خاتمة

هذه صورة موجزة لما سببته مأساة فكرة المهدية، ومنها نفهم أن ثوراتها تكاد تكون متلاحقة منها ما كان يبلغ أقصى العنف كالحشاشين، ومنها ما كان يسالم كالبابية. وأيًّا ما كان فقد أثرت هذه الحركة في الدول الإسلامية المختلفة من أموية وعباسية وعثمانية، كما شجعت الصليبيين على فهم ما عليه المسلمون من ضعف، فهاجموهم واثقين من النصرة عليهم.

وبعد،

فمن المسئول عن ذلك؟ …

إن الشيعيين اضطهدوا من السنيين وكانوا يدعون أنهم إنما يفعلون ذلك دفاعًا عن أنفسهم، ولكن كانت غلطة يزيد بن معاوية في قتل الحسين غلطة كبرى لم يمكن إصلاحها، فظلت تعمل عملها على طول الأزمان. ولم يَكْتَفِ السنيون بذلك بل جعلوا يقتلون كل إمام طالبي يظهر، ونحن إذا قرأنا كتاب «مقاتل الطالبيين» لأبي فرج الأصفهاني رعبنا من كثرة ما وقع على العلويين من قتل وتعذيب وتشرد، وهذا القتل المتتابع حمل العلويين أن يختفوا، وقام حول الاختفاء دعاوٍ غير معقولة من عصمة الأئمة ونحو ذلك؛ ولهذا التعذيب والقتل أيضًا اضطر الشيعيون أنت يعتنقوا مبدأ التقية، ومعناه ألا يبيحوا بأسرارهم ومعتقداتهم إلا لمن يثقون بهم، وأنشئوا لأنفسهم أدبًا شيعيًّا لا ينقطع وهو يقابل الأدب السني، ولئن كان كثير من الأدب السني كان يقال في مدح الخلفاء والملوك والأمراء السنيين، فإن الأدب الشيعي كان يقال في مدح الأئمة والرثاء الحار في قتلاهم.

وقد أثرت هذه الأحداث المتتابعة أحزانًا عميقة في نفوس الشيعة، وانقلبت أحيانًا إلى ثورات مهدية نقلنا بعضها، كما أثارت دموعًا غزيرة حارة حتى ضرب المثل برقة دمعة الشيعي، وقال القائل:

أرق من دمعة شيعية
تبكي علي بن أبي طالب

وألف الشيعيون الاضطهاد والبؤس والشقاء حتى تمرسوا عليه، وانقلبت بعد ذلك هذه الحالة إلى مؤامرات سرية وتدبيرات خفية حتى لو قلنا: إنهم مهروا في ذلك كمهارة الماسونية لم نبعد عن الصواب، وإلى الآن يجددون هذه الأحزان في العشرة الأولى من المحرم، وينشدون القصائد ويضربون أنفسهم بالجنازير ذكرى لمأساة كربلاء، ويخصون بالسخط والكراهية يزيد وآله الأمويين ويقول بعضهم: ما لحياتنا قيمة لو لم نحزن على مقتل الحسين ونبكي عليه. ويرى بعضهم أن الحزن على الحسين علامة الإيمان الصحيح.

ومما زاد في العطف عليهم أنهم أقرب الناس إلى رسول الله ، وأنهم معارضون للدولة الرسمية القائمة والمعارضون دائمًا ينالون عطف الشعوب كالذي نراه بين أحزابنا اليوم … يضاف إلى ذلك أنهم مضطهدون، وكذلك المضطهد محل العطف وقد أنجح مواقفهم توالي الظلم من رجال الدولة الرسمية حتى لا يكاد ينجو من بذلك أحد منهم، فإسراف في الترف ومصادرات للأموال، وضرائب قاسية ظالمة وعكوف على الشراب إلى غير ذلك.

نعم إنه كان من الجميل جدًّا كرههم لظلم الخلفاء الرسميين، وإفهامهم الناس هذه المظالم التي ترتكب وحثهم على المطالبة بتحقيق العدل ورفع الظلم، ولكن يؤخذ عليهم شيئان:
  • الأول: أنهم مزجوا هذه الدعوة بالأساطير، ولم يكتفوا بالرجوع إلى العقل.
  • والثاني: أنهم لما ملكوا ونجحوا فعلوا في حكمهم مثل ما فعل الأمويون والعباسيون من مظالم ونحوها، فالفاطميون أسرفوا أيضًا في الترف، واستمتعوا في مصر بكل أنواع النعيم كالذي روي عن هارون الرشيد.

وكانت ثروة الفاطميين تفوق القدر ويصعب تصديقها على العقل، فيقول المقريزي مثلًا: إن رشيدة بنت المعز خلفت من العملة الذهبية نحو ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار عدا الجواهر والحلي، وخلفت ابنته الأخرى واسمها عبدة نحو سبعمائة وخمسين ألفًا عدا الصناديق التي تحتوي على خمسة أكياس من الزمرد، وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف ثوب صقلي، كما أن المعز اشترى ستارة من الديباج من فارس بنحو اثني عشر ألف دينار، وأولعوا بالتصوير مع أنه محرم في الإسلام فقالوا: إن اثنين من المصورين كان ينافس أحدهما الآخر هما القصير وابن عزيز، أحدهما صور الراقصة في ثياب بيض في قوس ملون بالسواد يحسبها الناظر داخلة فيه، والآخر صور فتاة بثياب حمر في قوس أصفر يحسبها الناظر بارزة منه، والخليفة الظاهر كان يعكف عن اللذائذ واللهو من خمر ونساء، ويترك أمور الدولة لوزرائه وقواده وهم يقابلونه كل عشرين يومًا مرة، ثم يدعي هؤلاء النواب أنه أوعز إليهم بكل شيء، وأنه إمام معصوم متفرغ للعبادة. وقد كان يحدث هذا من الظاهر أيام كان الناس في مصر في مجاعة كبرى لا يجدون الخبز الضروري.

ولقد بدأت الدول الفاطمية في مصر ببذخ وترف، وانتهت بما يدلنا على غاية البذخ والترف، فبدأت بالهدايا التي قدمها جوهر للمعز، وانتهت ببيع صلاح الدين ما وجده في قصر المستنصر، وكل هذا التعرف والنعيم كان على حساب الشعب نفسه.

