الفصل العاشر

في الملكية العقارية

مواد الاستثمار ثلاثٌ: العمل، ورأس المال، والأرض، وقد تكلمنا على المادتين الأوليين، وألمعنا إلى الخلاف الذي يحصل بشأنهما، وسنتكلم الآن على قسمٍ آخر من علم الاقتصاد السياسي، وهو كيفية توزيع المادة الثالثة أي الأرض، فنقول:

طريقة تملك الأراضي تختلف باختلاف الزمان والمكان، فهي في إنكلترا اليوم غيرها في فرنسا ونروج والروسيا والولايات المتحدة، لا بل وإنكلترا نفسها من مدة بعض أجيالٍ؛ لأن ما يوافق جهة من ظروفٍ مخصوصةٍ لا يوافق الجهة عينها لو تغيرت هذه الظروف.

ولو بحثنا عن كيفية اجتماع مواد الاستثمار الثلاث، لوجدناها تارةً متوفرةً عند شخصٍ واحدٍ، وطورًا عند جملة أشخاصٍ، ففي البلاد التي يباح فيها الرق كولايات أميركا الشمالية في الأزمان الغابرة، المالك هو صاحب الأرض والعمل ورأس المال؛ لأن العبد في الحقيقة ليس بعاملٍ لأنه غير مخيرٍ في العمل من عدمه، وإن اشتغل فلا ينتفع بأجرته، وحالته تقرب من حالة البهيم، فكما أن المزارع يعتبر بهائمه وأغنامه جزءًا من أمواله كذلك سيد العبد يعتبره جزءًا من رأس ماله، وبما أن العبد يشتغل رغمًا عن أنفه ولا ينتظر مكافأةً على شغله فلا يهتم بما يكلف به، ولسنا في حاجةٍ للبحث فيما إذا كان الرق مستحسنًا اقتصاديًّا أو لا؛ لأن ذلك أمرٌ تنهى عنه الآداب.

ويمكننا أن نبين توزيع مواد الاستثمار في طريقة الاسترقاق بالشكل الآتي:

مولى العبد الأرض
العمل
رأس المال

وقد تحل الحكومات في كثيرٍ من البلاد محل أصحاب الأرض، وتتحصل على ضريبةٍ تفرضها على المزارعين، فيقومون بالعمل ورأس المال، كما هو مبينٌ بالشكل الآتي:

الحكومة الأرض
المزارعون العمل
رأس المال
وهذه الطريقة هي المتبعة الآن في تركيا ومصر١ وبلاد العجم، وفي جملة بلادٍ شرقيةٍ، وهي متبعةٌ أيضًا مع بعض تغيرات في الهند الإنكليزية، وعندنا أنها أضر طريقة بعد الطريقة التي تكلمنا عليها أولًا، أي طريقة الاسترقاق؛ لأن الحكومة هي التي تحدد قيمة الضريبة، ولها أن تحددها كيف شاءت، وأنه يصعب تمييز هذه الضرائب من العشور، ولو عجز المحصول لما أمكن المزارع تسديد المطلوب منه، فيضطر إلى السلفة وتسد في وجهه أبواب المكاسب.

ويوجد طريقةٌ أخرى حسنةٌ لو أمكن استعمالها، وهي أن صاحب الأرض يزرعها بنفسه ويستعين على ذلك بأمواله، وهذه الطريقة أقرب شيءٍ لطريقة الاسترقاق من جهة توفُّر مواد الاستثمار عند شخصٍ واحدٍ.

المزارع الأرض
العمل
رأس المال

إلا أنها تخالفها على خطٍّ مستقيمٍ في بقية الوجوه، ومزاياها لا تنكر؛ لأن العامل يمتلك الأرض ولوازمها، وهو حر التصرف فيها، متوفرة لديه شرائط الإقدام على العمل وإتقانه، مع مراعاة الاقتصاد، فهو يعلم أن أي تحسينٍ يدخله على زراعته يزيد في ثروته، وينتفع منه هو وعائلته من بعده.

وقد سُميت هذه الطريقة بسحر الملكية؛ وذلك لأن المزارع فيها لتحققه أن فائدة شغله عائدةٌ عليه وعلى ذويه، يزيد ميله إلى الشغل زيادةً تفوق العقول، حتى إن الاقتصاديين شبهوها بالسحر.

