الفصل الحادي عشر

«جرائم وجنح» وهشاشة الدافع الأخلاقي

مقدمة

تخيَّل معي أنك ارتكبت إثمًا فادحًا نسبيًّا؛ وعليه، أصبحت واقعًا في ورطة كبيرة؛ حياتك توشك على الانهيار من حولك، وكل ما تحتاج فعله كي تمنع حدوث هذا هو إجراء مكالمة هاتفية؛ مكالمة هاتفية إلى أخيك الذي سيتولى التعاقد مع شخص لارتكاب جريمة قتل نيابة عنك ستؤدي إلى تبديد متاعبك كافةً. إنها مكالمة من الصعب إجراؤها، لكن من الصعب أيضًا عدم إجرائها. ما الذي ينبغي عليك فعله؟ الإجابة بسيطة: عليك ألا تُجريَ تلك المكالمة أبدًا. عليك مواجهة عواقب سلوكك، وأن تدع حياتك تتخذ منحًى سيئًا، في بعض جوانبها على الأقل، نتيجةً لما فعلته. سعادتك المستقبلية مهمة دون شك، لكن الأكثر أهمية هو ألا تصبح قاتلًا. والأهم من ذلك ألا يُقتل أحد لا لسبب سوى أن تصير أسعد حالًا. من منظور أخلاقي، يبدو ذلك كله بديهيًّا تمامًا. وهو كذلك ملخص الحبكة الرئيسية لفيلم وودي ألن «جرائم وجنح» (١٩٨٩).

ما يثير الاهتمام في هذا الفيلم ليس معضلةً أخلاقيةً ما تواجهها الشخصية الرئيسية، شخصية جودا روزينثال؛ فهو لا يواجه معضلة أخلاقية؛ المعضلة الأخلاقية موقف لا يتضح فيه على الإطلاق، من منظور أخلاقي، ما يُفترض بالمرء فعله. وجودا لا يواجه هذا النوع من المواقف. هو واقع في مأزق، لكنه ليس مأزقًا أخلاقيًّا. لقد كان على علاقة غرامية مع امرأة تُدعى ديلوريز طوال بضع سنوات ويرغب في إنهاء تلك العلاقة، لكن ديلوريز لها رأي مختلف، فهي تعتقد أنه قد وعد بترك زوجته، ماريام، لأجلها. ودليلها على ذلك هزيل فيما يبدو؛ فقد أشار جودا ضمنيًّا في مناسبة واحدة على الأقل، نراها بتقنية الارتجاع الفني، إلى استمرار علاقتهما في المستقبل، لكنه ينكر أنه وعدها قطُّ بترك ماريام. وبدافع من اليأس، ترغب ديلوريز في مناقشة الوضع مع ماريام، وتهدد جودا بفضح خيانته وتعاملاته التجارية المشبوهة إذا لم تتحقق رغبتها. (على ما يبدو كان جودا يقترض أموالًا من الحسابات الخيرية التي يديرها. ورغم زعمه تسديد تلك الأموال كافةً، تظل التعاملات غير قانونية على الأرجح.)

تهدد ديلوريز بتحطيم حياة جودا كليًّا. هو على يقين من أن ماريام ستسامحه على خيانته، لكن سمعته كرجل مستقيم وخيِّر ستُدمر نتيجة ما ستكشفه ديلوريز عن تعاملاته التجارية. ستنحدر حياته إلى نقطة الحضيض، على حد تعبيره. يلجأ جودا إلى أخيه الذي يعرض سبيلًا للخروج من مأزقه وهو تأجير قاتل للتخلص من ديلوريز. ويقبل جودا عرضه بعد قليل من الممانعة والمعاناة (الزائفة على الأرجح). وعندما تتم عملية القتل، يعاني من وخز الضمير. (أو هل هذا خوف من أن يُلقى القبض عليه ويُعاقب، إما على يد الشرطة أو بتدخل إلهي؟ الندم شعور مختلف عن الخوف من العقاب.)1 وفي نهاية المطاف، عندما يتأقلم مع فعلته ويدرك أنه قد أفلت بجريمته دون عقاب، تخبو وخزات ضميره ويعود إلى حياته السعيدة المرفَّهة الموسرة كأن لم يحدث شيء تقريبًا.
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام فلسفيًّا في هذا الفيلم هو تحديه لدوافع عيش حياة أخلاقية. هذا الجانب ليس الوحيد في الفيلم الذي يثير الاهتمام الفلسفي؛ فالفيلم صريح في توجهه الفلسفي، وتتخلله تأملات ومجادلات فلسفية.2 وقد أُعدت قصته كي تبرهن على أن العالم مكان لا يسوده العدل التام؛ فالأشخاص الصالحون (كليف وبن في الفيلم) قد يعانون بسبب صلاحهم أو على الرغم منه، والأشخاص الفاسدون (جودا وليستر) قد يلاقون نجاحًا وازدهارًا لا لسبب سوى استعدادهم لارتكاب السوء.3 لقد نجح ألن نجاحًا جليًّا في طرحه، وفقًا لشروطه الخاصة، لكن ماذا يُثبت أيضًا بعيدًا عن حقيقة غياب العدل التام عن العالم؟ هل يُثبت زيف الأخلاق، وأنها مجرد نوع من الاحتيال، وليس لها دور سوى التحكم في السلوك فحسب؟ هل يُثبت أنه دون وجود إله لا يمكن وجود قيم أخلاقية مشروعة من منظور موضوعي؟ لا يُثبت الفيلم تلك الفرضيات، ولا يقدر قطعًا على ذلك؛ فتلك مجادلات ذات طبيعة تجريدية تفوق قدرة قصة، عن مجموعة معينة (وغير معتادة) من الأفراد، على تقديم إسهامات مقنعة في تلك المجادلات. فضلًا عن أن المجادلات الفلسفية المصاغة كلاميًّا في الفيلم هي بوجهٍ عام أخف وأضعف من أن تحمل وزنًا فلسفيًّا كبيرًا. سوف نتجنب القضايا الكبرى من هذا النوع، وسنركز عوضًا عن ذلك على أحد أهم مواطن القوة في الفيلم، وهي تحرِّيه لدوافع جودا روزينثال وردود أفعاله. إن جودا شخصية مثيرة للاهتمام، وقد رسمها وودي ألن بتفاصيل حية، وأدَّاها مارتن لاندو أداءً بديعًا. سوف نتحرى دوافع جودا فلسفيًّا؛ مَهمتنا الرئيسية هي طرح السؤال حول «ماهية الدافع لعيش حياة أخلاقية» ومحاولة الإجابة عنه. بالطبع قد لا يحظى هذا السؤال، في نهاية الفصل، بإجابة مثالية، لكننا سنبحث أشهر الإجابات التي قدمها الفلاسفة. سوف نسترشد بجودا روزينثال في مَهمتنا أو سنتخذه على الأقل نموذجًا رئيسيًّا.

