكي نتمثل صورة حقة لقيمة الأخلاق الفاضلة وتأثيرها في الحياة الإنسانية يجب أن نجتهد في الكشف عن الطريقة التي وصل بها الإنسان للمرة الأولى إلى إدراك الأخلاق وتقدير قيمتها.

فحينما نلقي بنظرنا إلى الوراء في بداية وجود بني البشر ينكشف لنا في الحال أن الإنسان قد بدأ حياته متوحشًا مجردًا من الأخلاق، فكيف أصبح في وقت ما صاحِب وازع خلقي؟ وكيف خضع في النهاية للوازع الخلقي عندما أحس به وتلقى وحيه؟ وكيف ينهض عالم خالٍ من أي تصور للأخلاق إلى التمسك بالمُثُل الاجتماعية، ويتعلم أن يستمع باحترام إلى الأصوات الباطنة المنبعثة من قرارة نفسه؟ وكيف أنه رغم الفوائد الظاهرة الملموسة التي تفيدها الفتوح المادية ظهر الجيل الأول من الناس مدركين القيم الباطنة التي لا تُرى؟ ولماذا لا يكون من واجب شباب اليوم رجالًا ونساءً أن ينبذوا المبادئ الأخلاقية الموروثة عن الماضي باعتبارها مبادئ؛ تلك المبادئ التي لا نعرف أي شيء عن أصلها؟

فالوثائق القديمة التي تمدنا بالجواب على هذه الأسئلة، وتكشف لنا عن أصول مُثُلنا الوراثية، قد عرضناها في هذا الكتاب مترجمة ومصحوبة بتعليقات وشروح تجعلها سهلة الفهم، إلى حدٍّ لا بأس به. والواقع أن هذه الوثائق تكشف لنا عن فجر الضمير ونشوء أقدم مثل للسلوك، وما نتج عن ذلك من ظهور عصر الأخلاق، وهو تطور لا تنحصر أهميته في كونه خلابًا لمن يتتبعه خطوة فخطوة، بل لأنه يعد فضلًا عن ذلك رؤيا جديدة للأمل في مثل زماننا هذا. وبعض هذه المصادر القديمة عبارة عن قصص شرقية مشوقة قد تجعل القارئ يتنقل في أرجائها براحة وبهجة وغبطة، وبعضها الآخر مصادر لا يمكن تناولها ولا هضمها بسهولة، فإذا كان القارئ الناشئ الذي وُضع هذا الكتاب من أجله خاصة يجد نفسه متعثرًا في سيره في تفهُّم هذه الأصول الأخيرة، ويجنح إلى التخلي عن متابعتها، فإني أقترح عليه أن يقرأ على الأقل الخاتمة التي قُصد بها أن تضع التقدم الإنساني المدهش من حالة الوحشية إلى عصر الأخلاق — كما يظهر في هذا الكتاب — في موضعه الصحيح، وعلى أساسه التاريخي المناسب.

لقد حفظتُ في طفولتي مثل إخواني من الصبية «الوصايا العشر»، وعُلِّمت أن أحترمها؛ لأنه أُكِّد لي أنها أُنزلت من السماوات على «موسى»، وأن اتباعها كان من أجل ذلك لزامًا عليَّ، وإني أذكر أنني كلما كذبت كنت أجد لنفسي سلوة في أنه لا توجد وصية تقول: «يجب عليك ألا تكذب»، وإن الوصايا العشر لا تُحرم الكذب إلا في شهادة الزور فقط؛ أي عندما يؤدي الإنسان شهادة أمام المحاكم يمكن أن تضر بجاره. ولما اشتد ساعدي بدأت أشعر في نفسي بشيء من القلق، وأخذت أحس بأن قانون الأخلاق الذي لا يُحرم الكذب هو قانون ناقص، وبقيتْ هذه الفكرة تجول بخلدي زمنًا طويلًا قبل أن أضع لنفسي السؤال الهام التالي: كيف ظهر في نفسي الشعور بهذا النقص؟ ومن أين حصلت بنفسي على المقياس الخلقي الذي كشفتُ به عن هذا النقص في الوصايا العشر؟ ولقد كان يومًا أسود على احترامي الموروث للعقيدة الدينية القائلة «بنزول الوحي» حينما بدأتْ عندي تلك التجربة النفسية، بل قد ظهرت أمامي تجارب أشد إقلاقًا لنفسي؛ وذلك عندما كشفتُ وأنا مستشرق مبتدئ أن المصريين كان لهم مقياس خلقي أسمى بكثير من الوصايا العشر، وأن هذا المقياس ظهر قبل أن تُكتب تلك الوصايا بألف سنة.

