المبحث الخامس

منطق الاستدلالات غير المباشرة

«الأقيسة»

تعريف القياس

يعد القياس أهم نوع من أنواع الاستدلال الاستنباطي، بل إنه يمثل الركن الرئيسي من أركان المنطق التقليدي، فلا شك في أن نظرية القياس أهم ما أسهم به هذا المنطق — الذي يرتد في النهاية إلى أرسطو — وهذا في مجال الدراسات المنطقية، حيث كانت هذه النظرية هي المقصود الأهم على حد تعبير الساوي.١

والقياس نوع من الاستدلال غير المباشر، لأن الانتقال فيه من المعلوم إلى المجهول يتم بواسطة معينة، إذ لا بد هنا من حد ثالث يربط بين حدين حتى يمكن الوصول إلى نتيجة معينة، وهذا على عكس ما رأيناه في أنواع الاستدلال المباشر.

وقد عرفه أرسطو بقوله: «قول قدم فيه بأشياء معينة، فلزم عنها بالضرورة شيء آخر غير تلك الأشياء.»٢ فالقياس هنا هو قول مركب يتألف من جزأين؛ جزء يشكل لنا ما نقدم به من أشياء، وهو ما يسمى بمقدمات القياس، وجزء آخر يلزم عن هذه المقدمات وهو ما يسمى بنتيجة القياس.٣ فالقياس — حسب التعريف الأرسطي — يتألف من ثلاث قضايا، لا أكثر ولا أقل، بحيث إذا سلمنا بالقضيتين الأولى والثانية لزمت عنهما القضية الثالثة، ونسمي كلًّا من «القضية الأولى والثانية» مقدمةً، «ونسمي الثالثة» نتيجةً، «والنتيجة هي» عبارة «إذا سلمنا بها لها دلالتُها؛ لأنها تعني أنه لا يلزم أن نسلم بالمقدمتين على أنهما صادقتان، أي يعبران عن الواقع في العالم الذي نعيش فيه، فقد تكونان كاذبتين لا تنطبقان على الواقع، ومن ثم لا يهتم القياس ولا يشترط أن تكون المقدمتان صادقتين في الواقع، وإنما يضعهما وضعًا شرطيًّا، أي افتراض أننا سلمنا بأنهما صادقتان وعبارة لزمت عنها» لها دلالتها كذلك؛ لأننا في القياس إذا سلمنا بالمقدمتين كانت النتيجة قضية لازمة لزومًا. والضرورة هنا ضرورة منطقية «والقضية الضرورية منطقيًّا لا يمكن تصور نقيضها»، وبمعنى آخر، إذا كان القياس صحيحًا سليمًا، يترتب على ذلك أنك لا تستطيع أن تغير النتيجة وتضع غيرها إن شئت.٤
ولما كانت كل قضية مؤلفة من حدين، موضوع ومحمول، ولما كان لدينا في القياس مقدمتان، إذن لدينا في المقدمتين أربعة حدود، نلاحظ أن القياس يتألف في الحقيقة من ثلاثة حدود، ومعنى ذلك أن المقدمتين يحويان حدًّا مشتركًا نسميه الحد الأوسط، ونسمي الحدين الآخرين من المقدمتين، حدًّا أكبرَ وحدًّا أصغر، وفي نتيجة القياس لا يظهر الحد الأوسط؛ لأنه يكون قد أدى وظيفته وهي الربط بين الحدين الآخرين من المقدمات، وهما الحدان الأصغر والأكبر. وتحتوي النتيجة على هذين الحدين مرتبطين.٥
تميز الحد الأصغر والأكبر بالنظر في حدي النتيجة: موضوع النتيجة هو الحد الأصغر، ومحمولها هو الحد الأكبر، والمقدمة التي تحوي الحد الأصغر نسميها «المقدمة الصغرى»، والمقدمة التي تحوي الأكبر نسميها «المقدمة الكبرى».٦
خذ مثالًا على الاستدلال القياسي لتوضح ما سبق:

كل واسع الاطلاع منظم التفكير.

كل عالم واسع الاطلاع.

إذن كل عالم منظم التفكير.

القضيتان الأولى والثانية مقدمتا القياس، والقضية الثالثة نتيجة. لا يشترِط القياس أن تكون المقدمتان صادقتين، أي لا يشترط القياس أن يكون كل واسع الاطلاع منظم التفكير، ولا أن يكون كل عالم واسع الاطلاع، قد تكون المقدمتان صادقتين أو كاذبتين، لا يهم القياس صدقهما، وإنما يهمه فقط صحة الاستدلال، أي صحة الانتقال المنطقي من المقدمات إلى النتيجة، ولكنا إذا فرضنا أن المقدمتين صادقتان، فإن النتيجة لازمة لزومًا منطقيًّا، بمعنى أنه لا يمكنك أن تفرض صدق المقدمة الأولى والثانية، ومع ذلك تنكر صحة النتيجة، لا يمكنك أن تقول: إن كل واسع الاطلاع منظم التفكير، وإن كل عالم واسع الاطلاع، ثم تقول: إنه لا عالم منظم التفكير، أو ليس بعض العلماء منظمي التفكير، إن قلت ذلك وقعت في التناقض وهو ما يحرص المنطق على تفاديه وتجنبه.٧
نلاحظ أن المقدمة الأولى تحوي حدين، والثانية تحوي حدين، ولكن حدًّا واحدًا مشتركٌ في المقدمتين وهو «واسع الاطلاع» وذلك نسميه الحد الأوسط، ووظيفته ربط الحدين الآخرين وهما «عالم» و«منظم التفكير» و«النتيجة تحوي هذين الحدين، نسمي أحدهما الحد الأصغر والآخر الحد الأكبر، نميزهما بأن نقول: إن موضوع النتيجة هو الحد الأصغر، ومحمولها هو الحد الأكبر»، «عالم» هو الحد الأصغر و«منظم التفكير» هو الحد الأكبر، و«كل عالم واسع الاطلاع» هي المقدمة الصغرى؛ لأنها تحوي الحد الأصغر، و«كل عالم منظم التفكير» هي المقدمة الكبرى؛ لأنها تحوي الحد الأكبر، ونلاحظ أن الحد الأوسط يغيب في النتيجة.٨

قواعد القياس

هناك ثنتا عشرة قاعدة للقياس الصحيح تكون على النحو التالي:
  • (١)

    لا بد من وجود ثلاث قضايا حملية، لا أكثر ولا أقل.

  • (٢)

    لا بد من وجود ثلاثة حدود، لا أكثر ولا أقل.

  • (٣)

    لا بد من عدم ظهور الحد الأوسط في النتيجة.

  • (٤)

    لا بد من استغراق الحد الأوسط مرة على الأقل في المقدمتين.

  • (٥)

    لا يستغرق حد في النتيجة ما لم يكن مستغرقًا في المقدمتين، حتى لا يتجاوز الحكم فيها.

  • (٦)

    المقدمتان الموجبتان لا تنتجان قضية سالبة؛ بل موجبة، وبالعكس لا تصدر القضية الموجبة إلا عن مقدمتين موجبتين.

  • (٧)

    المقدمتان اللتان إحداهما موجبة والأخرى سالبة لا تنتجان قضية موجبة؛ بل سالبة وبالعكس لا تصدر النتيجة السالبة إلا عن مقدمتين إحداهما سالبة، والأخرى موجبة.

  • (٨)

    لا بد من أن تكون إحدى المقدمتين على الأقل موجبة، إذ لا إنتاج عن سالبتين.

  • (٩)

    لا بد من أن تكون الكبرى كلية إذا كانت الصغرى سالبة.

  • (١٠)

    النتيجة لا تكون كلية إلا إذا كانت المقدمتان كليتين. أما المقدمتان الكليتان فقد تنتجان نتيجة جزئية.

  • (١١)

    لا بد أن تكون إحدى المقدمتين كلية، إذ لا إنتاج عن جزئية.

  • (١٢)

    النتيجة تتبع أخسِّ المقدمتين.

وهذه القواعد يمكن أن نقسمها إلى عدة مجموعات بحسب نوع الشرط المطلوب توافره في القياس من حيث تركيبه، ومن حيث الاستغراق في الحدود، ومن حيث الكم والكيف في القضايا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

أولًا: قواعد التركيب

  • (١) لا بد من وجود ثلاثة حدود، لا أكثر ولا أقل: يجب أن يكون في القياس ثلاثة حدود، هي الأكبر والأوسط والأصغر. وذلك لوجود ثلاث قضايا، كل منها يحتوي على حدين. يرتبط في إحداها الأكبر بالأوسط، ويرتبط في الثانية الأصغر بالأوسط، وفي الثالثة الأصغر بالأكبر، ومعنى ذلك أن كل حد لا يظهر إلا مرتين، ولا بد من أن يكون له في المرتين نفس اللفظ ونفس المعنى. فإذا تغير أحد الحدود في لفظه أو في معناه، وقعنا في أغلوطة الحدود الأربعة، ويلاحظ أنه إذا كان عدد الحدود أقل من ثلاثة، كنا بصدد قياس إضمار أو استدلال مباشر. وإذا كان أكثر من ثلاثة، كنا بصدد قياس فاسد، أو قياس مركب، أو أي نوع آخر من الاستدلال.
  • (٢) لا بد من وجود ثلاث قضايا حملية، لا أكثر ولا أقل: يجب أن يكون هناك ثلاث قضايا حملية بسيطة، هي: المقدمة الكبرى، والمقدمة الصغرى، والنتيجة، حتى نكون بصدد قياس غير محدد النتيجة، أو بصدد قياس إضماري، أضمرت فيه إحدى قضاياه، وإما بصدد استدلال مباشر. وإذا كانت أكثر من ثلاث، فإننا نكون إما بصدد قياس مركب، أو بصدد استدلال شرطي، أو أي نوع آخر من الاستدلال.

