رأس الدودة

موجة كهربائية طفيفة سرَتْ بين الجمهور المُحتشِد بمجرَّد أن دخلتِ المكتبةَ المرأةُ ذات القبعة الحمراء. كما قال مرةً صديقي الطيب «جوزيف هيللر»: شيء ما قد حدث.

ورغم أنها وقفت في الصف مع الآخرين انتظارًا لتوقيعي على نُسَخ «رأس الدودة»، إلا أنها ظلَّت تبدو وكأنها تقف وحدها منفصلة. نظراتُها ومظهرها ساهمت دون شك. الوجه تحت تلك القبَّعة الصادمة وتحت شلال الشعر الأصفر الكثيف كان جميلًا؛ أما الشخص الكائن تحت الوجه، إن كان ثمة، فقد كان أجمل.

رغم هذا، فلم تكن نظراتها الجميلة ما ضربتني للخلف في مقعدي. ما ضربني أكثر كان الحقيقة المؤكَّدة بأنها كانت «المؤمن الحقيقي». كان ذلك مكتوبًا على كل أجزائها.

الوساوس تجلب قوتها الخاصة، بُؤرتها الخاصة، وكل كاتب ناجح يحدث أن يتعرَّف عليها قريبًا أم بعيدًا. اسألْ «جون جريشام»، اسألْ «ستيفن كينج».١ اسألْني أنا. جميعنا سوف يُخبركَ بالشيء ذاته. بعد فترةٍ، سيَحدُث أن تشمَّ رائحة «الإيمان الحقيقي» لحظة دخوله الغرفة. والآنسة الشابة ذات القبَّعة الحمراء كانت تجسيدًا للإيمان الحقيقي. يُمكنك أن ترى ذلك في جلستِها، مشيتها، في طريقة ارتدائها ثيابِها. كان في وميض النار في عينَيها، في تكوُّر لسانِها حين يتحرَّك للخارج ليتذوق الهواء.

اقتربتْ أكثر، أظنُّ أنني سمعتُ الخفقان.

واصلتُ توقيعَ الكتب، ألقي النكات، أكتب ما يطلبون مني أن أكتبَه: «إلى سوزان والعائلة … إلى ماري ومايك … أطيب الأمنيات … سيمون كيركبي …»

حين وصلتْ أخيرًا القبَّعة الحمراء إلى طاولتي توقفتُ عن التوقيع. وضعتُ قلمي، رفعتُ كأس الماء الخاص بي، وأخذت رشفة. هي انتظرتْ، راقبتْ. شعرتُ بصدمة مُباغِتة حين تلاقَت العيون، وأرسلتُ نظرةً مُحدِّقة شاخِصة.

نسختها من «رأس الدودة» كانت مشدودة بإحكام إلى نهدِها الأيسر، مُحتضَنةً بمحبة أمٍّ تحملُ طفلها الرضيع. كنتُ مُنوَّمًا مغناطيسيًّا بالأفعى الصفراء المطبوعة على الغلاف الخارجي الواقي للمُجلَّد، مأخوذًا بالطريقة التي تتماوَج بها وهي تتحرَّك على إيقاع تنفُّسها. أفعى كليوباترا تصعد وتهبط.

قالت: «أنا أعشقُ كتبك يا مستر كيركبي.»

صوتها كان خافتًا مُغويًا ومُغريًا. مُغرٍ مثل كلِّ شيء آخر حولها.

– «صحيح؟»

– «نعم، صدقني، أنا لا أكذب مطلقًا.»

– «لا، بالطبع لا. أنا لم …»

– «خاصةً» رأس الدودة «إنها تُعلِّمني.

إنها … تتكلَّم معي.»

«صحيح؟»

«أوه أجل!»

«وماذا تقول لكِ؟»

دون تحذير أو مقدِّمات ركعت على ركبتَيها. احتشد الناسُ رجوعًا إلى الخلف. وأنا لو لم أكن مأسورًا في فخِّ مقعدي لفعلتُ مثلهم.

– «من بوسعه أن يفهم مثلي؟ من فضلك دعني …»

أحنتْ رأسَها وانتزعتْ قبعتها الحمراء اللامعة. وللصدمة، خرجت خصلة شعرها الصفراء معها. وجدتُ نفسي أنظر إلى جمجمةٍ عارية، عارية إلا من جديلة الشيب التي تُغطِّيها الديدان. عشرات من الديدان، كل واحدة مُثبَّتة بمسمارٍ لامع مدقوق عميقًا في العظام.

نظرتْ إلى الأعلى وكانت عيناها مُتوهِّجتَيْن.

همست: «رأس الدودة.»

قالت وابتسمت: «نعم.»

١  Stephen King (١٩٤٧–؟)، John Grisham (١٩٥٥–؟) روائيان أمريكيَّان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