رباعيات عمر الخيام

مترجمة عن الفارسية

القسم الأول: في «الخمرة» على البحر الذي استعمله الخيام نفسه

(١)

إنَّما الفُلْكُ١ قَصْدُهُ كلُّ سُوءٍ
بِكِلَيْنَا، مُبَدِّدًا رُوحَيْنا
فارقَأ العُشْبَ واشرَبِ الخمرَ واغنمْ
قبلَ يومٍ يَنْمُو على تُرْبَيْنا

(٢)

تَعْدِلُ الكَأسُ ألفَ قلبٍ ودِينِ
وتُسَاوِي جميعَ مُلْكِ الصِّينِ
ليس في الأرضِ أيُّ مُرٍ يُسَامي
ألفَ حُلْوٍ سوَى الشَّرَابِ الثَّمينِ!

(٣)

انْظُرِ الكأسَ فَهْيَ حُبْلَى برُوحٍ
تُشْبِهُ الياسَمينَ في حَمْلِ وَرْدِ
بل مِن اللطْفِ قد تَبَدَّتْ كماءٍ
ضَمَّ في نَفْسِه مُذَابًا لِوَقْدِ!

(٤)

سوف أضْفُو على المُحَيا الجميلِ
ما استطعتُ النَّعيمَ في قرْب نَهْرِ
حَيْثُ زَهْرٌ وخمرةٌ أحتسيها
مِثْلَ عَهْدٍ مَضَى وعَهْدٍ سَيَجْرِي

(٥)

عادتي أَشْرَبُ السُّلافَ فأَلْهُو
ثم دِيني نِسْيانُ كُفْر ودِينِ
وخَطَبْتُ الدُّنيا العَرُوس فقالتْ
«ما صَداقي إلَّا هَوَى المفتونِ!»

(٦)

طابَ رَهْني بالدَّنِّ ثَوْبَ صلاحِي
وتَيَمَّمْتُ مِنْ ثَرَى الحاناتِ
راجيًا أنْ أَرَى لَدَيْها ببابٍ
ضائعًا في مَدَارِسٍ مِنْ حياتي!

(٧)

أنا لا أستطيعُ عَيْشًا بِعِبْء
هو جِسْمِي بغير راحٍ تَشِيعُ
ما أَلذَّ الأوانَ إذْ يُقْبلُ السَّا
قي بِكَأْس أُخْرَى فلا أستطيعُ!

(٨)

إنَّما الأصْلَحُ السُّرورُ بكأْسٍ
مِنْ حُمَيَّا، لا ذِكْرُ ما قد يكونْ
أوْ بما كانَ، بل نُحَرِّرُ أروا
حًا مِن العَقْلِ في قُيودِ السُّجُونْ

(٩)

إنْ سكَبْتَ السُّلافَ فَوْقَ ثَرى الطَّوْ
دِ تَبَدَّى برَقْصِه بَسَّامَا
والذي ذَمَّها حقيرٌ، فهل تَدْ
عُو إلى الثَّوْبِ وهي تُسْمِي الأنامَا؟!

(١٠)

مُنذُ عَهْدِ السَّماءِ بالبَدْرِ والزُّهـْ
ـرَةِ لم نَلْقَ ما يَفوقُ العُقَارَا
عَجَبي مِمَّنْ يبيعونَها! ما
ذا سَيشْرُونَ ما يَرُدُّ الخَسَارَا؟!

(١١)

لا يَجوزُ الوُضُوءُ في الحانِ إلَّا
بِسُلافٍ، وما أُبالي بِسُمْعَهْ
اسْقِينَها فقد تَمَزَّقَ سَتْرٌ
لعفافي، فليس يَقْبَلُ رَقْعَهْ!

(١٢)

يا رفاقي هَبُوا من الخَمْرِ قُوتَا
وأَحيلُوا وَجْهِي بها ياقوتا
واغسِلُوني بها مَتَى مُتُّ بِرًّا
ومِن الكَرْمِ هيِّئُوا التَّابُوتا!

(١٣)

اشْرَب الرَّاحَ! إنَّ منها بَقَاءً
سَرْمَدِيًّا، وصَفْو ذُخْرِ الشَّبابِ
هو عَهْدٌ لِلْوَرْدِ والصَّحْبِ في سُكـْ
ـرٍ، فَطِبْ بالحياةِ وَقْتَ الشَّرابِ

(١٤)

في مَدَى اليَوْمِ وهو عَهْدُ شبابي
أَشْرَبُ الخَمْرَ ناهِلًا لَذَّاتي
لا تَعيبوا المحمودَ من طَعمِها المـُ
ـرِّ فهذي مَرارةٌ مِنْ حياتي

(١٥)

طالما كنتُ صاحيًا ليس عِندي
طَرَبٌ، والشَّرابُ نَقْصٌ لِفِكْري
غيرَ أني أَرَى التوسُّطَ حالًا
بَيْنَ صَحْوٍ وسَكرةٍ أُنْسَ عُمري

(١٦)

نالَ سَمْعي في الحانِ فَجْرًا مُنادٍ:
«يا ظريفًا بنا المدلَّهَ أَمْسَى
قُمْ وبادرْ لِلْكَأْسِ مَلْآى فَتَحْظَى
قبْلَ مَنْ يَصْنَعُون طِينكَ كَأْسا!»