ولما حضر المعز أشار إلى طريقة حكمه إشارة مختصرة، وهي سيفه وذهبه حتى ضرب المثل بسيف المعز وذهبه، وليس حكم البلاد بواسطة السيف والذهب هو الحكم العادل الذي يطالب به المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلًا، ونقرأ سيرتهم في موائدهم واحتفالاتهم، فنعجب من كثرة فخفختهم وعظمتهم وغناهم، مع ما يحكى من فقر الشعب، وكان للمعز مثلًا يوم حج شمسية نصبت له مصنوعة من الذهب، مزينة بالزمرد الأخضر والياقوت، وكتب عليها آيات الحج بزمرد أخضر، وحشيت الكتابة بدر كبير لم ير مثله، حتى إنها لما جرت نصبها عدة فراشين لكثرة ثقلها، وصنع سرير الملك من الذهب، واستعمل فيه مائة ألف مثقال، وعشرة آلاف مثقال، وكل الحياة من هذا القبيل … هذا من ناحية ترف الخلفاء الفاطميين وبؤس الشعب. ومن ناحية أخرى كم قتل الحاكم بأمر الله وكذا فعل غيره من الخلفاء، ولما تولى الظاهر الفاطمي عكف على اللهو والملذات بما لا يقل شأنًا من ترف المترفين المستهترين من الخلفاء العباسيين، ولما أزال صلاح الدين ملكهم وكل بالمحافظة على قصورهم الطواشي قراقوش، وتسلم القصور وفيها من خزائن ودواوين وأموال، ونفائس ما عظم عن الوصف، وقد قالوا: إن صلاح الدين أمر ببيع ما في القصور، فاستمر البيع فيها نحو عشر سنين وكان من الموجود فيها مائة صندوق من الكسوة الفاخرة الموشحة المرصعة، وعقود ثمينة وجواهر نفيسة، وكان فيها آلاف من العبيد والخدم وآلاف من الجواري ليس فيهم فحل إلا الخليفة وأولاده، وليس هذا الغنى المفرط إلا من دماء الشعب الفقير البائس.

وكان حكم القرامطة والحشاشين لا يقل شأنًا عن هذا، نعم إنهم كانوا يسوون بين الناس في الغنى والفقر، وكانوا يضربون الضرائب على الأغنياء ويصرفونها على الفقراء، ولكن لهم ناحية أخرى سيئة جدًّا في حكمهم وهي القسوة والقتل والتخريب والهدم، وهي أعظم فظاعة من الغنى والفقر.

قال شاهد عِيان يوم دخل القرامطة الكعبة: رأيت رجلًا قد صعد البيت الحرام ليقلع الميزاب، وكنت أطوف بالبيت وإذا بقرمطي سكران قد دخل المسجد بفرسه، فضفر له حتى بال في الطواف وجرد سيفه يضرب به من لحقه، وانهالوا مرة على قوافل الحجاج يسلبون وينهبون ويفسقون ويقتلون، وأتى القرامطة من الأفعال ما تَقْشَعِرُّ منه الأبدان، وأخذوا كل ما وصلت إليه أيديهم من الحلي الثمينة والتحف القديمة التي كانت معلقة على جدران الكعبة أو محفوظة في خزائنها حتى قالوا: إنهم استخدموا نحو خمسين جملًا لنقل ما نهبوه من الكعبة فقط. ومائة ألف ألف لما غنموا من مدينة مكة وضواحيها، وكان مما نهبه القرامطة الحجر الأسود كما ذكرنا من قبل، وخرجوا من مكة ينشدون علنًا:

فلو كان هذا البيت لله ربنا
لصب علينا النار من فوقنا صبَّا
لأنا حججنا حجة جاهلية
محللة لم تبق شرقًا ولا غربَا
وأنا تركنا بين زمزم والصفا
جنائز لا تبغي سوى ربها ربَّا

والحشاشون نكلوا بالبلاد تنكيلًا فظيعًا، وخوفوا العظماء وأرهبوهم، والموحدون اضطهدوا ابن رشيد الفيلسوف وسجنوه بعد أن أكرموه، ومهدي السودان كان حاكمًا مستبدًّا يقسو ولا يرحم، وينكل بأعدائه وخصومه تنكيلًا شديدًا، فحكوماتهم كانت تنعي على الظلم وتظلم، فلا رأينا عدلًا من السنيين ولا من الشيعيين «وكلهم في الهم شرق». والعدل الذي كان يقول به دعاة المهدي المنتظر لم يتحقق في كثير ولا قليل، ولكن ظلمًا يقابل بظلم، وشعبًا يطمح إلى العدل فيخيب أمله، نعم إن عقائد هذه الشيعة وأسرارها وما قيل عن تعاليمهم متناقضة، فبينما يقول مؤيدو الإسماعيلية: إنهم منعوا السكر وحتموا الزواج بواحدة إذا بخصومهم يرمونهم بشرب الخمر والاعتداء على النساء، وقد زاد في بلبلة الأفكار والتناقض في ذكر المعتقدات قلة ما أثر عنهم من كتب وتعاليم. ولكن مهما اختلف المختلفون في المعتقدات، فأمامنا الأعمال الظاهرة التي لا تشرف والتي لا يستطيع أحد أن ينكرها، سواء أكان من المعارضين أم المؤيدين، ولو كانت هذه التعاليم قد دخلت قلوبهم وأنهم يستمدونها من مهدي منتظر، ومن إمام حق مستتر لانعكست عقائدهم على أعمالهم، أما الأعمال سيئة فما قيمة المعتقدات ولو صحيحة. فحكومات الخلفاء الرسميين لم تكن ترضي عاقلًا، وحكومات الشيعيين كذلك لم تكن ترضي عاقلًا أيضًا، والناس إنما يطمحون بعد هذا الفشل إلى إمام عادل يتبع العقل لا المهدي المنتظر، وربما كان الفرق بين ظلم خلفاء بني أمية وبني العباس من جهة والشيعيين من جهة أخرى أن الأولين كانوا يظلمون ويجهرون، والآخرين كانوا يظلمون ويستترون.

على العموم كان الخلفاء الرسميون يظلمون الشيعة وينكلون بهم، وكان الشيعة يثيرون الثورات ويدبرون الدساس والمؤامرات، والنتيجة ظلم من هذا وظلم من ذاك.

في ضوء هذا لا نستطيع أن نحدد المسئولية، هل هي على أهل السنة أو على أهل الشيعة، ونحار كما حار أبو العلاء في قوله:

لا ذنب للدنيا فكيف نلومها
واللوم يلحقني وأهل نحاسي
عنب وخمر في الإناء وشارب
فمن الملوم أشارب أم حاسي

وربما كان الأصح أنهما مسئولان معًا: هذا السني بجوره وظلمه وسفكه لدماء العلويين من غير حساب، وهذا العلوي بالانتقام من غير وقوف عند حد، وكلاهما لم ينظر في المسألة إلى مصلحة المسلمين، وإنما نظر فيه إلى نفسه وحزبه، والله يحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون.