ويسهل اتباع هذه الطريقة في البلاد الحديثة الاستعمار، مثل غربي الولايات المتحدة والكندا ومستعمرات أوستراليا وحكومة الكاب؛ لأن أراضيها بخسة الأثمان، ولا تستلزم لفلاحتها أموالًا طائلةً لعدم احتياجها لسمادٍ غالٍ ولا آلات متقنة ولا تصفية ولا تصليح.

وقد اعتُرض على هذه الطريقة بأن الذي يزرع أرضه بنفسه لا بدَّ وأن يكون فقيرًا وقليل المهارة؛ إذ لو كان غنيًّا لاستحسن بالطبع أن يستأجر عمالًا يزرعون له أرضه، فيكون صاحب مالٍ لا عامل، ولو كان ماهرًا كان من العبث أن يجعل سعيه قاصرًا على عملٍ طفيفٍ حالة كونه قادرًا على إدارة عملٍ مهمٍّ مع استعمال تجزؤ العمل.

فلو كان فقيرًا لصرف ما عنده من المال في شراء الأرض وبعض لوازمها، وما بقى له لا يكفي لإدخال تحسيناتٍ مثل شراء آلاتٍ متقنة، وبهائم أصيلةٍ للاقتصاد في الشغل؛ ولذلك تراه لا ينتفع بأتعابه، اللهم إلا إذا كانت الأرض بخسة القيمة كثيرة الخصوبة، نعم إن ما سميناه بسحر الملكية يحمل الفلاح على الجد والثبات في العمل، إلا أنه لا يتبع وسائل الاقتصاد الحقيقية فيدوم فقيرًا، رغمًا عن المشاق التي يتكبدها، ومن الشواهد على ذلك أن المزارع في بلاد سويسرا وبلجيكا وأسوج ونروج، وبعض جهاتٍ أخرى من أوروبا يمتلك الأرض التي يفلحها، ويواليها بخدمته ليلًا ونهارًا طول مدة الصيف، ولا تفوته فرصة للاقتصاد، ومع ذلك فهو لا يكتسب من زراعته إلا الكفاف، ولو نقل المحصول سنةً أو سنتين لوقع في الفاقة إن لم يكن على جانبٍ عظيمٍ من التبصر، فيلتزم بأن يقترض أو يبيع محصولاته قبل أوانها، وإن كانت أرضه تستحق الرهن لرهنها، أي أعطاها لمدينه ضمانةً لدينه، فيكون للدائنين في هذه الحالة جزءٌ في الأرض وفي رأس المال، كما هو مبينٌ في الشكل الآتي:

الدائن الأرض
رأس المال
المزارع العمل
رأس المال

(١) الملكية العقارية في إنكلترا

كلما تقدم فن الفلاحة بالتطبيقات العلمية كلما استلزم مهارةً زائدةً وأموالًا كثيرةً، وبما أنَّ الملكية العقارية في إنكلترا مبنيةٌ على مبدأ تجزؤ العمل، وتشترك فيها طبقات الأمة، فمن المحتمل أنها تنتشر في المستقبل.

وكيفية اشتراك طبقات الأمة مبينٌ في الشكل الآتي:

المالك الأرض
رأس المال
المستأجر العمل
رأس المال
العامل العمل

وأصحاب الأملاك العقارية في إنكلترا هم عادةً أرباب ثروةٍ عظيمةٍ، يسعون في التحصل على أملاكٍ واسعةٍ ولا يرغبون في تشغيلها، وبما أن لهم الأرض التي هي مادة استثمارٍ طبيعيةٍ، فما يكتسبونه منها هو مكسبٌ حقيقيٌّ، وأما ما يكتسبونه من الإصلاحات التي أدخلوها على الأرض مثل: المباني والسكك والأسوار والأجران وما شابه ذلك فهو ربحٌ لا مكسب (في اصطلاح الاقتصاديين).

والمستأجرون هم من الرجال المتنورين المثرين، يستأجرون الأرض وتوابعها، ويشترون أغنامًا وعرباتٍ وآلاتٍ متقنة، ويؤجرون عَمَلةً للأشغال اليدوية، ويقومون هم بالإدارة ومسك الحساب، وشراء ما يلزم، وبيع المحصول، وهلمَّ جرًّا.

