الموت الأحمر في القرية المسحورة!

وصل الشياطين مدينة «طنطا»، واتجهوا إلى موقف سيارات الأقاليم …

ووقف «أحمد» بجوار سيارة يعمل محركها، ثم قال للسائق: أين السيارات الذاهبة إلى بلد «الجن»؟

نظر إليه السائق وقال: أعوذ بالله … هناك يا أستاذ … عند السيارة الرمادية.

اتجه الشياطين إلى حيث السيارة الرمادية، وكان سائقها مستندًا عليها، وما إن لمح الشياطين قادمين إليه حتى انطلق صوته يُنادي: يا أستاذ … بلد الجن والعفاريت …

وضع الشياطين حقائبهم في السيارة ثم استقرُّوا على المقاعد، وأخرج «أحمد» رأسه من نافذة السيارة وقال للسائق: أمامك كثير؟

قال السائق: ثلاثة ركاب.

قال «أحمد»: تعالَ … سندفع لك أُجرتهم وانطلِق بنا …

قال السائق: وهو كذلك …

قفز السائق إلى عجلة القيادة، وما إن أدار المحرك حتى انطلقت أصوات مزعجة من المحرك، وتعالت سحب الدخان حول السيارة، حتى أحس الشياطين بالاختناق … أخذ «فهد» يسعل و«أحمد» يبتسم، ثم نظر إلى السائق، وقال له: هل ستوصِّلنا فعلًا … إنني مشفق عليك وعليها.

قال السائق: لا تندهش بالمنظر يا أستاذ … إنها سيارة عَفيَّة كلها بركة …

قال «قيس»: أظن أنها ستكون آخر رحلة لهذه السيارة.

فقال السائق: يا أستاذ لا تحكم بالمظاهر … إن محركها أصيل من أيام «مرشيدس» الأول، وتحركت السيارة في بطء، ووجد الشياطين أنها فرصة ثمينة للحديث مع هذا السائق، ومعرفة ما يدور داخل هذه القرية …

التفت «أحمد» وقال للسائق: لكن دعنا من هذه السيارة العجوز وقُل لي … ما حكاية الجن والعفاريت في هذه القرية؟

رد السائق: ولماذا تسأل؟

قال «أحمد»: لأنني قرأت عنها كثيرًا في الجرائد … لكني غير مقتنع … وأريد أن أعرف الحقيقة …

رد السائق: وهل أنت صحفي؟

أحس «أحمد» أن هذا السائق وراءه شيءٌ غامضٌ … فأخذ يحتاط في أسئلته وأجوبته.

قال للسائق: لا … لكن لي صديق في هذه القرية، وقد جئنا لزيارته وسنعود آخر النهار.

قال السائق: ما اسمه؟

قال «أحمد»: هل ستعرفه؟

رد السائق: نعم … فأنا أعرف كل الأُسَر في هذه القرية.

قال «أحمد»: اسمه «أحمد».

فالتفت السائق إليه وقال: «أحمد» ماذا؟ من أية عائلة؟

فطن «أحمد» إلى تفكير السائق، وظن أنه ربما يكون له يدٌ في مساعدة هذه العصابة؛ لأن أسئلته تعني أنه يريد أن يعرف شخصية كل ذاهب إلى هذه القرية، ولماذا يذهب؟

وحاول أن يضلِّله حتى يُبعد فكره عن الشك فيهم … فقال له «أحمد»: أظن أنه «أحمد رشوان» أو … رضوان أو …

قال السائق: «أحمد نعمان» …

فأسرع «أحمد» بالرد ليؤكد كلام السائق: فعلًا «أحمد نعمان» … أنت ذاكرتك قوية …

ابتسم السائق في شراهة … ثم عقَّب على كلام «أحمد»: فعلًا «أحمد نعمان» إنه شاب مؤدب وأخلاقه عالية … وأراد «أحمد» أن يستدرجه في الحديث، بعد أن اطمأن السائق إلى صحة الاسم … فقال له «أحمد»: يبدو فعلًا أنك تعرف كل شيء في هذه القرية.