ثانيًا: قواعد الاستغراق

  • (١)
    يجب أن يكون الحد الأوسط مستغرقًا مرة واحدة على الأقل في المقدمات؛ لأنه إذا لم يستغرق إلى كل أفراد، فإن من الممكن أن يشير الحد الأوسط في المقدمة الكبرى إلى عدد من الأفراد لا يشير إليها في المقدمة الصغرى، وحينئذٍ لا يقوم الحد الأوسط بوظيفة الربط بين الحدين البعيدين، ومن ثم لا يتم القياس.٩
  • (٢)
    يجب ألا يستغرق حد في النتيجة ما لم يكن مستغرقًا من قبل في مقدمته؛ وذلك لأنه إذا وجد حد مستغرقًا في النتيجة وليس مستغرقًا في مقدمته فمعنى ذلك أننا انتقلنا من حكم على بعض أفراد ذلك الحد إلى حكم على كل أفراد ذلك الحد، وذلك غلط منطقي، وهو الانتقال من الحكم على الجزء إلى الحكم على الكل، فإذا كان بعض الناس علماء لا نستطيع أن نستنتج أن كلهم كذلك، ويجب أن نلاحظ أن عكس هذا الشرط لا يجعل القياس فاسدًا، أي لا يفسد القياس إذا كان حد ما مستغرقًا في المقدمة وليس مستغرقًا في النتيجة.١٠

ثالثًا: قواعد استخلاص النتيجة، وتحديد كيفها وكمها:

  • (١)
    لا إنتاج من سالبتين؛ لأن المقدمتين تفصلان كلًّا من الموضوع والمحمول عن الحد الأوسط، وبهذا لا يستطيع أن يربط الحد الأوسط بين الموضوع والمحمول؛ مثال: الإسبان غير الأتراك، الأتراك غير مسيحيين، لا نستطيع استنتاج أن الإسبان غير مسيحيين.١١
  • (٢)
    لا إنتاج من جزئيتين: ذلك لأن المقدمتين الجزئيتين إما أن تكونا سالبتين أو موجبتين أو أن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فإذا كانت المقدمتان الجزئيتان سالبتين فلا إنتاج طبقًا للقاعدة الخامسة، وإذا كانتا موجبتين فلن يوجد حد مستغرق طبقًا لقواعد الاستغراق، وإذن لن يستغرق الحد الأوسط، وبالتالي يتم الإخلال بالقاعدة الثالثة، وإذا كانت المقدمتان الجزئيتان إحداهما موجبة والثانية سالبة فالنتيجة سالبة، وإذن تستغرق محمولها حسب قواعد الاستغراق، وإذن سيكون لدينا حد واحد مستغرق ونحن نريد حدين مستغرقين في النتيجة والحد الأوسط، وإذن فالقياس فاسد.١٢
  • (٣)
    إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة كانت النتيجة سالبة؛ لأنه إن كانت هناك مقدمة سالبة فإن الحد الأوسط مفصول عن أحد حدي النتيجة، وتبعًا لذلك لا يمكن ربط المحمول والموضوع في النتيجة بالإيجاب؛ وإنما بالسلب.١٣
  • (٤)
    إذا كانت إحدى المقدمتين جزئية كانت النتيجة جزئية، لا يمكن أن تكون النتيجة كلية موجبة أو كلية سالبة؛ لأنه إذا كانت النتيجة كلية موجبة كان موضوعها مستغرقًا، ويلزم أن يكون في المقدمات حدان مستغرقان: الحد الأصغر؛ حسب القاعدة الثالثة، ولكننا سنجد أن المقدمتين فيهما حد واحد مستغرق هو الحد الذي في المقدمة الكلية، ولا نستطيع أن نقول: إن بها حدين مستغرقين؛ لأن إحدى المقدمتين كلية موجبة والثانية سالبة؛ لأنه حينئذٍ ستكون النتيجة سالبة حسب القاعدة السابقة، وهو مخالف للغرض، وهو إيجاب النتيجة، أما إذا كانت النتيجة كلية سالبة، فمعنى ذلك أن المقدمتين كليتان، ولا يمكن أن تكون نتيجة كلية من مقدمتين جزئيتين، ولا من مقدمة كلية وأخرى جزئية، وهذا مخالف للغرض، وهو أن إحدى المقدمتين جزئية.١٤

مبدأ القياس

اعتاد المناطقة التحدث عما يسمونه «مبدأ القياس» وينسبون هذا المبدأ إلى أرسطو الذي كان أول من عبر عنه على صورة يمكننا معها الاستدلال منه على جميع شروط القياس، أعني أننا نستطيع أن نشتق جميع هذه الشروط من هذا المبدأ الذي يطلقون عليه مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد dictum de omni et nullo وهذا المبدأ قد عرفه أرسطو بأنه: ما يحمل إيجابًا أو سلبًا على حد كلي مستغرق قد يحمل على النحو نفسه على كل شيء يندرج تحته، أو باختصار ما يحمل على أفراده، أو ما يحمل على فئة كلية يحمل على كل ما هو عضو في الفئة الكلية سواء كان فئة فرعية أو أفرادًا. وينقسم هذا المبدأ إلى مبدأين:

المبدأ الأول: هو المقول على الكل De omni

ومعناه أن كل ما يثبت على نحو كلي لموضوع أو لكلٍّ يثبت لكل شيء يندرج تحت هذا الموضوع أو ذلك الكل. فما يثبت للجنس حيوان يثبت للنوع إنسان، وما يقال عن النوع يقال على ما يندرج تحته من أفراد. إن ما يثبت بالنسبة لتصور من الممكن أن يثبت لكل فرد من أفراده المكونين للفئة المنطقية التي يخصصها هذا التصور، بشرط أن يكون الموضوع مأخوذًا بمعنى توزيعي، أي أن يكون الموضع مستغرقًا بجميع أفراده في المحمول. وبذلك يكون الحكم على كل فرد من أفراد الإنسان هو حيوان ثديي؛ فالمحمول هنا ينسب إلى الكل، وإلى كل جزء من أجزائه. وذلك بخلاف الموضوع المأخوذ بمعنى جمعي، وفيه المحمول ينتسب إلى الكل، وإلى كل جزء دون أجزائه، كما في قولنا: كل زوايا المثلث تساوي قائمين، فليس هناك زاوية من زوايا المثلث تساوي بمفردها قائمين.

ويلاحظ أن هذا المبدأ هو في الحقيقة القانون الأول أو البديهية الأولى، ولكنه أقل كمالًا وعمومية؛ لأنه لا يراعي إلا التداخل والتضمن مناسبًا ما قد يكون من مساواة تامة، قد يعبر عنها بتضمن مزدوج.

والمبدأ الثاني هو المقول على اللاواحد De nullo

ومعناه أن كل ما ينفى على نحو كلي عن الموضوع، أو عن كلٍّ، ينفى عن كل شيء يندرج تحت هذا الموضوع أو ذلك الكلي. فما يقال سلبًا عن الجنس يقال عن النوع، وما يسلب عن النوع يسلب عن الأفراد. فإذا نفينا أن الناس خالدون بقولنا: لا واحد من الناس بخالد، فمعنى ذلك أن لا فرد من أفراد الإنسان بخالد، فمعنى ذلك أن لا فرد الإنسان من الممكن أن يكون خالدًا. وهنا أيضًا تحمل صفة الخلود سلبًا، وبمعنى توزيعي على أفراد التصور «إنسان»؛ ذلك لأن الصفة التي تحمل بمعنى جمعي على فئة منطقية من الممكن أن تُنفى بدون أن يؤدي ذلك إلى نفيها عن كل واحد من الأفراد المكونين للفئة المنطقية، فإذا قلنا: كل زوايا المثلث لا تساوي أقل من قائمتين، تظل مع ذلك القضية: كل زاوية من زوايا المثلث تساوي أقل من قائمتين، صادقة.

وليس هذا المبدأ إلا القانون الثاني في صورة أقل عمومية، أو ليس هو إلا تطبيقًا جزئيًّا له.

ولكن ينبغي أن نلاحظ أن ما يثبت لجزء من فئة منطقية، أو يُنفى عنها قد لا يثبت أو ينفى عن الفئة بأكملها. وهذا ما يقوم به الاستدلال الاستقرائي، مما يجعل هذا النوع من الاستدلال غيرَ مقنع من وجهة النظر المنطقية.