أما العامل فهو أجيرٌ، يعيش في دارٍ يستأجرها من مستأجر الأرض أو من مالكها، ولا شيء يحمله على الاجتهاد في العمل؛ لأن نتيجة شغله لا تعود عليه، بل على مؤجره.

ولهذه الطريقة فوائد عظمى، كما أن لها مضارَّ جسيمةً، فمن مزاياها أن المستأجر على جانبٍ من الذكاء، وله درايةٌ بفن الفلاحة، ويمتلك رأس مالٍ عظيمٍ، فيمكنه اتباع الطرق السهلة وتطبيق جميع الاكتشافات العلمية، وبذلك ينتفع كلَّ الانتفاع من الأرض والعمل، ومن مزايا هذه الطريقة أيضًا أن المستأجر لا يمتلك الأرض والأموال الثابتة، فتبقى كلُّ أمواله تحت تصرفه، ويمكنه شراء السماد الجيد وأحسن أجناس الماشية، وقد يُستحسن اتباع هذه الطريقة في الأملاك المتسعة؛ لأنها تسمح بتجزؤ العمل كما في المعامل، فينتج من ذلك بعض المزايا التي سبق تكلمنا عنها [راجع الفصل الرابع]، وأمَّا مضار هذه الطريقة فتعود خصوصًا على العَمَلة الذين هم السواد الأعظم؛ إذ ليس لهم استقلال العَمَلة الذين يمتلكون الأرض التي يشتغلونها، ولو طردهم المستأجر أو طعنوا في السن حتى لا يمكنهم أن يشتغلوا، لما أمكنهم تكسب معاشهم، فيضطرون إلى الدخول في ملجأ الفقراء؛ لأن أجورهم قليلةٌ لا يتسنى لهم الاقتصاد معها، ومع ذلك فإن سبب هذه المضرة يرجع بعضه إلى القوانين المتعلقة بالفقراء، أو إلى كثرة العَمَلة الفقراء الجهلاء، فإذا تحسنت القوانين المختصة بهم، وتهذب الفلاحون، اشتغلوا بآلاتٍ كعَمَلة المعامل، وتحصلوا على الاستقلال مثلهم، ولزادت أجورهم.

وقد يختلف عقد الإيجار بين صاحب الأرض والمستأجر، إلا أن الكثير من أرباب الثروة المتسعة لا يرضون بتأجير أراضيهم لمددٍ طويلةٍ، فهم يرغبون أن يكون لهم الحق في فسخ العقد وطرد مستأجريهم بعد إعلانهم بمدةٍ لا تزيد عن سنةٍ، فيحرمونهم بذلك من التحسينات التي أدخلوها على الأرض، قاصدين بذلك التمتع بنفوذٍ كنفوذ الملوك في ممالكهم، وكثيرًا ما يُشاهد أن أناسًا بعد أن اكتسبوا أرباحًا كثيرةً من معاملهم يشترون أراضي ولو بأثمانٍ مرتفعةٍ جدًّا؛ وذلك لما لهم من الميل إلى الرئاسة والاستبداد، ولو نظرنا إلى الجهات الزراعية في إنكلترا وأيقوسة وأيرلندة لوجدنا أنها لم تزل في حالة الالتزام «كأيام السناجق في مصر»، وبما أنه لا يمكننا في هذا الكتاب أن نبحث في هذه المسألة إلا من الجهة الاقتصادية فنقول: إن هذه الطريقة مضرةٌ للغاية، فإن المستأجر لعلمه أن لصاحب الأرض الحق في أن يطرده في أي وقتٍ، لا يدخل التحسينات اللازمة؛ وذلك لأنه يخشى من طرده، أو من زيادة قيمة الإيجار، ومع ذلك ففي بعض الأحيان قد يحسن المستأجر زراعته كأنه متحققٌ من بقائه في الأرض، إلا أنه في هذه الحالة لو نزعت منه لكان ذلك أقرب شيءٍ للسرقة، وعلى كلِّ حالٍ فلا يذوق المستأجر للاستقلال طعمًا، مع أن كلَّ إنسانٍ يجب أن يتمتع باستقلاله، ويحسن بنا في هذا المقام أن نقول: إنه يجب على الشارع أن لا ينسى أن القوانين إنما الغرض منها منفعة الأمة بأسرها، لا منفعة طبقة منها فقط، والقوانين المختصة بعلاقات أصحاب الأرض مع المستأجرين لم يسنها إلا أصحاب الأملاك، ولم يراعوا فيها مصالح الزراعة، بل منافعهم الشخصية، وقد يمكن تحسين هذه الحالة بطريقتين:
  • الأولى: بواسطة الإيجارات لمددٍ طويلةٍ.
  • الثانية: بالإيجارات التي للمستأجر فيها الحق في طلب تعويضٍ «خلو طرفٍ».

