السادة

عرفت السيادة بتعريفات كثيرة، أصحها فيما نرى أن السيادة هي سند الحكم، ويشمل الحكم السياسة والتشريع وولاية الأمور العامة.

ومعنى السند أنه هو المرجع الذي يكسب القانون أو الرئيس حق الطاعة له والعمل بأمره، فليست السيادة هي سلطان الحكم نفسه، ولكنها هي السند الذي يجعل ذلك السلطان حقًّا مسلمًا، ولا يجعله غصبًا ينكره من يدان بطاعته.

ولا يتفق الباحثون من فقهاء النظام السياسي على مصدر واحد للسيادة، ولكنهم متفقون على وجودها ووجوبها، وأن الحكم بغيرها لا يقوم على أساس.

فقديمًا كان الرومان يرجعون إلى القانون الطبيعي، ويتخذونه سندًا للتشريع، ويعنون بالقانون الطبيعي سنن الفطرة التي يلقنها الخلق جميعًا بغير ملقن، ويعملون بها بداهة حين يجتمعون وحين يتفرقون، ولكل أمة أن تتخذ من ذلك القانون ما يلائمها فيصبح قانونًا خاصًّا بها مميزًا من القانون العام، ويتولاها فيها ولاة الأمر، وهم في رومة القديمة قناصلها وشيوخها ووكلاء القبائل الذين كان لهم حق الاعتراض ووقف الأحكام.

وبعد شيوع المسيحية ظهر من شراح النظم الحكومية من ينوط السيادة بالسلطة الدينية قائمًا بها رجال الدين، وظهر منهم من ينوط السيادة بالملوك موكلين بها من قبل الله، وهو ما يسمونه الحكم بالحق الإلهي.

ولم يكن للأمم المحكومة شأن في كل هذا غير طاعة السيد القائم بالأمر فيها، ولكن الفقهاء الذين نشئوا في القرن السادس عشر أدخلوا الرعية في حسابهم فجعلوا السيادة مستمدة من التعاقد بينها وبين رعاتها، ولم يكن ملوك ذلك الزمن يكرهون ذلك التحول في فهم أساس الحكم؛ لأنهم كانوا يتبرمون بالسلطة الدينية، ويلتمسون لحكمهم أساسًا غير الأساس الذي تفرضه عليهم وعلى رعاياهم، وكان هوبرت لانجيه Hubert Languet أبرز هؤلاء الفقهاء في أواخر القرن السادس عشر، وهو من طائفة «الهوجنوت» أي البروتستانت الفرنسيين، فقرر في الكتاب الذي ينسب إليه على الأرجح، وهو كتاب الحجة على الطغيان Vindiciac contra Tyranos أن كل حكومة تستند إلى عقد بين الله والخلق جميعًا، ويتبعه عقد بين الراعي ورعيته على العمل بأوامر الله ونواهيه، فما لم يكن الحاكم منفذًا للعقد الإلهي، فالعقد الذي بينه وبين المحكومين غير ملزم، ويجوز لهم أن ينسخوه.

وتطورت فكرة السيادة التي تقوم على التعاقد فقررها علماء كثيرون يستند بعضهم إليها لتأييد الحكم المطلق ويستند بعضهم إليها لتأييد الحكومة الدستورية، فكان توماس هوبز الإنجليزي (١٥٨٨–١٦٧٩) يقرر أن السيادة مستمدة من تعاقد بين الناس على اختيار حاكم يتولى أمورهم؛ لأنهم يخشون بعضهم بعضًا لغلبة الشر والعدوان على طباعهم، ولا يحق لهم متى تولى الحاكم أمرهم أن يخرجوا عليه؛ لأن التعاقد يلزمهم ولا يلزمه، إذ لم يكن طرفًا فيه بل كان منفذًا له بناء على التعاقد بينهم.

وكان جون لوك الإنجليزي (١٦٠٣–١٧٠٤) يقرر أن العقد ملزم للحاكم؛ لأن المحكومين طرف فيه والحاكم طرف آخر، وينفي أن الناس مفطورون في حالتهم الطبيعية على الشر والعدوان عاجزون عن محاسبة الحاكم على أخطائه ومظالمه، ولا يرى أنهم نزلوا عن حقوقهم كلها لملوكهم، وإنما نزلوا عن جانب من الحرية؛ ليحفظوا سائر الحقوق.

أما روسو — وقد اشتهر بالعقد الاجتماعي حتى ظن أنه منشئ هذه الفكرة — فعنده أن أفراد الرعية لا ينزلون للحاكم عن حريتهم، ولكنهم ينزلون بعضهم لبعض عنها، ويوكلون الحاكم ليعمل باسمهم على رعاية حقوقهم ومصالحهم.