كما ينبغي أن نلاحظ أن مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد يفترض أن أفراد الفئة المنطقية الفرعية هم بالضرورة أفراد في الفئة الكلية ما داموا أفرادًا في الفئة الفرعية، وهم بالضرورة ليسوا أفرادًا في الفئة الكلية، وهذا ينطوي على مغالطة تجعل منه مصادرة على المطلوب ولا ينطبق إلا على التصنيفات الطبيعية، فأنا قد أكون عضوًا في نادٍ لكرة القدم مثلًا، والنادي الذي أنا عضو فيه قد يكون عضوًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم، فهل أنا عضو في الاتحاد الدولي لكرة القدم حسب القياس الآتي:

كل نادٍ لكرة قدم عضو في الاتحاد الدولي

محمد عضو في نادٍ لكرة القدم

إذن محمد عضو في الاتحاد الدولي

وهذا ما جعل بعض المناطقة يفسرون القياس — كما سبق أن ذكرنا — على نحو مفهومي، محاولين أن يضعوا مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد صياغة مفهومية، ومع ذلك يظل القياس في صورته الأرسطية قائمًا على هذا الفرض، ويظل غير صالح إلا للتصنيفات والتعريفات المناظرة. ويلاحظ أن المقول على الكل وعلى اللاواحد بمبدأيه لا يتحقق على نحو مباشر إلا في الشكل الأول من القياس. وهذا التحقق المباشر يؤكد أن الشكل الأول هو أكمل الأشكال.١٥

أشكال القياس وضروبه

شكل Figure القياس هو صورة القياس كما تتحدد بوضع الحد الأوسط في المقدمتين. فإذا وضعنا في اعتبارنا المقدمتين لنرى الاحتمالات التي يظهر عليها الحد الأوسط فيهما لَرَأينا أنه قد يكون موضوعًا في المقدمة الكبرى ومحمولًا في المقدمة الصغرى، أو قد يكون محمولًا في المقدمتين أو موضوعًا في المقدمتين، أو قد يكون على عكس الحالة الأولى فيكون محمولًا في المقدمة الكبرى وموضوعًا في الصغرى،١٦ وهكذا يكون لدينا أربعة أشكال ممكنة، عددها هو ناتج العملية الرياضية ٢ ٢ = ٢ × ٢ = ٤. فالحد الأوسط يكون:
  • (١)

    إما موضوعًا في الكبرى محمولًا في الصغرى، وهذا هو الشكل الأول.

  • (٢)

    وإما محمولًا في المقدمتين، وهذا هو الشكل الثاني.

  • (٣)

    وإما موضوعًا في المقدمتين. وهذا هو الشكل الثالث.

  • (٤)

    وإما محمولًا في المقدمة الكبرى وموضوعًا في المقدمة الصغرى. وهذا هو الشكل الرابع.

ومن الجدير بالذكر أن الأشكال الثلاثة الأولى من وضع أرسطو، في حين يكون الشكل الرابع، فيما يقول ابن رشد وزاباريلا وصاحبا منطق بور رويال وآخرون، من وضع جالينوس Galen في القرن الثالث الميلادي، الذي أكد أنه شكل طبيعي، وأنه قياس حقيقي يستحق أن يكون له شكل مستقل، له قواعد وضروب خاصة، وقد خالف بذلك أرسطو.
ولقد اختلف الفلاسفة والمناطقة في العصور الوسطى المسيحية والإسلامية في أمر هذا الشكل الرابع، وقليل منهم مَن قَبِله، وكثير منهم من عارضه ورفضه، كابن سينا والغزالي وابن رشد وزاباريلا Zabarella (١٥٣٨م–١٥٧٩م) الذي بيَّن أن مبدأ المقول لا يطبق فيه. ولكن المدرسين منذ القرن الرابع عشر فضلوا أن يتكلموا عن أربعة أشكال، قاصرين الشكل الأول على الأضرب المباشرة أو الكاملة له، باعتبار أن الأضرب غير المباشرة أو غير الكاملة هي الشكل الرابع. ولقد وجد الشكل الرابع قبولًا من بعض المناطقة في عصر النهضة والعصور الحديثة. فقد قبله صاحبا منطق بور رويال على أنه قياس حقيقي، نضطر أحيانًا إلى الاستنتاج بواسطته، وإن كان بطريقة غير طبيعية لا ترتاح إليها النفس، مما جعل أرسطو وأتباعه لا يعتبرونه شكلًا. كما قبله ليبين.١٧
وفي القرنين التاسع عشر والعشرين تعرض الشكل الرابع لهجوم شديد ونقد باطني، ولقد برهن لاشيليه Lachelier على استحالة وجود شكل رابع؛ لأن الأشكال في نظره هي بالضرورة ثلاث (فليس هناك مبدأ رابع ولا شكل رابع، وإنما هناك ضروب غير مباشرة، نصل إليها في الشكل الأول، إما بالعكس المستوي للمقدمات، أو بالعكس المستوي للنتيجة). ولقد تابعه جوبلو في معارضته وإنكاره لهذا الشكل بقوله: «ليس هناك إلا ثلاثة أشكال للقياس الحملي». وقام بالبرهنة على مخالفة الاستنتاج في هذا الشكل لطبيعة البرهنة القياسية التي تبدو معكوسة فيه، مما جعل مناطقة كثيرين — من أمثال طومسون Thomson — في كتابه Laws of Thought، يرفضونه رفضًا باتًّا. وعلى الرغم من ذلك فإننا سنتناول الشكل الرابع إلى جانب الأشكال الثلاثة الأخرى بوصفه الاحتمال الرابع الذي يمكن أن يتخذه وضع الحد الأوسط في المقدمتين.١٨

أضرب القياس المنتجة وغير المنتجة

الضرب Mode أو Modus هو الذي يعين في كل شكل كم وكيف كل من المقدمتين والنتيجة التي تلزم عن اقترانهما، ولما كان القياس مكونًا من ثلاث قضايا، وكل قضية قد تكون إحدى القضايا الأربع: ك م A، ك س E، ج م I، ج س   O، كان هناك إذن أربع قضايا تتبدل في ثلاثة أماكن أي ٤ ٢ = ٤ × ٤ = ٦٤ احتمالًا أو ضربًا ممكنًا في كل شكل.
وتفسير — ذلك كما يذهب الدكتور محمد السرياقوسي في كتابه «التعريف بالمنطق الصوري، ص٢٨٢ وما بعدها» — هو أن كل قضية من القضايا الأربع قد تختار قضية من بينها، بما في ذلك نفسها لتكون مقدمة معها، فيكون لدينا بذلك أربع قضايا × ٤ اختيارات لكلٍّ = ١٦ احتمالًا أو ضربًا مكونة من قضيتين وتختار كل مقدمتين معًا قضية من القضايا الأربع لتكون نتيجة لها، وبذلك يكون لدينا ١٦ × ٤ = ٦٤ احتمالًا أو ضربًا مكونًا من ثلاث قضايا: مقدمتين ونتيجة. وهذا في الشكل الواحد، أي بدون اعتبار وضع الحد الأوسط في المقدمتين، وعلى ذلك يكون لدينا ٦٤ × ٤ = ٢٥٦ ضربًا ممكنًا في جميع الأشكال.١٩

ولكن ليس كل هذه الأضرب أضربًا صحيحة ومنتجة، فبعضها منتج لتوافر شروط الإنتاج، التي تحددها قواعد المجموعة الثانية الأربعة. وبعضها غير منتج لعدم توافر هذه الشروط فيه. وبعضها يأتي بنتيجة صحيحة الصدور عن المقدمات، تتحقق فيها معايير صحة صدور النتيجة، التي تحددها قواعد المجموعة الثالثة والتي تتأكد منها بواسطة قواعد المجموعة الرابعة، وبعضها يأتي بنتيجة غير صحيحة الصدور لعدم توافر صحة صدور النتيجة فيها. فإذا قمنا بإسقاط الأضرب غير المنتجة، والأضرب التي نتيجتها غير صحيحة الصدور، فلا يبقى عندنا في كل شكل إلا أحد عشر ضربًا هي بالترتيب من اليسار إلى اليمين:

(4) EAO (3) EAE (2) AAI (1) AAA
(8) AEO (7) AEE (6) OAO (5) IAI
(11) AOO (10) EIO (9) AII
ولكن هذه الأضرب الصحيحة في جملة الأشكال ليست كلها أضربًا صحيحة في كل شكل على حدة؛ ذلك لأن لكل شكل قواعد خاصة به تسقط بعض هذه الأضرب.٢٠

أولًا: الشكل الأول

للشكل الأول ثلاث قواعد أساسية:
  • (١)

    أن يكون الحد الأوسط موضوعًا في الكبرى، محمولًا في الصغرى.

  • (٢)

    يجب أن تكون المقدمة الصغرى موجبة؛ لأنها إذا كانت سالبة يلزم أن تكون المقدمة الكبرى موجبة طبقًا للقاعدة الخامسة من قواعد القياس، ويلزم أن تكون النتيجة سالبة طبقًا للقاعدة السابعة وإذن يكون الحد الأكبر مستغرقًا؛ لكنه غير مستغرق في المقدمة الكبرى، حيث إنها ستكون كما قلنا موجبة، والموجبة لا تستغرق المحمول، إذن يلزم أن تكون المقدمة الصغرى موجبة.

