الفصل الأول

غابَةُ الشَّيَاطين

(١) حَفْلةُ التَّتْوِيجِ

في لَيْلَةٍ مِنْ لَيالِي الصَّيْفِ البَهِيجَةِ كانَ الشَّعْبُ الهِنْدِيُّ يُعِدُّ مُعِدَّاتِهِ فِي مَدِينَةِ «أَيُدْيا» الْمَحْبوبةِ — حاضرَةِ ممْلَكَةِ «كُوسالا» الشَّاسِعَةِ — لِيَحْتَفِلُوا فِي اليَوْمِ التَّالي بِتَتْوِيجِ أمِيرِهِمْ «راما» الَّذي افْتَتَنَ الشَّعْبُ بِحُبِّهِ؛ لِما تَمَيَّزَ بِهِ عَلى أُمَراءِ عَصْرِهِ، مِنْ باهِرِ الْمَزايا، وَصالِحِ الْأَعْمالِ. وَقَدِ افْتَنَّ النَّاسُ في ذلِكَ أَيَّما افْتِنانٍ؛ فَعَلَّقُوا — في أَعالي الْأَشْجارِ — منَ الْمَصابِيحِ الْمُتَأَلِّقةِ أَشْباهَ الثُرَيَّا الْمُنَوَّرَةِ، وَزَيَّنُوا مَعابِدَ الْمَدِينَةِ بالْأَعْلامِ الْخَفَّاقَةِ، وَعَطَّرُوا الْجَوَّ بالطِّيبِ الشَّذِيِّ، والبَخُورِ الذَّكِيِّ، والزَّهْرِ الْجَنِيِّ.

ولم يَبْقَ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَحَدٌ إِلَّا أَسْهَمَ في هذا الاحْتِفالِ العَظِيم، وباتَ يَتَرَقَّبُ فَجْرَ الْيَوْمِ التَّالي بِفارِغِ الصَّبْرِ.

وَلا عَجَبَ في ذلِك؛ فإِنَّ الشَّعْبَ قد أَحَبَّ أميرَهُ «راما» وَزَوْجَهُ الصَّغِيرَةَ «سِيتا» حُبًّا لا يُوصَفُ.

(٢) الْحاسِدَتانِ

كانَ الْأَمِيرُ «راما» وَلِيَّ العهْدِ. وقد أَرادَ والِدُهُ الشَّيْخُ الهَرِمُ — بَعْدَ أَنْ شَعَرَ بِضَعْفِ صِحَّتهِ وَعَجْزِهِ عَنِ الْقِيامِ بِأَعْبائِهِ — أن يَتخلَّى عَنِ المُلْكِ، وَيَعْهَدَ بِأَمْرِهِ إِلى وَلَدِهِ «راما» ابْنِهِ الْأَكْبَرِ. وَقَدْ فَضَّلَهُ عَلَى أَخَوَيْهِ «بَهاراتَ» و«لَكْشَمانَ»، وآثَرَهُ بأَنْ يُقاسِمَهُ العَرْشَ في حَياتهِ، لِيَخْلُفَهُ بَعْدَ مَماتِهِ. وَقَدْ أَحَبَّ النَّاسُ جَمِيعًا هذا الأَمِيرَ، ما عَدا امْرَأَتَيْنِ أَوْغَرَ الْحِقْدُ صَدْرَيْهِما، وكادَ الْحَسَدُ يَأْكُلُ قَلْبَيْهِما. وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَمِيرِ يَدٌ في تِلْكَ الكَرَاهِيَةِ الَّتي امْتَلَأَتْ بِها نَفْساهُما، وَلَا حِيلَةٌ في دَفْعِ أَذاهُما. أَمَّا هاتانِ الْمَرْأَتان، فَأُولاهُما: الْمَلِكَةُ «كَيْكِي» زَوْجُ أبِيهِ، والأُخْرَى: خَادِمُها العَجُوزُ الْماكِرَةُ «مَنْتارا». وكانَتْ هذِهِ العَجُوزُ وَفِيَّةً لِمَوْلاتِها، عَالِمَةً بكُلِّ أَسْرارِها، وَقَدِ انْطَوَى صَدْرُها عَلَى خُبْثٍ دَفِينٍ.

