الفصل الثالث

المشهد الأول

(تدخل فيولا مع المهرِّج وهو يعزف الناي ويضرب الطبل.)١
فيولا : حفظك الله يا صاحبي وحفظ موسيقاك! هل تعيش بضرب الطبل؟
المهرج : لا يا سيدي٢ بل أعيش بدرب الكنيسة!٣
فيولا : فهل أنت من رجال الكنيسة!
المهرج :
لا يا سيدي! لكنني أعيش بدرب الكنيسة؛ فأنا أُقيم في منزلي، ٥
ومنزلي يقع في درب الكنيسة.
فيولا :
إذن لك أن تقول إن الملك يقيم بدرب الشحاذ إذا كان الشحاذ يقيم
بالقرب منه، أو إن الكنيسة تعيش على طبلك إذا كان طبلك يقع
بالقرب من الكنيسة؟ ١٠
المهرج :
تمامًا يا سيدي. وانظر إلى عصرنا الحالي! أصبح التعبير يشبه القفاز
اللَّين في يد القريحة اللماحة .. ما أسرع ما تقلبه فتظهر باطنه الخشن!
فيولا :
حقًّا! ذاك مؤكَّد. فإن من يتمتَّعُ باللماحية في استعمال الألفاظ
يستطيع بسرعة إضفاء الغموض عليها فتفسد! ١٥
المهرج : ولذلك أتمنَّى لو لم يكن لأختي اسم يا سيدي.
فيولا : لماذا يا رجل؟
المهرج :
لأن الاسم لفظ طبعًا، واللماحية في استعمال ذلك اللفظ قد تُفسد
أُختي! ولكن، بجدٍّ يا سيدي، الألفاظ أوغاد بالتأكيد، ما دامت ٢٠
الوعود تجلب العار لها.٤
فيولا : والسبب يا رجل؟
المهرج :
الحق يا سيدي أنني لا أستطيع تقديم سبب دون ألفاظ، وقد غدت
الألفاظ كاذبةً زائفة إلى الحد الذي أصبحتُ أكره تقديم أسباب بها. ٢٥
فيولا : لا شك أنك رجل مرح، ولا يوجد ما تكترث له.
المهرج :
لا يا سيدي! بل يوجد ما أكترث له. ولكني في أعماقي لا أكترث
لك. فإذا كان ذلك يعني عدم وجود ما أكترث له، فأتمنَّى أن يجعلك
ذلك غير مرئي! ٣٠
فيولا : ألست مهرِّج الليدي أوليفيا؟
المهرج :
لا بالحق يا سيدي. فلم ترتكب الليدي أوليفيا بعدُ مثل هذه الحماقة،
ولن يكون لديها مهرِّج حتى تتزوَّج، والمهرِّجون يشبهون الأزواج٥
مثلما يشبه السردين أسماك الرنجة؛ أي إن الأزواج أكبر حجمًا! لست ٣٥
حقًّا مهرِّج الليدي بل أنا أُفسد ألفاظها وحسب.
فيولا : شاهدتُك أخيرًا لدى الدوق أورسينو.
المهرج :
التهريج يدور حول الأرض يا سيدي مثل الشمس؛ فهو يسطع في كل
مكان. ويحزنني ألَّا يلازم سيدي بقدرٍ ما يلازم سيدتي! وأظن أنني ٤٠
شاهدتُك يا صاحب الحكمة هناك.
فيولا :
لا! إذا تحوَّلت بهجومك إليَّ فلن أواصل الحديث معك. خذ هذه
لتغطية نفقاتك.

(تعطيه قطعة نقود.)

المهرج :
أدعو الرب جوف،٦ عندما يُرسلُ في المرة القادمة شِحنةً من الشعر، ٤٥
أن يمنحك لحية!
فيولا :
الحق أنني — وصدِّقني — أكاد أذوبُ شوقًا لِلحيةٍ ما. (جانبًا) ولو
أنني لا أرجو نمو الشعر في ذقني. هل مولاتُك في المنزل؟
المهرج : هل يستطيع هذا الدرهمُ إنجاب الأطفال إذا تزوَّج قطعة نقودٍ أخرى؟٧ ٥٠
فيولا : نعم إذا عاشا معًا وانتفع الناسُ بهما!
المهرج :
إذن أريدُ أن أقوم بدور بانداروس٨ «الفريجي» وأجمع بين المحبوبة
كريسيدا وبين طرويلوس .. هذا الدرهم العاشق!
فيولا : أُدرِكُ ما تعني! لقد أحسنت السؤال!

(تُعطيه قطعة نقود أخرى.)

المهرج :
أرجو ألَّا تبالغ في أهمية الأمر؛ فلم أسأل إلا سائلًا، بل أصبحَت ٥٥
كريسيدا نفسها سائلة! نعم يا سيدي. مولاتي في المنزل، وسوف
أُبلغُ من في المنزل من أين أتيت، أمَّا من أنت وما تريد فأمور خارج
سمائي،٩ وكان يمكن أن أقول خارج «مجالي»، ولكن الكلمة أصبحت
بالية.

(يخرج المهرِّج.) ٦٠

فيولا :
هذا لديه من سداد العقل ما يكفي التظاهُر بالبله
وحِذق ذلك الدور العسير يقتضي اللماحية،
فإنه لا بد أن يُراعي حالة الذي يهجوُه أو مزاجه
وطبعُه الشخصي بل واللحظة المُناسبة
كالصقر لا ينقَض إلا١٠ عند رُؤية الفريسة المطلوبة، ٦٥
وذاك جهدٌ مرهِق كجهد كل جادٍّ عاقل!
تصنُّعُ البلَّاهة الذي يمتازُ بالإحكام يقتضي الذكاء،
أمَّا سُقوطُ عاقلٍ في هُوة السفه .. فذا بعينه الغباء.
(يدخل السير توبي والسير أندرو.)١١
سير توبي : حفظك الله يا أستاذ. ٧٠
فيولا : وأنت سيدي.
سير أندرو (بالفرنسية) : رعاك الله سيدي.
فيولا (بالفرنسية) : وأنت سيدي. في خدمتكم!
سير أندرو : أتمنَّى ذلك يا سيدي، وأنا في الخدمة أيضًا!١٢
سير توبي (بلغة مُتصنَّعة) :
هل تُلاقي المنزل؟ بنت أخي راغبة في دخولك، إن ٧٥
كنت تبغي التعامل معها!١٣
فيولا (تحاكي تصنُّعه) :
مرامي ابنةُ أخيك سيدي! أقصدُ أنها أقصى تخوم
رحلتي!
سير توبي (بالتصنُّع نفسه) : امتحن ساقَيك إذن .. حرِّكهُما!
فيولا :
ساقاي تفهمان قصدي يا سيدي أفضل من فهمي ما تقصد حين ٨٠
تطلب مني أن أمتحنها!
سير توبي : أقصد أن تذهب، يا سيدي، أن تدخل.
فيولا :
سأُجيبك بالذهاب والدخول. ولكنها سبقتنا إلى المجيء! ها هي
ذي! ٨٥
(تدخل أوليفيا وماريا.)
يا امرأةً اجتمعت فيها أقصى المناقب والمحاسن! فلتمطر السماء الشذا
والأريج عليك!
سير أندرو (جانبًا) :
هذا الشاب يتحدَّث لغة رجال البلاط المنمقة: «تمطر الشذا
والأريج» … واضح!١٤
فيولا (بلغة متصنَّعة) :
لن «ينطق» ما جئتُ بشأنه أيتها السيدة إلا لأُذُنك ٩٠
أنت، المهيَّأة للتقبُّل، المعربة عن الرضا.١٥
سير أندرو (جانبًا) :
«الشذا والأريج»، «المهيَّأة للتقبُّل»، «المعربة عن
الرضا»! سوف أحفظ هذه التعبيرات الثلاثة كي أستعملها إذا دعت
الحاجة!
أوليفيا :
فليغلق باب الحديقة واتركوني أستمع لِمَا يقول. ٩٥
(يخرج سير توبي وسير أندرو وماريا.)
أعطني يدك يا سيدي.١٦
فيولا : ذاك واجبي يا مولاتي .. أن أخدمك بكل تواضع!
أوليفيا : ما اسمك؟
فيولا : سيزاريو اسم خادمك، أيتها الأميرة الجميلة.
أوليفيا :
هل قلت خادمي يا سيدي؟ قد غابت البهجةُ عن دنيانا ١٠٠
من يوم أن حلَّ اصطناع ذلك التواضُع .. باسم الأدب!
بل أنت خادمٌ يا أيها الفتى للدوق أورسينو.
فيولا :
والدوقُ خادمُك. وخادمُه .. لا بد أن يكون خادمك!
أي إن خادم خادمك .. هو خادمُك .. مولاتي!١٧
أوليفيا :
أنا لا أشغلُ بالي بالدوق وأرجو ألَّا يشغل بي باله، ١٠٥
بل أن يُصبح حُرًّا وخليَّ البال.
فيولا : مولاتي .. جئتُ لأشحذ بالك حتى ينشغل به عطفًا وحنانًا!
أوليفيا :
اسمح لي أرجوك! قد كنتُ طلبتُ إليك بألَّا
ترجع لتُحادثني أبدًا عنه،
أمَّا إن كنت على استعدادٍ للسعي بمسعًى آخر،
فأنا بالحق أفضِّلُ أن أستمع إليك على ١١٠
أن أستمع لموسيقى الأفلاك.١٨
فيولا : مولاتي الغالية …
أوليفيا :
أرجوك اسمح لي أن اتكلَّم! كنتُ بُعيد لقائي معك هنا
آخر مرة .. أرسلتُ إليك مع المرسال بخاتم ..
وبذلك كنتُ أُسيء لنفسي، وخدعتُ الخادم ١١٥
بل أخشى أني أخطأتُ كذلك في حقِّك.
ولذلك لا بد بأن تقسو في تفسيرك أو في حُكمك،
ما دُمتُ فرضتُ عليك بمكرٍ مُستهجَن
شيئًا تعرفُ أنك لا تملكُه. ما ظنك بي في هذي الحال؟
أفلم تجعل شرفي مربوطًا في وتدٍ كالدب،١٩ ١٢٠
تحيطُ به كل الأفكار الشرسة تنبحُه أو تنهشُه
وقد انطلقت من قلبٍ قاسٍ في صدرك؟
إنك ذُو ذهنٍ لمَّاح، ولعلَّك أدركت الواقع؛
ففُؤادي لا يحجبُه صدر، بل لا يكسُوه غيرُ لثامٍ شفاف.
وإذن دعني أسمع ردك.
فيولا : أشعر بالإشفاق عليك.
أوليفيا : ذلك من خطوات الحب. ١٢٥
فيولا :
لا ليس بخُطوة!٢٠ فالعالمُ يعرفُ أنَّا
ما أكثر ما نشعُر بالإشفاق على الأعداء.
أوليفيا :
ذاك يُعيدُ البسمة في ظني لشفاهي الآن.٢١
ما أحرى المحروم بأن يشعر بالعزة والفخر!
إن كان من المحتوم على المرء بأن يُفترس ويُؤكل،
فالأفضلُ أن يأكله ليثٌ لا ذئب!٢٢ ١٣٠
(تدق الساعة.)
في دقات الساعة تأنيبٌ لي؛ إذ أُهدرُ وقتي.
لا تدع الخوف يُساورُك هنا يا أكرم شاب، لن أحظى بك،٢٣
أمَّا إن حان حصادُ شباب العُمر ووقدة ذهنه،
فالأرجحُ أن تجني زوجتُك غدًا رجُل وسامة. ١٣٥
قد حان رحيلُك. أبحر بسفينتك تجاه الغرب.
فيولا :
إلى الغرب أمضي!٢٤ ألَا فليباركك ربي فيهدأ جنانُك.
ألستِ تودِّين إبلاغ مولاي أي رسالة؟٢٥
أوليفيا : اصبر! أرجو أن تُخبرني ما ظنك بي. ١٤٠
فيولا : ظني أنكِ تعتقدين بأنك ما لست عليه.٢٦
أوليفيا : إن كان الأمرُ كذلك فأنا أعتقدُ بأنكَ ما لستَ عليه.٢٧
فيولا : في هذا أنت على حق؛ فأنا حقًّا ما لستُ عليه.٢٨
أوليفيا : يا ليت أنكَ الذي أرجوه أن يكون!٢٩
فيولا :
وهل يكونُ ذاك خيرًا من كِياني الآن يا مولاتي؟٣٠ ١٤٥
يا ليته يكون؛ فإنني أُحس أنني أضحوكةٌ لديكِ الآن!
أوليفيا (جانبًا) :
آهٍ كم يزدادُ جمالًا في إعراضه.
حتى في ذاك الصد وزمِّ الشفتَين!٣١
ما أسرع ما انكشف الحب وإن كان خفيًّا فانفضحا
أسرع من إفصاح القاتل عن ذنبٍ نضحا،٣٢
فالحب ولو في جُنح الليل ضياءُ ضُحًى وضَحَا! ١٥٠
يا سيزاريو! قسمًا بربيع الورد وبالعفَّة والشرف وبالحق الصادق،
بل قسمًا بالدنيا إني أهواك هوًى فائقًا!
لا يقدرُ أن يُخفي، رغم صُدودك، حُبي المشبوب الآن
عقلٌ أو أي ذكاءٍ وقاد في طَوق الإنسان.
لا تُقم الحجة في هذي الحال على أني ١٥٥
ما دمتُ أنا أطلُبُك عليك بأن تُنكرني؛
فالحجةُ تنقُضُها حُجتي الصائبةُ المرمى.
الحب المنشودُ جميلٌ لكن الممنوح لنا أسمى.
فيولا :
إني لأقسمُ بالبراءة والشباب بأنَّ قلبي واحد،
وبأن صدري واحد، وبأن ما أحكيه حق أوحد ١٦٠
وبأن ذلك ليس تملكُه امرأة .. مهما تكُن،
ولن يكون إلا لي أنا .. على مر الزمن.
هذا إذن وقتُ الوداع حان الآن يا مولاتي الأمينة،
ولن أعود كي أُشير للدموع في عُيون مولاي الحزينة،
أوليفيا :
لكن عُد فلقد تنجحُ في إحلال الحب ١٦٥
بمحل نُفورك يومًا ما داخل ذاك القلب.

