فلسطين في عهد الأمويين
كان عامل (والي) بيت المقدس من قِبَلِ معاوية سلامة بن قيصر، وله عقب بها (مثير الغرام ص٣٤). وفي سنة ٦٠ﻫ/٦٧٩م تُوفي معاوية وبُويع لولده يزيد بن معاوية سنة ٦٠ﻫ، وقد أقرَّ نُوَّاب أبيه على الأقاليم ولم يعزل أحدًا منهم، وهذا من ذكائه. البداية والنهاية (٨ / ١٤٦).
وكان نائبه في دمشق الضحاك بن قيس.
وكان معاوية أول من اتخذ الحرس؛ على حجابته سعدًا مولاه، وعلى الشرطة قيسَ بن حمزة، وكان معاوية أول من اتخذ ديوان الخاتم، وختم الكتب. البداية والنهاية (٨ / ١٤٥). وتُوفي يزيد سنة ٦٤ﻫ/٦٨٣م، وكان قد أمَّر روح بن زنباع على جند فلسطين، مات سنة ٨٤ﻫ، وخلفه معاوية ابنه ولم تطل مدته، وخلفه مروان بن الحكم، وبويع في دمشق للضحاك بن قيس نائب معاوية على دمشق، حتى تجتمع الناس على إمام.
ومات مروان سنة ٦٥ﻫ/٦٨٤م، وتولى بعده عبد الملك بن مروان ولده، وهو الذي بنى الصخرة والجامع الأقصى سنة ٧٣ﻫ/٦٩٢م، وبنى ورمم قيسارية وصور وعكا الخارجة (فتوح البلدان ص١٤٨). وكان نائب دمشق عبد الرحمن بن أم الحكم، تُوفي عبد الملك سنة ٨٦ﻫ/٧٠٥م، وولي إمرة دمشق ثم القضاء بها بلال بن أبي الدرداء، وعزله عبد الملك، مات سنة ٩٣ﻫ/٧١١م.
وتولى الخلافة الوليد بن عبد الملك سنة ٨٦ﻫ/٧٠٥م وكانت الدولة في عهده تُقسم إلى الشام، ومكة، والمدينة، والمشرق بكماله، وخراسان، والكوفة، ولكلٍّ منها نائب.
جاء في فتوح البلدان للبلاذري ص١٤٩: «ولى الوليد بن عبد الملك سليمانَ بن عبد الملك جُند فلسطين فنزل لد، ثم أحدث مدينة الرملة ومصَّرها، وكان أولَ ما بنى فيها قصرُه والدار التي تُعرف بدار الصبَّاغين وجعل في الدار صهريجًا متوسطًا لها، ثم اختط للمسجد خطته وبناه، فولي الخلافة قبل استتمامه، ثم بنى فيه بعد في خلافته، ثم أتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من الخطة، وقال: «أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت لهم عليه.» وأذن للناس في البناء فبنوا، واحتفر لأهل الرملة قناتهم التي تُدعى بردة، واحتفر آبارًا وولى النفقة عليها كاتبًا له نصرانيًّا من أهل لد، ولم تكن مدينة الرملة قبل سليمان، وكان موضعها رملة.
وصارت دار الصبَّاغين إلى ورثة صالح بن علي بن عبد الله بن العباس؛ لأنها قُبِضَت مع أموال بني أُمية، قالوا: وكان بنو أُمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان، فلما استخلف بنو العباس ١٣٢ﻫ، أنفقوا عليها، وكان الأمر في تلك النفقة يخرج كل سنة من خليفة إلى خليفة، فلما استخلف أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم سجَّل بتلك النفقة سِجلًّا، فانقطع الاستثمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فتحسب لهم، قالوا: وبفلسطين فروز بسجلات من الخلفاء مفردة من خراج العامة، وبها التخفيف والردود، وذاك أن ضياعًا رُفِضَت في خلافة الرشيد، وتركها أهلها، فوجَّه أمير المؤمنين هرثمة بن أعين لعمارتها، فدعا قومًا من مزارعيها وأكرتها للرجوع إليها، على أن يخفف عنه من خراجهم، وليَّن معاملتهم فرجعوا، وأولئك أصحاب التخافيف، وجاء قوم منهم بعدُ فرُدَّت عليهم أرضهم على مثل ما كانوا عليه، فهم أصحاب الرُّدود.
وحدَّثني بكر بن الهيثم، قال: لقيت رجلًا من العرب بعسقلان فأخبرني أن جدَّه ممَّن أسكنهم إياها عبد الملك، وأقطعه بها قطيعة على نحو من أقطع من المرابطة، قال: وأراني أرضًا فقال: «هذه من قطائع عثمان بن عفان.» قال بكر: «وسمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول بعسقلاني: ها هنا قطائع أُقطِعت بأمر عُمر، وعثمان، لو دخل فيها رجل لم أجد بذلك بأسًا.» انتهى قول البلاذري.
