الوسطية والتفسير الحرفي
يعتمد الاتجاه الإسلامي المتطرف على التفسير الحرفي للنص والانتقاء منه ما يوافق الهوى، مما يعطي الشرعية للسلوك العنيف. النص الحرفي كالسلاح الحاد يقطع ولا يجمع؛ لا يقبل أية وظيفة أخرى إلا القطع والحسم والفصل والبتر والاستئصال؛ لا يسمح بتأويل حتى لو اتفق مع قواعد اللغة العربية، الظاهر والمؤوَّل، الحقيقة والمجاز، المجمل والمبين، المطلق والمقيد، الخاص والعام. بل إن للخطاب لحنًا وفحوى من قواعد البلاغة والموسيقى العربية وبخاصة موسيقى الشعر. ولا يتبع تعليل الأحكام، بل يُخرجها من سياقها، ويجعلها بلا زمان ولا مكان ولا سبب أو علة على ما هو معروف في علم أصول الفقه. وقد يقطع في غير موضع فتسيل الدماء بلا سبب. لذلك يحل التأويل للتخفيف من حدة النص بالسند العقلي أو الواقعي أو التجريبي الحياتي. ويتحول صراع القوى السياسية إلى صراع التأويلات. وقد يأتي الطرف الآخر بنص مقابل ويكون كلاهما نصَّين شرعيَّين. لا أحدَ أفضل من الآخر، ولا حلَّ لهما إلا بالخروج من النص إلى الواقع الذي نشأ فيه. فقد كان النصُّ إجابةً عن سؤال «ويسألونك عن … قُلْ»، والسؤال عن المحيض، والأنفال، والأهلَّة، والشهر الحرام، والخمر، والميسر، واليتامى، والساعة، وذي القرنين، والجبال. وهي أسئلة تجمع بين السلوك والطبيعة والتاريخ، وكأن القرآن يسير مع فلسفة السؤال. كما أن النصَّ يتغير بتغير الواقع كما هو الحال في النسخ، من الأثقل إلى الأخف أو من الأخف إلى الأثقل طبقًا لقدرات الإنسان. والاتجاه العام هو التخفيف كما ظهر من عدة مبادئ، مثل «رفع الحرج». فقدرات الإنسان تقوى، وتوجيه النص يقل لمصلحة الطبيعة. فالنص طبيعة جافة. والطبيعة نصٌّ طازج قبل أن يجفَّ. النص طبيعة مغلقة، والطبيعة نصٌّ حيٌّ مفتوح. فالوسطية لا تأتي فقط من فهم النص أو حتى من تأويله وإنما من توازن الطبيعة الطبيعي الذي يشعر به الإنسان بلا أيديولوجية وسطية مسبقة أو تأويل نصٍّ دون نص، تأويل نصٍّ منتقًى دون آخر.