(١٧)

ليس لي الفُلْكُ بالمطيع إِذا لم
أُسْقَ مِنْ راحةِ الحَبيبِ شرابي
قِيلَ: «تُبْ للإِلهِ! قد حانَ تَوْبٌ!»
قُلْتُ: «لكنْ لم يُوحِ ربِّي مَتابي!»

(١٨)

قَبْلَ أن تُمْسِيَ الهُمومُ فَنَاءً
لكَ مُرْهُمْ أَنْ يُتْحِفوكَ بِخَمْرِ
أنْتَ لَسْتَ الإِبريزَ يا أيُّها الجا
هِلُ حتَّى تُعادَ مِنْ بَعْدِ قَبْرِ!

(١٩)

قيلَ لي: «الطَّيبانِ حُورٌ وخُلْدٌ»
قلتُ: «بل طيبُ سائلِ العُنقودِ
ذاكَ مالٌ فخُذْهُ، واترك وعُودًا
حيث أَشْهى الطُّبولِ صوتُ البعيدِ!»

(٢٠)

اغْنَم الوقتَ حيث سوفَ تُوَلِّي
لك رُوحٌ خلفَ الستارِ الإلهي
واشرب الخمْرَ حينما لستَ تَدْري
لكَ مَبْدًا ولا مَآلَ التناهي

(٢١)

إنْ تكن حاذقًا فنفسَكَ حاسِبْ
عَنْ مَدَى ما جَلبْتَ أو ما أَخَذْتا
قلتَ: «لا أحْتسي فعقبايَ موتٌ!»
سوف تمضِي شَرِبْتَ أم قد عَففْتَا!

(٢٢)

إن تكن مَنْ أَبَى مُعاقَرَة الخمـْ
ـرِ، فجانبْ طَعْنًا على شاربيها
وَفَّقَ اللهُ لي المتابَ، ولكنْ
أنتَ جاوزتَ حَدَّ إثْمِ ذويها!

(٢٣)

أيُّها القَلْبُ لستَ كالأذكياءِ
لِمُعَمَّى الألغاز تُدْركُ سِرَّا
فاجعل الأرضَ جَنَّةَ الخمرِ والكا
سِ فلستَ الضَّمينَ مَيْلًا لأُخْرَى

(٢٤)

يا ابنَ دُنيا، ويا ابنَ سَبْعِ سماوا
تٍ إلَامَ التَّفكُّرُ المرُّ فيها؟
اشْرَبِ الخمرَ! كم نَصَحْتُكَ أن تعـْ
ـلَمَ أنْ لا مَعادَ سوفَ يَليها!

(٢٥)

ليتَ شِعْري! متى أَفُضُّ اكتئابي
بسؤالي عن ائتناسِي وذُخْري؟
املأ الكأْسَ! إِنَّني لستُ أَدري
أتنالُ الحياةُ زفرةَ صَدْرِي!

(٢٦)

جاءَ في ألحانِ ليلَ أمسِ حبيبي
كجزاء لصدْقِ عهدي وحُبي
قال: «خُذْها واشربْ!» فقلتُ: «حرامٌ!»
قال: «فاشربْ — عُدِيتَ — من أَجْلِ قلبي!»

(٢٧)

لا تُضِعْ في المحَالِ رأْسَكَ واشْربْ
مُتْرَعاتِ الكئوس طولَ الليالي
عِشْ بِرَغدٍ مع ابنةِ الكَرْمِ إثْمًا
فهي خيرٌ من أُمِّها في حَلَالِ!

(٢٨)

أَتُقَضِّي الحياة كالعابدِ النَّفـ
ـسَ، وفي الفِكْر في شَئونِ الحياةِ
اشْرَب الخمْرَ فالحياةُ إلى المو
تِ فَدَعْها في السُّكرِ أو في السُّباتِ!

(٢٩)

يا رفاقي! متى اجتمعتم بِأُنسِ
فاذكروا للصديقِ قِسْمَةَ أُنْسِي
وإذا ما حسرتم الخَمْرَ حتَّى
نَوْبَتي فاقْبِلوا هُنالكَ كَأسِي!

(٣٠)

أَشْرَبُ الخَمْرَ في جَدَارةِ حاسٍ
لا يَرَى أنَّه على الشُّرْبِ زلا
كان ربِّي يَدْري قديمًا بحالي
فإذا لم يكنْ فقد شَامَ جَهْلَا

(٣١)

أَشْرَبُ الخمر — لا أَمدُّ يميني
لِسِوَى الكأسِ — في كرامة حِسِّي
أفتَدْرِي لِمَا عَبَدْتُ سَنَاهَا؟
ذاك كيْلَا أَصيرَ عابدَ نفسي!

(٣٢)

إِنْ أبَى الناسُ لي السَّلامَ فما لي
غيرُ حَرْبٍ، وإنْ تَنَلْ مِنْ فَخَارِي
ها هي الخمرُ أرجوانيَّة الكأْ
سِ، وراسُ العفيفِ للأَحجارِ!