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(يدخل سير توبي، وسير أندرو وفابيان.)٣٣
سير أندرو : كلا! قسمًا لن أمكث لحظةً أخرى.
سير توبي : والسببُ يا من تُقدِّم السم الزعاف؟ ما السبب؟
فابيان : لا بد أن تقدِّم لنا سببك يا سير أندرو.
سير أندرو :
والله لقد شاهدتُ ابنة أخيك تفيضُ بالعطف على خادم الدوق ٥
بأكثر ممَّا أولتني إياه من العطف حتى الآن. شهدتُ ذلك في
الحديقة.
سير توبي : وهل رأتك في تلك الأثناء يا صديقي؟ أجب!
سير أندرو : رأتني بوضوحٍ كما أراكُما الآن.
فابيان : ذلك برهانٌ قاطع على حبها لك. ١٠
سير أندرو : هراء! فهل تظنني حمارًا؟
فابيان :
سأثبتُ لك أنه برهانٌ قانوني، وسوف يحلفُ على صدق ذلك
القياسُ الصائب والحُكم المنطقي.٣٤
سير توبي :
وهما من أعضاء هيئة المحلَّفين الكبرى من قبل أن يصبح نوحٌ
ملَّاحًا! ١٥
فابيان :
لقد تعمَّدت أن تُبدي العطف على الشاب، على مرأًى منك؛ حتى
تغيظك، حتى توقظ شجاعتك من بياتها الشتوي،٣٥ حتى تُشعل النار
في قلبك، وتُلهب كبدك. وكان عليك عندها أن تتقدَّم منها، وتقدِّم
لها بعض الفكاهات الممتازة الجديدة، كأنها العملةُ التي خرجت
لتوها من فُرن سَك النقود، وكان عليك أن تُفحم الشاب وتُخرس ٢٠
لسانه. ذلك ما كانت تتوقَّعُه منك، وذلك ما تحاشَيته، وهكذا
سمحت للزمن بأن يُزيل الطِّلاء الذهبي المزدوج٣٦ عن تلك الفرصة،
فأصبحت ملاحًا تجوبُ أصقاع الشمال الباردة في نظر مولاتي،
وسوف تظل مُعلَّقًا مثل قطعة الجليد على لحية بحارٍ هولندي، إلا إذا
استطعت علاج الموقف، فقمت بعملٍ رائع، يقومُ على الشجاعة أو ٢٥
التدبير المحكم الذي يُجيدُه أهلُ السياسة.
سير أندرو :
إن كان ذلك محتومًا فأختارُ الشجاعة؛ لأنني أكره السياسية،
والتزمت في الدين مثلما يفعل أتباعُ براون٣٧ أهونُ عليَّ من ممارسة
السياسة. ٣٠
سير توبي :
وإذن عليك أن تُقيم النجاح على أساس الشجاعة؛ عليك بتحدي
الشاب خادم الدوق حتى يبارزك، واجرحهُ في أحد عشر موقعًا في
جسده! وعندها سوف تبهر ابنة أخي! وتأكَّد أن أنباء الشجاعة خير ٣٥
من يتوسَّط في الحب للرجل لدى المرأة!
فابيان : ليس أمامك سوى هذه الوسيلة يا سير أندرو!
سير أندرو : هل يقبل أحدكما أن يحمل رسالة التحدي مني إليه؟
سير توبي :
امضِ إذن واكتُبها بخطٍّ يشبه خطَّ الجندي،٣٨ ولتكن شديدة اللهجة ٤٠
وموجزة، وليس من المهم أن تكون بارعة اللماحية ما دامت بليغةً
وغاصة بالتهم الملفَّقة!٣٩ اجرح مشاعره بقدر ما يسمح لك القلم، ولن
يضيرك أن تخاطبه بضمير المفرد احتقارًا ثلاث مرات، واتهمه
بالكذب عليك، وضع أكبر قدر من الأكاذيب تتسع له الورقة، ولو
كانت ضخمةً مثل السرير الكبير الفسيح!٤٠ هيا! لا تُهدر الوقت! ٤٥
وليكن حبر٤١ قلمك مفعمًا بمرارة الصفراء، وإن كنت تكتب بريشة
إوزة!٤٢ لا يهم! هيا!
سير أندرو : وأين أجدكما؟
سير توبي : سنأتي إليك في غرفة نومك.٤٣ اذهب الآن. هيًّا. ٥٠

(يخرج سير أندرو.)

فابيان : كم تحب أن تلهو بهذه الدمية الغالية لديك٤٤ يا سير توبي!
سير توبي : وأنا غالٍ لديه يا صديقي أيضًا! إذ كلَّفتُه ما يقرب من ألفَي دينار!
فابيان : سوف نحصل على خطاب عجيب منه! لكنك لن تسلِّمه للغلام؟ ٥٥
سير توبي :
لا تخَف من هذه الناحية،٤٥ وسوف أحث الشاب على الرد عليه. لا
أعتقد أننا يمكن أن نجمع بين هذَين معًا ولو بالحبال في عربات٤٦
تجرها الثيران. أمَّا أندرو، فإنك إن شققت بطنه ووجدت في كبده
دمًا٤٧ يكفي لتعويق رجل برغوث، فسوف آكل باقي الجسم! ٦٠
فابيان : وغريمه الشاب لا يحمل وجهُه دلائل كبيرةً على القسوة!

(تدخل ماريا.)

سير توبي : ها قد أتت أصغر الأخوات التسع٤٨ لطائر النُّمنُمة!
ماريا :
إن كنتما تريدان الضحك الشديد، والقهقهة حتى تنفجر الأشداق ٦٥
فاتبعاني! فهناك استحال المغفَّل مالفوليو إلى وثني، وتنكَّر لإيمانه
حقًّا؛ فإن من المحال على مسيحي يرجو الخلاص أن يصدِّق ما
صدَّقه من أقوال شاذة مستحيلة. لقد ارتدى الجورب الطويل الأصفر!
سير توبي : ورباط الساق الصليبي؟ ٧٠
ماريا :
بأبشع صورة ممكنة. كأنه متحذلق٤٩ لم يجد تلاميذ فأخذ يلقي دروسه
في الكنيسة! ولقد سِرتُ في أثره كأنني أُطارد قاتلًا. والحق أنه أطاع
كل ما ذكرته في الخطاب الذي ألقيتُه لأفضحه. ولقد ارتسمت في
وجهه الغضونُ من شدة الابتسام أكثر من الخطوط الواردة في الخريطة ٧٥
الجديدة للعالم، بعد إضافة خطوط العرض إلى الهند.٥٠ لم تشاهدا
في حياتكما شيئًا يضارع هذا! إني لا أكاد أمنع نفسي من قذفه
ببعض الأشياء. وأعرف أن مولاتي سوف تضربه،٥١ فإذا فعلت فسوف
يبتسم، ويظن أن ذلك تعطُّفٌ كبيرٌ منها. ٨٠
سير توبي : هيا خذينا إليه … خذينا إليه.

(يخرج الجميع.)

المشهد الثالث

(يدخل سباسيتان وأنطونيو.)٥٢
سباستيان :
ما كنت لأقبل طوعًا إرهاقك،
لكن ما دُمت ترى في تعبك مُتعة،
فأنا أتوقَّفُ عن أي عتابٍ آخر!
أنطونيو :
لم أقدر أن أتخلَّى عنك! فالرغبةُ عندي تدفعُني دفعًا
لمصاحبتك .. فهي أحدُّ من الفولاذ المسنون! ٥
لم يكن الدافعُ حبي وحده (وهو يجاوز كل حُدودٍ حتى
إن كاد ليُغريني بمواصلة الرحلة في البحر)،
لكني أشعرُ أيضًا بالقلق عليك لترحالك وحدك؛
إذ لا تعرفُ شيئًا عن هذي الأصقاع،
وإذا حلَّ غريبٌ فيها دون صديقٍ أو مُرشد ١٠
لاقى من ألوان العنت وسُوء ضيافتها كل مُعاناة؛٥٣
ولذلك بادرتُ بأن أتَّبعك مدفوعًا بالحُب المشبوب،
إلى جانب ما أوضحتُ من الخوف عليك.
سباستيان :
لا أستطيع أنطونيو العطوفُ غير شُكرك، بل أن
أُكرِّر الشكر الجزيل أبدًا! والحق أنه كثيرًا ما يُجازى ١٥
صانعُ المعروف بالشكر الذي يُعد عُملةً
لا تشتري روقًا! لكنه إن كان مالي
مثل إحساسي بديني كافيًا، فسوف تلقى عندها
ما تستحقه من المكافأة. ماذا عسانا فاعلان؟
ألَا نطوفُ كي نرى الآثار في هذي المدينة؟
أنطونيو : لا بل غدًا يا سيدي. عليك أولًا برؤية النُّزُل. ٢٠
سباستيان :
لكنني بالحق لستُ مُرهقًا. والليلُ لم يزَل بعيدًا.
أرجوك هيا كي نُمتِّع العيون بالآثار والمزارات الشهيرة التي
أطارت صِيت هذه المدينة.
أنطونيو :
أرجو إعفائي إذ لا أقدرُ أن أذرع هذي الطرُقات ٢٥
بلا خطرٍ لحياتي. والواقعُ أني شاركتُ قديمًا في معركةٍ
ضد سفائن هذا الدوق، وذاعت شهرتُها حتى
إن قُبض عليَّ اليوم فلن تُفلح أيةُ تعويضاتٍ في إنقاذي.٥٤
سباستيان : لرُبما أهلكتَ أرواحًا كثيرة من جُنده.
أنطونيو :
جريرتي ليست إسالة الدِّماء! حتى وإنْ كان الصراعُ آنذاك ٣٠
قادرًا على إثارة الضغائن التي يُسفَكُ فيها الدم،
وربما يكونُ ذلك الصراعُ قد حُسم
بدفع ما لهُم علينا .. ومعظمُ التجار في بلدتنا
قد سدَّدوا الأموال من حرصٍ على مصالح التجارة .. إلا أنا! ٣٥
وهكذا فإن أُسرتُ ها هنا فسوف أدفعُ غاليًا!
سباستيان : ولماذا لا تتخفَّى في تجوالك؟
أنطونيو :
ليس يُلائمني ذلك. خُذ! هذا كيسُ نُقودي. أفضل نُزُل
لإقامتك هُنا نزلٌ يُدعى «إليفانت»،٥٥ في منطقة جنوب البلدة.
سوف أُحادثهم فيه عن الأطعمة المطلوبة أثناء سياحتك الخاصة ٤٠
وسقاية عطشك للمعرفة برُؤية آثار البلدة ومعالمها.
ولسوف أكونُ بذاك النزُل اليوم.
سباستيان : ولماذا آخذُ كيس نقودك؟
أنطونيو :
لربما رأيت تحفةً أردتَ أن تنالها فتشتريها،
وليس ما لديك الآن من مالٍ بقادرٍ ٤٥
على شراء أي شيءٍ سيدي.
سباستيان :
سأكون إذن حامل كيس نُقودك،
وسأترُكُك الآن لمدة ساعة.
أنطونيو : في فُندق إليفانت.
سباستيان : أذكرُ ذلك.

(يخرجان.)

المشهد الرابع

(تدخل أوليفيا وماريا.)٥٦
أوليفيا (جانبًا)٥٧ :
أرسلتُ أطلبُ الحضور منه .. فإن أتى
فما الوليمةُ التي تليقُ به؟ وما الذي أُهديه له؟
فالأغلبُ ابتياعُ الشاب لا استجداؤُه أو استعارتُه.٥٨
لا بد أن أخفض صوتي ..٥٩
وأين مالفوليو؟ فإنه لعاقلٌ رزين،٦٠ ٥
وأفضلُ الذين يخدمون من غدت بمثل حالتي.٦١
أقولُ أين مالفوليو؟
ماريا :
قادم يا مولاتي، ولكنه في حالٍ بالغة الغرابة. ولا بد أن عفريتًا يسكنه
يا مولاتي.
أوليفيا : عجبًا ما الأمر؟ هل يهذي؟ ١٠
ماريا :
لا يا مولاتي. لا يفعل شيئًا إلا أن يبتسم وحسب. والأفضل لك
يا صاحبة العصمة أن تجعلي بعض الحرس يحيطون بك إذا أتى،
فلا شك أن بعقل الرجل مسًّا من الخبَل.
أوليفيا :
امضي واستدعيه!
(تخرج ماريا.)
إن كان جنونُ الفرح يماثلُ خبل الأحزان، ١٥
فبعقلي خبلٌ حقٌّ من شدة أشجاني.
(يدخل مالفوليو مع ماريا.)
كيف حالك يا مالفوليو؟
مالفوليو : مرحى مولاتي الحلوةُ مرحى!
أوليفيا : هل تبتسم؟ إني أرسلتُ أستدعيك في أمرٍ جاد.
مالفوليو :
جاد يا مولاتي؟ يمكنني أن أتجهَّم قطعًا؛ فرباط الساق الصليبي يعوق ٢٠
الدورة الدموية بعض الشيء. ولكن ذلك غير مهم، ما دام ذلك يحلو
في عين شخص معيَّن. وينطبق عليَّ ما تقوله السونيتة الصادقة٦٢ «إنْ
سرَّ ذاك شخصًا واحدًا فإنه يسر كل الناس.»
أوليفيا : عجبًا .. ما حالك يا رجل؟ ماذا أصابك؟ ٢٥
مالفوليو :
لم تُصب السوداء عقلي، وإن اكتسى ساقاي باللون الأصفر!٦٣ لقد وقع
الخطاب في يدي، ولا بد من تنفيذ الأوامر. وأعتقد أننا نعرف الخط
المائل٦٤ الجميل حق المعرفة.
أوليفيا : الأفضل أن تأوي إلى الفراش يا مالفوليو! ٣٠
مالفوليو :
إلى الفراش؟ حقًّا يا حبيبتي وسوف آتي إليك.٦٥
أوليفيا : فليرحمك الله! لِمَ تبتسمُ هذه البسمات وتقبِّل يدك بهذا الأسلوب؟
ماريا : كيف حالك يا مالفوليو؟
مالفوليو : هل تسألينني؟٦٦ نعم! أصبحَت البلابلُ تُجيب الغربان! ٣٥
ماريا : لماذا تظهر بهذه الجرأة المزرية أمام مولاتي؟
مالفوليو : «لا تخفِ العظمة»، تعبير رائع.
أوليفيا : ماذا تعني بذاك يا مالفوليو؟
مالفوليو : «البعض يولدون عظماء» … ٤٠
أوليفيا : ماذا؟
مالفوليو : «والبعض يكتسبون العظمة» …
أوليفيا : ماذا تقول؟
مالفوليو : «والبعض تُفرَضُ العظمة عليهم فرضًا.»
أوليفيا : ردَّ اللهُ لك عقلك! ٤٥
مالفوليو : «وتذكَّر من امتدحَت جوربك الأصفر» …
أوليفيو : جوربك الأصفر؟
مالفوليو : «وتمنَّت أن تراك وأنت تلبس رباط الساق الصليبي.»
أوليفيا : رباط الساق الصليبي؟ ٥٠
مالفوليو : «دعني أؤكِّد لك أنك بلغت العلا إن كنت تريد بلوغ العلا» …
أوليفيا : هل بلغت أنا العلا؟
مالفوليو : وإلا فلتظلَّ في عينَي حاجبًا.
أوليفيا : لا لا! هذا خبَل الصيف إذا انتصف٦٧ بعينه! ٥٥

(يدخل خادم.)