على أن أمثال هذه التجارب الشخصية قد أصبحت الآن في مخيلتي من الذكريات الضعيفة كلما التفت إلى الوراء ناظرًا إليها بعد أن قضيت أكثر من أربعين عامًا في البحث محاولًا تحديد الأدلة التي وصلت إلينا بين الآثار القديمة الشرقية عن هذه المسألة الأساسية الخاصة بأصل الأخلاق. وعندما تقدمت في هذه البحوث، ازداد اقتناعي بأن نتائج تلك البحوث ستصبح سهلة التناول لأي قارئ عادي، وأن الجيل الحالي من الشباب الذين قد يشغل بالهم بمثل تلك المسائل الأساسية كما حدث لي، يجب أن يكون في متناولهم وسيلة للتثبت من هذه الحقائق.

ولقد وضعت من وقت لآخر موجزات تاريخية عن ارتقاء حياة الإنسان المبكرة قبل ظهور أوروبا المتحضرة، وبخاصة عن الحقائق التي استقيتها من الآثار المصرية، ففي عام ١٩١٢ وضعت بعض هذه النتائج في صورة كتاب تاريخ للمدارس الأمريكية، ثم قدمت في نفس العام بحثًا أنضج من سابقه عن التطور الأخلاقي والديني عند الإنسان القديم، إلى طلاب اتحاد المعهد الديني في محاضرات «مورس» Morse Lectures ثم إلى طلبة جامعة كورنل Cornell university في أبحاث تحضيرية عُرفت بمحاضرات «مسنجر» Messenger Lectures تحت رعاية مؤسسة جديدة خصصت للبحث في «التطور» أسسها الدكتور «مسنجر». من هاتين السلسلتين من المحاضرات طبعت «محاضرات مورس» في ذلك الوقت.
وأخيرًا أخذ المؤلف على عاتقه في كلية برين نور  Bryn Nawr College في سلسلة دروس تمهيدية تحت رعاية مؤسسة محاضرات ماري فلكستر الجديدة بأن يقدم صورة أوسع من الصور السابقة عن الموضوع كله، غير أنها لم تطبع قط مثلها في ذلك مثل محاضرات «مسنجر» في «كورنل». ويجد القارئ في هذا الكتاب بعض النتائج الأساسية المستخلصة من تلك المحاضرات وبعض متون محاضرات «مورس» نفسها بدون نص على الاقتباس. وإني مدين هنا بالشكر دينًا عظيمًا للدكتور إديث ويليمز وير  Edith Williams Ware لما قام به من المساعدة في ترتيب تلك المواد القديمة، وفي وضع التصميم الإيضاحي، وفي تحضير الفهرس وقراءة تجارب الطبع وغير ذلك.

وقد سجل المؤلف اعتقاده من زمن يرجع إلى عام ١٩١٢ في محاضرات «مورس» أن مجموعة من ورق البردي المصري ألفت في العهد الإقطاعي حوالي ٢٠٠٠ق.م، تدل محتوياتها على أنها أكثر من إنتاج أدبي مزخرف الألفاظ، مخالفًا في ذلك الفكرة التي كانت سائدة عن تلك الأوراق عند جمهرة علماء الآثار حتى ذلك الوقت. ويرى المؤلف أن هذه المقالات تحوي في ثناياها آراء اجتماعية تعتبر أقدم بحوث معروفة في الاجتماع كتبها مؤلفوها الأقدمون لتكون حملة دعاية لأول جهاد مقدس في سبيل العدالة الاجتماعية؛ ولذلك يُعَد مؤلفوها أول المصلحين الاجتماعيين. وقد قضى المؤلف أكثر من عشرين عامًا في تأمل هذه الوثائق، فلم يزده ذلك إلا تثبتًا من صدق رأيه، وأن قبول هذا التفسير الاجتماعي للمصادر المذكورة إنما هو بالنسبة لنظرية تطور المدنية المصرية مثل العمل الذي قام به منذ عهد بعيد النقاد المؤرخون المستنيرون الذين يُطلَق عليهم نقاد دار الكتاب المقدس في سبيل تطور الحضارة العبرانية، مع فارق واحد هو أنه في خدمة قضية تطور الحضارة العبرانية كان النقد التاريخي يسير ببطء نحو فهم وقبول هذه التصوير والتفسير الاجتماعيين.

