عينان سعيدتان
حين عاودت العواطف الطبيعية جورجيا مرةً أخرى، اندهشت قليلًا من تأقلمها التدريجي على الوضع. فقد كانت الصدمة شديدةً للغاية في البداية حتى إنها أفقدتها قدرتها على التفكير. وصار كلُّ يوم اختبارًا لقدرتها على التحمُّل، حيث كانت تحمل نفسها على الوفاء بواجباتها ولا مزيد على ذلك.
لأنها أدركت أن الخوف مدمِّر، وبإمكانه أن يبري قدراتها الذهنية ويُضعف من مقاومتها؛ فقد أبَت أن تفكر في أي شيءٍ بخلاف روايتها. وحين كانت تنعزل في حجرتها، حيث تأتيها أشعة الشمس عَبْر الجدار الزجاجي، وترى الزَّبد وهو يفور على الصخور أدناها، كانت تشعر بذلك الهروب المعتاد من واقعها.
محض تحويل قصتها إلى رواية ولَّد لديها شعورًا موازيًا بأنها في عالَم خيالي. فمع تضاؤل حدة الفزع شيئًا فشيئًا، تعذَّر على جورجيا أن تصدِّق أنها قد حُكم عليها بالموت. صار هلاكها مبهمًا مثل عمل طائش في مسرحية هزلية، ضلَّت الطريق إليها في لحظة جموح. فها هو ذا يفِر أمامها، يراوغ دون الإمساك به منجرفًا نحو مستقبل زائف، على غرار تهديد ملِكة القلوب في رواية «أليس في بلاد العجائب»: «اقطعوا رأسها».
لكن حتى إن كان السبب وراء رِباطة جأشها مرجعُه محض عدم تصديق أكثر من كونه قوةً معنوية، فقد كان ثمة روتين مستمر أرهق قدرتَها لأقصى حد. فقد كانت مضطرةً إلى تمثيل دورٍ بغيض حتى توهِم الصغيرتَين بأن الجزيرة لا تزال جنةً للعشاق.
ولحسن الحظ أنها كانت لا تقابل سائرَ سكان المنزل إلا على العشاء، حيث يواظبون على عادة الظهور بملابس المساء الرسمية والحوار المصطنَع. لم تكن هناك جرائد يومية، وإنما كان الكونت يطَّلع على الأخبار من المذياع الخاص به، فكان ذلك يمكِّنه من الحديث عن الوضع السياسي. وكانت السيدة فاندربانت تشارك بالأخبار الاجتماعية، بينما تحاول جورجيا الاصطناعَ للإدلاء بتعليقاتها على تلك الأخبار للوفاء بنصيبها من الحوار.
أحيانًا ما كانوا يبرعون جدًّا في محاكاة عشاء الأسرة السعيدة، حتى لتسحر لبَّها فتكاد تصدِّق الخدعة، وفي أحيانٍ أخرى، كان الهلع يُنشِب أنيابه في روحها فتريد أن تقبض على الشوكة وتطعن بها الهواء وهي تفضحهم.
«أيها الغشاشون. أيها الخاطفون. لستم سوى كائناتٍ وضيعة.»
حين كانت جورجيا لا تكتب، كانت تقضي جلَّ وقتها مع ابنتيها. وعندئذٍ أدركت أنها بحاجة لشَغْل عقولهن الفارغة ببعض عوامل الجذب، لتشتيتهم عن أفراد العصابة. لم تدرِ جورجيا أيُّ الفتاتَين كانت الأخطرَ على سلامتهما، كان خداع ميرل أكثر صعوبةً، لكنها كانت فطينةً بما يكفي لتتكتَّم على المعلومات من أجل مصلحتها، أما ميفيس فكان من المؤكد أن يزلَّ لسانها بأيِّ شيءٍ تكتشفه.
كتبت جورجيا خطابًا إلى أمها، تسألها بعضَ الأعداد من مجلة «تايمز»، لتمدهما بمواد هوايتَيهما المفضَّلتَين: الأعراس وأسواق العقارات. وأثناء انتظارها هذه الأعداد، راحت تقصُّ عليهما قصصًا بها القَدْر المعقول من الإثارة، فما كان منها إلا أن أدركَت أوجه قصور قدراتها الروائية.