(٣٣)

نحن أَتْقَى منكَ يا أيُّها المُفـْ
ـتِي وأَصحَى برغم سُكْرِ الشَّرَابِ!
شاربٌ أنت مِنْ دَمِ الناسِ، لكنْ
مِنْ دَمِ الكَرْمِ شُرْبُنا دُونَ عاب

(٣٤)

عادت السُّحْبُ في بكاءٍ على العُشـْ
ـبِ، وفي الخَمْرِ ما يَرُدُّ شَجَانا
ذاكَ مَرْأًى لنا، فيا ليتَ شِعْرِي
حينما نفتديه مَنْ ذا يَرَانا؟!

(٣٥)

كُنْتُ في حانَةٍ سألتُ عن الما
ضينَ شيخًا مُستغرقًا في الشرابِ
قال: «دَعْهُمْ واشْربْ! فكم من أُناسٍ
مثلنا قد مَضَوْا لغيرِ مآبِ!»

(٣٦)

هُمْ يقولون ثَمَّ جَنَّةُ حُورٍ
شَهْدُها كَوْثرٌ بِخَمْرٍ مَرِيئَه
عاطِنيها على ادِّكارٍ، فكاسٌ
هي عِنْدِي تفوقُ ألفَ نسِيئَه٢

(٣٧)

إنَّ خَيْرًا منْ جَنَّةٍ ووُعودٍ
كأسُ خَمْرٍ في رَوْضَةٍ جَنْبَ ساقِ
فاجْتَنِبْ ذِكْرَها!٣فَمَنْ ذا الذي جَا
ءَ مِنَ الخُلْدِ أو مَضَى لاحتراقِ؟!

(٣٨)

أَيهذا الحبيبُ خُذْ لك إِبْرِيـ
ـقًا وكأسًا، وطُفْ بروضٍ ونَهْرِ
فكثيرًا ما حَوَّلَ الفُلْكُ مِنْ قـَ
ـدٍّ جميلٍ كأسًا وإبريقَ خَمْرِ!

(٣٩)

بِكَ أوْلَى نَبْذُ المعارفِ طُرًّا
فَتَمَثَّلْ بِشَعْرِ حَسْنَاء أُنْسَكْ
وامْلأ الكأسَ مِنْ دِمَاءِ الأباريـ
ـقِ قُبَيْلَ الزَّمَان يُهْرِقُ نَفْسَكْ!

(٤٠)

مُنْذُ مَيَّزْتُ راحتي عن رحيلي
غَلَّ لي الفُلْكُ راحتي فَشَقِيتُ
لَهْفَ نفسي بلا رحيقٍ وحُبٍّ
حين يُحْصَى هذا كَعُمْرٍ حَيِيتُ!

(٤١)

أَسْعِد النَّفْسَ أيُّهذا الحبيب
واشْرَب الخمرَ في ضياءِ البَدْرِ
ليس مِنْ ضامن غدًا، وكثيرًا
سَوفَ يَبْدُو،٤ لكنْ بنا ليس يَدْرِي

(٤٢)

ذاكَ سَيْرُ الحياةِ — قافلةُ العُمـْ
ـرِ — عجيبٌ، فاغنمْ حُبورًا بأَرْضِ
يا نَديمي! ماذا تخافُ مِنَ البَعـْ
ـثِ؟ ألَا هاتِها! فَذَا الليْلُ يَمْضِي

(٤٣)

بَعَثَتْ بالصَّباحِ شمسٌ وأَوْفَى
مَلِكٌ للنَّهارِ في الجامِ صَبَّا
فاشرب الرَّاحَ! ذاكَ صوتُ المنادِي
داويًا، ناصحٌ إلى الدَّهْرِ شُرْبا

(٤٤)

حَرَّمُوا الخمرَ عاجلينَ لأنَّا
سنُلاقى شهْرَ الصيامِ الدَّاني
قلتُ: «أمَّا أنا فسُكْرِي بشعبا
نَ، فأصحُوا في العيدِ، لا رَمضانِ!»

(٤٥)

خُذْ نصيبًا مِنْ مُتْعةِ الدهرِ واطرَبْ
بحُمَيَّا في الكَأْسِ بين يَدَيْكا
غَنِيَ اللهُ عن خُضوعٍ وذَنْبٍ
أَفَتَنْسَى إذَنْ نعيمًا لَدَيْكا؟!

القسم الثاني: في «الكوز»

(٤٦)

قُمْ إِلينا: تَعَالَ! واصْدَعْ بِحُسْنٍ
لكَ ما نَشْتَكِي مِن المُشكِلاتِ
أعْطِني الكُوزَ مِنْ سُلَافٍ فأُرْوَى
قبلما يَصْنَعُونَهُ٥ مِنْ رُفَاتي!

(٤٧)

ذلك الكُوزُ أكان مِثْلِي مُضْنًى
عاشقًا فَرْعَ غادةٍ حسناءِ
حينما العُرْوَة٦ التي هيَ فيهِ
يَدُهُ فَوْقَ هذهِ الجَيْدَاءِ!

(٤٨)

هُوَ جَامٌ أَحَبَّهُ العَقْلُ حَتى
لَثَمَ الرأسَ مِنْهُ مائةَ مَرَّهْ
بعدَ هذا الاتْقانِ يَرْمِي به الكَوَّا
زُ على الأرْضِ حيثُ يُحْدِثُ كَسْرَهْ!

