مذهبه

الجاحظ شيخ من شيوخ المعتزلة، وإمام فرقة من فِرَقهم تُدعى الجاحظية، وقبل الكلام عن هذه الفرقة لا بأس بتعريف المعتزلة على سبيل الاختصار.

المعتزلة

المعتزلة — ويسمُّون أنفسهم أهل العدل والتوحيد — فرقة إسلامية، رئيسها أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال، كان تلميذًا للحسن البصري يقرأ عليه العلوم والأخبار ويحضر حلقته، واتُّفِقَ أنه انفرد عن أستاذه في مسألةٍ فترك الحلقة واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد، وتبعه جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنَّا واصل. فسُمِّيَ وأصحابه معتزلة.

انفرد المعتزلة عن أهل السُّنة بآراء في الكلام لا محل للتبسط فيها، ويمكن الإشارة إليها بما يأتي:
  • اتفق المعتزلة على القول بأن الله تعالى قديم، ونَفَوا الصفات القديمة أصلًا، واتفقوا على أن كلامه مُحْدَث مخلوق، واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، ونفي التشبيه عنه من كل وجه، وسَمَّوْا هذا النمط توحيدًا.

  • واتفقوا على أن العبد خالق لأفعاله، خيرِها وشرِّها، مستحق على ما يفعله ثوابًا وعقابًا في الدار الآخرة، والله تعالى منزَّه أن يُضاف إليه شرٌّ وظلمٌ وفعلٌ هو كفرٌ ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلًا، واتفقوا على أن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير، وسَمَّوا هذا النمط عدلًا.

  • واتفقوا على أن المؤمن إذا مات على طاعة استحق الثواب، وإذا مات على كبيرة ارتكبها من غير توبة استحق الخلود في النار، لكن عقابه أخفُّ من عقاب الكفار، وسَمَّوا هذا النمط وعدًا ووعيدًا.

  • واتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجب قبل ورود السمع، والحَسَن والقبيح يجب معرفتهما بالعقل، واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك، وورود التكاليف ألطافٌ للباري أرسلها إلى العِباد بتوسط الأنبياء امتحانًا واختبارًا.

ولا بدَّ من الإشارة إلى أن المعتزلة من أكثر الفرق الإسلامية تحكيمًا للعقل واطِّلاعًا على الفلسفة، وقد وافقوا الفلاسفة في بعض مسائل التوحيد.

الجاحظية

وافترقت المعتزلة إلى فِرَق عديدة تربو على العشرين، منها الجاحظية، وهم أصحاب الجاحظ. قال الشهرستاني: طالَع الجاحظ كثيرًا من كتب الفلاسفة، وخلط وروَّج بعباراته البليغة وحسن براعته اللطيفة، وانفرد بمسائل، منها قوله: إن المعارف كلها طباع، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد، وليس للعباد كسْب سوى الإرادة. وقال بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة، وقال باستحالة عدم الجواهر؛ فالأعراض تتبدل والجوهر لا يجوز أن يفنى. ومنها قوله في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذابًا، بل يصيرون إلى طبيعة النار. وكان يقول النار تجذب أهلها إلى نفسها دون أن يدخل أحد فيها.

ومذهبه مذهب الفلاسفة في نفي الصفات. وفي إثبات القَدَر خيرِه وشرِّه من العبد مذهب المعتزلة.

وقال إن الخلق كلهم من العقلاء عالمون بأن الله تعالى خالقهم، وعارفون بأنهم محتاجون إلى النبي، وهم محجوجون بمعرفتهم، ثُمَّ هم صنفان: عالم بالتوحيد وجاهل به؛ فالجاهل معذور والعالِم محجوج.

وحكى ابن الرواندي عنه أن القرآن جسد يجوز أن يُقْلَب مرة رجلًا ومرة حيوانًا.

ثُمَّ قال: ومذهب الجاحظ هو بعينه مذهب الفلاسفة، إلا أن الميل منه ومن أصحابه إلى الطبيعيين منهم أكثر منه إلى الإلهيين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