ومع أنها اعتادَت إرضاء جمهورٍ عريضٍ من الكبار، لكنها فشلت تمامًا في تسلية ابنتَيها. فقد شعرتا بمللٍ شديدٍ من قصصها وتبرَّمتا منها، حتى إنها اضطُرَّت إلى ابتكار شخصية السيدة بامب.
وحاولت أن ترى أثرها مع ميرل الأكثر نهمًا للإثارة بين الاثنتَين.
فسألتها: «هل تودِّين أن تسمعي حكاية أفضل مشروب ساخن شربتُه على الإطلاق حين كنتُ فتاةً صغيرة؟»
فصاحت ميرل بتلقائية قائلة: «تعالَي سريعًا يا ميفيس. فستحكي لنا أمي حكاياتٍ من الأيام الخوالي.»
وحين جاءتهما ميفيس سابحةً عَبْر حمام السباحة، أنشأت جورجيا تُقدِّم إليهما السيدة بامب.
«كانت تُعِدُّ حفلات للأطفال الذين تدعوهم إلى منزلها. اعتدنا أن نبدأها بالزنجبيل المحفوظ لفتح شهيتنا. وبعدها نجد أصنافًا شتَّى من الحلوى الساخنة الغنية بالزُّبد: كعكًا وخبزًا وفطائر محلاة وفطائر بالفاكهة.»
شرعت تصِف وليمةً فاخرة، واضعةً في الاعتبار ما تهواه الصغيرتان، وهما تبلِّلان شفتيهما باستمتاع تام. ولمَّا تمثَّل بمخيِّلتها أنها أمام مائدةٍ ضخمة، حافلة بشتَّى أصناف الكعك، طاف برأسها من دون مقدماتٍ، لازمةٌ دعائيةٌ أوحى بها إليها إعلانٌ في قطار الأنفاق.
ومما أدهشها أنها وجدت نفسها تضحك فجأةً من دون تصنُّع لأول مرة منذ عدة أيام.
أثبتت حفلة السيدة بامب نجاحًا باهرًا، حتى إن جورجيا قرَّرت أن تجعل هذه السيدة شخصية دائمة في حكاياتها، بقَدْر ما يمكن لأي شيءٍ أن يكون دائمًا في رمال مصيرها المتحركة.
وقالت تقترح على ابنتيها: «افترِضا أنكما ستلعبان دور السيدة بامب بالتناوب، واختارا ما ستقدمانه من مشروبات. فكِّرا في شيء جديد تفاجئان به ضيوفكما.»
كانت جورجيا في مزاجٍ أكثرَ تفاؤلًا بقليل حين عادت إلى الكتابة. كانت قد ألقت شِباكها بالفعل، في صورة الملخَّص والدفعة الأولى من روايتها. ومع أن الكونت كان يراجع خطاباتها إلى أمها ووكيلها مراجعةً دقيقة؛ فقد قالت لنفسها إن تورش قَطعًا لا بد أن يربط بينها وبين بطلتها المحاصرة.
حدَّثتها نفسها قائلة: «لقد بينت له أنه شيء وارد أن يحدث. ثمة خطوة واحدة سيخطوها في الظلام، وبعدها لا بد أن يسأل نفسه: «هل هذا ما ألمَّ بها؟»»
حين تذكَّرت تعاطفه وفطنته، بدا لها أنه سيسُد هذه الفجوة …
انقضَّ تورش على خبر الرواية الجديدة بابتهاج. لم يكن مندهشًا بالمرة؛ إذ كان يعتقد أنها قد بالغت في تقديرها لفتور إبداعها. وحين اتصل بأخيه حاول أن يكون فكِهًا ليخفي مشاعره الحقيقية.
«هلا نذهب إلى الكوخ عصر يوم الأحد؟ فلديَّ فضول بشأن هذا الزواج. وأود أن أعلم القصة الحقيقية، القصة الجورجية. لأكتشف لماذا قرَّرت فجأةً أن تفك «العقدة الجورجية».»
