منطق الحدود
تعريف الحد
الحد لفظ أو عدة ألفاظ التي ينطق بها أو يفكر فيها وتدل على شيء، أو على نوع من الأشياء هي موضوع الحديث أو التفكير في سياق معين، فإذا كنا نتحدث عن الأنهار مثلًا لنميزها عن البحار أو الجبال كان «نهر» حدًّا، وإذا كنا نتحدث عن النهر الذي يشق مصر من جنوبها إلى شمالها كان «نهر النيل» حدًّا. «نهر»، «جبل»، «كلية»، «كلية الآداب»، «جامعة»، «جامعة الإسكندرية» … إلخ، نسمي كلًّا منها حدًّا، ويدرس المنطق أنواع الحدود فيصنفها أصنافا مختلفة على أسس أربعة:
أولًا: الحدود جزئية وعامة
ثانيًا: الحد العيني والحد المجرد
ثالثًا: الحد الموجب والحد السالب
رابعًا: الحد النسبي والحد المطلق
وهذه هي أهم أنواع الحدود، وإن كانت هناك أنواع أخرى يذكرها بعض المناطقة، فإن هذه الأنواع الأربعة تعد أهمها.
المفهوم والماصدق
التعريف
يلعب التعريف دورًا هامًّا في حياتنا الاجتماعية والعلمية والسياسية، وغير ذلك من أوجه النشاط الإنساني. فكثيرًا ما ينشأ الجدل والخلاف بين شخصين؛ لأن كليهما يفهم معنى لفظ معين بطريقة مختلفة، وكان من الممكن حسم هذا الخلاف لو كان معنى هذا اللفظ واحدًا عند الاثنين، وكثيرًا ما يكون غموض الألفاظ المستخدمة في القرارات والمعاهدات السياسية مصدر خلاف بين الدول وفي المحافل السياسية. ويرجع هذا إلى أن ألفاظ اللغة التي نستخدمها ليست على درجة كافية من الوضوح بحيث يمكن أن تزيل ما قد يحدث من لبس وغموض.
- (أ)
إزالة اللبس في المعاني.
- (ب)
توضيح معاني الحدود.
- (جـ)
ازدياد حصيلة الفرد اللغوية.
- (د) صياغة الحد بطريقة نظرية.١٥
أنواع التعريف
كان الهدف عند معظم الفلاسفة والمناطقة منذ أقدم العصور هو تعريف الشيء وليس اللفظ، إلا أن بعض المناطقة المحدثين يرفضون ذلك ويقصرون مهمة التعريف على الألفاظ وحدها. وقد ترتب على ذلك اختلاف الطرق التي سلكها كل فريق منهما لبلوغ هدفه، ولنقف الآن قليلًا عند كل نوع من هذين النوعين:
أولًا: التعريف الشيئي (الواقعي)
- الأول: التعريف بالحد، وهو التعريف الذي يتم بذكر
صفة جوهرية للشيء المعرَّف تميزه بشكل قاطع عن
غيره من الأشياء. وينقسم هذا النوع بدوره إلى
قسمين:
- (أ) التعريف بالحد التام، ويكون بذكر الجنس القريب والفصل، كقولنا: الإنسان حيوان ناطق.١٨
- (ب) أما التعريف بالحد الناقص، فهو الإتيان بالجنس البعيد من الفصل مثل: الإنسان حيوان مفكر.
- الثاني: التعريف بالرسم (أو الوصف)، وهو التعريف
الذي يتم بذكر خاصة من خواص الشيء المعرَّف
تميزه عن بقية الأشياء الأخرى، ولكنه لا يوضح
طبيعة هذا الشيء أو خواصه الذاتية، بل ما يهدف
إليه هو أن يميز الشيء عن غيره من الأشياء.
وللتعريف بالرسم درجتان:١٩
- (أ) تعريف بالرسم التام، ويتألف من الجنس القريب والخاصة.
- (ب) تعريف بالرسم الناقص، ويتألف من الجنس البعيد والخاصة. مثلًا «الإنسان حيوان مدخن» تعريف للإنسان بالرسم التام. ولكن التدخين ليس صفه تميزه عن غيره من الحيوانات. مثال على التعريف بالرسم الناقص: «الإنسان جسم مدخن».
ثانيًا: التعريف الاسمي Nominal Definition
إذا كان التعريف الشيئي يهدف لتحديد جوهر الشيء المعرف، فإن التعريف الاسمي لا يهمه إلا أن يستبدل اللفظ المراد تعريفه بلفظ آخر يساويه استعمالًا. وإذا كان غالبية أنصار التعريف الشيئي هم من بين المناطقة التقليديين، فإن غالبية الآخذين بالتعريف الشيئي — كما رأينا — يحصر نفسه في نطاق الألفاظ التي تشير إلى مسميات في عالم الواقع؛ مثل: «إنسان، وحيوان … إلخ».