  • (٣)

    يجب أن تكون المقدمة الكبرى كلية؛ لأنه حيث إن المقدمة الصغرى موجبة حسب الأعمدة الثالثة، إذن لن يستغرق الحد الأوسط الذي هو محمولها، وإذن يجب أن يكون الحد الأوسط مستغرقًا في المقدمة الثانية وهي الكبرى، وحينئذٍ يكون موضوعها، وإذا كانت الكبرى جزئية فإنها لا تستغرق موضوعها طبقًا لقواعد الاستغراق، وحينئذٍ لن يكون الحد الأوسط مستغرقًا في أي المقدمتين ويفسد القياس طبقًا للقاعدة الثالثة من قواعد القياس، يجب إذن أن تكون المقدمة الكبرى كلية.

قلنا من قبل: إن أضرب الشكل الأول أربعة، ولتسهيل تحديد هذه الأضرب قد وضع المناطقة الأوروبيون في العصور الوسطى أربع كلمات لاتينية لا معنى لها، وإنما ترمز إلى تلك الضروب؛ هذه الكلمات هي:

Ferio - Darii - Celarent - Barbara.
الكلمة الأولى ترمز إلى الضرب الأول، والثانية إلى الضرب الثاني، والثالثة إلى الضرب الثالث، والرابعة إلى الضرب الرابع. تؤلف كل ضرب من هذه الكلمات بالنظر في الحروف المتحركة في كل منها على أساس أن الحرف A يدل على الكلية الموجبة، والحرف E يدل على الكلية السالبة، والحرف Y يدل على الجزئية الموجبة، والحرف O يدل على الجزئية السالبة.٢١

ومن ثم تصبح الضروب الأربعة للشكل الأول على النحو التالي:

(1) (2) (3) (4)
A E A E
A A I I
A E I O
ش١-ض١ الضرب الأول Barbara.
كل و هو ك A كل الغربان سوداء
وكل ض هو و A كل أسود مكروه
كل ض هو ك A كل الغربان مكروهة
ش١-ض٢ الضرب الثاني Celarent.
لا واحد من و هو ك E لا عربي استعماري
كل ص هو و A وكل مصري عربي
لا واحد من ص هو ك E لا مصري استعماري
ش١-ض٣ الضرب الثالث Darii.
كل و هو ك A كل إنسان حيوان
بعض ص هو و I بعض الفاني إنسان
بعض ص هو ك I بعض الفاني حيوان
ش١-ض٤ الضرب الرابع Ferio
لا واحد من و هو ك E لا واحد من العرب خائن
بعض ص هو و I بعض الأفريقيين عرب
بعض ص ليس ك O بعض الأفريقيين ليسوا خونة.*
نفسه.

مبدأ الشكل الأول

يقوم القياس في الشكل الأول على البديهيتين الأولى والثانية، فالأضرب الموجبة، التي يكون الحد الأكبر محمولًا بالإيجاب على الأوسط، والأوسط محمولًا بالإيجاب على الأصغر، تعتمد على البديهية الأولى، والأضرب السالبة التي فيها يكون الحد الأكبر محمولًا بالسلب عن الأوسط، والأوسط محمولًا بالإيجاب على الأصغر، تعتمد على البديهية الثانية، وبتعبير آخر يعتمد الشكل الأول على مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد اعتمادًا مباشرًا. فمبدأ الأضرب الموجبة هو المقول على الكل، الذي يقرر: ما يصدق على معنى كلي مستغرق يصدق على كل ما يقال على هذا المعنى، أي يصدق على أي موضوع يندرج تحت هذا المعنى الكلي، أو يدخل في ماصدقه، فيحق حمله عليه، وقد عبر المدرسيون عن هذا المبدأ بقولهم: ما يصدق على التالي يصدق على المقدم، أي ما يصدق على المحمول يصدق على الموضوع. ومبدأ الأضرب السالبة هو مبدأ اللاواحد الذي يقرر أن ما يسلب عن معنى كلي مستغرق يسلب عن كل ما يقال عليه هذا المعنى، أي يسلب عن كل موضوع يندرج تحت هذا المعنى الكلي، أو يدخل في ماصدقه، فلا يحمل عليه إلا سلبًا، ويعبر عنه المدرسيون بقولهم: ما يسلب عن التالي يسلب عن المقدم، أو ما يسلب عن المحمول يسلب عن الموضوع.٢٢

وتطبيق هذا المبدأ تطبيقًا مباشرًا في الشكل الأول هو الذي يحتم أن يكون الحد الأوسط موضوعًا في المقدمة الكبرى، ومحمولًا في المقدمة الصغرى.

مميزات الشكل الأول

اعتبر أرسطو الشكل الأول أكمل الأشكال؛ لأنه يتميز بالميزات الآتية:
  • (١)

    هو الشكل الوحيد من بين أشكال القياس الذي يُنتج لنا أنواعَ القضايا الأربعة جميعًا: الكلية الموجبة، والكلية السالبة، والجزئية الموجبة، والجزئية السالبة، ومن ثم يمكننا استخدامه للوصول إلى أي نتيجة سواء كانت كلية أو جزئية أو موجبة أو سالبة.

  • (٢)

    هو الشكل الوحيد الذي ينتج لنا كلية موجبة كما هو واضح من الضرب الأول، ولهذا فائدته الكبرى؛ لأن البرهان العلمي، وهو الذي يهدف إلى صياغة القوانين والنظريات، يصوغها كلية، وإلا لما كان قانونًا علميًّا أو نظرية.

  • (٣)

    يفسر الشكل الأول بالمفهوم كما يفسر بالماصدق.

  • (٤)

    موضوع النتيجة في الشكل الأول هو موضوع الصغرى، ومحمول النتيجة هو محمول الكبرى.

  • (٥)
    تترجم النتيجة في هذا الشكل عن الضرورة الصورية التي بمقتضاها لا بد من أن تصدر النتيجة عن المقدمات، فما دام الأصغر متضمنًا في ماصدق الأوسط، والأوسط متضمنًا في ماصدق الأكبر، فلا بد من أن يكون الأصغر متضمنًا في الأكبر.٢٣

ثانيًا: الشكل الثاني

أشرنا من قبل إلى أن الشكل الثاني من أشكال القياس هو الذي يكون الحد الأوسط فيه محمولًا في المقدمتين، كما أشرنا إليه أيضًا إلى أنه يتألف من الأربعة ضروب مختلفة من الأربعة ضروب للشكل الأول، نضيف الآن للشكل الثاني قاعدتين أساسيتين هما:
  • (١)

    يجب أن تكون إحدى المقدمتين سالبة.

  • (٢)

    يجب أن تكون الكبرى كلية.

أما الضروب الأربعة للشكل الثاني فإنه يمكن فهمها إذا أدخلنا الكلمات اللاتينية الأربعة الآتية والتي تشير إلى الضروب الأربعة على التوالي:

Baroco, Festino, Camestres, Cesare.

ولنضرب بعض الأمثلة على الضروب الأربعة للشكل الثاني

ش٢-ض١ الضرب الأول Cesare:
لا واحد من ك هو و E لا واحد من الحجر بحيوان.
كل ص هو و A كل إنسان هو حيوان.
لا واحد من ص هو ك E لا واحد من الخالدين بإنسان.
ش٢-ض٢ الضرب الثاني Camestres:
كل ك هو و A كل إنسان حيوان.
لا واحد من ص هو و E لا واحد من الخالدين بحيوان.
لا واحد من ص هو ك E لا واحد من الخالدين بإنسان.
ش٢ ض٣ الضرب الثالث Festino:
لا واحد من ك هو و E لا واحد من الخونة بعربي.
بعض ص هو و I بعض من يتكلم الفرنسية عربي.
بعض ص ليس هو ك O بعض من يتكلم الفرنسية ليس من الخونة.
ش٢-ض٤ الضرب الرابع Baroco:
كل ك هو و A كل جزائري مسلم.
بعض ص ليس هو و O بعض من يتكلم الفرنسية ليس بمسلم.
بعض ص ليس هو ك O بعض من يتكلم الفرنسية ليس جزائريًّا.٢٤

ويمكن صياغة المبدأ الذي تقوم عليه ضروب الشكل الثاني فيما يلي: المعنيان اللذان يكون أحدهما في حالة تقابُل مع ثالث. وثانيهما مساوٍ لهذا الثالث، إذن فالمعنى الأول مقابل للمعنى الثاني.

للشكل الثاني ميزة أساسية وهي: أننا لا نصل فيه إلا إلى نتيجة سالبة فقط، ومن ثم له فائدته لا في إثبات شيء وإنما في رفض شيء، أو تفنيد حجج الخصم، فمثلًا حين تريد أن تعرف ما إذا كان الحوت يدخل في فصيلة السمك نقول:

كل السمك يتنفس بخياشيم، الحوت لا يتنفس بخياشيم، إذن ليس الحوت سمكًا. وبهذا نستبعد الحوت من فصيلة السمك. فإذا أردنا أن نثبت للحوت صفة إيجابية لا نلجأ إلى الشكل الثاني، وإنما إلى الشكل الأول فنقول مثلًا: كل ما يتنفس ثدييٌّ، الحوت يتنفس برئة، إذن الحوت ثدييٌّ.