الخادم :
مولاتي! عاد السيد الشاب الذي أرسله الدوق أورسينو، وعجزت عن
إقناعه بالعودة من حيث أتى. وهو في انتظار ما تأمر به مولاتي.
أوليفيا :
سأذهب إليه أنا (يخرج الخادم). يا ماريا الكريمة. فليعتنِ أحدكم
بهذا الرجل. أين ابنُ العم توبي؟ فليرعه بعضُ أتباعي رعايةً خاصة؛ ٦٠
فلا أريد أن يصاب بأذًى ولو فقدتُ نصف مهري.

(تخرج أوليفيا وماريا من بابَين مختلفَين.)

مالفوليو (وحده على المسرح) :
ها ها! هل بدأت تفهمينني الآن؟ لم تجدي
رجلًا أسوأ من سير توبي كي يرعاني؟ هذا يتفق بدقة مع ما جاء في
الخطاب؛ إذ ترسله عمدًا حتى أُظهر الشدة معه، فذاك ما تحثني عليه ٦٥
في الخطاب إذ تقول: «اخلع ثوب تواضعك.» وتقول: «عارض أحد
الأقرباء، وكن سليط اللسان مع الخدم، ولتُجرِ على لسانك عبارات ٧٠
رجال الدولة، وتظاهر بأنك شاذ السلوك.» وهي تحدِّد بعد ذلك
أسلوب ذلك، مثل اصطناع جهامة الوجه، ورزانة الحركة، وبطء
التفوُّه بالألفاظ، كما هو شأن كل «فارسٍ مُعلَم»، وهلم جرًّا. لقد
اصطدت ذلك الطائر، ولكن ذلك من صُنع الرب جوف، فاجعلني
يا جوف حامدًا شاكرًا! كما إنها قالت الآن لتوها قبل ذهابها: ٧٥
«فليعتن أحدكم بهذا الرجل.» قالت «الرجل» ولم تقل مالفوليو؛
أي لم تراعِ موقعي الاجتماعي بل اعتبرتني «رجلًا»! حقًّا! إن كل
هذه الدلائل تبدو متسقة بحيث لا أجد عائقًا خلقيًّا واحدًا، لا بل
ولا خردلةً٦٨ من أي عائق خلقي، ولا عقبة، ولا أدنى ظاهرة تثير
الشك أو تنذر بالحظر — ماذا عساي أن أقول؟ — لا شيء يمكنه أن ٨٠
يحول بيني وبين الآفاق الكاملة لآمالي. والحق أن جوف، لا أنا،
هو الذي فعل هذا، وله الحمد والشكر!

(يدخل سير توبي وفابيان وماريا.)

سير توبي :
أين ذهب باسم الرب؟ لسوف أحادثُه حتى لو اجتمعت في جسمه ٨٥
كل شياطين جهنم، وكان الذي يسكنُه جيش عفاريت لا عفريت
واحد!
فابيان : ها هو ذا، ها هو ذا! كيف حالك يا سيدي؟ كيف حالك يا رجل؟
مالفوليو : ابتعدوا عني! إني ألفظكم! ودعوني أتمتَّع بخلوتي! انصرفوا! ٩٠
ماريا :
انظروا كم يفصح العفريت الذي يسكنه عن خوائه! ألم أقل لكم؟
سير توبي! إن مولاتي ترجوك أن ترعاه.
مالفوليو (جانبًا) : آها! هل ترجو ذلك حقًّا؟ ٩٥
سير توبي :
انفضوا! انفضوا! اسكتوا جميعًا! لا بد أن نعامله برفق. دعوه لي.
كيف حالك يا مالفوليو؟ ماذا حدث لك؟ عجبًا لك أيها الرجل! لا
تستمع إلى الشيطان! واذكر أنه عدو الإنسان.
مالفوليو : هل تعرف ما تقول؟ ١٠٠
ماريا :
انظروا كيف يفزع حين تشتمون الشيطان! أدعو الله ألَّا يكون قد
أصابه سحر ساحر!٦٩
فابيان : اجعلوا «الحكيمة» تكشف عن السحر في بوله.٧٠
ماريا :
قسمًا لا بد من ذلك في صباح الغد، إن عشت إلى الغد! فمولاتي
لا تريد أن تفقده٧١ مهما كلَّفها الأمر! ١٠٥
مالفوليو : ماذا بك يا امرأة؟
ماريا : يا إلهي!
سير توبي :
أرجوك أن تسكتي أنت؛ فليس هذا هو أسلوب العلاج. ألَا ترين
أنك تثيرينه؟ دعوني وحدي معه. ١١٠
فابيان :
ليس أمامنا إلا التلطُّف، فتلطَّفوا وتلطَّفوا؛ فالعفريت فظٌّ غليظ،
ويجب ألَّا نعامله بفظاظة.
سير توبي : إذن كيف حالك أيها الديك الزاهي؟٧٢ كيف حالك أيها الكتكوت؟ ١١٥
مالفوليو : سيدي!
سير توبي :
نعم يا «حبيبي» تعالَ معي! لا يصح لمن في وقارك أيها الرجل أن
يلهو لهو الصبيان٧٣ مع إبليس. فليشنق ذلك الفحَّامُ الخبيث!٧٤
ماريا : اجعله يصلِّي يا سير توبي الأكرم! اجعله يصلِّي! ١٢٠
مالفوليو : أن أصلِّي أيتها البذيئة؟!
ماريا : لا، وأؤكِّد لكم، لن يقبل أي قدر من التقوى.
مالفوليو :
اشنقوا أنفسكم كلكم! يا لغبائكم وضحالتكم! لست أنا من طبقتكم،٧٥
وسوف تعرفون المزيد فيما بعد. ١٢٥

(يخرج مالفوليو.)

سير توبي : هل هذا ممكن؟
فابيان :
لو كان ذلك يحدث على خشبة مسرح الآن، لأنكرتُه باعتباره
خيالات خرافية.
سير توبي : لقد سرَت عدوى الحيلة في روحه٧٦ ذاتها. ١٣٠
ماريا : لا! بل تابعوه الآن حتى لا يذيع خبر الحيلة فتفسد.
فابيان : قطعًا .. لسوف نُصيبُه بالجنون الحق.
ماريا : فيزداد هدوء المنزل. ١٣٥
سير توبي :
تعالَوا نُقيِّده ونحبسه في غرفةٍ مظلمة؛ فبنت أخي تعتقد فعلًا أنه
مجنون،٧٧ ومن ثم فلنا أن نسايرها في هذا الاعتقاد بتنفيذ ذلك؛ فهو
يحقِّق لنا المتعة، ويُكفِّرُ له عن ذنوبه. فإذا «تقطَّعت أنفاس» ملهاتنا
إرهاقًا،٧٨ فربما دفعتنا إلى أن نرحمه! وعندها نُذيعُ سر المكيدة حتى ١٤٠
يحكم الجمهور عليها،٧٩ وربما يتوِّجُك الجمهور بتاج مُكتشفة المجانين.
ولكن انظروا! انظروا!

(يدخل سير أندرو.)

فابيان : سيزيد اللهو حتى يناسب عيد الربيع!
سير أندرو : هذا خطاب التحدي، فاقرءوه! أؤكِّد لكم أن فيه الخل والفُلفل. ١٤٥
فابيان : أهو لاذعُ المذاق؟٨٠
سير أندرو : قطعًا وبلا شك. ما عليك إلا أن تقرأ.
سير توبي :
أعطني إياه. (يقرأ) «أيها اليافع، مهما تكن مكانتك، فلست ١٥٠
غير حقير.»
فابيان : هذا جميل، ويدل على الشجاعة.
سير توبي (يقرأ) :
«لا تعجب، ولا تخامرنك الدهشة،٨١ مِن نعتي إياك بهذه الصفة،
فلن أبيِّن لك سببًا لذلك.»
فابيان : عبارة حصيفة، ينجيك ما بها من الحذر من طائلة القانون.٨٢ ١٥٥
سير توبي (يقرأ) :
«إنك تأتي إلى الليدي أوليفيا، وعلى مرأًى مني تبدي العطف
عليك، ولكنك كذابٌ أشِر،٨٣ وليس ذلك هو الموضوع الذي أتحدَّاك
للنزال بسببه.»
فابيان :
خطاب بالغ الإيجاز، وبالغ الدلالة إلى أقصى حد (جانبًا) على
الغباء!٨٤ ١٦٠
سير توبي (يقرأ) :
«سوف أتربَّص بك في طريق عودتك لمنزلك، فإذا تصادف أن
قتلتني …
فابيان : جميل.
سير توبي (يقرأ) : «فكالوغد والشرير تقتلني.»٨٥
فابيان : ما زلت بمنجًى من مهب ريح القانون. جميل. ١٦٥
سير توبي (يقرأ) :
«إلى اللقاء إذن. وليرحم الله روح أحدنا! وربما يرحم روحي
أنا، ولكن رجائي أفضل من ذلك،٨٦ وإذن فاحذر واحترس. التوقيع:
صديقك إن عاملته كصديق، وعدوك اللدود.٨٧ أندرو إجيوتشيك.» ١٧٠
إذا لم يستطع هذا الخطاب أن يأتي به، فلن تستطيع ساقاه ذلك.
سوف أعطيه إليه.
ماريا :
ربما كانت الفرصة سانحةً الآن؛ فهو يحادث مولاتي في أمر ما
وسوف يرحل بعد قليل. ١٧٥
سير توبي :
هيا يا سير أندرو! تربَّص له في ركن الحديقة مثل مُحضِر المحكمة،٨٨
وحالما تبصره، استلَّ سيفك! وأثناء سل السيف اقذفه بشتائم
شنيعة؛ فكثيرًا ما يكون السباب الشنيع سلاحًا ماضيًا، خصوصًا إذا
صدر بنبرات زهو وخيلاء، وصلف وكبرياء، وهو أقدر على إثبات ١٨٠
الرجولة الحقة من أي أفعال لا تصحبها الشتائم! هيا انطلق!
سير أندرو : لا! أنا لا أُجارَى في الشتائم!

(يخرج سير أندرو.)

سير توبي :
الواقع أنني لن أُسلِّم ذلك الخطاب؛ إذ إن سلوك ذلك اليافع الكريم ١٨٥
المنبت يدل على أنه عاقل مهذَّب، وسفارته بين مولاه وبنت أخي
تؤكِّد ذلك. وهكذا فإن الجهل الشديد الذي ينم عنه هذا الخطاب لن
يُخيف ذلك الشاب إطلاقًا؛ إذ سيرى أنه مرسَل من بليد أحمق،٨٩ ١٩٠
لكنني يا سيدي سوف أُبلغه التحدي شفويًّا، ولسوف أقول إن السير
أندرو إجيوتشيك رجل ذاعت شجاعته، وسوف أرسم في خيال
السيد المهذَّب صورةً بالغة البشاعة (وأنا واثق أن يُفوعه سيجعله
يتقبَّلها بسهولة) عن ثورة الغضب لدى السير أندرو، وعن براعته ١٩٥
في النزال، وفورات حَنَقه واندفاعه المتهوِّر. ولسوف يؤدِّي ذلك إلى
قذف الرعب في قلب كلٍّ منهما، حتى لسوف يقتلان بعضهما
البعض حالما يتبادلان النظرات، مثل الأفعوان ذي النظرة الفاتكة.٩٠

(تدخل أوليفيا وفيولا.)

فابيان :
ها هو ذا قادم مع بنت أخيك. أمهلهما حتى يحين انصرافه، ثم
الحق به على الفور. ٢٠٠
سير توبي : سوف أدبِّر في هذه الأثناء رسالة تحدٍّ مرعبة تدعوه للنزال.

(يخرج سير توبي وفابيان وماريا.)

أوليفيا :
لشد ما أسرفتُ في خطاب قلبٍ قُد من حجر،٩١
كما رهنتُ سمعتي بلا احتراسٍ أو حذر.
وإن في الأحشاء ما يلومُني على اقتراف ذلك الخطأ، ٢٠٥
لكن ذلك الخطأ .. ذو مِرةٍ صعب المِراس،
حتى غدا يستهزئ الغداة بالملام!
فيولا :
ودربُ هذه المشاعر المشبوبة التي لديك،
درب أحزان الصدود عند سيدي.
أوليفيا :
اشبك بصدرك هذه الحلية! رسمٌ مصغَّرٌ يُصوِّرني! ٢١٠
حذار أن ترفُضها .. فما لها لسانٌ قد يثيرُ سخطك!
أرجوك أن تعود لي غدًا أرجوك.
وهل تُراك ترجو أن تنال شيئًا ثم أمنعه؟
فكل ما تطلُبُه أُجيبُه ما دُمتُ لا أمس صفحة الشرف.
فيولا : لا شيء إلا أن تُحبي سيدي حبًّا صدوقًا! ٢١٥
أوليفيا : وكيف أُعطيه الذي أُعطيك٩٢ ثم لا أمس شرفي؟
فيولا : إني إذن أُعفيك.٩٣
أوليفيا :
فلتأتِ غدًا ثانية .. حتى ألقاك وداعًا لك.
قد يُلقي روحي في نار جهنم شيطانٌ مثلك!

