طراز من الفردية جديد

لو أن كل تغيُّر يطرأ على الحياة الإنسانية، يستتبع في ذيله فورًا نمطًا جديدًا من الفكر، يساير ذلك التغيُّر الظاهر على وجه الحياة، لما وقع الإنسان فيما يقع فيه دائمًا إبَّان مراحل الانتقال الكبرى، من تَعارُض بين حياته الخارجية البادية أمام أعيُن الناس، وحياته الداخلية التي يعيشها مع نفسه كلما فكر أو شعر، لكن أنماط الفكر الجديد قلما تُساير تغيُّرات الحياة المادية الظاهرة، برغم العلاقة الوثيقة بين الفكر من ناحية وعالم الأفعال في دنيا السلوك من ناحيةٍ أخرى؛ إذ إن أنماط الفكر كثيرًا ما تتلكأ خلف تغيُّرات الحياة الفعلية، جيلًا أو جيلَين على أحسن الفروض، وقرنًا أو عدة قرون إذا ما ساءت الحال بالناس، أو لعلنا نكون أَقربَ إلى الدقة إذا نحن فرَّقنا في الأنماط الفكرية بين نوعَين؛ القوانين العلمية في جهة، والقيم والمفاهيم التي تكون عند الإنسان نظرته العامة إلى نفسه وإلى الدنيا من حوله، في جهةٍ أخرى؛ فعندئذ نقول إن ما يطرأ على حياة الناس الظاهرة من تغيُّرات — كانتقالهم من الزراعة إلى الصناعة مثلًا — لا بد أن تسبقه وتُصاحبه بحوثٌ علميةٌ هي التي يُستعان بنتائجها على ذلك التحوُّل، لكن مثل هذا الانتقال من مرحلةٍ حضاريةٍ إلى مرحلةٍ حضاريةٍ أخرى، يستلزم بالضرورة انتقالًا آخرَ في الأُسس والمبادئ، التي من خلالها ينظر الإنسان إلى العالم، والتحول في هذا المجال هو الذي نقول عنه إنه كثيرًا ما يبطئ، إلى الحد الذي يترك الناس وكأنهم يعيشون في عالمَين أو في زمانَين؛ أحدهما هو الذي ينشطون فيه بأعمالهم المختلفة، والآخر هو الذي يُقوِّمون فيه الأشياء والمواقف بقيمٍ ومبادئ تنتمي إلى عصرٍ ذهب وانقضى.

هذا الفارق الذي يفصل — في حياة الإنسان الواحد — بين قواعد حياته العملية من جهة ومبادئ حياته الخُلقية والجمالية من جهةٍ أخرى، أو إن شِئتَ عبارةً أخرى، فقل إنه الفارق الذي يفصل — في حياة الإنسان الواحد — بين نظرته العلمية ونظرته الفلسفية؛ فبالنظرة الأولى يخضع للواقع ويُخضعه، وبالنظرة الثانية يُجاوِز دنيا الواقع الماثل إلى سواها مما قد يكون الزمن قد طواه في جوفه. أقول إن هذا الفارق هو الذي يُشار إليه عندما يُوصف إنسان العصر الحاضر بالقلق والضياع، فيُقلِقه أن يرى عقله في ناحية وقلبه في ناحيةٍ أخرى، ويلقي به في متاهات الضياع ألَّا يجد بين يدَيه من القيم والمبادئ ما يؤمن به إيمانًا لا يُزعزِعه أن يراه متنافرًا مع حقائق الواقع الذي يعيش فيه راضيًا أو كارهًا.

وأمام هذَين الشطرَين؛ الحياة العلمية المتصلة بدنيا العمل والإنتاج من جهة، والحياة الوجدانية المتصلة بعالم المبادئ والقيم من جهةٍ أخرى، ليس لنا الخيار فيما نأخذ وما نترك؛ إذ لا بد لنا — إن لم يكن بحكم العقل الصِّرف، فبمقتضى شواهد التاريخ — أن نُبقي على ضرورات الحياة العلمية العملية، ثم نَقسُر الشطر الآخر — شطر المبادئ والقيم — على أن يُغيِّر من نفسه لِيُلائم الحياة الجديدة، والسعيد من الأفراد والأمم هو من جاءت معه هذه الملاءمة في أقصر أمدٍ مستطاع، حتى تزول المُعوِّقات من طريق التقدُّم الحضاري. وإنه لجديرٌ بنا في هذا الموضع من الحديث أن نُنبِّه الأذهان إلى أن «المبادئ» و«القيم» إن هي إلَّا أدواتٌ للوزن والقياس — كالأُقة والرطل والمتر والياردة بالنسبة للأشياء المادية — فلا يزُكِّيها إلا ملاءمتها للمرحلة الحضارية التي يجتازها الإنسان، مضافًا إلى ذلك ملاءمتها لأن تكون حافزًا يَحفِزه إلى المرحلة التي تليها.

