إلى الأستاذ قلعجي مع تحياتي الحارَّة

ما هي النصيحة التي تقدِّمونها إلى أديبٍ ناشئ؟

هي أن يُنشِئ أولًا ويقرأ كثيرًا. والمضحك المبكي اليوم هو أنه لا يشبُّ طالب عن الطوق؛ أي يحمل شهادة عالية، دكتوراه في الآداب مثلًا، حتى يتطاول إلى نقد المتنبِّي والجاحظ، فيخربش ما استطاع. إنه في حاجة إلى الإنشاء الرفيع أولًا، ثم فليتوجَّه بالسلامة إلى أي إقليم شاء من أقاليم الأدب؛ كالقصة وغيرها. أما رأس المال ففي المطالعة.

ما هو الكتاب الخاص الذي كان له أثرٌ خاصٌّ في اتجاهكم الأدبي؟

لطبيعتي أولًا، ولمطالعاتي ثانيًا، وبعدُ مكتبتي الخاصة التي فيها ٦٠٠٠ مجلَّد، فأنا مديون لكل من كتب حرفًا، كما أنني غير مديون لأحد، وذلك عائدٌ إلى جهلي ذلك، أنا لا أعفُّ عن شيء مما تأكله الأوادم، فهل لي أن أعترف بفضل التغذية لأكلٍ دون غيره؟ وكما نُحبُّ ألوانًا من الطعام ونؤثرها؛ كذلك نؤثر مطالعة أدباء وشعراء بعينهم.

ما رأيكم في الشعر العربي الجديد المعروف بالشعر الحر؟

الشعر الحُرُّ تجربةٌ قديمة، وما السجع إلا شعر حر وإن لم يسموه إلا سجعًا، وقد ظلَّ على عرش الأدب أكثر من سلطان بني عثمان، وأخيرًا حمله إلينا فيلسوفنا الريحاني، فقبل أن تسألوني رأيي أمهلوا قليلًا؛ فأنتم في ربيع العمر، ومتى لمستم بقاء هذا الشعر فابعثوا إليَّ برسالة إلى دنيا العالم العتيد. إنَّ كل ما يتواضع على استحسانه الجمهور يكون حسنًا، فعسى ألا يذهب جهد الشباب باطلًا، ولا يصح فيهم المثل: ذهبت النعامة تطلب قرنين فعادت بلا أذنين.

هل تنصحون بإدخال أساليب جديدة على الطرق المتبعة في تدريس الأدب العربي؟

أنصح أولًا بتخفيف الحِمل، فالطالب لا يستطيع في عامين مدرسيين — والعام الدراسي نصف عام — أن يدرس مائة شاعر وكاتب.

وأنصح ثانيًا باختيار أساتذة يُدخلون الطالب إلى دهاليز حصون الكاتب والشاعر ومنعرجاتها، أي أن يكونوا فاهمين أسرار ما يقرءون.

إن الذين لا يقرءون ما بين السطور يُكرِّهون الطلاب بأدبنا، وهم لو فهموه وأفهموه لما سمعنا هذه الضجَّة حول المناهج.

ما هي مهمة الأديب العربي في بَعْثِ القومية العربية؟

إنها مهمةٌ شاقَّة، وهل هناك أشقُّ من إيجاد الإيمان؟

إن مار بولس لم يستطع نشر الدين المسيحي إلا لأنه كان عظيم الإيمان به. اقرأ فصلًا من رسائله فيطالعك لهيب إيمان بولس بما يقول، وهكذا يجب أنْ يكون الأديب العربي حارَّ الإيمان بالقومية العربية حتى يبعثها.

وهل بعث إليعازار غير إيمان المسيح؟

إنَّ الذين يستعربون ليرفِّهوا عن أنفسهم كثيرون، أمَّا المؤمنون الخلَّص فيؤثرون للشهادة. وقد بدأت أراهم.

كانوا يهزءون بنا يوم كنا نهيب بهم. أمَّا اليوم فيحاولون أن ينسوا موقفنا.

الخلاصة: يُطلب إلى الأديب العربي أنْ يكون مخلصًا للعروبة، ولا يكون له فيما يكتب مآرب أخرى.

٢ / ٢ / ١٩٥٧م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