(تخرج أوليفيا.)

(يدخل سير توبي وفابيان.)

سير توبي : حفظك الله يا سيد! ٢٢٠
فيولا : وأنت سيدي!
سير توبي :
تأهَّب للدفاع عن نفسك. لا أعرف ما أسأت إليه فيه، ولكن
غريمك مفعمٌ بالشر، سفَّاكٌ للدم مثل الصياد،٩٤ وهو ينتظرك في
طرف الحديقة. سُلَّ سيفك من غِمده، وعجِّل بالاستعداد له؛ فمن ٢٢٥
يُهاجمك سريعٌ بارع فتاك.
فيولا :
أخطأت سيدي؛ فأنا واثقٌ أنه لا خصومة بيني وبين أحد، وذاكرتي
بريئةٌ تمامًا وصافيةٌ ولا تحمل أية إساءةٍ لأي رجل. ٢٣٠
سير توبي :
سترى أن الأمر على خلاف ذلك، أؤكِّد لك. وإذن فإذا كنتَ ترى
لحياتك أية قيمة، كن على حذر، فإن غريمك يتمتَّع بكل ما يتمتَّع
به الرجلُ في شبابه من قوةٍ وبراعةٍ وغضب. ٢٣٥
فيولا : أرجوك قل لي سيدي ما مكانتُه؟
سير توبي :
فارس، نال المنزلة بسيفٍ غير مثلوم، وفي القصر لا في الميدان،
لكنه في المبارزات الفردية شيطان. وقد فصل ثلاث أرواحٍ عن
أجسادها، وغضبه في هذه اللحظة عميق إلى الحد الذي يجعله لا
يقبل التراضي إلا بآلام الموت والمواراة في القبر. وشعاره هو الحياة ٢٤٠
أو الموت، لك أو له!
فيولا :
سأعود إلى المنزل فأطلبُ الاحتماء بالليدي؛ فلستُ مقاتلًا، ولقد ٢٤٥
سمعت عن بعض الرجال الذين يفتعلون الصراع عمدًا مع غيرهم
لاختبار شجاعتهم، وربما يكون هذا الرجلُ منهم.
سير توبي :
لا يا سيدي؛ فإن استياءه يقوم على إساءةٍ يعترف بها القانون،
وعليك من ثم أن تتأهَّب وتحقِّق له رغبته. ولن أسمح لك بالعودة ٢٥٠
إلى المنزل إلا إذا نازلتني منازلةً لن تهيِّئ لك أمنًا وسلامةً أكبر من
منازلته. وإذن فامضِ إليه أو فجرِّد سيفك من غمده؛ فالنزال
محتوم، هذا مؤكَّد، إلا إذا أقلعت عن حمل أي سيفٍ بعد الآن. ٢٥٥
أوليفيا :
هذا موقفٌ ينم عن وقاحةٍ وغرابةٍ معًا. أتوسَّلُ إليك إن شئت
مجاملتي أن تستفسر من الفارس عن إساءتي إليه؛ فإنها لا شك
نتيجة السهو لا العمد. ٢٦٠
سير توبي :
سوف أستفسر منه. وانتظر يا سنيور فابيان مع هذا السيد حتى
أعود.

(يخرج سير توبي.)

فيولا : أرجوك يا سيدي .. هل تعرف شيئًا عن هذا الأمر؟
فابيان :
أعرف أن الفارس ناقمٌ عليك، إلى الحد الذي يدفعه لتحكيم سيفٍ
فتاك، لكنني لا أعرف المزيد عن ظروف ذلك. ٢٦٥
فيولا : قل لي أرجوك، أي نوعٍ من الرجال هو؟
فابيان :
مظهره هادئٌ رائع، لا ينبئُ إطلاقًا عن صلابته وشجاعته في النزال؛
فهو حقًّا يا سيدي أبرعُ الخصوم وأفتكهم وأسفكهم للدم، ولن تجد ٢٧٠
مثيلًا له في إلليريا كلها. فإذا تقدَّمت نحوه فسوف أصالحكما إذا
استطعت.
فيولا :
وسأحمل لك امتنانًا كثيرًا؛ فأنا أفضِّل الاشتباك مع الكاهن٩٥ على ٢٧٥
الاشتباك مع الفارس! ولا يهمني أن يعرف أحد الكثير عن حقيقة
معدني.

(يخرجان وإن كانا لا يزالان ظاهرَين على المسرح من باب الحديقة المفتوح.)

(يدخل سير توبي وسير أندرو.)٩٦
سير توبي :
قطعًا يا رجل؛ فهو شيطان حق، ولم أشهد بين المقاتِلة٩٧ مثيلًا له.
وقد نازلته شوطًا٩٨ بالسيف والخنجر وما إلى ذلك، وشهدت منه
ضربةً فاتكة لو أراد بها قتلي لقتلني حتمًا. وإذا وجَّهت إليه ضربة، ٢٨٠
أجابك بضربةٍ واثقة ثقتك من وجود قدمَيك على الأرض. ولقد قيل
إنه كان أستاذ فنون السيف لدى الشاه.٩٩
سير أندرو : لعنة الله على ذلك، لن أشتبك معه. ٢٨٥
سير توبي :
نعم ولكنه لا يقبل الصلح الآن، وفابيان يجد صعوبةً في إيقافه
حيث يقف هناك.
سير أندرو :
لعنة الله على ذلك! لو كنت أعرف أنه شجاعٌ وبهذه البراعة في
المبارزة ما كنت قبلت أن أتحدَّاه قط! اسمع! أقنعه بأن ينسى ٢٩٠
الموضوع، وسوف أهديه فرسي كابيليت١٠٠ الرمادي.
سير توبي :
سأعرض هذا العرض عليه. قف هنا وتظاهر بالشجاعة، وسوف
ينتهي الخلاف دون إزهاق أرواح. (جانبًا) وسوف أركب حصانك ٢٩٥
بالبراعة التي أركبك بها.
(يدخل فابيان وفيولا.)
(جانبًا إلى فابيان) كسبتُ حصانه في مقابل تسوية النزاع؛ إذ أقنعتُه
أن الشاب شيطان.
فابيان (جانبًا إلى توبي) :
إنه يتصوَّر أنه رهيبٌ أيضًا، وقد شحب لونه وأخذ
يلهث كأنما كان دبٌّ في أعقابه. ٣٠٠
سير توبي (إلى فيولا) :
لا أمل في الصلح سيدي؛ إذ يصر على منازلتك بِرًّا
بقسمه، لكنه عدل عن رأيه في أُسُس الخصومة، ولم يعد يجد فيها
ما يستحق المناقشة. عليك إذن أن تسل سيفك حتى لا ينقُض
قسمه، وهو يؤكِّد أنه لن يصيبك بسوء. ٣٠٥
فيولا (جانبًا) :
أسألك يا رب النجاة! وأكاد أُفضي لهم بمقدار ما ينقصُني
عن الرجل.١٠١
فابيان (إلى سير أندرو) : تراجع إن شاهدت غضبته. ٣١٠
سير توبي (يعبر المسرح إلى سير توبي) :
هيا يا سير أندرو! لا أمل في الصلح؛
فالسيد يُصر صونًا لشرفه أن ينازلك شوطًا واحدًا، ولا يستطيع
تجنُّب ذلك وفق قوانين المبارزات، لكنه وعدني بحق كرم محتده
وانتمائه الحربي ألَّا يصيبك بأذًى. هيا! إلى النزال. ٣١٥
سير أندرو : أدعو الله أن يبر بقسمه!
(يدخل أنطونيو.)١٠٢
فيولا : ثق في قولي. إني أفعل ذلك وأنا مكره!

(سير أندرو وفيولا يستلان سيفَيهما.)

أنطونيو (وهو يستل سيفه.) :
أغمد سيفك! إن كان الشاب الأكرم ذاك
أساء إليك، فإني أتحمُّلُ وزره! أمَّا إن ٣٢٠
كنتَ أسأتَ إليه فأنا أتحدَّاك دفاعًا عنه!
سير توبي : أنت، سيدي؟ عجبًا من أنت إذن؟
أنطونيو :
شخصٌ يا سيد يدفعه حبه
حتى يتجاسر فيقومَ بأكثر ممَّا يتفاخر ذاك بفعله!
سير توبي : لا! إن كنت تقاتل بدلًا من بعض الناس١٠٣ فأنا لك! ٣٢٥

(يستل سير توبي سيفه.)

(يدخل رجال الشرطة.)

فابيان : كُفَّ يا سير توبي الكريم؛ فقد أتى رجال الشرطة.
سير توبي (إلى أنطونيو) : سأعود إليك حالًا.
فيولا (إلى سير أندرو) : أرجوك يا سيدي، أغمد سيفك، من فضلك. ٣٣٠
سير أندرو :
أقسم إني سأغمده يا سيدي، وأمَّا ما وعدتك به من قبل،١٠٤ فسوف
أفي بوعدي، وسوف يسهل لك ركوبه ويسلس لك قياده.
الضابط ١ : هذا هو الرجل. قم بواجبك.
الضابط ٢ :
أنطونيو! إني أُلقي القبض عليك
في دعوى الدوق أورسينو ضدك. ٣٣٥
أنطونيو : أخطأت الشخص المطلوب.
الضابط ١ :
لا يا سيد لم أخطئ قط؛ فأنا أعرف وجهك خير المعرفة!
حتى دون القبعة البحرية فوق الرأس.١٠٥
امضوا الآن به إذ يعرف أني أعرفُه خير المعرفة.
أنطونيو :
لا بد إذن أن أنصاع (إلى فيولا)، وبحثي عنك هو السبب! ٣٤٠
لكن لا مهرب لي ولسوف أُواجه هذي التهمة.
ماذا تفعل أنت إذن ما دمت بسبب الحاجة مضطرًّا
أن أطلب منك إعادة كيس نقودي؟ يحزنني
عجزي عن تقديم العون إليك ..
أكثر من ضيقي ممَّا يحدث لي. تبدو مذهولًا أو في حيرة. ٣٤٥
لكن خفِّف عنك.
الضابط ٢ : هيا يا سيد فلنمضِ الآن.
أنطونيو : لا أملك إلا أن أطلب منك قليلًا من ذاك المال!
فيولا :
وأي مالٍ ذاك سيدي؟
أبديت لي عطفًا كريمًا ها هنا، ٣٥٠
وساءني ما بتَّ فيه من متاعب،
وذاك كله يحثني على إقراضك القليل ممَّا في يدي
فإنه جدُّ قليل، وليس في يدي مالٌ كثير،
لكنني أقتسم الذي معي .. معك،
فهاك نصف ما في الكيس. ٣٥٥

(تقدَّم المال إلى أنطونيو فلا يقبله.)

أنطونيو :
هل تنكرني الآن؟١٠٦
هل يمكن أن تُنكر أنت استحقاقي أو تجحد فضلي؟
لا تُغرِ شقائي بإساءة خُلقي،
فأمنُّ عليك بما أسديتُ من الأيدي البيضاء!١٠٧ ٣٦٠
فيولا :
لا أعرفُ لك أي أيادٍ بيضاء،
بل لا أعرفُك بصوتك أو بملامح وجهك،
وأنا أكره كل جحودٍ أكثر ممَّا أكره أي كذب
أو أية خيلاء .. أو ثرثرةً من مخمور،١٠٨
أو أية أدران رذائل١٠٩ تكمن في دمنا الواهن، ٣٦٥
وتهبُّ فتفسدُ أخلاق المرء أشد فساد.
أنطونيو : أوَّاه يا رب السماء!
الضابط ٢ : هيا يا سيد أرجو أن تمضي!
أنطونيو :
دعني أقول كلمتَين! فذلك الشاب الذي ترونه أمامكم
كنت انتشلتُه من بين فكَّي الهلاك بعد أن كادا
ليطبقان فوقه! فرَّجت كربه بكل ما للحُب من قداسة،١١٠ ٣٧٠
والحق أنني عبدتُ تلك الصورة التي بدت
بَشِير أسمى النبل والجدارة.
الضابط ١ : ما نحن وذاك؟ هيا فالوقت يضيع! هيا!
أنطونيو :
والآن أُدرك أن من كان الإله بناظري صنمٌ قبيح،
فلقد جلبت العار يا سيباستيان لوسامة الوجه الصبيح؛ ٣٧٥
إذ لا يشوب طبيعة الإنسان إلا ما اختفى في نفسه،
ولا يشوِّه الفتى سوى تحجُّر الفؤاد وانعدام حسِّه.
إن الجمال هو الفضيلة والتقى .. لكنما قد نُبصر الشر الجميل
مثل الوعاء الفارغ المستملح .. قد زانه الشيطان بالنقش الجليل!١١١
الضابط ١ : جُن الرجل! خذوه من هنا! هيا يا سيد هيا! ٣٨٠
أنطونيو : هيا بنا.

(يخرج أنطونيو مع الشرطة.)

فيولا (جانبًا) :
الرجل يقول كلامًا مشبوبًا يقطع بالإيمان بما يحكي.
لكني ما زلت أكذِّب ما سمعت أذني.
يا ليت خيالي يصدق فيكون الحقَّ المرغوب،
وبأن الرجل يظن بأني بالفعل أخي المحبوب!١١٢ ٣٨٥
سير توبي :
اقترب يا فارس! اقترب يا فابيان! سوف نتهامس معًا ببعض الأشعار١١٣
التي تحوي أشد الأقوال حكمة! (توبي وأندرو وفابيان ينتحَّون جانبًا.)
فيولا :
ناداني باسم أخي وأخي يحيا في ذاتي،
كالصورة تحيا صادقةً في مرآتي. ٣٩٠
وجه أخي يشبه وجهي وأنا ألبس أردية أخي،
وأحاكي زركشة الزي وألوان أخي!
لو صدق لقلت بأن عواصف ذاك البحر تحلَّت بالرحمة،
وبأن الأمواج الملحة عشقته فغدت أمواجًا عذبة!