ونحن اليوم في مرحلة انشطارٍ مُخيفٍ بين حاضرٍ ماثلٍ، واقعٍ، ضاغطٍ بكل ثقله على حياة العمل والإنتاج، وماضٍ مُتلكِّئٍ ببقاياه في أذهاننا، متمثلًا في مجموعة من الأفكار، هي التي تؤلف لنا وجهة النظر. إننا نعيش مع «علم» القرن العشرين «بفلسفة» تنتمي إلى قرونٍ ماضية، أخشى أن أرتد بها إلى القرن العاشر الميلادي، أو قبله بقليلٍ أو بعده بقليلٍ، هذا بالنسبة إلينا نحن العرب، وإلى القرن السادس عشر بالنسبة إلى أوروبا؛ ذلك أن أوروبا في القرن السادس عشر كانت قد اجتازت — تقريبًا — مرحلة التفكير الوسيط إلى مرحلةٍ علميةٍ تمثَّلَت في جاليليو ونيوتن من الناحية العلمية، وفي فلسفة ديكارت من الناحية الفلسفية، وها هي ذي اليوم في دور اجتياز لهذه المرحلة؛ بحيث أصبح لها من العلم الطبيعي ما جاوز علم نيوتن، ومن الفلسفة ما خرج على فلسفة ديكارت. وأمَّا نحن فحين دخلنا في عصر نهضتنا خلال السنوات المائة التي تمتد من أواخر القرن الماضي إلى أواخر هذا القرن — إذ لم يبق من هذا القرن إلا ثلثه — كانت النظرة الفلسفية التي تتحكم فينا هي نفسها التي سادت عصورنا الوسطى، بما فيها من ارتفاع وهبوط، فإذا ما هَمَّ دارسٌ منا أن ينقل المرحلة الديكارتية من التفكير الأوربي، عُدَّ مُجدِّدًا، فما بالُك بالذي ينقل ما بعد الديكارتية من نظرات وأفكار؟

إن رجال الفكر عندنا واجبهم مضاعف، إذا قيسوا إلى رجال الفكر في بلادٍ أُخرى سبقتنا إلى النهوض بثلاثة قرون على الأقل؛ فلا جدال في أن «العلم» الذي نُسايِره هو علم القرن العشرين بكل ما يقتضيه من تقنيات (تكنولوجيا) وتصنيع، لكن الذي قد يثير جدالًا، هو: ماذا تكون «الثقافة» التي نتثقف بها بحيث تتم الملاءمة بينها وبين العلم الحديث؟ بعبارةٍ أخرى: ما هي «الفلسفة» التي نُشيع بها نظرةً عامةً تتفق مع عصر الطبيعة الذرية وعصر التصنيع؟ أغلب الظن أننا مُضطرُّون إلى امتصاص المراحل الفلسفية التي سَبقَت، لتتوافر لدينا «الأرضية» التي يمكن أن نُقيم عليها النظرة الفلسفية المعاصرة للعلم الذري؛ لأننا لو اكتفينا بهذه الفلسفة الأخيرة دون مقدماتها التي تَطوَّرَت عنها، فربما جاءت مُبتسَرةً مبتورةً يَتعذَّر هضمها. وإذن فلا بد لنا من دراسة المرحلة الديكارتية التي أزالت أُسَس العصور الوسطى ومناهجها، ومن دراسة المرحلة الجديدة التي جاءت تحمل نظرةً جديدةً غير النظرة الديكارتية السابقة.

وخلاصة القول أنَّ ثَمَّةَ نظراتٍ ثلاثًا إلى العالم، انعَكسَت في ثلاث مراحلَ فلسفيةٍ تعاقَبَت على مر الزمن، أستطيع الآن أن أُجازِف بأوصافٍ تُميِّزها، فأقول إن النظرة الأولى كانت تُوجِّه اهتمامها إلى الكيف دون الكم، والنظرة الثانية كانت تُوجِّه اهتمامها إلى الكم دون الكيف، والنظرة الثالثة (وهي نظرة عصرنا الراهن) تُحاول الجمع بين الكم والكيف على نحوٍ يجعل اختلاف الكيف وليد اختلاف الكم. النظرة الأولى تتمثل في أرسطو، والثانية في ديكارت، والثالثة في فلاسفة التطور المعاصرين — ماركس، بيرجسون، هوايتهد، صموئيل ألكسندر وغيرهم — فإذا سئل أرسطو — مثلًا — ماذا يُميِّز الأنواع بعضها من بعض، ماذا يميز الإنسان من الحيوان، أو الحار من البارد، أو الذكاء من الغباء، أو اللون الأبيض من اللون الأسود، أو حكومة الفرد من حكومةٍ يشترك فيها الشعب كله، أو ما شئت من هذا القبيل، أجابك بخصائص «كيفية» خالصة، كأن يقول مثلًا إن الإنسان يتميز من الحيوان «بالنطق» والحار يتميز من البارد «بالجفاف واليبوسة» وهكذا. أما إذا سُئل أحد الديكارتيِّين مثل هذه الأسئلة، لجأ إلى «التحليل» الذي يفك كل فكرة من هذه الأفكار إلى عناصرها البسيطة، لنرى بأية «نسبة» ركبت هذه العناصر بعضها على بعض بحيث تَكوَّنَت الفكرة المُركَّبة آخر الأمر؛ فاختلاف الكيف مردود إلى زيادة النسب أو نقصها. وأمَّا فلاسفة التطوُّر المُعاصِرون، فيجعلون الخصائص الكيفية وليدة الزيادة في الكمية أو النقص فيها. لكنك إذا ما وَصَلتَ في الصعود (أو الهبوط) مرحلةً كيفيةً جديدة، فلا سبيل إلى ترجمتها إلى كميةٍ من هذا العنصر أو من ذاك؛ لأنك ستكون عندئذٍ قد انتقلت إلى مستوًى جديد.