وتتجدد الآراء عن مصدر السيادة كلما تقدم العلم، وعرفت طبائع الاجتماع، وقام تفسيره على التجارب العملية، فمن أبناء هذا العصر من يرجع إلى القول بالأمر الواقع وحق القوة، ومنهم من يرى أن الدولة تتطور وتتغير فيها مصادر السيادة كلما خرجت من طور إلى طور، وانتقلت من حالة إلى حالة، فليس من الطبيعي أن تقام فيها السيادة على مصدر واحد، وأن يحصر هذا المصدر في صفة واحدة.

وليس في الإسلام ما يقضي بإنكار مذهب من هذه المذاهب في سند هذه السيادة وأساس الحكومة، إلا المذهب الذي يدعي للحاكم سلطة إلهية أو سلطة لا رجعة فيها، فإن الإسلام يقرر أن النبي بشر ليس له من الأمر شيء، وكان النبي — عليه السلام — ينكر على الوالي أن ينتحل لنفسه ذمة الله، ويقول لمن ولاه أمرًا: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فأنت لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا.»

وكان الفاروق — رضي الله عنه — يأبى أن يقال عن رأيه إنه مشيئة الله، وانتهر بعض جلسائه؛ لأنه زعم ذلك فقال: «بئس ما قلت! هذا ما رأى عمر، إن كان صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر … لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة.»

والذي يبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى سند السيادة في الإسلام هو الرأي القائل بأنها عقد بين الله والخلق من جهة وعقد بين الراعي والرعية من جهة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ.

إن تقرير مصدر السيادة ضرورة عظمى تواجه الدولة الإسلامية الناشئة لا محالة في أول تكوينها؛ لأنها تحتاج إلى تقرير حق الطاعة، وما يجوز أو لا يجوز في تطبيق الأحكام أو وقفها وتعديلها، وقد ووجهت الدولة العثمانية بهذه الضرورة العظمى في مبدأ قيامها بين رعاياها من مختلف الأجناس والشرائع والأديان، وتصرفت في ذلك بما سيأتي بيانه في باب التشريع، ثم ووجهت دولة باكستان الناشئة في هذه العصر بهذه الضرورة بعينها فبحثها أناس من الفضلاء المطلعين على شرائع الأمم، ووقفنا على بعض هذه البحوث في مجلة «رسالة باكستان» للدكتور اشتياق حسين قريشي أحد الوزراء في حكومتها، فاكتفينا به؛ لأنه يلخصها تلخيصًا وافيًا، ويقرر الرأي الذي نحسبه غالبًا على فقهائها العصريين بالجملة على الأقل، إن لم يكن بالتفصيل.

استهل الدكتور بحثه قائلًا: «لم يستطع فلاسفة السياسة أن يصلوا إلى صاحب الحق الفعلي في السيادة على كثرة الأبحاث الطويلة والجهود الفكرية المضنية التي بذلوها في هذا السبيل، ففي الوقت الذي يذهب فيه بعضهم إلى القول بأن البرلمان في دولة متحضرة كالمملكة المتحدة مثلًا هو صاحب السيادة الحقيقي، يرى آخرون أن الناخبين الذين يختارون البرلمان هم أصحاب السيادة، فهم قادرون على خلع الملك وحل البرلمان، ويرى غيرهم أن الناخبين أنفسهم ليسوا مخيرين؛ بل مسيرين بما سمعوه من دعوة، وتلقوه من علم، واعتقدوه من دين، واتخذوه من أفكار سياسية واجتماعية، فهل هذه العوامل هي صاحبة السيادة الحقيقية في الدولة؟ وهل الصحف والمدارس ودور السينما وغيرها هي السلطة العليا التي تسود الدولة؟»

ورأى الأستاذ أن تتبع هذا المنطق لا ينتهي بنا إلى نتيجة عملية، ثم قال: «ولهذا وضع الفقهاء أسسًا عرفوا فيها أصحاب السيادة بأنهم السلطات التشريعية العليا والقوى المتعددة التي تتحكم في حياة الشعوب وتوجه نشاطها، وهي متشابهة في جميع الدول، ولو أنها ليست واحدة.»