وتولى الخلافة بعد الوليد أخوه سليمان سنة ٩٦ﻫ/٧١٤م.
وكان سليمان بالرملة لما مات أخوه.
قال الواقدي: «لما ولي سليمان بن عبد الملك أراد الإقامة ببيت المقدس.» البداية والنهاية (٩ / ١٧٤). وتُوفي سنة ٩٩ﻫ/٧١٧م.
وكان بالرملة، وتلقاه الأمراء ووجوه الناس، وساروا إليه إلى بيت المقدس، فبايعوه هناك، وعزم على الإقامة بالقدس، وأتته الوفود إلى بيت المقدس، فلم يروا وفادة هناك. وكان يجلس في قبة في صحن المسجد مما يلي الصخرة من جهة الشمال، وتجلس أكابر الناس على الكراسي، وتقسم فيهم الأموال، ثم عزم على المجيء إلى دمشق، وكان ابن عم عمر بن عبد العزيز مستشارًا ووزيرًا، وبويع لعمر بن عبد العزيز بعده.
وبويع ليزيد بن عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز سنة ١٠١ﻫ/٧١٩م، وتُوفي بأربد من أرض البلقاء سنة ١٠٥ﻫ/٧٢٣م، وبويع لأخيه هشام بن عبد الملك، تُوفي سنة ١٢٥ﻫ/٧٤٢م، وفي البداية والنهاية، قال المدائني: «لم يكن أحد من بني مروان أشد نظرًا في أصحابه ودواوينه، ولا أشد مبالغة في الفحص عنهم من هشام.» ويقول ابن كثير: «لما مات هشام مات ملك بني أمية.»
ثم بويع الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة ١٢٥ﻫ، وقتل سنة ١٢٦ﻫ/٧٤٣م، وكان نائب دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج الثقفي. ثم بويع ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، تُوفي سنة ١٢٦ﻫ.
ثم قامت الفتن، وبايع أهل فلسطين يزيد بن سليمان بن عبد الملك، وذلك لأن بني سليمان كانت لهم أملاك هناك، وكانوا يتركونها يبذلونها لهم. وكان أهل فلسطين يحبون مجاورتهم، فلما قتل الوليد بن يزيد كتب سعيد بن روح بن زنباع، وكان رئيس تلك الناحية، إلى يزيد بن سليمان بن عبد الملك يدعوهم إلى المبايعة له فأجابوه إلى ذلك.
فبعث إليهم وإلى أهل الأردن الجيوش مع سليمان بن هشام، فرجعوا إلى الطاعة، وكتب يزيد ولاية الإمرة بالرملة وتلك النواحي إلى أخيه إبراهيم بن الوليد، واستقرت الممالك هناك. البداية والنهاية (١٠ / ١٣).
وتُوفي الوليد سنة ١٢٦ﻫ/٧٤٣م وكتب إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، وفي سنة ١٢٧ﻫ/٧٤٤م بويع إبراهيم بن الوليد فجاء مروان بن محمد الملقب بالحمار، وعزل إبراهيم عنها، وبويع وخيَّر رءوس أهل الشام من دمشق وحمص وغيرهم أن يختاروا الأمراء ليوليهم، فاختاروا على الأردن الوليد بن معاوية بن مروان، وعلى فلسطين ثابت بن نعيم الجذامي فولَّاهما، ولكن أهل سوريا ما لبثوا أن نقضوا البيعة، وكذلك أهل فلسطين، فقد خرج ثابت بن نعيم في أهل فلسطين على الخليفة، وأتوا طبرية فحاصروها فبعث الخليفة إليهم جيشًا فأجلوهم عنها واستباحوا عسكرهم، وفرَّ ثابت بن نعيم هاربًا إلى فلسطين، فاتبعه الأمير أبو الورد فهزمه ثانية وتفرَّق عنه أصحابه، وأسر أبو الورد ثلاثة من أولاده فبعث بهم إلى الخليفة وهم جرحى فأمر بمداواتهم، ثم كتب الخليفة إلى نائب فلسطين، وهو الرماحس بن عبد العزيز الكناني يأمره بطلب ثابت بن نعيم، حيث كان، فما زال يتلطف به حتى أخذه أسيرًا، وذلك بعد شهرين، فبعثه إلى الخليفة فأمر بقطع يديه ورجليه، وكذلك جماعة كانوا معه، وبعث بهم إلى دمشق فأقيموا على مسجدها؛ لأن أهل دمشق كانوا قد أرجفوا بأن ثابتَ بن نعيم ذهب إلى ديار مصر فتغلب عليها وقتل نائب مروان فيها، فأُرسل إليهم مقطَّع اليدَين والرِّجلين ليعرفوا بطلان ما كانوا به أرجفوا. البداية والنهاية (١٠ / ٢٣).