•••

النظرتان الأولى والثانية، النظرة الأرسطية والنظرة الديكارتية على السواء، تتفقان في ثبات الخصائص التي تُميِّز الكائنات على اختلافها؛ فخصائص الكائن المُعيَّن — وهي كيفيةٌ عند القدماء، كميةٌ عند الديكارتيِّين — ثابتةٌ على طول الزمان، لا يطرأ عليها تغيُّر؛ فالإنسان هو الإنسان لا يُغيِّر من طبيعته اختلاف ظروفه. وأمَّا النظرة الثالثة — وهي نظرة العصر الحاضر — فتختلف عن الأُولَيَين في إصرارها على مبدأ التغيُّر الذي لا يدع الحقيقة الواحدة ثابتةً على صورةٍ واحدة.

والنظرات الثلاث جميعًا قائماتٌ على قياس المماثلة والتشبيه في تصوُّرها للعلم الطبيعي، فالنظرة القديمة اليونانية تقيم علمها بالطبيعة على مشابهة بين العالم الأصغر (الإنسان) والعالم الأكبر (الكون) فما يراه الإنسان في مجرى شعوره الداخلي، يخلعه على الطبيعة بأسرها، ففي الطبيعة «عقل» لأن فيه «عقلًا»، وللطبيعة غايات لأن له غايات، وهكذا، والنظرة الديكارتية — نظرة عصر النهضة الأوربية — تقيم علمها بالطبيعة على مشابهة بين صنعة الله في خلقه وصنعة الإنسان للآلات. وأما النظرة الراهنة السائدة في عصرنا، فهي تقيم علمها بالطبيعة أساس المشابهة بين الطبيعة كما يدرسها العلماء، والتغيُّرات التي تطرأ على الحياة الإنسانية كما يَدرُسها المؤرخون، أي أن للطبيعة سيرة وتاريخًا كما أن للإنسان — فردًا أو جماعة — سيرة وتاريخًا.

ولا شك أن نظرية التطوُّر البيولوجي، وشيوعها في عصرنا، واتساع مجال تطبيقِها، قد أكَّدَت هذه النظرة «التاريخية» لحقيقة العالم. ومن نتائج نظرةٍ كهذه أن نصف بالتغيير المستمر كل كائن وكل فكرة مهما تكن طبيعته أو طبيعتها؛ فلئن كان الأقدمون يقسمون الكائنات والأفكار قسمَين؛ أحدهما ثابتٌ لا يطرأ عليه التغيُّر، والآخر مُتحوِّل مُتبدِّل، بل كانوا بالإضافة إلى هذا التقسيم يجعلون الأفضلية للقسم الأول؛ لأنه وحده هو مجال البحوث العلمية — ما دام العلم يستهدف القوانين الثابتة التي لا تتأثر بظروف المكان والزمان — وأمَّا الكائنات المُتغيِّرة — ومنها المحسوسات بالبصر والسمع وغير ذلك — فلأنها لا تثبت على حالٍ واحدة؛ فليست هي بذات أهميةٍ تُذكَر بالنسبة إلى التفكير العلمي بمعناه الصحيح. أقول لئن كان القُدماء قد قسَّموا الكائنات هذا التقسيم، فإن النظرة المعاصرة تقتضي أن ندرج القسم الأول في القسم الثاني، لنجعل كل شيء مُتغيرًا مُتحولًا مُتطورًا.

