القسم الثاني: شطحات اللاعقل

الفصل الثامن: اللامعقول، ما هو؟

  • (٥٨)

    نستطيع تحديد «اللاعقل» عن طريق تحديدنا ﻟ «العقل». معنى «العقل» في الفلسفة المثالية. العقل عند المثاليين هو العلاقات الضرورية بين فكرة وفكرة أخرى تلزم عنها كما نجد في الرياضة. الروابط المكتسَبة عن طريق الخبرة التجريدية ليست عندهم دالة على «عقل». هيوم في القرن الثامن عشر والغزالي في القرن الحادي عشر، أنكرا وجود علاقة ضرورية بين السبب والمسبَّب؛ وبهذا لا يكون إدراك السببية عملية «عقلية». الروابط الضرورية «العقلية» مقصورة على «الأفكار» دون «الأشياء» أو «الأحداث»، أما عند الفلاسفة التجريبيين ﻓ «العقل» هو الانتقال من مقدمة (فكرة كانت أو شيئًا أو حدثًا) إلى نتيجة، سواء كان هذا السير في دنيا الأفكار أو في دنيا الظواهر الطبيعية. يتفق المثاليون والتجريبيون معًا على أن «العقل» حركة استدلالية يحدث بها انتقال من بدء إلى نهاية، ويختلفان في أن هذه الحركة الاستدلالية التي هي «عقل» مقصورة عند المثاليين على توليد الأفكار بعضها من بعض، ولكنها تتسع عند التجريبيين لتشمل استدلال «الوقائع» أيضًا بعضها من بعض.

    من هذا التحديد لمعنى «العقل» يتبيَّن أن «اللاعقل» هو «حالات» تسكن الإنسان، وليست ﺑ «انتقالات» من مقدمة إلى نتيجة.

  • (٥٩)

    بيان «العقل» و«اللاعقل» في أمثلة توضِّحهما. من أمثلة العقل وقفة العلم. خصائص التفكير العلمي هي نفسها خصائص العقل: الانتقال من الجزئي إلى الكلي، ومن المتعين إلى المجرد، التحليل، تحويل الخصائص الكيفية إلى صيغ كميَّة. ومن أمثلة العقل كذلك الموقف الإنسي (أو الإنساني)، ومن أمثلة اللاعقل الانفعالات والعواطف والرغبات، كل هذه «الحالات» تتميز بأنها «خاصة» بأصحابها، قد يُشاركهم أو لا يُشاركهم فيها الآخرون. ليس المقصود عند التمييز بين العقل واللاعقل أن نُفاضل بينهما. عندما يُوصَف عصرنا بأنه يتسم باللامعقول في غير مجال العلوم، يكون المقصود هو أن العقل وحده مطلوب في ميدانه، ولكنه لا يكفي لوجود ميادين أخرى. كانت الرومانسية هي التي تُفاضل بين الاثنَين فتُعلي من شأن العاطفة على العقل. مدارس علم النفس المعاصر من فرويدية وسلوكية يردَّان العقل إلى اللاعقل. عندما يعتمد الناس على «التقاليد» و«العادات» و«العُرف» فهم إنما يعتمدون على اللاعقل ويتنكرون للعقل. كتاب دولتر بادجوت «الفيزياء والسياسة» وتحليله لسلطان العادات على الشعوب؛ أي سلطان «اللاعقل» عليها. ربط الأنماط السلوكية عند الناس في عصرنا بألفاظ معيَّنة يردِّدها لهم أولو الأمر، هو من ظواهر اللاعقل في عصرنا.