ولقد كان الحال كذلك في تصوير المؤلف للتطور الاجتماعي في الديانة والمبادئ الأخلاقية بمصر القديمة، وبخاصة ما كان أساسه أوراق بردي العهد الإقطاعي السالفة الذكر. وعلى كل حال فإن تفسير المؤلف لما تقدم قد وجد صدرًا رحبًا في فرنسا؛ إذ قُبِل هذا التفسير واستعمله صديقه المأسوف عليه «جورج بنديت» أمين متحف اللوفر وعضو معهد فرنسا، وكذلك سار على نهجه وأتقن التعقيب عليه «إسكندر موريه» خلف «مسبرو» في كلية فرنسا وخلف «بنديت» في معهد فرنسا. ومما لا يتطرق إليه الشك أن هذا التفسير الاجتماعي للمصادر المصرية وتصوير الديانة المصرية تصويرًا اجتماعيًّا بجعلها أقدم مصدر عُرف حتى الآن عن تطور الأخلاق والمثل الاجتماعية، سينال ذلك القبول العام الذي ناله نظيره في تفسير التاريخ العبري.

ومنذ إلقاء المحاضرات التي نوَّهنا عنها فيما سلف كُشف عن وثائق أثرية جديدة (وخاصة في مصر) لم تزد فقط في معلوماتنا زيادة ملموسة، بل إنها أثبتت لنا كذلك أهمية أوراق البردي الاجتماعية التي ترجع إلى العهد الإقطاعي. وقد كان أعظم كشف جاوز حد المألوف في هذه الناحية هو أننا عرفنا أن حكمة «أمينموبي» التي حُفظت لنا في ورقة مصرية بالمتحف البريطاني، قد تُرجمت إلى العبرية في الأزمان الغابرة، وأنه بذيوعها في فلسطين صارت مصدرًا استقى منه جزء بأكمله من كتاب الأمثال في التوراة.

فكم من قسٍّ حديث طُلب إليه أن يعظ جماعة من رجال الأعمال قد قوَّى موعظته باقتباسه العبارة التالية من كتاب الأمثال: «هل ترى رجلًا جادًّا في التجارة، إنه سيحظى بالمثول أمام الملوك؟» على أنه ليس من المحتمل أن أي قسٍّ من هؤلاء قد مهَّد لعظته بملاحظة تدل على أن ما اقتبسه قد نقله ناشر الأمثال العبرية عن كتاب مصري في الحكمة الخلقية أقدم من التوراة بكثير. لقد أضاف هذا الكشف أهمية بعيدة المدى إلى الحقيقة القائلة بأن التقدم الحضاري في الممالك التي تحيط بفلسطين كان أقدم بعدة آلاف من السنين من التقدم العبري، ولقد أصبح الآن من الواضح الجلي أن التقدم الاجتماعي والخلقي الناضج الذي أحرزه البشر في وادي النيل الذي يعد أقدم من التقدم العبري بثلاثة آلاف سنة، قد ساهم مساهمة فعلية في تكوين الأدب العبري الذي نسميه نحن «التوارة». وعلى ذلك فإن إرثنا الخلقي مشتق من ماضٍ إنساني واسع المدى أقدم بدرجة عظيمة من ماضي العبرانيين، وأن هذا الإرث لم ينحدر إلينا من العبرانيين، بل جاء عن طريقهم. والواقع أن نهوض الإنسان إلى المُثُل الاجتماعية قد حدث قبل أن يبدأ ما يسميه رجال اللاهوت بعصر الوحي بزمن طويل، وأن هذا النهوض نتيجة للخبرة الاجتماعية التي مارسها الإنسان نفسه، ولم يزج إلى هذا العالم من الخارج.

