القرد الكبير!

عادوا بالقرد الصغير إلى المعسكر؛ حيث كان زعيم «التوباهو» وأعوانه يجلسون في جانب وحدهم، وقد بدَا عليهم الخوف … بينما كان «موكامبا» … وزوجته يعدَّان المعسكر للنوم …

حاولت «زبيدة» و«إلهام» إنقاذ القرد الصغير ببعض الأدوية التي كان يحملها الشياطين معهم ولكنه مات … قرب الفجر … لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن أُصيب بتشنجات عصبية …

خيَّم الحزن على المعسكر … وقال «عثمان»: هل تعرفون … أن هذا القرد الصغير قد دفع حياته ثمنًا لنا … لقد تذكَّرتُ الآن قصةَ العالم البرازيلي «أوجستروس» الذي اكتشف نوعًا من الضفادع السامة في أحراش البرازيل … إنها إذا التصقت بجسم الإنسان أصابَته بنوع من السمِّ لا علاج له … إنه سمٌّ بطيء المفعول، ولكنه يُدمر خلايا الكبد … وهذا العالم نفسه كان ضحيةً لهذا السم، وما زال يعالج منه، ولكن كبده قد تهتكت … وهذا القرد الصغير، لم يحتمل صدمةَ السم فمات!

«أحمد»: إن هذا يُفسِّر معتقدات «التوباهو» … إنهم يتصورون أن الأرواح الشريرة تسكن هذه الضفادع؛ لأنهم شاهدوها وهي تقتل بعض الأشخاص منهم.

«زبيدة»: في هذه الحالة لا بد من تغطية كلِّ أجسامنا بالملابس … على أن نتجنَّب ألَّا تصلَ هذه الضفادع إلى وجوهنا.

استدعى «أحمد» «موكامبا» وتحدث إليه عن هذه الظاهرة الخطيرة، وشرح له كيف تقتل الضفادع الناس بالسم … وطلب منه أن يشرح ذلك لزعيم «التوباهو».

عندما استمع الزعيم إلى هذا الحديث أخذ يشرح بذراعَيه … ويتحدث بلغة عجيبة غير مفهومة …

وقال «موكامبا»: إن الزعيم لا يريد الاستمرار في الرحلة.

ردَّ «أحمد»: معه حقٌّ … فهم بلا ملابس تقريبًا، وسوف يتعرضون للموت بواسطة الضفادع … وفي إمكانك أنت أيضًا أن تنتظر هنا.

«موكامبا» إنني سآتي معكم يا سيدي … إنني لا بد أن أعرف أين ذهب «سانشيز» ولعله مات من هذه الضفادع أيضًا.

«أحمد»: بعد ساعة سنتحرك عند أول ضوء شمس.

استعد الجميع للرحلة … ومشى «أحمد» على رأس المجموعة المكونة منه ومن بقية الشياطين و«موكامبا» ومرةً أخرى أصرَّ القردَان على الذهاب معهم …

ساروا حتى أطلال المدينة القديمة … كان كلُّ شيء يبدو هادئًا، وفجأةً أخذَت القردة تموء في هدوء … وأدرك «أحمد» أن هذه الحيوانات تحسُّ خطرًا ما … أشار إلى بقية الشياطين بالبقاء، وطلب من «موكامبا» أن يتبعه، وسار القردان. أمامهما وبعد لحظة قفز أحدُ القردَين على شجرة، ثم عاد وقفز إلى الأرض وهو يحمل قميصًا أخضر اللون أخذ يلوح به في وجه «أحمد» …

عرف «أحمد» أنه قريب من العصابة … وأن أحدهم كان ينشر قميصه، فلا بدَّ أنه قريب.

بدأ الشياطين ينظرون حولهم … لم يكن هناك دليلٌ على أية تحركات … ربما كان أفراد العصابة نائمين، ولكن القرد الكبير أخذ يقفز أمام «عثمان» الذي اعتبره … صديقه … فسار خلفه «عثمان» وشاهد فوهة مغارة، وأخذ القرد يقفز أمامها، وأدرك «عثمان» أن «المغارة» هي مأوى العصابة حيث تختفي إلى طلوع النهار …

عاد «عثمان» إلى الشياطين وأخبرهم … ذهبوا معه … وأشار «عثمان» إلى القرد بدخول المغارة … دخل … غاب نحو خمس دقائق ثم عاد … كان يحمل في يده بندقيةً سريعة الطلقات، كان يحملها بصعوبة!