فوافقه أوزبرت متجهمًا: «أنا أيضًا أود معرفة ذلك. فربما حُملت على الاستعجال.»
كان الطقس حارًّا في نهاية الأسبوع وقد تألَّق البحر والسماء بزرقة صافية، حين اتجه الشقيقان بسيارتهما إلى الساحل. وحين بلغا الكوخ بدا لأوزبرت كأنه صَدَفة خاوية. كانت بعض زهور الجريسة قد نمَت في مرج المنحدر المسفوع من حرارة الشمس، أما الزهور التي في الحديقة فقد تفتَّحت وأينعت، باستثناء القليل من زهور الكبوسين.
بدَت السيدة بلفري في حالة مزاجية ممتازة، ربما لارتدادها لنمط حياة غيرِ متقيد بالتقاليد. فإنها لم تكن ترتدي سوى تنورة ووشاح عُقد حول رقبتها ووسطها، وما كان منها إلا أن ضحِكت وهي تَظهر أمامهما بهذا اللباس المكشوف.
وقالت: «إنني أحاكي حفيدتيَّ. تقول جورجيا إنهما لا ترتديان سوى ملابس السباحة. وإنهما صارتا مسمرَّتَين مثل جوزة الطيب … يا هانا. أحضري الشاي.»
بينما هم يتناولون الشاي من دون رسميات في حجرة الطعام، ولجت المربية، الآنسة جونز، من الباب فجأةً.
وقالت بأنفاسٍ لاهثة لتورش: «رأيت سيارتك بالخارج. لذلك دخلت المنزل. قلتُ لعل لديك خبرًا جديدًا عن السيدة يو.»
فقال لها: «لا أعلم إن كان جديدًا. من الأفضل أن يدليَ كلٌّ منا بما لديه لنضاهيَ بين الأخبار.»
وقبل أن يدليَ بأي شيء، توجَّه إلى السيدة بلفري بالكلام.
«هل تفاجأتِ حين سمعتِ بزواج ابنتكِ سرًّا؟»
فأجابته: «على الإطلاق. فهكذا هي بالضبط. إنه من طبعها. وأنت تعلم كيف أنها تؤثِر التخفي دائمًا. لكن كان يجدُر بها أن تتصدر المشهد في زفافها.»
فعلَّقت الآنسة جونز: «تتصدر المشهد؟ لا، فذلك المكان محجوز للكونت دائمًا. كان من الممكن كذلك أن تحظى بعرس هادئ في القرية، لا يحضُره سوانا.»
«فلتتصوري خيبةَ أمل الصغيرتَين. إنهما تتخيلان أن أي زفاف لا بد أن يكون حدثًا اجتماعيًّا فاخرًا في كنيسة سانت مارجريت. قالت جورجيا في خطابها إليَّ إنها لمَّا وجدَت أنها مضطرة أن تخذلهما، ارتأت أنه من الأفضل أن تنتهي من أمر الزواج بالكامل دون جلبة. ولم تُواتِها الشجاعة على البوح لهما به بعد.»
سألها أوزبرت بفتور: «متى وأين تزوَّجا؟»
«لم تقُل، ولن تقول. فهكذا هي جورجيا. تعتقد أن السرية شيء رومانسي.»
قالت الآنسة جونز معترفةً: «كانت صدمة لي. كنت أرجو أن تنتهي العلاقة كما بدأت. فأنا لم أطمئن للكونت.»
قالت السيدة بلفري، وهي تربِّت على ذراعها: «إنكِ متحاملة يا عزيزتي. ماذا كتبت إليك يا هارفي؟»
حين أخبرها تورش بخبر الرواية الجديدة، تغضَّن وجهها الصغير المتجعِّد من الفرح.
«يدُل ذلك على أنها عادت إلى طبيعتها. إنها روائية بالفطرة. ولا يمكن أن تبقى سعيدة مدة طويلة من دون الكتابة.»