ثالثًا: الشكل الثالث

قلنا من قبل: إننا نستطيع تمييز الشكل الثالث من غيره من أشكال القياس الأخرى، بأن يكون الحد الأوسط موضوعًا في المقدمتين، كما أشرنا إلى أن لهذا الشكل ستة ضروب، نضيف الآن أن للشكل الثالث قاعدتين أساسيتين:
  • (١)

    إيجاب الصغرى وجزئية النتيجة: أي إن المقدمة الصغرى ينبغي أن تكون موجبة، وإن النتيجة ينبغي أن تكون جزئية، وقد سبق أن أثبتنا وجوب إيجاب الصغرى حين كنا نتحدث عن قواعد الشكل الأول، ويبقى أن نثبت وجوب جزئية النتيجة.

  • (٢)
    لما كانت الصغرى موجبة فإن الحد الأصغر سيكون محمولها غير مستغرق، ويجب أن يكون كذلك غير مستغرق في النتيجة، وحين تكون النتيجة لا تستغرق موضوعها يتحتم أن تكون جزئية لا كلية.٢٥

الضروب المنتجة للشكل الثالث ستة، ويسهل صياغتها بالنظر في الكلمات اللاتينية الآتية:

Darapti (1) Disamis (2) Datisi (3)
Felapton (4) Bocardo (5) Ferison (6)

أمثلة الشكل الثالث:

ش٣-ض١ الضرب الأول Darapti
كل و هو ك A كل إنسان فانٍ
كل و هو ص A كل إنسان مفكر
بعض ص هو ك I بعض المفكرين فانون
ش٣-ض٢ الضرب Felapton
لا واحد و هو ك E لا واحد من العرب خائن.
كل و هو ص A كل العرب يؤمنون بالقيم.
بعض ص ليس هو ك O بعض من يؤمنون بالقيم ليس خائنًا.
ش٣-ض٣ الضرب الثالث Disamis
بعض و هو ك I بعض الفلاسفة مثاليون.
كل و هو ص A كل الفلاسفة حكماء.
بعض ص هو ك I بعض الحكماء مثاليون
ش٣-ض٤ الضرب الرابع Datisi
كل و هو ك I كل العرب أحرار.
بعض و هو ص I بعض العرب يتكلم الفرنسية.
بعض ص هو ك I بعض من يتكلم الفرنسية حر.
ش٣-ض٥ الضرب الخامس Bocardo
بعض و ليس ك O بعض الطلبة ليس ذكيًّا.
كل و هو ص A كل الطلبة يدرسون.
بعض ص ليس هو ك O بعض من يدرسون ليس ذكيًّا.
ش٣-ض٦ الضرب السادس Ferison
لا واحد من و هو ك E لا واحد من الناس خالد.
بعض و هو ص I بعض الناس يعيشون طويلًا.
بعض ص ليس هو ك O بعض من يعيشون طويلًا ليس خالدًا.

ويلاحظ أن الصورة العامة لجميع هذه الأضرب هي:

و هو ك
و هو ص
ص هو ك.٢٦

مبدأ الشكل الثالث

نلاحظ أن الشكل يحوي ثلاثة ضروب موجبة، وثلاثة ضروب سالبة، للضروب الموجبة مبدأ هو «حين يُحمل حدان على شيء ثالث بالإيجاب، يمكن أن يحمل أحدهما على الآخر جزئيًّا»، أما مبدأ الضروب السالبة فهو «إذا كان أحد الحدين منفيًّا والآخر مثبتًا بالنسبة إلى شيء ثالث، فيمكن أن ينتفي الواحد عن الآخر جزئيًّا.»٢٧

مميزات الشكل الثالث

  • (١)

    نتائج هذا الشكل كلها جزئية، وهي مفيدة حين نريد أن نعترض على قضية كلية ينادي بها الإنسان، لكي نثبت أنها خاطئة تأتي بحالة جزئية تتناقض مع صدق قضيته الكلية.

  • (٢)
    الشكل الثالث هو الشكل المناسب لقياس موضوع مقدمته مفرد أو اسم عَلَم، مثال: سقراط حكيم، سقراط فيلسوف، بعض الفلاسفة حكماء.٢٨

رابعًا: الشكل الرابع

وهو الذي يكون الحد الأوسط محمولًا في الكبرى موضوعًا في الصغرى في خمسة أشكال منتجة قوية، وهي:

AAI AEE, IAI EAO, EIO.

قواعد الشكل الرابع

  • (١)

    إذا كانت المقدمة الكبرى موجبة وجب أن تكون الصغرى كلية، لأنها إذا كانت جزئية تحتم أن تكون الكبرى هي الكلية لامتناع الإنتاج من مقدمتين جزئيتين، وإذا كانت الكبرى موجبة وكلية معًا، فإن محمولها (و) سيكون غير مستغرق، وسيكون موضوع الصغرى (و) غير مستغرق أيضًا؛ لأننا فرضنا أنها جزئية، وإذن يكون (و) — وهو الحد الأوسط — غير مستغرق في المقدمتين معًا.

  • (٢)

    إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة وجب أن تكون الكبرى كلية؛ لأنها لو كانت جزئية كان موضوعها (ك) غير مستغرق مع أنه عندئذٍ سيكون محمولًا مستغرقًا في النتيجة السالبة؛ إذ النتيجة لا بد أن تكون سالبة ما دامت إحدى المقدمتين سالبة.

  • (٣)
    إذا كانت المقدمة الصغرى موجبة، وجب أن تكون النتيجة جزئية، لأن إيجاب المقدمة الصغرى يجعل محمولها (ص) غير مستغرق، وما دامت (ص) هي موضوع النتيجة لا بد أنه تظل غير مستغرقة هناك أيضًا، ولا يتوافر ذلك إلا إذا كانت النتيجة جزئية٢٩

مميزات الشكل الرابع

  • (١)

    يقوم الشكل الرابع على مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد، الذي يطبق فيه على نحو غير مباشر.

  • (٢)

    الحد الأصغر هو الأكبر ماصدقًا، ويليه الأوسط، ثم الأكبر. ومن هنا يبدو هذا الشكل غير طبيعي.

  • (٣)

    من الصعب أن يفسر هذا الشكل على أساس الماصدق، إلا إذا رُد للشكل الأول. ولكنه يفسر بسهولة على أساس المفهوم.

أمثلة على الشكل الرابع:

ش٤-ض١ الضرب الأول:

كل ك هو و A كل إنسان حيوان.
وكل و هو ص A وكل حيوان فانٍ.
بعض ص هو ك I بعض الفاني إنسان.
ش٤-ض١ الضرب الثاني Camenes:
كل ك هو و A كل العرب كُرماء.
لا واحد من و هو ص E لا واحد من الكرماء يهودي.
لا واحد من ص هو ك E لا واحد من اليهود عربي.
ش٤-ضرب٣ الضرب الثالث Dimaris:
بعض ك هو و I بعض المجهولين علماء
كل و هو ص A وكل العلماء عظماء
بعض ص هو ك I بعض العلماء مجهولون
ش٤-ض٤ الضرب الرابع Fesapo:
لا واحد من ك هو و A لا واحد من الطير له شعر.
وكل و هو ص A كل ما له شعر حيوان.
بعض ص ليس هو ك O بعض الحيوان ليس من الطير.
ش٤-ض٥ الضرب الخامس Ferison:
لا واحد من ك هو و E لا واحد من الثدييات يبيض.
بعض و هو ص I بعض ما يبيض يسير على رجلين.
بعض ص ليس هو ك O بعض ما يسير على رجلين ليس من الثدييات.

ويلاحظ أن الصورة العامة لجميع هذه الأضرب هي:

ك هو و
و هو ص
ص هو ك٣٠

رد القياس

الرد هي تلك العملية التي تعبر عن حجة قياسية معينة في شكل آخر أو ضرب آخر؛ إلا أن هذا المعنى للرد واسع إلى حد بعيد، إذ المقصود هنا بالرد هو التعبير عن جميع ضروب الشكلين الثاني والثالث، وكذلك الشكل الرابع (بالنسبة لمن ميزوا هذا الشكل) بضروب الشكل الأول، وذلك للبرهنة على أن نتائج تلك الأشكال صحيحة عن طريق الشكل الأول.

