منطق الاستدلالات غير المباشرة
تعريف القياس
والقياس نوع من الاستدلال غير المباشر، لأن الانتقال فيه من المعلوم إلى المجهول يتم بواسطة معينة، إذ لا بد هنا من حد ثالث يربط بين حدين حتى يمكن الوصول إلى نتيجة معينة، وهذا على عكس ما رأيناه في أنواع الاستدلال المباشر.
كل واسع الاطلاع منظم التفكير.
كل عالم واسع الاطلاع.
إذن كل عالم منظم التفكير.
قواعد القياس
- (١)
لا بد من وجود ثلاث قضايا حملية، لا أكثر ولا أقل.
- (٢)
لا بد من وجود ثلاثة حدود، لا أكثر ولا أقل.
- (٣)
لا بد من عدم ظهور الحد الأوسط في النتيجة.
- (٤)
لا بد من استغراق الحد الأوسط مرة على الأقل في المقدمتين.
- (٥)
لا يستغرق حد في النتيجة ما لم يكن مستغرقًا في المقدمتين، حتى لا يتجاوز الحكم فيها.
- (٦)
المقدمتان الموجبتان لا تنتجان قضية سالبة؛ بل موجبة، وبالعكس لا تصدر القضية الموجبة إلا عن مقدمتين موجبتين.
- (٧)
المقدمتان اللتان إحداهما موجبة والأخرى سالبة لا تنتجان قضية موجبة؛ بل سالبة وبالعكس لا تصدر النتيجة السالبة إلا عن مقدمتين إحداهما سالبة، والأخرى موجبة.
- (٨)
لا بد من أن تكون إحدى المقدمتين على الأقل موجبة، إذ لا إنتاج عن سالبتين.
- (٩)
لا بد من أن تكون الكبرى كلية إذا كانت الصغرى سالبة.
- (١٠)
النتيجة لا تكون كلية إلا إذا كانت المقدمتان كليتين. أما المقدمتان الكليتان فقد تنتجان نتيجة جزئية.
- (١١)
لا بد أن تكون إحدى المقدمتين كلية، إذ لا إنتاج عن جزئية.
- (١٢)
النتيجة تتبع أخسِّ المقدمتين.
وهذه القواعد يمكن أن نقسمها إلى عدة مجموعات بحسب نوع الشرط المطلوب توافره في القياس من حيث تركيبه، ومن حيث الاستغراق في الحدود، ومن حيث الكم والكيف في القضايا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أولًا: قواعد التركيب
- (١) لا بد من وجود ثلاثة حدود، لا أكثر ولا أقل: يجب أن يكون في القياس ثلاثة حدود، هي الأكبر والأوسط والأصغر. وذلك لوجود ثلاث قضايا، كل منها يحتوي على حدين. يرتبط في إحداها الأكبر بالأوسط، ويرتبط في الثانية الأصغر بالأوسط، وفي الثالثة الأصغر بالأكبر، ومعنى ذلك أن كل حد لا يظهر إلا مرتين، ولا بد من أن يكون له في المرتين نفس اللفظ ونفس المعنى. فإذا تغير أحد الحدود في لفظه أو في معناه، وقعنا في أغلوطة الحدود الأربعة، ويلاحظ أنه إذا كان عدد الحدود أقل من ثلاثة، كنا بصدد قياس إضمار أو استدلال مباشر. وإذا كان أكثر من ثلاثة، كنا بصدد قياس فاسد، أو قياس مركب، أو أي نوع آخر من الاستدلال.
- (٢) لا بد من وجود ثلاث قضايا حملية، لا أكثر ولا أقل: يجب أن يكون هناك ثلاث قضايا حملية بسيطة، هي: المقدمة الكبرى، والمقدمة الصغرى، والنتيجة، حتى نكون بصدد قياس غير محدد النتيجة، أو بصدد قياس إضماري، أضمرت فيه إحدى قضاياه، وإما بصدد استدلال مباشر. وإذا كانت أكثر من ثلاث، فإننا نكون إما بصدد قياس مركب، أو بصدد استدلال شرطي، أو أي نوع آخر من الاستدلال.