(تخرج فيولا.)

سير توبي :
غلامٌ تافه بالغ الخيانة، وأجبن من الأرنب البري، وقد ظهرت ٣٩٥
خيانته في التخلي عن صديقه في وقت ضيقه، وفي التنكُّر له، وأمَّا
عن جبنه، فاسأل فابيان!
فابيان : جبان! يُخلصُ للجُبن إلى حد العبادة!
سير أندرو : أقسم١١٤ سوف ألحقُ به من جديدٍ فأضربه. ٤٠٠
سير توبي : نعم! اضربه ضربًا مبرِّحًا، لكن لا تسُل سيفك مطلقًا من غمده!
سير أندرو : إن لم أفعل …١١٥

(يخرج سير أندرو.)

فابيان :
هيا بنا لنشهد الذي يكون من أمرهما،
أمَّا الرهانُ فهو أن لا شيء يجري قطُّ بينهما.١١٦ ٤٠٥

(يخرجان.)

١  المكان: حديقة منزل أوليفيا (بوب).
(١) «تعيش بضرب الطبل؟»: الطبل هنا (tabor) طبل صغير يحمله المهرِّج برباط يتدلَّى في جانبه ويضربه بإحدى اليدَين ويعزف على المزمار بيده الأخرى. وهذه هي صورة المهرِّج التقليدية.
٢  يتعمَّد المهرِّج إظهار إساءة الفهم بتحويل معنى «الباء» في «بضرب» إلى معنًى آخر. وهو في النص الأصلي يستخدم by التي تعني بجوار، ولمَّا كان من المحال أن يتحوَّل معنى هذه الكلمة في العربية، أو أن تحمل الباء وحدها معنى الجوار، أتيت بلفظة «درب» التي تنقل التلاعب اللفظي بسبب جناسها مع ضرب.
٣  «من رجال الكنيسة»: يقطع المحرِّرون بأن ذلك السؤال ساخر؛ لأن المهرِّج كان يرتدي حلته المزركشة التي تدل على عمله.
٤  «الوعود تجلب العار لها»: لأن من يقطع على نفسه عهدًا أو وعدًا يقال إنه «أعطى كلمته»، وإخلاف الوعد يصيب الكلمة بالعار.
٥  يقول ويلسون إن المقصود هو السخرية من فيولا، باعتبارها سيزاريو الذي شاهده أهل المنزل يقضي وقتًا طويلا مع أوليفيا، فكثر الحديث عن «زواجهما» عمَّا قريب، وهو يفسِّر تعبير «صاحب الحكمة» (٤١) نفس التفسير. ولكن المشاهدين يعرفون أن فيولا فتاة، ولن يتصوَّروا ما يتصوَّره المهرِّج، وإذن فإن أقوال المهرِّج لا تزيد عن تعليقات عامة عن حماقة من يتزوَّج. انظر مقارنة المهرِّج للزواج بالشنق في (١ / ٥ / ١٩).
٦  «الرب جوف»: سبق لمالفوليو أن أعرب عن شكره للرب جوف (Jove) في (٢ / ٥ / ١٧٤)، وهو أصلا رب الأرباب في أساطير اليونان القديمة، واسمه تحريف للاسم اللاتيني Jovis باعتبارها حالة المضاف إليه من Juppiter، الصورة القديمة للاسم جوبيتر Jupiter، والملاحَظ أن الاسم اللاتيني تطوَّر وتحرَّف حين انتقل من صورته في اللغات الهندية الأوروبية diwes، وهي حالة المضاف إليه لكلمة dyeus التي أصبحت في اليونانية زيوس Zeus وفي الإنجليزية الحديثة كلمة deity (أي رب) التي تنحدر في أصولها البعيدة من اللاتينية (Deus). وإذن فالمقصود هو الرب على إطلاقه، ولا تزال كلمة Jove حيةً في الإنجليزية المعاصرة بهذا المعنى في القَسَم الذي يُعبِّر عن الدهشة By Jove! وقد ذهب بعض المحرِّرين إلى أن شيكسبير قد تعمَّد تحاشي ذكر الرب المسيحي God وأحلَّ هذا الاسم محله تنفيذًا (عند مراجعة النص وتنقيحه) للأمر الملكي الصادر عام ١٦٠٦م بتجنُّب الزج باسم الله على المسرح، ويقول بعضهم إنه أحصى تسع مرات لورود هذا «التنقيح» المفترض، ولكن باحثًا يُدعى تيرنر (Turner) يقول إن اسم الرب المسيحي يرد ست عشرة مرةً بخلاف ذكر جوف، وهو ما يشكِّك في مسألة التنقيح. وتقول دونو إنه من غير المعقول أن نتصوَّر المهرِّج هنا وهو يدعو الله إلى إرسال لحية! وتقصد أن الحياء يمنع من ذلك وحسب.
٧  فكرة توالد النقود واردة في «تاجر البندقية» (١ / ٣ / ٩٠–٩١)
٨  بانداروس (Pandarus): هو عم كريسيدا (Cressida) الذي جمع بينهما وبين حبيبها طرويلوس (Troilus) في القصة اليونانية القديمة التي عرفها الناس من القصيدة القصصية التي كتبها تشوسر (Chaucer) في القرن الرابع عشر، وسرعان ما عاد إليها شيكسبير في مسرحية «طرويلوس وكريسيدا» بُعيد كتابة «الليلة الثانية عشرة».
٩  «خارج سمائي» (out of my welkin): كلمة مهجورة تعني قبة السماء، ولكنها هنا تعنى المكان الذي ينتمي إليه الكائن، كالماء للأسماك، وشاع استخدامها مرادفةً للهواء أو الجو، وهو المعنى الذي أتى بمعنى السماء، وقد ترجمتها بمعنى «السماء» من قبلُ في ٢ / ٣ / ٥٧، ومعنى المهرِّج واضح ويعبِّر عنه بعد ذلك بوضوح، ولكن استعمال الكلمة يدل على غرام خاص بالألفاظ ناقشته في «المقدمة».
١٠  «كالصقر لا ينقض إلا …» الصقر هنا haggard، وهو الصقر البري غير المدرب. ويقول الدكتور جونسون تعليقًا على الصورة الأصلية للعبارة، كما وردت في طبعة الفوليو ١٦٢٣م، وهي:
And like the haggard, check at every feather
That comes before his eye.
(وترجمتها الحرفية «كالصقر ينقَض انقضاضًا فوق كل طائر يراه» قائلًا:

«إن عليه أن يغتنم كل فرصة، مثلما ينقض الصقر البري على كل طائر، ولكن ربما كان من الأصح أن تُقرأ العبارة بإضافة أداة نفي في البداية: «وليس كالصقر الذي ينقَض فوق كل طائر يراه.» أي إن عليه أن يختار الأشخاص والأوقات، ويراعي الحالات النفسية، ويجب أن يطارد الفريسة الصحيحة، مثل الصقر المدرَّب، لا أن ينطلق انطلاقًا مثل الصقر الوحشي فيصيد كل ما يصادفه».

