مهمة استطلاعية!

هل حقًّا خرجَت البراق من المقر؟

وهل هي حقًّا الجسم الفضي الذي رآه «عثمان» يطير وسط الضباب؟

وإذا كانت هذه محاولة لسرقتها فما الذي أعادها إلى المقر مرة أخرى؟

وهل ستكون آخر محاولة، أم أنها كانت مجردَ تجربة؟

ومَن الذي سرقها … وأين كان رجال أمن المقر وقتَ خروجها ووقت عودتها … كانت هذه بعض الأسئلة التي فرضَت نفسها على الشياطين، أثناء اجتماعهم الطارئ مساء ذلك اليوم والذي احتدمَت فيه المناقشة حول مدى أمانة رجال أمن المقر.

ورأى «عثمان» أن يطلبوا من قيادة المنظمة تغييرهم إلا أن هذا الرأي لم يُعجب «قيس» الذي رأى أن يقوم بفحص عدادات السرعة والمسافة والوقود للبراق أولًا للتأكد من مغادرتها للمقر، ولمعرفة المسافة التي قطعَتها في هذه الأثناء.

وأثناء انتظارهم لتقرير «قيس» سألتهم «ريما» سؤالًا، أجاب على كثير مما كان يدور في رءوسهم؛ فقد قالت لهم: هل إذا تعرَّضَت البراق لأي نوع من الأشعة أو الضوء بغرض التصوير يظهر ذلك على أجهزتها؟

أحمد: تقصدين أن سرقتها كانت لغرض تصويرها فقط؟

إلهام: تصويرها إشعاعيًّا، يعني كشفَ كلِّ جزء فيها!

عثمان: وبهذا تكتمل النسخة الموجودة في «شتوتجارت».

أحمد: نعم … التصميم الخارجي والداخلي.

مصباح: الموضوع خطير.

إلهام: والدقائق تمرُّ … تعني موتَ البراق بالنسبة لنا.

أحمد: طبعًا … فمجرد تقليدها سيُفقدها قيمتها … وستظهر سيارات أكثر تقدُّمًا منها.

وانقطع الحديث بينهم فجأة، عندما رأوا «قيس» قد عاد متجهمًا.

ولفَّتهم لحظاتُ صمت ثقيلة … قطعها «أحمد» بقوله: البراق خرجَت من المقر، أليس كذلك؟

قيس: نعم.

أحمد: وكم قطعت؟

قيس: مائتان وخمسون كيلومترًا!

عثمان: بالطبع ذهاب وعودة.

إلهام: أي بعدَت عن هنا أكثر من مائة كيلومتر.

أحمد: إنها المسافة التي قطعناها من المكان الذي كنَّا نعسكر فيه إلى هنا!

ريما: ما المانع في أن نقوم بمهمة استطلاعية؟

أحمد: لاستطلاع ماذا؟

ريما: نحوم حول معسكرنا القديم بجوار جزيرة الموت.

قيس: إنها مكان استراتيجي.

فهد: جزيرة الموت؟

قيس: نعم.

كان «أحمد» سابحًا في أفكاره … يحاول أن يضع ما يقولونه في إطار مهمة يقوم بها بعضٌ منهم.

وقد وقع اختيارُه على «قيس» مكتشفِ جزيرة «اللحد» ومعه «ريما» وثالثهم «فهد» ليقوموا بهذه المهمة.

أما «عثمان» و«إلهام» فقد كان في حاجة لهما، لمشاركته في مهمة أخرى.

وقد كانت الوقت مبكرًا … مما يسمح بتنفيذ مهامهم جميعًا … فطلب من «قيس» سرعةَ التحرك.

ومن باب حديقة المقر … خرجَت إحدى سيارات سرب «اللاندروفر» تضمُّ كلًّا من «ريما» و«فهد» و«قيس» ليقوموا بمهمة عاجلة، على أن يعودوا قبل مغيب الشمس.

ومن فوق سطح مبنى المقر، وقف «أحمد» ممسكًا بمنظار يتابع خروجها من طريق الكورنيش وفي رأسه تدور ألفُ فكرة … وفي قلبه أمنية واحدة … جعلَته ينبض بشدة في ترقُّب لأن تتحقق.

ومن إحدى تقاطعات شبكة الطرق التي تؤدي إلى الميدان الرئيسي، خرجَت «اللاندروفر» في طريقها إلى خارج المدينة.

ومن تقاطع آخر، لاحظ «أحمد» سيارة جيب حديثة، سوداء اللون تجري في أثرها.

ولاحظ «قيس» في تابلوه السيارة ضوءًا أحمر يضيء ويختفي، فعرف أنه اتصال من المقر، فضغط الزرَّ المضيء فتردَّد في السيارة صوتُ «أحمد» يقول: آلو … «قيس».

قيس: معك يا «أحمد»!

أحمد: أين أنت الآن؟

قيس: في الكيلو عشرين طريق القنطرة.

أحمد: لقد رأيت سيارة جيب «ديسكفري» تسير في أثرك!

قيس: لم تظهر لنا بعد.

ريما: هل تتبعنا دون أن ترانا؟

فهد: وماذا يعني هذا؟

أحمد: هذا يعني أن هناك مَن يراقبكم من مكان مرتفع جدًّا … ويوجِّههم عبر التليفون أو اللاسلكي!

قيس: إذن … فقد كانوا خلفنا من البداية!

أحمد: أعتقد ذلك، وعلى فكرة أنا لم أَعُد أراهم، وسأحاول الاستعانة بالقمر الصناعي الخاص بالمنظمة.

قيس: لا تشغل نفسك بهم.

ريما: نعم واتركهم لنا.

أحمد: لا، فهناك الكثير مما سيكشفه لنا المقر … لن تستطيعوا معرفته بالمواجهة المباشرة، وكانت هذه آخر جملة يقولها لهم، وقبل أن يُنهيَ اتصاله بهم ويتصل ﺑ «عثمان»، ويطلب منه أن يلحق به على سطح المقر … وترك له المنظارَ قائمًا على حامل ذي ثلاث أرجل.

ونزل السلَّمَ سريعًا إلى غرفة الكمبيوتر؛ حيث أوصله بتليفونه المحمول، والذي له اتصالٌ مباشرٌ بالقمر الصناعي، ثم اتصل بدائرة الاستشعار في القمر، فظهرَت له على شاشة الكمبيوتر خريطةُ القارة الأفريقية وجزء من قارة آسيا، فقام بتوجيه الدليل حتى ظهرَت له خريطة «سيناء»، ثم طلب التركيز على هذه المنطقة، وتكبير الطرق الخاصة بشمال «سيناء» إلى أن وصل إلى طريق العريش القنطرة.

فطلب من الكمبيوتر رصْدَ كلِّ ما يسير على الطريق مزدحمًا بسيارات نقل الخضراوات حتى الكيلو خمسين، وبعد ذلك لم تظهر إلا سيارتان بينهما ألف متر وعشرة، حسبما قال الكمبيوتر … تسيران بسرعة تتأرجح ما بين تسعين كيلومتًرا أو أكثر بقليل … ولا تقترب من بعضها، بمعنى أن المسافة بينهما ثابتة، فقال ﻟ «إلهام» وقد كانت تجلس قريبًا منه: كيف تستطيع سيارة على بعد كيلو من الأخرى أن تحافظ على المسافة بينهما ثابتة على طول الطريق؟

إلهام: هذا لا يحدث إلا بالتوجيه عن بُعد.

أحمد: للسيارة!

إلهام: أو لقائدها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