(٣) رَغْبةٌ خبيثةٌ

وَقَدْ وَقَفَتِ الْمَلِكَةُ وَخَادِمُها تَنْظُرانِ في تِلْك اللَّيْلةِ — مِنْ نَافِذَةِ القَصْرِ — إِلى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ الَّتِي تَمُوجُ بالوُفُودِ الْقَادِمَةِ مِنْ بُلْدانِ الْمَمْلَكةِ دَانِيةً وقَاصِيَةً، وَهِيَ رَائِحَةٌ وَغادِيَةٌ، وَقَدْ عَلا وُجُوهَهُمُ الْبِشْرُ، وَازْدَحَمَتْ بِهِمُ الطُّرُقاتُ، وارْتَفَعَتْ — مِنْ أَلْسِنَتهِمُ — الدَّعَواتُ، فَصاحَتِ الْمَلِكَةُ «كَيْكِي» مُتَأَلِّمَةً: «واحَسْرَتاهُ — يا «مَنتارا» — عَلَى أنَّ هذِهِ الْأَفْرَاحَ لَمْ تُقَمْ لِوَلَدِي «بهَاراتَ» بَدَلًا مِنْ «راما» ولَدِ ضَرَّتِي! وَلكِنْ هكَذا شاءَ حَظُّنَا الْمَنْكُودُ!»

فَأَجابتْها «مَنْتارا»، وَعَلَى شَفَتَيْها ابْتِسامَةٌ خَبِيثَةٌ: «ما أَيْسَرَ هذا الْمَطْلَبَ، يا سَيِّدَتِي! وَما أجْدَرَكِ بِتَحْقِيقِهِ! أَلَيْسَ وَلَدُكِ الْأَمِيرُ «بهَاراتُ» يَنْعَمُ — مِنْ حُبِّ أَبِيهِ المَلِك «دَسَراتا» وَرِعايَتِهِ — بِمثْلِ ما يَنْعمُ به أَخُوهُ «راما» وَلِيُّ الْعَهْدِ؟»

فَسَأَلَتْها «كَيْكِي» مُتَعَجِّبةً: «ما أَبْعَدَ ما تَظُنِّينَ! أوَتَحْسَبِينَ أنَّ زَوْجِي يَسْتَمِعُ لِي، إذا طَلبْتُ مِنْهُ أَنْ يُتَوِّجَ وَلَدَي «بهَاراتَ» بَدَلًا مِنْ أخِيهِ «راما»؟ بِأَيِّ مُحالٍ تَحْلُمِينَ؟»

فَأَجابتها «مَنتارا»: «هَوِّنِي عَلَيْكِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ أَيْسَرُ مِمَّا تَظُنِّينَ، وفي قُدْرَتِكِ أَنْ تُدْرِكِي أَبْعَدَ مِمَّا تَطْلُبِينَ!»

(٤) حِيلَةُ الْعَجُوزِ

فَقالَتْ «كَيْكِي» مُتَلَهِّفةً: «كَيْفَ تَقُولينَ؟»

فابْتَسَمَتِ الْعَجُوزُ قائِلةً: «ألا تَذْكُرِينَ ما أَسْلَفْتِهِ إلى الْمَلِكِ من صَنِيعٍ جَلِيلٍ في الْحَرْبِ الْماضِيةِ، مُنْذُ سِنينَ عِدَّةٍ؟ أَنَسِيتِ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَفَ — حِينَئِذٍ — عَلَى التَّلَفِ، لوْلا عِنايَتُك بِجِراحِهِ؟ وَقَدْ عَرَفَ لِذلِكَ التِّرْياقِ، الذي بَلْسَمْتِ به جِراحَهُ، فَضْلَهُ الْعَظِيمَ في شِفَائِه، وَأَقْسَمَ — حِينَئِذٍ — لَيُظْفِرَنَّكِ بِأُمْنِيَّتَيْنِ في أيِّ وَقْتٍ تَشائين. أَتَذْكُرِينَ ذلِكَ؟ وَها أَنْتِ ذِي لَمْ تَطْلُبِي مِنْهُ شَيْئًا مُنْذُ ذلِكِ الْحِينِ. وَقَدْ جاءَ الْوَقْتُ لِتَحْقِيقِ أَحْلَامِكِ، فَلا تُضِيعي الْفُرْصَةَ.»

فَلَمْ تَدْرِ الْمَلِكَةُ كَيْفَ تُجِيبُ مِنْ شِدَّةِ الْحَيْرَةِ، وَلكِنَّ الْعَجُوزَ الْماكِرَةَ اقْتَرَبَتْ مِنْها، وَهَمسَتْ في أُذُنِها بِكَلِماتٍ قَلِيلَةٍ، أَوْجَزَتْ بِها خُطَّتهَا الْمُحْكَمَةَ، فاقْتَنَعَتْ «كَيْكِي» بِما سَمِعَتْ، وَلَمَعَتْ عَيْنَاها، فَرِحَةً بِفَوْزِها الْوَشِيكِ. وَصاحَت قائِلَةً: «يا لكِ مِنْ حَكِيمَةٍ عاقِلَةٍ يا «مَنْتارا»! إِنِّي لِنَصِيحَتِكِ شاكِرَةٌ، وَلِفَضْلِكِ قَادِرَةٌ (مُقَدِّرَةٌ).»