لدى جودا مبررات أخلاقية قوية تدفعه ﻟ «العزوف» عن الترتيب لقتل عشيقته السابقة. لكن يبدو أيضًا، للوهلة الأولى، أن لديه أيضًا مبررات شخصية قوية تدفعه للترتيب لقتلها. إذا كان سيفكر في نفسه وما سيصب في مصلحته الخاصة فحسب، لا فيما يُفترض عليه فعله أخلاقيًّا أو في ديلوريز أو في أي شخص آخر متورط في مسائله، فقد يبدو عندئذٍ أن لديه مبررًا قويًّا جدًّا للتخطيط لعملية القتل. يوجد تصادم ها هنا بين المبررات الشخصية والأخلاقية. القيم الأخلاقية تحث جودا على فعل شيء، بينما مصلحته الشخصية تُملي عليه شيئًا آخر؛ ومن ثَمَّ يتخذ سؤالنا الفلسفي الصيغة التالية: ما دافعنا لاتباع سلوك أخلاقي عندما لا يصب ذلك في مصلحتنا الشخصية؟

ما وراء الأخلاق، الأخلاق المعيارية، وعلم النفس الأخلاقي

يتفرع البحث الفلسفي في مجال الأخلاقيات إلى عدد من المستويات. في المستوى الأكثر تجريدًا، يتحرى الفلاسفة طبيعة المفاهيم الأخلاقية عبر أسئلة من قبيل: ما الذي تُعبِّر عنه تأكيدات أخلاقية مثل «من الخطأ تأجير قاتل للتخلص من عشيقة سابقة مزعجة»؟ هل التأكيدات الأخلاقية حقيقية من الأساس؟ وإذا كانت حقيقية، فما طبيعة السمات التي تجعلها كذلك؟ هل في وسعنا معرفة الحقائق الأخلاقية؟ كيف نستطيع اكتساب هذه المعرفة؟ ما أنواع الأدلة التي قد تدعم صحة زعم أخلاقي؟ هذا المستوى من البحث الفلسفي، المعروف باسم ما وراء الأخلاق،4 لا يساعدنا بالضرورة على تحديد صحة مزاعم أخلاقية بعينها. فإذا كنت تريد معرفة العالم، فلن يساعدك على ذلك فيلسوف يخبرك عن ماهية الحقيقة، بل عليك أن تعرف أي الأشياء حقيقي وأيها زائف. أما التحري الفلسفي الأخلاقي، فيختص بمعرفة أي المزاعم الأخلاقية يتعين علينا قبوله، ويُعرف هذا باسم الأخلاق المعيارية، وفي بعض الأحيان يُطلق عليه الأخلاق الجوهرية. والقاعدة الذهبية في هذا المستوى من البحث هي اكتشاف نظرية أخلاقية ملائمة، نظرية تُعلمنا كيف نحدد المزاعم الأخلاقية الصائبة. على سبيل المثال، قد تزعم نظرية أخلاقيةٌ ما أن جميع الأفعال لا تصبح صائبة أخلاقيًّا إلا إذا كانت «تعظِّم المنفعة» (سوف نبحث هذه النظرية تحديدًا، التي تُدعى النفعية، في الفصل الثالث عشر). على صعيد آخر، قد تزعم نظريةٌ أخلاقية مختلفة أن الأفعال لا تكون صائبة إلا في حالة استيفائها لمجموعة محددة من الواجبات الأخلاقية (سوف نبحث هذا النوع من النظريات أيضًا، والتي يُطلق عليها نظريات الأخلاق الواجبة، في الفصل الثالث عشر). وقد تتحاشى نظرية أخلاقية أخرى تحديد الأفعال التي تُعد صائبة أخلاقيًّا، على الأقل مباشرةً، وتتحول عوضًا عن ذلك إلى تحديد سمات الفاعل البشري الأخلاقي. وربما تزعم النظريات من هذا النوع أن الناس لا يصبحون صالحين أخلاقيًّا إلا إذا أظهروا، على نحو موثوق، مجموعة محددة من الفضائل الأخلاقية (سوف نتناول هذه النظرية، التي تُدعى أخلاق الفضيلة، في الفصل الرابع عشر).

المسعيان كلاهما من التحري الفلسفي، ما وراء الأخلاق والأخلاق المعيارية مهمان للغاية، لكنهما أيضًا مجردان نوعًا ما. يفكر الفلاسفة كذلك في الأخلاق بطرق عملية أكثر مباشرةً. فعندما نبحث الخواص الأخلاقية لمواقف معينة — مثل هل مساعدة شخص يرغب في الانتحار فعل مسموح به أخلاقيًّا؟ وهل يُفترض خلع الصبغة القانونية عليه — نمارس ما يُطلق عليه عادةً أخلاق تطبيقية. لكننا في هذا الفصل سنضطلع بنوع آخر من التحري الفلسفي العملي في مجال الأخلاق. وهو مجال يُطلق عليه علم النفس الأخلاقي، حيث يتحرى الفلاسفة أسئلة لا حصر لها عن علم نفس الفاعلين الأخلاقيين. (في الفصل التالي، الفصل الثاني عشر، نتناول جانبًا مختلفًا، وإن كان ذا صلة، من حياتنا الأخلاقية، ألا وهو الدور الذي يضطلع به الحظ فيها.)

لا يهدف علم النفس الأخلاقي، كما يمارسه الفلاسفة، إلى وصف العمليات النفسية الكامنة لدى الفاعلين الأخلاقيين فحسب. فتلك في الأصل مَهمة علماء النفس حتى وإن كانت تثير اهتمامًا كبيرًا وواضحًا لدى الفلاسفة. إن هدف علم النفس الأخلاقي «الفلسفي» هو بحث الأسئلة الفلسفية المثارة حول طبيعتنا كفاعلين أخلاقيين. وتتركز مجموعة من الأسئلة على مفهومَي الدافع والمبرر.5 ما نوع المبررات التي تدفعنا إلى مراعاة الأخلاق في تصرفاتنا؟ عندما تتصادم المبررات القائمة على المصلحة الذاتية مع المبررات القائمة على المتطلبات الأخلاقية، أيهما يعتبر المبرر الأقوى؟ ولماذا؟ يختص هذا البحث الفلسفي بالدور الذي يلعبه العقل في نموذجٍ مثالي بعض الشيء للسلوك البشري. عندما يتصرف الأشخاص على نحو عقلاني واعٍ، فإنهم يستجيبون للمبررات بطريقة محددة؛ فهم يميزون بوجهٍ عام بين المبررات الضعيفة والقوية، ويتصرفون وفقًا للمبررات التي تبدو، في المحصلة النهائية، الأقوى. الفكرة الأساسية هنا هي أن السلوك البشري عقلاني في الأساس. وتلك، بالطبع، صورة مثالية. رغم ذلك يرى العديد من الفلاسفة أن تلك الصورة تصف طريقة تصرُّف الناس في أغلب الأحيان، وكذلك الطريقة التي يدركون بها عادةً، عندما يفكرون بوضوح، أن عليهم التصرف. إنها نموذج مثالي عقلاني للسلوك الذي ينبغي للأفراد اتباعه. يثير كل هذا جدلًا كبيرًا (كما نتوقع بالطبع في الفلسفة). على سبيل المثال يتجادل الفلاسفة حول الشكل النموذجي للفاعل الأخلاقي. هل هو شخص اختار طريقة تصرفه عبر عملية عقلانية بحتة تحدد الأهمية النسبية للمبررات؟ أم يُفترض كونه شخصًا يولِي مشاعره اهتمامًا ومتفاعلًا عاطفيًّا، شخصًا يتصرف، على الأقل جزئيًّا، بناءً على مشاعر؛ تحديدًا أنواع المشاعر المفيدة التي تتيح تبصُّرًا بما هو مهم وذو قيمة.6 في وسعنا استعراض عدد من الرؤى الفلسفية المختلفة عبر التركيز على الدور الأعم الذي تضطلع به المبررات الأخلاقية في نموذجنا المثالي للشخص الأخلاقي، مع مراعاة إعطاء تلك المجادلات الفلسفية حقها من الاهتمام. الفاعل الأخلاقي المثالي هو الشخص الذي يتصرف وفقًا للمبررات الأخلاقية المثلى. قد يتصرف وفقًا لها على نحو واعٍ ومتعمَّد، وقد يكون تصرفه غير واعٍ، لكن يُعتمد عليه. في أيٍّ من الحالتين، الفاعل الأخلاقي المثالي هو فرد يستجيب لأفضل المبررات الأخلاقية وأقواها.