إن الحقيقة القائلة بأن أفكار الإنسان الأول الخلقية أتت نتيجة لخبرته الاجتماعية الشخصية تعد من أعمق المعاني لرجال الفكر في عصرنا؛ فالإنسان قد نهض إلى مرئيات الأخلاق من وحشية عصر ما قبل التاريخ على أساس تجاربه الشخصية، فإن ذلك العمل العظيم الذي أوجد على كرتنا الأرضية تلك الحياة المستمرة الرقي، سواء أكان ذلك في حياة الإنسان أم في حياة الحيوان، كان عمل انتقال من عالم يجهل الأخلاق إلى دنيا ذات قيم باطنة تسمو على المادة؛ أي إلى دنيا تشعر لأول مرة بمثل تلك القيم، ولأول مرة تحس بالأخلاق وتسعى للوصول إليها. وبهذا العمل العظيم وصل الإنسان إلى الكشف عن مملكة جديدة لم يرد مجاهلها بعدُ. على أن الكشف عنها في حد ذاته كان أصعب منالًا بالنسبة إلى ارتياد مجاهلها المقبل، ويعد هذا الكشف حادثًا قريب العهد، أما ارتياد تلك المملكة فإن الإنسان لا يزال في بدايته. فهو إذن منهاج لم يتم قطع مراحله بعدُ، ويجب أن تستمر فيه على يد كل جيل مقبل.

وعلى ذلك فإن ما نحتاج إليه نحن أبناء الجيل الحاضر أكثر من أي شيء آخر هو الثقة في الإنسان، وإني أعتقد أن قصة نهوضه تعتبر قاعدة لا مثيل لها للثقة التامة به. ويعد الكشف عن الأخلاق أسمى عمل تم على يد الإنسان من بين كل الفتوح التي جعلت نهوضه في حيز الإمكان. وقد انبثق عصر فجر الضمير والأخلاق على العالم دون أن يزج به من العالم الخارجي عن طريق منهاج خفي يُسمى الإلهام أو الوحي، بل كان منشؤه حياة الإنسان نفسه، ويرجع ذلك الانبثاق إلى مدة ألفي سنة قبل بداية عصر وحي رجال اللاهوت، فأضاء ظلمة الحيرة الاجتماعية، والكفاح الباطني في نفس الإنسان، فكان بذلك دليلًا قاطعًا على قيمة الإنسان. ومهما قيل إن نورًا سماويًّا ساقته القدرة الإلهية على فلسطين خاصة فإن ذلك لم يحرم الإنسان من التحلي بتاج فخار حياته الذي ناله على الأرض؛ وأعني بذلك التاج كشفه للأخلاق، فإنه يعد على ما نعلم أعظم كشف حدث في مجال حياة التطور البشري.

وقد حددت الآن مكانة العبرانيين في هذا التطور من الوجهة التاريخية، وسيحاول المؤلف في هذا الكتاب أن يجعل تلك المكانة أكثر وضوحًا وجلاء.

ولهذه المناسبة يهم المؤلف أن يسترعي الأنظار إلى أمر واقع؛ وهو اهتمامه طول حياته بالدراسات العبرية؛ فقد درس اللغة العبرية سنين عدة لفصول جامعية، ويوجد الآن من بين تلاميذه كثيرون ممن أصبحوا ربانيين (حاخامات)، وله من يهود الجيل الحاضر أصدقاء كثيرون من ذوي المكانة العالمية في المجتمع. لقد اعتمدنا في تدوين الآراء الخاصة بمكانة الحضارة العبرانية في التاريخ على استنباطات سليمة استنبطت من الوثائق القديمة؛ ولذلك نرى من الحكمة أن نشير هنا، وبخاصة في عصر لا يزال يوجد فيه بكل أسف شيء من التعصب ضد الجنس السامي، إلى أن هذا الكتاب قد أُلف بروح خالية من كل شعور مضاد للساميين، بل على العكس من ذلك، قد كان إعجاب المؤلف بالأدب اليهودي الذي أخذ في دراسته منذ صغره عاملًا مؤثرًا في نفسه لدرجة أن حكمه عليه كان دائمًا تحت تأثير عامل المحبة دون أي عامل آخر.

إن في تاريخ الحضارة العبرانية القديمة دليلًا ساطعًا على تقدم الحياة البشرية، وعلى رقي الإنسان نحو مرئيات جديدة من الأخلاق والمثل العليا الاجتماعية، وعلينا الآن أن نتعرف منهاج التطور البشري في مداه الواسع الذي يسمو على الفواصل الجنسية — ذلك المنهاج الذي احتل فيه اليهود مكانة وسطى — وأن ندرك الأهمية العظمى للحقيقة التاريخية الثابتة؛ وهي أن الإنسان قد سما إلى تصور خلقي عالٍ قبل أن تظهر الأمة العبرانية في عالم الوجود بألفي سنة.

جيمس هنري برستد
جبل يورو همستد نيومكسيكو
٢٧ يونيو سنة ١٩٣٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