أما التعريف الاسمي فإنه يمتد ليشمل كل كلمة في اللغة، لا فرق بين أسماء الأشياء وأحرف الجر والأسماء الموصولة والصفات وما شئت من أنواع الكلمات، ما دام التعريف هو وضع صيغة لفظية مكان صيغة لفظية تساويها استعمالًا. وإذا كان التعريف عند الآخذين بالتعريف الاسمي هو دائمًا تعريف للألفاظ أو الرموز، فإن السؤال الخاص بما إذا كان التعريف صحيحًا أم خاطئًا هو السؤال بغير معنى. والأقرب إلى العقول هو أن نحكم على التعريف في هذه الحالة بأنه مناسب أو غير مناسب، متسق أو غير متسق مع بقية التعريفات الأخرى التي ترد معه في النسق المعين، وباختصار، هل التعريف يحقق الغرض المنشود منه أم لا؟ وفي هذه الحالة الأخيرة يتم استبداله بتعريف آخر.
التعريف القاموسي Lexical Definition
والقواميس أو المعاجم اللغوية عبارة عن سجلات لمعاني الألفاظ المختلفة كما حُددت عبر الأزمنة المتعاقبة. وكثيرًا ما يستشهد أصحاب المعاجم اللغوية الجديدة بفقرات مختلفة لكبار المفكرين والكتاب السابقين لكي يدللوا بها على اختلاف معنى اللفظ المعين عند كاتبين أو أكثر من أبناء الجيل الواحد أو من أبناء الأجيال المتعاقبة. فالقواميس اللغوية تنقل لنا الطريقة التي يستخدم بها لفظ معين عند جماعة معينة في زمان معين. فأنت إذا كنت تسمع لأول مرة المثل الذي يقول: «أحصرم وسوء كيلة؟» وكنت لا تعرف معنى اللفظ «حصرم»، ثم أخذت تبحث عن معناه في أحد معاجم اللغة العربية لقيل لك: إن الحصرم هو أول العِنب أو تباشير العنب. وإن كنت تسمع كذلك لأول مرة هذا البيت من الشعر العربي الذي يقول:
التعريف الاشتراطي Stipulative Definition
وفي نفس الشيء يمكن أن يقال عن تعريف جاليليو «للحركة النمطية» في علم الطبيعة مثلًا، فقد عرفها تعريفًا اشتراطيًّا حينما قال: «إنها الحركة التي تكون فيها المسافات، التي يقطعها الجسيم المتحرك في لحظات زمانية واحدة، متساوية.»
شروط التعريف
- الشرط الأول: أن يكون التعريف جامعًا مانعًا، والمقصود بالجامع أن يكون التعريف شاملًا لكل الأفراد التي يندرج تحتها ذلك اللفظ المراد تعريفه، والمقصود بمانع أن يكون التعريف مانعًا من أن يندرج فرد من نوع آخر تحت الكلمة المراد تعريفها، مثال: «إذا عرفت الإنسان بأنه الحيوان الذي يذهب إلى الجامعة، كان التعريف غير جامع؛ لأن ذلك التعريف لا يضم كل أفراد الإنسان، وكذلك إذا عرفت الإنسان بأنه حيوان يمشي على رِجلين، كان التعريف غير مانع، أي سمح التعريف بأن دخل مع الإنسان ألوان حيوانية أخرى، كالدواب مثلًا.»٢٦
- الشرط الثاني: يجب أن يكون التعريف منصبًّا أساسًا على جوهر الشيء المعرَّف، فلا يهتم بالصفات أو الخصائص العارضة.٢٧
- الشرط الثالث: يجب أن يكون التعريف بذكر الجنس والفصل إذا أُريدَ أن يكون جامعًا مانعًا.٢٨
- الشرط الرابع: يجب أن يكون التعريف أوضح من المعرف، إذ ما قيمة تعريف الشيء بما هو أشد منه غموضًا؟٢٩
- الشرط الخامس: لا ينبغي للتعريف أن يكون مَجازيًّا، مثل تعريفنا الخبز بأنه «عصب الحياة»، أو تعريفنا للقناعة بأنها «كنز لا يَفنى»، أو تعريفنا للصحة بأنها «تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»، أو تعريفنا للأسد بأنه «ملك الغابة»، أو للجمل بأنه «سفينة الصحراء» … إلخ.٣٠
- الشرط السادس: لا يجوز تعريف الشيء بنفسه؛ كتعريفنا للحركة بأنها الانتقال من مكان إلى مكان آخر، أو للأرملة بأنها «من مات عنها زوجها» … إلخ.٣١
- الشرط السابع: لا يجوز أن يُذكر في التعريف لفظ يرِد في المعرَّف، أو لفظ يستحيل تعريفه إلا بواسطة المعرف، أو أن يعرف الشيء بما يتوقف في فهمه على المعرف، فيكون التعريف دائريًّا؛ مثل تعريف الحياة بأنها مجموعة القوى الحيوية في الجسم. فإن القوى الحيوية لا يمكن فهمها إلا إذا فهمت الحياة.٣٢
- الشرط الثامن: لا يجوز أن يكون التعريف في ألفاظ معدولة أو سالبة، خاصة إذا كان من الممكن أن يكون في ألفاظ موجبة. فلا يجوز تعريف الشيء بضده أو نقيضه؛ كتعريف العدم بأنه اللاوجود، أو تعريف الظلم بأنه اللاعدل، والفقير بأنه غير الغني.٣٣
- الشرط التاسع: لا يجوز تعريف الشيء بما يتضايف معه، كتعريف الزوجة بأنها من لها زوج، وتعريف الابن بأنه من كان له أب … إلخ.٣٤