يبدأ السؤال حول الدافع الأخلاقي لدى كثير من الفلاسفة ببحث في المبررات التي تدفع الناس للتصرف. إن السؤال حول السبب الذي يدفعنا لالتزام الأخلاق عندما نرى أن مصلحتنا الذاتية تتعارض مع متطلبات الأخلاق يتحول إلى سؤال حول طبيعة المبررات الأخلاقية. هل الأخلاق تمدنا بمبررات قوية بما يكفي للتغلب على المبررات المتعقِّلة المتعارضة؟ من جديدٍ هذه صيغة أخرى أدق لسؤالنا. لن نعرض جميع الطرق الممكنة للإجابة عن هذا السؤال، بما فيها الإجابة بالنفي التي تزعم أن الأخلاق لا تقدِّم لنا ما يكفي من المبررات، وعوضًا عن ذلك سنستكشف استراتيجيتين متفائلتين للإجابة عنه. تتمثل الاستراتيجية الأولى في الدفاع عن الأولوية المعيارية للمبررات الأخلاقية: المبررات الأخلاقية دائمًا ما تتغلب على أشكال الاعتبارات الأخرى؛ ويرجع ذلك إلى الطبيعة الجوهرية للمبررات الأخلاقية. (سوف نستكشف هذه الاستراتيجية في القسم الأخير من الفصل.) أما الاستراتيجية الثانية فتحاول تقليل التعارض بين الأخلاق والمصلحة الذاتية، بل وقد تطمح إلى إنهائه. يوجد سبيلان مختلفان لمحاولة تحقيق هذا، أحدهما هو توضيح أن السلوك الأخلاقي قد يسترشد بمنظومة ردع يضعها المجتمع بحيث يصبح من مصلحة الكل مراعاة الأخلاق في سلوكهم. أما السبيل الآخر لتقليل التعارض بين الأخلاق والمصلحة الذاتية فيركز على قيمة الحياة الأخلاقية من أجل إثبات أن الصلاح الأخلاقي أمر يصب في مصلحة ذاتنا المستنيرة.

هوبز وخيار الردع

قدَّم لنا الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، الذي عاش في القرن السابع عشر، أحد أوضح النماذج وأكثرها إقناعًا للإنفاذ العام لبعض المعايير الأساسية على الأقل من السلوك الأخلاقي. تبدأ حُجة هوبز بتجرِبة افتراضية؛ إذ يتخيل الحياة دون أي شكل من أشكال الحكم المدني؛ أي دون قوانين ودون نظام قضائي لتنفيذها. ويزعم أنه في تلك الحالة سينساق الأفراد إلى التصارع فيما بينهم. وحياة كتلك — حياة نعيشها في حالة الطبيعة على حد تعبيره — ستكون فظيعة. رأى هوبز أن الوضع حينها سيكون حرب الكل ضد الكل. فيما يلي وصف هوبز ذائع الصيت للحياة في حالة الطبيعة:

في تلك الحالة، لا يوجد مكان للصناعة؛ لأن ناتجها يصبح غير أكيد؛ وعليه، فستختفي الحضارة على الأرض، فلن توجد مِلاحة أو لن يوجد استخدام للبضائع التي قد تُستورد عبر البحر، ولن توجد مبانٍ شاسعة وأدوات لتحريك وإزالة الأشياء التي تتطلب قوة بالغة؛ ستتبدد المعرفة من على وجه البسيطة. لن يوجد حساب للزمن، ولن توجد فنون، ولا أدب، ولا مجتمع، والأسوأ من ذلك كله أننا سنعيش في خوف مستمر معرَّضين لخطر الموت العنيف، وسيحيا الإنسان حياة قصيرة كريهة يملؤها الفقر والعزلة والبربرية. (هوبز، لوياثان، ٨٩)

لدينا مبررات متعقِّلة قوية جدًّا لتجنب العيش في حالة الطبيعة؛ ومن ثَم لدينا مبررات متعقِّلة قوية جدًّا لفعل ما بوسعنا من أجل إرساء مجتمع مدني حيث تُفعَّل قواعد العدالة والتعامل المنصف أو من أجل الحفاظ على هذا المجتمع حال وجوده.7 وتفعيل تلك القواعد أمر جوهري؛ فالحياة داخل مجتمع عادل تصب في مصلحتنا، لكن هذا لا يعني أنه من مصلحتنا الشخصية الالتزام دائمًا بقواعد ذلك المجتمع. إذا كان بوسعنا ممارسة الغش والإفلات بفعلتنا، كما فعل جودا، فإن أقوى مبرراتنا المتعقِّلة قد توعز لنا بالغش. نحتاج إلى ما هو أكثر من قوانين تحريم القتل في كتب القوانين؛ نحتاج إلى قوة شُرطية ولنظام قضائي كفء يدعم تلك القوانين. بعبارة أخرى، نحتاج إلى نظام ردع فعَّال. ونظام الردع الفعَّال على نحو مثالي هو نظام يضمن أن يصب اتباع القانون في مصلحة كل فرد، ويتمكن من تحقيق ذلك عبر التأكد من أن المخاطر المتضمنة في مخالفة القانون بالغة الجسامة إلى حدٍّ يجعل مخالفة القانون رهانًا خاسرًا في جميع الأحوال.8 بالطبع، من الصعوبة بمكان وضع نظام ردع فعَّال على نحو مثالي. هل سيكون نموذجًا جديرًا بالاحترام؟ هل سيحل وجوده مشكلة التعارض بين المبررات المتعقِّلة والمبررات الأخلاقية؟ إن نظامًا كهذا لن يمنع الجرائم كافةً، ناهيك عن جميع الآثام. وحتى نظام ما قبل الجريمة في فيلم «تقرير الأقلية» أخفق في منع جرائم الشروع في القتل! (راجع الفصل السابع). إن مَهمة نظام الردع الفعال المثالي هي ضمان ألا يخالف القانون سوى الحمقى. والحمقى موجودون بوفرة في كل مكان — في الواقع كلنا حمقى بدرجة أو بأخرى — لكن على الأقل يمكننا القول إنه في ظل وجود نظام ردع فعَّال على نحو مثالي يتصرف منتهكو القانون ضد مصلحتهم الخاصة.

فلنعدْ إلى نموذج جودا لنرى كيف يمكن تطبيق هذا عمليًّا. يواجه جودا خيارًا صعبًا، وبافتراض أنه لا يفكر إلا فيما يحقق مصلحته، كيف ينبغي له الشروع في تقرير ما عليه فعله؟ لقد قرر تأجير قاتل للتخلص من ديلوريز، ويبدو مع نهاية الفيلم أنه أفلت بفعلته. (في القسم التالي من الفصل، نتساءل عما إذا كان قد أفلت حقًّا بفعلته.) وحتى إذا كان قد أفلت فعليًّا من العقاب، فإن ذلك لا يعني أنه تصرَّف تصرفًا عقلانيًّا يصب في مصلحته. ربما كان محظوظًا ليس أكثر؛ فقد يحالف الحظ أناسًا في غاية الحماقة. كيف إذن نتخذ قرارات عقلانية تتعلق بمصلحتنا الخاصة؟ لن يكفينا تحديد النتيجة التي نرغب فيها من موقف ما ثم السعي وراءها، بل علينا التعامل مع حقيقة عدم يقينية الأحداث، وكوننا عاجزين عن معرفة ما ستتمخض عنه أفعالنا يقينًا. ربما انكشف جودا، وألقت قوات الشرطة القبض عليه، ربما أبدى قلقًا زائدًا بينما يستجوبه المحققون مما أثار شكوكهم. ربما كانت ديلوريز تحتفظ بمذكرات خبأتها في مكان ما. ربما أُلقيَ القبض على القاتل المأجور في جريمة أخرى، وعندها قد يفضح اتفاقه مع شقيق جودا كجزء من صفقة يعقدها مع المدعي العام (وهو ما نراه يحدث في المسلسلات التليفزيونية طوال الوقت). وعلاوة على ذلك، ربما يعجِز جودا عن التأقلم نفسيًّا مع ما ارتكبه. في الفيلم نجده يعاني نفسيًّا لبعض الوقت ثم يتعافى، لكنه لم يكن يعرف وقتما اتخذ قراره بالتخلص من ديلوريز أن الأمور ستنتهي على هذا النحو. لم يكن لديه ما يضمن عدم إصابته باكتئاب حادٍّ لسنوات؛ ربما كان قراره إيذانًا ببدء حياة يملؤها احتقار الذات والشعور بالذنب والندم، ربما كان سيدفعه إلى الانتحار. كيف كان سيتسنَّى لجودا معرفة معدِنه الحقيقي وقتها؟ كيف كان سيتسنَّى له أن يعرف مسبقًا أنه رجل قاسٍ، رجل ذو شخصية ضحلة وطبْع متحجِّر، يملك قدرة كبيرة على خداع الذات والعيش في سعادة بأيدٍ تُلطِّخها الدماء. يختلف جودا عن شخصية الليدي ماكبث. لكن الليدي ماكبث لم تكن تعلم كيف سيكون رد فعلها على تورطها في جريمة قتل. كيف كان جودا سيتحصل على هذه المعرفة؟