نعم إن الأقدمِين — شأنهم في ذلك شأننا — كانوا يرون بحواسهم أن الأشياء متغيرة؛ فهم يتحركون بأجسادهم من مكانٍ إلى مكان، ويزرعون الأرض فيكبر الزرع وتتحول عناصر التربة إلى ثمر، ويتبخر الماء لينعقد في السماء سحابًا، ومن السحاب ينزل المطر، وهكذا وهكذا مما يدور حولهم من أحداث، لكن هذا التغيُّر البادي أمام حواسِّهم، لم يصرفهم عن البحث «وراءه» عما هو ثابتٌ ذو دوام، فإن كانت هذه «الشجرة» التي أراها، تتعرض للتغيُّر في ظواهرها، فإنني إنما أبحث عن حقيقة الشجرة الكامنة وراء تلك الظواهر، ولا بد أن أقع في نهاية البحث على «جوهر» — هكذا كانوا يُسمُّون الجانب الثابت الدائم من الشيء — لا بد أن أقع على «جوهر» يُدرِك العقل وجوده، وإن لم تُدركه الحواس، وما تقوله في الشجرة تقوله في كل شيءٍ آخرَ بما في ذلك الإنسان نفسه، فإذا كان ما يبدو للعِيان منه حركةٌ «وشكلٌ» ولون وغير ذلك من «ظواهر» فإن له بغير شك «جوهرًا» ثابتًا هو الذي ينبغي أن نبحث عنه وراء تلك الظواهر، فإذا وجدناه كان هو حقيقته التي تخلع على شخصيته وفرديته طابعها الأصيل الدائم.

وإن نظرةً كهذه لمن شأنها حتمًا أن تؤدي إلى تَصوُّر ﻟ «الفردية» قد يبلغ أقصاه في فلسفة ليبنتز، الذي زعم أن جميع الكائنات «أفرادٌ» مُغلقةٌ على نفسها؛ بحيث يصبح كل فرد — إنسانًا أو غير إنسان — وكأنه قَلعةٌ مُصمَتة الجدران بغيرِ نوافذَ تصل داخلها بِخارجِها، ومن أين تأتي النوافذ إذا كان كلٌّ منا «جوهرًا» قائمًا بذاته؟ أنت روح وأنا روح، أو أنت عقل وأنا عقل، أو أنت نفس وأنا نفس، وكلٌّ منا ذو كيانٍ مستقلٍّ لا يُؤثِّر في غيره ولا يَتأثَّر به. نعم إننا قد نبدو وكأن أحدنا «يُكلِّم» الآخر أو «يتعامل» معه في هذا الشأن أو ذاك، لكن هذا كله التقاء ظواهر بظواهر وقد قلنا إن الظواهر مُتغيِّرة، ونحن — في رأيهم — نبحث وراءها عما هو ثابتٌ دائم. وتستطيع أن تُصوِّر لنفسك موقفًا وَصلَت فيه «الفردية» — انبثاقًا من الفلسفة القديمة والفلسفة الديكارتية على السواء — حدَّها المتطرف، يجعل الناس مجموعة من الأشرطة السينمائية، كل شريطٍ منها ملفوفٌ على قصة، وما على الأيام إلا أن تبسط هذا الشريط أو ذاك، فيخرج من جوفه ما كان كامنًا فيه من أحداث، دون أن يكون لبسط هذا الشريط أيُّ أثَرٍ في القصة الكامنة في الشريط الآخر.

إن كلمة «فرد» نفسها — إذا ما أردنا تعريفًا دقيقًا لها، بناءً على النظرة السابقة — تتضمن الاكتفاء الذاتي، وعدم الانقسام، لأن ما يعتمد على سواه إنما تنقص فرديته بمقدار ما فيه من ذلك الاعتماد. ولم تكن كلمة «فرد» لتقتصر على أفراد الناس، بل إن كل ما يتألف منه «نسق» مكتمل الأجزاء مكتمل البناء، فهو «فرد» بمعنى الاكتفاء الذاتي الذي أشرنا إليه؛ ومن أجل هذا ظهر من الفلاسفة المثاليِّين — ومنهم هيجل — من يقول إنه ما دام الاكتفاء الذاتي لا يتوافر إلا للكون في مجموعه؛ فليس ثَمَّةَ إلا فردٌ كاملٌ واحد، هو الكون، وما عداه من أفراد — هذا الرجل أو تلك الشجرة — ناقص الفردية بمقدار اعتماده على بقية الأجزاء.