سألته الآنسة جونز: «عمَّ تحكي الرواية؟»
فقال تورش: «لقد أحضرت معي ملخصًا لها، لعلمي بأنها ستثير اهتمام أمها. قالت إن الجزيرة هي التي أوحت إليها بالحبكة. فقد أدركت ما قد يدور فيها من أحداث، وستستخدم في الرواية تجاربها والأجواء المحلية. أعتقد أنها تقصد استجابتها للحب، بما أن البطلة غير متزوجة. سوف أقرأ الملخص بصوتٍ عالٍ، ولكم أن تتخيلوا أنكم تسمعونها.»
وحين فرغ من قراءته، اتخذت السيدة بلفري موقفَ الناقد، بصفتها قريبة المؤلفة.
«أجل، بإمكانها أن تصنع شيئًا مميزًا من ذلك الملخَّص. ومن الجائز أن يصير عملًا ممتازًا. فلا يمكن أن نحكم عليه من هذه الخطوط العريضة. لكنني على وعي بأسلوب جورجيا ومنهجها. فقد ساعدتُ في ولادة كل رواياتها، كأنني قابلة أدبية.»
هنا قال هارفي معلِّقًا: «هل تقصدين أنها قرأته على الكلب؟»
«يا هارفي، أيها العزيز … عجبًا؛ ماذا بكِ يا آنسة جونز؟ هل تشعرين بدُوار؟»
نظروا جميعًا إلى الفتاة التي امتُقع وجهها الشاحب. بدت عيناها متوترتَين وفزعتَين، مع أنها حاولت أن تضحك.
«إنني على ما يُرام. الأمر بالغ السذاجة. فقد شعرت أنني — أوه، لا يسعني أن أشرح … فكرة مبهمة تمامًا. كانت فكرة فظيعة للغاية.»
فسألها تورش: «أي فكرة؟»
«لقد باغتتني على حين غِرة. إذا افترضنا أن الكونت نصَّاب حقًّا، مثل شخصية الشرير في رواية السيدة يو، فستكون هي في وضع البطلة نفسه. فهي الأخرى تعيش على جزيرة، من دون عنوان. ولا نعلم أين هي. فهم يتسلَّمون بريدَهم من سالتسوبدن. إن كانت حالها كذلك، فلن تستطيع التواصل معنا لتخبرنا.»
«فلتتأكدي أنها لا تريد التواصل معنا.» كان صوت السيدة بلفري حازمًا وهي تتحدث. واستطردت: «فقد ذكرت في خطابها أنهم لحسن الحظ لن يستقبلوا أيَّ زوار في البداية؛ ذلك لغَيرة جوستاف الشديدة. حسنًا لقد كنت أعدُّ غَيرة أبيها عليَّ من قبيل الإطراء؛ ذلك لأنني من جيل قديم، أما الأزواج في العصر الحديث فلديهم الوعي ليُدركوا أن الزيارات لن تسفرَ عن راحةٍ أو أجواء هانئة. والصراحة يا أوزبرت أنني سعيدةٌ أنك لن تستطيع زيارتهم لتهنئتهما على الزواج. المزيد من الشاي يا آنسة جونز؟»
«لا … شكرًا.»
انتبه تورش للسيدة بلفري قبل أن تذهب إلى المكتب، حيث راحت تبحث وسط كومةٍ من الأوراق. ثم عادَت إلى المائدة بعدسة مكبِّرة وصورة مقاس أربع في ست بوصات لجورجيا، مع ابنتَيها والكونت في سالتسوبدن.
وقالت للآنسة جونز: «دائمًا ما أتفحَّص الصور بهذه العدسة. من الأفضل أن تفعلي الشيء نفسه. وتذكَّري هذا. بإمكان أي شخص أن يبتسم؛ فحسْبُه أن يبسط شفتيه ويبيِّن أسنانه. لكن لا يمكن للعينين أن تخدعا الكاميرا … انظري جيدًا يا عزيزتي. هل هاتان العينان عينا امرأة سعيدة؟»
«نعم. إنهما كذلك.»
بينما الفتاة تتأمَّل الصورة بعناية المحب، خرق أوزبرت الصمت.