  • (٦٠)

    الإدراكات اللحظية المباشرة كلها من قبيل اللاعقل. تراثنا الفكري مزيج من معقول ولا معقول. الجانب العقلي وحده — في رأينا — هو ما يصلح لربط الحاضر بالماضي. برتراند رسل في تفرقته بين حالة التصوف والمنطق العقلي. قد تلتقي نظرة المتصوف في رجل واحد كما حدث لأفلاطون. للنظرة الصوفية إلى الوجود خصائص أربع: الأولى أن يكون الحدس دون العقل المنطقي وسيلة إدراك، والثانية أن يرى الكون وحدة واحدة لا تقبل التحليل، والثالثة هي أن الصوفي يُنكِر انقسام الزمن إلى لحظات، والرابعة هي عدم التفرقة بين ما يسمِّيه الناس خيرًا وشرًّا.

  • (٦١)

    مناقشة التفرقة بين إدراك الحدس وإدراك العقل. الحدس هو الغريزة وهو الوجدان، فكلها أدوات للإدراك لا تحتاج إلى تعلُّم واكتساب. مزعوم لهذه الأدوات أنها تُدرِك اليقين. رؤية الحدس قد تتناقض في حالتَين؛ ومن ثَم يجيء العقل ليُراجعها فيختار من نقائضها ما يتَّسق مع سائر جوانب الخبرة. للمتصوف الحق في أن يقول إنه رأى كذا وكذا، ولكن ليس من حقه أن يدَّعي بأنه قد رأى اليقين؛ ومن ثَم فواجبنا نحو اللامعقول في تراثنا أن نقبل منه ما يستطيع العقل قبوله. الغريزة ليست معصومة من الخطأ. الفلاسفة يختلفون في مبادئهم التي يقولون إنهم يُدرِكونها بالحدس. مناقشة برجسون لأنه من أصحاب الركون إلى الحدس في مقابل العقل. للإدراك الحدسي حسنة إذا تَصادف أنه صادق، وله سيئة إذا تَصادف أن يكون باطلًا؛ فعندئذٍ يصعب تغيير صاحبه إلى الصواب.

  • (٦٢)

    نظرة التصوف إلى وحدة الوجود. رفض الغزالي لما يزعمه «الاتحاديون» من المتصوفة.

الفصل التاسع: يقظة الحالمين

  • (٦٣)
    رُؤى المتصوفة شبيهة برؤى الحالمين. نماذج مأخوذة من نجم الدين الكبرى في كتابه «فوائح الجمال وفواتح الجلال». تجربة قام بها وليم جيمس. تأويل السهروردي للآية الكريمة: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً … عودة إلى نجم الدين الكبرى. المتصوف عنده يشهد الغيب ويفعل المعجزات.
  • (٦٤)

    القول في الكرامات وأصحابها. مناقشة ما ورد في الرسالة القشيرية من أن الكرامات لا تُناقِض العقل. أصحاب اللامعقول ينظرون إلى ظواهر الطبيعة نظرة الساحر لا نظرة العالم. السحر هو استحداث النتائج من غير أسبابها. لأحرف الهجاء عندهم قدرات معيَّنة. مثل من الشيخ نجم الدين الكبرى. مثل آخر من جعفر الخالدي. مثل ثالث من محيي الدين بن عدلي. المقارنة بين «أصحاب الحروف» و«العدديين»؛ فالأولون يستخدمون الحروف لفهم الظواهر وتسييرها، والآخرون — كالفيثاغوريين — يستخدمون الأعداد لذلك.

  • (٦٥)

    كرامات الأولياء. التفرقة بين النبوة والولاية. وقفة عند كتاب «ختم الأولياء» للحكيم الترمذي. معياران لقياس صنفَين من الذوق الصوفي: معيار «الصدق» ومعيار «المنَّة»؛ في الحالة الأولى تجيء قوة الصوفي نتيجة مجاهدة، وأما في الحالة الثانية فهي تجيء نتيجة منَّة من الله بغضِّ النظر عما عمل. في حالة «الصدق» يتقيَّد السالك بفروض الشرع، ثم عليه أن يضبط خواطره الداخلية بحيث لا يتخيل بها ما قد حرَّمه الله عليه في الظاهر. القيد الظاهر «عبادة» والقيد الباطن «عبودية». في حالات قصور المتصوف عن بلوغ هذه الغاية فقد تجيئه الرعاية من الله «منَّة» وجودًا. «الصادق» فرد يخضع لظروف المكان والزمان، وأما «صاحب المنَّة» فذاتٌ لا تتقيد بمكانها وزمانها. يكون المتصوف في الحالة الأولى «صادقًا» وفي الحالة الثانية «صِديقًا». ينتج عن ذلك أن «الولاية» إلهية لا إنسانية، فلا يجوز قياسها بمقاييس المنطق البشري. النبوة والولاية إلهيان، لكن الأولى للناس والثانية لصاحبها؛ الأولى بحاجة إلى برهان والثانية هي برهان نفسها.

  • (٦٦)

    صفات الأولياء مُثلٌ أخلاقية عُليا، فلو احتفظنا بها ليتحلى بها العلماء بمعنى هذه الكلمة اليوم أفادنا التراث في حياتنا اليوم. الأولياء يعطِّلون قوانين الطبيعة والعلماء يقرُّونها ليستخدموها. محاولة قراءة بعض نصوص المتصوفة مع إحلال كلمة «علماء» محل كلمة «أولياء» فيستقيم المعنى مع عصرنا. ما قاله الهجويري في الولاية والأولياء، وما قاله في ذلك شهاب الدين سهروردي، وما قاله ابن عربي. ابن تيمية يفنِّد فكرة «خاتم الأولياء».

  • (٦٧)

    العلم لا يكون إلا عن طريق الوعي، والمتصوفة يريدونه عن طريق صنوف من اللاوعي. ما قاله الغزالي في ذلك والتعليق على قوله. قول الحارث المكي في الزهد. في مدارسنا تُشرَب قِيم التحقير من الحياة الدنيا تأثرًا بالتراث. وجوب الأخذ بحذر من مصادر اللامعقول الكثيرة في تراثنا.

الفصل العاشر: سحر وتنجيم

  • (٦٨)

    السحر هو تعليل الأحداث بغير أسبابها الطبيعية. في تراثنا القديم شطر كبير يختص بالسحر والتنجيم وما إليهما. الاكتفاء بأمثلة قليلة؛ لأن حقيقة السحر ليست موضع ريبة من أغلب الناس. المثل الأول نأخذه من أقوال إخوان الصفا، وهو من صفوة المثقَّفين في أزهر عصور الفكر العربي القديم. رسالتهم الأخيرة كانت عن «السحر والعزائم والعين».

  • (٦٩)

    مزج «العلم» بأخبار «السحر» مزجًا يضعهما في مستوًى واحد. أمثلة تطبيقية أوردها إخوان الصفا لما يفعله السحر والتنجيم وغيرهما من أجزاء هذا الباب. القدرة على كشف الخبيء من الأشياء وأسرار الضمائر. الإنسان عالم صغير يتأثر بالعالم الكبير لكنه لا يؤثِّر فيه. علم النجوم هو علم العالم السماوي الذي يتحكم في العالم الأرضي. في غمار موجة اللامعقول هذه يُورِد إخوان الصفا دعوة إلى أنصارهم تحفِّزهم إلى الأخذ بالمنهج العلمي الذي يضعون له بعض أسسه على أكمل وجه، ثم عودة إلى اللامعقول من جديد. أمثلة مما يعرفه المنجِّمون عن الأشياء المستورة المجهولة. قصة عن شيخٍ استطاع بمطالعة النجوم أن يُنقِذ محبوسًا من الحبس ومن القتل. حوار بين الشيخ وتلميذه عن التنجيم؛ لماذا لم يستخدمه الأنبياء إذا كان محقَّق التأثير؟

  • (٧٠)

    مثلٌ آخر لمناصرة اللامعقول نأخذه من الغزالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