الكونتيسة تغادر البلدة
مروعةً من هول ما رأته هُرعت جورجيا عائدةً إلى النافذة المفتوحة. كان الدافع المسيطر عليها هو الهربَ، وهي تتسلل خارجةً إلى النافذة التي اكتنفتها هوَّةٌ من الظلام. رغم أنها لم يكن لديها حسٌّ بالاتجاه، فقد انتابها شعورٌ غامضٌ بأن النافذة ستقودها حتمًا إلى حجرتها.
كانت ترتعش من البرد وساقاها ثقيلتان من الصدمة. لقد أفلت منها حُلمها البهي بالحرية، تاركًا إياها عالقةً في الكابوس المألوف، كابوس عدم القدرة على المُضي قُدمًا. كانت تعلم أنها لا بد أن تمضيَ، إلا أن الجمود قضى على استعدادها للتحرُّك. وفي سعيها الشاق للمضي، شعرت بأنها مقيدة وعاجزة، مثل حشرة تحاول الزحف على شريط دِبْق مصمَّم لاصطياد الذباب.
ومما زاد من كَرْبها أن إحساسها بالأمان أخذ يتضاءل تدريجيًّا. فقد كانت حتى هذا الوقت ملتحفةً في شرنقة الحُلم التي أعطتها الإحساسَ بالحماية، حيث لم يكن من الممكن أن تسقط، لكن مع إحساسها المتزايد بالارتفاع جاء خطر الإصابة بالدُّوار. رغم أن مسارها كان لا يزال محجوبًا لحسن الحظ، فقد انتابتها لحظاتٌ خاطفةٌ متكررةٌ من الوعي، حيث استطاعت تحسُّس قضبان حديدية أسفل قدمَيها الحافيتَين.
وإذا بها تزل وتكاد تفقد توازنها على حافة سُلم ملتفٍّ هابط. كان ضيقًا وملتفًّا على نحوٍ حادٍّ جدًّا حتى إن رأسها دار من تكرار الدوران. وفي هبوطها مندفعة من درجةٍ لدرجة مهرولة، مارَّةً بنافذة إثر نافذة، كانت دائمًا تجد مصاريعَ النوافذ مغلقة تحول دون دخولها.
ولم ترَ نافذةً مفتوحةً إلا بعد أن كاد يصيبها الهلع؛ خوفًا أن يكون حُظر عليها الدخول. قفزَت من فوق عتبة النافذة فكادت تنطرح في العتمَة الداخلية للحجرة. وبينما هي تتحسَّس طريقَها فيها لا ترى شيئًا، اصطدمت بعنفٍ بكرسي، تدلَّى فوقه ثوبٌ أسود، ثم ارتمَت بقوةٍ على الفراش بالعرض، ليرتطم رأسها بحاجزه الجانبي.
لم تتذكَّر شيئًا آخرَ حتى شعرت في نُعاسها بيدَين لم تَرَهما كانتا تضبطان الملاءة برفقٍ أسفل ذقنها. وحين فتحَت عينَيها بصعوبة التقتا بعينَي امرأةٍ هائلة الجرم، ذات شعرٍ داكن مموج يصل إلى كتفَيها، جعلها تبدو مثل طالبة مدرسة في منتصف العمر. كانَت ترتدي مئزرًا أزرق داكنًا مهندمًا، وتبدو حنونةً وقويةً في آنٍ واحد.
قالت المرأة بلغةٍ إنجليزيةٍ طليقةٍ مثل لاجئي الحروب: «معذرة، لكنكِ كنتِ مستلقيةً على الفراش بالعرض، من دون غطاء، كأن كابوسًا قد انتابك.»
ضحِكت جورجيا بارتياحٍ لما انتبهت مغتبطةً للشمس، التي انتشرَت أشعَّتها في بقعٍ على السقف.
وقالت: «لقد انتابني كابوس فعلًا. لقد حلَمت أن الحجرة قد زاد حجمها.»
ثم صدرت منها صيحةُ دهشة.
وقالت بشهقة: «لقد زاد حجمها فعلًا.»