والسبب في ذلك أن أرسطو — وأتباعه — كان يعد الشكل الأول وحده الشكل الكامل — كما عرفنا — لأن مقالة الكل واللاواحد — التي تعد أساس الاستدلال القياسي — تنطبق عليه انطباقًا مباشرًا، فهو إذن الشكل الصحيح الكامل، وجميع نتائجه ضرورية تمامًا بحيث لا تحتاج إلى أي دليل وبرهان، بينما الأشكال الأخرى وضروبها، مع أن نتائجها صحيحة، إلا أنها ليست يقينية بشكل كامل وفي حاجة إلى البرهنة على صحة نتائجها عن طريق الشكل اليقيني الكامل، وهو الشكل الأول. ومن هنا كان الرد إلى الشكل الأول ضروريًّا لإقامة صحة أي قياس من أقيسة جميع الأشكال الأخرى.٣١
فقد فرق أرسطو بين الأقيسة الصحيحة فقط وبين الأقيسة الكاملة، ففي هذه الأخيرة تظهر ضرورة الاستدلال بوضوح من المقدمات كما هي في وضعها الذي هي فيه، بينما الأولى تحتاج إلى شيء من التعديل حتى تظهر ضرورة الاستدلال بوضوح، والشكل الأول هو الكامل، بينما الشكلان الثاني والثالث ناقصان، فإن صحتها، ولو أنها حقيقة، فإنها في حاجة إلى أن يبرهن عليها بواسطة الشكل الأول، عن طريق العكس المستوي لإحدى المقدمتين في القياسين الناقصين. يبين أن من الممكن إيجاد قياس من الشكل الأول؛ إما بالنتيجة عنها، أو بأخرى يمكن أن نستخلص منها النتيجة الأصلية بواسطة العكس، وفي الحالة التي لا تصلح فيها هذه الطريقة للرد، نلجأ إلى طريقة غير مباشرة بأن نثبت في قياس من الشكل الأول أن كذب النتيجة يتعارض ومدى صدق المقدمات في كل شكل من الشكلين الناقصين.٣٢

وهذه العملية التي تبيَّن فيها صحة الأقيسة الناقصة بواسطة الشكل الأول تسمى الرد، وله نوعان كما رأينا: رد مباشر، ورد غير مباشر.

أولًا: فالرد المباشر

ويتم بواسطة القياس المراد البرهنة على صحته إلى قياس من الشكل الأول عن طريق إعادة ترتيب الحدود، أو تغيير موضعها في المقدمتين حتى تصبح مرتبة على النحو الذي ترد عليه في الشكل الأول.٣٣

ولبيان ذلك نضع أمامنا ترتيب الحدود في صيغ تمثل الأشكال الأربعة، حتى يتسنى لنا المقارنة بينها، وذلك كما يلي:

الشكل الأول – الشكل الثاني – الشكل الثالث – الشكل الرابع.

و ك ك و و ك ك و

ص و ص و وص وص

بمقارنة الصيغ الأربع السابقة يتضح:
  • (١)
    أن علينا لكي نحول الشكل الثاني إلى الشكل الأول أن نغير من وضع الحدين الأكبر والأوسط في المقدمة الكبرى بوضع الواحد منهما بدلًا من الآخر (عن طريق العكس المستوي)، طالما أن الشكلين متفقان في ترتيب حدود المقدمة الصغرى.٣٤
  • (٢)
    ولكي نحول الشكل الثالث إلى الشكل الأول، علينا أن نعكس المقدمة الصغرى، طالما أن الشكلين متفقان في ترتيب حدود المقدمة الكبرى.٣٥
  • (٣)
    ولكي نحول الشكل الرابع إلى الشكل الأول، علينا بعكس المقدمتين؛ لأن ترتيب الحدود في مقدمتي الشكل الرابع، على عكس ترتيبها في الشكل الأول.٣٦

وإذا طبقنا هذه الطريقة على الأشكال الناقصة لكان ردها إلى الشكل الأول على الصور التالية:

  • (أ) الشكل الثاني: عرفنا أن الشكل الثاني هو ما يكون فيه الحد الأوسط محمولًا في المقدمتين. أما الشكل الأول فهو ما يكون فيه الحد الأوسط موضوعًا في الكبرى ومحمولًا في الصغرى، ولإدراك الفرق بين الشكلين نضع صورتها كما يلي:

    الشكل الثاني الشكل الأول

    ك و و ك

    ص و ص و

    إذن ص ك إذن ص ك

وهنا يلاحظ أستاذنا الدكتور «حسن عبد الحميد» أن المقدمة الصغرى متفقة مع نظيرتها في الشكل الأول، وكل الاختلاف هنا إنما هو اختلاف في وضع حدود المقدمة الكبرى، فإذا قمنا بعكس المقدمة الكبرى في الشكل الثاني عكسًا مستويًا، لاتخذ الشكل الثاني في هذه الحالة صورة الشكل الأول، ثم نقوم باستنباط النتيجة لنرى ما إذا كانت واحدة، أم أنها تغيرت بعد العكس، فإذا ظلت بدون تغيير كانت النتيجة صحيحة والشكل الثاني عن طريق البرهنة عليها من الشكل الأول، وهنا نلاحظ أن عملية العكس لا تؤثر في صدق القياس؛ لأن قضية العكس تعادل القضية الأصلية.٣٧
والآن إذا كان لدينا القياس التالي من الشكل الثاني:

لا ك و

كل ص و

إذن لا ص ك٣٨
فإننا لكي نرده إلى الشكل الأول لنبرهن على صحة نتيجته، نقوم بعكس المقدمة الكبرى عكسًا مستويًا. والمقدمة الكبرى هنا كلية سالبة. فتصبح بعد عكسها كلية سالبة كما هي، ونعيد صياغة القياس بعد هذا العكس فيصبح على الوجه التالي:

لا و ك

ك ص و

إذن لا ص ك٣٩
وها نحن وصلنا إلى قياس من الشكل الأول فيه الحد الأوسط موضوعًا في الكبرى، ومحمولًا في الصغرى. ويلاحظ بعض الباحثين أن نتيجة القياس هنا هي نفس النتيجة الأصلية في الشكل الثاني، فيكون القياس الأصلي إذن صحيحًا عن طريق الشكل الأول، وبذلك نكون قد برهنا على القياس السابق من الشكل الثاني برَدِّه إلى الشكل الأول.٤٠
إلا أننا لا نستطيع في بعض ضروب هذا الشكل أن نصل إلى صورة الشكل الأول بمجرد عكس المقدمة الكبرى، لأننا لو قمنا بذلك لخالفنا قاعدة من قواعد القياس، أو إحدى قواعد الشكل الأول فيكون لدينا مثلًا القياس التالي:

كل ك و

لا ص و

إذن لا ص ك

فإذا عكسنا المقدمة الكبرى، وهي هنا كلية موجبة، وبذلك تكون المقدمتان – بعد هذا العكس – على الصورة التالية:

بعض و ك

لا ص و

ومن الواضح عدم إمكان استخراج نتيجة من هاتين المقدمتين، لأن المقدمة الكبرى جزئية، في حين أن من شروط الشكل الأول أن تكون الثالثة من القواعد اللازمة عن قواعد القياس الرئيسية، وهي القاعدة القائلة: لا إنتاج من مقدمة كبرى جزئية، وصغرى سالبة، إذن، فعكس المقدمة الكبرى لا يؤدي بنا إلى إتمام عملية الرد.٤١
وهنا نلجأ إلى تبديل وضع المقدمتين، فنضع الكبرى مكان الصغرى، والصغرى مكان الكبرى على الوجه التالي:

لا ك و

ك ص و

ثم نقوم بعكس المقدمة الكبرى التي لا بد أن نعاملها الآن معاملة الكبرى. وهذه المقدمة كلية سالبة تُعكس إلى كلية سالبة، فيصبح القياس بعد هذه العملية على الوجه التالي:

لا و ص

كل ك و

إذن لا ك ص

وهنا يلاحظ أستاذنا الدكتور «حسن عبد الحميد» أننا قد وصلنا إلى قياس من الشكل الأول، فالحد الأوسط موضوع في الكبرى (التي هي في الأصل صغرى) ومحمول في الصغرى (التي هي في الأصل كبرى). إلا أن النتيجة في هذا القياس معكوسة الحدين، لأن الحد الأكبر موضوعها، والحد الأصغر محمولها، ولقد جاء هذا بالطبع من تبديل وضع المقدمتين. ولا بد من تعديل الحدين في النتيجة حتى يأخذ كل حد وضعه الصحيح فنلجأ مرة أخرى إلى عكس النتيجة عكسًا مستويًا، فيصبح القياس كالآتي:

لا و ص

ك ك و

إذن لا ك ص تعكس إلى لا ص ك

فيكون لدينا نفس النتيجة الأصلية في الشكل الثاني، ونكون بذلك قد برهنا على صحتها برد هذا القياس إلى الشكل الأول.٤٢
وهكذا نلاحظ أن رد القياس من الشكل الثاني إلى الشكل الأول ردًّا مباشرًا يتم بعكس المقدمة الكبرى، وإذا لم تصلح هذه العملية فإننا نبدل وضع المقدمتين، ثم نعكس المقدمة الصغرى التي تأخذ مكان الكبرى إلى قياس غير منتج، عكسنا المقدمة الصغرى، ثم نبدل وضع المقدمتين ونستخرج النتيجة، ثم نقوم بعكسها عكسًا مستويًا. وبوجه عام فإن تبديل وضع المقدمتين — في أي شكل من الأشكال المراد رده — يكون بالطريقة غير المباشرة.٤٣
  • (ب) الشكل الثالث: وهو — كما عرفنا — ما يكون فيه الحد الأوسط موضوعًا في المقدمتين، وللمقارنة بينه وبين الشكل الأول نضعهما على الوجه التالي:

    الشكل الثالث الشكل الأول

    و ك و ك

    وص ص و

    إذن ص ك إذن ص ك

وهنا يلاحظ أستاذنا الدكتور «حسن عبد الحميد» أن الاختلاف بين الشكلين لا يكون إلا في المقدمة الصغرى، فنقوم بنفس ما قمنا به في الشكل الثاني، وكل ما هنالك أن نبدأ هنا بالصغرى، وليس بالكبرى، فنقوم بعكس المقدمة الصغرى عكسًا مستويًا، فيأخذ القياس صورة الشكل الأول، ولكن إذا وصلنا بتلك العملية إلى قياس غير منتج، بدلنا وضع المقدمتين، ثم عكسنا المقدمة الكبرى التي تكون في موضع الصغرى، ثم نستنتج النتيجة، ونقوم بعكسها عكسًا مستويًا، أو إذا وصلنا بعملية عكس المقدمة الصغرى إلى قياس غير منتج، عكسنا المقدمة الكبرى، ثم نبدل وضع المقدمتين ونستخرج النتيجة، ونقوم بعكسها.٤٤
فإذا كان لدينا القياس التالي:

كل و ك

ك و ص

إذن بعض ص ك

فإننا نعكس المقدمة الصغرى «كل و ص» فتصبح «بعض ص و»، ويكون لدينا بذلك القياس التالي:

ك و ص

بعض ص و

إذن ص ك

فإننا لو عكسنا المقدمة الصغرى وهي «ك و ص» لأصبحت «بعض ص و»، ولأصبحت المقدمتان في هذه الحالة جزئيتين، ولا إنتاج من جزئيتين. وهنا تعكس المقدمة الكبرى «بعض و ك» لتصبح «بعض ك و»، ثم نبدل وضع المقدمتين، فيصبح القياس التالي:

كل و ص

بعض ك و

إذن ك ص

وهو قياس من الشكل الأول، إلا أن نتيجته معكوسة الحدين، وإذا قمنا بعكسها عكسًا مستويًا لتصبح «بعض ص ك»، لكانت هذه الأولى، وبذلك تكون نتيجتنا الأصلية في الشكل الثالث صحيحة.

وإذا فشلنا في رد القياس من الشكل الثالث بالطريقة السابقة لجأنا إلى طريقة الرد غير المباشر.٤٥
  • (ﺟ) الشكل الرابع: الشكل الرابع — كما نعرف — هو ما يكون فيه الحد الأوسط محمولًا في المقدمة الكبرى، وموضوعًا في الصغرى، وللمقارنة بينه وبين الشكل الأول نضعهما معًا على الوجه التالي:

الشكل الرابع الشكل الأول

ك و و ك

و ص ص و

إذن ص ك إذن ص ك

ومن الملاحظ أن مواضع الحدود في كل من مقدمتيهما مختلفة. ومن هنا كان رد القياس من الشكل الرابع إلى الأول، يتم بإحدى الطريقتين التاليتين:
  • الأولى: بعكس المقدمتين معًا عكسًا مستويًا.
  • الثانية: تبديل وضع المقدمتين دون عكس أي منهما، مع عكس النتيجة المستنبطة.٤٦
وبعض ضروب هذا الشكل ترد بالطريقة الأولى، وبعضها بالطريقة الثانية، فإذا كان لدينا القياس التالي:

لا ك و

ك و ص

إذن ليس بعض ص ك

فإننا إذا قمنا بعكس كل من المقدمتين لكان لدينا القياس التالي:

لا و ك

بعض ص و

إذن ليس بعض ص ك

فنحن قد وصلنا إلى قياس من الشكل الأول، نتيجته هي نفس النتيجة التي كانت لدينا في الشكل الرابع، وعلى ذلك يكون القياس صحيحًا من طريق رده إلى الشكل الأول.٤٧
وإذا كان لدينا القياس التالي:

كل ك و

كل و ص

إذن بعض ص ك

فإننا إذا عكسنا المقدمتين، فتصبحان جزئيتين، إذن فطريقة عكس المقدمتين ستؤدي بنا إلى قياس غير منتج. فلنبدل وضع المقدمتين، ونكمل القياس فيكون لدينا القياس التالي:

كل و ص

كل ك و

إذن ك ص

وها نحن قد وصلنا إلى قياس من الشكل الأول، إلا أن حدود النتيجة معكوسة، فنعكس هذه النتيجة فيكون لدينا النتيجة التالية: «بعض ص ك»، وهي نفس النتيجة الأصلية في قياس الشكل الرابع الذي قمنا برده إلى الشكل الأول، فيكون إذن قياسًا صحيحًا.٤٨

ثانيًا: الرد غير المباشر

وذلك يكون بإقامة البرهان — بواسطة قياس من الشكل الأول، الذي لا خلاف على صحة الاستدلال به — إقامة البرهان على أننا فرضنا بطلان النتيجة التي نصل إليها بواسطة قياس من الأشكال الثلاثة الأخرى، كان ذلك متناقضًا مع افتراضنا صحة المقدمتين، وإذن فلا مفر من التسليم بصحة النتيجة التي كنا فرضنا بطلانها بادئ ذي بدء، وتعرف هذه العملية باسم برهان الخلف، وهو برهان اتبعه «إقليدس» في هندسته.٤٩

وفيما يلي مثال يوضح ذلك:

افرض أن القياس الذي نشك في صحة نتيجته هو هذا:

ك و

ص و

إذن ص ك

فنقول: لو كانت هذه النتيجة باطلة كان نقيضها صوابًا، وهذا النقيض هو الموجبة الكلية: «ص ك».٥٠

وما دامت المقدمتان مفروضًا فيهما الصدق، فيكون لدينا ثلاث قضايا مفروض فيها الصدق، وهي:

(١) ك و

(٢) ص و

(٣) ص ك

ولما كنا نستطيع أن نضم القضية الأولى والقضية الثالثة من هذه القضايا الثلاثة السالفة في قياس من الشكل الأول (تكون «ك» حده الأوسط).٥١

فإننا نحصل على ما يأتي:

ك و

ص ك

إذن ص و

ويقول أستاذنا الدكتور «محمد مهران»: «غير أننا نلاحظ أن هذه النتيجة التي انتهينا إليها، والتي نزعم الآن صدقها تناقض قضية كنا قد بدأنا بافتراض صدقها، وهي المقدمة «ص و». ولما كان اجتماع النقيضين في الصدق محالًا، كانت هذه النتيجة التي وصلنا إليها في النهاية باطلة؛ نشأ بطلانها من أننا أحللنا «ص و» الكاذبة مكان نقيضها «ص و» التي لا بد أن تكون صادقة.»٥٢

أنواع أخرى من القياس

أولًا: القياس الشرطي

عرضنا فيما سبق الأقيسة التي تتألف مقدماتها ونتائجها من قضايا حملية، ولكنَّ هناك أنوعًا أخرى من الأقيسة تسمى أقيسة شرطية، وهي تلك الأقيسة التي تتألف مقدماتها أو واحد منها على الأقل من قضايا شرطية، المتصلة عن تلك التي تتألف من قضيتين حمليتين مرتبطتين بأداة الشرط «إذا» حملية وشرطية، وتنقسم القضية الشرطية إلى شرطية منفصلة وشرطية متصلة، ينقسم القياس إلى نوعين قياس حملي وقياس شرطي، والقياس الشرطي إلى قياس شرطي متصل وقياس شرطي منفصل.

لم يقسم أرسطو هذا التقسيم للأقيسة إلى حملية وشرطية على النحو السابق، وإنما أشار إلى نوع من الأقيسة التي يكون صدق نتائجها متوقفًا على صدق مقدماتها، ويتوقف صدق مقدماتها على صدق المقدم في تلك المقدمات، المقدم هو الشق الأول من القضية الشرطية، والتالي هو الشق الثاني من هذه القضية، فمثلًا إذا كانت أ هي ب فإن ج هي د: يسمى «أ هي ب» مقدم القضية الشرطية، و«ج هي د» هي التالي، ما أشار إليه أرسطو في الأقيسة الشرطية هو نوع مثل القياس الشرطي المتصل السابق ذكره، ويقول: إن علينا أن نبرهن أولًا أن أ هي ب فإذا تم ذلك كأننا أثبتنا أن ج هي د، ومن ثم أثبتنا النتيجة في هذا النوع من القياس.٥٣

لكن أول من توسع في الأقيسة الشرطية بنوعيها هم الرواقيون ومن بعدهم المدرسيون، سواء منهم فلاسفة المسلمين أو المسيحيين في العصور الوسطى، ونلاحظ أن الشروط العامة لامتحان صحة القياس الحملي هي نفس الشروط التي نستخدمها لامتحان صحة القياس الشرطي. فننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن نوعي القياس الشرطي.

