تحديث النسخة المنقحة

الهجرة

في كل عامٍ صيني جديد، تحدث أكبر موجة هجرة في تاريخ البشرية على كوكب الأرض؛ فأرقام الإحصاءات الخاصة بالهجرة السنوية مهولة؛ لدرجة أنني أعجز عن تخيُّل ما الذي تعنيه هذه الأرقام مثلما أعجز عن تخيُّل مشهد الديناصورات وهي تُلبي نداء الطبيعة قبل مئات الملايين من السنين.

في عام ٢٠١٢، بيع أكثر من ثلاثة مليارات تذكرة من تذاكر الطائرات والقطارات والمراكب والحافلات؛ إذ يعود ٢٠٠ مليون عامل إلى القرى الريفية للاحتفال بالعام الجديد.

وهؤلاء العمال يَنتظرون أيامًا حتى يشتروا التذاكر. وإذا حالفهم الحظ بالقدر الكافي للحصول على تذكرة، فإنهم يَحشرون أنفسهم في عربات لا يوجد بها أماكن إلا للوقوف فقط. وعندما يصلون إلى وجهاتهم، فإنهم يَحتضنون الأبناء الذين تركوهم في رعاية أقاربهم المسنين.

كتب هوانج تشينجهونج — عامل مهاجر من مدينة تشونجتشينج — في جريدته المحلية قائلًا: «إنني أعمل في مدينة وينزو منذ أكثر من ١٠ سنوات، ولا أزور أرض الوطن إلا مرة واحدة كل عامين؛ لأن الحصول على تذاكر أمر صعب للغاية. الآن صارت ابنتي في السادسة من عمرها، وأتساءل كم طولها، وكم عدد الكلمات التي تعرفها.»

وتُنظِّف الأسر التي يلتئم شملها المنزل الأسري بأكمله من أعلى إلى أسفل، ليَنفضوا عنه مصائب الحياة منذ العام الماضي مُفسحين المجال للحظ السعيد. إنهم يكتبون أبياتًا شعرية للعام الجديد تزخر بالسلام والأمنيات الطيبة وقرارات حياتية في العام الجديد بخطٍّ جميل وحبر معطَّر ويُعلِّقون إياها على الباب الأمامي.

كانت الاحتفالات بالعام الجديد سنة ٢٠٠٩ أقل بهجة قليلًا؛ حيث فقد «عشرون مليون» عامل وظائفهم، الأمر الذي يُشبه فصل جميع سكان أستراليا من العمل. وأصبح نحو ٥ ملايين شخص آخر بلا وظيفة مؤخرًا بحلول شهر مارس ٢٠٠٩، كما عانى أولئك الذين احتفظوا بوظائفهم من خفض عدد ساعات العمل الإضافية وأيام العمل.

كان الغرب يعاني أسوأ فترة كساد اقتصادي منذ الكساد الكبير، وانخفض عدد طلبيات التوريد. كان عدد العُمال أكبر من عدد الوظائف.

وبعد مرور عام، تغير كل شيء.

عاد الطلب من خارج البلاد على المنتجات التي «صُنعت في الصين»، ولكن لم يحدث الشيء نفسه مع العُمال. ووفرت محاولات التحفيز الاقتصادي في الصين، وهو ردُّ فعل إزاء الكساد العالمي، المزيد من الفرص للعُمال داخل البلاد. وزادت أعداد الشباب المسجلين للدراسة بالجامعة. وفي ذلك الوقت، كان عدد الوظائف أكبر من عدد العمال، وارتفعت الأجور بسبب تنافُس الشركات على العمالة المُدربة محدودة العدد؛ ففي عام ٢٠١٠، زادت الأجور في مدينة جوانزو بنسبة ٤٠ بالمائة وواصلت الارتفاع بنسبة ٢٠ بالمائة كل عام.

انتقلت بعض المصانع القائمة على الكثافة العمالية المرتفعة مثل مصانع الأحذية والملابس إلى داخل البلاد حيث الأجور والتكاليف العقارية أقل.

