تطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي
تقديم
شهدت معظم كتابات مؤرخي المنطق في أواخر القرن التاسع عشر اهتمامًا كبيرًا بالمنطق الهندي؛ إذ أدرك هؤلاء المؤرخون أن الهنود القدماء، قد قدموا أفكارًا منطقية لا تقل أصالة عما قدمه «أرسطو» في نظريته المنطقية، وأنه إذا كان المنطق الأرسطي قد تمثلته أوروبا الغربية والشرقية، ومناطقة العرب والمسيحية فيما بعد؛ فإن المنطق الهندي قد انتشر في الصين واليابان ومنغوليا وسيلان وإندونيسيا.
لكل ما سبق عقدت العزم على القيام ببحث مستقل موضوعه «تطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي»، أحاول أن أعالج هذا الموضوع في معظم وأهم جوانبه وأبعاده، وفي هذا ما قد يسد بعض الفراغ في المكتبة العربية الفلسفية خاصة بهذا الموضوع.
على أننا في معالجتنا لموضوع بحثنا هذا، نؤثر انتهاج المنهج التاريخي التحليلي المقارن، من حيث يعتبر في نظرنا — على أقل تقدير — أنسب المناهج وأشدها ملاءمة لطبيعة الموضوع وغايات البحث.
وأود قبل أن أشرع في عرض تطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي، أن أعرض باختصار لنشأة هذا المنطق وتطوره حتى نستطيع أن نفهم كيف تطور مبدأ الاستدلال بعد ذلك.
أولًا: نشأة المنطق الهندي
ولقد أخذت مرحلة الممارسة العفوية التلقائية للتفكير المنطقي في الفكر الهندي السابق على جوتاما في القرن الثاني للميلاد صورًا عدة نجملها فيما يلي:
-
(١)
الفكر الجدلي الفلسفي الذي انبثق في القرن الخامس قبل الميلاد، من ممارسة الجدليات بشكل واعٍ، وإن لم تكن قد وضعت بعدُ قواعد نظرية لعلم الجدل. وقد تم ذلك كما يؤكد المؤرخ الهندي «فيديابهاسونا» في الكتاب ﺑ «الأنفيكسيكا Anviksiki» والذي وصلتنا بعض شذرات وفقرات قليلة منه، والذي ينسب إلى شخص يدعى «ميدهانتهاي جوتاما» Medhatithi Gautama، وذلك حوالي سنة ٥٥٠ قبل الميلاد؛ حيث كان يطلق على المنطق اسم Sastra or vidya أي الجدل أو المناقشة.٦
-
(٢)
الفكر الجدلي كما تمثل في أوائل القرن الأول للميلاد، حيث أسهمت المجادلات الفلسفية التي كان يدافع ممثلو اﻟ «كاراكا سمهيتا Charaka Samhita» من خلالها عن المفاهيم الخاصة بنظرية الفن الخطابي، ويقدمون حججًا ضد آراء خصومهم البراهمانيين، وذلك من خلال ما أطلقوا عليه Sthapana and pratisthapana، والتي تترجم في الإنجليزية إلى Demonstrations and Counter-Demonstrations، أي البراهين والبراهين المضادة، إسهامًا كبيرًا في إعداد العقلية الهندية وتهيئتها لاستقبال مبدأ الاستدلال.٧
- (٣)
وتكشف هذه المناقشات عن مدى تقدم المحاورات الهندية والتزامها بمنهجية صارمة، الأمر الذي كان مفتَقدًا في محاورات أفلاطون.
ثانيًا: المنطق الهندي بين التبعية والأصالة
بعد هذا العرض الموجز لنشأة المنطق الهندي، نود أن نتساءل: هل تأثر المناطقة الهنود في أبحاثهم بالمنطق الأرسطي أم لا؟
ذهب بعض الباحثين الغربيين إلى القول بأن المناطقة الهنود لم يقدموا — ولم يكن بمقدورهم أن يقدموا — فكرًا منطقيًّا خاصًّا بهم، بحيث يمكن تسميته بالمنطق الهندي، ومن ثم فإن كل ما لديهم من مذاهب وآراء وأفكار ونظريات منطقية ليست في حقيقتها إلا أشباهًا ونظائرَ مستمدة من المنطق الأرسطي، فلم يأتوا بشيء جديد يذكر، وإنما رددوا وقلدوا أفكار وآراء أرسطو. وبالتالي فإن كل ما لدى مناطقة الهنود هو تقليد ومحاكاة وشرح للمنطق الأرسطي، بل هو ترجمة سنسكريتية لهذا المنطق لا أكثر. وذهب بعض هؤلاء الباحثين إلى أبعد من ذلك، فزعموا أن مناطقة الهند القدماء قد عجزوا عن فهم حقيقة وأفكار أرسطو المنطقية مما أدى إلى تشويه هذه الحقيقة، فضلًا عن عجزهم عن إنتاج أي فكر منطقي يدل على أصالة وابتكار.
- (١) الفترة الأولى، وقد امتدت من ١٧٥ قبل الميلاد إلى ٣٠ قبل الميلاد، وذلك حين احتل اليونانيون الأجزاء الشمالية والغربية للهند وجعلوا عاصمتها «ساكالا Sakala»، وهي إحدى مدن البنجاب Punjab، ومن أهم أعمال أرسطو التي وجدت طريقها إلى الهند في تلك المرحلة هو كتاب «الخطابة» Rhetoric الذي ساهم بدور فعال في صياغة القياس الهندي ذي القضايا الخمس.
- (٢)
الفترة الثانية، وقد امتدت من ٣٩ قبل الميلاد إلى ٤٥٠ بعد الميلاد، وذلك حين كان الأساتذة الرومان في الإسكندرية وسوريا وفارس على اتصال بالهند من خلال الطلاب الهنود الذين جاءوا لطلب العلم والثقافة اليونانية، وقد تمكن هؤلاء الطلاب من نقل معظم كتب المنطق الأرسطي إلى الهند، ومن أهم أعمال أرسطو التي وجدت طريقها إلى الهند؛ كتاب التحليلات الأولى، وكتاب التحليلات الثانية، وبعض أجزاء من كتاب العبارة، وقد قرأ تلك الكتابات كل من جوتاما إكسباندا وناجورجونا وفاسوباندا وديجناجا وذراماكيرتي.