لكن الموقف يتغير تغيرًا عميقًا شاملًا، إذا تغيَّرَت نظرتنا الفلسفية بحيث نرى في الأشياء جانب التغيُّر والتبدُّل والتطوُّر، دون جانب الثبات والدوام؛ فعندئذ يمتنع البحث عن «جوهر» وراء الظواهر، وتصبح حقيقة الشيء هي مجموعة ظواهره، لكن هذه الظواهر متشابكة، إلى الحد الذي يستحيل علينا أن نُفرِد كائنًا واحدًا بمعزل عن سواه ونقول عنه إنه كيانٌ واحدٌ قائمٌ بذاته؛ فوجودك الجسدي نفسه مُتوقِّف على تفاعُلك مع ما يحيط بك، تأخذ منه الهواء شهيقًا وتخرجه إليه زفيرًا، تأخذ منه الماء لتشرب والطعام لتأكل، تأخذ من سواك اللغة التي تتحدث بها، فتجيئك هذه اللغة مُثقلةً بحضارة وثقافة وفكر وشعور، إذا تكلمتَ فلِسامع، وإذا كتَبتَ فلقارئ، إذا طغيتَ فعلى إنسانٍ آخر ينصب عليه طغيانك، وإذا خَضَعتَ فلكائنٍ آخر تخضع، وإذا تَساوَيتَ فمع آخر تتعادل كفتك وكفته. إنك لا ترى بالعين إلا إذا كان ثَمَّةَ شيء يُرى وكان ثَمَّةَ ضوءٌ يقع عليه بأشعته، ولا تسمع بالأذن إلا إذا كان ثَمَّةَ هواءٌ يتموج. محال أن يكون لك فعلٌ إلا إذا وجدته تفاعلًا مع شيء أو شخصٍ سواك. هذه الفردية المزعومة التي تُوصَف وكأنها حصنٌ منيعٌ مُصمَت الجدران، ينطوي على لُبٍّ في جوفه يستطيع أن ينعزل أو يستقل؛ هي وهمٌ لا يمكن تصوُّره إلا على أساس فلسفةٍ تفترض وجود «الثابت» من خلف المتغير — وهي فلسفة سادت ذات حين، ولم تعُد لها سيادة ولا شبه سيادة في عصرنا الراهن.

إن لغة عصرنا في مجال التعبير العلمي، قد أضافت إلى نفسها ألفاظًا تُقابِل بها هذا التصوُّر الجديد، الذي يَتعذَّر عليه أن يتخيل «فردًا» إلا وهو في «مجال». إن علم النفس اليوم قد أصبح «علمًا» بغير «نفس»؛ لأنه علم السلوك، والسلوك تفاعُل بين السالك من جهة وما ينصب عليه السلوك من جهةٍ أخرى. إن نظرية الجشطلت في علم النفس الحديث تنفي أن يكون هنالك إدراك حسي إلا «لتكوين» من أجزاء، وأمَّا الجزء أو الجزيء فهو مطروح من حساب الإدراك. إن علماء الاجتماع في عصرنا يتحدثون عن «الثقافة» التي تُظلِّل بجوها مجموعة بأَسْرها من الأفراد. ولمَّا كان الفرد الواحد لا ثقافة له، فليس هو إذن بموضوعٍ يُطرح للبحث. الثقافة بحكم تعريفها نفسه حياةٌ مشتركةٌ بين أكثر من فردٍ واحد، من عُرف وتقاليدَ وأوضاع للعيش، ومن عقائد ومشاعر وأفكار. إنه لا «عُرف» بينك وبين نفسك، إنما العُرف يكون بينك وبين الناس، ولا «تقليد» منك لنفسك؛ لأن التقليد يكون بينك وبين الناس، ولا «تقليد» منك لنفسك؛ لأن التقليد يكون منك تقليدًا لسواك — ممن يعيشون معك أو ممن عاشوا قبلك — ومُواضَعات العيش تشترط عدة أطراف يتم بينها الاتفاق على صورٍ بعينها من الحياة. ما الذي يثير فيك شعور المرح حينًا وشعور الكآبة حينًا، إلا أن يكون ذلك على صلةٍ وثيقةٍ بما نَشأتَ عليه من روابط تربطك بالأشياء والأشخاص؟ لا، إن الفردية كما تَصوَّرها فلاسفة الماضي، قد ذَهبَت حين ذَهبَت نظرة إلى الكائنات تؤمن بالثبات دون التغيُّر، وبالسكون دون الحركة، وبالسرمدية دون السير الانتقالي طورًا بعد طور وحالًا بعد حال.

