الفصل الأول

المشهد الأول

(موسيقى. يدخل أورسينو، دوق إلليريا، وبصحبته كيوريو ولوردات آخرون.)١
الدوق :
إن كانتِ الأنغامُ قوتًا للغرامِ فاعزِفُوا ثم اعزِفُوا
كي تُتْخِموا شهيَّتي فرُبَّما تعتلُّ من تُخَمَة،
وربما تموت! فلتُعيدوا ذلك اللحن عليَّ!٢
إنه قد ذاب في آخرِه رقَّة!٣
وانساب في أذني .. كأنه صوتٌ جميلٌ٤
مرَّتِ الأنفاسُ فيه فوق أزهارِ البَنَفْسَج،
فانسلَّ يستَرِق الخُطى وينشر الشذا! كفَى! توقَّفُوا!
فلم يعد عذبًا كما كان!
أوَّاه يا روحَ الغرامِ مَا أشدَّ قوَّتَك .. ونَهَمَك!٥
وما أشدَّ قُدْرَتَك .. على ابتِلاعِ كلِّ شيء ١٠
مثلَ لُجَّة المحيط!٦ فكلُّ ما يغوصُ فيه
— مَهْمَا علا قدرًا فلامس الذُّرا٧
ينحطُّ فورًا ثُم يغدو سِعرُه زهيدًا!
ما أكثر الصور التي يوحي بها ذلك الغرام؛
إذ لا يموج غيره بمثل هذه الأوهام!٨ ١٥
كيوريو : مولايَ هل تصيدُ اليوم؟
الدوق : أصيد ماذا يا كيوريو؟
كيوريو : الظَّبيَ٩ يا مولاي!
الدوق :
أصيده بقلبي الذي أراه أشرفَ الأعضاء!
أوَّاه عندما رأتْ عينايَ أُوليفيا لأوَّل مرة
أحسستُ أنَّها تُطهِّرُ الهواء من أدرانِه، ٢٠
وعِندَها استحلتُ ظَبْيًا واستحالتِ الأشواقُ سِربًا
من كلاب الصيد ذات رهبةٍ وقسوة،
ولم يزل طِرادها لِلآنِ لِي!
(يدخل فالنتاين.)
ماذا وراءك؟ ماذا حملت من أنبائها؟
فالنتاين :
مولاي، عفوًا إنني مُنِعْتُ من رؤيتها،
لكنني حملتُ من وصيفَةٍ بالبابِ هذه الإجابة: ٢٥
لن تكشفَ الحسناءُ حتَّى للسماءِ١٠ عن مُحَيَّاها
إلا إذا مرَّت بها سبعةُ أصياف؛١١
إذ تنتوي إبقاء ذلك النقابَ في مسيرِها كأنَّها راهِبَةٌ١٢
كيما تُروِّي مرَّةً في اليومِ أرضَ الغرفة
بِملحِ قَطْرٍ يجرح العينَين .. كي تَحفَظ الذكْرى ٣٠
لذلكَ الأخِ الذي قضى .. ذكرى حبيبٍ
لا تريد أن تزول بل تظل حيةً وناضرة
ودائمًا شجيَّةً في الذاكرة.
الدوق :
إن كان عندها من رقة الفؤاد ما يجعلها
تُبالغُ السدادَ في دَيْنٍ من الحبِّ الذي تُكنه لذلك الشقيق،
فكيف يغدو حبها إذا أصاب قلبها سهمُ الغرامِ المترفُ الذهبِي١٣ ٣٥
كي يقتلَ المشاعرَ الأخرى١٤ التي تَدِفُّ عندَهَا جميعًا؟
أي إن تربَّع المَليكُ نفسُه على عروش مُلكها الثلاثة؛
عرشِ الفؤادِ ثم عرشِ العقلِ فالكبد!١٥
وصارَ مالكًا لكلِّ أوجه الكمالِ عندَهَا؟
فلْتَمْضِ قبلي نحو رفات مِن الزَّهر الجميل، ٤٠
فخاطراتُ الحبِّ تزهو اليومَ في ظلِّ الخميل.١٦

(يخرجون.)

المشهد الثاني

(تدخل فيولا، مع ربان سفينة، وبعض البحارة.)١٧
فيولا : يا أصحاب .. في أي بلادٍ نحن الآن؟
الربان : هذي إلليريا يا مولاتي.١٨
فيولا :
ماذا أفعل في إلليريا
وأخي في جنات الخلد؟١٩
ولعل أخي لم يغرق .. ما رأيكم يا بحارة؟ ٥
الربان : لولا المصادفة .. لمَا نجوتِ أنتِ نفسِك.
فيولا : وا أسفا لأخي المسكين! فلعلَّ مصادَفَةً أنجته كذلك!
الربان :
هذا حقٌّ يا مولاتي .. ولسوفَ أعزِّيكِ بذكرِ مصادفةٍ أخرى،
فلتَثِقِي في قولي .. حين انشقَّ مركَبُنا نصفَين ..
حين تشبَّثتم، أنتِ وبعضُ الناجين على قِلَّتِهِم، ١٠
بالقارِبِ حيثُ ركبنَا ومضَى تدفعُه الرِّيح،
شاهدتُ أخاكِ وقد أبدى في وقت الخطرِ رباطة جأشٍ وحصافة؛
إذ ربط رِبَاطًا أوثقه بالسارية الطافية على وجه الماء
(درسٌ كان تعلَّمه من وحي شجاعته والأمل الدافق في قلبه)؛
فالساريةُ قوية! وهنالك كان كمثل الموسيقيِّ البارعِ أَرْيون؛٢٠ ١٥
إذ وثب على ظهر الدولفين! ولقد شاهدتُ أخاكِ
وقد أبدى معرفةً بالأمْواج .. حتى غابت صورتُه عن عيني.
فيولا :
خُذ هذا الذهبَ مكافأةً لكلامِك،
ونجاتي تُحيي أملي في أن ينجو،
ويؤكِّدُه ما صرَّحتَ الآن به. هل تعرف هذا البلد إذنْ؟ ٢٠
الربان :
بل خيرَ معرفة .. فقد وُلدتُ ها هنا ونشأت ..
في بلدةٍ على مسافةٍ ليست تزيدُ عن ثلاثِ ساعاتِ سفر.
فيولا : مَن الذي يحكمُه؟
الربان : دوقٌ نبيل .. اسمًا وطبعًا! ٢٥
فيولا : وما اسمُه؟
الربان : أورسينو!
فيولا :
أورسينو! سمعتُ والدي يذكرُه،
وكان عندها عَزَبًا.
الربان :
ولا يزال .. أو كان من عهدٍ قريب؛ ٣٠
فمنذ شهرٍ واحد وحسب .. غادرتُ ذلكَ المكان
وكان قد أُشيع عندها (وأنت تعلمين أن أفعال الكبار
تصيرُ مضغةً في بعض أفواه الصغار)،
أقولُ قد أُشيع أنه يريدُ أن يحظى بقلب أوليفيا الجميلة.
فيولا : ومن هِيَه؟ ٣٥
الربان :
ذِي فتاةٌ فاضلة .. وبِنْتُ كُونت ماتَ مِن سَنَة ..
وكانَ يَرْعاها شقيقها الذي سرعان ما تُوفي،
وقيل إنها من فَرْطِ حُبِّهَا له غدت تعافُ صُحبةَ الرجال، ٤٠
بل رؤيةَ الرجال.
فيولا :
يا ليتني أكون من وصيفاتِ الفتاة،
بحيثُ أُخفي ما أنا عليهِ من مكانةٍ عن الدنيا
حتى تحين الفرصةُ المناسبة.
الربان :
ذاكَ عسيرٌ يا مولاتي! إذ لَن تقبلَ طلبًا مِن أيِّ أحد ٤٥
حتى من لدُن الدوق!
فيولا :
أخلاقُكَ يا ربانُ حميدة،
وإذا كان الطبع كثيرًا ما يخفي الخبث بمظهرٍ حسن،
فأنا واثقةٌ أن الفكر لديك
يوافقُ ما تبديه من الأخلاق الحسنة. ٥٠
أرجوك إذن (وَسأُجْزلُ فَيضَ عطائِي لك)
أن تُخفي أمري وتُساعدني أن أتنكَّر
كي أتخذَ الشكلَ اللازمَ لنوالِ مُرادِي.
أبغي أن ألتحق بخدمةِ هذا الدوق. ٥٥
قدِّمني مِن ثَمَّ إليه
وكأني كنتُ خصيًّا٢١ ذا صوتٍ حادِّ النبرات،
ولسوف تُكافأُ قطعًا .. فأنا أحذِقُ كلَّ غِنَاء .. وسأُطربُه
بكثيرٍ من ألوانِ الألحانِ المختارةِ؛
كي يدرك أني مِن أجدر مَن قام على خدمتِه.
أمَّا ما قد تأتي الأيام بهِ فأنا أتركُه للزمن، ٦٠
ورجائِي الأوحدُ أن تلتزمَ الصمتَ إزاءَ تحايُلي الفَطِن.
الربان :
فلتصبحي الخصيَّ في خدمتِه .. وسوف أغدو التابعَ الأخرس،٢٢
ولْتفقدِ الإبصارَ عينِي إن أرادَ ذلك اللسانُ أن يهمس.
فيولا : شكرًا لكَ. خذني الآن إليه.

(يخرجون.)

المشهد الثالث

(يدخل سير توبي بلش وماريا.)٢٣
سير توبي :
ما الذي تعنيه بنت أخي٢٤ بذلك الحزن الشديد على وفاة أخيها؟
لا شك عندي أن الهم عدو للحياة.
ماريا :
بالحق يا سير توبي! لا بد أن تُبكِّر قليلًا ولا تأتي في هذا الوقت
المتأخِّر من الليل، فإن قريبتك — مولاتي — تعترض اعتراضًا ٥
شديدًا على هذه المواعيد السقيمة.
سير توبي : لا اعتراضَ على ما سبقَ الاعتراضُ عليه!٢٥
ماريا : نعم ولكن لا بد أن تلتزمَ بحدود اللياقة وتكتسي رداء الذوق!
سير توبي :
أكتسي؟٢٦ لن أكتسيَ أرديةً أجمل ممَّا أكتسيه الآن؛ فهذه الملابس
لائقة للشراب، وكذلك هذا الحذاء. فإن لم يكن فليشنق الحذاء ١٠
نفسه في رباطه!
ماريا :
هذا الشراب والسكر سوف يقضي عليك، وقد سمعت مولاتي
تشير إلى ذلك بالأمس. وسمعتُها تتحدَّث عن فارسٍ أحمقَ
أحضرَته ذات ليلةٍ حتى يخطُبَها لنفسه. ١٥
سير توبي : من؟ سير أندرو إجيوتشيك؟
ماريا : نعم، هو.
سير توبي : إنه من أشجع الرجال في إلليريا كلها. ٢٠
ماريا : وما شأن ذلك بالموضوع؟
سير توبي : إن دَخْلَه ثلاثة آلاف دينار في السنة.
ماريا :
لن ينقضي العام حتى يقضي على رأسماله كله. إنه أحمق فعلًا
ومسرف.
سير توبي :
تبًّا لكِ على هذا القول! إنه يعزف الفيولنشلُّو، ويتكلَّم ثلاث ٢٥
لغات أو أربع .. كلمة كلمة ودون كتاب٢٧ .. وقد منحته الطبيعة
كلَّ مواهبِها الحسنة!
ماريا :
كل المواهب حقًّا ..٢٨ومنها موهبةُ البلاهة! فإلى جانب حمقِه، تجده
مولعًا بالشجار، ولولا موهبةُ الجُبن التي تخفِّف من مذاقه للشجار،
لوهبته الطبيعة بسرعة هبةً أخرى — وهي القبر — في رأي ٣٠
الحكماء.
سير توبي :
أقسم٢٩ إنهم أوغاد وناقمون .. أي من ينتقصون أيَّ شيء فيه. من
هؤلاء؟ ٣٥
ماريا : الذين يُضيفون أنه يسكَرُ كل ليلة في صحبتك.
سير توبي :
نشرب أنخاب ابنة أخي! ولسوف أشرب نَخبها ما دام في حلقي
فتحة، وما دام في إلليريا شراب! من لا يشرب نَخب ابنة أخي
حتى يدور عقله حول أصبع قدمه مثل النحلة الدوَّارة٣٠ جبانٌ حقير! ٤٠
هيا يا فتاة! علينا بالخمر المُعَتَّقة!٣١ فها قد أتى السير أندرو
إجيوتشيك.

