خاتمة في الأدَب والحضَارة

كنت مشغوفًا بقراءة الأدب العربي القديم وما أزال، ويرجع هذا الشغف إلى أيام كنت طالبًا بالقسم الثانوي، وحين كنت أتلقى الحقوق بمدرسة الحقوق الخديوية، وقد طالعت يومئذ الكثير من أمهات كتب هذا الأدب، وحفظت عن ظهر قلب ما حبب إلى نفسي مدخله. فلما كنت في السنة الأخيرة من دراسة الحقوق بدأت متأثرًا بظروف ليس ها هنا موضع ذكرها أقرأ كتبًا في الأدب الإنجليزي وفي الفلسفة الإنجليزية، ككتاب الأبطال لكارليل، والحرية لجون ستوارت مل، والعدل أحد أجزاء الفلسفة الاجتماعية من كتب سبنسر. إذ ذاك انفسح أمامي من عوامل التفكير ما لم تمهد إليه مطالعاتي العربية، وسافرت من بعد ذلك إلى باريس، وجعلت أدرس اللغة الفرنسية، وأتصل بأدبها، فأخذ إليه من هواي كأشد ما تأخذ حسناء إليها هوى مغرم بها. فأمعنت في قراءة هذا الأدب، وجعلت أحضر من دروسه مثلما كنت أحضر من دروس الحقوق التي كانت مقصدي من سفري لنيل إجازة الدكتوراه فيها، ودفعتني هذه المطالعات المتصلة وما فتحت عليه عيناي من جمال البيئة المحيطة بي إلى الإعجاب غاية الإعجاب بالحضارة الغربية التي تنتج مثل هذه الثمار العذبة الشهية، ولعل أشد ما أعجبني من هذا الأدب روح الثورة الذي يبدو فيه دائم الضرام، وحيوية متوقدة لا تخبو نارها، وأنت تشعر بهذه الثورة الأدبية في كل صور الأدب سواء. فالقصة والأقصوصة والرواية المسرحية وكتب الأدب والفلسفة، تنم كلها عما تضطرم به أرواح كتابها من نشاط دائم لا يستقر ولا يهدأ، وهو كذلك في الكاتب الواحد، وهو أشد من ذلك في الجيل يعقب الجيل. فالشعر الكلاسيك لراسين غيره لكورني، وكلاهما من الذين بعثوا أدب اليونان، وشعر معاصرهما موليير في مهازله ومآسيه ثورة عليهما؛ لأنه ثورة على القديم، بل طليعة الثورة على القديم، وأدب القرن الثامن عشر ثورة على أدب القرن السابع عشر، والقرن التاسع عشر ينسج في أدبه كما ينسج في علمه وفلسفته على طرائق هي الثورة على القرنين اللذين سبقاه جميعًا، وفي كل قرن تتطاحن في الأدب مذاهب وتقتتل آراء، وتقوم بين الأدب والعلم، وبين الأدب والفن، وبين الأدب والفلسفة، ثورات لا يهدأ أوارها، وهذا النشاط المتصل، وهذه الثورة الدائمة الضرام، هما خير ما يقنعك بأن الحياة فكرة قبل أن تكون عملًا، فكرة تسبق العمل وتوجهه سبيله، والحياة في هذه الصورة هي الحضارة الحية القوية التي استلهمت الفن والعلم والأدب وألهمتها، فكانت حضارة العلم والفن والأدب، وكان الأدب من العلم والفن هو الصدى الناطق للحالات النفسية التي يعبر عنها الفن، وهو الفن البديع الاتساق الذي يكسو بآياته قواعد العلم روعة وجمالًا.