وقد أخذت برأي جونسون فنقلت المعنى المضمر، وهو الذي أثبته في طبعته عام ١٧٦٥م، وتلاه ج. ران (J. Rann) في طبعته عام ١٧٨٦م، فذلك هو المقصود حقًّا.
١١  انظر التعليق على هذا البيت المقفَّى في «المقدمة».
١٢  الرد الذي يرده سير أندرو يدل على أنه يفهم الفرنسية، وإن كانت كلمات يسيرة قريبة المأخذ.
١٣  تصنُّع عبارة سير توبي يفوق الحد، وفيولا تبادله التصنُّع.
١٤  «واضح!» الأصل هو Well، ويعني سير أندرو بذلك أنه أدرك المقصود، وربما أنه حفظ التعبير أيضًا، ولكنه أقرب إليه قولنا بالعامية «كده كده!» أو «ماشي!»
١٥  حاكيت اللغة المتصنَّعة في الترجمة؛ فالأصل هو:
Your own most pregnant and vouchsafed ear.
والمعنى البسيط للصفة الأولى هو: «التي على أتم استعداد للقبول»، والثانية: «المعبرة عن رضاها»، ولكنني أحدثت التوازن بين العبارتَين تأكيدًا للتصنُّع.
١٦  «أعطني يدك»: المصافحة هنا مجاملة غير معتادة من كونتيسة لخادم.
١٧  معنى اعتراض أوليفيا على استعمال صفة الخادم باسم الأدب (أي التأدُّب والمجاملة) هو أنها تتمنَّى لو كان «سيزاريو» خادمًا لها بالمعنى الرومانسي؛ أي عاشقًا، وهو المعنى الذي تستخدم فيولا الصفة فيه ١٠٣.
١٨  «موسيقى الأفلاك»: كان المفترض أن في دوران الأفلاك الثمانية المتداخلة، وهي دوائر تتسع باطراد حول الأرض وتدور فيها الكواكب السيارة والنجوم الثابتة، موسيقى سماوية لا تسمعها آذان البشر، وشيكسبير يشير إليها في «تاجر البندقية» (٥ / ١ / ٦٠–٦٥) والمصدر البعيد هو «جمهورية» أفلاطون.
١٩  صورة الدب والكلاب سبق إيضاحها في الحاشية (٢ / ٥ / ٧).
٢٠  خطوة في ١٢٦ هي a degree وفي ١٢٧ grize، وكلاهما يعني step. انظر «عطيل» ١ / ٣ / ٢٠٠ حيث يرد اللفظان مترادفَين (a grise or step).
٢١  «ذاك يعيد البسمة في ظني لشفاهي الآن»: تقول أوليفيا: ما دمت أحب بلا أمل، فلي على الأقل أن أسعد بشفقة الأعداء!
٢٢  تشرح ماهود ذلك قائلة: «إنها تعني أنها رغم رفض «سيزاريو» لها، لديها ما يدعو للفخر؛ إذ إنها وقعت فريسةً لملك من أبناء البشر!» والطريف أن اسم أورسينو بالإيطالية يعني الدب الصغير، ولكن لا أظن أن شيكسبير كان يقصد بذلك صورةً استعارية معيَّنة، ولم يُشر أحد النُّقاد إلى ذلك على أية حال.
٢٣  «لن أحظى بك»: فيرنس يقول إن هذه العبارة ناقصة، ويتصوَّر أنه كان لا بد أن يتلوها كلام لم تتفوَّه به أوليفيا بسبب شدة انفعالها؛ ولذلك فهو يطبع شرطةً بدلًا من «بك»، دليلًا على ما لم تنطق به أوليفيا. وربما يكون على الصواب إذا افترضنا أن «أحظى» تعني «أفوز»، ومن ثم «أتزوَّج»؛ لأن رفض من لم يطلب الزواج منها لا يليق بمن في مكانتها وجمالها. والأرجح كما يقول كريك هو أنها تُعبِّر تعبيرًا لاذعًا، نصف هازل، عن عدم اعتزامها إرغام فيولا / سيزاريو الزواج منها. فإذا ذكرنا أنهما صبيان (أي اللذان يمثِّلان الدور في زمن شيكسبير) يمثِّلان دورَي امرأتَين، بدت لنا الفكاهة في هذه العبارة، حتى ولو كانت بمعنى «أتزوَّج» البسيط!
٢٤  «إلى الغرب أمضي»: كان هذا نداء ربان السفينة التي تحمل الركاب غربًا من قلب مدينة لندن إلى وستمنستر أي Westward Ho! وكان المقصود بالنداء طلب الزبائن، وفيولا تقوله محاكاةً لظاهرة مألوفة لمشاهدي المسرحية في عصر شيكسبير، ممَّا يؤكِّد ما قلته من الجمع بين الجغرافيا الخيالية في إلليريا وبين الواقع المألوف في الحياة اليومية، وانظر تفصيل ذلك في «المقدمة». وأمَّا ما ذهب إليه بعض النقاد من تصوُّر أن أوليفيا تقول في السطر السابق «أبحر بسفينتك تجاه الغرب» ورد أوليفيا عليها هنا يمثِّلان الصورة «الشاعرية» لغروب شمس الحب، فهو تأويل مقحم (يقول ويلسون «إن سيزاريو شمس حياتها التي حان غروبها»)، وأمَّا افتراض أن منزل أورسينو حيث يعمل «سيزاريو» يقع إلى الغرب من منزل أوليفيا، فهو افتراض لا يؤيِّده شيء في المسرحية (كما يفترض هوتسون Hotson). وإحساسي الشخصي أن رد فيولا يمثِّل استعدادها للتفكُّه الذي أثبتته في مشاهدها مع المهرِّج ومع أوليفيا نفسها في التصنُّع الأسلوبي والتوريات المتكرِّرة، فهي تعي كل الوعي أنها تمثِّل دورًا!
٢٥  تشرح ماهود ذلك قائلة: «إنها تعني أنها رغم رفض «سيزاريو» لها، لديها ما يدعو للفخر؛ إذ إنها وقعت فريسةً لملك من أبناء البشر!» والطريف أن اسم أورسينو بالإيطالية يعني الدب الصغير، ولكن لا أظن أن شيكسبير كان يقصد بذلك صورةً استعارية معيَّنة، ولم يُشِر أحد النُّقاد إلى ذلك على أية حال.
٢٦  هذا مثال صادق على ما قلته في الحاشية السابقة؛ إذ إن فيولا تتعمَّد الغموض الذي لا يلزمها بمعنًى محدَّد؛ فالعبارة قد تعني: (١) أنت تظنين خطأً أنك تحبين رجلًا، أو (٢) إنك تحبين خادمًا فكأنما لا تعرفين كرم محتِدك.
٢٧  ردُّ أوليفيا واضح ومعناه أعتقد بأنك تحبني وتخشى الإفصاح عن حبك.
٢٨  تفهم فيولا رد أوليفيا بما يعرفه الجمهور، فتقول إن باطنها يُناقض ظاهرها.
٢٩  أوليفيا هنا تقول ليت أنك كنت مُحبًّا لي! ولاحظ تغيير المعاني في هذا التراشق اللفظي (stichomythia) الذي يستمر في السطرَين التاليَين. وكل هذا يؤكِّد ما ذكرته عن فيولا في آخر الحاشية على السطر ١٣٧ أعلاه.
٣٠  المعنى الذي يفي بأغراض النقد النسائي من تساوي الجنسَين هو تشكيك فيولا في أن الأفضل لها أن تكون رجلًا! أي إنها تجاهلت مقصد أوليفيا تمامًا وأتت بمقارنة صريحة بين الجنسَين، أردفتها قائلةً عبارتها الساخرة «يا ليته يكون!» أي ليت الجنسَين مختلفان حقًّا، أو ليت الرجل أفضل من المرأة!
٣١  سبق لشيكسبير أن ألمح إلى اشتداد الشوق بسبب الصدود في علاقة المحبين الأربعين، وينسب بعض النقاد هذه الفكرة إلى ليلي (Lyly)، ولكنها كانت من ثوابت علاقة الحب في عصر النهضة.
٣٢  وما بعده. لاحظ أن الأبيات مقفاة إلى آخر المشهد، سواء كان ذلك في كلام أوليفيا (المنفرد) أو في حوارها مع فيولا. ولاحظ أن البحر الشعري يتغيَّر ما بين أحاديثهما. وارتفاع مستوى اللغة بازدياد عمق العاطفة من الظواهر النقدية التي كان درايدن من أوائل من لفت النظر إليها في النقد الإنجليزي، وأذكر قول بورشيا في «تاجر البندقية» شعرًا «ساميًا» لحظة نجاح حبيبها في اختيار الصندوق الذي يحوي صورتها، كما أذكر أن قوة شيكسبير فرضت عليَّ بحر الخفيف فرضًا، وهو بحر مُركَّب لا أكاد ألجأ إليه مطلقًا في الترجمة «ما عدا الحب من مشاعر، ولي / ومضى في الهواء مثل الهباء». ولقد كدت أنجرف هنا إلى بحر قريب منه لولا إحساسي بالتوتُّر ما بين فيولا وأوليفيا، وأخرجت ذلك التوتُّر بتغيير البحر من الخبب إلى الرجز فإلى الخبب من جديد.
٣٣  المكان: منزل أوليفيا (رو Rowe).
٣٤  «القياس الصائب والحكم المنطقي»: الواضح أن التعبيرَين مترادفان، ولكن ويلسون يُقيم حجةً بالغة التعقيد على وجود فوارق بينهما، مستندًا إلى أسانيد لاهوتية لا مجال للدس بها في هذا الهزل.
٣٥  «حتى توقظ شجاعتك من بياتها الشتوي»: في الأصل (to awake your dormouse valour).
وحيوان (الزغبة) (مجدي وهبة) غير معروف في الشرق ولا في أي إقليم حار أو دافئ؛ فهو يعيش في المناطق القطبية، ويقضي الشتاء في السُّبات العميق حتى يأتي الربيع، وشيكسبير يستخدم اسمه هنا صفةً للشجاعة؛ أي «الشجاعة النائمة في الشتاء»، والترجمة العلمية للاسم لن تنقُل الصورة؛ فالصورة صورة بيات شتوي، ولا بد من تبيان هذا، ولو حذفنا اسم الحيوان الذي لا يعرفه أحد ولن يعني اسمه شيئًا لأحد (انظر الفصل الأخير من كتابي فن الترجمة).
٣٦  «الطلاء الذهبي المزدوج»: الأصل the double gilt، تقول ماهود إن فابيان يعتمد على الاصطلاح اللغوي «الفرصة الذهبية»، ولكنه يُحسِّنه بجعل الطلاء الذهبي مزدوجًا! وقد التزمت بالحرفية في النقل لِمَا في التعبير من حذلقة فكاهية!
٣٧  «أتباع براون»: كان روبرت براون (Browne) (١٥٥٠–١٦٣٣م تقريبًا) قد أنشأ في عام ١٥٨١م مذهبًا اعتنقه الكثيرون وأصبحت طاقته تسمَّى «المستقلون» (Independents)، وكانت الطائفة تُعتبر من بشائر موجة التطهُّر أو التزمُّت الديني التي أتت بالحركة البيوريتانية، وكان براون يكتب دراساتٍ تأويليةً تُثير الخلاف وتُعتبر ثوريةً في ذلك الوقت.
٣٨  «خط الجندي» (a martial hand): حرفيًّا «بخطٍّ حربيٍّ»، ويفسِّر جونسون خط الجندي بأنه الخط الرديء الذي يدل على عدم إلمام الكاتب بقواعد فن الخط، ويفسِّره فيرنس بأنه الخط الذي تبرَّر فيه حروف معينة بصورة «عدوانية»!
٣٩  «التهم الملفَّقة»: الأصل invention، أخذت في تفسير الكلمة بحجة دونو التي تستشهد بورودها بهذا المعنى في مسرحية «العبرة بالنهاية» (العبرة بالخواتيم) All Is well that Ends Well في الفصل الثالث، المشهد السادس، السطران ٩٧–٩٨، والشاهد هنا يقطع بأن معناها هو الأكاذيب (lies). والسياق يقتضي إذن أن تكون رسالة التحدي قائمةً على ادعاء إساءات لم تقع، ومن ثم «مخترعة» (هو المعنى الحرفي للكلمة الأصلية» أو ملفَّقة. وأمَّا قول كريك إنها تعني «المادة» (matter)، فلا يؤيِّده أي شاهد في شيكسبير، وقد رجعت لأستوثق من هذا المعنى إلى معاجم اللغة وشيكسبير، فتأكَّد لي صدق تفسير دونو. ولاحظ أن سير توبي يعود إلى هذا المعنى بعد سطرَين، كأنما ليؤكِّده، مستندًا إلى «الحرية» التي تُتيحها الكتابة، والغريب أن كريك يفسِّر تعبير:
As many lies as will lie in thy sheet of paper؛
أي أكبر قدر من الأكاذيب تتسع له الورقة (مع التورية المضمرة في lie الثانية بحيث يكون المعنى «تكذب») بأنه يعني «اتهاماتك له بالكذب»، وهذا ما لم يوافق عليه شارح آخر، فلم آخذ به.
٤٠  «السرير الكبير الفسيح»: كان يسمَّى (bed of ware) وكان شهيرًا في عصر الملكة إليزابيث، وكان يتسع لاثنَي عشر شخصًا! ويوجد منه نموذج في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
٤١  «مرارة الصفراء»: (أي بدلًا من الحبر) (gall)، وهنا تورية لأن الكلمة كانت تعني أيضًا صمغ أشجار البلوط الذي يُستخدم في صناعة الحبر.
٤٢  «ريشة إوزة»: في الأصل goose-pen والتعبير قد يتضمَّن تورية؛ فالمعنى القريب والمباشر هو ما ترجمته، وأمَّا المعنى البعيد وغير المباشر فهو قلم أحمق؛ فالإوزة في أيام شيكسبير كانت تُستعار للدلالة على الحُمق أو الجنون، وبالمعنى الأخير وردت في «الملك لير»٢ / ٢ / ٧٨ وفي «مكبث» ٥ / ٢ / ١٢.
٤٣  غرفة نومك (thy cubiculo): المعنى كما يورده الشراح. ويقول «معجم أوكسفورد الكبير»: «إن الكلمة قد تكون استعمالًا فكهًا للكلمة اللاتينية cubiculum (بعد وضعها في حالة القابل ablative) المستعار من التعبير الشائع (in cubiculo) (أي في غرفة نوم صغيرة)، أو استعارة متصنَّعة للكلمة الإيطالية cubiculo.» ولمَّا كان السير أندرو لا يسأل عن معناها، فربما يكون المقصود أن يوحي شيكسبير بأنها كانت شائعةً الاستعمال في إلليريا! ويوقل كيتريدج (١٩٤١م) إن الكلمة ربما كانت تشير إلى اسم حانة أو غرفة في خان، ولكن هذا مستبعد؛ لأن السير أندرو يقيم، فيما يبدو، في قصر أوليفيا بعد أن نزل ضيفًا على قريبها السير توبي.
٤٤  «الدمية الغالية لديك» (a dear manikin to you): وفي صفة «الغالية» تورية واضحة، والمعنى الآخر هو الذي يُفصح عنه السير توبي في السطر التالي.
٤٥  «لا تخف من هذه الناحية»: ولكن عندما يكتشف السير توبي أن الخطاب مرسل من «بليد أحمق» (٣ / ٤ / ١٩٠) يقرِّر إبلاغه التحدي شفويًّا.
٤٦  «بالحبال في عربات تجرها الثيران» (oxen and wainropes): وكانت تلك تُستخدم في التعذيب لإجبار المتهم على الاعتراف، وقد سبق ورود الصورة نفسها ٢ / ٥ / ٦٥ وانظر الحاشية.
٤٧  «وجدت في كبده دمًا»: كان المعتقد أن الكبد مصدر الدم في جسم الإنسان.