(٥) الْأُمَنِيَّتانِ

وَكانَ الْفَجْرُ — حِينَئِذٍ — قَدِ اقْتَرَبَ، فَلَمْ تُضِعْ «كَيْكي» شَيْئًا مِنْ وَقْتِها؛ لِأَنَّ الاحْتِفالَ بالتَّتْوِيجِ يَبْتَدِئُ عَلَى أَثَرِ شُرُوقِ الشَّمْسِ. وَأَسْرَعَتْ إِلَى حُجْرَةِ الْمَلِكِ الْهَرِمِ — وَكانَ مُضْطَجِعًا على وِسادَتِهِ — وصاحَتْ قَائِلَةً: «أَذاكِرٌ أَنْتَ أَنَّنِي أَنْقَذْتُ حَياتَكَ مِنَ التَّلَفِ — مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ — حينَ دَاوَيْتُ جِراحَكَ في الْمَوقِعَةِ الْحَرْبِيَّةِ؟»

فَابْتَسَمَ لَها الْمَلِكُ، وَأَسْرعَ يُجِيبُها بقولِه: «كيفَ أَنْسَى لَكِ هذا الصَّنِيعَ، ولوْلا بَلْسَمُكِ العَجِيبُ لكُنْتُ من الهالِكِينَ؟ وَلَسْتُ أَنْسَى أَنَّنِي وَعَدْتُكِ حِينئِذٍ بِإِجابَتِكِ إِلَى أُمْنِيَّتَيْنِ تَطْلُبِينَهُما في أيِّ وَقْتٍ تَشائِينَ.»

فَحَنَتْ «كَيْكِي» رَأْسَها شاكِرَةً مَسْرُورَةً، فقال لها دُونَ أن يُخامِرَهُ شَكٌّ فِيما تُضْمِرُهُ: «تَمَنِّيْ عَلَيَّ ما تُرِيدِينَ، وإنِّي لَأُقْسِمُ بِوَلَدِي «راما» الْعَزِيزِ، إِنَّني لن أَتَأَخَّرَ عَنْ تَحْقِيقِ ما تَطْلُبين، ما دام ذلِكَ في مَقْدُورِي.»

فَصاحتْ «كَيْكِي» مُنْتَصِرَةً: «امْنَحْنِي — إِذَنْ — هاتَيْنِ الرَّغْبَتَيْنِ، أَيُّها الْمَلِكُ: تَوِّجْ وَلدِي «بهاراتَ» هذا الْيَوْمَ، وَأَصْدِرْ أَمْرَكَ بِنَفْيِ «راما» إِلى غابةِ «وَنْداكَ»، مُدَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عامًا كامِلَةٍ.»

(٦) وعِيدُ الْمَلِكَةِ

وَما إِنْ سَمِعَ الْمَلِكُ هاتَيْنِ الأُمْنِيَّتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ، حتَّى تَمَلَّكَهُ الْغَضَبُ والْفَزَعُ، وكاد يُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الْحُزْنِ والْهَلَع. وصاحَ في صَوْتٍ مُتَهَدِّجٍ: «كيف تَقُولينَ، أَيَّتُها الْماكِرَةُ؟ أَيُّ ذَنْبٍ أَسْلَفَهُ إِلَيْكِ فَأَحْفَظَكِ عَلَيْهِ، فَتَمَنَّيْتِ أَنْ يُحْرَمَ الْمُلْكَ، ثُمَّ يُنْفَى إِلى غابَةِ الشَّياطِينِ؟ وكيف دارَ بِخَلَدِكِ أَنَّنِي سَأُجِيبُكِ إلى هذَيْنِ الْمَطْلَبَيْنِ الْأَثِيمَيْنِ؟»

فَأَجابَتْهُ «كَيْكِي» دُونَ أَنْ تَعْبَأَ بِما قالَ: «لِيَكُنْ لَكَ ما تُرِيدُ! أمَّا أَنا، فَلن أَتَأَخَّرَ عَنْ إِذَاعَةِ هذا السِّرِّ الْخَطِيرِ عَلى شَعْبِكَ؛ لِيْعرِفَ أَنَّكَ قَدْ حَنَثْتَ في وَعْدِكَ، ولَمْ تَفِ بِعَهْدِكَ. وسَيَعْلَمُونَ قاطِبَةً أنَّكَ — وأَنْتَ الْمَلِكُ الْعظِيمُ — لم تَبَرَّ بِوَعْدِكَ الْمُقَدَّسِ. وحِينَئِذٍ يَنْظُرُ إِلَيْكَ شَعْبُكَ وشُعُوبُ الْأُمَمِ الْأُخْرَى كُلُّها نَظْرَةَ السُّخْرِيَةِ والاحْتِقارِ.»