ومن أشد ما يلفت النظر في هذا الأدب الفرنسي، وما يشترك معه فيه أدب الغرب كله: دوام الصلة بينه وبين الدين من ناحية، وبينه وبين العلم من ناحية أخرى. فقل أن تجد كاتبًا من كبار الكتاب لم يعرض في واحد أو أكثر من كتبه لمسألة العقيدة أو للمسيحية، سواء عرض لهذه أو تلك بما يملأ قلبه من جلال الإيمان، أو من الثورة على العقيدة أو الدين. فالفردوس المفقود لملتن في الأدب الإنكليزي، والجحيم لدانت في الأدب الإيطالي، وكتب روسو وفولتير في الأدب الفرنسي، هذه وغيرها كلها آثار خالدة في الأدب الديني وفي الأدب المناهض للعقيدة وللدين، وهذه الكتب كلها، سواء منها الديني والمناهض للدين، تطبعها روح الثورة التي أشرنا إليها، وليس في ذلك من عجب؛ فقد كان البعث الأوربي في القرن السادس عشر ثورة من طائفة من رجال الدين على رجال الكنيسة الكاثوليكية، ولوثر وكالفن وكوسوث هم أقطاب هذه الثورة. ثم كانت من بعد ذلك ثورة على هؤلاء، ومحاولات عنيفة لتقويض عمد الكنيسة كلها، وإنما كان ذلك لأن الحضارة الغربية كانت إلى ما قبل البعث وإلى ما بعده بزمن غير قليل خاضعة أسوأ الخضوع لسلطان الكنيسة الديني والزمني. فلما بدأت حركة البعث بدأت متمردة من جانب رجال الدين على زملائهم؛ لأن العقل والعلم والحكم وكل المظاهر الإنسانية كانت محصورة أو تكاد في رجال الدين، وكان واجبًا على من سواهم أن يخضع لهم أو يطرد من الكنيسة، ويكون جزاؤه التعذيب والنكال أشد النكال. فلما بدأت حرية الفكر تأخذ حظها من الحياة بنشر ديكارت كتابه «عن الطريقة»، وأصبح للناس جميعًا أن يناقشوا الكنيسة، وخطا العلم خطواته القوية، كان النزاع على أشده، حتى كان إنكار سلطان الكنيسة بعض ما نادت به الثورة الفرنسية، وحتى تم الفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا في أوائل هذا القرن المتمم العشرين. فلا عجب إذن أن يتأثر الأدب وهو مرآة الحضارة بهذا النضال كله، وأن يكون تصوير حرية الفكر على أنها خصومة الكنيسة بعض ما يعبر عن حقيقة واقعة في هذا النضال العنيف الذي قام في الغرب، والذي عاد اليوم يضطرب في مختلف الدول خيفة أن يتم الصلح بين الكنيسة والدولة.

كان هذا الخوف بعيدًا عن الأذهان في عهد الأدب الكبير الذي أشرنا في تقديم هذا الكتاب إليه؛ لذلك لم يفطن كثيرون من المصريين ومن الشرقيين الذين أتموا دراساتهم في أوربا إلى الأسباب التي أدت بالأدب الغربي إلى أن يطبعه هذا النضال بين الكنيسة والدولة، وبين الحضارة الدينية والحضارة المدنية، مما أدى بأوجست كومت إلى أن يقرر قانونه عن الحالات الإنسانية الثلاث — التيولوجية (اللاهوتية) والمتافيزيقية (التجريدية) والوضعية أو الواقعية — على أنها الحالات التي يمر بها عقل الجماعات البشرية، وكأنها لا يمكن أن تتجاوز أو تتصل، وأدى عدم نجاح دين الطبيعة ودين الإنسانية وما إليهما من مثلهما، مما وضع روسو وكومت، ببرجسن ومدرسته إلى وضع فلسفة «البرجماتيسم» أو الإلهام، وبهذه المذاهب تأثر الأدب الغربي تأثرًا له علته؛ لأن الأدب في اتصاله بالحياة يتصل بالحياة الروحية والعقلية كما يتصل بالطبيعة والحياة المادية، والمصريون والشرقيون الذين لم يفطنوا بما يجب من الدقة إلى هذا الاتصال التاريخي بين الدين والعلم والفلسفة والأدب في الغرب، والذين فتنوا بأدب الغرب، هؤلاء وأولئك خيل إليهم أنهم قديرون على نقل صور الأدب إلى الشرق كما هي. فخيل إليهم أن في الشرق كنيسة ككنيسة الغرب، وأن ما انتهى إليه النضال بين الدولة والكنيسة في الغرب يجب أن يبدءوا عنده حملتهم على هذه الكنيسة الموهومة في الشرق، وخيل إليهم أنه يجب الفصل بين الكنيسة والدولة على نحو ما حدث في فرنسا، وأعترف أن خواطر كهذه جالت بنفسي في أوقات متفاوتة. لكني إذ فكرت وفكرت، رأيت تاريخ الحضارة في الشرق غير تاريخها في الغرب، ورأيت الحضارة الإسلامية لا تعرف شيئًا اسمه الكنيسة؛ لأن الإسلام لا يقرأ الاعتراف ولا يقر سلطة القساوسة ورجال الدين، وإنما يقرر: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ولست أدري: أفطن الغرب إلى ما لمركزه السياسي في الشرق من مصلحة في قيام هذه الحركة الجديدة التي سماها بعض كبار أساتذة الجامعات الأوروبية «تغريب الشرق»؟ أم قد خيل إليه أن حياة الشرق كحياة الغرب، وأن رسالة الغرب التي ألقتها الحضارة على عاتقه إنما تكون بهذا «التغريب»، للشرق حتى ينسى تاريخه وينكر ماضيه.