قال السائق: كل شيء … الصغير … والكبير …

قال «أحمد»: لكن أمر هذا الجن فعلًا محير …

قال السائق: ليس محيرًا … ثم إن هذا الجن عنده بُعد نظر …

فانتبه الشياطين إلى كلام السائق، واقتربوا من رأسه وهو يتكلم، فقالوا له: كيف؟

رد السائق: لأن هذه العفاريت وهذا الجن لا يؤذي إلَّا البخلاء وأصحاب الأموال.

قال «فهد»: وهل يعرف الجن مَن عندهم أموال وبخلاء؟

قال السائق: طبعًا يا أستاذ …

قال «قيس»: وماذا يصنع الجن بهؤلاء وبأموالهم؟

قال السائق في لهجة تنم عن الغيظ الشديد: إنهم يحرقون البيوت بما فيها.

قال «بو عمير»: ويحرقون أصحابها؟

قال السائق: لا … إنهم يرسلون إليهم إنذارًا بإخلاء البيت، وتَرْك أموالهم وكل ما يكون داخل بيوتهم.

قال «أحمد»: وماذا يفعل الجن بالأموال؟

قال السائق: يحرقونها طبعًا …

رد «أحمد»: ولماذا لا يوزعونها على الفقراء … ما دام أصحابها بخلاء؟ أليس هذا ظلمًا؟

قال السائق: استغفِر الله يا أستاذ، إن هذا هو العدل.

قال «فهد»: لا، ليس عدلًا …

رد السائق في لهجة حادة: يا أستاذ … لا تتدخل فيما لا يعنيك … لأننا اقتربنا من القرية … فلا تذكرهم بسوء حتى لا يسمعونا فيؤذونا … كانت السيارة تسير بسرعة متوسطة، وكانت أشعة الشمس تُرمى على الأعشاب الخضراء والحقول … وبقايا من النسيم تداعب أنفاس الشياطين داخل السيارة.

حين نزل الشياطين القرية كانت حركة الناس بطيئة … كأنهم لا يزالون نائمين. وقف الشياطين على أول الطريق المتفرع إلى فرعين، يحصران القرية بينهما، كما أخبرهم رقم «صفر» … لكن كان هناك شيء غير طبيعي؛ فقد وقف هذا السائق يسترق النظر كل حين إلى الشياطين … وأدرك «أحمد» هذا فهمس للشياطين: انتبهوا نحن مراقَبون، هذا السائق العجوز يتتبعنا بنظراته … لا تلتفتوا إليه حتى لا يلاحظ ذلك.

وضع «أحمد» حقيبته على الأرض … فتوقف الشياطين، ثم قال لهم: انتظروا حتى أعود …

ثم استدار «أحمد» في اتجاه السائق … وتوقف الشياطين ينظرون إليه، حتى إذا اقترب منه، قال له «أحمد»: نسيت أن تدلني على الطريق …

قال السائق في خبث: ظننت أنك تعرفه.

قال «أحمد»: لا … لا أعرفه.

قال السائق: تستطيع أن تسلك هذا الطريق (وأشار إلى طريق الشمال) ثم بعد ذلك تمشي للأمام حتى تصل قريبًا من المقابر … ستجد هناك كتلة سكنية، اسأل أي شخص سيدلك فورًا …

رد «أحمد»: شكرًا لك … لكن ألا تعرِّفنا بك؟ ما اسمك أيها الرجل الطيب؟

تردد الرجل … شكرًا لك، ثم قال: اسمي … «عبده المنجودي».

قال له «أحمد»: فرصة طيبة … وسنتقابل قريبًا يا عم عبده. رجع «أحمد» إلى الشياطين مبتسمًا.

فقال له «فهد»: ماذا صنعت؟

قال «أحمد»: أنت في مكان لا تعرف فيه أحدًا، فلا بد أن تستفيد من أي شيء موجود.

قال «قيس»: وماذا استفدت؟

قال «أحمد»: كثيرًا … أول شيء عرفنا منه اسم رجل نعتمد عليه وهو «أحمد نعمان».

ثانيًا: عرفنا طريق المقابر منه، حتى لا يشك فينا إذا سرنا فيه.

ثالثًا: عرفنا اسمه، وهذا هو أول خيط، ثم حمل حقيبته … وسار الشياطين يتأملون وجوه الحياة في القرية المسحورة … الناس كأنهم كسالى … يمشون ببطء، ويتحركون ببطء، ويقفون في حذر … ويجلسون في قلق ظاهر على وجوههم، إنهم في حالة غير طبيعية.