- (٣) الفترة الثالثة، وقد امتدت منذ ٤٥ ميلادية إلى ٦٠٠ ميلادية، وفيها انتقلت كل كتابات أرسطو المنطقية إلى الهند عن طريق المدارس الفارسية السريانية، وبالأخص مدرسة «جند سابور» Gundeshapur التي تأسست في سنة ٣٥٠م.
- (٤) ثم يؤكد «فيديابهاسونا» بعد ذلك الأثر الأرسطي في تطور نظرية القياس في المنطق الهندي، فيقول: «ولكي أُثبت أن هناك أثرًا أرسطيًّا على القياس الهندي، فإنني أود أن أشير إلى أن المنطق الهندي قد عالج ثلاثة موضوعات قبيل القرن الثاني للميلاد: الموضوع الأول، وهو فن المناقشة أو المناظرة. والموضوع الثاني، هو سبل المعرفة الفعالة، ويسمى Pranava، ويشتمل الموضوع الثاني على الاتجاهات التي تتماشى مع النظام الديني والاجتماعي الهندوسي والبوذي والجيني. والموضوع الثالث، ويدور حول دراسة المبادئ الفلسفية التي كان يتم اقتراحها من وقت لآخر قبيل القرن الثاني للميلاد. والموضوع الرابع والأخير، ويدور حول هو مبدأ القياس. والموضوع الأول والثاني والثالث من إبداع الهنود. أما الموضوع الرابع فقد انبثق خلال القرن الأول للميلاد نتيجة التأثر بنظرية القياس الأرسطية؛ ولكي أوضح ذلك فإنني سأقوم بتحليل مبدأ القياس في المنطق الهندي والمنطق الأرسطي جنبًا إلى جنب طبقًا للقواعد التي تحكمهما.»٣١
ثم يقدم لنا «فيديابهاسونا» في تحليله لمبدأ القياس نماذج مختارة من المناطقة الهنود الذين تأثروا بالقياس الأرسطي في دراساتهم لمبدأ الاستدلال، وذلك على النحو التالي:
-
(١)
يرى «فيديابهاسونا» أن دعاة اﻟ Caraka Samhita قد استعاروا كثيرًا من المفاهيم المنطقية الأرسطية، وبالذات من كتاب «الخطابة»، ويبدو ذلك واضحًا في حديثهم عن البراهين والبراهين المضادة.٣٢
-
(٢)
يؤكد «فيديابهاسونا» أن «جوتاما إكسباندا» قد ذكر في كتابه: اﻟ «نيايا سوترا» قياسًا يتكون من خمس قضايا، وصيغة هذا القياس تكون على النحو التالي:
- (أ)
الدعوى المثبتة «هذ التل يوجد به نار».
- (ب)
الأساس العقلي «لأنه يوجد به دخان».
- (جـ)
المثال: «حيث يوجد دخان توجد نار كما في المطبخ لا كما في البحيرة على سبيل».
- (د)
التطبيق على الحالة المعطاة «وهذا التل ينبعث منه دخان كالذي يصاحب النار باستمرار».
- (هـ)
النتيجة: «إذن هذا التل يوجد به نار».
يزعم «فيديابهاسونا» أن هذا القياس هو قياس مستعار من أرسطو، حيث تناظر القضية الثالثة من هذا القياس المقدمة الكبرى في القياس الأرسطي، كما تناظر المقدمة الثانية والمقدمة الرابعة، المقدمة الصغرى، وتناظر المقدمة الأولى والمقدمة الخامسة، النتيجة في القياس.٣٣ - (أ)
-
(٣)
يرى «فيديابهاسونا» أن «ناجورجونا» و«فاسوباندو» و«ديجناجا» قد استعاروا الكثير من الأفكار الأرسطية، ويبدو هذا واضحًا في دراستهم للقياس المنطقي، حيث يؤكد «فيديابهاسونا» أنهم سعوا إلى اختصار القياس ذي القضايا الخمس إلى قياس ذي ثلاث قضايا، حيث اعتبروا أن وجود ثلاث قضايا في القياس ضروريًّا وكافيًا لاستدلال حقيقي، وذلك بعد قراءتهم العميقة للتحليلات الأولى لأرسطو.٣٤
-
(٤)
يرى «فيديابهاسونا» أن عالم المنطق البوذي «ذراماكيرتي» قد اعتبر أن وجود قضيتين ضروري فقط في القياس، حيث إن النتيجة مفهومة ضمنًا في المقدمتين، وأن من الممكن ألا تعبر عنها باللفظ. وعلى سبيل المثال؛ يكفي أن نقول: «حيث لا توجد نار لا يوجد دخان، وفي هذا المكان يوجد دخان». وهكذا ليست هناك أية حاجة للتعبير عن النتيجة نفسها (نتيجة لذلك في هذا المكان توجد نار). فالقياس ذو القضيتين عند ذراماكيرتي — كما يؤكد فيديابهاسونا — هو بعينه ما يسميه أرسطو القياس المضمر (أنتوميما) من الدرجة الثالثة.٣٥
وانطلاقًا من ذلك يمكننا القول بأن مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي قد تطور تطورًا طبيعيًّا بعيدًا عن أي مؤثرات أرسطية أو غير أرسطية، ويتضح هذا من خلال الخطوات التالية:
-
(١)
الخطوة الأولى: وفيها تم تأسيس قاعدة القياس الصورية على أساس إعطاء الأمثلة، وذلك من خلال اﻟ «نيايا سوترا».