ولا أحسبني أمل القارئ إذا أنا كررت في هذه الخاتمة ما قدمت في فصول الأدب القومي وفي أكثر فصول هذا الكتاب من أن بعث حضارة الشرق يجب أن يكون بإحيائها من سبيل بحثها على الطرائق الحديثة، لا بالتكديس على أكفانها من صفائح الغرب المستعارة ما يزيد في جمودها وتكلسها تكلسًا يحاول أبناؤها إزالته عنها، وهذا الإحياء إنما يكون بتعاون العلم والأدب: العلم الذي ينقب ويمحص ويجلو الغامض، والأدب الذي يلقي الضياء الشفاف على ما يكشف العلم عنه ضياء تسعده موسيقى اللفظ العذب والأسلوب الممتلئ بذاتية صاحبه وبحياته. سنكون مدينين في هذا الإحياء لطرائق العلم الغربية الحديثة، ويجب علينا لذلك أن نقر لهذه الطرائق بالفضل. لكنني أحسبني لا أغلو إذ أنا ذكرت أنا إذا اقتحمنا هذه السبيل فسنجد في علم الشرق وحضارته طرائق أخرى قد تعاون طرائق الغرب العلمية الحديثة، وقد تتفق على الأقل معها، وقد اتفق لي أن كنت أطالع في كتاب بالإنجليزية عن تاريخ الكيمياء، فكانت دهشتي عظيمة وأنا أقرأ في تاريخ الكيمياء عند العرب حين عثرت على نصوص عربية منقولة ترجمتها تتحدث بنفس اللغة التي يتحدث بها العلم الحديث عن طرائقه. فالملاحظة والتجربة والتبويب والمقارنة واستنباط القوانين من ذلك كله، كان مما آمن به العرب في علمهم إيمان الغرب به في علمه، وأذكر أن هذه النصوص العربية ترجع إلى القرن الرابع أو الخامس الهجري، على حين لم تصبح موضع إيمان الغرب إلا في القرون الأخيرة. على أنه يجب عليّ أن أعترف بأن ما وقفت عليه من قراءاتي العربية لم يهدني إلى هذا الفصل الدقيق بين العلم والدين على ما أراد مؤلفو الغرب من أنصار المذهب الواقعي «البوزيتيفزم»، ومع ما يجد الإنسان في مذاهب الفلسفة العربية من التشكك واللا أدرية والإلحاد فإنه، في حدود ما قرأت، لا يجد هذا التفريق الصريح بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن معرفته (The Knowable and the Unknowable) مما قدم به هربرت سبنسر لفلسفته التوفيقية. أفيرجع ذلك إلى ما فرق تاريخ المسيحية بين الكنيسة والعلم تفريقًا وقف العلم موقف الخصومة من الدين، على حين لم يكن من ذلك شيء في تاريخ الحضارة الإسلامية؟ قد يكون هذا. فقد رأينا من خلفاء محمد — عليه السلام — من يجعل المناقشة في القرآن: أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ موضع رعايته وعطفه، وقد رأينا المذاهب الإسلامية يقوم بعضها في أثر بعض بأئمتها وكبار الفقهاء فيها، ويختلف بعضها مع بعض، بل يختلف التلاميذ مع الأئمة، كاختلاف أبي يوسف ومحمد مع أبي حنيفة، ومع ذلك لم يقل أحد بسلطان مطلق للخليفة في شلح المسلمين وطردهم من الكنيسة. صحيح أن صورًا مختلفة من النضال الديني كانت تقوم، وعنها كانت تنشأ انقلابات سياسية جليلة الخطر، وبسببها تطورت الحضارة الإسلامية مما كانت أول خروجها من بلاد العرب إلى ما صارت إليه بعد اتصالها بالفرس والمصريين والأندلس وغيرهم، لكنها ونظمها وحركاتها سلكت سبيلًا تختلف اختلافًا جوهريًّا عما سلكت المسيحية وكنائسها.