التقلب سمة أصيلة للحياة؛ ما يحتِّم علينا عند السعي خلف مصالحنا إلى الاستعانة بحكمنا حول ما قد يحدث ومدى احتمالية حدوثه، وما قد يقع علينا من ضرر أو نفع حال حدوثه. يرى أنصار نظرية القرار المعاصرة أن السبيل النموذجي لفهم هذه المَهمة يتطلب مراعاة ما يُطلق عليه النفعية المتوقعة. إليكم كيفية تطبيق هذا على نموذج جودا. يواجه جودا اختيارًا ما بين الاعتراف لميريام أو الترتيب لعملية قتل ديلوريز. (فلنفترض، لدواعي التبسيط، أن تلك هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمامه.) وعليه استنباط العواقب المحتملة للاعتراف لميريام، ثم تحديد مدى أرجحية كل احتمالية وقدر الضرر الذي قد يلحق به. وبعد ذلك يلخص الموقف بهدف الوقوف على نوع الرهان الذي قد يتضمنه الاعتراف. كانت هذه المَهمة ستصبح سهلة لو كان لدى جودا وسيلة لقياس كلٍّ من أرجحية النتائج ومدى ما ستجلبه من نفع أو ضرر. (يُطلق منظِّرو القرارات على ما تتمتع به النتائج من نفع أو ضرر «جدوى النتائج».) فيما يلي طريقة تحديد الجدوى المتوقعة من أي فعل: لكل نتيجة محتملة للفعل، عليك بضرب جدوى النتيجة في مدى أرجحيتها. حاصل عمليات الضرب تلك كلها هو الجدوى المتوقعة للفعل. تكمن الفكرة ها هنا في استنباط الجدوى المتوقعة لكل فعل قد تقوم به ثم اختيار الفعل الذي يتمتع بأعلى جدوى متوقعة. بعبارة أخرى، اختر أفضل رهان متاح لك. الحياة لُعبة رهان؛ لذا من الطبيعي أن نعتقد بأن الجدوى المتوقعة هي جوهر عملية اتخاذ القرار العقلانية المتمركزة حول المصلحة الذاتية.

كما قلنا سابقًا، يصبح الأمر سهلًا إذا كان لديك تقدير جيد لكل من الأرجحية والجدوى، لكن في عالم الواقع نادرًا ما يتوفر لنا أيٌّ من ذلك. إذا اعترف جودا لميريام فقد تتركه. ما مدى أرجحية هذا؟ ما مدى الضرر الذي سيلحق به جرَّاء ذلك؟ لا يسع جودا سوى التكهن بما قد يحدث. ربما تبقى ميريام معه لكنها ستجعل حياته في غاية الصعوبة. ما مدى أرجحية هذا؟ ما مدى الضرر الذي سيلحق به في تلك الحالة؟ ربما تسامحه ميريام وتتعافى علاقتهما من أزمتها، بل وقد تتعمق على مر السنين. ما مدى أرجحية ذلك؟ ما مدى النفع الذي سيعود عليه حينئذٍ؟ يُفترض بجودا تقدير ذلك كله بطريقة ما، وتلخيصه في حكم يحدد مدى نفع أو ضرر رهان الاعتراف لميريام، من وجهة نظره المتمركزة حول مصلحته الذاتية. لكن هذا ليس سوى جزء من عملية اتخاذ القرار. على جودا بجانب ذلك مقارنة هذا الرهان المحتمل برهان آخر بديل. إذا أمر بقتل ديلوريز، ما احتمالات اكتشاف الشرطة لفعلته؟ ما مدى الضرر الذي سيلحق به جراء ذلك؟ (ضرر أكيد.) ما احتمالات معاقبة الله له؟ ما مدى الضرر الذي سيلحق به في هذه الحالة؟ (ضرر بالغ حقًّا.) لا يؤمن جودا بوجود إله؛ ومن ثَم يستبعد احتمالية الانتقام الإلهي. لكن بعدما ارتكب فعلته، بدأت تساوره الشكوك؛ ماذا لو كان مخطئًا، ماذا لو كان الله موجودًا وشاهدًا عليه؟ ربما لم يكن عليه استبعاد فرضية عقاب الله كليًّا. ما احتمالات كونه مخطئًا حيال وجود الله؟ وبعيدًا عن هذا كله، من المحتمل أن يعاني جودا من ندم بالغ واحتقار شديد للذات يصل حدًّا يجعل تعايشه مع نفسه مستحيلًا، على غرار الليدي ماكبث. ما احتمالات حدوث ذلك؟ علينا تلخيص ذلك كله كي نصل إلى الجدوى المتوقعة من عملية القتل ثم مقارنة النتيجة بالجدوى المتوقعة من الاعتراف لميريام بالعلاقة الغرامية. أيٌّ من الرهانين هو الأفضل؟ كيف بربك يُفترض بجودا إجراء تلك الحسابات كلها؟ إنها مَهمة بالغة المشقة على أقل تقدير.9 سوف تَئُول به الحال إلى تخمين معظم الاحتمالات، دون أن يعرف حقًّا كيف يقارن الجدوى المتوقعة لكلا الخيارين. إن السعي وراء مصلحتنا الخاصة أصعب بكثير مما قد نظن.
لا يمكن الاعتماد على الناس في اتخاذ قرارات عقلانية، من حيث الجدوى المتوقعة، إلا عندما يرَوْن بوضوح تام مقارنةً دقيقة للجدوى المتوقعة. عندئذٍ يأتي دور نظام الردع الفعال. إذا كانت الشرطة تتمتع بالقدر الكافي من الكفاءة، وكان العقاب الواقع بمنتهكي القانون سيئًا بما يكفي، حينئذٍ تصبح الجدوى المتوقعة من مخالفة القانون منخفضة جدًّا لدرجة تكاد تمنع وجود أي ظروف تصبح فيها مخالفة القانون أفضل رهان متاح. وعلاوة على ذلك، لا بد أن يكون واضحًا تمامًا للجميع أن مخالفة القانون رهان خاسر في جميع الأحوال تقريبًا. لهذا السبب تصبح أنظمة الردع الفعالة عادةً أنظمة وحشية؛ فقد تتضمن عقوبات مبالغ في قسوتها (بحيث يُحجِم أيُّ ذي عقل على مجرد المخاطرة، ولو مخاطرة ضئيلة، بالتعرض لها) أو ربما تتضمن مراقبة شرطية مبالغ في صرامتها (فلا يثق أيُّ ذي عقل باحتمالية الإفلات من العقاب عند مخالفته القانون) أو قد تتضمن كلا الأمرين.10 لا بد لأنظمة الردع الفعالة جعل الجدوى المتوقعة من مخالفة القانون منخفضة على نحو جذري لدرجة تجعل أي بديل آخر مفضلًا عليها بجلاء دون حاجة إلى التوصل لأحكام شديدة التدقيق حول الجدوى النسبية المتوقعة.