ثانيًا: قواعد الاستغراق
-
(١)
يجب أن يكون الحد الأوسط مستغرقًا مرة واحدة على الأقل في المقدمات؛ لأنه إذا لم يستغرق إلى كل أفراد، فإن من الممكن أن يشير الحد الأوسط في المقدمة الكبرى إلى عدد من الأفراد لا يشير إليها في المقدمة الصغرى، وحينئذٍ لا يقوم الحد الأوسط بوظيفة الربط بين الحدين البعيدين، ومن ثم لا يتم القياس.٩
-
(٢)
يجب ألا يستغرق حد في النتيجة ما لم يكن مستغرقًا من قبل في مقدمته؛ وذلك لأنه إذا وجد حد مستغرقًا في النتيجة وليس مستغرقًا في مقدمته فمعنى ذلك أننا انتقلنا من حكم على بعض أفراد ذلك الحد إلى حكم على كل أفراد ذلك الحد، وذلك غلط منطقي، وهو الانتقال من الحكم على الجزء إلى الحكم على الكل، فإذا كان بعض الناس علماء لا نستطيع أن نستنتج أن كلهم كذلك، ويجب أن نلاحظ أن عكس هذا الشرط لا يجعل القياس فاسدًا، أي لا يفسد القياس إذا كان حد ما مستغرقًا في المقدمة وليس مستغرقًا في النتيجة.١٠
ثالثًا: قواعد استخلاص النتيجة، وتحديد كيفها وكمها:
-
(١)
لا إنتاج من سالبتين؛ لأن المقدمتين تفصلان كلًّا من الموضوع والمحمول عن الحد الأوسط، وبهذا لا يستطيع أن يربط الحد الأوسط بين الموضوع والمحمول؛ مثال: الإسبان غير الأتراك، الأتراك غير مسيحيين، لا نستطيع استنتاج أن الإسبان غير مسيحيين.١١
-
(٢)
لا إنتاج من جزئيتين: ذلك لأن المقدمتين الجزئيتين إما أن تكونا سالبتين أو موجبتين أو أن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فإذا كانت المقدمتان الجزئيتان سالبتين فلا إنتاج طبقًا للقاعدة الخامسة، وإذا كانتا موجبتين فلن يوجد حد مستغرق طبقًا لقواعد الاستغراق، وإذن لن يستغرق الحد الأوسط، وبالتالي يتم الإخلال بالقاعدة الثالثة، وإذا كانت المقدمتان الجزئيتان إحداهما موجبة والثانية سالبة فالنتيجة سالبة، وإذن تستغرق محمولها حسب قواعد الاستغراق، وإذن سيكون لدينا حد واحد مستغرق ونحن نريد حدين مستغرقين في النتيجة والحد الأوسط، وإذن فالقياس فاسد.١٢
-
(٣)
إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة كانت النتيجة سالبة؛ لأنه إن كانت هناك مقدمة سالبة فإن الحد الأوسط مفصول عن أحد حدي النتيجة، وتبعًا لذلك لا يمكن ربط المحمول والموضوع في النتيجة بالإيجاب؛ وإنما بالسلب.١٣
-
(٤)
إذا كانت إحدى المقدمتين جزئية كانت النتيجة جزئية، لا يمكن أن تكون النتيجة كلية موجبة أو كلية سالبة؛ لأنه إذا كانت النتيجة كلية موجبة كان موضوعها مستغرقًا، ويلزم أن يكون في المقدمات حدان مستغرقان: الحد الأصغر؛ حسب القاعدة الثالثة، ولكننا سنجد أن المقدمتين فيهما حد واحد مستغرق هو الحد الذي في المقدمة الكلية، ولا نستطيع أن نقول: إن بها حدين مستغرقين؛ لأن إحدى المقدمتين كلية موجبة والثانية سالبة؛ لأنه حينئذٍ ستكون النتيجة سالبة حسب القاعدة السابقة، وهو مخالف للغرض، وهو إيجاب النتيجة، أما إذا كانت النتيجة كلية سالبة، فمعنى ذلك أن المقدمتين كليتان، ولا يمكن أن تكون نتيجة كلية من مقدمتين جزئيتين، ولا من مقدمة كلية وأخرى جزئية، وهذا مخالف للغرض، وهو أن إحدى المقدمتين جزئية.١٤
مبدأ القياس
المبدأ الأول: هو المقول على الكل De omni
ومعناه أن كل ما يثبت على نحو كلي لموضوع أو لكلٍّ يثبت لكل شيء يندرج تحت هذا الموضوع أو ذلك الكل. فما يثبت للجنس حيوان يثبت للنوع إنسان، وما يقال عن النوع يقال على ما يندرج تحته من أفراد. إن ما يثبت بالنسبة لتصور من الممكن أن يثبت لكل فرد من أفراده المكونين للفئة المنطقية التي يخصصها هذا التصور، بشرط أن يكون الموضوع مأخوذًا بمعنى توزيعي، أي أن يكون الموضع مستغرقًا بجميع أفراده في المحمول. وبذلك يكون الحكم على كل فرد من أفراد الإنسان هو حيوان ثديي؛ فالمحمول هنا ينسب إلى الكل، وإلى كل جزء من أجزائه. وذلك بخلاف الموضوع المأخوذ بمعنى جمعي، وفيه المحمول ينتسب إلى الكل، وإلى كل جزء دون أجزائه، كما في قولنا: كل زوايا المثلث تساوي قائمين، فليس هناك زاوية من زوايا المثلث تساوي بمفردها قائمين.