إذا أردنا إحياء حضارة الشرق من جديد بتعاون العلم والأدب، فلا مفر لنا من إحياء هذه التطورات وتاريخها، من شق الطريق في غيابات الماضي الخفي اليوم على أكثرنا، بل علينا جميعًا، لنعيد بذلك بعث هذا الماضي والروح الذي كان يحركه، فنعيد كذلك بعث روحنا نحن، روحنا القومي في مصر، وروحنا المصري في اتصاله بفلسطين وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس وسائر البلاد التي اتصلنا بها وخضعت وإيانا في أية حقبة من حقب التاريخ لمصير مشترك، لتكن الحضارة التي تقوم على أساس هذا الإحياء حضارة إسلامية كما أعتقد، أو حضارة عربية كما يريد البعض، أو حضارة شرقية متصلة بحضارة فارس والهند؛ كل ذلك قليل الأثر عند من يريد إحياء هذه الحضارة العظيمة، ولا يريد التلاعب بالألفاظ لغاياتٍ سياسية أو غير سياسية.

ولا مفر للأدب العربي من أن يسهم بنصيب عظيم في هذا الإحياء، ولا مفر له من أن يوجه؛ فكثيرًا ما يسبق الأدب العلم في بعث الحضارات، وقد لا يخطئ كثيرًا من يقول إن الأدب كان دائمًا أسبق من العلم في هذه السبيل. فالحضارة لم تكن يومًا ما مذهبًا منطقيًّا يقيمه العقل وحده، وإنما هي مجموع مطامح الحياة إلى المثل الأعلى الذي ترجو الجماعة بلوغه، وهي إلى جانب ذلك تصور الجماعة الإنسانية لصلتها بالوجود في مجموعه صلة تنتسب للماضي وتنفذ إلى أعماق المستقبل، والمثل الأعلى ومطامح الحياة نحوه وصلة الجماعة بالوجود، هذه كلها تمتزج بها ولا تنفصل عن وحدتها عناصر من الإيمان والعقيدة ومن الحياة النفسية المتأثرة بوراثة الماضي وبمختلف عناصر الوجود مما يدخل بعضه فيما سماه سبنسر «ما لا يكن معرفته»، وما يدخل بعضه الآخر في دائرة الإلهام العريق النسب بالأدب والمحتاج إلى زمن لا يعرف أحد مداه؛ ليكون أوثق بالعلم نسبًا، وإن أنت أردت فارجع في تحقيق ذلك إلى مختلف الحضارات التي تعرف: ارجع إلى الحضارة اليونانية، وإلى الحضارة الإسلامية، وإلى الحضارة الغربية الحديثة، تجد الأدب دائمًا سباقًا إلى اقتحام الميادين التي هيأت لهذه الحضارات بروزها، وإلى شق السبل التي يسرت بلوغ الحضارات هذه الميادين، وقد ظل ذلك شأن الأدب في صلته بتلك الحضارات أجيالًا متعاقبة حتى جاء العلم بخطاه البطيئة الأكيدة يستصفي من هذه السبل ومن هذه الميادين خلاصة القوانين العامة التي توجه الإنسانية وتوجه الحياة، وإذا كان العلم قد نفى في كثير من الأحايين ما أثبت الأدب، فقد ظل ما نفى العلم من آثار الأدب متوقدًا ملتهبًا يصهر في بوتقة العلم حتى أطفأ العلم شعلته. فإذا قيل بعد ذلك أن هذا الأدب قد قضى العلم عليه فهو إنما قضى عليه بعد أن أدى للعلم والحضارة مدى أجيال متعاقبة رسالة الأدب، وهو من بعد إنما يخضع في ذلك من قوانين الحياة لما يخضع له العلم نفسه، فكثيرًا ما أثبت العلم في عصر من العصور قواعد وقوانين، ثم جاء العلم في عصر آخر فحطم هذه القواعد وزيف هذه القوانين.