إلى أن قال عن السيادة في باكستان: «أما صاحب السيادة السياسية في باكستان — شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول — فهو الشعب، ولا يتعارض هذا القول بطبيعة الحال مع فكرة السيادة الإلهية، فالله — سبحانه وتعالى — سيد الكون لا رادَّ لإرادته، وهو صاحب السيادة في كل دولة إسلامية كانت أو غير إسلامية، والمتحكم في مصير كل فرد من أفرادها سواء منهم الذين يعترفون بوجوده والذين لا يعترفون به، ولكننا حين نتحدث عن السيادة فإنما نقصد بها السيادة العملية وبخاصة في الدول التي لا تعترف بوجوده سبحانه وتعالى، وليس من المستحيل — مهما يكن ذلك بعيد الاحتمال — أن يكف أهل باكستان عن إيمانهم بالله … فإن فعلوا لا قدَّر الله فإن السيادة الإلهية لا تبطل، ولكن سلطة الشعب ستوجه الأمور في البلاد توجيهًا آخر … وواضح من هذا أن شعب باكستان — ككل شعب آخر صاحب سيادة — يستطيع إذا رغب أن يتخذ ما شاء من قرار سواء كان صالحًا أو غير صالح.»

ثم استطرد الأستاذ إلى السيادة التشريعية فقال: «إن التشريع في الإسلام يقوم على مبادئ ثلاثة، منها اثنان لا يتغيران وهما القرآن الكريم والحديث الشريف، والثالث وهو تفسير المبدأين الأولين يهدف إلى تفسيرهما حسب مقتضيات الأحوال، فمن الخطأ والحالة هذه أن نقول إن الشرع لا يتغير …»

إلى أن قال إنه من المتفق عليه في جميع الدول الإسلامية «أن الجزء القابل للتغيير في الشرع يتطلب إصلاحًا شاملًا، وأن الأسس التي لا تقبل التغيير بحاجة إلى تفسير جديد».

ويقول الأستاذ: إن بعضهم يقترح أن ينص الدستور على إنشاء هيئة من الفقهاء وعلماء الدين تكون مهمتها نقض أي تشريع تعتبره مناقضًا للشرع، ولكنه استنكر هذا الاقتراح؛ لأنه يجعل فهم الدين حكرًا لبضعة آحاد «… والمبادئ العامة وتطبيقها على الناس بوجه عام ليست أمرًا قانونيًّا بحتًا، فمن المسلم به أن منصب القاضي لا يشغله غير العليم بالشريعة، ولكن المشرع غير القاضي، وحسبه أن يقبل المبادئ القانونية وأن يصاغ تشريعه في الصيغة التي يرتضيها خبراء القانون.»

وختم الأستاذ بحثه بالتفرقة بين السيادة السياسية والسيادة الحقيقية، فقال: «إن السيادة السياسية للشعب الذي يملك حق انتخاب المشرعين والحكومات وإقالتهم … أما السيادة الحقيقية: فستكون من الناحية الأساسية مبادئ الإسلام … وسبيل تقريرها أن يتعلمها الشعب والأبناء، وأن يتدارسوها على الدوام.»

•••

هذه خلاصة رأي العالم الباكستاني في مسألة السيادة أو مصدر السلطات في الإسلام، وهو رأي راجح لا ينفرد به المجددون من أصحاب الآراء؛ بل يقول به المحافظون من علماء السنة المشهورين، وقد أثبته العالم المصري الكبير الشيخ محمد بخيت الذي تولى إفتاء الديار المصرية زمنًا واشتهر بالمحافظة وكراهة الغلو في التجديد، فقال في كتابه عن حقيقة الإسلام وأصول الحكم: إن كتب الكلام «كلها مطبقة متفقة على أن منصب الخليفة والإمام إنما يكون بمبايعة أهل الحل والعقد، وأن الإمام إنما هو وكيل الأمة، وأنهم هم الذين يولونه ملك السلطة، وأنهم يملكون خلعه وعزله، وشرطوا لذلك شروطًا أخذوها من الأحاديث الصحيحة، وليس لهم مذهب سوى هذا المذهب … فإن مصدر قوة الخليفة هو الأمة، وإنه إنما يستمد سلطانه منها، وإن المسلمين هم أول أمة قالت بأن الأمة هي مصدر السلطات كلها …»

غير أن القول بأن الأمة هي مصدر السيادة في الإسلام لا ينبني على أنها قد تتحول عن دينها في احتمال قريب أو بعيد؛ إذ التحول عن الدين جريمة كبرى في جميع الأديان، وليس بالمعقول أن ينبني على الجريمة حق من الحقوق فضلًا عن حق السيادة الذي هو مصدر جميع الحقوق.

وإذا قال العلماء: إن الأمة هي مصدر السيادة فلا تعارض بين هذا القول وبين القول بأن القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدر التشريع، فإن الأمة هي التي تفهم الكتاب والسنة، وتعمل بهما، وتنظر في أحوالها لترى مواضع التطبيق ومواضع الوقف والتعديل، وتقر الإمام على ما يأمر به من الأحكام أو تأباه.