ويلاحظ أن هذا المبدأ هو في الحقيقة القانون الأول أو البديهية الأولى، ولكنه أقل كمالًا وعمومية؛ لأنه لا يراعي إلا التداخل والتضمن مناسبًا ما قد يكون من مساواة تامة، قد يعبر عنها بتضمن مزدوج.
والمبدأ الثاني هو المقول على اللاواحد De nullo
ومعناه أن كل ما ينفى على نحو كلي عن الموضوع، أو عن كلٍّ، ينفى عن كل شيء يندرج تحت هذا الموضوع أو ذلك الكلي. فما يقال سلبًا عن الجنس يقال عن النوع، وما يسلب عن النوع يسلب عن الأفراد. فإذا نفينا أن الناس خالدون بقولنا: لا واحد من الناس بخالد، فمعنى ذلك أن لا فرد من أفراد الإنسان بخالد، فمعنى ذلك أن لا فرد الإنسان من الممكن أن يكون خالدًا. وهنا أيضًا تحمل صفة الخلود سلبًا، وبمعنى توزيعي على أفراد التصور «إنسان»؛ ذلك لأن الصفة التي تحمل بمعنى جمعي على فئة منطقية من الممكن أن تُنفى بدون أن يؤدي ذلك إلى نفيها عن كل واحد من الأفراد المكونين للفئة المنطقية، فإذا قلنا: كل زوايا المثلث لا تساوي أقل من قائمتين، تظل مع ذلك القضية: كل زاوية من زوايا المثلث تساوي أقل من قائمتين، صادقة.
وليس هذا المبدأ إلا القانون الثاني في صورة أقل عمومية، أو ليس هو إلا تطبيقًا جزئيًّا له.
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن ما يثبت لجزء من فئة منطقية، أو يُنفى عنها قد لا يثبت أو ينفى عن الفئة بأكملها. وهذا ما يقوم به الاستدلال الاستقرائي، مما يجعل هذا النوع من الاستدلال غيرَ مقنع من وجهة النظر المنطقية.
كما ينبغي أن نلاحظ أن مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد يفترض أن أفراد الفئة المنطقية الفرعية هم بالضرورة أفراد في الفئة الكلية ما داموا أفرادًا في الفئة الفرعية، وهم بالضرورة ليسوا أفرادًا في الفئة الكلية، وهذا ينطوي على مغالطة تجعل منه مصادرة على المطلوب ولا ينطبق إلا على التصنيفات الطبيعية، فأنا قد أكون عضوًا في نادٍ لكرة القدم مثلًا، والنادي الذي أنا عضو فيه قد يكون عضوًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم، فهل أنا عضو في الاتحاد الدولي لكرة القدم حسب القياس الآتي:
كل نادٍ لكرة قدم عضو في الاتحاد الدولي
إذن محمد عضو في الاتحاد الدولي
أشكال القياس وضروبه
- (١)
إما موضوعًا في الكبرى محمولًا في الصغرى، وهذا هو الشكل الأول.