مع أن الحجرة لم تكن هي الجناح الغامض الواسع الذي كان في حُلمها، فقد صارت ضِعف حجمها السابق. والجزء الذي كان يقع فيه فِراشها كان به أثاث حجرة جلوس، من أريكة، ومقاعد منجَّدة بمُخمل أصفر، ومنضدة مستديرة من خشب الجوز، وصوان مزخرف. وكان فوق رف المدفأة الرخامي لوحة مؤطرة لمنظر طبيعي مغطًّى بالثلوج، بدلًا من المرآة المعتادة.
كان الجزء الآخر من الحجرة يضم مخدعها المألوف. إلا أن الفراش كان قد تغيَّر موضعه ليقابل اتجاهًا آخر، وهو ما يفسِّر عدم قدرتها على العثور على زر النور.
ضحِكت السيدة على ذهولها.
وقالت: «يمكن تفسير هذا كلِّه ببساطة. إنني أعمل هنا؛ لذلك فقد طلبت مني السيدة فاندربانت أن أطمئن على راحتكِ. فدخلت بمفتاح العاملين الخاص بي بعد أن خلدتِ للنوم، ووجدتكِ ساخنة، ساخنة جدًّا كأنكِ محمومة. كانت الحجرة مثل الفرن؛ لذلك فتحت الأبواب المنزلقة للصالون. إنها مغطاة بورق حائط، كما ترين. وهذا ما يجعلها غير مرئية. ها هي.»
ووضحت لها كيف تعمل الأبواب، ثم ابتسمت ابتسامةَ إقناع.
ثم قالت بحماسة: «لا بد أن تدركي يا سيدتي كم أنتِ محظوظة بذلك. كان الفندق مشغولًا بدرجةٍ كبيرةٍ حين جئتِ للحجز، حتى إننا اضطررنا إلى إعطائكِ المخدع التابع لهذا الجناح الخالي. وها قد تبيَّن أنكِ بحاجةٍ إليه، فإذا كنتِ تريدين حجزه من الممكن أن نمنحكِ إياه بتخفيض عشرة في المائة في السعر. ويوجد كذلك حمَّام، حيث من الممكن أن تكوني في خصوصية تامة.»
رغم أن جورجيا ارتأت أن مثل ذلك الاتفاق ليس ضروريًّا، فقد هزَّت رأسها موافقة.
فقالت المرأة سريعًا، قبل أن تستطيع أن تغيِّر رأيها: «سأفتح المياه في الحال إذن. بإمكانكِ أن تأخذي حمَّامًا قبل أن يأتيَ النادل بالإفطار والقهوة.»
رفعت جورجيا صوتها ليعلو على صوت خرير المياه.
وسألتها: «هل كنت نائمة حين دخلتِ ليلة أمس؟»
«كنتِ نائمة حتى وأنا أزيح الفِراش ليستقبل تيارَ الهواء الآتي من الحديقة. يمكننا الآن أن نتركه في مكانه.»
«شكرًا. كان هذا كرمًا بالغًا منكِ.»
«لا يا سيدتي، فإنني أتقاضى أجرًا مقابل الخدمة. السيدة فاندربانت هي التي رتَّبت كل شيء.»
«لكنني لم ألتقِ بها إلا ليلة أمس لأول مرة.»
«لا شأن لذلك بالأمر. إنها سيدة ثرية ذات حسَب، وأمثالها غالبًا ما يكونون خيرين.»
«هل تأتي إلى هنا كثيرًا؟»
«ليس بقدرِ ما نودُّ أن تأتي. هلا تقرعين الجرس يا سيدتي ليأتيَ الإفطار؟»
ذهبت المرأة إلى الباب، لكن على الرغم من التلميح واصلت جورجيا أسئلتها.
«في أي وقت ستغادر؟ فإنني أود أن أشكرها.»
«لقد فات الأوان للأسف. فإنهم على وَشْك المغادرة.»