كتب بول ميدلر، مؤلف كتاب «صُنع في الصين برداءة: رواية تفشي الأسرار الداخلية لتكتيكات لعبة الإنتاج في الصين» (هوبوكين، نيو جيرسي، جون ويلي آند صنز، ٢٠٠٩)، رسالة بريد إلكتروني يقول فيها: «ربما تكون العمالة أرخص، إلا أن التكلفة المضافة للانتقال داخل البلاد يمكن أن تمحو هذه المدَّخرات. وفي النهاية، ثمة قيمة عظيمة في جعْل المصانع تتكاتف معًا. أنت تُحقق تأثيرًا شبكيًّا في بعض الصناعات من الصعب تكراره. فكِّر في أن تكلفة تأجير مكتب في مدينة أوماها أرخص من تكلفة التأجير في حي مانهاتن، [وأنت ما زلت] غير مُقتنع بأن نقل بورصة وول ستريت إلى مكانٍ آخر بمنزلة وسيلة لتخفيض التكاليف. فعندما تَنتقل جميع المصانع إلى هونج كونج وجنوب الصين، سيكون توفير المال هائلًا. أما الآن، فإن الفجوة في تكاليف الانتقال من الساحل إلى المقاطعات الداخلية صغيرة. بعبارة أخرى، لا يزال بإمكاننا توقُّع بقاء مقاطعة جوانجدونج في مركز قوي باعتبارها مركزًا للتصنيع.»

لا يُمكن أن يكون هذا الأمر جيدًا إلا بالنسبة إلى ديوان وتشو تشون، أليس كذلك؟ إذا ظلا يَعملان في مصنع الأحذية، فإنهما سيكسبان أجرًا أكبر بنسبة ٤٠ بالمائة. وإذا أصدر رئيس ديوان أمرًا بانصرافه من العمل والعودة في وقت لاحق، فيُمكنه أن يرفض بفظاظة ويَذهب للبحث عن وظيفة في مصنع آخر في أمسِّ الحاجة للعمالة. أو لعلهما يعثران على وظيفة جديدة بالقرب من قريتهما، وهو ما يَسمح لهما بممارسة مهام الرعاية الأبوية التي يحتاج إليها لي سين والتي لم يستطيعا ممارستها وهما يعيشان في مدينةٍ تبعد آلاف الأميال عن قريتهما.

ولا يُمكننا فعل شيء سوى تخمين ما تبدو عليه حياتهما الآن؛ حيث إنني لا أستطيع التواصل مع ديوان وتشو تشون. لم تعد أرقامهما متاحة وكذلك رقم والد ديوان، جوانج.

•••

«هل بات ديفاني موجود؟»

كنت أقف في مقر شركة ديكرز أوتدور بمدينة جوليتا، في ولاية كاليفورنيا. كان ذلك في ربيع عام ٢٠١١.

قال موظف الاستقبال: «لم يعد يعمل هنا.»

لدقيقة، تمنَّيت سرًّا — في قرارة نفسي — أن يكون باتْ فُصل من العمل بسببي. تمنَّيت أن يكون كتابي قد خرج إلى النور وأن يكون الرئيس التنفيذي قد استدعى باتْ إلى مكتبه. تخيَّلت السيناريو التالي:

قال الرئيس التنفيذي المُتخيل: «أغلق الباب. اجلس. هل تعرف رجلًا يُدعى كيلسي تيمرمان، يا باتْ؟»

ردَّ باتْ قائلًا: «أوه، هل تقصد ذلك الرجل من مسلسل «تشيرز»؟»

قال الرئيس التنفيذي الوهمي: «كلا، أقصد الرجل الوحيد في العالم الذي يُدعى كيلسي.»

رد باتْ قائلًا: «كلا، لا أتذكر أحدًا بهذا الاسم، ولكن اسم كيلسي هو اسم نسائي تمامًا.»

عقب الرئيس التنفيذي المُتخيَّل قائلًا: «اسمك باتْ وهو يحمل معنى الرفق!» ثم سادت لحظة صمت ليدفع الرئيس التنفيذي بعدها نسخة من كتابي عبر الجهة الأخرى من مكتبه العريض وهو يقول: «باتْ، لقد كنتَ وضيعًا معه وآذيتَ مشاعره بعض الشيء عندما نعتَّه بالكاذب. وأخشى أن أقول لك إن تصرفك خرق سياستنا الخاصة ﺑ «رفض التعامل الوضيع» وقد فُصلت عن العمل على الفور.»