(١-١) في الإيجارات لمددٍ طويلةٍ

عقد الإيجار هو عبارةٌ عن تعهدٍ بين اثنين يلزم أحدهما بتسليم أرضٍ أو بيتٍ لمدةٍ معينةٍ، ويلزم الآخر بدفع مبلغٍ محددٍ، ويلزمهما معًا باحترام جميع الشروط المبينة بالعقد.

فإذا كانت مدة الإيجار ثلاثين سنةٍ أو أكثر لكان المستأجر كأنه صاحب الأرض، بمعنى أنه يتسنى له في السنين الأولى إدخال الإصلاحات اللازمة؛ لأنه متحققٌ من الانتفاع بها قبل حلول أجل الإيجار، ففي شرقي إنكلترا وأيقوسة مدة الإيجار طويلةٌ في العادة؛ ولذا نرى الزراعة فيها متقدمةً كلَّ التقدم، ولا شكَّ أن طول مدة الإيجار من أحسن الوسائل لتنشيط المزارعين وتقدم الزراعة، ولا ينتج منه ضررٌ سوى أن المستأجر لا يعتني بإصلاح الأرض في أواخر مدة الإيجار.

(١-٢) في الإيجارات التي للمستأجر فيها الحق في طلب التعويض

من المستحسن أيضًا أن يُعطَى للمستأجر الذي أُلزِم بترك الأرض الحق في طلب تعويضٍ يساوي قيمة الإصلاحات التي أدخلها عليها، ولا يصعب على المستأجر إثبات ما أنفقه لبناء أجران أو أسوارٍ، أو لإنشاء سككٍ، أو لتصليح الأرض أو لتسميدها، وكذلك لا يصعب على أهل الخبرة أن يحددوا بالضبط مدة الانتفاع بأي إصلاحٍ، لمعرفة قيمة ما يخسره المستأجر من تركه الأرض، ولإعطائه هذه القيمة بصفة تعويضٍ، أما صاحب الأرض فيلتزم بإعطائه هذا المبلغ إن صمم على طرده، وله أن يزيد قيمة الإيجار على المستأجر الجديد، وبذلك لا يخسر شيئًا، ولو أن هذه الطريقة ليست متبعةً في جميع أنحاء إنكلترا، إلا أنها ليست حديثة العهد فيها، فإنها استعملت مدةً طويلةً في شمال أيرلندة، فكان المستأجر الجديد يدفع للسابق مبلغًا جسيمًا في مقابلة التحسينات التي أدخلها، وكانت نتيجة ذلك أن صاحب الأرض لا يطرد المستأجر الأمين بمجرد اقتضاء إرادته، وكانت العادة المتبعة في يوركشير Yorkshire تقضي بإعطاء تعويضٍ للمستأجر الذي يلزم بترك الأرض، ولا مانع من أن هذه العادة تصير قانونًا نافذ المفعول في جميع أنحاء البلد، هذا وإن لائحة أراضي أيرلندة التي وضعها المستر غلادستون قد خولت للمستأجر هذا الحق تقريبًا، وإذا كان المرغوب من الأرض هو استعمالها فيما خصصت لأجله — لا تركها تحت تصرف المالكين الذين أعمى الكبر بصيرتهم — لوجب إجبارهم على تأجير أرضهم لمددٍ طويلةٍ من ٣٠ إلى ٥٠ سنةٍ مثلًا، أو على إعطاء المستأجرين تعويضاتٍ يحددها أهل الخبرة من أرباب الفلاحة.