كانت الساعة تقترب من العاشرة والنصف صباحًا … لكن القرية تبدو كما لو كانت نائمة من قلة الحركة والنشاط … وحين نظر «فهد» في الطريق الآخر صاح: انظروا هذه العربة الخشبية، إنها عربة بائع الفول الذي وصفه لنا رقم «صفر».

قال «أحمد»: سنقترب ولكن بحذر … يجب أن نعرف أننا مراقبون، فلا داعيَ للإثارة.

اتجه الشياطين صوب العربة الخشبية … كان بعض الناس يلتفُّون حول العربة، يشترون الفول، وبعضهم جالس على الرصيف يتناول الإفطار.

اقترب الشياطين من العربة الخشبية، وسمعوا الناس وهم ينادون صاحب العربة: هيا يا عم «سيد» أعطِ لنا يا عم «سيد». وقف الشياطين أمام عم «سيد» ثم استدار «أحمد» حتى وقف بجانبه، وقال قريبًا من أذنه بصوت خفيف: «المارد وصل».

سمع عم «سيد» الكلمة فارتسمت ابتسامة خفيفة على ملامح وجهه، ثم قال ولم يلتفت ﻟ «أحمد»: حمدًا لله على السلامة … ولكن احترس «المنجودي» خلفك.

لم يلتفت «أحمد» ليتأكد لأنه واثق من ذلك … ويعلم تمامًا أن هذا السائق «عبده المنجودي»، هو أول الطريق الذي سيوصلهم إلى شياطين الشر، لكنه واصل الحديث مع عم «سيد» ولم يعبأ بشيء، وظل «أحمد» يتحدث مع عم «سيد» تحت ستار الأكل، فقد تناول ساندويتشات، وأخذ يأكل ويتحدث … حتى جمع كل ما لديه من معلومات، ثم أذن لهم أن يذهبوا إلى مقهى الشعب … الذي يبعُد عن هذا المكان بمقدار خمسمائة متر.

جلس الشياطين الأربعة على المقهى يتناولون الشاي … كان الناس الجالسون ينظرون إليهم بشيء من الريب والتردد، وأخبر «أحمد» الشياطين بكل ما علمه من عم «سيد»، وأن العصابة تسكن تحت الأرض، وأن لهم عيونًا كثيرة تأتيهم بالأخبار في كل ليلة، وأن السائق مِنْ عيونهم … وبعد أن فرغوا من تناول الشاي، نظر «أحمد» إلى «فهد» و«قيس»، وقال: الآن جاء دوركما. ستذهبان فورًا إلى القرية من الناحية الأخرى، وتحاولان الوصول إلى «أحمد نعمان»، تعرَّفا عليه وادخلا في أعماقه. يجب أن نكسبه في صفنا … خصوصًا وأن بيته سيكون قريبًا من مقر العصابة.

سكت «أحمد» لحظة، ثم واصل حديثه: يجب أن نكون على حذر دائم؛ فالأعين علينا كثيرة … ولا نعرف منهم أحدًا … انطلقا الآن وخذا حقائبكما.

قام «فهد» و«قيس»، وحمل كلٌّ منهما حقيبته فوق كتفه، واتخذا طريق العودة إلى أول القرية حتى يصلا إلى الجهة الأخرى … وبعد لحظات نادى «أحمد» على عامل المقهى، وأعطاه خمسة جنيهات. كانت عين «أحمد» قد رأت «عبده المنجودي» السائق وهو قادم من بعيد … ثم جلس خارج المقهى …

قال «أحمد» لعامل المقهى: هل نستطيع أن نترك هذه الحقائب عندك، حتى نعود بعد نصف ساعة؟

فقال العامل: طبعًا، نحن في خدمتكم.

قال «أحمد»: شكرًا …

وترك له «أحمد» حقيبته وحقيبة «بو عمير»، ثم انصرفا من المقهى.

تابع «أحمد» و«بو عمير» المسير متوغلين داخل القرية.

قال «بو عمير» متعجبًا: لماذا تركنا حقائبنا في المقهى، وكان من الممكن أن نحملها معنا؟!