قال «أحمد» «لعثمان»: اطلب منه أن يذهب مرةً أخرى … وأشار «عثمان» للقرد الذي دخل المغارة مرةً أخرى ثم عاد ومعه بندقية أخرى …

تعدَّدت رحلات القرد إلى المغارة، وحصل الشياطين على بنادق … ثم عاد القرد آخر مرة وليس معه شيء … وفَهِم الشياطين أنه لم يجد شيئًا آخر … عندئذ قرروا دخول المغارة.

دخل الشياطين إلى المغارة في هدوء وحذر … رغم اقتناعهم أن الأسلحة التي تحملها العصابة قد سرقها القرد الذكي، ولم يَعُد هناك ما يخشى منه، ولكن ذلك لم يكن صحيحًا … فقد قفزَت عليهم عشراتٌ من الضفادع، ولولا أن الشياطين كانوا قد حصَّنوا أنفسهم بالملابس الثقيلة والقفَّازات لمثل هذا الهجوم … لأُصيبوا جميعًا بسموم الضفادع القاتلة …

عاد الشياطين إلى الغابة … وقد أدركوا أن عددهم لا يستهان به … خاصةً وقد بدأ دخان كثيف يخرج من فوهة المغارة … دخان أزرق اللون … من الممكن كما قالت «زبيدة» أن يكون أول أكسيد الكربون السام …

قرر الشياطين أن يتَّجهوا إلى قلب المدينة المهجورة … وأن يتركوا خلفهم حراسةً من «زبيدة» و«إلهام» قرب المغارة …

سار «أحمد» في المقدمة، وخلفه «بو عمير» ثم «عثمان» … ومعهم القرد الكبير بعد أن تركوا القردة الأخرى مع «زبيدة» و«إلهام» … ساروا داخل الدروب القديمة بين صفوف من تماثيل القردة الحجرية التي تآكَلت بفعل الزمن … كان واضحًا أنهم في الطريق إلى معبد قديم … مهجور … من بقايا الشعوب التي عاشت في هذه المناطق منذ مئات السنين …

وسمعوا صوتًا للطبول يأتي من مكان ما … توقَّفوا وأنصتوا … واستطاعوا أن يُحددوا الاتجاه … إنه في قلب المدينة المهجورة … وساروا في اتجاه الصوت، حتى أشرفوا على ساحة واسعة … وأصبح واضحًا أن ثمة مَن يعتني بها … فقد كانت الأشجار مقصوصةً … والزهور منتظمةً … والمياه تجري في قنوات مشقوقة … وكان صوت الطبول قد أصبح واضحًا …

وفجأةً وبلا مقدمات وجدوا عشرات من الوجوه تحيط بهم … من كل جانب … كانوا أشخاصًا قصار القامة … صُفْر وسُمْر الوجوه … يلبسون ملابسَ خفيفةً … وقد أمسكوا جميعًا بالحراب … وكان في استطاعة الشياطين أن يُطلقوا الرصاص عليهم، ولكن «أحمد» قال: من الأفضل التفاهم معهم … إنهم فيما يبدو حراس المعبد.

تقدَّم واحدٌ منهم ورفع يدَيه إلى السماء … ثم أشار إلى المبنى الذي في وسط الساحة … ثم أشار إلى رقبته … ثم هزَّ الرمح في يده.

قال «عثمان»: إنه يقول إن السماء تحمي هذا المعبد … وإن مَن يحاول الاعتداء عليه فسوف تُقطع رقبته.

رفع «عثمان» يدَيه إلى السماء … وأشار إلى المعبد … ثم رفع يده على قلبه … إشارةً إلى احترامهم للمعبد …

ابتسم الرجل ثم أشار للشياطين أن يتبعوه … ساروا خلفه في دهليز من الأشجار المقصوصة حتى وصلوا إلى تجويف صخري يقف عليه حارس … تجاوزه الرجل والشياطين خلفه حتى دخلوا إلى ساحة متسعة في قلب الجبل، مضاءة بالشموع … وفي وسطها جلس رجل جميل الصورة … تبدو عليه ملامح الهدوء والسلام، وابتسم لهم بعد إشارات من الرجل الذي اقتادهم … ثم أشار لهم بالجلوس …

جلسوا على مقاعدَ حجريةٍ نظيفة … ونظروا حولهم … كانت هناك تماثيلُ كثيرةٌ زُيِّنت كلها بالجواهر اللامعة من كل نوع … وعقود الماس واللؤلؤ والزمرد … وطاف بذهن الشياطين قصةُ «كنوز الأمازون» … هل هذه هي «كنوز الأمازون»؟

وكانت مفاجأةً أن تحدَّث الرجل إليهم باللغة الإنجليزية، قائلًا: مرحبًا بكم في معبد «المايا» إننا نرحب بمَن يأتون إلينا في سلام!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