-
(٢)
الخطوة الثانية: وفيها طور «ديجناجا» هذه القاعدة إلى قاعدة قياسية صورية أطلق عليها «الترييروبيا Trairupya» ومعناها عجلة الأسباب wheel of reason.
-
(٣)
الخطوة الثالثة: وفيها طور ذراماكيرتي التمثيل تطورًا جذريًّا من مجرد عرض الأمثلة إلى مقدمة عامة.
-
(٤)
الخطوة الرابعة: وفيها تم اختصار قضايا القياس إلى ثلاث قضايا. كما ظهر التمييز بين استدلال عن طريق الشخص نفسه Inference for Oneself واستدلال عن طريق الآخرين Inference for the Sake of Others.
-
(٥)
الخطوة الخامسة: وفيها ظهر مفهوم القانون العام، وقد كان له معنيان: الأول هو «لا يحدث في أي مكان أو سياق آخر» الذي نجده في المصطلح الجيني Anyathanupapannatva، والثاني هو «الشيوع» الذي نجده في المصطلح البوذي Vyapti. استخدم المصطلحان في القرن السابع، ولكن كانت هناك مقدمات لظهورهما لدى «براساستابادا» و«ديجناجا». ومن ثم فقد وصل المنطق الهندي إلى مستوى المنطق الصوري عندما ظهر فيه مفهوم القانون العام. كما واصل مناطقة النافيا نيايا استخدام الأمثلة، وذلك لمجرد أغراض التوصيل والتواصل. أما الصيغة القياسية فلم تكن تحتاج إلى أمثلة، بعد أن تطورت واتضحت، وأصبحت كلمة «مثال» تشير إلى مجرد علاقة كونية عامة.
ويمكن أن نفصل تلك الخطوات، على النحو التالي:
أولًا: منهجية المناطقة الهنود في تطور مبدأ الاستدلال
الخطوة الأولى
-
(١)
ينبغي أن يكون الشخص المتحدث أمينًا ويعتمد عليه بصورة مطلقة.
-
(٢)
يتعين أن يعرف الشخص المتحدث بالفعل ما يقوم بإيصاله.
-
(٣)
لا بد من أن يتفهم السامع على وجه الدقة ما يسمعه.
-
(١)
القضية Pratijna: تجنب قتل النفس أعظم الفضائل عمومًا.
-
(٢)
تحديد القضية Pratijna Vibhakti: تجنب قتل النفس أعظم الفضائل وفقًا للعالم الجيني ثيرانكاراس.
-
(٣)
السبب Hetu: تجنب قتل النفس أعظم الفضائل؛ لأن الذين يفعلون ذلك تحبهم الآلهة، وتكريمهم تكريم لبني الإنسان.
-
(٤)
تحديد السبب Hetu Vibhakti: الذين يتجنبون قتل النفس فقط هم الذين يسمح لهم بالبقاء في أعلى منازل الفضيلة.
-
(٥)
القضية المضادة Vipaksa: لكن الذين يحتقرون العالم الجيني ثيرنا نكاراس ويقتلون النفس يقال: إن الآلهة تحبهم ويرى الناس تكريمهم نوعًا من التشريف.
-
(٦)
معارضة القضية المضادة Vipaksa Pratisedha: الذين يقتلون النفس الذي حرمه الجيني ثيرنكاراس لا يستحقون التشريف، وبالتأكيد لا تحبهم الآلهة إلا إذا أصبحت النار بردًا، ولا يمج الناس تكريمهم.
-
(٧)
مثال Drstanta: الأرهت والسادوا (من طبقات الهند العليا) لا يطهون الطعام خوفًا من قتل بعض الأرواح، لهذا يعتمدون على الخدم وربات البيوت لتحضير وجباتهم.
-
(٨)
التشكيك في صحة المثال Asanka: الأرهت والسادوا يأكلون الطعام الذي تطهوه ربات البيوت، فإذا ما قتلت بعض الحشرات في نار الطهي، فهم يشاركون في الخطيئة. لذا فالمثال ليس مقنعًا.
-
(٩)
الرد على التشكيك Asankapratisedha: الأرهت والسادوا يذهبون لتناول الطعام بدون إعلان سابق، وفي أوقات غير ثابتة. فكيف يقال: إن طهي الطعام تم لهم خصيصًا، لهذا فهم لا يشتركون في الخطيئة.
-
(١٠)
النتيجة Nigamana: تجنب قتل النفس إذن هو أفضل الفضائل، فالذين يفعلون ذلك تحبهم الآلهة ويستحقون التكريم.
-
(أ)
البرهان Sthapana
ويتكون من خمس قضايا: الفرض، والسبب، والمثال، والتطبيق، والنتيجة. مثال ذلك:
الروح خالدةلأنها غير ممتدةكل ما هو ليس ممتدًّا خالدالروح غير ممتدةإذن الروح خالدة. -
(ب)
البرهان المضاد Pratisthapana.الروح غير خالدةلأنها تدرك بواسطة الأحاسيسما يدرك بواسطة الأحاسيس ليس بخالدالروح تدرك بواسطة الأحاسيسإذن الروح ليست خالدة.
القياس الإضماري
- (١) بالنسبة للاستدلال الأول والذي يسمى Purvavat هو استدلال من اللاحق إلى السابق؛ أي من المعلول إلى العلة (فيمكن على سبيل المثال أن نستنبط من تجمع السحب أن السماء ستمطر).
- (٢) وأما الاستدلال المسمى Sesavat؛ فهو استدلال السابق من اللاحق؛ أي استدلال العلة من المعلول (فيمكن على سبيل المثال أن نستنبط من غزارة مياه السيل أن السماء أمطرت فوق الجبل).
- (٣) وأما الاستدلال المسمى Samanyatodrsta ؛ وهو الاستدلال بالتماثل، فبما أن ما ندركه في حالة أولى مدرك بالطريقة نفسها في الحالة الثانية، فإن ذلك يسمح لنا بأن نستنبط أن الأمور جرت بالطريقة نفسها في الحالة الثانية كما جرت في الحالة الأولى.