«أجل، لقد أخبرني الكونت أنهم سيأوون جميعًا إلى النوم مبكرًا. هل رحلوا؟»
كانت جورجيا تتحدَّث باندفاعٍ بأملٍ واهنٍ أن تجِد ما يطمئنها. ثم اكتشفت غلطها في مناقشة شئون نزلاء الفندق، حين صار وجه المرأة خاليًا من أي تعبير.
علَّقت المرأة قائلة: «إذن؟ بعد قليلٍ سيمتلئ المَغْطِس يا سيدتي.»
وبمجرد أن أغلقت الباب، أوصدت جورجيا المزلاج وذهبت إلى الحمَّام. كان حجيرة معتِمة صغيرة، يأتيه الضوء من الممر من خلال نافذة صغيرة زجاجها أزرق في أصفر كهرماني، ينعكس عليه ظلال الناس المارين بالخارج.
كانت الحركة في الممر مستمرَّة، حتى إنها شعرَت كأنها كانت تستحمُّ على مرأًى من الناس، على الرغم من تأكيد عاملة الغرف على عزلته. ولتردُّدها إزاء إضاءة النور من دون ستارٍ ليغطي الزجاج، فقد راحت تغتسل في شبه عتمة.
وبينما هي ترتدي رداء الحمَّام مرة أخرى، سمِعت رنين الهاتف فهُرعت عائدة إلى مخدعها. وانتزعت السماعة متلهفة، على أمل التحدُّث إلى الكونت، لكنها أُصيبت بخيبة أمل حين جاءها الصوت المألوف لوكيلها.
«كيف حالكِ هذا الصباح يا جورجيا؟»
أجابته قائلة: «على خيرِ ما يرام.»
«خير. ماذا ستفعلين اليوم؟»
«لا شيء.»
«هل ستأتين إذن معي إلى بروج؟ لقد انتهيت من عملي هنا، لكنني أنوي البقاء يومًا. ما رأيكِ؟»
كانت تنوي رفض الدعوة، لكنها تردَّدت فعدَلت عن قرارها. على الأقل ستستطيع أن تحدِّثه عن الكونت، وربما يخفف ذلك من حزنها. ما دامت الشمس مشرقة، فلا يزال هناك بصيص من أمل.
قالت بكآبة: «أود ذلك.»
فقال تورش مقررًا: «سآتي إليكِ إذن لأصطحبكِ الساعة العاشرة.»
كانت تلك أهمَّ صفقة أبرمها لصالح عميلته على الاطلاق، لكنه أنهى المكالمة دون أن يعيَ ذلك بالمرة.
بينما كانت جورجيا مضطجعة في فراشها في انتظار الإفطار، بدأت تعيد التفكير في انطباعاتها عما حدث ليلًا.
قالت لنفسها بحسم: «لا بد أنني استيقظت لحظةً أو نحو ذلك، وعندها أدركت أن الحجرة صارت أكبرَ حجمًا. ثم غلبني النُّعاس فنمت مجددًا. لطالما قال أبي إنه من الممكن تتبُّع منشأ كل حُلم. وقد بدأ حُلمي من المرآة التي في صالون السيدة فاندربانت.»
متيقنة من نقطة البداية، بدأت جورجيا في إعادة جمع الخيوط. كانت المرآة قد ذكَّرتها بالحُلم الذي راودها في طفولتها، حين رأت حشدًا من الوجوه البغيضة والمقززة، جاءت كلها من نقوش هوجارث. فكانت الذكرى التي بعثتها مسئولةً بدورها عمَّا طال ضيوف حفل العشاء من تحوُّل شنيع، وفي الوقت نفسه أجَّج هلعها الكامن من صورة متحف ويرتز القسوةَ الساخرة التي وجدتها في عينَي الكونت.
وحدَّثت نفسها قائلة: «تلك الجزيرة الموحشة أيضًا. كان ذلك بالطبع نتيجةً منطقية لمعركة واترلو. فقد جعلتني أستغرق في التفكير في سانت هيلينا.»