قال «أحمد»: الخطة تقتضي ذلك.

قال «بو عمير»: كيف؟

قال «أحمد»: إن السائق الآن يفتش حقائبنا ليرى ما بها، ولا بد أن يذهب بما علم فيخبر العصابة، سنكون في انتظاره ليكون دليلنا إليهم.

قال «بو عمير»: وماذا في الحقائب؟

قال «أحمد»: لا شيء، كاميرا … وأوراق وملابس …

قال «بو عمير»: وأين جهاز اللاسلكي؟

قال «أحمد»: هنا معي، داخل معطفي وتحت إبطي.

نظر «بو عمير» إلى أحمد نظرة إعجاب، ثم واصلا السير داخل القرية يشاهدان المحلات الصغيرة وأفران الخبز … لكن كان «أحمد» كل حين يتصنَّع الالتفات للخلف، ليتأكد أن وراءهما من يراقبهما ويعُدُّ حركاتهما، وأثناء سيرهما سمع «أحمد» أزير جهاز اللاسلكي داخل معطفه، فاتجه صوب مكان خالٍ قريبٍ من عدة أشجار، وأخرج الجهاز وهو يستتر بزميله «بو عمير» ليستقبل الرسالة، «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» لقد وصلنا البيت الآن وفي طريقنا إليكم لنتناول الغداء.»

خبأ «أحمد» الجهاز في معطفه مرة أخرى، ثم ظل ينظر إلى الأشجار كأنه يتأمل هذه الطبيعة الساحرة في إعجاب، وأشار بيده ﻟ «بو عمير» كي يعود … وحين استدار رأى «بو عمير» رجلًا من بعيد يستدير أيضًا، وينحرف داخل إحدى الحارات يسارًا … قال ﻟ «أحمد»: هل رأيت؟

قال «أحمد»: نعم، وهناك آخر جهة اليمين.

قال «بو عمير»: ألا نتعامل معهما؟ هذا يناسبنا الآن … فنحن بعيدان عن المقهى؟

قال «أحمد»: لا تكشف ورقك مرة واحدة … فالغرباء هنا قليل.

قال «بو عمير»: معك حق … يجب أن نكون على حذر … سار «أحمد» و«بو عمير»، في طريقهما إلى المقهى … وحين اقتربا من إحدى الحارات، رأى «أحمد» الرجل الذي يراقبهما واقفًا على باب أحد المحلات … فتأمله جيدًا، وقال لزميله: احفظ ملامحه في ذهنك فسوف تراه قريبًا. واصل الشياطين السير … ثم نظر «بو عمير» يساره، ولكن «أحمد» قال له: الرجل الآخر في الجهة الأخرى، فنظر «بو عمير» ليرى رجلًا كئيب الوجه، يرتدي جلبابًا مهلهلًا، وفي يده قطعة من جريد النخيل، أشعث الشعر، على جبينه تجاعيد واضحة …

قال «بو عمير»: لا أظن أن مثل هذا يصلح عينًا لأحد.

قال «أحمد»: لا تنخدع بالمظهر كما قال السائق … فهذا سحنته تنطق بالشر … يكفي أنه يبيت في المقابر، لا ليفزع الأحياء بل الأموات أيضًا …

قال «بو عمير»: معك حق … كان المقهى على بعد عشر خطوات حين رأى «أحمد» السائق «المنجودي»، يتسلل خارجًا من المقهى، ويجلس بالقرب من الباب الجانبي. تعمَّد «أحمد» أن يدخل المقهى من الباب الجانبي، لكي يراه «المنجودي»، وحين أصبح على مدخل المقهى، التفت «أحمد» إلى السائق وصاح محييًا: أهلًا … عم «عبده» … لقد عُدت ثانية … ارتبك السائق وقال له: الآن فقط، لأتناول الشاي.

قال «أحمد»: هل تشرفنا بتناول الشاي معنا؟

قال السائق: بكل سرور … جذب «أحمد» مقعدين، جلس على أحدهما وجلس «بو عمير» على الآخر، وجاء عامل المقهى فطلب منه «أحمد» أن يقدم لهم الشاي، ثم التفت العامل وقال ﻟ «أحمد»: هل أحضر الأمانة؟

قال «أحمد»: من فضلك … لما التفت «أحمد» إلى السائق وقال له: هذه القرية فعلًا ساحرة.