هل يقدِّم فرض الأخلاق عمومًا عبر أنظمة ردع فعَّالة حلًّا للتحدي الذي نطرحه؟ تذكَّر أن التحدي هو تقليل الفجوة بين الأخلاق والمصلحة الذاتية. تبرز بعض المشكلات فيما يتعلق بالاحتكام لفرضية الردع. أولًا: لا تساعدنا هذه الفرضية على الكيفية التي تنصر الأخلاق على المصلحة الذاتية في غياب نظام ردع فعَّال. (ربما تكون الإجابة هنا هي أنه عند غياب ذلك النظام، لا تنتصر الأخلاق على المصلحة الذاتية، لكن كثيرًا من الفلاسفة يرَوْن أن هذه نتيجة محبِطة ولا يمكن تصديقها.) ثانيًا: نظام ردع فعَّال لن يستبعد احتمالية المجرم العبقري، وهو فرد يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والقسوة الذي يمكِّنه من جعل الجدوى المتوقعة تميل لصالح خرق القانون. قد يكون أولئك الأشخاص نادري الوجود؛ ومن ثَم فمن المستبعد أن يمثِّلوا مشكلة اجتماعية كبرى، لكنهم يمثلون مشكلة فلسفية. المجرم العبقري هو شخص تتفوق مصلحته الشخصية على الاعتبارات الأخلاقية. لكننا لا نزال في حاجة إلى إجابة عن السؤال حول ما يعزونا إلى التزام الأخلاق (بافتراض أننا غير راضين عن الإجابة التي تزعم غياب ما يعزونا إلى ذلك). ولا يقدم لنا خيار الردع هذه الإجابة. ثالثًا: نظام الردع الفعَّال سيكون على الأرجح في غاية الوحشية إلى حدٍّ يُحدث أذًى يفوق ما يُحدثه من نفع. إن الثمن الذي سندفعه لقاء جعل الناس كافةً يدركون بما لا يدع مجالًا للشك أن مخالفة القانون رهان خاسر هو أن الجميع سيعانون من مراقبة شرطية مفرطة أو من خشية تلقِّي عقاب مروِّع. رابعًا: يبدو من الخطأ إنزال عقاب شديد بالناس لمجرد الرغبة في إيصال رسالة واضحة إلى الآخرين تحذِّرهم من أن يحذوا حذوهم؛ فمنتهكو القانون هم بشر أيضًا، وليسوا مجرد وسيط إعلاني. من المحتمل إذن أن يتضمن نظام الردع الفعَّال بطبيعته نظام عقاب غير عادل. خامسًا: حتى إذا أمكن تفعيل النظام على نحو مُرضٍ وعادل، سيكون ذلك مجرد حل جزئي لمشكلة الدافع الأخلاقي. كثير من الواجبات الأخلاقية لا تصلح كموضوعات للتدقيق والتحكم العام. لقد قتل جودا عشيقته السابقة، لكنه خان زوجته أيضًا. من المنطقي فرض قوانين ضد القتل. لكن أحرى بنا فرض قوانين ضد الخيانة الزوجية، أو ضد التفاخر كذبًا بإنجازاتك في صيد الأسماك، أو ضد التعامل ببعض الفظاظة مع جيرانك المزعجين! يبدو أن الفرض العام للأخلاق ينبغي أن يخضع لقيود صارمة. هذا من شأنه أن يترك الدافع الأخلاقي وراء الكثير من الأفعال غير خاضع لأي تحكم. وأخيرًا، يبدو أن خيار الردع يطرح دافعًا خاطئًا للسلوك الأخلاقي. ربما يضمن أن يصبح تجنُّب القتل أمرًا في مصلحة جودا الشخصية دون شك، لكن إذا كان السبب الوحيد الذي سيجعل جودا يجحم عن الترتيب لقتل ديلوريز هو خوفه من أن يُلقى القبض عليه وينال العقاب، أليس هذا في حد ذاته نوعًا من الفشل الأخلاقي؟ ألا ينبغي أن يُحجم عن قتل ديلوريز لأنه يدرك مدى خطأ هذا الفعل؟ فالقتل فعل من المفترض أن يشعر جودا «بالعجز» عن دفع نفسه لارتكابه، لا فعل يتصور أنه لن يستطيع الإفلات من العقاب عليه. يوضح خيار الردع أنه من الممكن أحيانًا تحقيق توافق بين المصلحة الذاتية والسلوك الأخلاقي، لكنه لا يقدم على ما يبدو مبررًا مُرضيًا «على المستوى الأخلاقي» لمراعاة الأخلاق في حياتنا.

سقراط والسعي خلف المصلحة الشخصية المستنيرة

يمكننا معالجة بعض المشكلات التي واجهناها في القسم السابق عبر إلقاء نظرة أكثر تعمقًا على مكامن الخطر في الفعل الأخلاقي. يواجه جودا مخاطرة رهيبة عندما يقرر قتل ديلوريز، فهو يخاطر بتلقي عقاب خارجي؛ فقد تُلقي الشرطة القبض عليه وتعاقبه، وقد ينبذه مجتمعه ويُشعره بالخزي، وقد يحكم الله عليه ويعاقبه بنيران جهنم. وعلاوة على ذلك يخاطر بأنواع من العقاب الخارجي مثل الشعور بالذنب والندم إلى جانب مشاعر احتقار الذات والاكتئاب. من الصعب على جودا إذن، وعلى أيٍّ منا، تقدير تلك المخاطر جيدًا، لكن توجد مجموعة أخرى من الاعتبارات التي لم نأخذها بعدُ في اعتبارنا.

يُراهن جودا على ما يبدو رهانًا رابحًا؛ ففي الفيلم تُقتل ديلوريز وتَصطحب سرها معها إلى قبرها، وتلتصق التهمة بقاتل متسلسل، ويصطحب هو عائلته في إجازة، ويستعيد سعادته معها مجددًا. وعلاوة على ذلك، يحتفظ باحترام وحب عائلته وأصدقائه، وتزدهر حياته المهنية، بل ويصبح لديه قصة طريفة يرويها لكليف البائس (الذي يلعب وودي ألن دوره) في مشهد الحفلة الذي ينتهي به الفيلم. يبدو إذن أنه انتصر على معضلته نتيجة حظ أو حكم موفق. ورغم ذلك، فقد جودا شيئًا ما. ربما ظل محتفظًا بحب عائلته وأصدقائه، لكنه لم يعُد «مستحقًّا» لهذا الحب بعد الآن؛ ربما ظل محتفظًا باحترام أصدقائه وزملائه، لكنه لم يعُد مستحقًّا لهذا الاحترام. السبب الوحيد الذي يجعله يحتفظ بحب واحترام الآخرين هو كونهم لا يعرفون حقيقته. إذا عرفوا حقيقته، سيتحول الحب والاحترام على الأرجح إلى احتقار وتقزز. لقد فقد جودا استحقاقه للحب واستحقاقه للاحترام. قد نعبر عن ذلك بالقول إنه فقد نزاهته. ما مدى أهمية تلك النزاهة؟ إحدى الإجابات عن هذا السؤال اشتَهَرتْ على لسان سقراط، وهذه الإجابة مَفادها أن أهمية نزاهته تفوق أهمية جميع الأشياء الأخرى مجتمعة. وفقًا لسقراط، الجزء الأعظم قيمة لدى الفرد هو شخصيته، أو روحه.11 والحفاظ على سلامة الحالة الأخلاقية لشخصياتنا أهم وأعظم قيمة من حياة مهنية مزدهرة بل ومن حياة عائلية مُرضية. ما الذي تقبل فعله كي تتجنب موقف جودا مع نهاية فيلم «جرائم وجنح»؟ ما الذي تقبل التضحية به كيلا تُضطر إلى عيش حياة جودا الكاذبة الكريهة؟ يزعم سقراط أنه يجب عليك أن تكون مستعدًّا للتضحية بأي شيء وكل شيء، حتى بحياتك نفسها في سبيل ذلك. وفقًا لرؤية سقراط، الحالة الأخلاقية لشخصيتنا ليست أكبر قيمة فحسب من باقي الأشياء في حياتنا، بل هي الأعلى قيمة؛ ما يعني أنها تتفوق تلقائيًّا على أي استحقاقات أخرى تُفرض علينا. لذا، فمن مصلحتنا الشخصية الاحتفاظ بنزاهتنا مهما كان الثمن؛ فذلك في مصلحتنا الشخصية المستنيرة.12
إلى أي مدًى تبدو رؤية سقراط معقولة؟ يعتمد ذلك على قيمة الزعم الكامن في جوهرها؛ أو بعبارةٍ أخرى: فكرة القيمة الأسمى للنزاهة. يبدو أن هذه الرؤية تفترض مسبقًا أن النزاهة لها قيمة موضوعية. فإذا كانت قيمة النزاهة موضوعية، فلن تعتمد على اعتبار الناس أن النزاهة ذات قيمة (على العكس من ذلك، لا يتمتع الذهب بقيمة موضوعية لأن قيمته تعتمد على حقيقة أن الناس يقدرونه).13 إذا كان جودا لا يكترث البتة بفقدانه لنزاهته، فموقفه لا يزال مع ذلك في غاية السوء. لقد أصبح رجلًا منتقَص القيمة مع نهاية الفيلم، حتى وإن لم يوجد من يعرف ما فعله أو يكترث به على حدٍّ سواء. (من يعرفون لا يهتمون، ومن قد يهتمون لا يعرفون.) ما الذي يجعل النزاهة ذات قيمة موضوعية؟ ربما تكون مهمة، لكن أشياء أخرى لا تزال تفوقها أهمية. ربما كانت السعادة أهم موضوعيًّا من النزاهة. ربما كانت العلاقات الناجحة أهم منها. ما مدى المواساة الصادقة التي ستشعر بها عند الاحتفاظ بنزاهتك إذا كان ذلك سيؤدي بك إلى حياة من التعاسة والوحدة؟ (النزاهة والسعادة عادةً ليستا متعارضتين على هذا النحو، لكن تخيَّل حالة يتعارضان فيها.)
إن احتكام سقراط إلى المصلحة الشخصية المستنيرة والقيمة الأسمى للنزاهة يقدم لنا احتمالية جذابة، لكنها بعيدة عن كونها صحيحة بداهةً؛ فهي تتركنا كذلك عالقين في مشكلة تتصل بالأسباب الأخلاقية نألفها من مناقشتنا لقضية الردع في القسم السابق. فلنقل إن جودا رفض عرض أخيه بالترتيب لقتل ديلوريز لأنه غير مستعد للتحول إلى قاتل. إن احتكام جودا إلى مصلحته الشخصية المستنيرة يبدو خطوة أفضل من أي محاولة للاحتكام إلى مصلحته الشخصية غير المستنيرة. إنه سبب مُرضٍ على المستوى الأخلاقي لرفض القتل، وهو أكثر مقبولية من الخوف من العقاب مثلًا. (كون الفرد مدفوعًا كليًّا بالخوف من العقاب يعكس نوعًا من الأنانية واللاأخلاقية وتمركزًا حول الذات، أما كونه مدفوعًا كليًّا بالخوف من التحول لشخص فاسد فيبدو دافعًا متمركزًا حول الذات بالتأكيد، لكنه ليس أنانيًّا أو لا أخلاقيًّا على ما يبدو. والشخص الصالح الذي ترغب في أن تصبح عليه ليس شخصًا أنانيًّا أو لا أخلاقيًّا.) مع ذلك، يبدو موضوع الحكم، الحماية الأخلاقية للشخصية، مُضَلِّلًا. ألا يجب على جودا رفض قتل ديلوريز بسبب أمر يتعلق بها، بحقوقها أو الاحترام الذي تستحقه، لا بسبب أمر يرغب فيه لنفسه؟ إذا كان ذلك صحيحًا، فلا تعتبر المصلحة الذاتية المستنيرة إذن مبررًا أخلاقيًّا كافيًا.14 رغم ذلك، إذا كان سقراط على حق في زعمه، فإن ذلك يُثبت أنه على الأقل في بعض حالات السلوك غير الأخلاقي، الحالات المتطرفة التي تقوِّض النزاهة، تطرح المبررات الأخلاقية والمصلحة الشخصية المستنيرة الإجابات نفسها. يدفعنا ذلك إلى تأمُّل الاحتمالية الأخيرة لدينا. ربما يكون صحيحًا أن مراعاة الأخلاق في تصرفاتنا سوف تصب دومًا في مصلحتنا الشخصية المستنيرة، لكن لا داعي لأن تَستمد المبررات الأخلاقية سلطتها علينا من هذه الحقيقة. ربما يكون لدينا مبررات لاتباع الأخلاق أقوى من المبررات الدافعة للفساد الأخلاقي بصرف النظر عما سيصب في مصلحتنا الشخصية. ربما تكون حقيقة تغلُّب الأخلاق على الفسوق هي سمة من سمات المبررات الأخلاقية.

كانط وسلطة المبررات الأخلاقية

ترتبط هذه الاستراتيجية الأخيرة ارتباطًا وثيقًا بفلسفة إيمانويل كانط، وسوف نتناولها بالفحص في سياق فلسفته العملية (فلسفته حول ما يوجِّه أفعالنا). إن طريقة كانط في عرض المسألة ليست سوى طريقة واحدة من طرق السعي لإرساء سلطة المبررات الأخلاقية، لكنها طريقة شهيرة ومؤثرة. لن نعيد شرح نظرية كانط حول الفعل الأخلاقي هنا، فذلك سيستغرق وقتًا طويلًا. عوضًا عن ذلك، سوف نطرح حلًّا للتحدي الذي سنتناوله مستمدًّا إجمالًا من فلسفة كانط. هل تتفوق المبررات الأخلاقية دومًا على المبررات المتعقِّلة؟ نعم، نظرًا لطبيعة الاستدلال الأخلاقي، تلك إجابة معتنقي فلسفة كانط. بعبارة أدق، تتفوق المبررات الأخلاقية دائمًا على المبررات المتعقِّلة. وكما سنرى لاحقًا، مبررات السلوك غير الأخلاقي في الواقع لا توجد من الأساس، لكن دعونا نبدأ من البداية.