- (٢)
وإما محمولًا في المقدمتين، وهذا هو الشكل الثاني.
- (٣)
وإما موضوعًا في المقدمتين. وهذا هو الشكل الثالث.
- (٤)
وإما محمولًا في المقدمة الكبرى وموضوعًا في المقدمة الصغرى. وهذا هو الشكل الرابع.
أضرب القياس المنتجة وغير المنتجة
ولكن ليس كل هذه الأضرب أضربًا صحيحة ومنتجة، فبعضها منتج لتوافر شروط الإنتاج، التي تحددها قواعد المجموعة الثانية الأربعة. وبعضها غير منتج لعدم توافر هذه الشروط فيه. وبعضها يأتي بنتيجة صحيحة الصدور عن المقدمات، تتحقق فيها معايير صحة صدور النتيجة، التي تحددها قواعد المجموعة الثالثة والتي تتأكد منها بواسطة قواعد المجموعة الرابعة، وبعضها يأتي بنتيجة غير صحيحة الصدور لعدم توافر صحة صدور النتيجة فيها. فإذا قمنا بإسقاط الأضرب غير المنتجة، والأضرب التي نتيجتها غير صحيحة الصدور، فلا يبقى عندنا في كل شكل إلا أحد عشر ضربًا هي بالترتيب من اليسار إلى اليمين:
(4) EAO | (3) EAE | (2) AAI | (1) AAA |
(8) AEO | (7) AEE | (6) OAO | (5) IAI |
(11) AOO | (10) EIO | (9) AII |
أولًا: الشكل الأول
- (١)
أن يكون الحد الأوسط موضوعًا في الكبرى، محمولًا في الصغرى.
- (٢)
يجب أن تكون المقدمة الصغرى موجبة؛ لأنها إذا كانت سالبة يلزم أن تكون المقدمة الكبرى موجبة طبقًا للقاعدة الخامسة من قواعد القياس، ويلزم أن تكون النتيجة سالبة طبقًا للقاعدة السابعة وإذن يكون الحد الأكبر مستغرقًا؛ لكنه غير مستغرق في المقدمة الكبرى، حيث إنها ستكون كما قلنا موجبة، والموجبة لا تستغرق المحمول، إذن يلزم أن تكون المقدمة الصغرى موجبة.
- (٣)
يجب أن تكون المقدمة الكبرى كلية؛ لأنه حيث إن المقدمة الصغرى موجبة حسب الأعمدة الثالثة، إذن لن يستغرق الحد الأوسط الذي هو محمولها، وإذن يجب أن يكون الحد الأوسط مستغرقًا في المقدمة الثانية وهي الكبرى، وحينئذٍ يكون موضوعها، وإذا كانت الكبرى جزئية فإنها لا تستغرق موضوعها طبقًا لقواعد الاستغراق، وحينئذٍ لن يكون الحد الأوسط مستغرقًا في أي المقدمتين ويفسد القياس طبقًا للقاعدة الثالثة من قواعد القياس، يجب إذن أن تكون المقدمة الكبرى كلية.
قلنا من قبل: إن أضرب الشكل الأول أربعة، ولتسهيل تحديد هذه الأضرب قد وضع المناطقة الأوروبيون في العصور الوسطى أربع كلمات لاتينية لا معنى لها، وإنما ترمز إلى تلك الضروب؛ هذه الكلمات هي:
ومن ثم تصبح الضروب الأربعة للشكل الأول على النحو التالي:
(1) | (2) | (3) | (4) |
A | E | A | E |
A | A | I | I |
A | E | I | O |
كل و هو ك | A | كل الغربان سوداء |
وكل ض هو و | A | كل أسود مكروه |
كل ض هو ك | A | كل الغربان مكروهة |
لا واحد من و هو ك | E | لا عربي استعماري |
كل ص هو و | A | وكل مصري عربي |
لا واحد من ص هو ك | E | لا مصري استعماري |
كل و هو ك | A | كل إنسان حيوان |
بعض ص هو و | I | بعض الفاني إنسان |
بعض ص هو ك | I | بعض الفاني حيوان |
مبدأ الشكل الأول
وتطبيق هذا المبدأ تطبيقًا مباشرًا في الشكل الأول هو الذي يحتم أن يكون الحد الأوسط موضوعًا في المقدمة الكبرى، ومحمولًا في المقدمة الصغرى.