قال السائق: ماذا تعني؟

قال «أحمد»: قرية جميلة … طبيعتها ساحرة، هدوء قاتل … إني أحب هذا الهدوء.

فقال السائق: إنه هدوء مؤقت … فاستغرب «أحمد» الجملة، ثم قال: كيف؟

قال السائق في خبث واضح: حين يثور الجن تتحول إلى جهنم، ويرى الناس الموت الأحمر في منتصف النهار … والكل يلجأ إلى بيته ولا يخرج حتى يهدأ الجحيم.

أمسك «أحمد» بزمام الحديث في حرص شديد، ليتعرف على أي خيط يصل الأمور ببعضها، فقال متعجبًا مُظهرًا خوفه: الموت الأحمر … إنك تثير فزعي … ما هذا الموت الأحمر؟

قال السائق مستغرقًا في السرد، كأنه يصف مشهدًا من مشاهد يوم القيامة: إن النيران تسقط على بعض البيوت، ولا يعرف الناس مصدرها … كتل من جهنم الحمراء تشوي البخلاء والأغنياء وأولاد الشياطين.

رد «أحمد»: ألم يعرف أحدٌ مصدر هذه النيران؟

هزَّ السائق رأسه بالرفض وقال: أبدًا.

قال له «أحمد»: ولا حتى أنت؟

فانتبه الرجل فجأة وقال: ولماذا أنا؟ ماذا تقصد؟

قال «أحمد»: لا أقصد شيئًا … لكنك قلت لي في السيارة إنك تعرف كل شيء صغير وكبير.

ردَّ السائق: آه … أعرف كل أهل القرية … لكن هؤلاء ليسوا من أهل القرية، إنهم جن والعياذ بالله … كان عامل المقهى قد جاء بالحقيبتين والشاي … فأراد «أحمد» أن يغير الحديث، ففتح حقيبته وأخرج الكاميرا وقال للسائق: ممكن صورة تذكارية؟

فتدخل العامل وقال: ممكن يا أستاذ.

قال له «أحمد»: تفضل قف وراء عم «عبده». التقط «أحمد» للسائق وعامل المقهى عدة لقطات في لحظات قليلة، وصاح العامل: متى ستخرج هذه الصور؟ هل ستعطيني صورة؟

فقال «أحمد»: بالتأكيد لا بد أن أعطيك صورة … ستكون عندك مساء اليوم. تناول الجاسوس الشاي … ثم استأذن السائق وانصرف …

قال «بو عمير» ﻟ «أحمد»: ما الذي صنعته؟

قال «أحمد»: يا أستاذ … لا بد أن يكون مُخُّك دائم التفكير، لا بد أن تفعل أشياء تقوي موقفك … إننا في حاجةٍ لصور هذا الرجل، وفي حاجةٍ لأن نعود هنا أكثر من مرة دون أن يشك فينا أحد، والصور سبب معقول لكي نعود … أفهمت؟

قال «بو عمير»: فهمت، لكن أين ستطبع هذه الصور؟ أشار «أحمد» لعامل المقهى وقال ﻟ «بو عمير»: حالًا ستعرف … أقبل العامل متلهفًا: نعم … أية خدمة؟

قال «أحمد»: ألا يوجد استوديو قريب من هنا لكي أطبع لك الصور؟

قال العامل: موجود تعالَ أوصلك … لحظة وسآتي معك.

قال «أحمد» ﻟ «بو عمير»: انهض، وأثناء سيرنا اطبع صور الأماكن في ذهنك … لا بد أن نضع تصورًا كاملًا لهذه القرية …

هزَّ «بو عمير» رأسه ثم قال ﻟ «أحمد»: ألم تلاحظ أن هذا السائق يعرف كل شيء؟

قال «أحمد» مؤكدًا: نعم يعرف كل شيء … وأنا واثق أنه الوحيد الذي سيوصلنا إلى مكان العصابة …

أقبل عامل المقهى وهو سعيد بملازمة «أحمد» و«بو عمير»، وسار معهما.