  • (١)
    القياس الشرطي الذي يتألف من شرطيتين متصلتين وهو القياس الشرطي المتصل مثل:
    إذا طلعت الشمس زقزقت العصافير.
    وإذا زقزقت العصافير دبت الحياة في الشارع.
    إذن إذا طلعت الشمس دبت الحياة في الشارع.٥٤
  • (٢)
    القياس الشرطي الذي يتألف من قضيتين شرطيتين منفصلتين، وهو القياس الشرطي، مثل:
    إما أن يكون الكتاب مطبوعًا أو مكتوبًا على الآلة الكاتبة.
    والمطبوع إما ببنط صغير أو كبير.
    إذن إما أن يكون الكتاب مكتوبًا على الآلة الكاتبة أو مطبوعًا ببنط صغير أو كبير.٥٥
  • (٣)

    وقد يتألف القياس من شرطية متصلة وحملية مثل:

    إذا كان الإنسان حرًّا في أفعاله كان مسئولًا عنها.
    المسئول عن أفعاله يستحق العقوبة عند وقوع المخالفة منه.
    إذا كان الإنسان حرًّا في أفعاله، استحق العقوبة عند وقوع المخالفة منه.٥٦
  • (٤)

    وقد يتألف من شرطيتين منفصلة وحملية مثل:

    كل جسم قابل للحركة.
    كل قابل للحركة إما متحرك بنفسه أو متحرك بغيره.
    إذن كل جسم إما متحرك بنفسه أو متحرك بغيره.٥٧

وهناك ثانيًا: القياس المقتضب

المقصود بالقياس المقتضب هو القياس الذي أُضمرت إحدى مقدماته أو نتيجته؛ بحيث يكون الجزء المضمر أو المحذوف مفهومًا ضمنًا، والواقع أن هذا اللون من القياس هو المألوف لنا في حياتنا اليومية. وهو كثيرًا ما يؤدي إلى الخطأ؛ لأن حذف جزء من القياس يجعل الخطأ أسهل على السامع مما لو ذكر القياس كله، وهو على أنواع:
  • (١)

    إذا اقتُضِبت المقدمة الكبرى في القياس سُمي قياسًا مقتضبًا من الدرجة الأولى، مثل: مُعَلقة امرئ القيس من الشعر الجاهلي، ولذلك فيها ذكر الطُّلول. ولو أكملنا هذا القياس لقلنا:

    كل قصائد الشعر الجاهلي فيها ذكر الطلول.
    ومُعَلَّقة امرئ القيس من الشعر الجاهلي.
    إذن مُعَلقة امرئ القيس تذكر الطلول.٥٨

وهناك أنواع أخرى يطول شرحها تكلم عنها مناطقة العرب. ونكتفي بهذا النوع من القياس المقتضب.

وهناك ثالثًا: قياس الإحراج Dilemma

قياس الإحراج نوع من البرهان يريد به الإنسان إفحام الخصم بإلزامه باختيار أحد أمرين كلاهما لا يرضاه، ومن ثم يتورط الخصم في أقواله: يتألف قياس الإحراج من مقدمتين ونتيجة، المقدمة الأولى تشتمل على قضيتين شرطيتين متصلتين ترتبطان برباط العطف، والثانية شرطية منفصلة، والمقدمة الثانية تنفي إثباتًا للمقدمتين في المقدمة الأولى نفيًا للتاليين فيها، مثال:
إذا حاربتم هلكتم بنيران العدو، وإذا تقهقرتم هلكتم غرقًا.
ولكنكم إما أن تحاربوا أو تتقهقروا.
إذن لا بد في كلتا الحالتين أن تهلكوا.
وهناك رد للإحراج يسمى ﺑ «دفع الإحراج»، ومن أوضح الأمثلة في تاريخ المنطق لدفع الإحراج تلك القصة عن «بروتاجوراس» السوفسطائي مع تلميذه «أواتلوس»، وخلاصتها أن بروتاجوراس قد اتفق مع «أواتلوس» أن يعلمه الخطابة وطريقة المرافعة في المحاكم لقاء أجر معين، يأخذ نصفه عند فراغه من دروسه. ويأخذ النصف الثاني إذا كسب «أواتلوس» أول قضية يترافع فيها أمام المحكمة. لكن «أواتلوس» بعد فراغه من دروسه ماطل ولم يذهب للمرافعة أمام المحكمة هربًا من دفع القسط الثاني من أجر تعلمه، فرفع أستاذه بروتاجوراس عليه الدعوى للحصول على نصف أجره المؤجل. فكان دفاع الأستاذ أمام هيئة المحكمة الإحراجَ الآتي:

إذا حضر «أواتلوس» هذه القضية، وجب أن يدفع نصف الأجر المؤجل بمقتضى حكم المحكمة. وإذا كسبها وجب أن يدفع بمقتضى اتفاقه معي. لكنه إما أن يخسر هذه القضية أو يكسبها، وإذن فلا بد في كلتا الحالتين أن يدفع القسط المؤجل. فرد التلميذ بالإحراج الآتي:

إذا كسبت هذه القضية وجب ألا أدفع شيئًا بمقتضى حكم المحكمة، وإذا خسرتها وجب ألا أدفع شيئًا بمقتضى اتفاقي مع بروتاجوراس.
لكني إما أن أكسب القضية أو أخسرها. وإذن ففي كلتا الحالتين لن أدفع القسط المؤجل.٥٩
ومن الأمثلة التاريخية لرد الإحراج أيضًا قصة أُم أثينية مع ولدها، إذ أخذت تنصحه بعدم الاشتراك في السياسة محتجة له بما يأتي:
إنك في السياسة إذا قلت الصدق كرهك الناس، وإذا كذبتَ كرهتكَ الآلهةُ.
لكنك مضطرٌّ؛ إما أن يكرهك الناس أو تكرهك الآلهة.
فرد عليها ابنها بما يأتي:
بل إنني إذا قلت الصدق وقلت الكذب أرضيتُ الناس.
ولما كنت إما أقول الصدق أو أقول الكذب.
إذن فإما أن ترضى عني الآلهة أو أن يرضى عني الناس.٦٠
١  د. حسن عبد الحميد: مقدمات في المنطق، ص١٩٣.
٢  نفسه، ص١٩٤.
٣  نفسه، ص١٩٤.
٤  د. محمد السرياقوسي، المرجع السابق، ص١٥٥ وما بعدها.
٥  نفس السابق.
٦  نفس السابق.
٧  نفس السابق.
٨  نفس السابق.
٩  د. محمد فتحي عبد الله: محاضرات في المنطق الصوري، ص١٥٥.
١٠  نفسه، ص١٥٥.
١١  نفسه، ص١٥٥.
١٢  د. حسن عبد الحميد: المرجع السابق، ص٢١٣.
١٣  د. محمد السرياقوسي: التعريف بالمنطق الصوري، ص٢٥٦.
١٤  نفسه، ص٢٥٧.
١٥  د. محمد فتحي عبد الله: محاضرات في المنطق الصوري، ص١٦٦.
١٦  د. حسن عبد الحميد: المرجع السابق، ص٢١٣.
١٧  لوكاشيفِتش: نظرية القياس في المنطق الصوري، ص٣٤٥.
١٨  نفسه.
١٩  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٢٨٢.
٢٠  نفسه.
٢١  نفسه.
٢٢  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٢٦٩.
٢٣  نفس المرجع، ص٢٥٧.
٢٤  نفس المرجع، ص٢٦٣.
٢٥  د. محمد فتحي: محاضرات في المنطق الصوري، ص١٢٥.
٢٦  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٢٦٩.
٢٧  د. محمد فتحي: محاضرات في المنطق الصوري، ص١٢٧.
٢٨  نفسه.
٢٩  د. إمام عبد الفتاح: محاضرات في المنطق، ج١، ص٢٦٢.
٣٠  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٢٧٩–٢٨٠.
٣١  د. حسن عبد الحميد: المرجع السابق، ص٢٤١.
٣٢  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص٩٩.
٣٣  د. عزمي إسلام: الاستدلال الصوري، الجزء الأول، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ص١٣٣.
٣٤  نفسه، ص١٣٣.
٣٥  نفسه، ص١٣٤.
٣٦  نفسه، ص١٣٤.
٣٧  د. حسن عبد الحميد: مقدمات في المنطق الصوري، ص٢٤٢–٢٤٣.
٣٨  نفسه، ص٢٤٣.
٣٩  نفسه، ص٢٤٣.
٤٠  نفسه، ص٢٤٣.
٤١  نفسه، ص٢٤٤.
٤٢  نفسه، ص٢٤٤.
٤٣  نفسه، ص٢٤٥.
٤٤  نفسه، ص٢٤٦.
٤٥  نفسه، ص٢٤٧.
٤٦  نفسه، ص٢٤٨.
٤٧  نفسه، ص٢٤٩.
٤٨  نفسه، ص٢٥٠.
٤٩  د. محمد مهران: مدخل إلى المنطق الصوري، ص٢٦٢.
٥٠  نفسه، ص٢٦٢.
٥١  نفسه، ص٢٦٢.
٥٢  نفسه، ص٢٦٢.
٥٣  د. محمد فتحي عبد الله: محاضرات في المنطق الصوري، ص١٣٤.
٥٤  د. إمام عبد الفتاح: محاضرات في المنطق، ج١، ص٢٦٤.
٥٥  نفسه، ص٢٦٤.
٥٦  نفسه، ص٢٦٥.
٥٧  نفسه، ص٢٦٥.
٥٨  نفسه، ص٢٦٥.
٥٩  نفسه، ص٢٦٨.
٦٠  نفسه، ص٢٦٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