كانت قد ذهبت وحدها لا تلوي على شيء، في رحلة استكشافية من دون الكونت، ضمن مجموعة من السائحين. وقد تأثَّرت بشدة بما رأته وسمِعته مع غيابه بشخصيته الآسرة للانتباه. جعل المرشدُ المعركةَ تبدو كأنها أحدَث من الحرب العالمية التي وقعت بين عامَي ١٩١٤ و١٩١٨، وهو يشرح البقايا الصدئة في نُزل «لا بيل ألاينس» ويصف المذبحة المروعة التي جرَت في الخنادق المتوارية.
وبعد ذلك صعِدت الدرجات إلى قمة الجبل، وبينما هي تجول ببصرها في الحقول الهادئة المتألقة بضوء الشمس، تكونت في مخيِّلتها صورة المعركة. كانت قد اندمجت تمامًا في أنشطة السيَّاح حتى إنها اشترت تذكارًا منقوشًا عليه أسد هولندي، لكنها أخفته حتى لا يسخر منها الكونت.
قالت في نفسها: «لا عجب أنني شعرت كأنني نابليون.»
مقتنعة بتفسيرها، نهضت جورجيا من الفراش وعبَرت إلى نافذة الصالون. كانت ممتدةً أسفلها حديقةٌ بها بعض الشبه من غابة الأشجار الشاسعة في حُلمها. كانت مخطَّطة تخطيطًا طموحًا بالنظر لحجمها البالغ الصِّغر، بشجيرات مُغبرة، وتماثيل رصاصية، وبِركة أسماكٍ صغيرة امتلأت بمياه بنية، لكن مظهرها العام كان يشي بالإهمال. فقد كانت الحشائش كثيفة، والمقاعد الخشبية مبتلَّة لا يمكن الجلوس عليها، والأجزاء الحجرية مسودَّة من السُّخام.
على بُعد مسافةٍ قصيرة، كان سُلم الحريق قائمًا على خلفية السماء. كان السُّلم صاعدًا في التفافٍ شديد نحو السطح. وقد بدا من مخدع جورجيا مَعبرًا بالغَ الخطورة نحو الأمان، حتى إنها ارتأت أنه لا بد أن يكون قد بُني على أساس أن الخوف الأكبر يبدِّد الأصغر.
وبينما هي تُتابع مسارَه، لاحظَت نافذةً كبيرةً مفتوحةً قائمةً في زاويةٍ بين جدارَين. كان في مرآها شيءٌ مألوفٌ غير سارٍّ بالمرة، حتى إنها لم تنتبه لدخول النادل بصينية إفطارها.
تطلَّع النادل إلى أعلى ليعرف ما الذي كان مستحوذًا على انتباهها.
ثم قال لها: «لقد كنتِ عند تلك النافذة المرتفعة ليلة أمس.»
عند سماع هذه الكلمات جاشت ذكرى حُلمها فغمرت ذهنها.
قالت محتجَّة: «لا. هذا مستحيل.»
نظر الرجل إلى وجهها المضطرب بدهشة.
وظل على قوله؛ إذ قال: «نعم يا سيدتي. إنه جناح السيدة فاندربانت حيث تناولتِ العشاء مساء أمس. إنه أغلى جناح لدينا لإطلالته الخلابة على المدينة. من المحتمل أن تكوني قد أطللتِ من نوافذه يا سيدتي، أليس كذلك؟ … إنني في خدمتك.»
وهكذا وضع الصينية وخرج من الحجرة، بينما ظلَّت جورجيا قابضةً على إطار النافذة. وإذ فجأةً ارتجَّ كيانُها برياح الشك البغيضة. حتى الشكوك التي كانت أغربَ بكثيرٍ من أن تصدِّقها، راحَت تهتف مطالبةً بأن تعترف بها وتصدقها استنادًا إلى حقيقة واقعة.
لقد ثبتت صحةُ جزء من حُلمها بدليل أن الحجرة ازداد حجمها. وبناءً على ذلك، بأي حق تستطيع أن تدَّعي معرفة في أي جزء تحديدًا انتهى الحلم؟ من الوارد أن تكون قد أقدمت فعلًا على تلك الرحلة الخطيرة صاعدةً إلى السطح تحت تأثير الدواء.