(٧) قَسْوَةُ «كَيْكِي»

فَأَدْرَكَ «دَسَرَاتا» أنَّهُ قدْ وقعَ في الشَّرَكِ، وأصْبَحَ أَسيرَ وَعْدِهِ، وَلا مَناصَ لَهُ مِنَ البِرِّ بعَهْدِهِ. وكيف وَقدْ أقْسَمَ بِوَلَدِهِ الْعَزِيزِ أنَّهُ سَيَمْنَحُها ما تَطلُبُ متَى أصَرَّتْ عَلَيْهِ، مَهْما قَسَتْ في أُمْنِيَّتِها، وَتَغالَتْ في رَغْبَتِها. فَلَجَأَ إِلى اللِّينِ — بَعْدَ الْعُنْفِ — وتَوسَّلَ إِلَيْها أَنْ تَسْأَلَهُ ما تَشاءُ، دُونَ أَنْ تُرْغِمَهُ عَلى نَفْيِ وَلَدِهِ «راما». ولكِنَّ «كَيْكِي» أبَتْ — لِغِلْظَةِ قَلْبِها وفَظاظَتِها — إِلَّا أَنْ يُبْعِدَ «راما» عَنْ حاضِرَةِ الْمَمْلَكَةِ إِلى غابةِ «وَندْاكَ». وَإِنَّما أَصرَّتْ عَلى ذلكَ لِأَنَّها سَمِعَتْ أَنَّها مَأْهُولَةٌ بالشَّياطِينِ وَالْمَرَدَةِ؛ فإِذا نُفِيَ «راما» هناكَ أَربعةَ عَشَرَ عامًا لَمْ يَبْقَ أمَلٌ في عَوْدَتِه حَيًّا. وَبهذَا تَضَمَنُ بَقاءَ ولدِها: «بَهاراتَ» جالِسًا على عَرْشِ «كُوسالا» لا يُنازِعُهُ مُنازِعٌ.

(٨) دَهْشَةُ الوُفودِ

ورأى «دَسَرَاتا» مِنْ إِصْرارِ «كَيْكِي» ما أيْأَسَهُ، فاضْطُرَّ إِلى الْإِذْعانِ لِقَضاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، ولَمْ يَجِدْ مَفَرًّا مِنَ الْبِرِّ بِوَعْدِه والْوَفاءِ بِقَسَمِهِ. وَدَخَلَ غُرْفَةَ الاسْتِقْبال لِيَسْتَقْبِلَ الْمُهَنِّئِينَ — مِنْ أعْيانِ الْأُمَّةِ وَسَرَاتِها — وَقدْ كادَ قَلْبُه يَنْفَطِرُ (يَنْشَقُّ) حُزْنًا وأَلَمًا.

وما كان أَشَدَّ عَجَبَهُمْ حِينَ سَمِعُوهُ يُعْلِنُ أَنَّ وَلَدَيْهِ «بَهاراتَ» و«راما» سَيَقْتَسِمانِ الْعَرْشَ.

فَتَهامَسَ النَّاسُ — وقد هالَهُمْ مَا سمِعوا — وَوَقَفَ الأميرُ «راما» مُتَعَجِّبًا مِمَّا قال أبُوه، فهتَفَ له السَّراةُ والأعْيانُ، ورَدَّدَ هُتافَهُم جُمْهُورُ الشَّعْبِ الَّذِي سَرَى فيه الْخَبَرُ سَرَيانَ الْبَرْقِ. وكان «راما» — إلى جَمالِ خَلْقِهِ — كرِيمَ النَّفسِ، نَبيلَ السَّجايا، مَطْبوعًا على الشَّجاعةِ والصَّراحةِ، فَسأَل أباه — في دَهْشَةِ الْمُعْتَزِّ بكرامَتهِ — قائلًا: «هل غَضِبَ عَلَيَّ والدي العزيزُ — لِسَبَبٍ أَجْهَلُهُ — فاسْتَرَدَّ ثِقَتَهُ الَّتي كنتُ أَنْعَمُ بها؟»

فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمَلِكُ أن يُغالِبَ حُزْنَهُ، ويُخْفِي أَلَمَهُ الدَّفِينَ. فَقَصَّ عَلَى وَلَدِهِ — بِمَحْضَرٍ من السَّادَةِ والرُّؤَساءِ — تفصيلَ ما حدثَ، والدُّموعُ تَنَحَدَّرُ من عَيْنَيْه، والأسَى يَتَلَظَّى بين جَنْبَيْه. ثم خَتَمَ حَديثَهُ قائلًا، في لَهْجَةِ اليَائِسِ الْحائرِ: «يُؤْسِفُنِي أن أُفْضِيَ إِليكَ بِهذهِ الأنْباءِ الصَّاعِقَةِ. وَلَيْتَ زَوْجَ أبيكَ وَقَفَتْ عِنْدَ حِرْمانِك الْعرشَ؛ فقد أَبَتْ إِلَّا أن تُنْفَى إِلى غابةِ «وَنْداكَ» مُدَّةَ أربعةَ عشَرَ عامًا كامِلة.»