-
(أ)
اﻟ Purvavat هو استدلال قائم على التجربة السابقة للتلازم بين شيئين، وليكن مثلًا الدخان والنار، على الرغم من أننا لم ندرك الأبعاد الحقيقية لهذا التلازم، ويطلق على هذا الاستدلال: استدلال موجب.
-
(ب)
وأما Sesavat، فيستدل عليه بالاستبعاد؛ أي عدم وجود الدخان لا يستلزم وجود النار، وهذا الاستدلال يطلق عليه استدلال سالب.
-
(جـ)
وأما اﻟ Samanyatodrsta وهو استدلال يجمع بين الاستدلالين (أ)، (ب)، وهذا الاستدلال يسمى استدلالًا غير معروف القيمة.
-
(١)
(القضية Proposition): هذا التل يوجد به نار.
-
(٢)
(السبب Reason): لأن التل ينبعث منه الدخان.
-
(٣)
(المثال Example): وحيثما يوجد الدخان توجد النار؛ كالمطبخ، وحيثما لا يوجد الدخان لا توجد النار؛ كالبحيرة مثلًا.
-
(٤)
(التطبيق Application): وهذا التل ينبعث منه دخان كالذي يصاحب النار باستمرار.
-
(٥)
(النتيجة Conclusion): إذن هذا التل يوجد به نار.
-
(١)
أن «ﻫ» لا بد أن يكون ماثلًا في «ق» وفي كل الحالات الأخرى التي تحتوي على «ك».
-
(٢)
لا بد ﻟ «ﻫ» أن يكون غائبًا من الحالات التي لا يوجد بها «ك».
-
(٣)
ينبغي ألا يتناقض الافتراض المستدل عليه مع الإدراك الحسي السليم.
-
(٤)
ينبغي ألا نجعل «ﻫ» من الأمور الممكنة خاصة أنها تتناقض مع الافتراض المستدل عليه.
- (١)
نريد أن نثبت صفة النار في موضوع، هو: التل، وهذا الفرض تعبر عنه القضية الأولى من القياس.
- (٢)
متى نتحقق من هذا نستخدم السبب، وهو خاصية أخرى تتمثل في الدخان الذي نلاحظه على التل، وهذا يحدث في القضية الثانية من القياس.
- (٣)
ثم نضرب مثالًا لذلك كمثال المطبخ، وهو الذي ينبعث منه الدخان بسبب النار، وهاتان الصفتان تتواجدان معًا في المطبخ وما يشابهه، وهذا هو المثال الموجب. ويمكن ضرب مثال سالب يؤدي فيه غياب السبب السابق إلى غياب صفة النار كما في مثال البحيرة.
- (٤)
وبعد ذلك نقرر وجود نفس العلاقة بين صفة الدخان والنار في التل، وهذا هو التطبيق.
- (٥)
ثم نستنتج النتيجة التي افترضناها مسبقًا، وهي أن صفة النار موجودة كذلك في التل.
- (١) الضرب الأول Barbara:كل ما يوجد به دخان يوجد به ناروهذا التل يوجد به دخانإذن هذا التل يوجد به نار
- (٢) الضرب الثاني Celarent:كل ما لا يوجد به دخان لا يوجد به ناروهذا التل لا يوجد به دخانإذن هذا التل لا يوجد به نار
- (١)
ما هي أطروحتك؟ هي أن هذا التل يوجد به نار.
- (٢)
ولماذا؟ لأنه يوجد به دخان.
- (٣)
وما الأمر في ذلك؟ حيث يوجد هناك دخان توجد هناك نار؛ كالمطبخ لا كالبحيرة.
- (٤)
وماذا بعد ذلك؟ إن التل شبيه بمكان به دخان.
- (٥)
لذلك؟ إذن التل يوجد به نار.
- (١)
ما هي أطروحتك؟ هي أنني أقر أن «ق» لها الخاصية «ك».
- (٢)
ولماذا؟ لأن «ق» له الخاصية «ﻫ».
- (٣)
والأمر في ذلك؟ هي أن كلًّا من «ﻫ»، «ك» تميزان «ل» ولا توجد أي منهما في «ع».
- (٤)
وماذا بعد ذلك؟ وهذا ما نجده في حالتنا «ق».
- (٥)
لذلك؟ إذن «ق» له الخاصية «ك».
- (١) قاعدة الاستبدال:
- (أ)
الفرض: ك ق، وتعني هناك نار «ك» في «ق» التل.
- (ب)
السبب: ﻫ ق، وتعني يوجد دخان «ﻫ» في «ق».
- (جـ)
المثال: (س)(ﻫ ق تستلزم ك ق)، وتعني «س» «دالة تشير الى مكان ما»: حيث إذا كان يوجد دخان في «س»؛ فإنه يوجد نار في «س».
- (د)
التطبيق: ﻫ ق تستلزم ك ق، وهذه القاعدة تنطبق بالنسبة ﻟ «س» = «ق».
- (هـ)
النتيجة: ك ق، لأن القاعدة تنطبق بالنسبة ﻟ «س ق»، ولما كان القضية «ﻫ ق» صادقة فإن القضية «ك ق» صادقة.
- (أ)
- (٢)
قاعدة الاستبعاد:
الفرض: بما أن ك ق تلزم عنها ﻫ ق
البرهان:- (١)
ﻫ ق مقدمة
- (٢)
(س) (ﻫ ق تستلزم ك ق) مقدمة
- (٣)
ﻫ ق تستلزم ك ق باستبعاد (٢) نصل إلى (٣).
- (٤)
ك ق باستبعاد (١)، (٣) نصل إلى (٤).
- (١)
- (١)
إن القياس ذا القضايا الخمس في اﻟ «نيايا سوترا» ليس فكرة أو أطروحة، وإنما قاعدة مثل الاستدلال عند الرواقيين والإسكولائيين.