ونحن إذا ذكرنا حللنا فكرة المهدوية إلى عناصرها الأولية، وجدناها ترتكز:
  • (١)

    على الاعتقاد بإمام من آل البيت، وأن هذا الاعتراف أساس من أسس الإيمان كالاعتقاد بنبوة محمد، روي عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر: إنما يعبد الله من يعرف الله. فأما من لا يعرفه فقد ضل ضلالًا بعيدًا. قلت: جعلت فداك فما معرفة الله. قال: تصديق الله — عز وجل — وتصديق رسوله، وموالاة علي، والائتمام به وبأئمة الهدى — عليهم السلام، والبراءة إلى الله — عز وجل — من عدوهم، وليس بمسلم حقًّا من لا يعترف بالله ورسوله والأئمة جميعًا، وإمام عصره ومن لا يفوض أمره للإمام، ويبذل نفسه في سبيله، فالعقيدة في الإمام ركن سادس من أركان الإسلام.

  • (٢)

    عصمة الأئمة وعصمة المهدي المنتظر، فالأئمة لا يذنبون بطبيعتهم ولا يفكرون في ذلك. وقد ثارت خلافات في عصمة الأنبياء بالطبيعة، ورووا أن رسول الله قال: «توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة»، وقال: «إنه ليغان على قلبي»، فهذه الأحاديث ونحوها لا تؤيد معنى العصمة التامة، ولكن الشيعة لا يختلفون في عصمة الأئمة.

  • (٣)
    علم الأئمة والمهدي بالمغيبات مع أن النبي يقول: «ما لي ولهم يسألوني عما لا أرى، وإنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي». وفي القرآن الكريم: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ.
  • (٤)

    الاعتقاد بأن للأئمة نورًا إلهيًّا أو قبسًا من نور الله على نحو يرفعهم فوق المستوى البشري المألوف، وغلا بعضهم في ذلك فرأوا أن عليًّا والأئمة هم صور وأشكال، يتمثل فيها الجوهر الإلهي وأن جثمانية هذا الجوهر ليست إلا حادثًا طارئًا.

  • (٥)

    أن هؤلاء الأئمة ومنهم المهدي إنما جاءوا ليواجهوا الدهر، ويرفعوا الظلم ولذلك اقترنت دائمًا كلمة يملأ الأرض عدلًا بكلمة كما ملئت جورًا.

وقد كان لبعض الناس في عقيدة المهدوية خرافات غريبة، من ذلك أن بعضهم كان يخرج كل يوم إلى مكان معين قبل طلوع الشمس ينتظر مجيء المهدي؛ لأن بعض الأساطير فيها تحديد مكان الخروج وزمانه، فإذا لم يجدوا شيئًا عادوا منكسي الرءوس.

ومنها ما حكاه ابن خلدون أنهم كانوا يحسبون خروج الإمام بحساب الجمل، فيحددون زمان خروجه فإذا كانوا يحسبون خروج الإمام بحساب الجمل، فيحددون زمان خروجه فإذا جاء هذا الوقت، ولم يخرج ادعوا أن هذا التاريخ تاريخ ولادته لا تاريخ خروجه.

على كل حال فإن هذه العقيدة في المهدوية وصفاتها لا تتفق وطبيعة الأشياء، فأي خليفة معصوم وأي إنسان يعرف الغيب، وأي إنسان يختفي ويبقى مختفيًا مئات السنين من غير أن يجري عليه الله حكم الموت ثم يكون عنده دائمًا عينان نضاختان فيهما عسل وماء؟ … هذه الأشياء كلها لا تجوز إلا على السذج الذين فقدوا عقولهم … وأظن أن انتباه الرأي العام، وتعقله يقللان في المستقبل من تكرار مأساة المهدوية. وقد نشأت عقائد ثانوية على هامش المهدوية من أهمها:
  • (١)

    أولًا: فكرة التجديد والمجدين وهي تلاقي ما عند المهدية من أن المهدي يخرج ليلاقي أحداث الزمان، ويرفع الظلم ويحقق العدل.

  • (٢)

    فكرة الصوفية في القطب والغوث والأبدال، فهي فكرة تلاقي ما يقوله أصحاب النظرية المهدوية في أن المهدي أفاض عليه الله من نوره، وأناله قبسًا منه. وسنشرح كل نظرية من هذه النظريات بكلمة تبينها.

فأما التجديد والمجددون فمستند إلى حديث رواه أبو هريرة عن النبي أنه قال: «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». والفكرة في ذاتها وجيهة؛ لأن التشريع دائمًا يتغير بتغير الزمان والمكان.

وفي الفقه أمثلة كثيرة من هذا القبيل، فقد رووا أن أبا حنيفة كان يقول: من غصب ثوبًا وصبغه أسود فقد قلل من قيمته، وكان أبا يوسف يقول: من غصب ثوبًا وصبغه أسود فقد زاد قيمته، والسبب في ذلك اختلاف الزمان والبيئة؛ لأن الدولة العباسية اتخذت السواد شعارًا رسميًّا لها، وكان من خالفها يبيض أي: يلبس البياض فارتفع بذلك سعر الملون باللون الأسود.

وقال الفقهاء أيضًا: في الأزمنة القديمة كان الرجل إذا رأى غرفة في البيت سقط عنه خيار الرؤية؛ لأن الغرف كلها متشابهة في الشكل، وبعد ذلك اختلفت البيوت فأصبح لا يسقط عن الرجل خيار الرؤية إلا إذا رأى الغرف كلها لاختلاف هندسة الغرف.

والإمام الشافعي نفسه له مذهب قديم لما كان في العراق، ومذهب جديد لما حضر إلى مصر لاختلاف البيئة، بيئة العراق وبيئة مصر، وهذه إحدى العلل الكبرى لمشروعية النسخ، وهي أن الزمن يتغير فيقتضي ذلك تغير التشريع، وقد أخذ الفقهاء والمؤرخون يبحثون في كل مائة سنة عمن يصلح أن يكون مجددًا، قالوا: إنه على رأس المائة الأولى كان عمر بن عبد العزيز، والثانية الشافعي، والثالثة ابن سريج أو الأشعري، والرابعة أبو حامد الأسفرائيني، والخامسة الغزالي، والسادسة الفخر الرازي، والسابعة ابن دقيق العيد وهكذا.

والحق أن هذا التحديد نسخ للفكرة الصحيحة، تجديد التشريع كلما تغيرت الظروف، وقد يكون ذلك أكثر من مائة سنة، وقد يكون في أقل فليس من الضروري تحديد المائة بالوزن أو بالمتر، وإنما فائدة «الحديث بيان الفكرة»، وذلك لا يكون في التشريع وحده بل يكون في كل مرفق من مرافق الحياة الاجتماعية.

