طلب «أحمد» الأخير!

بعد حوالي ثلاث ساعات تم إعداد القارب، كان عملًا مدهشًا قام به رجال «التوباهو» … وركب الشياطين القارب وقد أعدوا بنادقهم للإطلاق، وأصر «موكامبا» على الركوب معهم ليقوم بالتجديف …

ما إن نزل القارب إلى مياه الشلال حتى تمت أول هجمة للتماسيح الشرسة … ولكن رصاص الشياطين انهمر على الأفواه المفتوحة، وأخذت أجساد التماسيح الخضراء المسودة ترتفع في الفضاء ثم تهوي في المياه …

كانت معركةً رهيبة … وانسحبت التماسيح المهزومة … وكان أكثرَ الجميع تصفيقًا القردُ الكبير الذي فوجئ به الشياطين يركب معهم في القارب …

جدف «موكامبا» إلى الأمام … واجتازوا الشلال بعد أن هربت التماسيح … ووصلوا إلى شاطئ كثيف الخضرة … ومرةً أخرى شاهدوا «الأناكندة» الرهيبة تتلوَّى على الشاطئ … كمية ضخمة من الأفاعي الخطرة … وعرفوا أن قبيلة «الماكاري» تختفي حقًّا خلف ستار دفاعي رهيب …

انطلقت زفات الرصاص تحصد الأفاعي التي أسرعت تهرب من النيران إلى داخل الغابة … ولم تمضِ سوى دقائق حتى سمعوا صرخاتٍ كثيرةً … صرخات إنسانية تأتي من خلف ستار الأعشاب الكثيف …

قال «موكامبا»: هل تعرفون ما حدث؟ … إن الأفاعي الجريحة الهاربة … هاجمت «المكاري» في عقر دارهم … إن حراسهم قد أصبحوا أعداءَهم …

تزايدت الصرخات … ثم ارتفع عمود من الدخان الكثيف، ثم بدأت النيران تتصاعد، ومرةً أخرى شرح «موكامبا» الموقف، قائلًا: إنهم يطردون الأفاعي بالنيران!

امتدت النيران إلى قرب الشاطئ، عندما نزل الشياطين … كانوا يعرفون أن العالم «مشهور» في خطر من ناحيتين … الأفاعي والنيران …

هجموا مسرعين … بينما بقي «موكامبا» في القارب، وأخذوا يطلقون الرصاص على الأغصان العالية، بينما شاهدوا القرد يقفز كالبهلوان … ويصرخ …

«أحمد»: علينا أن نتبع هذا القرد الذكي.

وساروا خلفه، وهو ينتقل من غصن إلى غصن في سرعة رهيبة … وكلما وجد نفسه ابتعد عنهم، عاد مرةً أخرى إليهم وأخذ يصرخ …

بعد مسيرة شاقة داخل الغابة الكثيفة أشرفوا على مجموعة من الأكواخ … كانت بالتأكيد أكواخ قبيلة «ماكاري»، وكان عددٌ من النسوة يقف في صمت … وحولهن عددٌ كبير من الأطفال …

عندما شاهدت النساء الشياطين أخذْنَ في الصراخ والعويل … وأخذْنَ يرفعْنَ أيديَهن إلى السماء … فرفع الشياطين أيديَهم إلى السماء أيضًا … علامة السلام …

أخرج «أحمد» صورةً للعالم «مشهور» … كان رقم «صفر» قد زوده بها … وأخذ يعرض الصورة على النساء … أشارت إحداهن إلى مكان فأشار لها «أحمد» أن تَدلَّهم عليه … سارت المرأة الشابة مسرعةً وهم معها حتى أشرفوا على مرتفع من الأرض … وأشارت إلى كهف مرتفع … ثم عادت مسرعةً …

لم يَكَد الشياطين ينظرون إلى هذا المرتفع حتى انهال عليهم الرصاص من كل جانب، ألقَوا بأنفسهم على الأرض … وكان من السهل الاختباء عن مرمى الرصاص بين الأحراش …

قال «عثمان»: يجب أن يذهب اثنان منا إلى الخلف … إنهم في موقع مرتفع يسهل الدفاع عنه … ولو ظللنا نُطلق الرصاص إلى الأبد ما استطعنا الوصول إليهم.

تطوع «بو عمير» و«أحمد» للقيام بحركة الالتفاف … ومرةً أخرى ظهر القرد … وأخذ يصرخ … سارَا خلفه حتى شجرة من الأشجار الضخمة … تتدلَّى فروعُها العالية فوق التل المرتفع … صَعِدا فوق الشجرة، خلف القرد حتى وصلوا إلى أقصى ارتفاع ممكن … واستطاعوا مشاهدة مجموعة من الرجال يقفون خلف الصخور العالية … ويُطلقون رصاصهم على بقية الشياطين …

بدأ «أحمد» الضرب … طلقة واحدة وسقط رجل … وتبعه «بو عمير» طلقة ويسقط رجل … وتتالت الطلقات … وفي نفس الوقت كانت «زبيدة» و«إلهام» و«عثمان» يطلقون رصاصهم من تحت …

سقط عددٌ من الرجال مصابين … بينما أسرع الباقي يجرون في كل اتجاه، وألقى «أحمد» نفسه خلف القرد الذي سبقه إلى الأرض … ثم تبعه «بو عمير» وسارَا إلى ناحية الكهف العالي … وصلَا إلى الكهف … وصاح «أحمد»: «مشهور»!

لم يردَّ أحد … ودخل القرد إلى الكهف المظلم … واختفى لحظات ثم عاد وهو يُمسك بيد رجل نحيل … ممزَّق الثياب … ورغم كلِّ إصاباته وشكله وذقنه عرف «أحمد» أنه العالم «مشهور».

أخذ الرجل ينظر إلى «أحمد» في ذهول … وقال له «أحمد» باللغة العربية … نحن أصدقاء من مصر.

لم يردَّ الرجل، عاد «أحمد» يقول: نحن أصدقاء … لم يَعُد هناك ما تخشى منه.

في هذه اللحظة انطلقَت رصاصةٌ كادَت أن تُصيبَ العالِمَ المسكين … ألقى «أحمد» نفسه عليه … في نفس الوقت الذي استدار فيه «بو عمير» ناحية الطلقة، وشاهد رجلًا يختفي بين الأشجار … فأطلق عليه طلقةً واحدة، وسمعَا صياحه وهو يهوي من فوق الشجرة العالية إلى الأرض …

صاح «أحمد»: لننزل سريعًا!

نزلوا المنحدر من الجانب الآخر المطل على الشلالات … كان «موكامبا» في الانتظار ومعه «زبيدة» و«إلهام» و«عثمان» …

قال «موكامبا»: إن القارب لا يحتملنا جميعًا.

«أحمد»: خُذْ «مشهور» و«زبيدة» و«إلهام» … سأبقى مع «بو عمير» و«عثمان».

أخذت «زبيدة» و«إلهام» في إطلاق النار مرةً أخرى على التماسيح حتى وصل القارب بسلام إلى الشاطئ الآخر، ثم عاد «موكامبا» وأخذ الشياطين الثلاثة.

•••

بعد أسبوع من هذه الأحداث … كان «أحمد» يكتب تقريرًا إلى رقم «صفر» يقول فيه:

سيدي …

إن ما حدث في هذه المغامرة لا يمكن شرحه … ولكن الله كان معنا في كل خطوة، كل ما نرجوه أن تكون راضيًا بعودتنا بالعالِم «مشهور» … راجين أن نضمَّ القرد «فرند» إلى الشياطين اﻟ ١٣ لقد كان حقًّا نعم الصديق …

أحمد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