الرسالة الواحدة والثلاثون١

أنا سعيد، لماذا تبكي؟

يا أخي:

كتب إلي أحد الأنسباء الأعزاء عن عاصمة المكسيك ما يلي:

نهار البارح زُرْتُ قَبْر المرحوم طانيوس بإكليلين من الزهر، وما وَقَفْتُ حيال الجدث، حتى ذرفتُ عبرتين حارتين، فإذا بقوة خارقة العادة جذَبَتْنِي إلى الوراء، وبهمسٍ أرق من النسيم يقول لي: أنا سعيدٌ، لماذا تبكي؟

هذه حقيقةٌ، أُرسلها إليك، وتَقْدِر أن تعتمد عليها وتتعزَّى.

أجل، أنت سعيدٌ يا أخي، وليس عندي أدنى شكٍّ في سعادتك، لكني كلما فكَّرْتُ بهذه العبارة، التي همَسْتَها إلى نسيبك يخامرني الشك، ويمتلكني الريب بأنك قائلها.

ولهذا السبب جئت أسألك: أحقيقة نَطَقَتْ روحك بها، أو أن النسيب الذي يعتقد بك الصلاح الكليَّ سمع صَوْت ضميره لا صَوْت روحك يهمس إليه خبر سعادتك، والسعادة ميراث الصالحين؟

أما أنا فقد حاولت مرارًا أن أتصل بنفسك ولم أستطع، فإذا كنت حقيقة قد خاطبت نسيبك، فلماذا لم تخاطِبْ أخاك؟!

وإذا كنت أقمْتَ النسيب وسيطًا بينك وبيني، فإني أقرُّ وأعترف أمامك بأني أحب النسيب، ولكني لا أحبُّ الوسطاء.

١  بيروت في ٢٥ ت٢ سنة ١٩٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