ما هي المبررات الأخلاقية؟ إنها المبررات التي تدفعنا إلى مراعاة الأخلاق في تصرفاتنا. وهي تبدو كما لو كانت في منافسة مع المبررات المتعقِّلة التي تدفعنا إلى فعل ما يصب في مصلحتنا الشخصية. إذا كان هذا هو الوصف الصحيح للمسألة، فإن مَهمتنا هي عرض الكيفية التي تتفوق بها المبررات الأخلاقية على المبررات المتعقِّلة أو تفُوقها قوة. لكن من منظور كانط، من الخطأ النظر إلى الأمور بهذه الطريقة؛ فالاستدلال الأخلاقي هو السعي للإجابة عن سؤال «ماذا يجب عليَّ فعله؟» وعلى العكس من ذلك، الاستدلال المتعقل يسعى للإجابة عن سؤال مختلف، وهو: «ماذا يجب عليَّ فعله كي أحصل على ما أريد؟» المبررات الأخلاقية لها الغلبة على المبررات المتعقِّلة لأن المبررات الأخلاقية هي وحدها التي تخبرنا تحديدًا بما ينبغي لنا فعله. أما المبررات المتعقِّلة فتخبرنا بشيء آخر؛ هي تخبرنا بما ينبغي لنا فعله كي «نحصل على ما نريد». والسؤال حول ما إذا كان من المفترض أن نحصل على ما نريد سؤال مفتوح.15 يريد جودا استعادة حياته، ويعتقد أن السبيل الوحيد الذي يمكِّنه من ذلك هو موت ديلوريز. ويستنتج، بعد تفكير متعقِّل، أنه لا بد له من الترتيب لقتلها كي يستعيد حياته. لكن ما علاقة هذا بالأمر؟ هذا التفكير لا يقوده إلى السبب الذي يُوجب عليه قتل ديلوريز؛ يجب عليه قتلها في حالة واحدة فقط؛ وهي أن يكون قتلها هو السبيل لاستعادة حياته. ولا يوجد ما يبرر «هذا النوع» من التفكير. تتفوق الأخلاق على المصلحة الشخصية لأن التبرير الأخلاقي، بطبيعته، يحدد ما ينبغي لنا فعله. جميع الاعتبارات الأخرى حول ما ينبغي لنا فعله لا بد أن تمر عبر مصفاة الأخلاق كي تصبح قادرة على إخبارنا بما ينبغي لنا فعله.
قد يبدو كلامنا أشبه بخدعة لفظية. فظاهريًّا نحن لم نفعل سوى تعريف الاستدلال الأخلاقي بطريقة تجعل له الغلبة دائمًا على الاعتبارات الأخرى. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك. ما يعرضه كانط هو نموذج للاستدلال العملي (أي استدلال حول كيفية التصرف)؛ استدلال يتعارض بحدَّة مع نموذج الجدوى المتوقَّعة الذي عرضناه باكرًا في هذا الفصل. حسب نموذج الجدوى المتوقعة، يتحقق الاستدلال العملي، على وجه التقريب، من خلال تحديد مسار العمل الذي سيحقق على أكثر تقدير النتيجة الأعلى قيمة. هذا النوع من الاستدلال يُطلق عليه الاستدلال الذرائعي. وعلى النقيض، يتحقق الاستدلال العملي في نموذج كانط عبر تصنيف الأفعال تحت مبادئ. علينا أن نسأل أنفسنا: ما نوع هذا الفعل؟ ما المبدأ الذي يقع تحته؟ وعندئذٍ يمكننا تحرِّي مزايا هذا المبدأ.16 إذا كان جودا يتبع مبدأً (بدلًا من التصرف على نحوٍ أناني لا تحكمه المبادئ)، فما هو إذن؟ ربما كان كالتالي: «افعل كل ما يمكن فعله، بما في ذلك القتل، كي تصل إلى ما تتوق إليه.» من منظور كانط، لا يمد هذا المبدأ جودا بمبرر حقيقي للتصرف مثلما فعل إلا في حالة كونه مبدأ منطقيًّا. فهل هو منطقي؟
ما الذي يجعل مبدأً ما بوجهٍ عام منطقيًّا؟ لدى معتنقي نظرية كانط عدة إجابات عن هذا السؤال. توظِّف إحدى الإجابات السؤال الاختباري التالي: هل من المعقول بالنسبة لشخص يتصرف وفقًا لهذا المبدأ أن يتمنى لكل من سواه اتباع المبدأ نفسه؟17 إذا كان هذا معقولًا بالفعل، يصبح المبدأ بدوره منطقيًّا، ويصبح التصرف وفقًا له سليمًا من الناحية الأخلاقية؛ أما إذا لم يكن معقولًا، يصبح المبدأ غير منطقي، ويصبح التصرف وفقًا له فعلًا غير أخلاقي. لقد رتب جودا لعملية قتل ديلوريز كي يضمن استمرار حياته السابقة. لكن إذا تصرَّف الجميع، بما فيهم أعداؤه وديلوريز نفسها، وفقًا للمبدأ ذاته — وهو «افعل كل ما يمكن فعله، بما في ذلك القتل، كي تصل إلى ما تتوق إليه» — فإن ذلك سيؤدي إلى تقويض أمن وسلامة جودا كليًّا. إذا تصرَّف كل امرئ في حياة جودا وفقًا لهذا المبدأ، فإن حياته، على حد تعبيره، ستنحدر حتمًا إلى الحضيض (على سبيل المثال، وفقًا لهذا المبدأ، كانت ديلوريز ستُسارع بالترتيب لقتل زوجته، وكان منافسوه في العمل سيُسارعون بالترتيب لقتل جودا … إلخ). من غير المعقول أن يتمنى جودا اتِّباع الجميع لمبدئه وهو يستخدمه للحصول على ما يريد. لهذا السبب كان تصرف جودا غير منطقي من الأساس؛ فقد تصرَّف حسب مبدأ نجح لسبب واحد فقط؛ وهو أن أحدًا لم يتصرف وفقًا له سواه. إن جودا يعتبر نفسه مختلفًا اختلافًا جذريًّا عن كلِّ مَن سواه. هو يعتبر نفسه شخصًا مميَّزًا، يعمل وفقًا لقواعد تنطبق عليه هو وحده. بالطبع هو ليس مميَّزًا. لقد طبَّق مبدأً ما على نفسه ومبدأً آخر على جميع مَن سواه، دون أيِّ نوع من التبرير، وذلك هو أساس عدم منطقيته.

من منظور كانط، لا يوجد لدى جودا أيُّ مبرر على الإطلاق يدفعه للترتيب لقتل ديلوريز. فمبرر فعل شيء ما ينشأ من تطبيق مبدأ منطقي يشكل أساسًا للفعل. والمبدأ الذي تصرَّف جودا وفقًا له غير منطقي من الناحية الجوهرية. إن رغبة جودا وحبَّه لذاته يدفعانه إلى الترتيب لقتل ديلوريز. لكن وفقًا لنموذج كانط للاستدلال الأخلاقي، الرغبة وحب الذات لا يُعدَّان مبررًا للفعل. إنها إغراءات «تغوي» جودا بالقتل و«تدفعه» نحوه، لكنهما لا يمدانه ﺑ «مبرر» للقتل. لا يملك جودا بتاتًا أي مبرر لقتل ديلوريز؛ إذ لا يوجد مبدأ منطقي يستطيع وفقًا له الترتيب لعملية القتل. من ناحية أخرى، يوجد مبرر واضح جدًّا للعزوف عن قتلها، وهو المبدأ المنطقي الذي يخبرنا بألا نستخدم القتل قط كسبيل لحيازة ما نريد.

تذكَّر أن سؤالنا كان يتعلق بماهية المبرر الذي يدفعنا إلى مراعاة الأخلاق في تصرفاتنا عندما تتعارض الأخلاق والمصلحة الشخصية؟ الإجابة عن هذا السؤال حسب رؤية كانط تزعم أننا عاجزون عن إيجاد مبرر للتصرف على نحو غير أخلاقي. وعندما نتصرف بالفعل تصرفًا لا أخلاقيًّا، نكون قد خضعنا للإغراء وتركنا الرغبة وحب الذات يحلَّان محلَّ العقل. بالطبع جميعنا معرَّض لهذا بدرجة أو بأخرى، لكن إذا كان نموذج كانط للاستدلال العملي صحيحًا، فقد وجدنا حلًّا للتحدي الذي طرحناه. إن نموذج كانط للاستدلال العملي محل خلاف كبير؛ ومن ثم لا يعتبر على الإطلاق حلًّا حاسمًا للمسألة. لكن في الفلسفة ستجد أن جميع الأفكار المثيرة للاهتمام هي محل خلاف، وقلَّما تُقدَّم حلول حاسمة.