(٤٩)

كُنْتُ بالأمْسِ عند مَصْنَعِ كَوَّا
زٍ وقد لُحْنَ في جُمُوعٍ كِثَار
ولِكُلٍّ سؤالُ صَمْتٍ ونُطْقٍ:
«أينَ ربِّي، وبائعي، والشَّاري!؟»

القسم الثالث: في «التذمر»

(٥٠)

أيها الفلكُ إنما البؤسُ آثا
رٌ لحقدٍ مؤَصَّلٍ مثلِ غدرِكْ
حينما أنتِ أيها الأرضُ تحويـ
ـنَ — إذا ما فُتحتِ — كنزًا بصدركْ

(٥١)

علم اللهُ عندما جعل الطينـ
ـة خلقًا ما سوف يصدر منَّا
ما ذنوبي إذن بغير رضاه!
فلماذا أُسَامُ حَرْقًا وغبنا؟

(٥٢)

كم دماءٍ قد أهرقَ الدهرُ عسفًا
وأزاهيرَ بُعثرتْ بعدَ نَشْرِ
لا يغرَّنكَ الصِّبا وجمالٌ
كم براعيمَ قبلَ نشرٍ لِنَثْرِ

(٥٣)

حينما ركَّبَ الإلهُ الطِّباعَا
كيف لم يَجْعَل الكمالَ مَدَاهَا؟
إنْ يكن خصَّها به فلماذا
هَدَّها؟ أوْ هَوَتْ، فمن ذا بَوَاهَا؟

(٥٤)

جئتُ في مَبْدَئي رفيقَ اضطرابٍ
وحياتي زادتْ كذاك احتياري
قد ذهبنا كالمكرَهين ولا نَدْ
رِي معاني المجيءِ والإِدبار!

(٥٥)

أسَفًا! قد مَضَتْ ذخيرةُ مالٍ
بيدِ الموتِ مُدْمِي الأكْبَادِ
لم يَعُدْ راحلٌ من الخُلْدِ كي يَخـ
ـبرَ عَمَّنْ مَضَوْا لغيرِ مَعَادِ!

(٥٦)

قد ذَهَبْنَا والدهرُ يَعجبُ، لكنْ
ما ثَقَبْنَا من مائةٍ غيرَ دُرَّهْ
فتبقَّى من الدِّقاقِ المَعَاني
كلُّ ألفٍ تَخْشَى لَدَى الحمْقِ ذِكْرَهْ

(٥٧)

لم يَزِدْ نَفْعُ ذلك الفُلْكِ مِنْ عَيـْ
ـشِي، ولا ازداد جاهُه مِنْ ذَهَابي
حين أُذنايَ لم تَنالَا جوابًا
مُعْلِنًا سرَّ مَقْدَمِي وإيابي

(٥٨)

ليتَ شِعري إلامَ أَعرضُ جَهْلي؟
ضاقَ قلبي مِنْ كلِّ هذا السَّقامِ
ليتني كالمجوسِ صاحبُ زُنَّا
رٍ فمِلْئي الحَيَاةُ من إِسلامي

(٥٩)

بين سُكْرٍ من خَمْرَةٍ للْمَجُوسِ
واتِّهامٍ بالكُفْرِ والوَثَنِيَّهْ
كثرتْ حولي الظنونُ، ولكنْ
أنا حُرٌّ ومِلْكُ نَفْسِي الأبيَّهْ

(٦٠)

لو حكمتُ الأفلاكَ في قُوَّةِ اللهِ
لَهَدَّمْتُها، وأنشأتُ أُخْرَى
كي ينال الإنسانُ فيها الذي را
مَ قريرًا وما تمنَّاهُ دَهْرَا

(٦١)

لن ينال الإنسانُ في هذه الدُّنـ
ـيا سِوَى الهَمِّ والعذابِ وُجُودَا
فهنيئًا لمن يُعجِّلُ عنها
في رحيلٍ أم لم يَجِئ مَوْلُودَا

(٦٢)

مِثْلَ خَدِّ الحسْنَاءِ أشرقتَ يا ور
دُ، ويا خمرُ طبتِ لي ياقوتا
حينما أنتَ أيُّها الحظُّ لي خَصـْ
ـمٌ وإِنْ تَدَّعِ الوَفا مَمْقُوتا

(٦٣)

أيُّها الفُلْكُ لستُ من دَوَرَاتِكْ
مُنعمًا، فانطلقْ — ودعْني — لِحَالِكْ
لستُ أهلًا للقيدِ، لكن إذا كنـ
ـتَ تُحِبُّ الحَمْقَى فحالِي كذلِكْ

(٦٤)

علمَ اللهُ لست بالفلسفيِّ
ذاك زَعْمٌ لِلْخَصْمِ غيرُ مُوَاتِ
هل كثيرٌ إذا وُجِدْتُ بدنيا
مِحْنَةٍ فاجتهدتُ أعرفُ ذاتي؟

(٦٥)

رغمَ ما لي من حُسْنِ لَوْنٍ وعَرْف
مُسْتَطَابٍ ومن مُحيَّا «الشَّقِيقِ»
وقوامٍ كالسَّرْوِ، ما زلتُ لا أَدْ
ري مَرَامَ النقَّاشِ من تَزويقي!

