تصدير

هذه هي الترجمة العربية الكاملة لمسرحية «الليلة الثانية عشرة» للشاعر الإنجليزي الأكبر وليم شيكسبير، وهي المسرحية الثالثة عشرة التي أُترجمها له، وقد التزمت بالأصل التزامًا مطلقًا فترجمت النظم المقفَّى نظمًا مقفًّى، ومرسلًا حين يكون مرسلًا، ونثرًا حين يكون نثرًا، وقدَّمت للنص بمقدمة وافية، وذيَّلته ببعض الهوامش التي قد تعين غير المتخصِّص على إدراك الإشارات غير المألوفة له، واعتمدت على أحدث الطبعات المحقَّقة والمنقَّحة بأقلام أكبر المتخصِّصين في شيكسبير في العالم، وعلى نحو ما فعلت في ترجماتي السابقة اعتمدت أساسًا على طبعة آردن Arden الجديدة المنقَّحة الصادرة عام ٢٠٠٥م (وكانت الطبعة الأولى قد ظهرت عام ١٩٧٥م)، وشارك في تحقيقها ونشرها ج. م. لوثيان (J. M. Lothian) وت. و. كريك (T. W. Craik)، كما استعنت في دراستي للنص بالطبعة الرابعة في سلسلة نيوكيمبريدج من تحقيق ونشر إليزابيث ستوري دونو ٢٠٠٤م (Elizabeth Story Donno)، وكانت الطبعة الأولى لها قد ظهرت عام ١٩٨٥م، ثم أُعيد طبعها «مزيدةً منقحة» عام ٢٠٠٣م، وبها مقدمة جديدة بقلم الأستاذة بني جاي (Penny Gay)، كما استعنت بطبعة سيجنت (Signet) الصادرة عام ١٩٩٨م من تحقيق هرشيل بيكر (Herschel Baker)، وطبعة فولجر (Folger) الصادرة عام ٢٠٠٤م من تحرير بربارا أ. مووات وبول ورستن (Barbara A. Mowat & Paul Werstine). والطبعتان الأخيرتان تتضمَّنان ملاحق من الدراسات النقدية الكلاسيكية والحديثة، وهي التي تُلقي الضوء على الكثير ممَّا قد يلتبس معناه على القارئ المعاصر، إنجليزيًّا كان أم غير إنجليزي، في هذا النص.

وأمَّا مذهبي في الترجمة فيعرفه كل من قرأ ترجماتي الأدبية، وأُوجزه في أنني أُحاول جهد طاقتي نقل شعر هذا الشاعر العظيم ونثره بأقصى قدر ممكن من الدقة، ملتزمًا خصوصًا بفنونه البلاغية والأسلوبية؛ أي إنني لا أكتفي بالمعنى أو بأي تفسير قد يكون مقبولًا أو جذَّابًا، بل أجتهد لكي أجعل القارئ يدرك طبيعة الصياغة الشعرية أو النثرية الأصلية، مهتديًا بعلوم الأسلوب الحديثة، حتى يُحس القارئ العربي بإحساس يماثل (أو يقترب من) الإحساس الذي يُحسه قارئ النص في صورته الأصلية؛ ولهذا حافظت على الصور الشعرية مهما تعقَّدت فبدت عسيرة المأخذ، وعلى الإيقاعات وتلوُّنها، فنقلتُها بما يقابلها في العربية من بحور الشعر العربي، ملتزمًا بشعر التفعيلة؛ فهو ما يناسب المسرح أكثر من غيره، وخصوصًا بأقرب البحور إلى النثر كما هو الحال في شيكسبير، وهما الرجز والخَبَب، وإن كنت في الرجز أسمح بمزجه بزميلَيه في دائرة الخليل (الرمَل والهزج)، كما أسمح له أيضًا بالتحوُّل إلى الكامل، وقد قال لي من أثق في حكمه إن هذا ليس جديدًا في العربية، وغايتي أن أُشرك قارئ العربية معي في الإحساس بإيقاعات شيكسبير المتفاوتة.

وأمَّا في النثر، فقد برزت صعوبة يعرفها كل دارس للكوميديا في شيكسبير، وهي ولعه بالتلاعب بالألفاظ، وخصوصًا بالتورية، واقتضى ذلك إيجاد المقابلات العربية التي تنقُل هذه الألاعيب اللفظية التي كان جمهور شيكسبير يفرح بها، وإن كان المخرجون في القرن العشرين، منذ نشر هارلي جرانفيل-باركر (Barker-Harley Granville) «لطبعة المخرج» من هذه المسرحية عام ١٩١٢م يفضِّلون حذفها، كلها أو بعضها، ما دام الجمهور المعاصر لم يعد يتذوَّقها؛ أي إنني حاولت في الترجمة أن أنقُل ما يفعله شيكسبير لا «ما يقوله فحسب»؛ فأنا من المؤمنين بأن فن الفنان لا يقتصر على المعنى بل يتضمَّن المبنى أيضًا، والحفاظ على المبنى لا يقل أهميةً عن الحفاظ على المعنى، ونقل البناء كما هو معروف من لغة تختلف مبانيها عن اللغة الأصلية يتطلَّب حيلًا خاصةً أرجو أن أكون قد وفقت في اختيارها.

ولم يكن هذا كله ممكنًا لولا المراجع الحديثة والمادة العلمية الغزيرة التي أمدَّني بها صديقي الأديب الناقد المترجم ماهر البطوطي من نيويورك، فلم يبخل عليَّ بشيء، لا بالطبعات الحديثة للمسرحية، ولا بما طلبته من دراسات عنها؛ ولهذا أخصُّه بالشكر الجزيل، كما أتقدَّم بالشكر إلى كل من أعانني فزوَّدني بفصول مصوَّرة من بعض الكتب التي استعنت بها في كتابة المقدمة، وكل من قرأ النص العربي فاقترح تعديلات أو تنقيحات، وعلى رأسهم صديقي العلَّامة، الأديب المرهف والناقد المبدع ماهر شفيق فريد؛ ولهذا أُعرب له عن أصدق امتناني وشكري.

وكنت أثناء العمل أُدهَش؛ لأن مشروع ترجمة شيكسبير بجامعة الدول العربية (بإشراف طه حسين) قد تجاهل هذه المسرحية، ولكن الدكتور ماهر شفيق فريد أخبرني أنها تُرجمت منذ نصف قرن تقريبًا، وأعارني نسخته من الترجمة «محمد عوض إبراهيم» فأنعمت النظر فيها، وكانت النفس تراودني بالتعليق عليها، ولكنني فضَّلت الاستمساك بما التزمتُ به من عدم التعرُّض لترجمات غيري، متمثِّلًا بقول الدكتور ماهر، لله دَرُّه: «ترجمتك خير تعليق.»

وقد قرَّرت عدم إضافة قائمة بأسماء المراجع والاكتفاء بذكرها في متن المقدمة والحواشي؛ إذ دلَّتني الخبرة على أنها غير مفيدة للقارئ العربي، وأمَّا المتخصِّص فسوف يجد فيما أوردته مادةً كافية قد تغريه بالرجوع إليها. أرجو أن أكون بهذه الترجمة قد أضفت شيئًا مهمًّا إلى تراث الترجمة الأدبية العربية الزاخر، وأرجو أن يجد القارئ فيها بعض ما وجدته فيها من متعة.

وعلى الله التوفيق.

محمد عناني
القاهرة، ٢٠٠٧م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