«لا يسَعني أن أرى سببًا يجعلها تكتب رواية جديدة بهذه السرعة، إلا أن تكون شاعرة بالضجر. فإن كُتُبها ليست بالأعمال الأدبية العظيمة. كنت أعتقد أنها تَعُدها وسيلةً لكسب الدخل، وليست سبيلًا للتعبير عن الذات.»
قاطعه تورش سريعًا، ليحول دون استياء السيدة بلفري، فقال: «إن أخي لمتكبرٌ. فهو لا يقرأ إلا الروايات الغالية السعر. هل ستأتي يا أوزبرت؟ فالطريق دائمًا ما يكون أطول في الرجوع.»
قالت الآنسة جونز: «سآتي معكما.»
وحين بلغوا المنحدر، تحدَّثت إلى الوكيل.
«مَن الذي طبع ذلك الجزء من رواية الآنسة يو؟»
فأجابها: «واحدة من الفتيات في مكتبي. لقد وجدت صعوبةً في إخراج نسخة منقَّحة. فقد كان الأصل مكتوبًا بالرصاص وكادت بعض الكلمات تكون غير مقروءة.»
«إنها تفكِّر سريعًا؛ لذلك تضطر إلى الكتابة بتعجُّل. لكنني أفهم خطَّها. فقد كنتُ أطبع لها كلَّ ما تكتبه. ألا ترى أنه سيكون من الأسهل إذا واصلتُ الطباعة لها؟ ولا أقصد أن أستجدي عملًا؛ إذ لم أكن أسمح لها قط بأن تعطيني أجرًا على ذلك … فأنا أحب هذا العمل كثيرًا.»
كان تورش أرقَّ قلبًا من أن يرُدَّ عينَيها المتوسلتَين.
فقال: «يبدو حلًّا ممتازًا. يُفضل أن تكتبي خطابًا إلى السيدة يو تطلبين منها أن ترسل النسخةَ إليكِ مباشرةً. وأنا سأؤيد الاقتراح في خطابي إليها. وأعتقد أن بإمكاني الاعتماد على أنك ستسلمينني النسخة سريعًا.»
أكَّدَت له ذلك بحزم، قبل أن تتجه إلى الشقيق الأكبر.
وقالت تقترح عليه على استحياء: «هل خطر لك يومًا أن تسافر إلى السويد لقضاء إجازتك يا سيد أوزبرت؟ فقد صار العديد من الناس يذهبون إليها، ويبدو أن الكل يستحسنونها. إنه بلد جميل جدًّا، وشديد التنوع، و…»
«لماذا عساي أذهب هناك؟»
جاء صوت أوزبرت قاطعًا مُسكِتًا حججها المترددة.
فقالت وهي تتكلَّف الجرأة: «حتى تستطيع رؤيةَ السيدة يو وتطمئن بنفسك أنها سعيدة.»
«إنني مطمئن. لقد فعلت ما أرادت أن تفعله بالضبط. وإذا كانت في عزلة عن أصدقائها؛ فإنه بمحض اختيارها. كما أنها صارت كونتيسة. وهو لقب من شأنه إسعاد أي امرأة طبيعية، وهي كسائر النساء.»
«لكن، بفرض أنه …»
«لا نيةَ لديَّ أن أتطفَّل على أي شخص في شهر العسل.»
فقال تورش بفخر إذ نظر إلى انطباق شفتَي أخيه بثبات: «لكِ أن تعدي ردَّه هذا نهائيًّا.»
وفي ذلك المساء، شغَلت جورجيا أذهانهم جميعًا. فقد فكرت السيدة بلفري في الكونتيسة جورجيا يخالجها فخر الأم. وتساءل تورش عن سيرِ العمل في الرواية الجديدة. وظل أوزبرت يراها في أحلام يقظته، وهو يرافقها إلى الباب الأمامي في قلعته بإسبانيا عندما تتسلل داخلةً من الخلف. حتى الآنسة جونز حملت نفسها على تذكُّر العينَين السعيدتَين في الصورة …
أما جورجيا فكانت على الجزيرة تنظر من نافذتها نحو المحيط الهائج الممتد أميالًا.
وتقول لنفسها: «إنهم يفكرون فيَّ الآن. وقريبًا، قريبًا جدًّا سيأتون ويرحلون بي.»