(٦٦)

ليتَ مَثْوًى لنا نَرَى عنده الرا
حةَ أو غايةَ الطريقِ البعيدِ
ليتنا نأملُ المَعادَ كعُشْبٍ
نابتٍ بعد ألفِ قرنٍ جديدِ!

(٦٧)

إنَّ هذي الأفلاكَ في وضعِنَا تُعـْ
ـطِي لنا الهَمَّ بعدَ نهبٍ جرىءْ
ولوَ انَّ الذينَ لم يَقْدُموا بَعـْ
ـدُ دَرَوْا بُؤْسَنَا لعافوا المجيء

(٦٨)

هَمَسَ الوردُ: «ليس وجهٌ كوجهي
في جمالٍ فاستقطرُوه بِظلْمِي»
فأجابَ الهَزارُ: «مَنْ ذا الذي فا
تَ بكاءَ الشهورِ من ضَحْكِ يَوْمِ؟»

(٦٩)

لهفي! قد طوى مَهاد الشَّبابِ
وربيعُ السُّرورِ أَمْسَى شِتاءَ
لستُ أدري متى مَضَى ذلك الطا
ئرُ — طيرُ الشبابِ — أو حِينَ جاءَ؟!

(٧٠)

انْظُر القصرَ — حيث (جمشيدُ) بالأمـ
ـسِ قريرٌ بكأسه — صار قَفْرَا
بل مآلُ الوحوشِ، وانظرْ «لِبَهْرَا
مَ» الذي صادَهَا فقد صِيدَ قَبْرَا!

(٧١)

ما أصابَ الإنسانُ في هذه الدنـ
ـيا ذاتِ البابيْن إلا المُصابا
فهنيئًا لمن قَضَى — لم يَعِشْ سا
عَة عُمْرٍ، أو لم تَلِدهْ — فغابا

(٧٢)

قد أتينا إلى الوجودِ أخيرًا
وانْحَطَطْنا عن رُتبةِ الإنسانِ
قد سَئِمْنا عُمْرًا بغيرِ هوانا
ليتَه يَنْقَضِي بغيرِ توانِ

(٧٣)

أيُّ نفعٍ من المجيءِ وَعَوْدٍ؟
ما سُدَى خَيْط عُمْرِنا في الزَّمانِ؟
كم تَلَظَّتْ بلا دُخانٍ عزيزا
تُ رءوسٍ، وَأَرْجُلٍ للحِسَانِ!

(٧٤)

أيُّها الفُلْكُ أنتَ في كُلِّ وقْتٍ
هاتكٌ لِلسُّرورِ بي جِلبابا
كم جَعَلْتَ النَّسيمَ نارًا لقلبي
وجعلتَ النميرَ عِنْدِي تُرابا!

القسم الرابع: في «العظمة والأخلاق»

(٧٥)

كان قبلي وقبلك الليلُ والنو
رُ ولِلْفُلكِ كان في الجري مَرْمَى
خفِّف الوطءَ! إنَّ ما أنتَ تمشي
فوقَه كان عينَ حسناء قِدْمَا!

(٧٦)

تركتْني أيامُ عمري القِصارُ
مثلَ ماءِ الوادي وريحِ الفَلاةِ
لست أُعْنَى باثنيْن يوم تَقَضَّى
وأخوه الذي قريبًا سَيَاتِي

(٧٧)

الغريبُ الوفيُّ عندي قريبٌ
والقريبُ النَّفورُ عنديَ خَصْمِي
وإذا السُّمُّ راقني كان دِريا
قًا، وكان الدرياقُ في الكُرْهِ سُمِّي!

(٧٨)

إنما الحسنُ أن تُعامِلَ بالحُسـْ
ـنَى سواءً مُجَانِبًا ورَفِيقا
إنْ خذلتَ الصديقَ صار عَدُوًّا
أو خَدَمْتَ العَدُوَّ صار صَدِيقا

(٧٩)

أيها القلبُ هبْ جميعَ مُنَى الدُّنـْ
ـيا توالَتْ لديكَ في أفراحِ
أنت كالطلِّ فوقَ عُشْبٍ نضيرٍ
فارقَ العُشْبَ في انبلاجِ الصَّبَاحِ

(٨٠)

لا تَسَلْ عن شئون عهدٍ سيأتي
لا، ولا عن مُصابِه فهو فانِ
فاغنم الساعةَ التي أنتَ فيها
واترك الفكرَ في بعيدٍ ودانِ

(٨١)

فوقَ بُسْطِ النُّوابِ أبْصِرُ أقوا
مًا رُقودًا وتحتَه مُخْتَفِينا
وأرَى — كلَّما تأمَّلْتُ صحرا
ءَ الغناءِ — الغادينَ والرَّائحينا

(٨٢)

لا تَضَع في الفؤادِ أحزانَ دُنيا
لزوالٍ، وطِبْ بصفوٍ لدَيْكا
إنْ يكن طبعُها الوفاءَ لَما با
نتْ عن الآخرينَ نقلًا إليكا

(٨٣)

أَفَلَسْتَ الخَجُولَ من ذلك الطَّيـْ
ـشِ ومِنْ نَبْذِ كُلِّ أمرٍ لخَيْرِكْ
هَبْ ملكتَ الدنيا العريضةَ جَمْعًا
هل مآلٌ سوى افتراقٍ كغيرِكْ؟!