٤٨  «الأخوات التسع»: في الأصل of mine لا of nine، ولكن تصويب تيبولد (Theobald) للكلمة عام ١٧٤٠م مقنع؛ أولًا: لأن السير توبي ليست له أفراخ أخرى من طائر النمنمة وهذه أصغرها. وثانيًا: لأن شيكسبير يعود إلى ذكر الأبناء التسعة في «ماكبث» (٤ / ١ / ٦٤) وفي «الملك لير» (٣ / ٤ / ١١٦) (انظر ترجمتي العربية ١٧٠). ويشرح ويلسون ذلك قائلًا: «إنه يصوِّرها في صورة آخر فرخ قد يخرج من البيضات التسع؛ ولذلك فهو أصغر الأفراخ.» والمعروف أن طائر النمنمة (wren) قد يضع عددًا أكبر من البيض؛ فهو مشهور بكثرة بيضه.
٤٩  يُقصد بالمتحذلق مَن درس اللغات القديمة ثم لم يجد من يعلِّمها له؛ أي المدرِّس العاطل الذي يستعرض علمه وثقافته، وكان ذلك من العادات الريفية القديمة التي ربما لم تعد شائعةً في عصر شيكسبير. وهذا يتناقض مع ما يتصنَّعه مالفوليو من مظاهر الانتماء إلى الطبقة الراقية.
٥٠  «الخريطة … بعد إضافة خطوط العرض إلى الهند»: هذه إشارة إلى «الخريطة الجديدة» التي نُشرت عام ١٥٩٩م وتتضمَّن خطوط العرض (والخطوط الملاحية المفيدة للبحارة) في منطقة شبه الجزيرة الهندية في آسيا بدقة أكبر، وكثرة الغضون في وجه مالفوليو توحي لماريا بهذه الخريطة الجديدة.
٥١  «سوف تضربه»: ليس هذا محتملًا على الإطلاق، ولكن الفكرة لازمة لقول ماريا إن مالفوليو سوف يبتسم ويسعد «بضرب الحبيب» له!
٥٢  المكان: شارع «رو Rowe».
٥٣  كانت إلليريا مشهورةً بأنها مأوًى لكثيرين من قراصنة ذلك الزمان.
٥٤  «ولن تُفلح أية تعويضات في إنقاذي»: الأصل هو it would scarce be answered.
والمعنى الحرفي هو «لن تُقبل مني أية تعويضات»، ولكنني ترجمت المعنى المقصود؛ إذ يخشى أنطونيو أن يؤدِّي تأخُّره في دفع التعويضات إلى الفتك به، وهذا هو المعنى الذي يفرضه السياق؛ ففي أمثال تلك المنازعات البحرية / التجارية كان المهم التوصُّل إلى التسوية سريعًا «حرصًا على مصالح التجارة» (٣٥)، وذلك عن طريق التعويض عن الخسائر «بدفع ما لهم علينا» (٣٣). ولمَّا لم يكن أنطونيو قد دفع ما عليه؛ أي التعويضات التي يحدِّدها من يُعيِّنُ حكمًا في النزاع، فقد غدا يخشى على حياته. ونلاحظ هنا أن النص يوحي بأن أنطونيو يعمل بالتجارة، كما نلمح من إشارة الدوق أورسينو إلى سفينة أنطونيو أنها لم تكن تستحق الاستيلاء عليها (٥ / ١ / ٥٣)، وبأن الصراع الذي دار بين الجانبَين كان ما يصفه أورسينو «بالحرب» التجارية! واستهزاء أورسينو بسفينة أنطونيو يوحي بأنها لو كانت «تغري أحدًا بالظفر بها» لحاول هو أن يستولي عليها! وهذا مهم دراميًّا حتى يدرك الجمهور أن أنطونيو ليس قرصانًا بل هو تاجر. وفي الأبيات التالية يشرح أنطونيو أنه رجل سلام بطبعه، خصوصًا لأنه يتدخَّل فيما بعدُ للدفاع عن فيولا (التي يظنها سباستيان).
٥٥  «إليفانت» (The Elephant): كان ذلك من الأسماء الشائعة التي يطلقها أصحاب «الخان» عليه، وكان الخان فندقًا صغيرًا يقام على الطرق الطويلة عند «مراحل» معينة؛ أي على مسافات محدَّدة، وهي التي يُظن أن الخيل لا بد أن تتوقَّف وتستريح فيها، وقد يلجأ سائق العربة إلى تغيير الخيل عندها؛ ولذلك كان يطلق على أمثال هذه اسم «عربات المراحل» (stage coach)، وكان المسافرون يقضون ليلةً واحدة أو أكثر للراحة من وعْثَاء السفر والاستحمام وتناول الطعام. ولا شك أن سباستيان كان الآن بحاجة إلى ذلك كله، وأمَّا اسم «إليفانت» (الذي يعني «الفيل»، كما هو واضح)، فيقول النقاد إنه مستوحًى من اسم خان كان مشهورًا في لندن آنذاك، وكان اسمه «أوليفانت» (Oliphant)، وتسهب دونو في وصفه.
٥٦  المكان: قصر أوليفيا «رو Rowe» أو حديقة أوليفيا (كابيل Capell).
٥٧  أضفت «جانبًا» بِناءً على التصحيح الذي اقترحه ستونتون (Staunton) عام ١٨٥٩م، وأخذَت به الطبعات الحديثة كلها باستثناء آردن.
٥٨  قول أوليفيا الساخر يدل على ما يسمَّى بالتفكير «العملي الواقعي» (أو حتى المادي)، وهو الذي يتناقض تمامًا مع صورة الحب الرومانسية التي يكثر التعبير عنها في المسرحية، وهي تستخدم في ذلك أحد الأمثلة المأثورة وهو «الشراء أفضل من الاقتراض» (أو من «السؤال» أو من «السؤال أو الاقتراض»). وكتاب الأمثال في القرن السادس عشر الذي وضعه تيلي (Tilley) يستشهد بالمثَل اللاتيني Emere malo quam rogare؛ أي «الشراء أفضل من الاستجداء»، ويُردفه بالتعليق على أهمية الشراء في إعلاء قيمة الشيء المشترى، ويقول ذلك الكتاب إن المثل الذي يورد شيكسبير بهذه الصورة لم يرد في أي مصدر قبل عام ١٦٣٩م؛ أي إنه عدَّل المثل القديم الذي ترجمه تافرنر (Taverner) عن إرازموس (Erasmus) عام ١٥٣٩م.
٥٩  يقر كريك في طبعة آردن أن هذا السطر يبيِّن أن كليهما حديث متفرِّد، وهو ما يؤكِّد قَبولي لذلك.
٦٠  «عاقل رزين»: هذا هو المقصود بالتعبير sad and civil، وأمَّا قول دونو إنه يفيد «الحذر» أيضًا، فلم أجد سندًا له في معاني الكلمتَين في «المعجم الكبير» (OED).
٦١  «حالتي» أي الحزن على وفاة أخيها، وربما جنون حبها الذي يلقى الصد. والطريف أننا لم نسمع قط عن حزنها على أخيها ومرعاتها «الحداد» عليه منذ الفصل الأول، المشهد الخامس.
٦٢  «ما تقول السونيتة …»: لا يقصد مالفوليو السونتية بمعناها الجديد في عصر شيكسبير، بل يقصد «الأغنية» وحسب، والمعنى الذي يقصده مالفوليو أنه لو أستطاع أن يسُر أوليفيا بتحقيق «ما يتصوَّر أنها طلبته منه في ذلك الخطاب الزائف»، فسوف يشعر بأنه قد سرَّ كل الناس، وقد عثر الباحث هاليويل (Halliwell) على تلك الأغنية التي سجَّلها مؤلِّفها في «شركة المكتبات» (توازي الشهر العقاري عندنا) عام ١٥٩٢م، ولا بد أنها شاعت آنذاك، وكان يقال إن مؤلفها شخص يُدعى ريتشارد تارلتون (Tarlton)، ونشرها هاليويل في طبعته لأعمال شيكسبير الكاملة المنشورة في ١٨٥٣–١٨٦٥م، وتتكوَّن من ١٧ فقرة، وأورد فيرنس ست فقرات منها في طبعته المذكورة لأعمال شيكسبير (١٩٠١م التي أُعيد طبعها ١٩٨٥م)، واخترت منها اثنتَين تمثِّلان ما يقصده مالفوليو تمام التمثيل:
فإن سررتَ شخصًا واحدًا سررتَ كل الناس،
ولا يُهم إن كانوا من الكبار الغُر أو أسافل الأجناس،
ولا يُهم إن كانوا من الأراذل الأنذال؛
فذاك ما يُغنِّيه الغرابُ فوق حائطٍ يختال،
فإن سررتَ شخصًا واحدًا سررتَ كل الناس،
فإن سررتَ شخصًا واحدًا سررتَ كل الناس.
دعها إذن تنالُ منك ما تريد من متاع،
فذاك ما يقوله الغراب شاديًا بلا انقطاع.
عليك أن تطيع كلَّ ما تُمليه من أوامر،
وأن تجيب سُؤلها فورًا وغير ثائر!
فإن سررت … إلخ.
٦٣  التناقض الذي يعنيه مالفوليو أن لون الجورب الأصفر قد يوحي بأنه في حالة نفسية سوداوية استنادًا إلى توهُّم وجود «مرارة سوداء» (في الحوصلة الصفراوية) تسبِّب هذه الحالة.
٦٤  «الخط المائل»: المقصود الخط الإيطالي الذي نسمِّيه اليوم «إيتاليك».
٦٥  يظهر أن هذا البيت مطلع أغنية كانت شائعةً آنذاك، وتقول دونو إن الغناء يساعد مالفوليو على التحكُّم في إقدامه وجرأته.
٦٦  يستنكف أن تسأله ماريا هذا السؤال بعد أن أصبح في تصوُّره «الكونت» مالفوليو!
٦٧  «جنون الصيف إذا انتصف»: كان من الأمثال السائرة.
٦٨  «عائق خلقي … خردلة من»: مالفوليو يستخدم scruple بمعنيَين، الأول هو العائق، والثاني هو وزن الخردلة؛ أي أدنى وزن ممكن.
٦٩  «أصابه سحر ساحر» (bewitched): وهذا شيء يختلف عن «المسكون» (possessed)، ويتطلَّب علاجًا مختلفًا.
٧٠  «اجعلوا الحكيمة تكشف عن السر في بوله»: كانت وظيفة الحكيمة (The wise woman) هي معالجَة الأمراض المستعصية و«فك» السحر (العمل السفلي) عن طريق التعاويذ والعلاج بالأعشاب. وقد ورد ذكرها في شيكسبير في مسرحية «هنري الرابع» ١٢ / ٢ / ١–٥، ويشير فيرنس إلى مسرحية توماس هيوورد (Heywood) وعنوانها «حكيمة هوجسدن» (The Wise Woman of Hogsden) (١٦٣٨م) مشيرًا إلى أن عملها كان يُعتبر من أعمال الخير لا الشر، رغم اشتغالها بالسحر، وكانت تكشف عن السر بما كان يسمَّى فحص البول (casting of waters).
٧١  «لا تريد أن تفقده»: رغم أن ماريا تكرِّر المعنى الذي صرَّحت به أوليفيا؛ فإنها تصوغه في صورة توحي بأن مالفوليو «متاع» تملكه، مثل الحيوانات التي كان كثيرًا ما يقال إنها تعرَّضت لسحر ساحر، وغضب مالفوليو قد يوحي بأنه أدرك «المقارنة» المضمرة.
٧٢  «أيها الديك الزاهي»: في الأصل bawcock، والكلمة محرَّفة عن الفرنسية beau coq وأصبح معناها العام هو «الجميل» أو «اللطيف» أو هذا وذاك معًا، ولكنني أحببت الإبقاء على المعنى الأصلي بسبب إفصاحه عن أن المخاطب عادةً ذكر، بخلاف chuck في السطر نفسه؛ أي chick أو الكتكوت، وهو الذي ينصرف كثيرًا إلى الأنثى، كما نرى استعمال الكلمة بعد ذلك في «ماكبث» (٣ / ٢ / ٤٥) مثلما ترد في مسرحيات أخرى لشيكسبير، وإن كان يوجَّه عادةً إلى الأطفال الصغار تدليلًا لهم، وهذا وفق ما يقوله كيتريدج، هو الذي يُغضب مالفوليو، فكلها ألفاظ تدليل فكاهية. مثل biddy التي ترجمتها «بيا حبيبي»، وإن كانت لا تعني أكثر من «كتكوتي»! وتصوَّر معي شخصًا بمثل وقار مالفوليو ورزانته يخاطَب بهذه الألفاظ.
٧٣  «يلهو لهو الصبيان»: الأصل play cherry-pit، وهي لعبة يلعبها الصبيان بإلقاء نواة ثمرة الكرز في حفرة، ومن يحقِّق أكبر عدد من إصابة الهدف يفوز في المباراة. وقد انتقل الحديث من التلميح بمعاملة مالفوليو معاملة الصبيان إلى التصريح به.
٧٤  «إبليس … ذلك الفحَّام الخبيث»: في الأصل Satan … foul collier، كان أحد الأمثال الشعبية يقول إن الفحامين (تجار الفحم) يشبهون الشياطين في سواد الوجه والخداع في المعاملة. ويورد كتاب الأمثال مثلًا يقول: «قال الشيطان للفحام كم تشبهني!» ويقول الباحثون إن ذلك كان نفسه عنوان مسرحية كتبها ألبيان فولويل (Ulpian Fulwell)، وقُدمت على المسرح عام ١٥٦٨م، وتتضمَّن أغنيةً تقول:
توم الفحام ابن كرويدون باعَ الفحم،
فغدا للسوق وعاد اليوم،
والآن تراه يشارك في الرقص الشيطان،
ما أقرب شبه الشيطان بهذا الإنسان!
وكانت كلمة (collier) تعني أيضًا العامل في منجم الفحم في زمن شيكسبير، ولكن ما يقوله ويلسون عن علاقة عُمال المناجم بالشياطين لا علاقة له بالمثل المشهور ولا بهذه الفقرة من المسرحية، وعلى هذا أجمع المحدَثون (وخصوصًا من الشراح).
٧٥  «لست من طبقتكم» (I am not your element): المقصود في الحقيقة أكثر من الطبقة؛ إذ إن شيكسبير يقصد أن يجعل مالفوليو يردِّد هذه الكلمة البالية لا للدلالة على الطبقة فقط، بل على «الطينة» التي خُلق منها! وربما كان شيكسبير يسخر أيضًا، كما تقول دونو، من استعمال بن جونسون لها (Ben Jonson) وإن لم يشاركها أحد هذا الرأي.
٧٦  يعبِّر سير توبي عن معنى «روحه» بكلمة genius التي كانت تعني أيضًا، وحرفيًّا، الجني الوصي أو الحارس له! وبهذا المعنى وردت في مسرحية شيكسبير «كوميديا الأخطاء» ٤ / ١ / ٣٣١–٣٣٣، ولكن دونو تقول إنه يعني «طبيعته»، وهو تفسير غريب.
٧٧  كان ذلك هو أسلوب معاملة المجانين، ويقول شيكسبير في «كوميديا الأخطاء» عنهم: «لا بد أن يقيَّدوا ويُحبسوا في غرفة حالكة الظلام» (٤ / ٤ / ٩١).
٧٨  «فإذا تقطَّعت أنفاس ملهاتنا إرهاقًا»: الأصل الإنجليزي هو:
till our very pastime, tired and out of breath.
المعنى واضح، ولكنني أبقيت على الصورة الأصلية لإظهار التكلُّف الشديد في أسلوب السير توبي؛ فالصورة معقَّدة ولا يوجد ما يدعو لها على الإطلاق!
٧٩  «حتى يحكم الجمهور عليها» (bring (it) to the bar): أي نسمح للناس بأن يحكموا عليها، وكلمة (bar) التي أصبحت علَمًا على مهنة المحاماة، تعني السياج الذي يقف خلفه المتهم في المحكمة، ومن ثم أصبحت تعني المحكمة نفسها؛ فهي مجاز مرسل تحوَّل إلى معنًى حقيقي بمرور الزمن، وقد أضفت كلمة الجمهور لأن «الجمهور» أي جميع من يعنيهم الأمر في قصر أوليفيا سوف يتولَّون إصدار الأحكام.
٨٠  لاحظ الفكاهات اللفظية التي يشارك فيها «العاقل» فابيان!
٨١  «لا تعجب ولا تخامرنك الدهشة»: الإطناب مقصود لأنه يفصح عن شخصية أندرو أو يؤكِّد ما ظهر منها.
٨٢  «ينجيك … من طائلة القانون»: أي لن يتهمك أحد بإثارة مشاجرة أو منازعة، وهي تهمة يعاقب القانون عليها تسمَّى «الإخلال بالأمن» (breach of the peace).