مميزات الشكل الأول
- (١)
هو الشكل الوحيد من بين أشكال القياس الذي يُنتج لنا أنواعَ القضايا الأربعة جميعًا: الكلية الموجبة، والكلية السالبة، والجزئية الموجبة، والجزئية السالبة، ومن ثم يمكننا استخدامه للوصول إلى أي نتيجة سواء كانت كلية أو جزئية أو موجبة أو سالبة.
- (٢)
هو الشكل الوحيد الذي ينتج لنا كلية موجبة كما هو واضح من الضرب الأول، ولهذا فائدته الكبرى؛ لأن البرهان العلمي، وهو الذي يهدف إلى صياغة القوانين والنظريات، يصوغها كلية، وإلا لما كان قانونًا علميًّا أو نظرية.
- (٣)
يفسر الشكل الأول بالمفهوم كما يفسر بالماصدق.
- (٤)
موضوع النتيجة في الشكل الأول هو موضوع الصغرى، ومحمول النتيجة هو محمول الكبرى.
- (٥) تترجم النتيجة في هذا الشكل عن الضرورة الصورية التي بمقتضاها لا بد من أن تصدر النتيجة عن المقدمات، فما دام الأصغر متضمنًا في ماصدق الأوسط، والأوسط متضمنًا في ماصدق الأكبر، فلا بد من أن يكون الأصغر متضمنًا في الأكبر.٢٣
ثانيًا: الشكل الثاني
- (١)
يجب أن تكون إحدى المقدمتين سالبة.
- (٢)
يجب أن تكون الكبرى كلية.
أما الضروب الأربعة للشكل الثاني فإنه يمكن فهمها إذا أدخلنا الكلمات اللاتينية الأربعة الآتية والتي تشير إلى الضروب الأربعة على التوالي:
ولنضرب بعض الأمثلة على الضروب الأربعة للشكل الثاني
ويمكن صياغة المبدأ الذي تقوم عليه ضروب الشكل الثاني فيما يلي: المعنيان اللذان يكون أحدهما في حالة تقابُل مع ثالث. وثانيهما مساوٍ لهذا الثالث، إذن فالمعنى الأول مقابل للمعنى الثاني.
للشكل الثاني ميزة أساسية وهي: أننا لا نصل فيه إلا إلى نتيجة سالبة فقط، ومن ثم له فائدته لا في إثبات شيء وإنما في رفض شيء، أو تفنيد حجج الخصم، فمثلًا حين تريد أن تعرف ما إذا كان الحوت يدخل في فصيلة السمك نقول:
كل السمك يتنفس بخياشيم، الحوت لا يتنفس بخياشيم، إذن ليس الحوت سمكًا. وبهذا نستبعد الحوت من فصيلة السمك. فإذا أردنا أن نثبت للحوت صفة إيجابية لا نلجأ إلى الشكل الثاني، وإنما إلى الشكل الأول فنقول مثلًا: كل ما يتنفس ثدييٌّ، الحوت يتنفس برئة، إذن الحوت ثدييٌّ.
ثالثًا: الشكل الثالث
- (١)
إيجاب الصغرى وجزئية النتيجة: أي إن المقدمة الصغرى ينبغي أن تكون موجبة، وإن النتيجة ينبغي أن تكون جزئية، وقد سبق أن أثبتنا وجوب إيجاب الصغرى حين كنا نتحدث عن قواعد الشكل الأول، ويبقى أن نثبت وجوب جزئية النتيجة.
- (٢) لما كانت الصغرى موجبة فإن الحد الأصغر سيكون محمولها غير مستغرق، ويجب أن يكون كذلك غير مستغرق في النتيجة، وحين تكون النتيجة لا تستغرق موضوعها يتحتم أن تكون جزئية لا كلية.٢٥
الضروب المنتجة للشكل الثالث ستة، ويسهل صياغتها بالنظر في الكلمات اللاتينية الآتية:
Darapti (1) | Disamis (2) | Datisi (3) |
Felapton (4) | Bocardo (5) | Ferison (6) |
أمثلة الشكل الثالث:
ويلاحظ أن الصورة العامة لجميع هذه الأضرب هي:
مبدأ الشكل الثالث
مميزات الشكل الثالث
-
(١)
نتائج هذا الشكل كلها جزئية، وهي مفيدة حين نريد أن نعترض على قضية كلية ينادي بها الإنسان، لكي نثبت أنها خاطئة تأتي بحالة جزئية تتناقض مع صدق قضيته الكلية.
