الرسالة السابعة عشرة١

الوداع يا وطني، يا مثوى الآباء والأجداد، الوداع يا أخي

يا أخي:

هذه هي عبارتك الأخيرة التي لَفِظْتَها قبل وفاتك، كأن لبنان في تلك الساعة الرهيبة قد تجلى أمامك، فشعرت أنك غريب عن ديارك، وكافة أهلك.

فعزَّ عليك كثيرًا دُنُوُّ أجلك في منآك، ووددْتَ أن يُغْمِض الله جفنك في لبنان؛ ليثوي جثمانك تحت صخرة من صخوره، أو قُرْب شجرة من أشجاره.

وجلَّ قصدك أن يمسي هيكلك الذي كان يُحَمِّل نفسك الكبيرة جزءًا غير منفصل عن تراب الوطن الذي احتضنك صغيرًا، وهو يحضن الآن بقايا آبائك وأجدادك، الذين أَمْسَوْا ترابًا ممزوجًا بترابه، وكيانه متحدًا بكيانه.

يا أخي:

لا أنسى — ما زلْتُ حيًّا — كلمتك الأخيرة «الوداع يا أخي»، تلك الكلمة التي ودَّعْتَ الكلام حين ودعْتَني بها.

لا أنسى أبدًا كيف تحرَّكَتْ عند لفظها شفتاك، ثم أطبقتا إطباق الموت، ولا أنسى كيف نطقها لسانك، ثم خرس إلى الأبد، وكيف حدَّقت طرفك بي، ونَظَرْتَنِي بعَيْنَيْ عقلك وبصرك، ثم ابتدأَتْ تتقزَّز عيناك، ثم جمدتا، وبعد هنيهةٍ أُطفئ نورهما إلى الأبد.

١  بيروت في ٥ حزيران سنة ١٩٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