٨٣  «أنت كذاب أشِر»: في الأصل مثل سائر هو thou liest in thy throat.
٨٤  «بالغ الدلالة على الغباء»: لأن أندرو ينكر بذلك السبب الوحيد الذي يدفعه إلى تحدي «سيزاريو».
٨٥  «فكالوغد والشرير تقتلني»: الأصل يتضمَّن الغموض نفسه:
Thou Kill’st me like a rogue and a villain.
أي إن الصفتَين قد ينصرفان إلى «سيزاريو» وقد ينصرفان إلى مالفوليو نفسه، والغموض مقصود من شيكسبير، لكنه ربما لا يكون مقصودًا من مالفوليو، وإن كان فابيان يرى أنه مقصود كأنما تعمَّده مالفوليو لينجيه من طائلة القانون.
٨٦  «ربما يرحم روحي أنا، ولكن رجائي أفضل من ذلك»: يقصد أن يقول إنه يريد أن يظل في قيد الحياة، ولكن ركاكة لغة أندرو تجعله يقول ما يوحي بأن الله قد يغفر له فيدخل الجنة، ثم يردف ذلك بقوله إنه يرجو أن تحل به اللعنة فيدخل النار. وقد اعترض الدكتور جونسون على الزج باسم الله في هذه التفاهات التي تمس جلال الخالق. والواقع أن أندرو كان يقصد أن يقول إنه قد يرحمه الله فيقتل، ولكنه يتمنَّى ما هو أفضل؛ أي أن يظل في قيد الحياة.
٨٧  التناقض بين العدو والصديق يُفرغ التحدي من معناه.
٨٨  «محضر المحكمة» (bum-baily): أي bailiff، وقد أطلق عليه هذا الوصف لأنه يفاجئ الناس من الخلف.
٨٩  «بليد أحمق»: الأصل clodpoll حرفيًّا ذو رأس (poll) من الطين (clod)، وفي الإنجليزية المعاصرة نستخدم كلمة clod وحدها للدلالة على هذا المعنى.
٩٠  الأفعوان ذو النظرة الفاتكة (cockatrice): أفعوان خرافي يقتل بتوجيه نظره إلى ضحيته، وكان يسمَّى أيضًا basilisk، والصورة الفكاهية التي يرسمها شيكسبير طريفة وشائقة.
٩١  لاحظ تحوُّل الحوار إلى النظم عند دخول أوليفيا وفيولا.
٩٢  «الذي أعطيك»: إمَّا «هذه الحلية» وإمَّا «حبي»؛ لأن إهداءها الحلية دليل على حبها، وما دامت لا تُحب أورسينو؛ فإهداؤه حليةً يمس شرفها.
٩٣  «إني إذن أعفيك»: إمَّا من مطالبتك بحب أورسينو أو من ضرورة إهدائي الحلية. والشراح مختلفون؛ فالصياغة لا تقطع بمعنًى من المعنيين.
٩٤  «سفاك للدم مثل الصياد» (bloody as the hunter): إمَّا معنى الكلمة المعتاد في شيكسبير وهو الصياد من البشر، أو «كلب صيد» — على نحو ما وردت به الكلمة في «ماكبث» في مجال استعراض البطل لأنواع الكلاب (٣ / ١ / ٩٧) — وقد فضَّلت المعنى الشائع لدى الشاعر.
٩٥  تُشير فيولا إلى الكاهن باسم «السير» (sir priest): كان لقب «سير» يُطلَق على كل من يحصل على الشهادة (الدرجة) الجامعية الأولى، ويُطلَق من باب المجاملة على الكاهن الذي حصَّل الدرجة العلمية الكهنوتية الأولى باعتبار اللقب مرادفًا إنجليزيًّا للاتينية Dominus؛ أي «السيد المحترم» أو ما يقابل «الأستاذ» لدينا.
٩٦  الإرشادات المسرحية: «يخرجان وإن كانا لا يزالان ظاهرَين على المسرح من باب الحديقة المفتوح»، على الرغم من النص في الطبعة الأصلية للمسرحية على خروجهما، فالنقاد يُجمعون وبلا استثناء على أنهما لا يخرجان أي يختفَّيان من المسرح، بل يقفان في الطرف القَصِي للمسرح إلى اليسار؛ أي ما يشبه الركن غير أنه مفتوح ويمثِّل باب الحديقة، ويدخل في هذه الأثناء سير توبي وسير أندرو من اليمين، ويتقدَّمان إلى مقدِّمة المسرح فيقفان في وسطها، وبعد الانتهاء من مناقشتهما الخاصة التي لا يسمعها الآخران، يعبر سير توبي المسرح إلى فابيان لمحادثته، ثم يعبره ثانيًا إلى فيولا، ثم إلى سير أندرو، بحيث ينتقل أندرو وفيولا إلى مقدمة المسرح للمبارزة. وفي هذه اللحظة (السطر ٣١٧) يدخل أنطونيو من اليمين. وقد حلَّ كابيل (Capell) المشكلة في طبعته ١٧٦٨م بإلغاء النص على الدخول والخروج.
٩٧  «المقاتلة»: جمع في العربية للمقاتل ذكرًا كان أو أنثى، وذلك في محاولة مني لاجتياز الخط الفاصل بين التذكير والتأنيث في العربية؛ فالكلمة الإنجليزية وهي firago وهي الصورة الشيكسبيرية لكلمة virago التي تعني المرأة المقاتلة «معجم أوكسفورد الكبير virago, 2. b، ولا يذكر هذا المعجم شاهدًا آخر على إطلاق هذه الكلمة على رجل باستثناء عمل آخر صدر عام ١٦٠٠م. وهذه من الكلمات الطريفة التي دعت كِبار الشراح إلى التعليق عليها، بسبب تنكُّر فيولا في حُلة رجل. فقال الدكتور جونسون إن معنى السطر هو: «لم أشهد رجلًا يشبه المرأة إلى هذا الحد ويتمتَّع بقدرة الرجال ومهارتهم.» وقال كيتريدج: «إن سير توبي يستخدم هذه الصفة المؤنثة لإحداث تأثير فكاهي، فهو يُطلِقها على شخص يفترض أنه رجل، ولكن الجمهور الذي يعرف أن سيزاريو هي فيولا في الواقع؛ أي أنها امرأة، يستمتع بالفكاهة وبالخطأ.»
٩٨  «شوطًا»: في الأصل pass التي عادةً ما تعني «طعنة بالسيف»؛ أي هجومًا بالسيف، ولكن المعنى هنا بإجماع الشراح هو «شوط»؛ أي منازلة محدودة.
٩٩  سبق ذكر الشاه في ٢ / ٥ / ١٨١، وانظر الحاشية على ذلك السطر.
١٠٠  «كابيليت»: اسم الفرس. ويقول رايت (Wright) (١٨٨٥م): إن الكلمة قد تكون تصغيرًا للفظ capul التي كانت تعني الحصان (والمعجم يورد caple وcapul)، ولكن الشُّراح المحدَثين يُرجِّحون أن الكلمة اسم الفرس، وقد تكون تحريفًا للاسم الإيطالي Capulet الوارد في «روميو وجوليت».
١٠١  «أكاد أُفضي لهم بمقدار ما ينقصني عن الرجل»، والأصل هو:
(A little thing would make me tell them how much I lack of a man).
الترجمة هنا حرفية إلى أقصى حد؛ فمعنى الفاعل هنا ما يوازي التعبير العامي: «فركة كعب وأقول لهم»؛ أي «ما أقربني إلى الإفصاح»، وهذا ما ترجمته بفعل المقاربة العربي «أكاد»، وأمَّا معنى how much فهو «مقدار ما …» سواء كان قليلًا أو كثيرًا، ولكن بعض النقاد (لا الشراح) يقتطعون الفاعل ويُخرِجونه من السياق للإيحاء بدلالات لم يقصد إليها شيكسبير قطعًا، أو يُفسِّرون «مقدار ما» تفسيرًا يؤكِّد تأويلهم المُقحَم، فيجعلون التعبير دليلًا على الضآلة فقط. وكنت قد قرأت بعض ما كتبه هؤلاء النقاد تمهيدًا للترجمة، فلم أجد تأكيدًا في العبارة لتخريجاتهم، ولم أحاول تأكيد وجهة نظرهم الخاصة. أمَّا الشراح فيقولون لمن شاء المعنى المقصود دون المبنى اللغوي إن العبارة تعني: (١) ما أيسر أن أعترف بمدى خوفي، أو (٢) لقد بلغ بي الخوف حدًّا يكاد يدفعني إلى التصريح بأني امرأة. وأمَّا الإيحاء بطبيعة ما ينقصها فهو يقبل أي تفسير تراه دون أن ينحصر فيما ذهب هؤلاء إليه.
١٠٢  الإرشادات المسرحية «يدخل أنطونيو»: من أين أتى أنطونيو؟ وما الذي أتى به إلى حديقة أوليفيا؟ لقد حيَّرني هذا السؤال ولم أجد له إجابةً عند النقاد، والشراح ينصون فحسب على أنه يدخل من باب الشارع ورجال الشرطة في أثره، ولكننا نعرف أن المنازلة تجري، أو من المفترض أن تجري في الحديقة، وإن كان الجنود يقولون لأورسينو فيما بعد إنها جرت «في بعض شوارعنا» (٥ / ١ / ٦٢). وبعد استغراقي في نص المسرحية وجدت أن الحل الذي يكفل المصداقية، ولا أقول الواقعية، هو أن نفترض أن أنطونيو كان يبحث عن سباستيان الذي يقول في ٤ / ٣ / ٥–٧ إنه سأل عنه في فندق «إلفانت» «وقيل لي هناك إنه قد جاب أقطار المدينة باحثًا عني.» ولا بد أنه شاهد فيولا وهي تدخل منزل أوليفيا فظنها سابستيان، ونحن نعلم أنها أتت في أوائل هذا المشهد (السطر ٥٥) ولم تدخل إلى المسرح إلا مع أوليفيا في السطر ٢٠٠، وتخرج أوليفيا حتى يجري مشهد المبارزة الفكاهي، وربما «كان أنطونيو يتابع ما يجري من خارج الحديقة، ولم يدخل إلا حين ظنَّ أن صاحبه في خطر؛ ولذلك يقول له: «بحثي عنك هو السبب» (٣ / ٤ / ٣٤٠)، وهذا يؤكِّد واقعيًّا أن المبارزة تحدث في الحديقة، وأن باب الدخول من الشارع إلى الحديقة هو الذي يدخل منه أنطونيو ورجال الشرطة بعده. وأمَّا طول زمن ذلك الجزء من الحدث أو قصره فنحن نتغاضى عنه عادةً في المسرح.
١٠٣  «تقاتل بدلًا من بعض الناس» undertaker: هذا هو المعنى الذي رجَّحته من ثلاثة اختيارات، اثنان منها لا يلائمان السياق. ولكن دونو تضيف احتمالًا آخر (لا تورده المعاجم) وهو: «من يدس أنفه فيما ليس من شأنه.» ولم آخذ به، بل أخذت بالمعنى الذي يجمع بين المعنى الأول في «معجم أوكسفورد الكبير» والمعنى الذي يرد في «عطيل» (٤ / ١ / ٢١١) وفي «سيمبلين» (٢ / ١ / ٢٦–٢٧).
١٠٤  لا تعلم فيولا شيئًا عمَّا وعد أندرو السير توبي به (فرسه كابيليت)، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف واستمتاعنا بما يجري على المسرح!
١٠٥  لاحظ إيجار التعبير عند شيكسبير؛ ففي عبارة واحدة يلخِّص موقفًا كاملًا.
١٠٦  المقصود تأكيد الضمير «أنت» في السؤال؛ أي أنت من دون الناس.
١٠٧  «لا تغر شقائي بإساءة خلقي، فأمُن عليك بما أسديت من الأيدي البيضاء»: الأصل هو:
Do not tempt my misery
Lest that it make me so unsound a man
As to upbraid you with those kindnesses
That I have done for you.
المقصود بإساءة الخُلق هو المن الذي يبطل الصدقات (البقرة: ٢٦٤)؛ فالخلق الكريم يقضي بصنيعة المعروف لذاته لا في مقابل شكر أو مكافأة، والإيحاء الديني قائم في ذلك المعنى، وهو ما يعود إليه أنطونيو في ٣٧٠–٣٧٢ أدناه، وويلسون يفسِّر الكلمة بأن أنطونيو يعني: «لا تجعلني أفقد الإيمان (بالصداقة).» ولكن هذا المعنى هو الذي ينتهي إليه أنطونيو في ٣٧٤–٣٧٩، أمَّا هنا فالمقصود هو نقض ما يقضي به الخلق.
١٠٨  التزمت هنا بالنص الأصلي كما تنشره طبعة آردن، وتتفق معها طبعة نيوكيمبريدج، ورفضت تعديلات الطبعات الأخرى التي تجعل الكذب صفةً للخيلاء.
١٠٩  الصورة صورة رذائل «بالقوة» (التعبير الفلسفي عن الكمون) في دم الإنسان؛ أي طبيعته البشرية؛ أي باعتباره كائنًا ضعيفًا، وهي الرذائل التي قد تهب فتأتي بالفساد. وتشرح دونو كلمة «دمنا الواهن» (our frail blood) بأنها تعني «طبيعتنا الضعيفة»، ولكن الدم أقدر على نقل الصورة الحسية للرذائل الكامنة، والفلاسفة القدماء كانوا يصفون كيف تتحوَّل خصيصة «بالقوة» (potential quality) إلى خصيصة بالفعل (actual)، وهذا التحوُّل هو الذي أتيت له بالفعل «تهب».
١١٠  «بكل ما للحب من قداسة» (with such sanctity of love): أي كأنما هو حب عابد لمعبود، وهما أول المفردات الدينية التي تستمر في حديث أنطونيو، فنجد الصورة (image) التي قد تعني المظهر أو التمثال (أي الصنم)، ثم يليها «عبدت» (did I devotion)، وبعدها يأتي «الصنم» (idol) والإله (god) والشيطان (devil) أخيرًا.
١١١  لاحظ العبارات التي تشبه الحكم ويسوقها أنطونيو بأبيات موزونة مقفاة.
١١٢  لاحظ أن فيولا تستخدم القافية كذلك، ولو تفاوتت أطوال السطور.
١١٣  يسخر السير توبي من بعض الأبيات المقفَّاة التي سمعها لتوه، والواضح أنه يقصد شعر أنطونيو لا ما قالته فيولا؛ لأنها قالت ما قالته لنفسها، وهذا ما يقوله فيرنس، ولكن ديتون (Deighton) يقول إنه يقصد كلام الاثنَين معًا، وأمَّا ويلسون الذي يبني شرحه في كل مكان في طبعته على أن النص قد تعرَّض للتنقيح، فيقول إن السير توبي يسخر من فيولا، بل إن شيكسبير نفسه ربما «يسخر من شعر كان قد أخذه الجد في الأصل»؛ أي قبل التنقيح. ويعلِّق كريك على ذلك قائلًا:

إنني آخذ مزدوجات أنطونيو وفيولا مأخذ الجد فعلًا، وأعتبر أن ملاحظات السير توبي تتجلَّى فيها، دون قصد منه، رؤيته السطحية للموقف، وهي التي تتبدَّى في الحوار المنثور الختامي لهذا المشهد، وهو الذي يؤدِّي إلى الكارثة الفكاهية في المشهد الأول من الفصل الرابع (ص١١٤).

١١٤  «أقسم»: كالعادة أتجنَّب ذكر المقسوم به إذا كان محذوفًا في الأصل؛ فالأصل هنا هنا slid؛ أي by God’s eyelid، وما دام الأصل لا يوحي إلا بالقَسَم المجرَّد فعليَّ الالتزام بهذا.
١١٥  «إن لم أفعل …» أي: إن لم أضربه، لا «إن لم أسل سيفي».
١١٦  لاحظ انتهاء المشهد بالقافية، والطريف أن فابيان «المسن العاقل» لا يتوقَّع شيئًا على الإطلاق!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