-
(٢)
الشكل الثالث هو الشكل المناسب لقياس موضوع مقدمته مفرد أو اسم عَلَم، مثال: سقراط حكيم، سقراط فيلسوف، بعض الفلاسفة حكماء.٢٨
رابعًا: الشكل الرابع
وهو الذي يكون الحد الأوسط محمولًا في الكبرى موضوعًا في الصغرى في خمسة أشكال منتجة قوية، وهي:
قواعد الشكل الرابع
-
(١)
إذا كانت المقدمة الكبرى موجبة وجب أن تكون الصغرى كلية، لأنها إذا كانت جزئية تحتم أن تكون الكبرى هي الكلية لامتناع الإنتاج من مقدمتين جزئيتين، وإذا كانت الكبرى موجبة وكلية معًا، فإن محمولها (و) سيكون غير مستغرق، وسيكون موضوع الصغرى (و) غير مستغرق أيضًا؛ لأننا فرضنا أنها جزئية، وإذن يكون (و) — وهو الحد الأوسط — غير مستغرق في المقدمتين معًا.
-
(٢)
إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة وجب أن تكون الكبرى كلية؛ لأنها لو كانت جزئية كان موضوعها (ك) غير مستغرق مع أنه عندئذٍ سيكون محمولًا مستغرقًا في النتيجة السالبة؛ إذ النتيجة لا بد أن تكون سالبة ما دامت إحدى المقدمتين سالبة.
-
(٣)
إذا كانت المقدمة الصغرى موجبة، وجب أن تكون النتيجة جزئية، لأن إيجاب المقدمة الصغرى يجعل محمولها (ص) غير مستغرق، وما دامت (ص) هي موضوع النتيجة لا بد أنه تظل غير مستغرقة هناك أيضًا، ولا يتوافر ذلك إلا إذا كانت النتيجة جزئية٢٩
مميزات الشكل الرابع
-
(١)
يقوم الشكل الرابع على مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد، الذي يطبق فيه على نحو غير مباشر.
-
(٢)
الحد الأصغر هو الأكبر ماصدقًا، ويليه الأوسط، ثم الأكبر. ومن هنا يبدو هذا الشكل غير طبيعي.
-
(٣)
من الصعب أن يفسر هذا الشكل على أساس الماصدق، إلا إذا رُد للشكل الأول. ولكنه يفسر بسهولة على أساس المفهوم.
ش٤-ض١ الضرب الأول:
ويلاحظ أن الصورة العامة لجميع هذه الأضرب هي:
رد القياس
الرد هي تلك العملية التي تعبر عن حجة قياسية معينة في شكل آخر أو ضرب آخر؛ إلا أن هذا المعنى للرد واسع إلى حد بعيد، إذ المقصود هنا بالرد هو التعبير عن جميع ضروب الشكلين الثاني والثالث، وكذلك الشكل الرابع (بالنسبة لمن ميزوا هذا الشكل) بضروب الشكل الأول، وذلك للبرهنة على أن نتائج تلك الأشكال صحيحة عن طريق الشكل الأول.
وهذه العملية التي تبيَّن فيها صحة الأقيسة الناقصة بواسطة الشكل الأول تسمى الرد، وله نوعان كما رأينا: رد مباشر، ورد غير مباشر.
أولًا: فالرد المباشر
ولبيان ذلك نضع أمامنا ترتيب الحدود في صيغ تمثل الأشكال الأربعة، حتى يتسنى لنا المقارنة بينها، وذلك كما يلي:
الشكل الأول – الشكل الثاني – الشكل الثالث – الشكل الرابع.