(٢) في أصل المكسب

من الضروري أن نفهم من أين ينشأ المكسب؛ لنعلم السبب في استيلاء صاحب الأرض على جزءٍ عظيمٍ من المتحصل بدون أدنى تعبٍ ولا شقاءٍ، ولو نظرنا في حقيقة هذه المسألة لوجدنا أنه لا بدَّ من وجود مكسبٍ، ومجرد البحث ينحصر في مسألة واحدةٍ، وهي: هل يُستحسن وجود كثيرٍ من الناس يتحصلون على مكاسب طفيفةٍ، أو وجود عددٍ قليلٍ يتحصلون على مكاسب عظيمةٍ؟

وتختلف فروق المكاسب باختلاف خصوبة الأراضي، أما إذا كانت الأرض كلها مسطحةً ومنزرعةً بطريقةٍ واحدةٍ لما كان هناك فرقٌ بين المكاسب، ولكننا نعلم أن سطح الكرة به جبالٌ وأوديةٌ، بعضه قابلٌ للفلاحة، والبعض الآخر صحاري قفراء أو صخورٌ صماء، وبديهيٌّ أن صاحب الأرض الجيدة يتحصل على محصولٍ أكثر مما يتحصل عليه صاحب الأرض الرديئة، ولو فرضنا أن كل مزارعٍ يمتلك القطعة الأرض التي يفلحها، وبذل كلٌّ منهم جهدًا متساويًا، لفاز صاحب الأرض الجيدة بزيادةٍ في دخله، وهذه الزيادة هي عبارةٌ عن المكسب، وهكذا يكون الحال إذا أجر صاحب الأرض أرضه عوضًا عن أن يزرعها.

مما تقدم صار من السهل تحديد قيمة المكسب، فإن الأرض التي تنتج محصولًا مساويًا لأجور العَمَلة وأرباح المبالغ التي استلزمتها الزراعة، لا يقال عنها: إنها تنتج مكسبًا؛ لأننا نقصد بالمكسب هنا الفرق بين محصول الأراضي الجيدة ومحصول الأراضي غير الجيدة لو تساوت المصاريف، ويمكننا أيضًا أن نبين هذه المسألة بعبارةٍ أخرى بقولنا: إن ثمن الغلال يتحدد بالمصاريف التي صُرفت لاستغلالها من أرضٍ إيرادها يساوي هذه المصاريف؛ إذ لو افتقر الحال للحصول على كمية غلالٍ وافرةٍ للزم استعمال أراضٍ قحلةٍ، أي من درجةٍ أقل من درجة الأراضي التي لا تنتج إلا ما يساوي المصاريف، حيث إن الأراضي الخصبة قد استعملت من مدةٍ مضت، وحيث إن الغلال المتساوية في الجودة تُباع بأثمانٍ متساويةٍ مهما اختلفت المصاريف التي استلزمتها، فيكون مكسب الأرض الجيدة هو عبارةٌ عن الفرق بين ثمن إيرادها وثمن إيراد الأرض القحلة.

١  في الأصل كانت الأراضي المصرية كلها ملكًا للحكومة، فأنعم محمد علي باشا ببعضها على سبيل التمليك، وفي سنة ١٨٥٤ ربطت عليها ضريبةً توازي عشر غلتها؛ ولذلك سميت بالأرض العشرية، وفي سنة ١٨١٣ مسحت بقية الأراضي ووزعت على الأهالي على سبيل الانتفاع في مقابلة دفع ضريبةٍ معلومة، ثم أخذت حقوق المنتفع تزداد شيئًا فشيئًا إلى سنة ١٨٧١، فصدرت لائحة المقابلة وقضت بأن من يدفع قيمة خراج أرضه مدة ست سنواتٍ يُعتبر مالكًا ملكًا تامًّا، وفي (١٥ أبريل سنة ١٨٩١) صدر أمر عالٍ ساوى بين الذين لم يدفعوا المقابلة والذين دفعوها، فأصبحت الأراضي المصرية عمومًا مملوكةً ملكًا تامًّا للأهالي، وها هو نصُّ الأمر المذكور:

اعتبارًا من تاريخ أمرنا هذا يكون لأرباب الأطيان الخراجية التي لم تدفع عنها المقابلة حقوق الملكية التامة في أطيانهم، أسوة بأرباب الأطيان التي دفعت عنها المقابلة بتمامها أو جزء منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