وهذا التجديد معناه مرونة العقل لإحلال الأوضاع الجديدة محل الأوضاع القديمة، أو تعديل الجديد ليتفق والقديم، وكانت تتوارد على الشيخ محمد عبده أسئلة جديدة لم يتعرض لها الفقهاء من قبل؛ لأن البيئة خلقتها خلقًا جديدًا مثل قراءة في الراديو، ولبس البرنيطة والتأمين على الحياة، وإيداع المال في صناديق التوفير وهكذا، مما لم يكن معروفًا من قبل، وقد عرف جان جاك روسو التجديد بأنه «الأخذ بالمبادئ الإنسانية والمبادئ العقلية والتسامح الفلسفي، وإحلال ذلك محل الأوضاع القديمة، ومحل تقديس السلطات ومحل التعصب والضيق النظر»، ويكون التجديد في كل حالة بحسبها، وقد يجد دعاة التجديد أنفسهم أمام تيارين متناقضين فيضطرون إلى منازلتهما جميعًا كالذي حدث في عصرنا في مذهب الاشتراكية، إذ رأى أصحابها أنهم مضطرون إلى منازلة فكرة الشيوعية المتطرفة وفكرة الرأسمالية الجامدة.

ويساعد على فكرة التجديد شعور الشعوب بسوء الحال، وطموحهم إلى حال خير من حالهم، ونظام خير من نظامهم، وعدل يحل محل ظلمهم لتسري الدعوة إلى التجديد وإلى التعمير سريان النار في الهشيم. ووصف سوء الحال وبث الطموح إلى خير منه هما أهم ما دعا إلى إثارة الشعوب لدعوة المهدية.

والناس في قبول دعوة التجديد مختلفون، فهناك جماعات أشد مقاومة للتجديد وجماعة أشد تلبية لها. ذلك أن الجماعات التي تكونت حديثًا ولم تتقيد بقيود ثقيلة من الأوضاع كأمريكا تكون أقرب إلى التجديد، ومن كثرت أوضاعهم وقدمت كانوا أشد بطئًا في قبول فكرة التجديد، وما مظاهر القلق والاضطراب في الأمة إلا مظاهر حرب بين جديد وقديم، وبعبارة أخرى بين قديم ظهر فساده وجديد لم يرتكز بعد، ومن المظاهر البينة أن مرافق الحياة جديدها وقديمها في كل شعب تتفاعل كما تتفاعل المواد الكيميائية، حتى يتم بينها الانسجام فإذا دخل التجديد في مرفق، فسرعان ما تنفعل لذلك سائر المرافق، كحوض الماء يصب فيه ماء بارد وماء ساخن، فسرعان ما يكتسب البارد السخونة والساخن البرودة حتى يتكون منهما ماء في درجة حرارة واحدة، والفرق بين الدعوة إلى التجديد والدعوة إلى المهدية أن الأولى ترتكز على العقل، وعلى تجارب الحياة وعلى الواقع، أما الدعوة الثانية فترتكز على عقيدة دينية فقط بإمام منتظر، وأن السلطة السماوية هي التي تقربه وهي التي تؤيده … وأما فكرة الصوفية في القطب والأبدال، فهي أن الصوفية كما تأثرت بالإسلام تأثرت أيضًا بتعاليم الفلسفة، وخصوصًا الفنوسطية والأفلاطونية الحديثة، وخلاصتها أنه في القرن الثاني الهجري حينما ترجمت كتب الفلسفة إلى اللغة العربية اندس من بعض الجهات أو تسربت فكرة من الأفلاطونية الحديثة من مثل نظرية الفيض الإلهي والفناء في الله، وتأويل آيات القرآن بالرموز المعنوية، فهم إذا سمعوا قوله تعالى مثلًا: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، أولوها بأن لها تفسيرًا باطنيًّا هو أن المرسلين الثلاثة هم الروح والقلب والعقل، وأن الاثنين الأولين هما الروح والقلب وهما اللذان كذبوهما، وأن الثالث هو العقل كالاعتقاد في نظرية الفناء في الله، وشرطهم أن الإنسان يجب أن تتلاشى شخصيته، وينعدم شعوره بوجوده كالذي قال: «دعني أفنى كما تفنى الأنغام في العود، فإننا إليه نعود»، وهم يدعون إلى فناء الفرد في الذات الكلية الإلهية، ولا يستطيع المكان ولا الزمان أن يحد هذه الذات المتناهية، وللمريد درجات في الفناء يترقى إليها شيئًا فشيئًا، ووسيلة ذلك عمق التأمل، وبعبارة أخرى المراقبة الدقيقة لحالات النفس، وينتهي به ذلك إلى غاية هي أن يصبح المتأمل فيه شيئًا واحدًا، وهذا هو التوحيد الصحيح.

هذه النزعة وأمثالها هي بعض نزاعات الصوفية، وبعضهم يرى أنها لا تتنافى — بل يجب أن تكون — مع التزام الشعائر الظاهرة من صلاة وزكاة وصوم وحج، وبعض الفرق يرى أن هذه الشعائر الظاهرة ليس إلا وسائل لغاية، فمتى حصلت الغاية فلا لزوم لها وأن من حق الصوفي أن يتخطى كافة النواميس الخلقية، وأن يخرج على العرف الاجتماعي.

على كل حال اندَسَّ إلى الشيعة الصوفية معًا بعض هذه التعاليم، وتلاقيا في بعض هذه المظاهر فكما اعتقد المهدية في المهدي واختفائه وخروجه؛ ليملأ الأرض عدلًا اعتقد الصوفيون أن هناك مملكة روحانية منظمة تنظيمًا دقيقًا، وهي وراء هذه المملكة الظاهرة، كما اعتقد الشيعة أن لهم أئمة غير الأئمة الرسميين من أمويين وعباسيين وغيرهم، وسمى الصوفية رؤساء هذه المملكة بأسماء خاصة كالقطب والغوث والأبدال، فالقطب يمثل الإمام أو الخليفة وهو على رأس المملكة الروحانية، وأحيانًا يسمونه قطبًا وأحيانًا غوثًا، فإذا سموه قطبًا فباعتبار مركزه في المملكة الروحانية وأنه على رأسهم، وإذا سموه غوثًا فباعتباره ملجأ الملهوف، وقد عرفوه بأنه موضوع نظر الله في كل زمان أعطاه الله الطِّلَّسْمَ الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون سريان الروح في الجسد وبيده قسطاس الفيض الأعم، وهو يتبع علمه وعلمه يتبع الحق وهو يفيض روح الحياة على الكون ومرتبته تسمى القطبية، وهو باطن روح الحياة على الكون ومرتبته تسمى القطبية، وهو باطن روح النبوة ولا تكون القطبية بعده إلا لورثته، وليسوا ورثته لصلبه ولكن ورثته ممن يستحقون هذه الولاية، وله في المملكة الروحانية نواب يسمون الأبدال، كل إقليم له بدل خاص يشرف على شئونه، وهكذا رسموا معالم هذه الولاية الروحانية، وقسموا أعمالهم وقالوا: إنها لروحانيتها معصومة كعصمة الأنبياء والأئمة، وهاموا في ذلك ما شاء لهم الخيال، فهم يضعون الخطط للعالم الظاهري؛ ليفعل ما يفعل ويترك ما يترك فسموا كثيرًا من كبار الصوفية بقطب الأقطاب والقطب الرباني ونحو ذلك.