(٨٤)

هَبْ جميعَ الدنيا جَرَتْ مثلما تَهـْ
ـوَى، فما بعدُ؟ ثم ما بَعْدَ عُمْرِكْ؟
هَبْ حياةً تَعيشُها طُولَ قرنٍ
في نعيمٍ، فما الذي بَعْدَ يُسْرِكْ؟

(٨٥)

كُلُّ ما ظُنَّ ذَرَّةً مِنْ تُرابٍ
كان جُزْءًا من وجهِ حسناءَ رُودِ
فَبِرِفْقٍ إذَنْ أَزِلْ ما تَرَاهُ
مِنْ غُبار بوجهِ حُسْنٍ جديدِ!

(٨٦)

انظر الوردَ مَزَّقَتْ ذيلَه الرِّيـ
ـحُ وغَنَّى الهَزَار صَفْوًا بِحُسْنِهْ
وبظلٍّ له تَمَتَّعْ فكم فا
رقَ هذا الثرَى وعادَ لِدَفْنِهْ!

(٨٧)

القُدَامَى والمُحْدَثونَ سواءٌ
كلُّ آتٍ له بدور ذَهابُ
لن تَدُومَ الدُّنيا لِفَرْدٍ، فكم جا
ءُوا وغابوا، وبَعْدُ جاءوا وغابُوا!

(٨٨)

كم إلى العطْرِ أنْتَ تصبو وللوْ
نِ، وخلفَ القبيحِ والحُسْنِ تَعْدُو!
سوف تَمْضِي في باطنِ الأرضِ حتى
إن تكنْ للحياةِ ماءً يُوَدُّ

(٨٩)

يا فؤادي قد غَمَّكَ الدهرُ بينا
هذه الرُّوحُ سوفَ تَمْضِي لِرَبِّكْ
فارقا العُشْبَ ناعمًا بعضَ أيا
م عليه مِنْ قَبْلِ نَبْتٍ بِتوْبكْ!

(٩٠)

قد يُسَاوِي محقِّقٌ بين حُسْنٍ
وسِواهُ وبين خُلْدٍ ونارِ
مِثْلَ مَيْتٍ سَاوَى ثمينًا بِبَخْسٍ
ومُحِبٍّ غافٍ على الأحجارِ!

(٩١)

لا تَضُرَّنَّ ما استطعتَ بإنسا
نٍ، ولا تُجْلِس امرءًا فوقَ نارِكْ
وإذا شئتَ دائمَ السَّلْمِ فَلْتَقـْ
ـبَلْ أَذَى الناسِ لا أذاةً لجارِكْ

(٩٢)

ليس فيما أَحْرَزْتَ شيءٌ، ولا نَقـْ
ـصٌ ولا صَدْعَ في مَدَى المفقودِ
لكَ أن تَفْرِضَ الوجودَ فناءً
وكذاكَ المعدومُ كالموجودِ

(٩٣)

أو تَدري لما يَنوحُ لك الديـ
ـك دءوبًا في فجرِ كلِّ صباحِ؟
هو يُنْبِيك أنَّ ليلةَ عمر
لك ولَّتْ ولستَ في وَعْيِ صاحيِ

(٩٤)

كان قبلًا دمًا لأهلِ عُرُوشِ
نَثْرُ هذا «الشقيقِ» في الصَّحْرَاءِ
وكذا تتقي «بنفسجةُ» الرَّوْ
ضِ لخالٍ في وجنةِ الحَسْنَاءِ

(٩٥)

كنْ حِمارًا معَ الذين لجهلٍ
يدَّعون انفِرَادَهُمْ بالعلومِ
كلُّ مَنْ لم يكنْ حِمارًا عظيمًا
مِثْلَهم حمَّلوه كُفْرَ الأثيمِ!

(٩٦)

قَسَّمَ الرزقَ عادلًا خالقُ النا
س إلى ذرَّةٍ بِدَقَّةِ وَازِنْ
فاسْتَرِحْ من جميع ما هو فَانٍ
وتحرَّرْ من كلِّ ما هو كائنْ!

(٩٧)

بعد موتٍ يَبْنُون آجُرَّتَيْنِ
كانَتَا مِثْلَنَا لِقَبْرِي وقَبْرِكْ
ثم يَغْدُو ترَابُنا آجرًا آ
خرَ يُبْنَى لقبرِ غيرِي وغيرِكْ!

القسم الخامس: في «الحكمة والشك»

(٩٨)

لا تَقُلْ في السَّماءِ أصْلٌ لخيْر
ولِشَرٍّ، وأَصْلُ بِشَرٍّ وحَسْرَهْ
إنَّ هذا القضاءَ أعجزُ حَقًّا
مِن قُصُورٍ خَبرتَهُ ألفَ مَرَّهْ!