و ك ك و و ك ك و
ص و ص و وص وص
- (١) أن علينا لكي نحول الشكل الثاني إلى الشكل الأول أن نغير من وضع الحدين الأكبر والأوسط في المقدمة الكبرى بوضع الواحد منهما بدلًا من الآخر (عن طريق العكس المستوي)، طالما أن الشكلين متفقان في ترتيب حدود المقدمة الصغرى.٣٤
- (٢) ولكي نحول الشكل الثالث إلى الشكل الأول، علينا أن نعكس المقدمة الصغرى، طالما أن الشكلين متفقان في ترتيب حدود المقدمة الكبرى.٣٥
- (٣) ولكي نحول الشكل الرابع إلى الشكل الأول، علينا بعكس المقدمتين؛ لأن ترتيب الحدود في مقدمتي الشكل الرابع، على عكس ترتيبها في الشكل الأول.٣٦
وإذا طبقنا هذه الطريقة على الأشكال الناقصة لكان ردها إلى الشكل الأول على الصور التالية:
-
(أ) الشكل الثاني: عرفنا أن الشكل الثاني هو ما يكون فيه الحد
الأوسط محمولًا في المقدمتين. أما الشكل الأول
فهو ما يكون فيه الحد الأوسط موضوعًا في
الكبرى ومحمولًا في الصغرى، ولإدراك الفرق بين
الشكلين نضع صورتها كما يلي:
الشكل الثاني الشكل الأول
ك و و ك
ص و ص و
إذن ص ك إذن ص ك
كل ك و
لا ص و
إذن لا ص ك
بعض و ك
لا ص و
لا ك و
ك ص و
لا و ص
كل ك و
إذن لا ك ص
لا و ص
ك ك و
إذن لا ك ص تعكس إلى لا ص ك
-
(ب) الشكل الثالث: وهو — كما عرفنا — ما يكون فيه الحد الأوسط
موضوعًا في المقدمتين، وللمقارنة بينه وبين
الشكل الأول نضعهما على الوجه التالي:
الشكل الثالث الشكل الأول
و ك و ك
وص ص و
إذن ص ك إذن ص ك
كل و ك
ك و ص
إذن بعض ص ك
فإننا نعكس المقدمة الصغرى «كل و ص» فتصبح «بعض ص و»، ويكون لدينا بذلك القياس التالي:
ك و ص
بعض ص و
إذن ص ك
فإننا لو عكسنا المقدمة الصغرى وهي «ك و ص» لأصبحت «بعض ص و»، ولأصبحت المقدمتان في هذه الحالة جزئيتين، ولا إنتاج من جزئيتين. وهنا تعكس المقدمة الكبرى «بعض و ك» لتصبح «بعض ك و»، ثم نبدل وضع المقدمتين، فيصبح القياس التالي:
كل و ص
بعض ك و
إذن ك ص
وهو قياس من الشكل الأول، إلا أن نتيجته معكوسة الحدين، وإذا قمنا بعكسها عكسًا مستويًا لتصبح «بعض ص ك»، لكانت هذه الأولى، وبذلك تكون نتيجتنا الأصلية في الشكل الثالث صحيحة.
- (ﺟ) الشكل الرابع: الشكل الرابع — كما نعرف — هو ما يكون فيه الحد الأوسط محمولًا في المقدمة الكبرى، وموضوعًا في الصغرى، وللمقارنة بينه وبين الشكل الأول نضعهما معًا على الوجه التالي:
الشكل الرابع الشكل الأول
ك و و ك
و ص ص و
إذن ص ك إذن ص ك
- الأولى: بعكس المقدمتين معًا عكسًا مستويًا.