وسموه أيضًا بمجمع البحرين؛ لأنه يجتمع في بحر الوجوب والإمكان، وتجتمع فيه الأسماء الإلهية والحقائق الكونية إلخ … فكم من القرب بين تعاليم الصوفية وتعاليم الشيعة في هذا الباب، وكذلك بين تعاليم الصوفية وتعاليم المهدوية.

وقد عقد ابن خلدون فصلًا قيمًا في المهدي والمهدوية، ذكر فيه الأحداث التي وردت في المهدي مثل ما رواه جابر، قال: قال رسول الله : «من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب»، ومثل ما رواه الترمذي عن النبي : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلًا مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»، ومثل حديث عن علي عن النبي قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي، يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا»، ومثل ما رواه الحاكم عن أم سلمة قالت: «سمعت رسول الله يذكر المهدي ويقول: هو حق وهو من بني فاطمة»، وعن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله : المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، إلخ … »، وقد ضعف ابن خلدون أسانيد هذه الأحاديث، وروى حكايات عن جماعات كثيرة، قالوا: بدعوة المهدية وأن أكثرهم فشل في دعوته فقتل أو هرب، ثم ذكر علاقة فكرة المهدي بالمتصوفة، فقال: «إن المتقدمين منهم لم يكونوا يخوضون في شيء من هذا، وإنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال ثم كان كلام الإمامية من الشيعة في تفضيل عليّ والقول بإمامته وادعاء الوصية له، ثم حدث بعد ذلك القول بالإمام المعصوم، وجاء آخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بواسطة التناسخ، وآخرون يدعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول، فتسرب هذا إلى الصوفية فقالوا: بالقطب وقالوا: بالحلول كالذي كان من الحلاج وأشباهه، ويقول: إن المتصوفة الذين عاصروا ابن خلدون أكثرهم يشيرون إلى ظهور رجل مجدد لأحكام الملة ومراسم الحق، ويتحينون ظهوره …

ومن رأي ابن خلدون أن من نجح من دعاة المهدية يرجع نجاحه لا إلى أسباب دينية، وتنبؤات ونحو ذلك، وإنما يرجع على أن له عصبية قوية تحميه وتدافع عنه، كالذي حدث للفاطميين والقرامطة وغيرهم.

وأما من فشل منهم ففشله يعود إلى ضعف عصبيته؛ ولذلك كان منهم من قتل ومنهم من هرب وذلك وفاقًا لنظرية ابن خلدون التي أثبتها في محل آخر، وهو أن الملك لا يقوم إلا على أساس من العصبية، وعلى هذا قامت دولة بني أمية لتعصب الأمويين لها، وقامت دولة العباس لتعصب الخراسانيين لها، وهذا هو السر في الحديث المأثور: «الأئمة من قريش»، والسر في ذلك عصبية القرشيين لهم؛ ولذلك تدور العلة مع المعلول فإذا كانت هناك عصبية أقوى من عصبية قريش، فصاحبها أولى كالجنود الأتراك الذين كانوا يتعصبون للمعتصم، ونحو ذلك من الجنود المصطنعة، فالمهدية أيضًا قامت على أساس هذه العصبية، وقد قواها إلصاق المهدية بالدين، والناس للدين أكثر انقيادًا.

وقد قرأت رسالة للأستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الرد على ابن خلدون سماها «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون»، وقد فند كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهدي، وأثبت صحة الأحاديث وقال: إنها بلغت حد التواتر، ونقل أحاديث أخرى لم يذكرها ابن خلدون، وكان من رده عليه، أن ابن خلدون قال: إنه لم يخلص من هذه الأحاديث التي وردت في المهدي إلا القليل أو الأقل منه، فسأله في صراحة وماذا تصنع بذلك القليل، هل يؤمن بالقليل إلا إذا اشتهر أو تواتر؟ كلا لا يمكن ذلك؛ لأنه لا يرى هذا الرأي ولا رآه أحد قبله ولا بعده، ثم نقده أيضًا في أنه احتج في مواضع أخرى من تاريخه بأحاديث أفراد ليس لها إلا مخرج واحد، وفي ذلك المخرج مقال، أتراه إذا وافق الحديث هواه قبله ولو كان حديث آحاد، وإذا لم يوافق هواه لم يقبله لو كان صحيحًا؟؟ ثم رد عليه في دعواه نسبة رأي بعض الصوفية في الحلول، وأنها مستقاة من الشيعة بأن هذا غير صحيح وأن ابن خلدون لم يفهم معنى الحلول، ثم قال: أنه يؤمن بأحاديث المهدي لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وأن ابن خلدون مبتدع والمبتدعة أقسام، منهم من كفر ببدعته كالمجسم، ومنكر علم الله للجزئيات، ومنهم من لا يكفر ببدعته وهو من ابتدع شيئًا دون ذلك وربما عدا ابن خلدون من هذا القبيل، وقد أطال في ذلك وخالف ابن خلدون في دعواه الكذب أو الضعف في كل من روى عنه ابن خلدون، وروى عن جماعة من أهل العلم، قالوا شعرًا في المهدي يثبتون وجوده، مثل:

وخبر المهدي أيضًا وردا
ذا كثرة في نقله فاعتضدا

ومثل قول السيوطي:

وما رواه عدد جم يجب
إحالة اجتماعهم على الكذب

… إلخ إلخ

فلئن كان ابن خلدون قد قال: بضعف الأحاديث الواردة في المهدي إلا القليل، فإنه اعتمد في رد هذا لا على السند وحده ولكن على مخالفة المتن لحكم العقل أيضًا، والظاهر أن مذهب ابن خلدون قبول خبر الواحد إذا أيده حكم العقل، ورفض الأحاديث الكثيرة إذا لم يؤيدها العقل، وهذه بعينها كانت طريقة كبار المعتزلة كالنظام وأبي الهذيل العلاف، فلهم في الحديث طريقة خاصة غير طريقة المحدثين، فالمحدثون يعتمدون في النقد والإثبات على السند وحده، أما المعتزلة وعلى رأيهم ابن خلدون فيعتمدون على نقد السند، ويحكمون العقل في المتن، ولا سيما أن كل الحسابات التي بنيت على ظهور المهدي في وقت معين، وفي مكان معين استنادًا على اليازرجات والملاحم والتنبؤات، وحساب الجمل ظهر كذبها، ولم يصح منها شيء فكل حركة من حركات المهدية، سواء منها ما نجحت وما لم تنجح قد قضى عليها، إما في مهدها أو بعد قرون قصيرة أو طويلة، وما نجح منها كالفاطميين والقرامطة والحشاشين لم يملئوا الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا على حساب دعواهم، بل كان مثلهم مثل غيرهم وكانوا في مدة حكمهم محتاجين هم أنفسهم إلى مهدي آخر يذهب بظلمهم، ونحن نعلم من التجارب أن الله جعل للعدل والظلم قوانين اجتماعية كالقوانين الطبيعية للأشياء، والقوانين الاجتماعية هذه ليس منها إمام مستتر يعيش مئات السنين، وهو في استتاره يحرك أتباعه ليزيلوا المظالم، إنما الطريق الطبيعي هو ظهور مصلح اجتماعي يشعر الناس بالألم من الظلم، والطموح إلى العدل، فيضطهد ويعذب ولا يزال أتباعه يكثرون، وكلما عذب أمام الناس ازدادت دعوته قبولًا، حتى يقوى فيزيل المظلمة أو المظالم التي دعا إلى إزالتها، ويحل الصالح محل الفاسد.

وقد قرأتُ رسالة أخرى في هذا الموضوع عنوانها «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة» لأبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسيني، ذكر فيها أيضًا أقوال ابن خلدون ورد عليه، وعند أقواله زلة زلها وليست من التحقيق في شيء، واستخلص أخيرًا أن المهدي يظهر في آخر الزمان، وإن إنكار ذلك جرأة عظيمة وزلة كبيرة.

وأما السنيون فعقيدتهم في المهدي أقل خطرًا؛ لأنهم يعتقدون أنه من أشراط الساعة كالمسيح والدجال، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة على أثره، ثم ينزل عيسى فيقتل الدجال، ثم يأتم عيسى بالمهدي إلى غير ذلك.

ولما كانت الساعة أو آخر الزمان غير معلوم الوقت كان كل خارج يدعي أنه المهدي، وأنه علامة آخر الزمان إلى غير ذلك، وقد كتب الإمام الشوكاني كتابًا في صحة ذلك سماه التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح.

وأنا ممن يرى رأي ابن خلدون في ضعف هذه الأحاديث المهدوية، وفي أن من نجح من المهديين، إنما نجح لكثرة أتباعه وقوتهم، وفشل من فشل لقلة أتباعه وضعفهم، ولسنا ننصر ابن خلدون لسنيته ولا نضعف خصومه لشيعتهم.

إنما نقبل ما نقبل ونرفض ما نرفض للحق وحده، حسبما نعتقد وكلام ابن خلدون أقرب للعقل، ولئن كانت الأحاديث المروية عن المهدي قد ضعفها ابن خلدون لسندها، فهناك وجه آخر لتضعيفها، وهو عدم ملاءمتها للعقل إذ كيف يعقل إمام معصوم يخرج في زمان قد حدد، وأنه يملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا، بل إن الواقع أيضًا ينافي ذلك، حتى إن من نجح من دعاة المهدية، وأسس دولة لم يحقق عدلًا ولم يرفع ظلمًا، بل كان الثائرون والمثور عليهم على دين واحد وسياسة واحدة، كما بينا ذلك.

وقد نظم الصوفية — كما قال ابن خلدون — مملكة باطنية على نظام المملكة الظاهرية، ولقبوا أصحابها ألقابًا منهم الأوتاد والأبدال والنقباء والنجباء وعلى رأسهم القطب، وهم يرتقون في المناصب كما يرتقي الموظفون، وهذا القطب يعلم ما كان وما يكون وقد سئل أحمد ابن تيمية: «هل في الوجود طائفة من أولياء الله يقال لها: الأوتاد وأخرى يقال لها: الأبدال وغيرها يقال لها: النقباء، وخلافها يقال لها: النجباء، ورئيس على الكل يقال له: القطب الغوث الفرد الجامع؟ فقال: إن إطلاق هذه الأسماء من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل ذلك كله كذب وضلال لا أصل في كتاب الله، ولا سنة رسول الله ، ولا قاله أحد من سلف الأمة، ولا من الشيوخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم، والله تعالى يقول: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ، ويقول: قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، ويقول: قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ.

وقد قال الوهابيون بقول ابن تيمية هذا، وقد أقام بعض الصوفية مراسيم كمراسيم الدولة الظاهرية، وقالوا: إنه تجب لصحة القطب أن يبايع في دولة الباطن، كما يبايع الخليفة في دولة الظاهر، وقد قال ابن الجوزي: إن أحاديث البدال كلها موضوعة، وهؤلاء الأبدال الذين يزعمون أنهم أربعون كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلًا، وقد ربطوا هذه الأخبار عن الأقطاب والأبدال وغيرهم بأخبار الخضر، إذ كان يعلم علم الباطن على حين موسى — عليه السلام — كان يعلم علم الظاهر، وزعموا أنه حي مستتر في كل زمان!

وأخيرًا نقرأ في الدولة العثمانية نظام الفتوة وتعاون بعضهم مع بعض وفرقة البكطاشية والنقشبندية، ونحو ذلك من نظم سرية وتعاليم خفية، فنسمع منها صدى لأنظمة الإسماعيلية ودعواتهم، بل ربما كانت صدًى لتأثير المبادئ الإسماعيلية في أوروبا فهناك ما يشبه تعاليمهم في نظم الأديرة والجمعيات، بل ربما كان للقرامطة تأثير بين في نظم الرهبنة اليسوعية، وربما تكشف الأيام عن ذلك.

وقد كان من مبادئ القرامطة فرض ضرائب على الفقراء؛ لتوزع على المرضى والمحتاجين منهم عند الضرورة وهو شيء يشبه عمل النقابات الحديثة، وكم نقل الصليبيون في حروبهم مع المسلمين من أنظمة، فلعل منها النظام الإسماعيلي والديمقراطي الذي ساد الجمعيات الأوروبية.