فصاح السَّامِعون في صوتٍ واحدٍ: «تَبًّا لِهذه القاسِيَةِ الآثِمَةِ!»

(٩) شَهامَةُ الْأَخَوَيْنِ

وهُنا أَقْبلَ الأَميرُ «بَهاراتُ» عَلى أَخيهِ «راما»، وأَمْسكَ بِيَدِهِ، مُقْسِمًا أنَّهُ لن يَخْلُفَ أَباهُ عَلى الْعَرْشِ. ولكِنَّ «راما» أجابهُ مُتَأَسِّفًا: «كَلَّا، أَيُّها الأخُ الْكرِيمُ الطَّاهرُ القلْبِ؛ فَقدِ انتقَلَ التَّاجُ إِليْكَ الآنَ، ولا بُدَّ منْ إِنْجازِ الْوَعْدِ الذي فاهَ بِهِ والِدُنا. وإنِّي ذاهِبٌ — بِمُفْرَدِي — إلى غابَةِ «وَنَدَاكَ». وَلن أَعُودَ إلى «أَيُدْيا» قبل أَنْ تَنْقضِيَ أَربعةَ عشرَ عامًا كاملةٌ.»

(١٠) شجاعةُ «سِيتا» و«لَكْشَمانَ»

وَثَمَّةَ انْدَفَعَتْ إليْهِما الأميرةُ «سِيتا» — وقد تَجَلَّى حُزْنُها العميقُ في عَيْنَيْها السَّوْداوَيْنِ — حتَّى قارَبتْ زَوْجَها «راما»، ثمَّ تَوَسَّلَتْ إليهِ ضارِعَةً أن يَأْذَنَ لَها في السَّفرِ معهُ إِلى تِلْك الغابةِ؛ لتَشْرَكَهُ في ضَرَّائهِ، كما شَرِكَتْهُ في سَرَّائِهِ، فَأجابها «راما» — مُتلَطِّفًا — يقول: «ولكِنَّ غاباتِ «وَنداكَ» حافِلَةٌ بالأخْطارٍ والْمَفَزِّعاتِ، وفيها «رڨانا» ملِكُ الشَّياطينِ الَّذِي طالَما سَمِعْنا بأَخْبارِهِ وَأَخْبارِ أَعْوانهِ الأَشْرارِ، الْمُولَعِينَ بالْإِساءَةِ إِلَى الْأَبْرِياءِ وَالْأَخْيَارِ.»

فقاطعهُ أَخُوهُ الأَصْغَرُ، الأَميرُ «لَكْشَمانُ»، وكانَ أَكْثَرَ إِخْوَتِهِ إِخْلاصًا لِأَخِيهِ: «راما»، فقال: «وإِنِّي مُصاحِبُكَ يا أَخِي، وباذِلٌ كلَّ قُوَّتِي وَجُهْدِي في سَبيلِ الْمُحَافَظَةِ على الأَميرَةِ «سِيتا».»

وَحَاوَل «راما» أن يُثْنِيَ زَوْجَهُ وأَخاهُ عَن السَّفرِ إلى غابةِ الشَّياطينِ، حَتَّى لا يُعَرِّضا نَفْسَيْهِما لأخطارِها وأحْداثِها الْمُفَزِّعَةِ، فلم يَجِدْ مِنْهما إِلَّا إِصْرارًا؛ فَاضْطُرَّ — حِيْنَئِذٍ — إلى الإذْعانِ لِرَغْبَتِهِما، ثم الْتَفَتَ إلى أَبِيهِ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وعانَقَهُ، وقال له وهُوَ يُوَدِّعُهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ يا أَبَتاهُ، فَلَسْتُ أَلُومُكَ علَى شَيْءٍ؛ فما لكَ في ذلك كلِّهِ إِصْبَعٌ واحِدَةٌ.»