- الثانية: تبديل وضع المقدمتين دون عكس أي منهما، مع عكس النتيجة المستنبطة.٤٦
لا ك و
ك و ص
إذن ليس بعض ص ك
لا و ك
بعض ص و
إذن ليس بعض ص ك
كل ك و
كل و ص
إذن بعض ص ك
فإننا إذا عكسنا المقدمتين، فتصبحان جزئيتين، إذن فطريقة عكس المقدمتين ستؤدي بنا إلى قياس غير منتج. فلنبدل وضع المقدمتين، ونكمل القياس فيكون لدينا القياس التالي:
كل و ص
كل ك و
إذن ك ص
ثانيًا: الرد غير المباشر
وفيما يلي مثال يوضح ذلك:
افرض أن القياس الذي نشك في صحة نتيجته هو هذا:
ك و
ص و
إذن ص ك
وما دامت المقدمتان مفروضًا فيهما الصدق، فيكون لدينا ثلاث قضايا مفروض فيها الصدق، وهي:
(١) ك و
(٢) ص و
(٣) ص ك
فإننا نحصل على ما يأتي:
ك و
ص ك
إذن ص و
أنواع أخرى من القياس
أولًا: القياس الشرطي
عرضنا فيما سبق الأقيسة التي تتألف مقدماتها ونتائجها من قضايا حملية، ولكنَّ هناك أنوعًا أخرى من الأقيسة تسمى أقيسة شرطية، وهي تلك الأقيسة التي تتألف مقدماتها أو واحد منها على الأقل من قضايا شرطية، المتصلة عن تلك التي تتألف من قضيتين حمليتين مرتبطتين بأداة الشرط «إذا» حملية وشرطية، وتنقسم القضية الشرطية إلى شرطية منفصلة وشرطية متصلة، ينقسم القياس إلى نوعين قياس حملي وقياس شرطي، والقياس الشرطي إلى قياس شرطي متصل وقياس شرطي منفصل.
لكن أول من توسع في الأقيسة الشرطية بنوعيها هم الرواقيون ومن بعدهم المدرسيون، سواء منهم فلاسفة المسلمين أو المسيحيين في العصور الوسطى، ونلاحظ أن الشروط العامة لامتحان صحة القياس الحملي هي نفس الشروط التي نستخدمها لامتحان صحة القياس الشرطي. فننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن نوعي القياس الشرطي.
-
(١)
القياس الشرطي الذي يتألف من شرطيتين متصلتين وهو القياس الشرطي المتصل مثل:إذا طلعت الشمس زقزقت العصافير.وإذا زقزقت العصافير دبت الحياة في الشارع.إذن إذا طلعت الشمس دبت الحياة في الشارع.٥٤
-
(٢)
القياس الشرطي الذي يتألف من قضيتين شرطيتين منفصلتين، وهو القياس الشرطي، مثل:إما أن يكون الكتاب مطبوعًا أو مكتوبًا على الآلة الكاتبة.والمطبوع إما ببنط صغير أو كبير.إذن إما أن يكون الكتاب مكتوبًا على الآلة الكاتبة أو مطبوعًا ببنط صغير أو كبير.٥٥
-
(٣)
وقد يتألف القياس من شرطية متصلة وحملية مثل:
إذا كان الإنسان حرًّا في أفعاله كان مسئولًا عنها.المسئول عن أفعاله يستحق العقوبة عند وقوع المخالفة منه.إذا كان الإنسان حرًّا في أفعاله، استحق العقوبة عند وقوع المخالفة منه.٥٦ -
(٤)
وقد يتألف من شرطيتين منفصلة وحملية مثل:
كل جسم قابل للحركة.كل قابل للحركة إما متحرك بنفسه أو متحرك بغيره.إذن كل جسم إما متحرك بنفسه أو متحرك بغيره.٥٧
وهناك ثانيًا: القياس المقتضب
- (١)
إذا اقتُضِبت المقدمة الكبرى في القياس سُمي قياسًا مقتضبًا من الدرجة الأولى، مثل: مُعَلقة امرئ القيس من الشعر الجاهلي، ولذلك فيها ذكر الطُّلول. ولو أكملنا هذا القياس لقلنا:
كل قصائد الشعر الجاهلي فيها ذكر الطلول.ومُعَلَّقة امرئ القيس من الشعر الجاهلي.إذن مُعَلقة امرئ القيس تذكر الطلول.٥٨
وهناك أنواع أخرى يطول شرحها تكلم عنها مناطقة العرب. ونكتفي بهذا النوع من القياس المقتضب.
وهناك ثالثًا: قياس الإحراج Dilemma
إذا حضر «أواتلوس» هذه القضية، وجب أن يدفع نصف الأجر المؤجل بمقتضى حكم المحكمة. وإذا كسبها وجب أن يدفع بمقتضى اتفاقه معي. لكنه إما أن يخسر هذه القضية أو يكسبها، وإذن فلا بد في كلتا الحالتين أن يدفع القسط المؤجل. فرد التلميذ بالإحراج الآتي: