الفصل الثامن

المرأة

تمتاز المرأة الغربية عن المرأة الشرقية بسعة ثقافتها، بحكم أنها في الغالب تتعلم تعلمًا أرقى وبحكم أنها أكثر إطلاعًا للعالم، وبحكم مخالطتها للرجال ومحادثتها الطويلة معهم، وبحكم رحلاتها وما تتمتع به من حرية.

ويظهر ذلك كثيرًا في تربيتها أولادها على أساس علمي لا خرافي، كما يظهر في حديثها وتصرفاتها. أما المرأة عندنا في الشرق فهي حديثة عهد بعلم، وقد كانوا في القرون الوسطى، حتى إلى عهد قريب، يحرِّمون تعليمها، ويعتقدون أنها لم تُخلق للعلم ولكن لتقعد في بيتها، وتدير شئونه، وهي حتى إلى الآن لم تبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم مع السماح لها بدخول الجامعات ومع سفورها ومخالطتها الرجال، ودخولها في الوظائف الحكومية والأهلية، إلا في القليل النادر، وليست نساء المدن هي المقياس الصحيح للمرأة، بل يجب أن ننظر إلى ذلك نظرة تشمل جميع نساء المجتمع الشرقي.

وضعف تعليم المرأة الشرقية يجعلها تؤمن بكثير من الخرافات، كالأحجبة والجن والتعاويذ، وتسير حياتها وفق هذه الاعتقادات. نعم، إن بعض النساء الأوروبيات يعتقدن في الخرافات بدليل ما نسمع من حج إلى مشعوذين، واعتقاد في أشياء وهمية خرافية، ولكن ذلك على وجه العموم لا يقاس بما عليه المرأة الشرقية في ذلك.

ولقد جاهدت المرأة الغربية لكسب حقوقها على فترات؛ حتى أصبح لها من الحقوق ما للرجال، فهي مواطنة مثله: لها أن تعمل، ولها أن تكسب، ولها أن تنتخِب ولها أن تُنتخب، ولها أن تباشر أعمالها كما تشاء، وكان مما استدلت به أنها في تكوينها البيولوجي والفسيولوجي كالرجل، وأنها تدفع الضرائب وأن عليها من الواجبات القانونية ما على الرجل، وتتحمل أعباء تربية الأولاد كما يتحمل الرجل أو أكثر، بل وهي تشارك الرجل في تحمل أعباء الحرب، قد لا تقاتل كما يقاتل الرجل ولكنها تجهِّز للقتال، وليس ذلك بأقل من حمل السلاح، فلماذا بعد هذا كله تُحرم من الحقوق التي يتمتع بها الرجال؟ على هذا سارت المرأة في الغرب. أما في الشرق فلم تكن لها كل هذه الحقوق، وكان الرجل يُعد السيد والمرأة تُعد عبدة، حتى نالت بعض هذه الحقوق بالتقليد. ولا يزال المدى أمامها فسيحًا، ولا تزال المعركة إلى اليوم قائمة في حق المرأة في أن تنتخِب وتُنتخَب، وفي أن تشارك الرجل في العمل في الحياة العامة، والزمن وحده كفيل للإجابة على هذه الأسئلة.

والحياة الاجتماعية في الشرق جعلت العفة في أول قائمة الأخلاق عند النساء، حتى لقد يضحي الرجل بتعليم المرأة ومعرفتها شئون الدنيا في سبيل عفتها، ويود لو أن الأرض ابتلعته إذا سمع خيانة من زوجته أو ابنته أو إحدى قريباته، نعم إن العفة فضيلة للنساء في الغرب، ولكنها لم تقوَّم القيمة التي لها في الشرق.

وتمتاز المرأة الشرقية بأنها تنظر إلى نفسها كأم لأولادها وسيدة لبيتها، بينما المرأة الغربية تعني أكثر ما تعني بنفسها كفرد. فهي تعطي ملابسها وأصباغ وجهها وأدوات زينتها أهمية كبيرة؛ لأنها تعلم أنها في مجتمعها إن فقدت جمالها فقدت كيانها. أما المرأة الشرقية فهي تحس إحساسًا جديدًا بحياة جديدة وشخصية جديدة عندما تصبح أمًّا؛ لأن وجودها كأم يجعلها شخصًا مرغوبًا فيه منذ الوقت الذي تلد فيه، فتشعر أن هذا الطفل يجعل لها مكانة في الحياة لا يستطيع أحد أن يملأها غيرها؛ ولذلك تحزن المرأة حزنًا شديدًا إذا هي لم تلد لأنها تشعر أنها لم تأسر قلب زوجها، وقد يذهب إلى غيرها لينجب منها. أما المرأة الأوروبية فهي تهرب من الطبيعة وتحاربها، فلا تود أن تكون أمًّا، وإذا أصبحت أمًّا لم تحب أن تلد كثيرًا، لا خوفًا من النفقات وحدها، ولكن خوفًا من ضياع وقتها لأولادها، وحرمانها من وقتها لنفسها، وهي ترهق نفسها بالمحافظة على جمالها، وكثيرًا ما تحرم نفسها من عاطفة الأمومة، ولا ينال الأولاد من أمهم في الغرب ما ينالونه من الأم الشرقية. وهي تكره كل الكره أن تكون جدة؛ لأن ذلك يشعرها بتقدمها في السن. قرأت مرة أن سيدة أمريكية سئلت عن شعورها يوم أن أتى إلى الدنيا حفيدها فقالت: «لقد كان شعوري سيئًا جدًّا عند ولادة الحفيد الأول ولكني اعتدت على ذلك.»

أما السبب في أن تقدير المرأة الشرقية للأمومة أكبر من تقدير المرأة الغربية لها؛ فلما ذكرنا من قبل من أن الفردية والشخصية تغلبان على الغربيين ذكورًا وإناثًا، بينما يغلب في الشرق الرباط العائلي.

•••

لقد مضى على المرأة الغربية زمن كانت تشعر فيه بحاجتها الشديدة إلى رجل يظلها ويعولها، فلما جاءت الحرب العالمية الأولى، ونقص عدد الرجال ونقصت اليد العاملة منهم، حل النساء في كثير من الأعمال محل الرجال، فلما زاولن العمل الذي كان يعمله الرجال، رأين أن عمل الرجال لم يكن بالخطورة التي كُن يتصورنها، وليس عمل الرجال هذا بأصعب مما كانت تعمله المرأة بالبيت، فقلَّ اهتمامهن بالرجال وقل اعتمادهن عليهم، وأقدمن على تحمل المسئولية بشجاعة، فكان من جراء ذلك الحرية المفرطة والتعرض أحيانًا للزلل، وجاءت الحرب الثانية فزادت من كل ذلك، وطالبت المرأة بالمساواة التامة بالرجل.

ونلاحظ من الفروق أيضًا أن المرأة الغربية بكل هذه الأعمال التي تزاولها تفقد أنوثتها بالتدريج، وإذا بك تحدث المرأة الأوروبية أو الأمريكية في أية مسألة من المسائل فتحس كأنك تحدث رجلًا، ولا تزال المرأة الشرقية في الأعم الأغلب تحتفظ بأنوثتها ورقتها كما يشهد بذلك كل الغربيين الذين زاروا الشرق.

إنه لمن الصعب أن نحكم أيهما خير للمجتمعات البشرية، فهذه النظرة الخاطفة ترينا أن في كل من المرأة الشرقية والمرأة الغربية عيوبًا ومزايا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