(يدخل السير أندرو إجيوتشيك.)

سير أندرو : سير توبي بِلش! كيف حالك يا سير توبي بِلش؟
سير توبي : سير أندرو الرقيق! ٤٥
سير أندرو : مرحبًا يا فأرتي الجميلة!٣٢
ماريا : مرحبًا بك يا سيدي.
سير توبي : دَاعِب٣٣ يا سير أندرو دَاعِب.
سير أندرو : ماذا تقصد؟
سير توبي : وَصيفَةُ ابنةِ أخي. ٥٠
سير أندرو : الآنسة كاعِب٣٤ الكريمة .. أريدُ أن أتعرَّف بك.
ماريا : اسمي ماري يا سيدي.
سيد أندرو : الآنسة ماري كاعب الكريمة …
سير توبي :
لقد أخطأتَ يا فَارِس. دَاعِب لا كَاعِب. والمعنى أن تُغازِلَها، ٥٥
تُلاطفها، تخطب ودَّها، تقتحمها.
سير أندرو : أقسم إني لا أستطيع اقتحامها أمام النظارة. هل هذا معنى دَاعِب؟
ماريا : وداعًا لكمها أيها السيدان.
سير توبي :
لو تركتَها ترحلُ هكذا يا سير أندرو فليتك تعجزُ عن سلِّ سيفك
مرةً أخرى! ٦٠
سير أندرو :
إذا رحلتِ هكذا يا آنسة .. فليتني أعجزُ عن سلِّ سيفي مرةً
أخرى. يا سيدتي الجميلة .. هل تظنين أن بين يديك حمقى؟
ماريا : سيدي .. لستَ بين يدَي أو في يدي! ٦٥
سير أندرو : أقسم إنك سوف تنالين يدي .. وهذه يدي ممدودةٌ إليك!

(يمد يده إليها.)

ماريا (تصافحه) :
اسمع يا سيدي! أنا حرة في تفكيري. أرجوك مُد يَدَك
إلى قَبْوِ النبيذ ودعها تشرب!
سير أندرو : لماذا يا حبيبتي؟ أين استعارتك؟ ٧٠
ماريا : إنها جافة٣٥ يا سيدي.
سير أندرو :
حقًّا أعتقد كذلك. لستُ بهذا الغباء ولكني أستطيع أن أحافظَ
على جفاف يدي. ولكن ما فكاهتُك؟٣٦
ماريا : فكاهةٌ جافة يا سيدي. ٧٥
سير أندرو : هل امتلأتِ٣٧ بهذه الفكاهات؟
ماريا :
نعم يا سيدي .. حتى لقد فاضَت من أطرافِ أصابعي .. والآن
إذا تركتُ يدك .. أصبحت عقيمًا.

(تخرج ماريا.)

سير توبي :
أيها الفارس! أنت في حاجة إلى كأس من النبيذ .. متى رأيتُك
مهزومًا٣٨ إلى هذا الحدِّ؟ ٨٠
سير أندرو :
لم تَرَنِي من قبلُ قَط .. على ما أعتقد .. إلا إذا كنتَ شاهدتَ
النبيذ يهزمني.٣٩ أتصوَّر أحيانًا أنني لا أتمتَّع بذكاء يزيد عن ذكاء
المسيحي٤٠ أو الرجل العادي. ولكنني آكل الكثير من لحم البقر،
وأعتقد أنه يضر بذكائي.٤١ ٨٥
سير توبي : لا شك.
سير أندرو : لو تصوَّرتُ ذلك٤٢ لأقلعتُ عنه. سأركب غدًا عائدًا إلى منزلي يا سير توبي.
سير توبي : بوركوا٤٣ يا فارسي العزيز؟
سير أندرو :
وما بوركوا؟ افعل أو لا تفعل؟ ليتني قضيتُ في تعلُّم اللغات ٩٠
الوقتَ الذي قضيته في المبارزة والرقص وصيد الدببة. ليتني
تعلَّمت الفنون وحسب!
سير توبي : إذن لأصبحَ شَعرُ رأسِك ممتازًا!
سير أندرو : عجبًا! وهل دراستها تُصلِحُ شعرَ الرأس؟ ٩٥
سير توبي : بلا جدال! فأنت ترى أنه لن يتموَّج بطبيعته!
سير أندرو : لكنه يناسبني تمامًا .. ألَا ترى ذلك؟
سير توبي :
ممتاز. إنه يتهدَّل مثل الكَتان على المِغزَل، وأرجو أن أرى ربَّة
منزل تضعُ المِغزَل٤٤ بين قدمَيها فتغزل شعرك وتخلِّصُك منه! ١٠٠
سير أندرو :
حقًّا سأعود غدًا إلى المنزل يا سير توبي؛ إذ لن يرى ابنة أخيك
أحد، وإذا رآها أحد، فأُراهن بنسبة أربعة إلى واحد أنها
سترفضني. كما إن الدوق الذي يقيم بالقرب من هذا المكان
يريدها لنفسه. ١٠٥
سير توبي :
لن تقبل الدوق؛ فهي لا تريد أن تتزوَّج شخصًا أرفع منها، أو
أغنى أو أكبر سنًّا أو أذكى. لقد سمعتُها تقسم على ذلك.
لا يزال الأمل قائمًا يا رجل.٤٥
سير أندرو :
سأُقيم هنا شهرًا آخر؛ فأنا شخصٌ ذو مزاجٍ غاية في الغرابة؛ فأنا ١١٠
أستمتع كثيرًا بالحفلات التنكُّرية والحفلات عمومًا في بعض
الأحيان.
سير توبي : وهل أنت بارع في هذه التفاهات يا فارس؟
سير أندرو :
مثل أي رجل في إلليريا، أيًّا كان، ما لم يكن أرفع مكانةً مني،
ومع ذلك فأنا لا أداني براعة الخبراء.٤٦ ١١٥
سير توبي : ما وجه امتيازك في رقصة الجاليارد٤٧ يا فارس؟
سير أندرو : الحق أنني أستطيع أن أقفز قفزة الصلصة!٤٨
سير توبي : وأنا آتيك بلحم الضأن الذي تلزمه الصلصة!
سير أندرو : وأظن أنني ماهر في القفزة الخلفية مثل أي رجل في إلليريا. ١٢٠
سير توبي :
لماذا تُخْفِي هذه الأمور؟ لماذا تُسدِلُ الستار على هذه المواهب؟ هل
تخشى أن يعلوها التراب مثل لوحة السيدة مول؟٤٩ لماذا لا تذهب
إلى الكنيسة راقصًا رقصة الجاليارد، وتعود إلى المنزل راقصًا رقصة
العَدْو السريع؟ لو كنتُ مكانك لجعلتُ الخطواتِ في المشي نفسه ١٢٥
قفزات، وحتى لو ذهبت للمرحاض لذهبتُ أرقصُ الرقصة
الخُماسيَّة! ماذا تعني بهذا الموقف؟ هل علينا أن نُخْفِي فضائلَنا في
هذه الدنيا؟ والحقُّ أني أعتقد أن ساقك الرياضية الممتازة قد ١٣٠
تشكَّلت تحت تأثير نجم الجاليارد!٥٠
سير أندرو :
ساقي قوية، وهي تُجيد الأداء كثيرًا إذا ارتدت جَوربًا ملوَّنًا بديعًا.
هل نقوم بتنظيم بعض الحفلات؟
سير توبي : وماذا عسانا نفعل سوى ذلك؟ ألم نولد تحت تأثير الثور؟٥١ ١٣٥
سير أندرو : الثور؟ إنه يحكم الجنبَين والقلب.
سير توبي :
لا يا سيدي .. بل الساق والفخذ .. هيا .. دعني أراك تقفز!
برافو! إلى أعلى! ها ها! ممتاز!

(يخرجان.)

المشهد الرابع

(يدخل فالنتاين وفيولا في ملابس رجل.)٥٢
فالنتاين :
إذ استمرَّ الدوق في إغداق هذه المكرُمات عليك يا سيزاريو،
فالأرجح أن تزدهر أحوالُك كثيرًا. لم يعرِفك إلا من ثلاثة أيام
لكنك غدوت قريبًا كل القرب منه.
فيولا :
إنك تخشى أن يتبدَّل طبعُه، أو أن أُبدي إهمالًا في عملي؛ ٥
ولذلك تتشكَّك في استمرار حبه. هل هو ذو طبع متقلِّبٍ في إبداء «مكرُماته»؟
فالنتاين : لا يا سيدي. صدقني.
فيولا : شكرًا لك. ها قد أتى الدوق.

(يدخل الدوق أورسينو مع كيوريو والحاشية.)

الدوق : من رأى اليوم سيزاريو؟ أنتم! ١٠
فيولا : بل إنني هنا .. في الخدمة يا مولاي.
الدوق (إلى كيوريو والحاشية) :
فليبتعد عني الجميع لحظةً واحدة! (إلى فيولا) يا سيزاريو!
لقد أحطتَ الآن بالأمور كُلِّها .. فقد فتحتُ الآن لك
كل المغالق .. حتى كتاب رُوحي الكتوم.
وهكذا يا أيها الغلام الطيب .. وجِّه إليها خطو أقدامك.٥٣ ١٥
لا تقبل الرفض الذي تبديه للقاء. بل قِف على أبوابها،
وقل لهم بأنك انتويت أن تظل مغروسًا هناك،
ولو نما قدماك أثناء انتظارك .. حتى تقابل الفتاة.
فيولا :
لكنه بالحقِّ يا مولاي إن كانت (كما يُقال) في الأحزان غارقة،
فلن ترضى بأن تراني أبدًا! ٢٠
أورسينو :
أكثِر من الضجيج والصخب .. كي لا تعودَ خاوي الوفاض
حتى ولو تجاوزت حدود الأدبِ!٥٤
فيولا : لنفترض بأنني حادثتها .. مولاي ماذا أقول؟
الدوق :
إذن فأفصح عن غرامي المشبوب للفتاة!
خذها على غِرة ..٥٥ بهجمةٍ من دافق الهوى العميق! ٢٥
وشرحُ آلامي يليقُ بك .. وأنت يافعٌ صغير ..
أشد من إتيانه على لسان مِرسالٍ وقورٍ طاعنٍ في السن.
فيولا : بل لا أظنُّ ذاك يا مولاي.
الدوق :
صدِّق حديثي أيها الفتى المحبوب،
لسوف يُنكرون ذلك الشباب الغضَّ فيك إن دعَوك رجُلًا، ٣٠
ليست شفاهُ من نسمِّيها «ديانا» أكثر احمرارًا أو نعومة،
وصوتك الحاد الجميلُ مثل أصوات العذارى ..
فإنه يسيلُ رقة! وكل ما لديك من خصالٍ ينتمي للمرأة،
وإنني لواثقٌ من أنَّ طالعك٥٦ .. لخيرُ ما يؤهِّلُك .. لهذه المُهمَّة! ٣٥
ليصحب الفتى هنا أربعةٌ أو خمسة .. أو يذهب الجميع في صُحبته؛
فأجملُ الساعات أقضيها إذا اعتزلتُ الناس!
أمَّا إذا وُفقت في المهمة .. فسوف تحيا في ثراءٍ مثل مولاك،
وسوف يَغدو ما لديه ملك يمينك.
فيولا :
سأبذلُ الجهدَ الجهيدَ في استمالة الحبيبة ٤٠
(جانبًا)، لكنها مهمةٌ عسيرةٌ وشاقة!
مهما تكن تلك التي يريدها زوجة،
فإنني أريد أن أكون زوجته!