•••

لكننا نضل سواء السبيل، إذا محونا فردية الماضي لنترك مكانها خلاءً فارغًا؛ فما يزال «الفرد» مسئولًا أمام القانون الوضعي وأمام قانون الأخلاق. فمن ذا تسأل إذا لم يكن هنالك فردٌ مُعينٌ تُوجِّه إليه السؤال؟ إذن لا بُد من تَصوُّرٍ جديدٍ «للفردية» يحل محل تَصوُّرٍ قديم. فإذا كان التصور القديم قد جعل الفرد جبهةً وحده تُجابه من عداه، فإن التصوُّر الجديد يجعله جزءًا مما عداه؛ فبدل أن نقول (مثلًا) الفرد حيال المجتمع، نقول: الفرد في المجتمع، وبدل أن نقول: الفرد بإزاء الطبيعة والبيئة، نقول: الفرد وهو جزء من الطبيعة ومن البيئة. لقد كان المفكرون القُدامى يتحدثون عن «الأضداد» كأن كل «ضد» كيانٌ قائمٌ بذاته يُواجِه «الضد» الآخر فيقولون: الحار والبارد، والرطب واليابس، والمرتفع والمنخفض، ومن هذا القبيل نفسه أن يُقال الفرد والمجتمع. لكن هذه الأضداد قد تحوَّلَت عند المُفكِّرِين المُحدَثِين إلى حالاتٍ من حقيقةٍ واحدة؛ فالحار والبلاد كلاهما «حرارة» ترتفع درجتها حينًا وتنخفض حينًا، والارتفاع والانخفاض ليسا «شيئَين» يواجه أحدهما الآخر ويضاده، بل هما درجتان من مقياسٍ معينٍ واحدٍ نختاره، وكذلك قل في الفرد والمجتمع؛ فليس هنالك الفرد الذي يقف هنا، والمجتمع الذي يقف هناك، يواجه أحدهما الآخر مواجهة الأضداد، بل هنالك جزءٌ في كل. هل يجوز لك أن تقول عن أحد أضلاع المثلث أنه يواجه ويضاد المثلث؟ لا؛ لأنه لا مثلث بغير ذلك الضلع الذي نتحدث عنه، وكذلك لا يكون الضلع ضلعًا إلا وهو منسوب إلى مثلث، ومضموم فيه إلى ضلعَين آخرَين؛ بحيث يكون من الأضلاع الثلاثة كيانٌ واحد.

ولئن صدق هذا القول عن الأفراد في أي عصرٍ مضى، فهو أصدق ألفَ مرةٍ بالنسبة إلى عصرنا الراهن؛ لأنه عصر التجمُّع والتكتُّل بصفةٍ خاصة؛ هو عصر «الشركات» في عالم التجارة، وعصر «المصارف» في عالم المال، وهذه وتلك يملكها الشعب كله أو جزءٌ كبيرٌ منه، وعصر «جمعية الأمم» و«الاتحادات» في عالم السياسة. إنه لا يكاد يمضي يومٌ من عصرنا إلا وقد انعقد «مؤتمر» هنا أو هناك من أنحاء الأرض. لا، بل إن عصر الفردية التي تحتكر لنفسها كل شيء قد انقضى حتى في عالم الفكر والفن؛ فالبحث العلمي لا يقوم به «فرد» بل تقوم به جماعة في معمل أو في معاملَ متعاونة، والصحيفة اليومية أو الدورية لا يُحرِّرها «فرد» والإذاعة لا ينفرد بها متحدثٌ واحد. كان يمكن في عصر الزراعة اليدوية أن نتصور الزارع وحيدًا في مزرعته يحرثها ويرويها ويبذر فيها البذور ويتعهد نباتها ثم يحصد ثمارها. أمَّا في عصر الصناعة — والزراعة تتحول إلى زراعة بالصناعة — فلا يتم مصنع بعاملٍ واحد. كان الفنان فيما مضى لا يبيع فنه في السوق، وإنما يُنتِج الفن لشخصٍ معينٍ يرعاه، فكان يمكن عندئذٍ تصوُّره في حياةٍ فرديةٍ إلى حدٍّ ما. أمَّا اليوم فهو بحاجةٍ إلى جمهورٍ ينفعل بفنه ليشتري ثمرات فنه. بل ماذا أقول في هذا العصر الذي ازداد فيه التجمُّع والتكتُّل؟ أأقول ما قد قاله سواي من أنه حتى الجريمة في عصرنا هذا لم تعُد فردية، وإنما أصبَحَت نشاطًا يتفق على القيام به «عِصابة» بأَسْرها؟ لقد انهارت خصوصية الحياة الفردية، لا لأن شيئًا جميلًا قد ذهب ليحل محله شيءٌ قبيح، بل لأن ضربًا من الحياة قد انقضى ليحل محله ضربٌ آخر، ونظرةً فلسفيةً معينةً قد اختفت لتظهر مكانها نظرةٌ فلسفيةُ أخرى. كان السكن في عهد الزراعة خاصًّا للأسرة الواحدة، فجاء عهد الصناعة وحياة المدن ليقيم العمارة الواحدة تسَع عشرات الأُسر. كان الانتقال يتم للفرد الواحد بأن يمتطي ظهر دابَّة لا يشاركه فيه شريك، ثم جاءت السيارة الخاصة لتحل محل الدابة، لكن روح العصر تحملنا بخطوات سريعة إلى أن نُحل وسائل الانتقال الجماعية، محل الوسائل الخاصة، فيكون القطار لمئات الركاب، والسيارة العامة لعددٍ كبيرٍ من الناس دفعةً واحدة. ولم يعُد الفرد الواحد يلهو في ساعات فراغه بما يعجبه وهو منعزل عما يشاركه الناس فيه؛ لأن وسائل اللهو من سينما وراديو وتلفزيون قد حتَّمَت على الفرد أن يشترك مع مئاتٍ أو مع ألوفٍ في الطريقة التي يقضي بها وقت الفراغ. أصبح هنالك «الرأي العام» الذي تُكوِّنه وسائل النشر المشتركة والأحداث المشتركة، مع أن «الرأي» كان لا يُنسَب إلا لفردٍ واحدٍ هو صاحبه.