- (٢)
من ناحية التركيب، فإن القياس ذا القضايا الخمس أقرب إلى قياس «وليم أوكام» منه إلى قياس أرسطو؛ لأن السبب دائمًا ما يناظر قضية واحدة.
- (٣) لكن صياغة القياس ذي القضايا الخمس تقترب من قواعد المنطق الرياضي الحديث أكثر مما تقترب من قياس «وليم أوكام»، وتوضيح ذلك كالآتي:بالنسبة لكل «ق»، إذا كانت «ق ﻫ» كانت «ق ك».ولكن إذا كانت «ق» كانت «ﻫ».إذن إذا كانت «ق» كانت «ك».
- (٤)
تتضمن الصيغة الهندية كذلك تبريرًا واضحًا لوجود المقدمة الكبرى. وفي هذا الصدد نجد خلافًا بين صاحب النيايا وأتباعه اللاحقين من النيايايكاس الذين يتصورون البنية الاستدلالية، وإن كان إكسباندا يتصور العلاقة بين جوهرين في شيء واحد.
- (٥)
من الواضح أننا مع القياس ذي القضايا الخمس ما زلنا في عالم المنطق الحدي.
هذه هي صيغة مبدأ الاستدلال في اﻟ «نيايا سوترا»، ولكن ما هي القاعدة التي تبنى عليها هذه الصيغة؟
الخطوة الثانية
- (١)
الفرض: هذا التل يوجد به نار.
- (٢)
السبب: لأنه يوجد به دخان.
- (٣)
المثال: كما في مطبخ حيث توجد نار، لا كما في بحيرة حيث لا توجد نار. لكن هناك شيئًا آخر أكثر أهمية يؤكد عليه بعض الباحثين وراء هذه الصيغة، وهي فكرة الصلة الداخلية التي لا تقبل الفصل بين الحد الأوسط وهو «ﻫ»، والحد الأكبر وهو «ق»، ووفقًا لها يكون الاستدلال دلالة على موضوع متصل اتصالًا لا يمكن فصله عن الموضوعات الأخرى، ويقوم به من يعرف الموضوع.
-
(١)
الحد الأوسط يجب أن يكون مرتبطًا بالحد الأصغر، وهو موضوع الاستدلال، مثل: على التل توجد نار.
-
(٢)
الحد الأوسط يجب أن يكون مرتبطًا بالسباكسا، مثل: يوجد دخان في مكان توجد به نار، كالمطبخ مثلًا.
-
(٣)
الحد الأوسط يجب أن لا يكون مرتبطًا بالفيباكسا، مثل: لا يوجد دخان في مكان لا توجد به نار، كما في البحيرة مثلًا.
وهذه الصيغة يمكن التعبير عنها رمزيًّا على النحو:٧٤-
(١)
«ق» يجب أن تقع داخل «ﻫ» كليًّا.
-
(٢)
«ل» يجب أن تقع كليًّا داخل «ﻫ».
-
(٣)
«ع» يجب أن تقع كليًّا خارج «ﻫ».
-
(١)
-
(١)
«ﻫ» يقع كليًّا في «ل».
-
(٢)
«ﻫ» يغيب كليًّا عن «ل».
-
(٣)
«ﻫ» يقع جزئيًّا في «ل».
-
(١)
«ﻫ» يقع كليًّا في «ع».
-
(٢)
«ﻫ» يغيب كليًّا عن «ع».
-
(٣)
«ﻫ» يقع جزئيًّا في «ع».
الرقم | احتمالات وجود «ﻫ» في «ل» | احتمالات وجود «ﻫ» في «ع» | طبيعة «ﻫ» |
---|---|---|---|
١ | «ﻫ» يقع كليًّا في «ل» | «ﻫ» يقع كليًّا في «ع» | غير معروف |
٢ | «ﻫ» يقع كليًّا في «ل» | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ع» | صادق |
٣ | «ﻫ» يقع كليًّا في «ل» | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ع» | غير معروف |
٤ | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ل» | «ﻫ» يقع كليًّا في «ع» | كاذب |
٥ | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ل» | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ع» | غير معروف |
٦ | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ل» | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ع» | كاذب |
٧ | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ل» | «ﻫ» يقع كليًّا في «ع» | غير معروف |
٨ | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ل» | «ﻫ» يغيب كليًّا عن «ع» | صادق |
٩ | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ل» | «ﻫ» يقع جزئيًّا في «ع» | غير معروف |
هذه هي عجلة الأسباب عند «ديجناجا»، حيث نجد من بين الصور «٢»، «٨» فقط هما الصحيحتان. وقد توصل «ديجناجا» إلى هذه الصيغة باستخدام الاستبدال.
-
(١)
يمكن معرفته Knowable.
-
(٢)
منتج Product.
-
(٣)
غير دائم Noneternal.
-
(٤)
غير منتج.
-
(٥)
مسموع Audible.
-
(٦)
ناتج الإرادة Effect of Volition.
-
(٧)
غير دائم.
-
(٨)
ناتج الإرادة.
-
(٩)
غير ملموس Intangible.
الخطوة الثالثة
شهدت الصيغ الثلاث للحد الأوسط — وبالأخص الصيغتان الثانية والثالثة — عند ديجناجا مناقشات ومجادلات بين دعاة اﻟ «نيايا سوترا» وبين الفلاسفة البوذيين وبالأخص لدى «ذراماكيرتي» في القرن السابع، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
البرهان:
ومن الشرط الثالث نصل إلى (ص ق ﻫ = صفر) عندما تكون (ص = ص ك) فيمكن البرهنة على ما سبق بالتعويض عن قيمة (ص)
ولاختبار مفهوم الصيغ الثلاث لدى ذراماكيرتي من خلال الفئة الصفرية عند جورج بول نصل إلى:
البرهان
وبالتعويض عن قيمة (ﻫ) في الصيغة الثانية نصل إلى:
ومن الصيغة الثالثة نصل إلى أن (ق = صفر ÷ ﻫ)
وبالتعويض عن قيمة (ق) في الصيغة الثالثة
الخطوة الرابعة
وهذه الصيغة تشبه إلى حد كبير الضربين الأول والثاني من الشكل الأول من أشكال الأقيسة الأرسطية، وليس هناك أي تأثير أرسطي على الإطلاق، حيث إن المناطقة الهنود توصلوا إلى هذه الصيغة بدون أي مؤثرات أرسطية بعد أن وضحت فكرة القاعدة العامة التي رسمها «ذراماكيرتي».
-
(١)
الدخان المدرَك.
-
(٢)
السبب الذي يشكله الارتباط الدائم بين الدخان والنار.٩٦
- (١)
هناك نار على التل البعيد
- (٢)
لأن التل ينبعث منه الدخان
- (٣)
وكل ما ينبعث منه الدخان يوجد به نار كالموقد
- (٤)
ومن التل البعيد ينبعث دخان كالذي يصاحب النار باستمرار
- (٥)
إذن توجد نار على التل البعيد
- (١)
رابطتها التي لا تقبل انفصامًا بالمعلول المنطقي، معبَّرًا عنها بطريقة إيجابية مثل: «هناك، حيث يوجد دخان توجد نار»، (وهذه رابطة إيجابية أو مباشرة).
- (٢)
الرابطة نفسها بعد أن يعبر عنها بطريقة عكسية، بواسطة تحويل منطقي، مثل: «هناك، حيث لا توجد نار لا يوجد دخان» (وهذه رابطة سالبة أو عكسية).
- (٣)
حضور الأمارة المنطقية في مكان معين، أي رابطتها الواقعية، بموضوع النتيجة مثل: «هناك، حيث يوجد دخان توجد نار».
- (١)
قياس المشابهة، مثل: «هناك، حيث يوجد دخان حيث توجد نار»، فعلى سبيل المثال في المطبخ وفي الحالات المشابهة «يوجد دخان، إذن يجب أيضًا أن توجد نار».
- (٢)
قياس اللامشابهة، مثل: «هناك، حيث لا توجد نار لا يوجد دخان، وهنا يوجد دخان، إذن توجد نار».
مما سبق يتضح لنا أن مبدأ الاستدلال في هذه الخطوة أخذ فيه المناطقة الهنود العمل على اختصار مبدأ القياس التقليدي إلى قضيتين أو ثلاث قضايا، وبالتالي تم الاستغناء عن التطبيق والخاتمة، ثم ظهر التمييز بين استدلال لإقناع الشخص ذاته واستدلال لإقناع الآخرين، الأول: يتكون من ثلاث قضايا؛ والثاني: يتكون من خمس قضايا كما كانت التقاليد.
الخطوة الخامسة
- (١)
الفقرة الأولى: «ألا يمكن للمرء أن يقرر صحة حجة تتصل بما لا يحدث في سياق آخر في غياب شرط عدم الحدوث في سياق آخر، حتى الأسباب التي لها ثلاث علامات أو إشارات في قياس معين لا تفيد شيئًا.»
- (٢)
الفقرة الثانية: لأن السبب يتصل به شرط عدم الحدوث في سياق آخر، فهو شرط كاف سواء اتصفت بشرط واحد أو أربعة أو لم يتصف بأي منها. والشرط الوحيد هنا هو عدم الحدوث في سياق آخر، والشروط الثلاثة الأخرى هي الموجودة في عجلة الأسباب.
- (٣)
الفقرة الثالثة: يقول الناس عن الأب: إن له ابنًا واحدًا. مع أن له ثلاثة أبناء، لأن هذا الابن هو الابن الوحيد الصالح، وهكذا الحال بالنسبة للمسألة السابقة. والولد الصالح المقصود هنا بالطبع هو شرط عدم الحدوث في سياق آخر، وعلى هذا فإن علاقة الملازمة الضرورية ليست موجودة في الأسباب التي هي عجلة الأسباب. الحجج التي فيها شرط عدم الحدوث في سياق آخر هي الوحيدة الصحيحة. الشرطان ربما لا يكونان كافيين للتوصل إلى النتيجة. ما فائدة الشروط الثلاثة إذا لم يكن هناك شرط عدم الحدوث في سياق آخر؟ وعندما نجد هذا الشرط، فما فائدة الشروط الثلاثة الأخرى؟
والآن كيف يتم اكتشاف علاقة تلازمية؟
نتائج المبحث الأول
- (١)
إن المنطق الهندي قد مر بثلاث مراحل في تكوينه: المرحلة الأولى تتمثل في ممارسة الجدليات بشكل واعٍ، وإن لم تكن قد وُضعت فيها بعدُ نظرية لقواعد الجدل. ونستطيع أن ندخل جدل «الأنفيكسيكا» و«الكاركا سمهيتا» و«الفايشيسكا سوترا». أما المرحلة الثانية فقد تمت فيها الصياغة النظرية لعلم الجدل، كما تم تأسيس قاعدة القياس ذي القضايا الخمس من خلال إعطاء الأمثلة، وقد تمثل ذلك في كتاب اﻟ «نيايا سوترا». والمرحلة الثالثة مر فيها تكوين المنطق إلى مستوى الصياغة النظرية للبرهان العقلي الصوري (مبدأ الاستدلال)، وهي مرحلة الانتقال من اﻟ «نيايا سوترا» إلى الهيتوكاكرا أو عجلة الأسباب لديجناجا.
- (٢)
حين أقبل مؤرخو المنطق من الغربيين والشرقيين على دراسة المنطق الهندي أدركوا أن هناك ألفةً بينه وبين المنطق الأرسطي، ففسره البعض بحسب نظرية التأثير والتأثر؛ أي إن السابق يؤثر في اللاحق. بيد أن البعض الآخر أكد على خطأ هذا الزعم مستندًا على عدم وجود دليل على تأثر الهنود بالمنطق الأرسطي أو ما يفيد اطلاعهم عليه، ولا سيما في بداياته الأصيلة.