(يخرج الجميع.)

المشهد الخامس

(تدخل ماريا والمهرِّج.)٥٧
ماريا :
لا! لا بد أن تقول لي أين كنت ..٥٨ وإلا لن أفتح فمي بمقدار شعرة
واحدة في التماس الأعذار لك. لسوف تشنقك مولاتي بسبب غيابك
عنها هذه الفترة!
المهرِّج :
فلتشنقني! من يُشنق الشنقَ الجميل في هذه الدنيا .. لن يخشى أية ٥
رايات.٥٩
ماريا : أثبت صحة ما تقول.
المهرج : لن تشهد عيناه إنسانًا يخشاه.
ماريا :
إجابةٌ جميلة .. وهزيلة.٦٠ سأقول لك أين وُلد ذلك المثل؛ أي
«لا أخشى أية رايات». ١٠
المهرج : أين يا ماري الكريمة؟
ماريا : في الحرب!٦١ وقد تُواتيك الجرأة لتزعم ذلك في غمار تهريجك.
المهرج :
فليهبِ اللهُ الحكمة للحكماء ..٦٢ أمَّا المهرجون فعليهم أن يستخدموا
مواهبهم. ١٥
ماريا :
سوف تُشنق بسبب غيابك الطويل ..٦٣ أو تُطردُ من الخدمة. أفلا يماثل
ذلك الشنق في نظرك؟
المهرج :
كم من شنقٍ جميل٦٤ أنقذ المرء من زواجٍ قبيح، وأمَّا الطرد من الخدمة،
فليساعدني الصيف على احتماله.٦٥ ٢٠
ماريا : أنت تُصر على الكتمان إذن؟
المهرج : ليس على الكتمان .. ولكنني أعتمد على ذريعتَين.
ماريا :
حتى إذا فشلَت إحداهما نجحت الأخرى .. وإذا فشلت الاثنتان فكأن
حمالة السراويل قُطعت … وسقطت سراويلك!٦٦
المهرج :
قولٌ موفَّق، بالحق، بل بالغ التوفيق! أنت حرة فيما تفعلين. وإذا ٢٥
أقلع سير توبي عن الشراب، فسوف تكونين أنسب زوجة في إلليريا
كلها له.
ماريا :
اسكت أيها الوغد. لا تزد الكلام في هذا الموضوع؛ فها هي ذي
مولاتي قادمة، والأفضل لك أن تستعد بذريعة مقبولة.

(تخرج ماريا.)

(تدخل الليدي أوليفيا مع مالفوليو وبعض أفراد الحاشية.)

المهرج (جانبًا) :
يا أيتها اللماحية .. إن قضت مشيئتك .. ألهميني التوفيق في٦٧ ٣٠
التهريج! فالأذكياء الذين يظنون أنهم «لمَّاحون» كثيرًا ما يتضح أنهم
حمقى! وأنا الواثق من افتقاري إليك، قد يرى الناس عندي الحكمة!
إذ ماذا يقول كوينابالوس؟٦٨ «المهرج اللمَّاح أفضل من اللمَّاح
الأحمق!» بارك الله مولاتي! ٣٥
أُوليفيا : أخرجوا المهرِّج من هنا!
المهرج : ألم تسمعوا ما قالته يا أصحاب؟ أخرجوا الليدي من هنا!
أوليفيا : خسئت! لقد جفَّ نبعُك. لن أقبل المزيد منك. كما أنك أصبحت خائنًا.٦٩
المهرج :
هذان عيبان يا مولاتي .. والشراب والمشورة الصائبة تصلحانهما. فإذا ٤٠
سقيتِ المهرِّجَ الذي جفَّ نبعُه شرابًا، لم يعد يعاني من الجفاف.
ولنطلب من الخائن أن يصلح حاله، فإذا انصلح حاله، لم يعد
خائنًا. أمَّا إذا لم ينصلح، فلنطلب من مُرقِّع الثياب إصلاحه؛ فكل
ما نصلحه نُرقِّعُه. فالفضيلة التي تأثمُ يظهر فيها خرقٌ مُرقَّعٌ من٧٠ ٤٥
الخطيئة، والخطيئة التي تنصلح تبدو فيها رُقعة الفضيلة. فإذا كانت
هذه الحجة٧١ سليمة، وثبت الترقيع في كل شيء، فبها، وإلا كيف
نداوي الحال؟ فمثلما يقال إن المصيبة أصدق ديَّوث،٧٢ يقال إن الجمال
زهرة ما تفتأ أن تذوي. لقد طلبَت الليدي إخراج المهرِّج من هنا، ٥٠
وهكذا أقول من جديد: أخرجوها!
أوليفيا : لقد طلبتُ منهم إخراجكَ أنت من هنا!
المهرج :
سوءُ تفاهمٍ من الطبقة الأولى! مولاتي: لا يصبحُ الراهبُ راهبًا
بارتداء قلنسوة الرهبان،٧٣ وهذا يماثل قولي إن رداء عقلي ليس متعدِّد
الألوان مثل رداء جسدي. يا مولاتي الطيبة، اسمحي لي أن أُثبت
أنك مهرجة! ٥٥
أوليفيا : هل تستطيع ذلك؟
المهرج : بكل براعة يا مولاتي الكريمة.
أوليفيا : قدِّم برهانَك.
المهرج :
لا بد لي من استجوابك يا مولاتي. يا فأرةَ الفضيلةِ الكريمة ..٧٤ ٦٠
أجيبيني!
أوليفيا : ما دامت هذه هي التسريةُ الوحيدةُ المتاحة .. سوف أقبلُ براهينك.
المهرج : مولاتي الكريمة، علامَ تلبسين ثياب الحِداد؟
أُوليفيا : على وفاة أخي أيها المهرِّج الكريم. ٦٥
المهرج : أظن أن روحه في النار يا مولاتي.
أوليفيا : أنا واثقةٌ أن روحه في الجنة يا مهرِّج.
المهرج :
إنه تهريج أشد يا مولاتي أن تحزني هذا الحزن على روح أخيك،
وهي في الجنة. أخرجوا المهرِّجة من هنا أيها السادة. ٧٠
أوليفيا : ما رأيك في هذا المهرِّج يا مالفوليو؟ ألم يتحسَّن مستواه؟
مالفوليو :
نعم. وسوف يزداد تهريجًا حتى ينتفض جسمه في سكرات الموت؛
فالضعف الذي يجعل الحكماء يذوون، يزيد المهرِّجين تهريجًا. ٧٥
المهرج :
فليُصِبكَ الله يا سيدي بضعفٍ عاجل حتى تزداد تهريجًا وحمقًا!
لسوف يقسم السير توبي على أنني لست ثعلبًا ماهرًا (مثلك)،٧٥ ولكنه
لن يراهن بمليمَين على أنك لست مهرِّجًا أحمق!
أوليفيا : ما ردُّك على هذا يا مالفوليو؟ ٨٠
مالفوليو :
أدهشُ كيف تستمتعُ مولاتي بهذا الوغد العقيم. لقد شهدتُ هزيمته
من عهدٍ قريب على يدَي مهرِّج عادي يعمل في إحدى الحانات،٧٦ ولا
يزيد عقله على قطعة من الحجر! انظري إليه الآن وقد نفدت كل
ألاعيبه فعلًا، فإذا لم تضحكي وتهيِّئي الفرصة له، فلن يستطيع فتح
فمه. وأزعم أن العقلاء الذين يضحكون ملء أشداقهم على هذا النوع ٨٥
من المهرِّجين، لا يزيدون عن كونهم مساعدين لهم.
أوليفيا :
أنت مريضٌ بحبِّ ذاتك يا مالفوليو، وتتذوَّق الأشياء بشهية معتلَّة.
فالكريم البريء سليم الطوِيَّة يرى أن هذه القذائف اللفظية من السهام ٩٠
التي نصيد بها الطيور،٧٧ وأنت تراها من قنابل المدافع. والمهرِّج المسموح
له بالسخرية لا يقذف بالباطل،٧٨ ولو اقتصر على السخرية طول
الوقت، والرجل المشهود له بالحصافة لا يأتي بالبهتان أبدًا، حتى لو
اقتصر على اللوم والتأنيب. ٩٥
المهرج :
فليهبكِ ميركوري ربُّ الغشِّ القدرةَ على الكذب، ما دمت تناصرين
المهرجين!٧٩

(تدخل ماريا.)

ماريا : مولاتي! بالباب سيد شاب يرغب بشدة في محادثتك. ١٠٠
أوليفيا : مرسلٌ من دوق أورسينو؟
ماريا : لا أعرف يا مولاتي. إنه شاب جميل، ومعه صحبة رفيعة.
أوليفيا : مَن مِن رجالي يمنعه من الدخول؟
ماريا : سير توبي .. قريبك يا مولاتي. ١٠٥
أوليفيا :
مُريه أن يتركه ويحضر .. أرجوك؛ فحديثه جنون في جنون.
تبًّا له!
(تخرج ماريا.)
واذهب أنت يا مالفوليو. فإن كان مرسال خطبةٍ من الدوق، فقل
إني مريضة، أو لستُ في المنزل، أو أي شيء تريد؛ حتى
تصرفه عنا. ١١٠
(يخرج مالفوليو.)
أرأيتَ يا سيد كيف أصبحَت فكاهاتُك٨٠ قديمة، وكيف ينفر منها
الناس؟
المهرج :
لقد دافعتِ عنَّا يا مولاتي كأنما سيصبح ابنُك الأكبرُ مهرِّجًا.
وأدعو الرب جوف أن يملأ رأسه بالمخ. ها هو ذا يأتي! قريب لك
ذو مخ بالغ الضعف. ١١٥

(يدخل سير توبي.)

أوليفيا : أقسم بشرفي .. إنه نصف مخمور. من الذي بالباب يا ابن العم؟
سير توبي : سيد مهذب.
أوليفيا : سيد مهذب؟ أي سيد مهذب؟ ١٢٠
سير توبي :
سيد مهذب هنا (يتجشَّأ). لعن الله الرنجة المخللة! ما أحوالك
أيها السكير؟٨١
المهرج : مرحبًا بالسير توبي الكريم!
أوليفيا : يا ابن العم يا ابن العم! كيف أبدلتَ بالصَّبُوح الغَبوق؟٨٢ ١٢٥
سير توبي : الفسوق؟ إنني أتحدَّى الفسوق. بالباب شخص ينتظر.٨٣
أوليفيا : نعم. حقًّا. فما منزلته؟
سير توبي :
فليكن الشيطان إذا أراد! لستُ أهتم! وأقول: المهم هو الإيمان!٨٤
على أي حال، يستوي هذا وذلك! ١٣٠

(يخرج السير توبي.)

أوليفيا : ماذا يشبه السكرانُ يا مهرِّج؟
المهرج :
يشبه الغريق، والمهرج، والمجنون. فإذا تجاوز «الانبساط»٨٥ بكأس
واحدة أصبح مهرِّجًا، والكأس التالية تجعله مجنونًا، والثالثة تُغرقُه.
أوليفيا :
اذهب فاستدعِ محقِّق الوَفَيَات، ودعه يفحص حالة ابن عمي؛ فقد ١٣٥
وصل إلى المرحلة الثالثة من الشراب .. وغرق! اذهب للاعتناء به.
المهرج :
إنه في مرحلة الجنون فقط يا مولاتي، وسوف يقوم المهرِّج برعاية
المجنون.

(يخرج المهرج.)

(يدخل مالفوليو.)

مالفوليو :
مولاتي، بالباب شاب يقسم أن يحادثك. قلت له إنك مريضة، فقال ١٤٠
إنه يعرف ذلك، وأتى حتى يحادثك لهذا السبب. ثم قلت له إنك
نائمة، فبدا أن لديه علمًا سابقًا بذلك أيضًا، وهكذا أتى ليحادثك. ١٤٥
ماذا أقول له يا مولاتي؟ إنه محصَّنٌ ضد أي صدٍّ أو رد.
أوليفيا : قل له لن أسمح له بمحادثتي.
مالفوليو :
قلت له ذلك فقال إنه سوف يقف على بابك مثل العمود المُقام أمام
مكتب المأمور، أو مثل الوتد الذي تُقام عليه الأريكة؛ حتى تحين له
محادثتك. ١٥٠
أوليفيا : أي نوع من الرجال هو؟
مالفوليو : عجبًا! من البشر!
أوليفيا : أقصد أي شكلٍ من الرجال؟
مالفوليو : أخلاقه بالغة السوء؛ يقول إنه سوف يحادثك إن شئت أم أبيت. ١٥٥
أوليفيا : ما شخصيته وما عمره؟
مالفوليو :
لم يبلغ مبلغ الرجال بعد، وإن كان قد تخطَّى مرحلة الطفولة، مثل
قرن البسلة الذي لم ينضج، أو التفاحة التي ما زالت خضراء. كأنه
ماء البحر بين المد والجزر،٨٦ بين الغلام والرجل. وهو بالغُ الوسامة، ١٦٠
وصوته بالغُ الحدة في الكلام، فكأنه ما زال يرضع لبن أمه.
أوليفيا : اسمح له بالدخول، واستدعِ وصيفتي. ١٦٥
مالفوليو : أيتها الوصيفة، مولاتك تدعوك.

(يخرج مالفوليو.)

(تدخل ماريا.)

أوليفيا :
أحضِري الآن خماري واجعليه فوق وجهي:٨٧
من جديدٍ سوف نُصغي لرسولٍ من لدن أورسينو.

(تدخل فيولا.)

فيولا : ربةُ البيت الكريمة، أيكُنَّ؟
أوليفيا : كلِّمني وأنا أتكلَّم باسمها.٨٨ ماذا تبغي؟ ١٧٠
فيولا :
يا ذات الجمال الوضَّاء الخلَّاب الباهر الذي لا يُجارى، أرجوك أن
تخبريني إن كانت هذه ربة البيت؛ إذ لم أشاهدها من قبل، وأكره
أن تذهب كلماتي أدراج الرياح، فإلى جانب الأسلوبِ الممتاز الذي
كُتبت به، فإنني بذلت جهدًا كبيرًا في استظهارها. فيا أيتُها
الجميلاتُ الكريمات، أرجو ألَّا تستهزئن بي؛ فأنا بالغ الحساسية ١٧٥
لأدنى كلمةٍ جارحة.
أوليفيا : من أين أتيت سيدي؟
فيولا :
لا أكاد أستطيع أن أقول كلامًا خارج النص الذي حفظته، وهو
لا يتضمَّن هذا السؤال. أيتها الرقيقة الكريمة، أريد تأكيدًا معقولًا بأنك ١٨٠
ربة المنزل؛ حتى أواصل إلقاء كلامي.
أوليفيا : هل أنت ممثِّل؟
فيولا :
كلا وبكل إخلاص!٨٩ ومع ذلك، فإنني أقسم بأنياب أفعى الخبث٩٠ إنني ١٨٥
لست الشخص الذي ألعب دوره. هل أنت ربةُ المنزل؟
أوليفيا : إذا لم يكن لي أن أغتصب ذاتي،٩١ فأنا هي.
فيولا :
المؤكَّد قطعًا أنك إذا كنت هي، فأنت تغتصبين ذاتك؛ فما يجبُ
عليك أن تمنحيه يجبُ عليك ألَّا تمنعي الدنيا من نواله. ولكنني
أخرجُ بذلك عن نص مهمتي. سوف أتابعُ حديثي في امتداحك، ثم ١٩٠
أُطلعُك على قلب رسالتي.
أوليفيا : انتقل إلى ما هو مهمٌّ فيها، وسوف أُعفيك من المدح.
فيولا : وا أسفا! لقد بذلت جهدًا كبيرًا في استظهاره، وهو شعر. ١٩٥
أوليفيا :
والأرجح إذن أن يكون كاذبًا. أرجوك لا تُنشده. سمعتُ أنك كنت
سليط اللسان عند بابي، وقد سمحتُ بمقابلتك بدافع الفضول
والدهشة، لا لأستمع لِمَا تقول. فإن كنت مجنونًا فانصرف، وإذا كنت ٢٠٠
عاقلًا فأوجز مقالك. ولستُ مجنونةً حتى أشاركك في حوار خَبَل.
ماريا : هل تنشرُ شراعكَ يا سيد؟ طريقُ الرحيل أمامك.
فيولا :
لا يا من تتولَّى تنظيف السفينة،٩٢ سيظل شراعي مطويًّا فترة أطول. ٢٠٥
(إلى أوليفيا) وأرجو أن تخفِّفي قليلًا من حدة صاحبتك الحُلوة
العملاقة!٩٣ فهل أنت على استعدادٍ لسماع رسالتي .. فأنا رسول.
أوليفيا :
لا بد أن لديك رسالةً رهيبة تريد الإدلاء بها، ما دُمت قد قدَّمت لها
هذا التقديم الرهيب. هاتِ رسالتَك. ٢١٠
فيولا :
لن تسمعها سوى أُذُنَيك. لم آتِ بإعلان حرب، ولا بطلب خُضوع،
لكنني أحملُ غُصن زيتونٍ في يدي، وكلماتٍ يعمرها السِّلم مثلما
تعمرها المعاني.
أوليفيا : ولكنك بدأت بسلاطة اللسان، فما أنت وماذا تريد؟ ٢١٥
فيولا :
سلاطة اللسان التي بدت مني جاءت ردًّا على سوء استقبالي، وأمَّا ما
أنا، وما أريد، فهما من الأسرار مثل العفَّة! مقدَّسةٌ في أذنَيك، ومدنَّسة
في آذان الآخرين. ٢٢٠
أوليفيا :
فلتخرجْن جميعًا. سوف نختلي به لنسمع القداسة!
(تخرج ماريا والوصيفات.)
والآن يا سيد، ما نص الرسالة؟
فيولا : يا أعذب الفتيات ..
أوليفيا :
مذهب يبث العزاء والسلوى، ويمكن الإطالة، فيه لكن أين النص ٢٢٥
الذي جئتَ به؟
فيولا : في صدر أورسينو.
أوليفيا : في صدره؟ في أي فصلٍ من فصول ذلك الكتاب؟
فيولا : إذا أجبتُ بنفس الأسلوب قلت: في الفصل الأول من قلبه. ٢٣٠
أوليفيا : قرأتُ ذلك الفصل، وهو يقوم على الزندقة. هل فرغت من حديثك؟
فيولا : مولاتي الفاضلة، دعيني أشاهد وجهك.
أوليفيا :
هل كلَّفك مولاي بأن تتفاوض مع وجهي؟ لقد خرجتَ الآن على ٢٣٥
النص، ولكننا سوف نرفع الستار ونُريك الصورة (ترفع النقاب).
انظر سيدي! هذه اللوحة تمثِّلُني. ألم يتفوَّق مُبدعُها؟
فيولا : إنها فائقةُ التصوير إن كان الله قد أبدعها كلها.٩٤
أوليفيا : إنها ذات ألوانٍ ثابتة .. لن تمحُوَها الريح وتقلُّباتُ الجو! ٢٤٠
فيولا :
هذا جمالُ الامتزاج الحقِّ للألوان في اللوحة٩٥
إذ خطَّت الفرشاةُ في يد الطبيعة الجميلة المبدعة٩٦
ألوانها الحمراء والبيضاء! قد تُصبحين يا فتاتي
أقسى فتاةٍ فوق هذه البسيطة
إذا اصطحبتِ ذلك الجمالَ كُلَّه إلى الثرى ٢٤٥
ولم تُخلِّفي في الأرض صورةً٩٧ له بين الورى.
أوليفيا :
لا يا سيدي! لن أكون بهذه القسوة! بل سوف أوزِّعُ على الناس قوائم
كثيرةً تتضمَّن وصف جمالي، فسوف أُجري له جردًا، وأُرفقُ القوائمَ
التي تتضمَّن وصفًا لكل جزءٍ وأداةٍ بوصيتي في ملحقٍ خاص؛ فمثلًا
عندك شفتان قانيتان، عينان عسليتان، ولهما أجفان، ورقبة واحدة، ٢٥٠
وذقن واحد، وهلمَّ جرًّا. هل أُرسلتَ إلى هنا لتقدير قيمتي؟
فيولا :
الآن أستطيعُ أن أرى حقيقتك!
فأنت ذاتُ كبرياءٍ فاقت الحُدود،
لكنه حتى إذا كنت الشيطان ..٩٨ فأنت فاتنة، ٢٥٥
وسيدي يُكِن أعمق الغرام لك .. ولا مناص من وصاله
حتى وإن لبست تاجًا للجمال لا يُبارَى!
أوليفيا : وكيف يُبدي الحبَّ لي؟
فيولا :
يُبديه في آيات تقديسه .. في أغزر الدموع!
يُبديه في أنَّاته التي بالحب تهدِر .. وفي تنهُّداته المُلتهبة!
أوليفيا :
مولاكَ واثقٌ من موقفي فإنني عاجزةٌ عن حبه.
ورغم ذاك قلت إنه لذو فضيلةٍ كما عرفتُ فيه النُّبل!
ثراؤُه عريض، شبابُه ذو نَضرةٍ ولم تشُبه شائبة،
وصِيتُه يفيضُ بالثناء والحديث عن سخائه وعلمه وجُرءَته!
كما عرفتُ أنه حباه اللهُ بسطةً في الجسم فاستوت رشاقتُه! ٢٦٥
لكنني لا أستطيع أن أحبَّه، وكان ينبغي له
قَبولُ هذه الإجابة التي أسوقُها من زمن.
فيولا :
لو كنتُ أُكن غرامًا لك مثل لهيب غرامه٩٩
وأُعاني مثل مُعاناته .. وأُكابدُ عَيشًا صِنو الموت كمثله
ما كنت لأفهم أي جُحودٍ عندكِ، بل أستنكرُه أو أُنكرُه! ٢٧٠
أوليفيا : عجبًا! ماذا كنت ستفعل؟
فيولا :
أبني كوخًا من أغصان الصفصاف على بابك،
وأُنادي روحي١٠٠ في المنزل!
أكتب بعض أغاني الإخلاص فأبكي الحبَّ المحرومَ وأُنشدُها،
وبأعلى صوتٍ حتى في هدأة ساعات الليل، ٢٧٥
وأردِّدُ تسبيحي باسمك حتى تُرجعه كلُّ تِلال الأرض،
وتُشارك ربةُ أصداء الأجواء١٠١
ترديد ندائي «أوليفيا»! ماكنتُ أُتيحُ لك الراحة
ما بين هواءٍ وترابٍ حتى تُبدي الإشفاق عليَّ!
أوليفيا : أي كنتَ تفعلُ الكثير! ما نسَبُك؟ ٢٨٠
فيولا :
فوق حُظوظي .. لكني ذو منزلةٍ لا بأس بها؛
فأنا من منزلة الأسياد.
أوليفيا :
اذهب إذن إلى مولاكَ قُل له بأنني لا أستطيعُ أن
أُحبَّه، واطلب إليه أن يكفَّ عن إرسالِ رُسُلِه،
إلا إذا أردت أن تُكرِّر الزيارة .. فربما ٢٨٥
أردت أن تُحيطني علمًا برد فعله .. وداعًا!
شكرًا على جُهودكْ. إليك هذا الكيسُ أنفق ما به!

(تعرضُ عليه مالًا.)

فيولا :
مولاتي! لستُ رسولًا مأجورًا فاحتفظي بنُقودك.
أمَّا من يطلبُ ترضيةً فهو رئيسي لا شخصي!
وليجعل ربُّ الحُبِّ فؤاد حبيبكِ حين تُحبين من الحجر القاسي،١٠٢ ٢٩٠
وليجعَلْه يُنكر نار غرامكِ إنكارك لغرام رئيسي،
ووداعًا يا أجمل، بل أقسى الناس!

(تخرج فيولا.)

أوليفيا (تردِّد لنفسها أقوال فيولا أولًا) :
«ما نسبُكَ؟ فوق حُظُوظي! لكني ذو منزلةٍ لا بأس بها؛
فأنا من منزلة الأسياد». أُقسم إنكَ صادق! ٢٩٥
فلسانُك، وجهك، أطرافُك، أفعالُك، روحُك؛١٠٣
تشهدُ مراتٍ خمسًا لك بالرِّفعة! لا! ليس بهذي السرعة!
فلأتمهَّل! فلأتمهَّل! إلا لو كان المرسالُ هو السيد!١٠٤
ماذا أفعل؟ هل يُعقَل أن تسري عدوى المرض
إلى الإنسان بتلك السرعة؟ إني ليُهيَّأُ لي أني أشعر ٣٠٠
بمحاسن١٠٥ هذا الشابِّ وقد زحفت تسترقُ الخطوَ
وتسكن في عينَي بمكرٍ خلسة! فليكن الأمرُ كذلك!
مالفوليو! أين ذهبت!

(يدخل مالفوليو.)

مالفوليو : موجودٌ يا مولاتي طَوع بنانك.
أوليفيا :
اذهب فأدرك المُشاكس الذي أرسله الدوق؛
فقد أصرَّ أن أنال ذلك الخاتم .. إن شئتُ ذاكَ أم أبيتُه! ٣٠٥
أخبرِه أَنني لن أقبله .. وقُل له ألَّا يُشجِّع سيِّده
على التَّمادي في الطلب! ألَّا يُطيِّب خاطره
بخوادع الآمال! فلن أكون من نصيبه!
وإن أتى ذاك الفتى إلى هنا غدًا،
فسوف أشرحُ الأسبابَ له! أسرع إذن مالفوليو! ٣١٠
مالفوليو : مولاتي لن أتواني!

(يخرج مالفوليو.)

أوليفيا :
لا أدري ما أفعل، بل أخشى أن العينَين الآن
قد ضلَّلتا عقلي شرَّ ضلالٍ يعرفُه إنسان.١٠٦
أظهِر يا قدرُ إذن جبروتك إذ إنا لا نملك أنفُسنا.
ما سُطِّر في لوح الغيب يكون، ولا مهرب ممَّا كُتب علينا.١٠٧ ٣١٥

(تخرج.)

١  المكان: قصر أورسينو.
٢  المعنى الظاهر أن الموسيقى قد تُشبع الشهية المرتبطة بالحب، ولكن ويلسون يقول إن الشهية المقصودة ليست شهية القلب، بل «اشتهاء الحب إلى الموسيقى». وأمَّا المحدَثون فيربطون بين هذه الصورة والصورة المماثلة في «أنطونيو وكليوباترا» عندما يرد «أن الموسيقى غذاء متقلِّب المزاج لنا نحن المحبين» (٢ / ٥ / ١–٢). والمعروف أن شيكسبير كان قد أشار إلى أن الحب غذاء للنفس عندما قال في مسرحية «السيدان من فيرونا»: «الآن أستطيع أن أفطر! فآكل وأتغذَّى وأنام على اسم الحب المجرَّد وحسب» (٢ / ٤ / ١٣٧–١٣٨).
٣  «ذاب في آخره رقة»: المقصود ما يسمِّيه الموسيقيون «القفلة» التي قد تتخافض بأسلوب (diminuendo) أو بلمسة من المقامات الصغيرة، أو بعودة «مشبعة» إلى النغمة التي يستقر عليها المقام الموسيقي.
٤  «كأنه صوت جميل»: اختلف الشُّراح فيما إذا كان هذا الصوت صوت هبوب النسيم أو صوت الموسيقى التي يحملها النسيم. وسوف يستعير ملتون تشبيه الرائحة في «كوموس» (٢ / ٥٥٥–٧) (Comus)، وقد حاول بوب (Pope) الشاعر الكلاسيكي «تصحيح» النص باستبدال كلمة «الجنوب» (South) بمعنى «ريح الجنوب» بكلمة صوت (Sound)، ولكن كل الشواهد تقطع بأن ريح الجنوب لم تكن لها دلالات حسنة في شيكسبير، والاحتجاج بأن سيدني قد استخدم هذه الصورة لا يكفي لتغيير الكلمة الواردة في الفوليو. والطريف أن ويلسون لم يغيِّر كلمة «الصوت» في الطبعة الأولى للمسرحية (١٩٣٠م)، ثم غيَّرها إلى «الجنوب» في الطبعة الثانية (١٩٤٩م)، ولكن الطبعات الحديثة التي بين يدَي جميعًا تقول «الصوت»، وبها التزمت.
٥  «ما أشد قوتك .. ونهمك» (quick and fresh): يفسِّرها كريك وبيكر ودونو وموات وورستين (وكلهم مُحدَثون) بأن روح الحب نهم شره حريص على التهام كل شيء، ولكنني رجعت ﻟ «معجم أوكسفورد» الكبير فوجدت أن الصفتَين معًا توحيان بالقوة أيضًا (quick III. 20 وfresh 11.b)؛ فهو تعبير مزدوج (binomial) أو حتى كلمتان متصاحبتان (collocation) يفيدان القوة والنهَم معًا، ووجدت سندًا لذلك في ويلسون (الطبعة الثانية ١٩٤٩م). وأمَّا الكلمات التي يفسِّر التعبيرَ بها المحدثون فهي (eager/lively/vigorous/alive/hungry/keen)، وكلها تدور في الفلك نفسه. وما زلنا نستخدم في الإنجليزية المعاصرة هاتَين الكلمتَين بمعانٍ مماثلة.
٦  «مثل لُجة المحيط»: يعود أورسينو إلى الصورة نفسها فيما بعدُ إذ يقول: «أمَّا غرامي فهو جائع كالبحر، ويستطيع هضم ما يهضمه البحر» (٢ / ٤ / ١٠١–١٠٢). ويعود شيكسبير إلى الصورة نفسها في العاصفة؛ إذ يقول آرييل: «قُضي بأن يلفظكم البحر، وهو الذي لا تتخم له شهية» (٣ / ٣ / ٥٥).
٧  «مهما علا قدرًا فلامس الذرا»: الأصل في اللغة الإنجليزية soe’er of what validity and pitch. يمثِّل التعبير بكلمتَين عن حال واحدة، وهو ما يسمَّى في البلاغة الكلاسيكية (hendiadys)؛ فالكلمة الأولى (validity) تعني هنا علو القدر أو السمو في القيمة، والثانية (pitch) تعني هنا الذروة التي يصل إليها الصقر في طيرانه، والاسمان يعبِّران عن اسم وصفه معًا، وسوف يعود شيكسبير لهذه الحيلة البلاغية في «هاملت»، وقد فصلتُ في ترجمتي هنا مثلما فصلتُ في هاملت بين الكلمتَين حفاظًا على الأصل البلاغي: (enterprises of grear pitch and moment) «فإن مجرى أعظم الفعال أو تيار أسمى المنجزات» (٣ / ١ / ٨٦).
٨  كلمة (fancy) الإنجليزية تعني الحبَّ باعتباره وليد الوهم، وشيكسبير كثيرًا ما يستخدم الكلمة للتعبير عن هذه الدلالة الدقيقة؛ فأحيانًا ما يكون المقصود «الحب» فقط (وهو المعنى الشائع حتى اليوم في قولك He fancies you؛ أي إنه يميل إليك أو يهواك، ولدينا في العامية المصرية معنًى قريب من هذا هو «غاوي» (و«غية الحمام» بمعنى اقتناء حمام فوق سطح المنزل، يشار إليها بالكلمة الإنجليزية نفسها»)، وأحيانًا يكون المقصود هو الوهم الذي يولِّده الحب! وكلنا نذكر ما ورد في «حلم ليلة صيف» عن ارتباط الوهم بالحب (١٥ / ١ / ٤–١٧)؛ فالمجنون والشاعر والمحب جميعًا يعيشون على الأوهام. وكان شيكسبير قد عبَّر عن المعنى نفسه وبدقة شديدة في «خاب سعي العشاق» (٥ / ٢ / ٧٦٢–٣)، ويقول بعض الشراح إنه تأثَّر في هذا المفهوم بما قاله فرانسيس بيكون (في كتابه «مقالات») عن الحب.
٩  هنا تورية في الأصل؛ لأن كلمة الظبي الإنجليزية (hart) تشبه في النطق (heart) التي تعني القلب، وهو المعنى الآخر الذي يشير إليه أورسينو حين يقول إنه «أشرف الأعضاء» (noblest)، ولكنه لا يلبث أن يعود للمعنى الأول في الصورة المقتبَسة من «مسخ الكائنات» للشاعر الروماني أوفيد (Ovid) (راجع الإشارات الأخرى إليها في المقدمة). والصورة التي يوردها أوفيد تقول (٣ / ١٣٨ وما بعده) إن آكتيون (Actaeon) الصائد الماهر شاهد ديانا في إحدى رحلاته وهي تستحم، فعوقب بأن مُسخ وتحوَّل إلى ظبي، وطاردته كلابه حتى أدركته ومزَّقته. وهكذا يصوِّر أورسينو نفسه في صورة الصائد والفريسة معًا، وكان تصوير الرغبة أو النزعات الغرامية في صورة كلاب الصيد شائعًا في ذلك العصر، كما نجده في السونيت الخامسة لصمويل دانيل (Daniel) المعاصر لشيكسبير. ويقول بعض الشراح إن الصورة ترمز للحب بلا أمل، وإن لم يكن ذلك واضحًا في نص شيكسبير.
١٠  «السماء» في الأصل (element)، وقد يكون معناها الجو أو السماء (جو السماء؟).
١١  «سبعة أصياف»: يعبِّر شيكسبير عن الصيف بمجاز مرسل هو «الحَر» (heat) (بعض من كل)، والترجمة الحرفية هي «حرُّ سبعة أعوام»، أو «سبعة أصياف حارة» (انظر تاجر البندقية ٢ / ٧ / ٧٥، «ريتشارد الثاني» ١ / ٣ / ٢٩٩ و«هنري السادس» / ١٢ / ١ / ٧٦)، والمقصود أن أوليفيا سوف تغطِّي وجهها لتحميه حر الصيف.
١٢  «راهبة» الأصل (cloistress): أي راهبة منعزلة في دَير أو غرفة من غرف الدَّير، والكلمة فيما يبدو من نحت شيكسبير؛ إذ لا توردها المعاجم، بل إن «معجم أكسفورد الكبير» لا يورد إلا هذا الشاهد لها، ويوردها معجم أكسفورد الوسيط (The Shorter) دون إيراد شواهد. وهذا وذاك يعرِّفانها بأنها راهبة وحسب (nun).
١٣  «سهم الغرام المترف الذهبي»: في الأصل (the rich golden shaft)، والمقصود السِّنان الذهبي للسهم الذي يطلقه كيوبيد رب الغرام، وكان له سنان آخر «رصاصي» يثير النفور، كما يقول أوفيد في «مسخ الكائنات» (١ / ٤٦٨–٤٧١)، وقد سبقت لشيكسبير الإشارة إلى ذلك في «حلم ليلة صيف» ١ / ١ / ١٧٠.
١٤  «المشاعر الأخرى» (all affections else): ربما كان شيكسبير يقصد ما يقصده سيدني في أركاديا (Arcadia) بملكات النفس التي تسكن الجسد (في مطلع الكتاب الأول).
١٥  التفرقة الدقيقة بين القلب والكبد لدى القدماء مُختلَفٌ عليها؛ فكلاهما كان يعتبر مقر المشاعر أو العواطف، وإن كان الشراح يقولون إن الفرق ينحصر في الدرجة ولا ينصرف إلى «النوع»؛ فالقلب مقر المشاعر (emotions) والكبد مقر أو «عرش» العواطف المشبوبة (passions) والعاطفة بعدُ درجة من درجات الشعور، بل إن شيكسبير في المسرحية نفسها يوحي بالموازنة الضمنية بينهما في الفصل الثاني، المشهد الرابع، فينكر على المرأة القدرة على هذا وذاك مشيرًا إلى ذلك «المقر» مرةً باسم القلب ومرةً باسم الكبد (السطر ٩٥ وما بعده)، وكلاهما في كفة والعقل في الكفة الأخرى، وما التقسيم الثلاثي إلا حيلة بلاغية كما يقول ج. م. لوثيان (J. M. Lothian)، أو ترتيب اقتضاء وزن البيت الشعري. وأمَّا الملك المقصود فهو الحبيب الذي يفوز بها، ويعني نفسه بطبيعة الحال، وأمَّا أوجه الكمال فيعني به محاسن المرأة الظاهرة وحسب؛ فحبه لأوليفيا كما يتضح من كلامه حُب لجمالها الذي «يطهِّر الهواء من أدرانه».
١٦  البيت المقفَّى هو الختام الطبيعي لكل مشهد، وإن كان شيكسبير يستخدم القافية في حالات كثيرة في المسرحية داخل المشهد لا للدلالة على اختتامه. والختام هنا يؤكِّد أن المقصود بأوجه الكمال في البيت (perfections) هو الجمال الذي ينشده الآن في خمائل الزهر الجميل.
١٧  المكان: ساحل البحر.
١٨  تقول ماهود (Mahood) في طبعة بنجوين للمسرحية عام ١٩٦٨م: «إن إلليريا هي الاسم الذي نُطلقه اليوم على يوغوسلافيا، وهو اسم يستدعي للذهن دنيا الرومانسيات اليونانية المتأخِّرة، ولكن تفاصيل المكان الذي تجري فيه الأحداث توحي جميعًا بإنجلترا.» وقد ناقشت ذلك تفصيلًا في المقدمة. ولكن كريك يقول في طبعة آردن إن شيكسبير ربما كان قد تذكَّر ما ورد في ترجمة جولدنج لأوفيد (مسخ الكائنات، ٤ / ٧٠١) من أن «كادموس وزوجته ألقت بهما الأمواج على ساحل إلليري (أو إلليريا) (Illirie)»، وكانا يجهلان أن ابنتهما ومولودها قد نجيا من الهلاك في البحر بأن تحوَّلا إلى أرباب من أرباب البحر. وسواء كان ذلك صحيحًا أم لا، فهو لا يغيِّر من اعتبار إلليريا مكانًا غريبًا يناسب الأحداث الرومانسية.
١٩  «جنات الخلد»: في الأصل (Elysium) وكانت عند القدماء مأوى أرواح الموتى الصالحين، ويقول ويلسون إن الطباق يؤكِّده الجناس الناقص بالإنجليزية، وهو ما يستحيل نقله في الترجمة.
٢٠  أريون (Arion): كان آريون ملَّاحًا ماهرًا في عزف الموسيقى؛ فاستطاع أن يسحر بموسيقاه دولفينًا كان يسبح بجوار سفينته، فجعله يحمله إلى شط النجاة، ويفر من القتل (أوفيد، «الروزنامة / التقويم»، ٢ / ٧٩–١١٨)، ويروي هيرودوت القصة نفسها (١ / ٢٤).
٢١  «خصيًّا»: كان الاسم الشائع آنذاك هو «الخصي السوبرانو»؛ أي الغلام الذي يدرَّب على الغناء بأصوات النساء الحادة، وكان يستعان بالخصاء في ضمان احتفاظهم بذلك الصوت الحاد، ولكن يبدو أن شيكسبير عدل عن هذه الفكرة؛ إذ تلتحق فيولا بخدمة أورسينو باعتبارها خادمًا وحسب، وقيل بسبب ذلك إن شيكسبير قام بمراجعة المسرحية وتعديلها بعد كتابتها ونسي حذف هذه الإشارة.
٢٢  «التابع الأخرس»: الإشارة هنا إلى تعيين «الصم البكم» خدَمًا في البلاط التركي، وهو ما يصرِّح به شيكسبير في «هنري الخامس» ١ / ٢ / ٢٣٢ («مثل التركي الأخرس»).
٢٣  المكان: هو منزل أوليفيا أو قصرها المنيف.
٢٤  «بنت أخي»: انظر الحاشية على سير توبي في مستهل هذه الحواشي (٢).
٢٥  «لا اعتراض على ما سبق الاعتراض عليه!»: هذا أول نموذج للتلاعب بالألفاظ في المسرحية؛ فهو يستخدم الترجمة الشائعة للتعبير القانوني اللاتيني (exceptis excipiendis)، وكان يعني أصلًا «فيما عدا ما سبق من استثناءات»، ولكنه يتلاعب بتعبير (to take exception)؛ أي يعترض أو يغضب، الذي استخدمته ماريا، بالزج بهذا التعبير بعده تحويره ليلائم غرضه!
٢٦  «أكتسي»: ثاني تلاعب بالألفاظ! والإلحاح على التلاعب هنا يساعد في خلق جو المرح في قصر أوليفيا، وهو الذي يتناقض كل التناقض مع المشهدَين الأولَين.
٢٧  «كلمة كلمة ودون كتاب»: رغم أن سير توبي يقول هذا بقصد المديح؛ فالمعنى المضمر أن سير أندرو قد تعلَّم عبارات أجنبيةً وحفظها وحسب، ومن ثم فالإشارة تهيِّئنا للتعرُّف على جهله في السطور ٩٠–٩٣ من هذا المشهد.
٢٨  «كل المواهب حقًّا»: تواصل ماريا الصورة التي أتى بها السير توبي؛ أي إن المواهب طبيعية إلى أقصى حد، وكانت الصفة «طبيعي» (natural) تعني «الأبله» (معجم أُنينز Onions)، ما دامت ماريا تؤكِّد أن حمقه «طبيعي». والطريف أن يؤيِّد الدكتور جونسون ذلك (انظر المقدمة).
٢٩  «أقسم»: في الأصل «أقسم بهذه اليد» (By this hand)، وقد أبقيت على الأصل الذي انتهت دلالته الثقافية (والأصل فيها المصافحة أثناء الوعد أو الوعيد) في حالة مالفوليو ٢ / ٣ / ١٢٢؛ لأن المخرجين يقولون إنه يلوِّح بيده في الهواء، ولكنني اكتفيت بالقَسَم هنا لأن التعبير لا يفيد إلا القَسَم فحسب.
٣٠  «مثل النحلة الدوَّارة»: في الأصل (parish top)، ومعناها اللعبة التي يضربها أبناء الأبرشية فتدور، من باب التسلية، فإذا كان لها طنين سُمِّيت (humming top) «النحلة الطنانة». ويضيف ويلسون هنا إرشادات مسرحيةً تقول: «يحيط وسطها بذراعه ويرقصان رقصةً دائرية.» ولكن فيرنس يعترض على هذه الإضافة.
٣١  «علينا بالخمر المعتقة!»: الأصل (Castiliano vulgo)، وقد اختلف الشراح في نوع النبيذ المطلوب، بل ورفض البعض أنه يطلب الخمر أصلًا، ولكن جمهور النقاد على أنه يطلب نوعًا جيدًا من الخمر؛ لأنه شاهد السير أندرو قادمًا.
٣٢  «يا فأرتي الجميلة»: في الأصل (fair shrew)، والمقصود هنا shrew-mouse، وكان الرجال يدلِّلون المرأة بوصفها بالفأرة. ولكن shrew لها معنًى آخر هو الشرود أو حتى السليطة، والسير أندرو لا يعي ذلك المعنى.
٣٣  «داعب»: في الأصل (accost)؛ أي تلطَّف معها، ولكن السير أندرو يتصوَّر أن الفعل اسم الفتاة ويناديها به.
٣٤  غيَّرت هنا من هجاء الكلمة لأُظهر جهل أندرو الذي يقصد شيكسبير تأكيده، وجئت بنظير عربي له معنًى لنقل الدلالة الثقافية للفكاهة.
٣٥  «جافة»: معناها إمَّا «عطشى» أو جافة بالمعنى الحقيقي لا المجازي، وكان جفاف راحة اليد يدل على الضعف الجنسي .
٣٦  لا يفهم سير أندرو مقصد ماريا فيوافقها، ثم يسألها عن مصدر الفكاهة في تلك الاستعارة!
٣٧  المقصود «بالامتلاء» هو «الحمل»، وهذا المعنى البعيد تتلاعب به ماريا حين ترد عليه (في ٧٨) بإيراد صورة العقم!
٣٨  «مهزومًا»: أي في المناقشة.
٣٩  «النبيذ يهزمني»: أي يطرحني أرضًا، وهو أمر مستبعد لِمَا نعرفه عن السير أندرو من قدرته الفائقة على احتساء الخمر.
٤٠  «المسيحي أو الرجل العادي»: تقول ماهود إننا إذا شئنا التفرقة بين هذا وذاك فلنا أن نفترض أن «الرجل العادي» قد يعني «طعام الرجل العادي»؛ أي الذي يتناول وجبات ثابتةً محدَّدة الأسعار في مطعم شعبي يُطلَق عليه اسم (an ordinary)، ولكن الأرجح هو المعنى الظاهر للنص؛ فكأنما يريد السير أندرو أن يقول إنه «غير عادي» أو «غير مسيحي»! وذلك من دلائل عجزه عن التعبير الدقيق «المعقول».
٤١  «لحم البقر .. يضر بذكائي»: كان الارتباط بين أكل لحم البقر والغباء من الأفكار الشائعة، بل ويُضرب به المثل؛ ففي مسرحية «طروبلوس وكريسيدا» يصف أحد الأشخاص شخصًا آخر بأنه «ذو عقل بقري» (beef-witted) (٢ / ١ / ١٣). وكان قد سبق لشيكسبير الإيحاء بذلك في هنري الخامس (٣ / ٧ / ١٣٠–١٤٧). ويقول كريك ربما كان السير أندرو يقصد أنه متهوِّر في شجاعته، وهو ما لا تُثبته أحداث المسرحية!
٤٢  «لو تصوَّرت ذلك»: لاحظ كيف يُجافي أندرو المنطق في كلامه؛ فالمنطق يقضي بأن يقول «يُخيَّلُ إليَّ» أولًا ثم «لو تأكَّدت من ذلك»، ولكنه يقول «أعتقد» (believe) أولًا ثم «لو تصوَّرت ذلك» (thought) ثانيًا!
٤٣  «بوركوا» (Pourquoi): كلمة فرنسية عادية معناها «لماذا»، وعدم فهم أندرو لها يبيِّن جهله بالفرنسية وينفي ما ذكره سير توبي عن معرفة أندرو للُّغات الأجنبية.
٤٤  «المغزل»: المقصود أنه نحيل مثل المغزل.
٤٥  «لا يزال الأمل قائمًا يا رجل»: الأصل تعبير اصطلاحي تورده كتب الأمثال وهو:
(There’s life in’t, man).
٤٦  «الخبراء»: في الأصل (an old man)، ومعنى التعبير هو الخبير وفق ما يقوله ويلسون، وقد تعني وفق ما تقوله دونو «من هو أرفع مكانةً مني»، وهو التعبير الوارد في السطر السابق، ويقول كريك إنه ربما كان يعني بذلك السير توبي الأكبر سنًّا، وقد رجعت إلى «معجم أوكسفورد الكبير» فوجدت أن تفسير ويلسون أقرب التفاسير إلى النص، فأخذت به.
٤٧  رقصة الجاليارد (galliard): يقول الشُّراح إنها رقصة ثلاثية الإيقاع (مثل الفالس)، ويقول فيرنس (مستشهدًا بحجةٍ في فنون الرقص) إن الرقصة كانت تتضمَّن قفزةً في الهواء، ولا بد أنها كانت شائعةً بين أبناء الطبقة الراقية ومعروفةً لدى الجمهور.
٤٨  «الصلصة» و«لحم الضأن»: من الفكاهات اللفظية التي اختفت دلالاتها.
٤٩  «السيدة مول»: الاسم مول (Mall) هو الاسم المُصغَّرُ لماري (أو ماريا)، ويورد فيرنس احتمالات كثيرةً لمعنى هذه الإشارة، ويكتفي ويلسون بأن يقول: «إنها إشارة إلى شيءٍ ما في ذلك العصر ولا شك.» وربما كان الأفضل أن تُترجَم بتعبير عام مثل «اللوحات الفنية الرائعة».
٥٠  «تشكَّلت تحت تأثير نجم الجاليارد»: المعنى هو أنها خُلقت للرقص.
٥١  «برج الثور»: كان الشائع أن الأبراج الاثنَي عشر تتحكَّم في أعضاء الجسم المختلفة.
٥٢  المكان: قصر أورسينو.
٥٣  «وجه إليها خطو أقدامك»: هذا مثال آخر على الأسلوب المتكلَّف الذي يستخدمه أورسينو؛ فهو يقول (address thy gait) بمعنى (direct your steps) بدلًا من أن يقول اذهب إليها!
٥٤  «تجاوز حدود الأدب»: الأصل (leap all civil bounds)، والمقصود بالأدب التأدُّب بالتزام السلوك المهذَّب.
٥٥  «خذها على غرة»: الأصل (surprise her)، والصورة حربية كما يقول كريك؛ فالهجوم غير المتوقَّع يكفل النصر.
٥٦  «طالعك» (constellation): المقصود تكوينك الذي تأثَّر بطالعك.
٥٧  المكان: قصر أوليفيا.
٥٨  «أين كنت»: يقول ويلسون: «إن شيكسبير يؤكِّد غياب المهرِّج فسته هنا حتى يهيِّئ الجمهور لتقبُّل وجوده في قصر أورسينو، وهو أمر غريب.» والواضح أن ماريا ليست جادةً في تهديدها إياه بالشنق؛ فليست زياراته للقصور الأخرى بالجريرة التي تستدعي عقابًا، بل هي من طبيعة عمله (انظر المقدمة).
٥٩  «لن يخشى أية رايات» (fear no colours): بمعنى لن يخشى أي أعداء، وكان من الأمثال السائرة.
٦٠  «هزيلة» (Lenten) نسبة إلى (lenten) وهو الصوم الكبير؛ فالصائم الحق يهزل جسمُه.
٦١  «في الحرب! وقد تواتيك الجرأة لتزعم ذلك في غمار تهريجك»: يقول ويلسون إن «ذلك» هنا تشير إلى الحرب، ويقول كريك إنها قد تشير إلى أنه لا يخشى مواجهة أحد، وهو ما يُفصح حقًّا عن الجرأة؛ لأنه سوف يواجه أوليفيا عمَّا قريب ولن يجرؤ على قول ذلك.
٦٢  «فليهب الله الحكمة للحكماء»: يقول كريك إن هذا هراء؛ فالسامع يتوقَّع «للحمقى»، ولكن النموذج الذي يبني عليه المهرِّج قوله هو الفكرة الدينية الواردة في «إنجيل متى»، وتقول بأن الله يزيد المؤمنين إيمانًا على إيمانهم.
٦٣  تواصل ماريا المبالغات فتشير بعد الشنق إلى الغياب الطويل، والمسرحية لا تشير إلى غياب طويل حقًّا.
٦٤  «شنق جميل .. زواج قبيح»: يقول برادلي في الدراسة التي أشرت إليها في «المقدمة» إن المهرِّج هنا يُلمح إلى احتمال زواج ماريا من السير توبي، وهو ما يعبِّر عنه صراحةً في ٢٦–٢٧ هنا، ولكن كريك ينكر هذا دون إبداء أسباب، مؤكِّدًا قوة التعبير المستمدة من شبهه بالأمثال السائرة، خصوصًا المثل الذي يقول «الشنق والزواج قسمة ونصيب»، وهو الذي أورده شيكسبير في مسرحية «زوجات مرحات» (٢ / ٩ / ٨٢–٨٣).
٦٥  «فليساعدني الصيف على احتماله»: في الأصل (let summer bear it out)، والترجمة تستند إلى جمهور الشراح، ولكن ماهود تقول ربما كان المعنى «ليت الجو الصحو يستمر»، ولم أعثر على دعم لهذه القراءة بين المحدثين فأخذت برأي الجمهور.
٦٦  لاحظ أن ماريا تمارس «التهريج» منذ البداية، ومنذ أن ظهرت في المشهد الثالث (مع أندرو)؛ أي إن شيكسبير يهيِّئنا لتقبُّل الحيلة التي سوف تدبِّرها لمالفوليو بهذا «التهريج».
٦٧  يقول برادلي إن المهرِّج يقول هذه السطور لنفسه (٣٠–٣٥) ويأخذ بوجهة نظره محرِّر طبعة فولجر، كما أخذتُ بها في الترجمة فجعلتها تُلقى جانبًا، ولكن ويلسون يقول إن المهرِّج يقصد أن تسمعه أوليفيا، وإنه يحيِّيها متصنِّعًا الدهشة. وهذا لا يتعارض مع كونه وحده على المسرح الآن وإلقائه هذه السطور وحده، حتى لو كان يقصد أن تسمعه أوليفيا.
٦٨  كوينابالوس (Quinapalus): اسم لفيلسوف مفترض اخترعه المهرِّج على غرار من يشير إليهم رابيليه (Rabelais) باعتباره ثقةً وهمية. ويقول أحد الشراح إن نحت الكلمة يوحي باسم الخطيب الروماني كوينتيليان (Quintilian) الذي لا يزال يُعتبر حجةً في علوم البلاغة (القرن الأول للميلاد)، وسوف يعود المهرِّج إلى اختراع اسم آخر هو بيجروجروميتوس (٢ / ٣ / ٢٣).
٦٩  «خائنًا»: تقصد غيابه عن قصرها، وتكسُّبه من سَراة آخرين.
٧٠  «مُرقعٌ»: يقول ويلسون إنه يوافق مالون (١٧٩٠م) على أن الإشارة إلى الرقع والترقيع مستقاة من الحلة الخاصة التي يرتديها المهرِّج وتتكوَّن من رُقعٍ متعدِّدة الألوان.
٧١  «الحجة» يستخدم المهرِّج في الإشارة إلى الحجة مصطلح القياس أو القياس المنطقي (syllogism)، ويقول ويلسون إن غايته أن يثبت بأن نفس الإنسان ليست خيرًا محضًا أو شرًّا محضًا، بل هي من هذا وذاك، مثل ثوب المهرِّج المتعدِّد الألوان.
٧٢  «المصيبة أصدق ديوث» (true cuckold .. calamity): يقول بيكر في طبعة سيجنت إنه على الرغم من عدم جدوى الإصرار على استخراج دلالة مقبولة من كلام المهرِّج؛ فإن رأي الناقد كيتريدج (Kittredge) (١٩٤١م) يمثِّل أرجح الآراء في نظره؛ فهو يقدِّم التفسير التالي لهذه الفقرة الصعبة: «كل إنسان مقترن بربة الحظ، وهكذا فعندما تخونه يمكن أن يسمى دَيوثًا؛ أي زوج امرأة خائنة.» ويقول كريك إنه سأل هارولد جنكنز شخصيًّا عن معنى التعبير، فقال له ما يلي: «المصيبة ديوث؛ لأن من «تقترن» بهذا الديوث تخونه دومًا.» وتأتي دونو بتأويل عجيب: «إذا كانت حالة الزوج يمكن أن تتغيَّر — إلى الأسوأ — بأن يصبح ديوثًا، فإن الوقوع في مصيبة من المحتوم أن يتغيَّر .. إلى الأفضل. فالتغيُّر في الحالة الأولى ممكن، وفي الثانية محتوم، ومن ثم فهو «صادق» كما يقول المهرِّج.» وقد خطر لي أثناء قراءة دراسة برادلي عن المهرِّج أن أطبِّق ما يقوله عن منطق هذه الشخصية على هذه «الحجة» أو هذا القياس الذي يقدِّمه ليربط بين المصائب وذبول الورود. أفلا يمكن أن يعني المهرِّج أن الزمن الذي يكشف للديوث عن حقيقة حاله يقضي أيضًا على جمال الوردة؛ فهو «أصدق» مصيبة، وهكذا نعكس ترتيبات مكوِّنات الفكرة، بحيث يصبح الاطمئنانُ للزمن مصيبةً يعرفها الديوث مثلما تعرفها من يذوي جمالها بفعل الزمن الخائن؟ بمعنى معادلة خيانة الزوجة للديوث بخيانة الزمن للجمال؟ فكلاهما مصيبة صادقة! هذه ما يلوح لي، ولكنني التزمت في الترجمة بالأصل واعتمدت على الحاشية في التعليق وحسب.
٧٣  «لا يصبح الراهب راهبًا بارتداء قلنسوة الرهبان»: هذه هي ترجمة الجملة اللاتينية:
Cucullus non facit monachum
والمهرِّج يشرح المقصود بها في العبارة التالية.
٧٤  «يا فأرة الفضيلة الكريمة» (good mouse of virtue): سبق إيضاح صفة الفأرة للدلالة على الإعزاز، وقد سبق لشيكسبير استخدام الصفة في «خاب سعي العشاق» (٥ / ٢ / ١٩)، وسوف يعود إليها في هاملت (٣ / ٤ / ١٨٣)، وأمَّا الإطناب الذي يعترض عليه فيرنس ويدفعه إلى تعديل القراءة، فلم يوافقه عليه المحدثون الذين يقولون إن مصطلح اللغة يسمح به.
٧٥  «لست ثعلبًا ماهرًا (مثلك)»: في الأصل (fox)؛ أي الثعلب وحسب، ولكن مقصد المهرِّج هو تبرئة نفسه من المهارة (أو «الشطارة») التي يزعمها مالفوليو لنفسه؛ ولذلك أضفت صفة الماهر إيضاحًا للمعنى الرئيسي؛ فالصفة المضافة جزء لا يتجزَّأ منه، كما وضعت بين قوسَين المقصد الحقيقي للمهرِّج، وهو ما سوف يؤكِّده في السطر التالي.
٧٦  «مهرِّج عادي يعمل في إحدى الحانات»: أضفت الجملة الفعلية لأنها تشرح المقصود أو المعنى الذي يفهمه المشاهد الإنجليزي للمسرحية في عصر شيكسبير؛ إذ تقول ماهود إن مهرِّجًا يُدعى «ستون» (Stone)، وكان مُضحكًا إليزابيثيًّا مشهورًا، يُشار إليه في مسرحية «الثعلب فولبوني» (Volpone) التي كتبها بن جونسون (Ben Jonson) باسم «مهرج الحانة» (a tavern-fool)) في ٢ / ١ / ٥٣–٥٤، وتضيف قائلة إنه قد يكون المقصود بهذه الإشارة، خصوصًا بسبب معنى (ordinary) نفسه (انظر الحاشية على ١ / ٣ / ٨٤)، ولنذكر أن هذه الكلمة كانت تعني، حسبما يقول «معجم أكسفورد الكبير» إمَّا الوجبة الثابتة المكونات والسعر في مطعم أو حانة اعتبارًا من ١٥٨٩م، أو ذلك المطعم أو الحانة نفسها (١٥٩٠م)، أو قاعة طعام فيها، وبعد ذلك أصبحت تعني في بعض المناطق الأمريكية حانةً من أي لون (١٧٧٤م). ولذك كان لا بد من بسط المعنى في الترجمة (OED ordi-nary III 2. b. & c)، ولنُقم الرابطة إذن بين هذه الإشارة والصورة التالية في هذا السطر نفسه إلى الحجر (stone) وتعبير «لا يزيد عقله عن قطعة من الحجر» كان من الأمثال السائرة ولا شك، ولكن وجود اسم ذلك المهرِّج القديم حتى في تورية ما له دلالته.
٧٧  «السهام التي نصيد بها الطيور» (bird-bolts): كانت تلك السهام ذات أسنة مسطحة لا مدبَّبة.
٧٨  لاحظ التلاعب بقذف السهام و«القذف» بالباطل.
٧٩  كانت تُنسبُ إلى ميركوري (Mercury) رسول الأرباب الوثنية اليونانية ربوبيةُ خصالٍ بشرية كثيرة مثل التجارة، والمهارة اليدوية، والفصاحة، والبراعة الذهنية، والترحال، والسرقة. وشيكسبير ينسب إليه هنا ربوبية الغش والكذب.
٨٠  «فكاهات قديمة»: بالمعنى الفصيح والعامي للصفة (old).
٨١  «أيها السكير»: في الأصل (sot)، والكلمة تعني «مغفل» و«سكير»، ومن ثم تنطبق على المهرِّج مثلما تنطبق على السير توبي.
٨٢  الغَبوق شراب المساء، وأوليفيا تسأله كيف يشرب شراب المساء في الصباح، وتشير إلى الشراب بلفظة (lethargy) أي الخمول أو جالب الخمول، ولمَّا كان السير توبي ثملًا ولا يعرف ما تعنيه أو لم يسمع الكلمة جيدًا، فإنه يتصوَّر أنها تقول الفسوق (lechery).
٨٣  «بالباب شخص ينتظر»: لمَّا كان السير توبي سكران فإنه ينسى أن أوليفيا تعرف ذلك، ويقول العبارة كأنما لينهي إليها خبرًا مثيرًا.
٨٤  «المهم هو الإيمان»: يقول ويلسون إنه يعني أن الإيمان هو الفيصل يوم القيامة لا صالح الأعمال؛ تبريرًا لسكره وعربدته، وكانت قضية المؤمن الذي يرتكب المعاصي، وهل يُغفرُ له أم يُحاسبُ (أم يكون في منزلة بين المنزلتَين) من القضايا التي يناقشها رجال الدين آنذاك بحماس شديد. والسير توبي يعلن في السطر التالي أن الأمرَين يستويان، وهي عبارة تتكرَّر في المسرحية كثيرًا.
٨٥  «تجاوز الانبساط»: في الأصل (above heat)؛ أي زادت حرارة جسمه نتيجة الشراب «فانبسطت» أساريره!
٨٦  «ماء البحر بين المد والجزر، ما بين الغلام والرجل»: يقول كريك إن ﻫ. ف. بروكس أخبره بصفة شخصية أن هذا الوصف مستوحًى من وصف جولدنج (Golding) في ترجمته لأوفيد (مسخ الكائنات ٣ / ٤٣٨) للفتى نرجس:
وحينما أتمَّ ذلك الفتى أعوامه الستة عشر،
ولاح ما بين الرجال والغلمان من بني البشر،
هفت إلى جماله قلوب أوسم الشبان والفتيان،
كما هامت به شتى البنات الناضرات والحسان.
٨٧  لاحظ أن أوليفيا لأول مرة في المسرحية تستخدم الشعر وببحر مختلف (ولو من دائرة الخليل نفسها وهو الرَّمَل) كيما توحي (أو كيما يوحي شيكسبير) باختلاف الجو والحالة النفسية.
٨٨  «أتكلَّم باسمها»: تعبير تعمَّدت أوليفيا أن يكون غامضًا؛ إذ قد يعني (١) سوف أجيب بنفسي، أو (٢) سأحل محلها في الإجابة.
٨٩  «لا وبكل إخلاص!» (No, my profound heart): يتصوَّر المحرِّرون أحيانًا أن هذه العبارة بالإنجليزية التي تعني حرفيًّا «قلبي العميق» أو «أعماق قلبي» موجهة إلى أوليفيا، فيفترضون وجود أداة النداء «يا» قبلها لتعني «يا أحكم الفتيات»، إمَّا من باب التراشق اللفظي أو بأسلوب الإطراء المبالَغ فيه الذي تشير إليه فيولا في ١٧٣ أعلاه، ولكن كريك ينكر أن تلجأ فيولا إلى أسلوب يتميَّز بهذه الأُلفة الشديدة، ويستنكر التعسُّف في تأويل معناها، ويقول إن الأجدر بنا أن نفترض وجود حرف «من» قبلها، بحيث يصبح معناها هو الذي أثبته في الترجمة (No, in all sincerity). وقد قضيتُ وقتًا طويلًا في تتبُّع استخدام كلمة (my heart) في شيكسبير فلم أجد مثالًا واحدًا على استخدامها في النداء، بل هي دائمًا تستخدم للإشارة إمَّا إلى القلب أو إلى دلالة الإخلاص. وعلى ذلك ترجمت العبارة.
٩٠  «بأنياب أفعى الخبث»: اختلف النقاد في دلالة هذا القسَم؛ فويلسون وماهود يقولان إن فيولا تتهم أوليفيا ضمنًا بالخبث، ورايت (Wright) وفيرنس يقولان إن المعنى أن الخبث نفسه يعجز عن اتهام فيولا بأكثر من تمثيل دور ما. وقد وجدت الحل في مناقشة الأستاذة هيلدا م. هيوم (Hilda M. Hulme) لمعنى الخبث والخبيث في دراسة نشرتها في مجلة «دراسات إنجليزية» ٤٧ (١٩٦٦م) ص١٩٠–١٩٩، وتقول فيها إن فيولا توحي ضمنًا بكراهيتها للخبث؛ أي التنكُّر، وإحساسها أنها تشبه في هذا الشيطان الذي تنكَّر في صورة أفعى، وهي تصرِّح في وقت لاحق بذلك (٢ / ٢ / ٢٦).
٩١  «أغتصب ذاتي» (usurp myself): تعبير يتضمَّن مفارقة؛ فالمعنى هو أن أتنكَّر في صورة نفسي. وتشاركها فيولا في هذه المفارقة التي تطوِّرها لتعني: «تسيئين إليها بالاستئثار بها (فتمتنَّعين عن الزواج)؟» وقد ورد مثال لذلك في المعنى في سونيتات شيكسبير.
٩٢  «تنظيف السفينة» (swabber): المعنى الدقيق هو تنظيف ظهر السفينة. ولكن الدلالة واضحة وهي «يا خادمة» مع مواصلة الصورة التي أتت بها ماريا.
٩٣  «العملاقة» (giant): الواضح أن بالعبارة سخريةً من ضآلة حجم ماريا، وقد افترض البعض أن شيكسبير يجعلها ضئيلة الجِرم؛ لأن الغلام الذي يمثِّل دورها كان صغيرًا، وهو ما نجده في الإشارات «الماكرة القصيرة» (٢ / ٥ / ١٤) و«أصغر الأخوات التسع لطائر النمنمة» (٣ / ٢ / ٦٤). ويشير الدكتور جونسون إلى أن المقصود هو التذكير بالعماليق الذين كانوا يحمون الفتيات في الرومانسات، ويَحولون دون الوصول إليهن. ونفهم من هذا أن فيولا تسخر من قدرة الضئيلة ماريا على حماية أوليفيا.
٩٤  «إن كان الله قد أبدعها كلها»: أي إذا لم تكوني قد استعنت بوسائل التجميل المصطَنعة.
٩٥  لاحظ تحوُّل فيولا إلى النظم مع بداية خفق قلب أوليفيا بحبها، والقافية الختامية.
٩٦  ترد هذه الصورة في السونيتة ٢٠ (أول بيتَين):
يا وجه مرأةٍ .. خطَّت به الألوانَ فرشاة الطبيعة،
أصبحت مالكًا وسيدًا لمشبوب الغرام في السريرة.
٩٧  المقصود بالصورة هو الطفل.
٩٨  الإشارة إلى الاعتقاد بأن إبليس كان بهيَّ الطلعة فاتنًا قبل العصيان، وأنه سقط بسبب كبريائه. ولاحظ أن المشهد يتحوَّل بعد هذا إلى النظم.
٩٩  لاحظ كيف يتغيَّر الإيقاع في حديث فيولا، وقد حاولت الإيحاء به بالتغيُّر من الرَّجَز إلى الخَبَب.
١٠٠  «روحي»: أي أوليفيا.
١٠١  «ربة أصداء الأجواء»: في الأصل (babbling gossip of air)، وقد تعني حرفيًّا «حاكية الصوت الثرثارة في الجو» أو «حاكية الصوت الهوائية الثرثارة» باعتبار (of air) لا تشير إلى مكانها بل إلى كِيانها، ولكن المقصود كما يقول الشراح هو الحورية «ربة الصدى» أو «ربة الأصداء» «إيخو» (Echo) باليونانية. وأهمية الإشارة إليها واردة في المقدمة.
١٠٢  لاحظ القافية في البيتَين التاليَين مع اختلاف طول الأبيات.
١٠٣  لاحظ ترتيب الصفات التي أوقعت أوليفيا في حب فيولا؛ إنها تتدرَّج من الظاهر إلى الباطن، من الكلام (اللسان) والوجه والأطراف إلى الأفعال وأخيرًا إلى الروح، وهو ما يؤكِّد ما ذهب إليه النقاد (انظر المقدمة) من اجتياز حاجز التفرقة الاجتماعية بين الجنسَين إلى ما يشتركان فيه في جوهرهما الإنساني.
١٠٤  «إلا لو كان المرسال هو السيد»: يقول كريك إن أوليفيا تكاد تتمنَّى أن تكون فيولا هي أورسينو، والواقع أنها تتمنَّى ذلك فعلًا، وكان الأجدرَ عدمُ وجود أداة الاستثناء الافتتاحية «إلا»، فيكون التعبير «ليت المرسال هو السيد»، ولكن وجود (Unless) الإنجليزية أجبرني على إدراجها.
١٠٥  «محاسن»: يختلف معنى (perfections) هنا عن معناها السابق وهو «أوجه الكمال»؛ فالشراح على أنها تعني هنا (beauties, graces).
١٠٦  كان الاعتقاد الشائع أن الحب يدخل إلى النفس عن طريق العينَين. ويقول بروسبيرو في العاصفة إن ميراندا وفرديناند قد تبادلا الحب من أول نظرة، معبِّرًا عن ذلك «بتبادل العيون» (exchanged eyes) (١ / ٢ / ٤٤٢–٤٤٣)، ومعنى وقوع أوليفيا في حب خادم الآن أن عقلها قد ضل؛ أولًا: لأنها تحنث بذلك بما أقسمَت عليه من حداد وخصام لدنيا الرجال، وثانيًا: أنها أحبَّت خادمًا مهما حاولت تبرير ذلك بافتراض أنه من الأسياد! وقد لاحظتُ (وإن لم يُشِر النقاد إلى ذلك) أن السير توبي يقول في (١ / ٣ / ١٠٦–١٠٧) إن ابنة أخيه لن تقبل الزواج من الدوق لأنها «لا تريد أن تتزوَّج شخصًا أرفع منها أو أغنى أو أكبر سنًّا أو أذكى. لقد سمعتُها تُقسم على ذلك.» أي إنها تريد إمَّا زوجًا مماثلًا لها بحيث لا ينال من «سلطتها» في مجتمعها الخاص فيصبح الآمر الناهي، وإمَّا زوجًا تفضُلُه هي في المكانة أو الثراء أو السن أو الذكاء، أو تتصوَّر تفوُّقها عليه، وهو ما تقول بعض الناقدات النسويات (انظر المقدمة) إنه يمثِّل «التمرُّد» الذي «يعاقبها» شيكسبير عليه بإيقاعها في حب شخص ظاهره خادم وباطنه فتاة! ويُخيَّل لي أن جانبًا من سحر فيولا يكمن في تمثيلها متنكِّرةً دور الخادم الذي تصادف أن يكون جميلًا يبهر العينَين! وأوليفيا حين تظهر أسفها لوقوعها في حبه تؤكِّد ما لم يفصح أحد عنه سوى عمها السير توبي الذي يعرفها خير المعرفة؛ أي اعتزامها عدم الزواج ممن يفوقها في كل ما ذكر أو في بعضه، وفي ذلك مفارقة درامية لم يدرسها من قرأت دراساته من النقاد.
١٠٧  لاحظ كيف تُنهي أوليفيا المشهد بأبيات مُقَفَّاة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