كانت البناءات الفكرية فيما مضى بناءاتٍ فردية، بمعنى الفردية الذي كان يتسق مع روح ذلك الماضي؛ ولهذا تستعرض تاريخ الفكر فتجدك أمام قِمم، تقف القمة منها إلى جوار القمة الأخرى: أفلاطون، أرسطو، كانْت … إلخ. وحتى إن سارت طائفة من المُفكِّرِين مع عَلَم من هؤلاء الأعلام، فهو سير التابعِين لشيخ الطريق، لا سير المُتعاونيِن على حل قضيةٍ واحدةٍ كما يتعاون علماء التجارب المعملية اليوم على مشكلةٍ واحدةٍ حتى يُفَضَّ إشكالها. وكانت حركات الإصلاح الاجتماعي في أيدي رُوَّادٍ أفراد، كما كانت الفتوحات العسكرية تدور حول مطامع هذا القائد العسكري أو ذاك؛ جنكيز خان، هانيبال، الإسكندر، نابليون. وكانت الكشوف والرحلات يجوبها أفراد. وهكذا في كل منحًى من مناشط الحياة، تجد «الفرد» ذا «الجوهر» الفريد الذي كانوا يعرفونه بعدم التعدُّد والانقسام.

وتغيَّر العلم، فتغيَّرَت الفلسفة، فتغيَّرَت نظرات الناس إلى العالم بما فيه من كائناتٍ حيةٍ وجامدة، فتغيَّرَت معاني فكراتٍ رئيسيةٍ أساسية، كان من بينها فكرة «الفردية»، فأصبح الفرد مجموعة علاقات، بعد أن كان عنصرًا فريدًا كافيًا لذاته بذاته، ومستقلَّا بنفسه عما عداه. ولن يزول عن إنسان العصر ما يُعانيه من قلق واغتراب وضياع، إلا إذا زالت مفاهيم الحياة الماضية من محيط الحياة الراهنة. إنني أكرر — ولا أَملُّ من التكرار — بأننا جميعًا نعيش في القرن العشرين بكثيرٍ جدًّا من مفاهيم القرن العاشر، نعيش في عصر الصناعة والعلم بمفاهيم ما قبل الصناعة والعلم، ومن هنا يأتي التمزُّق والتفسُّخ والحيرة؛ نعيش في عالَم ونُفكِّر في عالَمٍ آخر.

إنك ما تزال تسمع قائلًا يقول عن الدافع الفردي وما أنتجه من ثراءٍ للأفراد وللأمم وللعالم أجمع. ووجه المغالطة الكبرى في مثل هذا القول، هو أن غزارة الإنتاج الصناعي وازدياد التقدُّم الحضاري إنما يرجعان أساسًا إلى الكشوف العلمية، التي خَلقَت تقنيات (تكنولوجيا) الآلات، وهذه بِدَورها فَعلَت ما فَعلَت في تغيير وجه الحياة. فإذا جاء رجل الأعمال «الفرد» يقيم الصناعة ويجمع من ورائها المال، فحقيقة الموقف عندئذٍ لا تكون أن ذلك الفرد قد صنع بدوافعه الفردية ما صنع، بل الذي صنع هو البخار والكهرباء والقوة الذرية، والذي عرف كيف تُستخدَم هذه الأشياء هو عالم الطبيعة. والعلم جماعي دائمًا — كما ذكرنا — يتعاون على حل مشكلاته جماعاتٌ متعاونةٌ من الباحثِين. إن كل ما فعله رجل الأعمال في هذه الحالة هو تغيير في توزيع الثروة التي تُنتِجها الآلة؛ فبدل أن تُكوَّم تلك الثروة في عدد من الأكوام، تَتجمَّع عنده في كومةٍ واحدة؛ فالثروة «القومية» لا تزيد على يدَيه، بل الذي يزيد على يدَيه هو ثروته. وهنا كثيرًا ما يقع الكتاب والشعراء في خطأ، فيظنون أنه ما دامت الآلات في عصر الصناعة قد أدَّت إلى ما أدَّت إليه من تفاوُتٍ بشِعٍ في التوزيع، فسحقًا لهذه الآلات وعصرها، وما كان أجملَ الزراعةَ في ريفٍ هادئ، ربما تفَاوَتَت فيه الدخول، لكن حَسْب الناس عندئذٍ صلتهم بالطبيعة، وهي الأم الرءوم. هكذا قد يكتب الكتاب وقد يتغنى الشعراء، في سبيل مقاومة الآلات والمصانع، لكن الذي يفوتهم في هذا كله، أن الآلات ما هي إلا بمثابة القوة المخزونة، تُطلِقها من عقالها فتفعل لك الأعاجيب، كما أردتَ لها أنت، لا كما أرادت لك هي، وليس الذنب ذنبها إذا اخترتَ لها أن تُكدِّس المال في فردٍ واحدٍ دون سائر الأفراد.