من هذا نرى كيف لعبت المهدوية في تاريخ الإسلام، وإصابته مع الأسف بمصيبتين كبيرتين:
  • إحداهما: إضعاف شأن المسلمين إضعافًا كبيرًا بهذه الثورات المتتالية.
  • وثانيتهما: بنشر هذه الأساطير والأوهام بينهم مما أضعف عقولهم، وهما ضرران كبيران.

وكثيرًا ما يعتقد الناس الاتصال فعلًا بالمهدي، وتلقي تعاليمه كالذي رواه الشعراني من أن هناك اجتماعات روحية صوفية، وأنه كان أحد أفراد هذه الجمعية وهو صديق للشعراني واسمه الشيخ حسن العراقي أفضى إليه بأنه هو في حداثته كان يقيم في دمشق، وأنه أضاف المهدي أسبوعًا عنده وأخذ عنه أساليب الذكر والزهادة، وأنه يستفسر من المهدي عن كل ما أشكل عليه، وأن هذا الاتصال سبب له طول العمر، فقد كان سن العراقي عندما تحدث بهذا الحديث يبلغ من العمر ١٢٧ سنة.

وقد ساح بعد ذلك إلى الهند والصين، ثم رجع إلى مصر ومنعوه من دخولها، وهناك قصص كثيرة حول الاتصال بالمهدي والأئمة والمختفين، وقد كانت هذه الفكرة تملأ أذهان الناس حتى استُفْتِيَ فيها ابن حجر الهيثمي، وكان السؤال يدور على أنه سئل عن طائفة يعتقدون في رجل مات منذ أربعين سنة أنه المهدي المنتظر الموعود بظهوره آخر الزمان، ويعتقدون أن من أنكر مهديته فقد كفر فما قوله في ذلك، وقد سبب ذلك أنه وضع كتابًا في أحاديث المهدي والمهدوية سماه «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر».

وقد كان من جراء ذلك أن ألقى درسًا كبيرًا في هذا الموضوع في مكة حين حج، وقد ذكر بعض المستشرقين في كتاب ألفه عن فرق الإسلام أن بعض رجال الهنود ظهروا في الهند، وادَّعَوُا المهدية بينهم رجل يدعى الشيخ محمد الجونبوري دعا هذه الدعوة، ونفى من بلاد الهند، وتوفي سنة ١٥٠٥، إلى كثير من أمثال ذلك.

وعلى الجملة فقد كانت هذه الحركة المهدوية حركة دائمة لا تنقطع في إثارة الفتن والقلاقل، ولم كان قد من الله على المسلمين بفنائها لتغير وجه تاريخهم، ونرجو أن التنبه الحديث والوعي القومي الكبير يقضي على هذه الأساطير.

وربما كانت ثورة المعري الفكرية سببها ما شاع في أوساطه من الدعوة إلى الإمام والمهدي المنتظر، وتلقي التعاليم عنه، فثار أبو العلاء على ذلك وقال: إنه لا يؤمن بإمام ولا مهدي وإنما يؤمن بالعقل؛ ولذلك أكثر في تقدير العقل وإحلاله أعلى مكان، وقال في ذلك أبياتًا كثيرة من أوضح ذلك قوله:

يرتجي الناس أن يقوم إمام
ناطق في الكتيبة الخرساء
كذب الظن لا إمام سوى العقل
مشيرًا في صبحه والمساء

فالإمام الذي يشير إليه هو ما كان يشاع في محيطه من مهدي منتظر، فقال: كذب الناس إنما الإمام هو العقل وقوله:

ما كان في هذه الدنيا بنو زمن
إلا وعندي من أخبارهم طرف
يخبر العقل أن القوم ما كرموا
ولا أفادوا لا طابوا ولا عرفوا
عاشوا طويلًا وماجوا في ضلالتهم
ولا يفوزون إن جوزوا بما اقترفوا

وقوله:

خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه
ولا يرجون غير المهيمين راج
ولا تطفئوا نور المليك فإنه
ممتع كل من حجي بسداد

وقوله:

ساس الأنام شياطين مسلطة
في كل مصر من الوالين شيطان
من ليس يحفل خمص الناس كلهم
إن بات يشرب خمرًا وهو مبطان

وقال:

رويدك قد غررت وأنت حر
بصاحب حيلة يغط النساء
يحرم فيكم الصهباء صبحًا
ويشربها على عند مساء

… إلخ.

فهو يصور قيام الدعاة إلى إمام مستتر، وظلم الناس وفسادهم، ويدعو إلى استعمال العقل كما أمر الله.

•••

وأخيرًا أطلقت في مصر كلمة المهدي على من أسلم، وكان هو أو أبوه نصرانيًّا ويسمونه في سوريا المهتدي بدل المهدي، وذلك كالشيخ المشهور الشيخ محمد الحنفي المهدي، وقد كان من قوم أقباط فأسلم وتعلم في الأزهر وما زال يتفقه حتى ولي الجامع الأزهر، وكان يتداخل في الأمور، واتصل بالفرنسيين عند دخولهم، ولما رتبوا الديوان الذي يجري الأحكام بين المسلمين جعلوه في ديوانهم، وكان هو المشار إليه، وكان الناس يقصدونه في الحوائج ويمشون حوله وأمامه وتقبل شفاعاته، ويأتي إليه الفلاحون بالهدايا من أغنام وسمن ونحو ذلك وأثرى ثراءً عظيمًا، واستمر في مشيخة الأزهر والتدريس فيه، واختاره محمد علي باشا ليسافر مع ابنه طوسون إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، لما رجع انتقض عليه الأزهر، فعزل إلى آخر ما كان.

وممن لقب بهذا اللقب شيخنا الأستاذ محمد المهدي، وكان أستاذًا لنا في مدرسة القضاء وأحد تلاميذ الشيخ محمد عبده المقربين إليه، وقد كان من أصل نصراني؛ ولذلك كان يسمى الشيخ محمد المهدي زيكو.

هذه الثورات التي ذكرناها هي النتائج الماهية لفكرة التشيع وفكرة المهدية.

وهناك نتائج بعيدة المدى، فهناك أفكار شيعة ومهدوية تسربت إلى الفنون والعلوم، حتى يصعب على الباحث المدقق استخراجها، نجدها في التفسير وخاصة التفسيرات الرمزية لبعض الآيات القرآنية، وفي الأحاديث التي وضعت بإحكام كبعض أحاديث رواها الحاكم وغيره في أخبار المهدي، وموعد ظهوره وكونه من أشراط الساعة وغير ذلك، وهناك الآراء المنسوبة على التصوف وتطبيقهم فكرة المهدي على فكرة الأقطاب، وكأفكار الحلاج في الحلول تشبيهًا لما قاله المهديون في الأئمة.