- (٣)
إن القياس الهندي في شكله الأخير، وإن كان يشابه إلى حد كبير القياس الأرسطي، إلا أنه يختلف تمامًا عن القياس الأرسطي. فالدور الأساسي للقياس الأرسطي يتجسد في مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد، والذي يعني أنه حينما تكون العلاقة بين ثلاثة حدود على نحو يكون معه الحد الأصغر منتميًا إلى ماصدقات الحد الأوسط، والحد الأوسط منتميًا إلى ماصدقات الحد الأكبر، أو على العكس من ذلك لا يكون هناك انتماء، فإننا نكون حينئذٍ أمام قياس كامل. في حين أن المبدأ الأساسي للقياس الهندي يتمثل في علاقة الفيابتي أو التلازم غير المتغير وغير المشروط بين الحدود الوسطى والحدود الكبرى.
- (٤) إن القياس الهندي — وبالأخص القياس ذي القضايا الخمس — يختلف عن القياس الأرسطي، فالقياس الهندي، هو استدلال حقيقي يأخذ شكل البرهان، والذي فيه نبدأ من المقدمات المؤكد صحتها حتى نصل إلى النتيجة الصحيحة والضرورية. والمقدمة الثالثة للقياس الهندي هي قضية كلية مبنية على حقائق معينة؛ حيث إنها تجمع بين الاستقراء والاستنباط أو بين الصدق والصحة الصورية. والمقدمة الرابعة تقوم بتجميع المقدمات الكبرى والصغرى لإظهار هوية الحد الأوسط. وعلى العكس من ذلك يكون القياس الأرسطي، فالقياس الأرسطي هو قياس صوري بحت ويتضمن الصدق الصوري للنتيجة؛ وهو لزوم Implication أكثر منه استدلالًا؛ فإذا قررنا صحة المقدمات، فإنه يمكننا أيضًا أن نؤكد صحة النتيجة.
- (٥) إن العلاقة بين أفلاطون وأرسطو في المنطق اليوناني تماثل العلاقة بين اﻟ «نيايا سوترا» «وذراماكيرتي» في المنطق الهندي، فإذا كان أفلاطون في محاورة «السوفسطائي» تناول بعض الأفكار المنطقية في حديثه عن القسمة الثنائية، فإن أرسطو قد استفاد من ذلك في اكتشاف مبدأ القياس، حين أكد أن منهج القسمة الثنائية هو في حقيقةِ أمره قياسٌ، لكنه قياس ضعيف أو غير برهاني؛ وذلك لأن النتيجة فيه لا تُستخلص من المقدمات فقط كما هو الحال في القياس الأرسطي، وإنما تعتمد على الحدس من جانب، وعلى التجربة من جانب آخر. ولقد استطاع أرسطو أن يحول هذا القياس الضعيف أو غير البرهاني إلى قياس برهاني، وكل ما أضافه أرسطو إلى القياس الأفلاطوني هو أنه استبدل بالحد العام الذي يتوسط بين الحد الأصغر والأكبر في القياس الحدَّ الأوسط الذي هو العنصر الأساسي في القياس الأرسطي. وحتى ندرك الفارق بين طريقة كل من أفلاطون وأرسطو في التعبير عن هذه الواسطة نلخص موقفهما فيما يلي:١٢٤
أفلاطون:
س تنتمى إلى أأ تنقسم إلى ب ولا بإذن س ينتمي إلى؟ (لا إنتاج لغياب عنصر الضرورة المنطقية)
أرسطو:
س تنتمي إلى أإذن أ تنتمي إلى بإذن س تنتمي إلى بأو:
س تنتمي إلى أأ تنتمي إلى لا بإذن س تنتمي إلى لا بونفس الشيء تكون العلاقة بين اﻟ «نيايا سوترا» وذراماكيرتي، فإذا كان القياس ذو القضايا الخمس في اﻟ «نيايا سوترا» برغم الاختبارات التي أجراها عليه بعض المناطقة الرياضيين من خلال قاعدة الاستبدال والاستبعاد، إلا أنه في حقيقة أمره قياس جدلي وغير برهاني، وبرغم أن النتيجة فيه تستخلص من المقدمات، إلا أنه يعتمد على الحدس من جانب، وعلى التجربة من جانب آخر كما في قياس أفلاطون. ولقد استطاع ذراماكيرتي أن يحول هذا القياس الجدلي أو غير البرهاني إلى قياس برهاني كما فعل أرسطو من قبل. هذا مع الوضع في الاعتبار — كما أكد «بوشنسكي» — أن اﻟ «نيايا سوترا» ليست فيها فكرة القانون أو الصياغة النظرية التي فتح بها أفلاطون الباب لنشأة المنطق الغربي. وهذه الفكرة هي التي تسببت في سرعة ظهور الصيغة المنطقية في الغرب. لكن في الهند تطور المنطق تطورًا طبيعيًّا بطيئًا خلال قرون عديدة تحت عباءة المنهجية.
وحتى ندرك الفارق بين طريقة اﻟ «نيايا سوترا» وذراماكيرتي في التعبير عن هذه الواسطة نلخص موقفهما فيما يلي:اﻟ «نيايا سوترا»
- (١)
ما هي أطروحتك؟ هي أنني أقر أن «ق» لها الخاصية «ك».
- (٢)
ولماذا؟ لأن «ق» له الخاصية «ﻫ».
- (٣)
والأمر في ذلك؟ هي أن كلًّا من «ﻫ»، «ك» تميزان «ل» ولا توجد أي منهما في «ع».
- (٤)
وماذا بعد ذلك؟ وهذا ما نجده في حالتنا «ق».
- (٥)
لذلك؟ إذن «ق» له الخاصية «ك».
ذراماكيرتي:بالنسبة لكل «ق» إذا كانت «ق ﻫ» كانت «ق ك»ولكن إذا كانت «ق» كانت «ﻫ»إذن إذا كانت «ق» كانت «ك»أو:
بالنسبة لكل «ق» إذا لم تكن «ق ﻫ» لم تكن «ق ك»ولكن إذا كانت «ق» كانت «ﻫ»إذن إذا كانت «ق» لم تكن «ك». - (٦)
إذا ما استعرضنا الألفاظ التي صيغت بها مقدمات القضايا في المنطق الهندي سوف نجدها تنتمي إلى حد كبير إلى الثقافة الدينية التي نشأت فيها، الأمر الذي يؤكد نقاء المنطق الهندي في أطواره الأولى من أي مؤثرات أرسطية بوجه خاص وأجنبية عنه بوجه عام.
- (٧)
إن مبدأ القياس في المنطق الهندي وليد الجدل والمناقشات التي تستهدف في المقام الأول إثبات حقيقة ودحض الأكاذيب أو السياقات التي لا يمكن البرهنة عليها. ويكشف ذلك عن نضج المنطق الهندي واقترابه من المنطق الحديث في صورته التجريبية.
- (٨)
إن الانتقادات التي وجهها بعض المناطقة العرب إلى المنطق الأرسطي لا تخلو من أثر للفكر الهندي. ويبدو ذلك واضحًا في كتابات السَّهروردي المقتول، ونصير الدين الطوسي، وصدر الدين الشيرازي، والأبهري، وغيرهم من الذين اتصلوا بالثقافة الهندية أو اطلعوا عليها.
- (١)
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: قائمة المصادر والمراجع العربية
-
(١)
حمروش، د. علاء: تاريخ الفلسفة الشرقية، القاهرة، بدون تاريخ.
-
(٢)
ديورانت، ول: قصة الحضارة، الهند وجيرانها-الشرق الأقصى (الصين)، ترجمة: د. زكي نجيب محمود ومحمد بدران، المجلد الثاني، الهيئة العامة للكتاب، ٢٠٠٢م، القاهرة.
-
(٣)
كولر، جون: الفكر الشرقي القديم، ترجمة: كامل يوسف حسين، عالم المعرفة، عدد ١٩٩، صفر ١٤١٦، يوليو ١٩٩٥م.
-
(٤)
عبد الحميد، د. حسن: الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية، بحث منشور بمجلة كلية الآداب، جامعة صنعاء، العدد الثالث، ربيع الثاني ١٤٠١، مارس ١٩٨١م.
-
(٥)
ماكلوفسكي، ألكسندر: تاريخ علم المنطق، ترجمة: نديم علاء الدين وإبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، ١٩٨٧م.
ثانيًا: قائمة المصادر والمراجع الأجنبية
-
(1)
Bochenski, I. M., A History of Logic, Translated and Edited by Ivo Thomas, University of Notre Dame Press, Notre Dame, Indiana, 1966.
-
(2)
Colebrooke, H. T., On the Philosophy of the Hindus, Part II: On the Nyaya and Vaiseshika System, Trans. of Royal Asiatic Society, vol. I, London, 1824.
-
(3)
Demitriu, Anton, History of Logic, vol. 1, Abacus Press, Tunbridge Wells, Kent, England, 1977.
-
(4)
Franco, Eli, Jnanasrimitra’s Enquiry about Vyapti, Journal of Indian Philosophy, April, 2002 .
-
(5)
Gokhale Pradeep p., Inference and Fallacies Discussed in Ancient Indian Logic, Sri Satguru Publications, Delhi, India, 1992.
-
(6)
Keith, Arthur Berriedale, Indian Logic and Atomism: An Exposition of the Nyaya and Vaisesika System, Greenwood Press, Publishers, New York, 1968.
-
(7)
Matilal, Bimal Krishna, Logic, Language and Reality – Introduction to Indian Philosophical Studies, Shantilal Jain, Shri Jainendra Press, India, 1985.
-
(8)
Matilal, Bimal Krishna, The Character of Logic in India, Edited by Jonardon Ganeri and Heeraman Tiwari, State University of New York Press, New York, 1998.
-
(9)
Schuster, Nancy, Inference in the Vaisesikasutras, Journal of Indian Philosophy, vol. I, nos. 3-4, March-June, 1972 .
-
(10)
Price H. H., The Present Relations between Eastern and Western Philosophy, The Hibbert Journal, vol. LIII, April, 1955.
-
(11)
Radhakrishnan, S., Indian Philosophy, The Macmillan Company, New York, 1923.
-
(12)
Randle, H. N., A Note on the Indian Syllogism, Mind, vol. XXXIII, 1924.
-
(13)
Randle, H. N., The Indian Logic in the Early Schools, Oxford University, London, 1930.
-
(14)
Ritter, A. H., The History of Ancient Philosophy, Trans. by A. J. Morrison, University Oxford Press, Oxford, London, 1838.
-
(15)
Robinson, H. Richard: Some Logical Aspects of Nagarjuna’s System, Philosophy East and West, A Quarterly Journal of Oriental and Comparative Thought, vol. VI., no. 4, University of Hawaii Press, January, 1957.
-
(16)
Sastri, S. Subrahumanya, Logical Theory, in Encyclopedia of Indian Philosophies, Edited by Karl H. Potter, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, 1977.
-
(17)
Schayer, Stanislaw, Studies in Indian Logic, Essay 4, in Jonardon Ganeri: Indian Logic, Routledge Curzon, 2001.
-
(18)
Schayer, Stanislaw, On the Method of Research into Nyaya, in Jonardon Ganeri: Indian Logic, Routledge Curzon, 2001.
-
(19)
Tucci, Giuseppe, Pre- Dignaga Buddhist Texts on Logic from Chinese Sources, Gaekwad’s Oriental Series, vol. XLIX, Baroda, 1929.
-
(20)
Vidyabhusana, Satis Chandra, A History of Indian Logic – Ancient, Mediaeval and Modern Schools, Shantilal Jain at Shri Jainendra Press, Motilal Banarsidass, Delhi, India, 1971.