(٩٩)

لو دَرَى المرءُ سِرَّ هذي الحياةِ
لغدا عارفًا بما بَعْدَ فَوْتِ
فإذا كنتَ رَغْمَ صُحْبَتِكَ النَّفـْ
ـس جَهُولًا بها فكيفَ بِموْتِ؟!

(١٠٠)

هؤلاء الذين عُدُّوا بعرفا
نٍ مَصابيحَ لِلهُدَى قد هَامُوا
ما استطاعوا الخُرُوجَ مِنْ بُهْمَةِ الليـْ
ـلِ فَفَضُّوا حديثَهم ثُمَّ نَامُوا!

(١٠١)

إنَّما العَقْلُ صاحبُ الرُّشْدِ لِلْخَيـْ
ـرِ يُنادي في اليومِ مائةَ مرَّهْ
فاغنم الوقْتَ، ليس مِثْلُكَ كالسكُوْ
راثِ ينمو برغمِ حصد لِنَفْرَهْ

(١٠٢)

كم تَمادَوْا لِعْبًا بهذا التُّرابِ
وأخيرًا قد أَنجزوا تَصْوِيرِي
أنا لن أستحيلَ أفضلَ مِنِّي
حيث أُفْرِغْتُ هكذا مِنْ كُورِي!

(١٠٣)

بين دينٍ ومَذْهَب فِكْرُ قَوْمٍ
حينما غَيْرُهمْ حَيَارَى فَضَلُّوا
وإذا صائحٌ تَجلَّى يُنادِي
يا حيارَى! كِلا الطَّرِيقَينِ جُهلُ!

(١٠٤)

أنتَ مِثْلي في الجهل بالأزلِ المَخـْ
ـفيِّ عنِّي وعنكَ سرًّا ولُغْزا
ما قرأناه، بلى ولو رُفِعَ السَّتـْ
ـر لَغِبْنا ولم نُصِبْ منه مَغْزَى

(١٠٥)

نحنُ مَنْ نَشْتَرِي كِلا الخَمرَتيْنِ
وبِبَعْضِ الشَّعِيرِ بِعنا الخُلُودْ!
عن ذَهابي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي سَأَلتَ
هاتِ لي الخَمْرَ وامْضِ حيث تُرِيدْ!

(١٠٦)

لا ابتداءٌ ولا انتهاءٌ لِذِي الدا
ئرة الكُبْرَى جَيئنا والذَّهَابْ
ما أصابتْ أُذنايَ من أحدٍ ذِكـْ
ـرًا لِمَبْدًا لنا ولا للإِيابْ

(١٠٧)

ما عَرَفْنا مَبْدًا لِدَوْرَةِ هذا الـ
ـكوْنِ بالعقلِ وهو عَوْن القيَاسْ
لا ولا غاية الخَرَابِ المُوافِي
لِبنَاءٍ له متينِ الأساسْ

(١٠٨)

إنَّ تلكَ النُّجومَ مَنْ زانت الفلـ
ـك مرارًا أتَتْ وراحَتْ وباءَتْ
وبِذَيْلِ السَّماءِ في جَيْبِ ذي الأَرْ
ضِ شعوبٌ كذاكَ ماتَتْ وجاءتْ!

(١٠٩)

إنَّ من أحسنوا التَّفَهُّمَ قالوا
في جَلالِ الإلهِ قولًا كثيرَا
ما دَرَى واحدٌ حقيقةَ سِرٍّ
لَغَطُوا أوَّلًا وأغفوْا أخيرا!

(١١٠)

هم يقولون ثَمَّ جَنَّة خَمْرٍ
وشهادٍ ودار حُورٍ عَجيبَهْ
فَدَعُونا إذَنْ لِنعْبد جَهْرًا
دُونَ لَوْمٍ خَمْرًا لنا وحَبيبَهْ

(١١١)

قَدْ دَعَا لِلْقرِارِ مما سَبَاني
يَزْجُرُ النفسَ حينما يَغْوِيها
كان مِثْلَ الذي يقول: اقلب الكأ
سَ وحاذرْ سَكْبَ الذي هو فِيها!

(١١٢)

كُنْتَ عن ذلكَ المجازِ بِنَقْشٍ
تَسْأَلُ الشَّرْحَ حين ذاكَ يطولُ
إنما كان مِثلَ فُقَّاعَةٍ تَبـْ
ـدُو بوجهٍ لِلْبَحْرِ ثمَّ تَحُولُ!

القسم السادس: في «العشق»

(١١٣)

هو عُنوانُ دَفْتَرٍ للمعاني
لشبابٍ وبيتُ شِعْرٍ حَكاه
أيُّها الجاهلُ الذي ما دَرَى العِشـْ
ـقَ تعلَّمْ فما الحياةُ سِوَاهُ!

(١١٤)

في مَشِيبي قد صادَني عِشْقُكَ السا
حرُ حَتَّى أخذتُ كأسَ المُدَامِ!
يا حبيبي سَلبتَ توبةَ عقلي
مثلَ صَبْوٍ أَبْلَتْ يدُ الأيَّامِ

(١١٥)

خَبَرٌ إن سَمَحْتَ قلتُ، وإنِّي
أُوجزُ القولَ عنه في لَفْظَتَيْنِ
سوف أمضي إلى الترابِ وعِشْقِي
وإذا ما بُعِثْتَ عادَ وكَوْني!