وهناك تعاليم القرامطة والفاطمية في أشعار المتنبي وابن هانئ وغيرهما. وكلما جد الباحثون أمكنهم بعد التدقيق أن يربطوا بين أشعار للشعراء، ومعان للتشيع قريبة الشبه. وإن الفنون في بعض الأحيان تنزع في بعض تصميماتها إلى فن فارسي شيعي كالمحاريب المقرنصة وكطابع الخشب المحفور، ورسم النباتات والحيوانات التي تتعارك، أما التاريخ فقد عبث به كل العبث فترى نزعة مهدوية شيعية تلون الأحداث تلوينًا زاهيًا بديعًا، ومن سني يلونها تلوينًا أسود قائمًا، كالذي رأينا في نسب الفاطميين إلى فاطمة، منهم من يؤمن بصحته كل الإيمان، ومنهم من ينكره كل الإنكار، وكل يوم يستخرج الباحثون تسرب القضايا الشيعية إلى العلوم والفنون المختلفة، وحتى النحو نرى فيه هذه النزعة أيضًا كنسبة وضعه إلى أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب، ومثل تمثيلهم بقولهم: قضية ولا أبا حسن لها إلخ …

وعلى كل حال فلعل للمسلمين عبرة من هذا التاريخ الطويل المخزن، وتطور الأحوال يدلنا على أن الزمان قد تغير، وتغيرت العقليات فأصبح لا يجوز على العقول أمام مختف أو مهدي منتظر، وحل القادة والمصلحون والزعماء محل الأولياء وحل الإقناع بالحجج محل الإرهاصات والتخرصات.

والدعوة إلى الإصلاحات محل التنبؤات والتكهنات، والاعتماد على اليازرجات والتنجيمات، وكلما كبر العقل وزاد الوعي قلت الأوهام.

إن عقلية الجيل الحاضر التي تتحرى الأخبار وكشف الأستار، والإصغاء إلى الرأي وما يؤيده وما يعارضه لا يمكن أن تؤمن بإمام معصوم يعيش في الخفاء، ويوحي من وراء ستار بالأوامر والنواهي؛ ولذلك كفر أبو العلاء الذي تقدم زمنه بالإمام المعصوم وقال: لا إمام إلا العقل ولا سلطان إلا سلطان العقل، وأشاع في لزومياته عدم تقديس الإمام وأفاض في ذلك كما رأينا إذ رأى ما حوله من البلاد يخضع للحمدانيين التابعين للفاطميين، ويخضع لداعي الدعاة وقول الدعاة بإمام معصوم، فقابل الإلحاح بالإلحاح والدعوة إلى الخفاء بالدعوة إلى المكشوف.

والحق أنني لم أقصد ببحثي هذا إلا الحق لا تأييدًا لسنيين ولا حطًّا من شيعيين فكما نقدت الشيعين في دعوتهم وسلوكهم أيام مكن لهم في الحكم نقدت الخلفاء السنيين في اضطهادهم للعلويين، والتنكيل بهم تنكيلًا شديدًا، فلا فرق عندي بين مذهب ومذهب، وإنما الحق أردت وبحثت بحثًا تاريخيًّا بقدر ما يمكني من التحقيق، وقد يكون هناك لوم عليَّ في أني اعتمدت في أكثر ما اعتمدت على الكتب السنية التي وصفت عقائد الشيعة.

وعذري في ذلك أن المصادر الأصلية عن الإسماعيلية والقرامطة وتعاليم الفاطميين والموحدين قليلة بالنسبة لي. ومهما كانت عقيدتهم فلا ينكر منصف نقدهم في سلوكهم، خصوصًا وأنهم دعاة العدل المنفرون من الظلم.

وأحب أن أفرق بين باحث يبحث المسائل من حيث تاريخها، وتأثيرها السياسي والاجتماعي وبين داع يخطب في تأييد مذهب أو نقده، فالمؤرخ لا يهمه ماذا فعل أهل هذا المذهب وهل هم على حق أو باطل، إنما يهمه البحث التاريخي مهما كانت النتائج سوداء أو بيضاء، وإذا نقد فيجب أن ينقد إما لضعف سنده أو غلطة في الاستنتاج، ولا ينقد على أساس العواطف التي تواضع أهل المذهب عليها. أما الداعي فإنما يدعو لغاية معينة، ويحاول أن يفسر ما كان ضده على حسب ما يهواه لا على حسب الحق؛ لهذا أسف كل الأسف إذا كان في كلامي في هذه الرسالة، أو في فجر الإسلام وضحاه وظهره ما يغضب إخواننا الشيعيين، وأقرر لهم أن هذه النتائج نتائج تاريخية لا نتائج دعاية فليتقبلوها على ما هي عليه وليس أحب إلى نفسي مع هذا من القضاء على العداوة بين السنيين والشيعيين. فما أحوجنا إلى الصداقة خصوصًا في هذا الزمن، ومن أجل ذلك رحبت بالانضمام إلى جماعة التقريب؛ لأنه غاية ما أتمنى، ولست أريد إثارة فتن جديدة إلى الفتن القديمة، وإنما أردت أن أبين وجه الحق للعلماء والباحثين.

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

جدول تاريخي لأهم الأحداث التاريخية المتصلة بفكرة المهدوية
سنة بالتاريخ الميلادي
٦٥٦–٦٦١ خلافة علي
٦٨٠ مقتل الحسين في كربلاء
٦٨٥–٦٨٧ ثورة المختار في العراق
٧٦٢–٧٦٣ ثورات العلويين في العراق والمدينة
٨٦٠ ظهور القرامطة
٩١٠ عبيد الله المهدي وبدء الدولة الفاطمية
٩٢٨ القرامطة يدخلون مكة ويحملون الحجر الأسود
٩٤٤–٩٦٧ سيف الدولة الحمداني صاحب حلب
٩٩٦–١٠٢١ خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي
١٧٢–١٠٩٢ وزارة نظام الملك
١١٠٧–١١٣٠ دول الموحدين
١١٧١ قضاء صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية
١٢٥٨ هولاكو يستولي على بغداد ونهاية الدولة العباسية
١٧٥٧ استيلاء الوهابين على الأحساء
١٨٠٣–١٨٠٤ استيلاء الوهابين على مكة والمدينة
١٨٤٣ تأسيس السنوسية في طرابلس الغرب
١٨٤٤ ظهور البابية
١٨٥٠ الفتك بأتباع الباب
١٨٧٠ ظهور المهدي في السودان
١٨٨٨ المهديون يخضعون مقاطعة خط الاستواء
١٨٩٦ كتشنر يقضي على المهديين في أم درمان

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