(١١) وَفاةُ الشَّيْخِ

وَغادَرَ الأُمراءُ الثَّلاثةُ الْقصرَ، بين رَنَّاتِ الْمَحْزونين، وزفَراتِ الْمُحِبِّينَ، بعد أن خَلَعُوا أَكْسيِتَهُمُ الْمُلوكيَّةَ، وارْتَدَوْا — منَ الثِّيابِ — ما يُلائِمُ سُكَّانَ الْغابِ. وساروا في الطَّرِيقِ الجَنُوبِي من الْمَمْلَكَةِ مُيَمِّمِينَ تِلْكَ الغاباتِ الْكَثِيْفَةَ المُظْلِمةَ. وما خَرَجُوا من القَصْرِ حتى اسْتَوْلَى الغَمُّ عَلى الوالِدِ الشَّيْخِ فَصَرَعَهُ، وانْتابَتْهُ الأمراضُ والعِلَلُ. وتَلَمَّسَ له نُطُسُ الأطِبَّاءِ البُرْءَ والشِّفاءَ، فلم يَجِدوا الدَّواءَ، ونَفِدَتْ حِيلَتُهم؛ فلم يُفِقْ من صَرْعَتِهِ، حتَّى أَسْلَمَتْهُ إلى مَنيَّتِهِ.

(١٢) خَيْبَةَ «كَيْكِي»

وابتَهَجَتْ «كَيْكِي» لوَفاتِه، وقالت تُحَدِّثُ نفسَها: «الآنَ يُتَوَّجُ وَلَدِي «بَهارات»، ويَخْلُفُ أباه على عَرْشِه بلا مُزاحِمٍ ولكِنَّ أُمْنِيَّتَها خابَتْ، حين رأتْ وَلَدَها «بَهاراتَ» يَأْبَى أن يُتَوَّجَ من أخيهِ، مُصِرًّا على إحضارِهِ من الغابةِ لِيُتَوِّجَهُ ويُعِيدَ إِليه حَقَّهُ الْمَسْلُوب وَتَوَسَّلَتْ «كَيْكِي» ضارِعةً إليه أَلَّا يُخَيِّبَ رجاءَها، وَأَلَّا يُفْسِدَ خُطَّتْها ولكِنَّهُ أَصَرَّ على رفعِ الغَبْنِ عن أخيه؛ فَأَسْرَعَ بالرَّحيلِ إلى غابة «وَنَداك» حتى لَحِقَ بالأميرِ «راما» وصاحِبَيْهِ الأكْرمَينِ.

•••

وقد عَجِبَ حين رآهم يَمْرَحون في الغابة أصِحَّاءَ ناشِطِينَ، هازِئِينَ بالْمَتاعبِ التي تَعترِضُهم فِي تِلك الأرْجاءِ، وقد يَسَّرَ إِخلاصُهم كلَّ صعبٍ، وذَلَّل كُلَّ عَقَبةٍ، وَبَدتِ الأَمِيْرَةُ «سيتا» في رِدائِها الطَّبِيعِي، أجملَ منها في ثيابها الفاخِرةِ المُحَلَّاة بِأَنفَسِ اللَّآلِئِ، وأَثْمَن الْيَواقيتِ.

(١٣) نائِبُ الْمَلِكِ

وقد حَزِنَ «راما» لوَفاةِ والدِهِ أَشَدَّ الْحُزْنِ، ولم يَسْتَمعْ إلى رجاءِ «بَهاراتَ». ورَفَضَ أنْ يُتَوَّجَ على «كُوسالا» قبل أن يَقْضِيَ في مَنْفاه السَّحِيقِ أَربعةَ عشرَ عامًا كاملةً، كما أمره والدُه.

ولَمَّا رأى «بَهاراتُ» إِصرارَ أخيه، قال له: «إِذَنْ أَحْكُمَ النَّاسَ نائِبًا عنك، مُتَرقِّبًا يومَ عَوْدَتِك السَّعيدَ بِفارغِ الصَّبْرِ.»

ثُمَّ وَدَّعَهُمْ مَحْزونًا، وكَرَّ راجعًا إلى مَمْلكةِ «كوسالا» حَيْثُ أَقَامَ حُكْمَهُ العادِلَ، وساسَ النَّاس بِما عُرِفَ عنه منَ الرُّشْدِ والسَّدادِ. ولم يَقْبَلْ أَنْ يُتَوَّجَ، بل آثَرَ أن يَنُوبَ عنه في حُكمِ البلادِ. ووضَعَ عَلَى العرشِ بعضَ آثارِ أخيه، رَمزًا لِسُلْطانِه، مُصِرًّا على أن يَحْكُمَ النَّاسَ باسْمِ «راما» حتَّى يَعودَ مِنْ مَنْفاهُ.

وهكذا حَبِطَتْ (فَسَدَتْ) خُطَّةُ «كَيْكِي»، ولم تَفُزْ بِتَتْوِيجِ وَلَدِها. عَلَى أنَّها وخادِمَها الْعَجوزَ «مَنتارا» لم تَيْأَسا من تحقيقِ رَغْبَتهما، لاعتقادِهِما أَنَّ «راما» لن يَعودَ مِنْ مَنفَاهُ سالمًا.

(١٤) بعدَ سنواتٍ عَشْرٍ

أَمَّا الأُمراءُ الثَّلاثَةُ، فقد عاشوا هانِئِينَ، وأَوْغَلُوا في الْغابةِ مُتَنَقِّلينَ، واقْتاتُوا فاكهةً وعُشْبًا مِمَّا يَجْمَعون، وَلَحْمَ طَيْرٍ وحَيَوانٍ مِمَّا يَصطادون، فانقضَتْ عليهم عَشْرُ سنواتٍ دون أن يَرَوْا في تِلكَ الغاباتِ أحدًا من الشَّياطِينِ يُكَدِّرُ عليهم صَفْوَهُمْ وابتهاجَهم. وفي ذاتِ يومٍ مَرُّوا — في أثناءِ تَجْوالِهِمْ — عَلَى صَوْمَعَةٍ صَغيرةٍ، يَقْطُنُها ناسِكٌ هَرِمٌ من الزَّاهِدينَ، اسْمُهُ «أَجَسْتاي». فرَحَّبَ بِهِمْ أكرَمَ تَرحِيبٍ، وأَحْسَنَ وِفادتَهُم. وَدَهِشَ حين أخْبروه أنَّهم أقاموا زُهاءَ عَشْرِ سنواتٍ دونَ أن يَعْتَرِضَهُم شيطانٌ منَ الشَّياطِينِ، أو يُهاجِمَهُمْ عِفْريتٌ من الْجِنِّ. فقال لهمُ النَّاسِكُ: «لا أَكْتُمُ أَنَّني — مُنذُ لَجَأْتُ إلى هذه الغابةِ، وتَفَرَّغْتُ لِلْعِبادةِ والنُّسُكِ — لَمْ أَلْقَ مِنْ شَياطِينها الْخُبَثاءِ — وعلى رَأْسِهم زعيمُهمْ «رَڨانا» — أيَّ أَذًى، ولم يَعرِضْ لي أَحدٌ منهم بسُوءٍ. ولكنَّني — على هذا — طالما رَأَيتُهم رابِضِينَ عَلى مسافةٍ قَرِيبةٍ من صَوْمَعَتِي.»

(١٥) هدايا النَّاسِكِ

ثُمَّ اسْتَأْنفَ قائِلًا: «عَلى أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَقعَ عليكم عينُ أحدهِمِ، فَيخطُرَ بِبالِهِ أن يُسِيءَ إليكم. وإِنِّي — وإِن كنتُ واثقًا من شجاعَتِكم وقُدْرَتِكم عَلى مُصارَعَةِ الْمَرَدَةِ والجبابِرَةِ — لا آمَنُ عليكم كَيْدَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ، إِلَّا إِذا زَوَّدْتُكُم بما لَدَيَّ من ذَخيرةٍ وعَتادٍ.»

ثمَّ أَهْدَى إِلَيْهِمْ شَيئًا مِمَّا حَوَى مَخْزَنُهُ من آلاتِ الْحَرْبِ الفتَّاكةِ الَّتي أَعَدَّها لِصِراعِ الشَّياطِينِ. وقد فَرِح «راما» بما أَهْداهُ إِليه النَّاسكُ «أَجَسْتاي» من العَتادِ؛ فقد منَحهُ قَوْسًا وسِهامًا مَسْحُورَةً لا تُحْصَى. كما فَرِحَ «لَكْشَمانُ» بالسَّيْفِ الذَّهَبِيِّ الغِمْدِ الَّذي أهداه إليه النَّاسكُ.

وقد قال لهم النَّاسِكُ: «إِن لهذه القوسِ، وذلكم السَّيْفِ، وَتِلْكُمُ السِّهامِ، قُوَّةً سِحْرِيَّةً باطِشةً تَخافُها الشَّياطينُ، ولا تَجْرُؤُ على الدُّنُوِّ من حامِلِها. ولعلَّها تنفعُكم — يومًا — إِذا عَرَضَ لكم ضُرٌّ، وتَقِيَكُمْ مِنْ أَسْواءِ الشَّياطِينِ كُل شَرٍّ.» فشكر الأميرانِ له ما أَسْداه إليهما من صنيعٍ جليلٍ.

ولم يَظْفَرْ «راما» بهذَا الكَنْزِ الْعَظِيمِ حَتَّى أَقْسَم لَيُطَهِّرَنَّ العَالَمَ كُلَّهُ من الشَّياطِينِ الْخبيثةِ؛ لِيُخَلِّصَ النَّاسَ من كَيْدِهِمْ، ويُرِيحَهُمْ من أَذاهُمْ. وَكانَ نابِلًا بارِعًا، يُجِيْدُ الرِّمايَةَ وَيُصِيبُ الهَدَفَ. وَكانَ في طُفُولتِهِ — إذا خرج يَتَرَمَّى (يَرْمِي بالنَّبْلِ في الأَهْدافِ وأُصولِ الشَّجَرِ) — لَمْ يَسْبِقْهُ سابِقٌ، ولَمْ يَلْحَقْهُ لاحِقٌ.