•••

أما بعدُ، فهل بعُدنا عن موضوعنا الذي أردنا أن نُدير حوله الحديث، وهو طراز الفردية الذي يتفق وظروفَ عصرنا، التي من أهمها العلم والصناعة؟ فربما سبق إلى ظن القارئ أنني بما قدمته أقول ألَّا فردية بعد اليوم، وليس ذلك هو مبدئي، بل ولستُ أتصور كيف يكون ذلك؛ لأنني «فرد» وأنا أكتب هذه الصفحات نفسها، لم أُشرِك معي أحدًا في كتابتها، وأنا «فرد» حين أختار من الكتب ما أقرأ، ومن المسارح ما أرتاد، ومن مطارح الطبيعة، أو من ندوات المدينة ما أقضي فيه وقت الفراغ؛ فليس إذن سؤالي هو: هل تكون فردية أو لا تكون؟ إنما السؤال هو: بأي معنًى نفهم الفردية؟

ولكي أجيب عن السؤال، رأيت ألَّا مَناصَ من عرض فكرة الفردية كما كانت، حين كان يُنظر إلى الإنسان — وإلى غيره من الكائنات — من باطنٍ لا من ظاهر، فيُرى وكأنه «جوهر» ثابتٌ يدوم ما دامت الحياة، بل وإلى ما بعد الحياة، وأمَّا ما يبدو لأعين الناظرين من سلوكه الظاهر المُتغيِّر لحظةً بعد لحظة، فكان يُغَض عنه النظر، باعتباره عرضًا زائلًا؛ ولذلك لم يكن ثَمَّةَ تناقُض بين أن يكون الإنسان فردًا، وأن ينعزل راهبًا في صومعة، لا بل إن الفردية بمعناها ذاك، لم يكن يُؤكِّدها شيءٌ بمقدار ما يُؤكِّدها مثل ذلك الاعتزال الزاهد.

لكننا نُغيِّر النظرة إلى الإنسان وسائر الكائنات، فنجعل «الفرد» خطًّا متصلًا من حوادث، كل حادثةٍ منها متصلةٌ بغيرها بمجموعةٍ من علاقات، وبهذا يكون الفرد تاريخًا تتعاقب فيه الأحداث بكل ما يربطها بمحيطها من روابط، فيصبح الفرد «مجموعةً» صُغرى مندمجةً في مجموعات أكبر، ولا تكون ثَمَّةَ فردية إلا ويمكن ردها إلى «معية» (من كلمة «مع»)؛ بمعنى أنك لا تعرف فردًا إلا إذا عَرَفتَ مُصاحَباته ومُتعلَّقاته؛ أي إنك لا تعرف فردًا إلا مُرتبِطًا بماضٍ وحاضرٍ ومُستقبَل، مرتبطًا بأَسلافٍ أَنسَلوه وبأُسرةٍ تُعايشه وتُعاصره — والأمة أُسرةٌ كبيرة — مرتبطًا بأهدافٍ مُقبلةٍ يتعاون في تحقيقها مع سواه.

عِلمٌ جديدٌ قِوامه ذرةٌ لا تُفهَم إلا على صورةٍ مُركَّبةٍ من أطرافٍ كثيرةٍ وما بينها من علاقاتٍ رابطة، وفلسفةٌ جديدةٌ تُساير العلم الجديد، قوامها تذويب «الجوهر الفرد» إلى أحداثٍ سلوكية، كل حدثٍ منها لا يُفهَم إلا وهو جزءٌ من مجال، مرتبط بموقف، فيه ناسٌ آخرون وأشياءُ أخرى يتصل بها وتتصل به. واقتصادٌ جديدٌ يتمشى مع العلم والفلسفة الجديدَين، قِوامه المشاركة في المصنع والمتجر والمزرعة. ومجتمعٌ جديدٌ ينبني على ذلك كله، ويكون أقرب في صورته إلى الكائن العضوي المُرتبِط الأجزاء والأعضاء، منه إلى كَومَة الغِلال التي لا ترتبط فيها حبةٌ بحبةٍ أخرى إلا بالتجاوُر في المكان. وفرديةٌ جديدةٌ تجعل الفرد جزءًا من نسيج المجتمع، كاللفظة الواحدة لا يتم معناها إلا وهي في عبارةٍ تشملها وتشمل غيرها في بناءٍ محكم الروابط والصِّلات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