ليقتحم أدبنا إذن ماضينا، وليقتحم هذا الماضي بأدوات البحث الأدبي وبأساليب الكتابة الحاضرة، وليقتحم هذه الميادين حرًّا طليقًا غير هياب ولا متردد، وليقتحمها بروح الثورة التي اقتحم بها الأدب الغربي تراث اليونان وروما وتراث الكنيسة من بعدهما، وبروح الثورة التي اقتحم بها الأدب العربي تراث فارس ومصر واليونان، وليقلب في هذا الماضي ما شاء له التقليب والتنقيب بروح النقد والتمحيص والحرص على الحق لوجه الحق وحده، الحق في أسمى صوره التي تلتمس الإنسانية على الأجيال فتكاد تلمسه أحيانًا حين يكشف عنه أنبياء الإنسانية وشعراؤها وكتابها، ثم لا يلبث أن يفلت من يدها لأول ما تغريها المادة وتلهيها عن جادة هذا الحق الصحيح، والحق الصحيح؛ الحق الذي تقوم الحضارات على أساسه، والذي يدعمه الأدب على أسنة أقلام كبار الموهوبين من الكتاب، وهو الحق في صلة الإنسان بالوجود كله: بهذه الأفلاك التي نرى، وبهذه السماوات التي تغمرها، وبالروح الفياض بالضياء، والذي يحيط بذلك كله ويبعث إليه الحياة والنور، هذا الروح الذي لا نور ولا حياة ولا وجود من دونه، وصلة الإنسان بالوجود وبهذا الروح الذي ينتظم الوجود جميعًا، هي الحقيقة العليا التي يجب أن تكون مطمح كل باحث وكل كاتب، وأن تكون رسالة كل أدب يطمع في أن تقوم على أساسه حضارة سليمة تكفل للإنسانية المجد والسعادة.

الأدب الذي يسمو بالنفس إلى هذه المعاني العليا، والذي يرتفع بها لتتصل بالوجود كله، يجعلها تلمس حقيقة الوجود كاملة، حقيقة هذا الروح العظيم الذي تعنو له الحياة، والذي تستمد منه كل حقيقة وجودها. هذا الأدب هو الذي يقيم الحضارات السليمة الصحيحة، وإحياء هذا الأدب يجب أن نلتمسه في ماضينا: في هذا الأمس العظيم الذي يفاخر به الشرق القديم تاريخ الإنسانية جميعًا، والذي يدعونا إلى أن نقيم عليه حضارة الشرق الجديد.

أترى آن الوقت الذي يقوم فيه شبابنا بهذا العمل المجيد؟ بذلك أناديه، فهل بلغت النداء؟ …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