القسم السابع: «فيما خاطب به الله»

(١١٦)

أنا دومًا والنفسُ في حربِ آلا
مي وحزني الدفين من أعمالي
هَبْك كُنْتَ الكريمَ عَفْوًا، فَهَمِّي
بحيائي مما رأيتَ حيالي

(١١٧)

قلت لا بُدَّ من عذابكَ! لكنْ
لم تَزِدْ خَشيتي ولا تَنْبِيهي
ما مكانٌ حَلَلْتَ فيه عذابٌ
ثم أين المكانُ لم تَحْيَ فيهِ؟!

(١١٨)

أنا ذاك العبْدُ العَصِيُّ فأين الصـَّ
ـفْحُ؟ قلبي الدَّاجي فأين الضِّياءُ؟
إنْ تَهَبْنا بالطَّاعةِ الخُلْدَ كالبيـْ
ـعِ فأين النَّدَى وأينَ العطاءُ؟

(١١٩)

أَنتَ كوَّنْتَني من الماءِ والطِّيـ
ـنِ كما قد غَزَلْتَ صُوفَةَ عَقْلِي
وكتبتَ الذي علينا من الحَظ
فماذا يكون تأثيرُ فِعْلِي؟

(١٢٠)

أين ذاكَ الذي تُرَى عاشَ مَعْصو
مًا من الذنب لا يُدنِّسُ كونَكْ؟
إنْ تكن من يُكافئُ السُّوءَ بالسو
ءِ فما الفرقُ ثَمَّ بَيْنِي وبَيْنَكْ؟!

(١٢١)

كم وَضَعْتَ الأشْوَاكَ مِلْءَ طريقي
ثم أعلنتَ في مَسيرِي هلاكي
أنتَ ملءُ الوجودِ ذو جبروتٍ
قاهرٍ ثم تَدَّعي إِشراكي

(١٢٢)

إنَّ إثباتَكَ المُحَال لِعَقْلِي
فالمُناجاةُ مُنْتَهَى إثباتِكْ
لستُ أدري ما كُنْهُ ذاتِكَ حَقًّا
ليس إِلَّاكَ عارفٌ كُنْه ذاتِكْ

(١٢٣)

إنْ أكن ذلك المُقَصِّرَ في الطَّا
عَةِ والوَجْهِ في غُبارِ التَّدَنِّي
فأنا مِنْ نَداكَ لستُ بيأسٍ
حينما الفَرْدُ لم أَصِفْه اثنيْنِ

(١٢٤)

ذاكَ صَدْرِي فارحَمْهُ من أَلَمٍ فا
ضَ، وقلبي الموثوقَ هَمًّا بنفسي
ثم رِجْلي التي تَمَشَّتْ إلى الحا
نِ، وأيضًا يدًا تغالتْ بكأسِ

(١٢٥)

لاجتلاءِ الذي وراءَ السِّتارِ
كم نُفوسٍ ذابتْ وكم من قُلوبِ!
إيه يا مَنْ يَطِيشُ عقلي لديه
أنتَ في الكَوْنِ ثَمَّ شِبْهُ جَنِيبِ

(١٢٦)

أنا ذاك الذي ظَهَرْتُ اقتدارًا
مِنكَ حَقًّا وفي نَعيمِكَ دُلِّلتْ
سَوْفَ أَقْضِي قرنًا بذنبي وأغلُو
لِأَرَى ما الأَجَلُّ ذَنْبي أم أَنْتْ!

القسم الثامن: في «مطالبَ شتى»

(١٢٧)

لا تظنن أنَّني مَنْ يَخافُ النـ
ـاسَ أو قسوةَ المنيةِ أَخْشَى
لستُ أخشى حقيقةَ الموتِ، لكنْ
أنا أخشى أني أَسأْتُ العَيْشَا

(١٢٨)

«أنتِ دَوْمًا سَكْرَى وفي كُلِّ آنٍ
لكِ خِلٌّ» — أهابَ شَيخٌ بِمُومِسْ
فأجابت: «حقًّا كما قُلْتَ حالي
كيف حالٌ لديكَ للنَّاسِ والنَّفْسْ؟»

(١٢٩)

إنَّ هذي السماءَ كالطاسِ في العَكـْ
ـسِ فَيَلْقَى المَذَلَّةَ الأذكياء
انظروا الودَّ بين كأسٍ وإبريـ
ـقٍ فبينَ الشفاهِ تجري الدِّماء

(١٣٠)

خَبَرٌ منْ حياتِنا ذلكَ الفُلـْ
ـكُ، و(جَيحونُ) مِنْ نَدِيِّ العُيونِ
وشَرارٌ من جُهْدِنا تِلْكُم النَّا
رُ وما الخُلْدُ غيرُ بعضِ السكونِ!
١  يريد بالفلك: الدهر.
٢  النسيئة: عكس النقد: أي الدفع المؤخر.
٣  أي الوعود والجنة.
٤  أي البدر.
٥  أي الكوز.
٦  الإبريق مقبضه: أي أذنه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