وبعد أن دار هذا السيناريو الوهمي في رأسي، شعرت بالأسى حيال باتْ؛ فهو لديه على الأرجح أسرة كما أنه مدين برهن عقاري. ولقد تأثرَت ولاية كاليفورنيا بشدة بأزمة الفقاعة العقارية. إذن، كيف يتسنى له أن يدفع أقساط الرهن العقاري؟

اتَّضح أن باتْ بخير. في الواقع، لقد ظهر لي مؤخَّرًا على الشريط الجانبي لموقع «لينكد إن» من بين «أشخاص قد تعرفهم». على ما يبدو أنني أعرف ستة أشخاص يَعرفون شخصًا يعرف باتْ. ضغطت على استعراض صفحته الشخصية وعرفت أنه يعمل الآن لدى شركة ستيلا إنترناشونال هولدينجز ذات المسئولية المحدودة التي دخلت في مشروع مشترك مع ديكرز في عام ٢٠٠٨ — قبل تعيينهم لباتْ مباشرة — لطرح الأحذية ذات الرقبة الطويلة ماركة أوج في السوق الصينية.

ناولت موظَّف الاستقبال كتابي وأنا أقول له: «هلا تعطي هذا إلى جايم؟» جايم كانت بمنزلة جهة اتصال أخرى بالنسبة إليَّ داخل شركة ديكرز.

وبعد مرور بضعة أيام، أرسلت إليَّ جايم رسالة بريد إلكتروني وساعدَتني في التواصل مع مارك هاينتز، مدير قسم المسئولية المؤسسية والاستدامة بالشركة. كان مارك أول شخص يشغل هذا المنصب بالشركة، وأكَّد لي أن تعيينه كان واحدًا من الأشياء الكثيرة التي تغيَّرت منذ زيارتي عام ٢٠٠٧.

وسألته عما إذا كانت شركة ديكرز تودُّ أن ترد على كتابي ردًّا رسميًّا. وجاء الرد كما يلي:

نعتذر عن أي صعوبات واجهتَها أثناء إعدادك لهذا الكتاب. وكما قلتَ، فإن سفر أحد العملاء إلى مصنع ليرى المكان الذي تُصنع فيه أحذيته هي رحلة بحث استثنائية لم نرَها من قبل؛ ولذا لم يكن تجاوُبنا معها كما يَنبغي أن يكون.

قطع برنامج المسئولية المؤسسية الخاص بشركتنا شوطًا طويلًا منذ إصدار الطبعة الأولى لهذا الكتاب. ومنذ عام ٢٠٠٧، أنشأنا قسم المسئولية المؤسسية وعيَّنا مديرًا ليُساعد في إدارة جهودنا نحو تخفيف حدة تأثيرنا الاجتماعي والبيئي. وزِدنا أيضًا من درجة شفافيتنا من خلال نشر قائمة بمَصانعنا وإنشاء موقع إلكتروني للمسئولية المؤسسية؛ حيث يمكنك أن تجد معلومات عن برامج ديكرز المتنوعة.

اقرأ الرد بالكامل على الموقع الإلكتروني: www.kelseytimmerman.com/Deckers. تناول الردُّ الجوانب الثلاثة الرئيسية لبرنامج المسئولية المؤسسية الخاص بشركتهم:
  • (١)

    مصانع عادلة وآمنة: إنهم يُراقبون جميع المورِّدين الأساسيِّين والمصانع التي يتعاملون معها على الأقل مرة واحدة في العام ولديهم إجراءات صارمة للتعامل مع انتهاكات المورِّدين لقواعد السلوك المهني الخاصة بالشركة.

  • (٢)

    الاستقرار البيئي: إنهم يَبذلون جهودًا لتقليل وطأة تأثيرهم على البيئة ومراقبته.

  • (٣)

    المشاركة المجتمعية: لقد تبرَّعوا بمبلغ يُقدر بنحو ٢٫٤ مليون دولار و٢٢٠ ألف حذاء لمنظَّمة خيرية منذ عام ٢٠٠٦.

إنني أُقَدِّر جهود شركة ديكرز للتواصُل معي، ويُعد نشر قائمة مصانعها خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح. هل حسَّنت جهودُهم حياة العُمال؟ ليس لديَّ أدنى فكرة. ولكن ميزان القوى مال قليلًا نحو العُمال في هذه الفترات التي تشهد حالات نقص العمالة.

أودُّ أن أتخيل أنه بمكان ما في مدينة تشونجتشينج أو مدينة جوانزو، تدخل تشو تشون إلى متجر وول مارت، وهي ترتدي حذاءَ أوج ورديَّ اللون اشتراه لها أخي ديوان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