نظرت إلى حافة النافذة، وارتجفت من مجرد التفكير في الحفاظ على توازنها على هذه الحافة الضيقة. وكانت الفجوة التي تفصلها عن السُّلم تستوجب القفز عَبْر مساحةٍ فارغة. فلو كانت سقطت، ولو حتى من الطابق الأولى، لكان من المحتمل أن ينكسر ظهرها أو عنقها.
قالت لنفسها يائسة: «ليتني أعرف الحقيقة.» للأسف لم يكن ثمة سبيلٌ للتأكد من أي نظرية، بما أنها قضت على أي دليل بالفعل. كان الضوء في الحمَّام خافتًا جدًّا لتكتشف ما إذا كانت يداها أو قدماها متسختَين، فيما لم تكشف بيجامتها الساتان السوداء عن أوساخ.
نظرًا لاستعصاء الوصول إلى حل أكيد للغز، فقد أوعز إليها المنطق أن تطرد المسألة من ذهنها لكونها مستعصية على التصديق. لكن ظلت تلك النافذة المفتوحة، بشكلها المألوف، تستدرجها أكثرَ إلى الشيء المروِّع الذي اكتشفته وراء الستار.
وبينما هي ترتجف، اجتذبها صوتُ نفير سيارة فمضت إلى النافذة الأخرى. كان ثمة سيارة مفتوحة كبيرة متوقِّفة بجانب الرصيف محمَّلة بالأمتعة. وقد أحاط بها صِغار الخدم بالفندق بزيهم الرسمي، يرجو كلٌّ منهم الحصول على نفحات من المال. كان البروفيسور وكلير داخل السيارة بالفعل، لكن لم تَضِع على جورجيا فرصة أن تشهد رحيل الكونت وعمَّته.
وبينما هي تشاهد السموَّ الذي استقبلت به السيدة فاندربانت انحناءات التبجيل من العاملين، تلاشى شبح الوجه المتردي بالطمع الخبيث. فقد كانت السيدة الموجودة بالأسفل سيدةً جليلة، في زيارتها شرف يقدِّره الفندق.
تسارعت ضربات قلبها حين نظر الكونت إلى أعلى، وفاجأها وهي تنظر من النافذة. قبَّل أصابعَه لتوديعها، فيما أضاءت الشمس عينَيه الزرقاوَين، فلم يُوحِ صفاؤهما بأنه قضى ليله معربِدًا.
لوَّحت جورجيا بيدها، وعادت إلى إفطارها الذي تجاهلته.
وقالت لنفسها وهي تصبُّ القهوة: «الحمد لله أنه كان حُلمًا محضًا. مؤكد أنه كان على الأرجح شقيًّا قاسيًا وهو طفل، مثل ذينك الطفلين في الصورة. فإن جيله لم يُربَّ على الرفق بالحيوانات. أما الآن فالأطفال هم الذين يعلِّموننا.»
وابتسمت لدى تذكُّرها أول جرو تربِّيه ابنتاها. فإنها قبل أن تستطيع أن تلقي خُطبة قصيرة عن الرفق بالحيوانات سبقتها ميفيس، التي كانت قد تعلَّمت من مربيتها قبل ذلك.
فقالت بصرامةٍ وارتيابٍ معتبرةً أمَّها نموذجًا لقسوة الكبار: «يجب ألَّا نقسوَ أبدًا على الكائنات العجماء. تقول الآنسة جونز إننا لا بد أن نتذكر أن الجرو يشعر مثلنا، وإن كان لا يبدو مثلنا تمامًا.»
ثم أضافت ميرل، متجاهلة التسلسل المترابط: «وتذكري أنكِ يجب ألَّا تلتقطيه وتحتضنيه بقوة، وإلا فسينزعج بشدة.»
صدر نفيرٌ آخر فعرفت أن الكونت كان في سبيله إلى الخروج من بروكسل وحياتها. سمِعت السيارةَ وهي تسير على الحصى، وكانت تعلم أنه كان بصحبة طيف سيدة لم تعِش إلا في خيال كاتبة روايات.
غادر الكونت والكونتيسة البلدة.