وأخذ «بو عمير» ينظر عن اليمين والشمال، وسأل «أحمد» العامل عن اسمه: ما اسمك؟

قال: «زكي» يا أستاذ …

قال «أحمد»: يا «زكي»، الناس سلبيون في هذه القرية … لماذا؟

قال وهو ينظر إلى «أحمد»: ما معنى «سلبيون»؟

قال «أحمد»: يعني كسالى.

قال العامل: نعم إنهم خائفون … يعيشون في رعب.

قال «أحمد» مستفهمًا: ولماذا؟

رد العامل: الموت الأحمر يا أستاذ.

نظر «أحمد» إلى «بو عمير»، وفطن «بو عمير» لهذه النظرة … إنه أيضًا من أتباع العصابة …

أظهر «أحمد» دهشة للعامل وقال له: وما الموت الأحمر؟

قال العامل: إنه النار … الجحيم الذي يحرق به الجن مَن يغضبون عليهم …

قال «أحمد»: وأين يسكن الجن؟

قال العامل: لا أحد يدري يا أستاذ، لكنهم موجودون هنا في القرية، ويعرفون كل شيء عن الناس … سار الثلاثة في شوارع القرية … كان «أحمد» يحاصر عامل المقهى بالأسئلة، بينما كان «بو عمير» يتأمل ما في شوارع القرية … ويطبع مشاهدها في ذاكرته …

وظهرت لافتة الاستوديو من بعيد … فنظر إليها «أحمد» وقال للعامل: هذا هو الاستوديو … استوديو الشرق؟

قال العامل: نعم استوديو الشرق …

ثم قال «أحمد» للعامل: لكن يا «زكي» … ألست خائفًا مما يحدث في القرية؟

قال العامل: نعم، ولماذا أخاف؟ إني لا أملك شيئًا أخاف عليه.

قال «أحمد»: ليس شرطًا أن تملك شيئًا حتى تخاف … ألم تقل إنه الموت الأحمر؟

فتردد العامل لحظة ثم قال: نعم … نعم … إنه الموت الأحمر ولكن الجن يعرفون الناس ويختارون ضحاياهم.

قال «أحمد»: إذن، ليسوا من الجن …

فتلعثم العامل، ثم قال في ارتباك: كيف؟ ماذا تريد أن تقول؟ هل رأيتهم حتى تقول هذا الكلام؟

لاحظ «أحمد» أن العامل قد ارتبك، وزادت شكوكه فيه، ثم رآه يضغط على زر الساعة التي في يده … تأكد «أحمد» أن هذا له علاقة بالعصابة … لكنه لم يعرف حتى هذه اللحظة. ودخل الثلاثة الاستوديو، وأخرج «أحمد» الفيلم من الكاميرا وأعطاه للمدير، وطلب منه أن يستلم الصورة في خلال ساعات للأهمية. لم يكد الثلاثة يخرجون من الاستوديو حتى سمعوا صراخًا كثيرًا قادمًا من قريب … خرج «أحمد» مسرعًا لينظر ماذا حدث؟ فرأى نارًا هائلة مشتعلة في أحد البيوت، ثم بعد لحظات، رأى كرات هائلة من النيران تسقط فوق هذا البيت …

وسرعان ما تغير الجو وانتشر الدخان الخانق … اقترب «أحمد» من المكان الذي فيه الحريق، فلم يرَ أحدًا إلَّا أصحاب البيت، يقفون في الشارع، وينظرون إلى النار وهي تأكل متاعهم.

أخرج «أحمد» جهاز اللاسلكي وأدار المؤشر، وحاول الاتصال ﺑ «فهد» و«قيس»، «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» هل تسمعني؟» لحظات قليلة ثم جاء صوت «فهد» واضحًا.

نعم أسمعك لقد وصلنا بسلام إلى صديقنا «أحمد نعمان».

قال «أحمد»: ألا ترى حولك شيئًا غريبًا؟ اخرج واقترِب من المقابر، وحاول أن ترى أي شيء.

قال «فهد»: انتظر لحظة وكن معنا … ثم بعد لحظة سمع أزيز جهاز اللاسلكي «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» لقد رأيت كرة نارية تطير في الهواء، وبقايا دخان بين المقابر.»

رد «أحمد»: راقب المكان جيدًا … فالموت الأحمر يأتي من عندك … لقد آن الأوان أن تُشيَّع جنازته بين المقابر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