(١٦) الْوادِي الْبَهِيجُ

وَقَضَى الأُمَراءُ ساعاتٍ سَعيدةً في ضِيافَةِ النَّاسِكِ «أَجَسْتاي»، ثُمَّ اسْتَأْذنُوه في الْخُرُوج بعد أنِ اسْتَنْصَحُوهُ أن يُخْبِرَهُم بِمَكانٍ بَهِيجٍ يَقْضُونَ فيهِ أوقاتَهُم، حتَّى يَنْتَهِيَ فَصلُ الشِّتاءِ القابِلِ، لأنَّ الأميرةَ «سِيتا» قد تَعِبتْ من تَجْوالِها، وشَعَرَتْ بِحاجَةٍ إلى الرَّاحَةِ. وقدِ اعْتزَمَ «راما» أن يَبْنِيَ لها مَسْكَنًا صغيرًا تَأْوِي إِليهِ، وَتَرتاحُ فيه.

فقال النَّاسِكُ: «عليكم بِوادِي «پَنْشَڨاتِي»؛ فهو في أجملِ بُقْعَةٍ في الغابة، وَقَدْ جَمَعَ بين المَناظِرِ البَهيجة والأشجارِ الْمُثْمِرَةِ، والجَوِّ الطَّيِّبِ، والطُّمَأْنينَةِ الشَّامِلَةِ.»

ثم بَيَّن لهُمُ الطُّرُقَ الْمُؤَدِّيَةَ إلى ذلكَ الوادِي البَهِيج؛ فشكروا له ثم ودَّعُوهُ، وساروا في رِحْلَتِهِمْ متَنَبِّلينَ (مُزَوَّدين بالنِّبَالِ)، حتَّى بَلَغوا وادِيَ «پَنْشڨاتي»؛ فَوجدوه كما وَصَفَهُ الناسِكُ، فَفَرِحُوا بذلكَ الْمَكانِ الْهادِئِ الْجَمِيلِ، وَمَتَّعوا أَبْصارَهُمْ بما يَحْوِيهِ من جالباتِ السُّرُورِ والْبَهْجَةِ.

وكانتِ الشُّجَيْراتُ المُزْدَهِرَةُ تُغَطِّي أرْضَه، والأشجارُ تَكْتَنِفُه (تُحِيطُ به)، والطُّيورُ الْمُغَرِّدَةُ لا تَكُفُّ عن الْغِناءِ على أَغْصانِها العَالِيَةِ. وَقَدِ انْتَظَمَهُ نُهَيْرٌ يَتَحَدَّرُ مِنْ أَعْلَى الوادي؛ فَيَسْمَعُونَ لِخَرِيرِ مائهِ صَوتًا عَذْبَ الْجَرْسِ، مُعْجِبَ الرَّنِينِ.

(١٧) بَيْتُ الْوادِي

فقالتْ «سِيتا»: «ما أَطْيبَ هذا الْمَكانَ، وما أَجْدَرَنا أَنْ نَحُلَّ فيهِ.» فاسْتَصْوَبَ الأميرانِ رَأْيَها، وشَرَعا في بِناءِ دارِهِمُ الْجَدِيْدَةِ. وما زالا دائِبَيْنِ على تَشْيِيدِها حَتَّى أتَمَّاها بَعدَ زَمَنٍ قليلٍ. وقد فَرِحَتْ «سِيتا» بِمَنْزِلِها الْجَدِيدِ، وَخُيِّلَ إِلَيْها — لِجَمالِهِ — أَنَّهُ قَصْرٌ عَظِيمٌ، وإِنْ كانَتْ حِيطانُهُ مصْنُوعَةً من الْأَحْجارِ، لا مِن الرُّخامِ، وأَعْمِدَتُهُ من قَصَبِ الغابِ الْغَلِيظِ، وسُقُوفُهُ من أَغْصانِ الشَّجَرِ.

وهكذا قَضَوُا الشِّتاءَ وادِعِينَ سُعَداءَ. وقد أَمِنَ «راما» أذَى العَفارِيتِ والشَّياطِينِ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُمْ لَنْ يَجْرُءُوا عَلَى الدُّنُوِّ منه، بعد أنْ تَنَبَّلَ (حَمَلَ النَّبْلَ). ولَمْ يَعْلَمْ ما تُخَبِّئُهُ الْأَيَّامُ من كَوارِثَ وأَحْداثٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