أسئلة

  • فلتفترض أن بوسعك، على نحو مضمون ودون جهد، «الإفلات بأفعالك» دون عقاب ببساطة، ماذا سيدفعك حينئذٍ إلى التزام الأخلاق؟

  • هل يوضح فيلم «جرائم وجنح» أنه دون إلهٍ يستحيل وجود أخلاق سارية على نحو موضوعي؟ لقد زعمنا في هذا الفصل أن الفيلم لا يوضح ذلك، وأنه يعجِز عن أداء مَهمة كتلك. هل نحن على صواب؟

  • فلنفترض جدلًا أننا، على سبيل المثال، لا نفصل بين المنفعة الشخصية والسعادة، بحيث نصنف نتائج الأفعال حسب مستوى سعادتنا فيها. إذا نظرنا إلى المنفعة من هذا المنظور الضيق، فهل نرى أن جودا تمكَّن من تعظيم قدر المنفعة المتوقعة عبر الترتيب لقتل ديلوريز؟

  • لقد انتقدنا نموذج تطبيق نظام ردع فعَّال على نحو مثالي من جوانب عديدة. لكن تأمَّل نظامًا من القوانين الرادعة ضد أفعال بالغة الأذى (مثل قتل عشيقتك السابقة). إذا قبلنا أن نظامًا كهذا سيكون أقل من مثالي (ومحاولة جعله مثاليًّا ستتطلب إجراءات مفرطة التطرف) فهل تظل انتقاداتنا لخيار الردع سليمة؟ وجود نظام كهذا لن يحل مشكلتنا الفلسفية. لماذا؟

  • زعمنا في هذا الفصل أن المصلحة الذاتية المستنيرة لا تمدنا بمبررات «أخلاقية» مرضية للتصرف لأنها تركز انتباهنا واهتمامنا على الجانب الخطأ من المسألة. هل هذه حُجة جيدة؟ ما الرد المحتمل عليها؟

  • هل الحُجة المستقاة من فلسفة كانط — التي عرضناها في هذا الفصل، وتزعم أن المبررات الأخلاقية، بحكم طبيعتها، تتفوق تلقائيًّا على الاعتبارات والرغبات الشخصية — خدعة لفظية أم تنطوي على ما هو أكثر؟ ألا يعني هذا أننا نتخلص من المشكلة ببساطة عبر وضع تعريف؟ (لقد دفعنا في هذا الفصل بخطأ هذا، فهل كنا على صواب؟)

  • على مدار هذا الفصل، قارنَّا بين نوعين من الاستدلال العملي: الاستدلال الذرائعي (ونموذج تعظيم الجدوى المتوقعة مثال له) والاستدلال القائم على مبدأ (ونموذج الاستدلال الكانطي مثال له). قد يرى البعض أن الاستدلال العملي نوع من الاستدلال حول كيفية الحصول على ما نريد، بينما يرى آخرون أنه استدلال خاضع لمبادئ منطقية ومبرَّرة تحكُم الأفعال. أي النوعين أفضل؟ إذا كان لكل نوع ميزة خاصة به فهل من الممكن توحيدهما أو التوفيق بينهما بطريقة ما؟ كيف يمكن هذا؟

هوامش

(1) See the discussion of remorse and regret in chapter 12.
(2) Two scenes are especially noteworthy in this respect: the scene of Judah’s fateful decision (0:40–0:43); and the scene of dinner-party debate, in which the philosophical star of Aunt May shines brightest (1:10–1:13).
(3) In the film, Cliff isn’t all that good and Lester isn’t all that bad. On the other hand, Ben really is good if somewhat naïve and un-insightful. And, of course, Judah is deeply morally corrupt.
(4) Although metaethics is a very important philosophical field, we are not going to explore it in the present book. Metaethics is difficult to study in the context of films. Many of the basic issues in metaethics concern the ontological status of moral properties. The fundamental theory-options are those we discussed in chapter 4: reductionism, eliminativism, and acceptance of moral properties as ontologically basic. Reductionists about moral properties think they reduce to a non-moral category of properties, such as something’s being accepted as a basic cultural norm or its contributing maximally to human welfare. Eliminativists about moral properties think they are not real; nothing literally has an ethical property. There are different ways of being eliminativist. One way is to say that attributions of moral properties aren’t what they seem: when we insist that a person’s lying is morally wrong we are not literally ascribing a moral property (wrongness) to their action, we are expressing an attitude to it (e.g. we don’t approve of it). This view is called expressivism. Another way of being eliminativist about moral properties is to insist that we should take our attributions of moral properties literally: we are saying that an act of lying has the property of being wrong; it’s just that we are making an ontological error. Saying that an act has the property of being wrong is like saying that somebody has the property of being a witch. There are no witches; there are no moral properties either. (This view is sometimes called “error theory” and sometimes “moral nihilism.”) Those who defend the reality and fundamental ontological status of moral properties are called “moral objectivists.”
(5) We are landing in the middle of a complicated philosophical inquiry into the nature of reasons to act. What, in general, is a reason to act? Must a reason connect up with an agent’s own perception of what they should do or what they want to do (these are called internal reasons) or might they specify more objective conditions of what they ought to do or what they ought to want to do (these are called external reasons)? We will assume that moral reasons work as external reasons that apply to people even if they do not appreciate this fact.
(6) See our discussion of virtue theory in chapter 14 for an elaboration of this latter perspective on moral action.
(7) Hobbes’ political solution involves setting up a Sovereign with close to absolute powers over the members of society. We aren’t concerned here with the merits of this proposal, but with other implications of his theory.
(8) As Hobbes puts it, “there must be some coercive power to compel men equally to the performance of their covenants, by the terror of some punishment greater than the benefit they expect by the breach of the covenant” (Leviathan, xv, 3).
(9) Don’t forget that we have oversimplified Judah’s choice-situation. We have restricted him to two live options; and we have ignored Delores’s threat to reveal his suspect business dealings.
(10) Of course, the Big Daddy of deterrence options is belief in divine retribution. Hell is as bad a place as human imagination will allow and God’s powers of surveillance are peerless.
(11) Socrates appears to have believed in the immortality of the soul (according to Plato in the Phaedo) and what is at stake in keeping our soul morally intact is the future of this immortal soul. The possibility we are presenting in this chapter involves keeping the value hierarchy of Socrates and Plato without their metaphysical assumptions. The moral condition of our character or personality (i.e. soul) is of overriding value. Other harms we experience are always less of an evil to us than the destruction of our moral character.
(12) Notice, this appeal to the supreme value of integrity appears to do away with the business of calculating expected utilities. First, Judah can know more or less with certainty that his decision to have Delores killed will undermine his integrity. Second, whatever utility we ascribe to factors such as happiness, honor, or the respect of colleagues, the value of integrity will trump it because it is supreme, i.e. overriding.
(13) See our discussion of subjective and objective value in chapter 10.
(14) See our discussion of virtue ethics in chapter 14 for development of a similar idea.
(15) Kant draws this distinction in terms of two kinds of imperatives: hypothetical imperatives (I should do x, if I am to achieve y) and categorical imperatives (I should do x).
(16) We further examine the merits of this sort of approach to moral reasoning in chapter 13, where we discuss deontological theories of right action. There is a close relationship between the Kantian approach to practical reasoning described here and deontological theories of right action discussed in chapter 13. However, Kantian scholars point out that Kant’s moral theory is more complicated and more subtle than the simple deontological model we discuss in chapter 13. See Wood (2008), especially chapter 3.
(17) Kant, famously, expresses the point like this: “I ought never to act except in such a way that I could also will that my maxim should become a universal law [italics in original]” (Kant 1999, 4.403, 57). This is the first of his formulations of the categorical imperative.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