وقد وقف الفاروق — رضي الله عنه — حد السرقة في عام المجاعة، ولم يقم الصديق — رضي الله عنه — حدًّا على خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة وبنائه بزوجته قبل وفاء عدَّتها، لحدوث الواقعة في أحوال تعرضه للخطأ في التقدير، وقال النبي عليه السلام: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» بعد أن جاء في القرآن الكريم: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ.

وعلل أناس من فقهاء الترك وقف بعض الحدود بتعذر الاعتماد على شهود عدول في العقوبات التي لا تستدرك، ولم يعنوا بذلك اتهام الناس جميعًا بالكذب والزور؛ بل كان كافيًا في رأيهم أن يوجد قوم يشهدون زورًا، ويحترفون الشهادة أحيانًا؛ للتحرج من التعويل على الشهادة في العقوبات التي لا تستدرك بعد نفاذها.

ومن الأصول المقررة: «درء الحدود بالشبهات» وهي — أي الشبهات — شيء لا يعرف قبل الزمن الذي تقع فيه الجريمة، فمن كان من حقه — بل واجبه تقدير الشبهة — كان من حقه بل واجبه أن يتحرى المواقف التي يدرأ فيها الحدود.

واتخاذ الإجماع مبدأ من مبادئ التشريع بديهة لا تحتاج إلى شرح طويل، فما من أحد يقول: إن الأمة تجمع على حكم ولا يكون إجماعها ملزمًا لها مجتمعة أو متفرقة، وغاية ما قيل في هذا الصدد إن الإجماع الذي لا يشذ عنه أحد مطلب عسير، وإنه لم يتحقق قط في مسألة من المسائل، ولكن هذا الاعتراض لا يجعل الأمور المتفق عليها بين الكثيرين أو القليلين كالأمور التي لا يتفق عليها كثيرون ولا قليلون، فإن لم يتيسر الإجماع فما هو قريب من الإجماع متيسر، وهو أولى بالإلزام من الحكم الذي يرفضه الأكثرون.

ومن المعلوم أن الإجماع عند المسلمين إجماعان: خاصٌّ وعامٌّ. فالخاص: هو إجماع أصحاب الرأي في العلم والشريعة وذوي الحل والعقد من القادة والرؤساء، والعام: هو إجماع الخاصة والعامة والعلماء والجهلاء، وإجماع الخاصة مطلوب في السيادة التشريعية، وإجماع الخاصة والعامة مطلوب في السيادة السياسية، فإن لم يكن إجماع فالاتفاق القريب منه أولى بالاتباع.

وقد كان جهل العامة حجة من الحجج التي اعتمد عليها المنكرون لسيادة الأمة في البلاد الغربية، فقالوا: إن سيادة الأمة وهمٌ وإن السيادة الحقيقية إنما هي سيادة الزعماء الذين يقودونها بالإقناع والتأثير فتنقاد، فلم يبطل هذا الاعتراض قول القائلين بسيادة الأمة كلها؛ لأن الأمة كما ذكرنا في غير هذا الفصل بنية حية تقوم العلاقة بين آحادها على التجاوب والتفاعل، وتجري وظائفها على التعاون والتكافل، فإذا كان فيها تابعون ومتبوعون وأصحاب رأي ومقلدون فهذا هو الشأن في كل جماعة إنسانية تنتمي إلى أمة واحدة أو أمم كثيرة، ومن الصعب جدًّا حصر الزعماء الذين يستولون على حق السيادة والحكم، ولكنهم إذا استولوا عليه بالإقناع والتأثير لم يفقدوا زعامتهم، ولم يفقد التابعون لهم حقوقهم في السيادة السياسية ولا في سيادة التشريع.

على أن القول بحق السيف نفسه لا يبطل سيادة الأمة في سياستها، وكل ما يثبته لصاحبه أنه يضطر الأمة إلى استخدام سيادتها على الوجه الذي يريده، فإذا امتنع الاضطرار عادت سيادتها إليها، ولم يكن لصاحب السيف حق يدعيه.

وقد عرف الإسلام حقًّا للسيف ولكنه حقٌّ تشفع له حقوق أعظم منه، كدفع الفتنة ومنع الفوضى وحماية الحوزة وإلزام البغاة والمذنبين أن يذعنوا للشريعة، ومن لم يعبر من فقهاء المسلمين عن سيادة الأمة بهذه العبارة فهو لا ينقضها ولا يقول بغيرها، وقد ذكروا العهد بين الراعي والرعية بما يقرب من نظرية العقود الاجتماعية عند فقهاء السياسة من الغربيين، ولكن العقود الاجتماعية مجازية ضمنية، والعهد في الإسلام حقيقة عملية تتمثل في المبايعة وفي الاعتماد على كتاب موجود ملزم للحاكم والمحكوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