الفصل الثاني

المغايرة النسقية في التحليلات الأولى الأرسطية

تقديم

عندما وضع أرسطو تصنيفه للعلوم ميز بين ما كان منها علمًا نظريًّا غايته المعرفة؛ كالفيزيقيا والرياضيات والفلسفة الأولى، وما كان منها عمليًّا غايته السلوك؛ مثل الأخلاق والسياسة، وما كان منها إنتاجيًّا غايته إنتاج شيء جميل أو مفيد؛ مثل فن الشعر. أما المنطق فلم يذكره ضمن هذه العلوم. ولعل السبب في عدم اعتباره علمًا من العلوم، هو أن موضوعه أوسع من أي منها؛ لأنه يدرس التفكير الذي يستخدم فيها جميعًا، بل يدرس أيضًا التفكير الذي لا يدخل في نطاق العلم؛ كالتفكير الشائع عند جمهور الناس، والذي يستخدم في البلاغة. وكذلك يقدم المنطق القواعد التي تُجنب الإنسان الخطأ وترشده إلى الصواب. ومن هنا فقد عُدَّ المنطق عند أرسطو مقدمةً للعلوم تساعد على التفكير السليم.١
ويقال عن أرسطو: إنه الواضع الحقيقي لعلم المنطق؛ حيث كان له العديد من المؤلفات المنطقية التي جمعها تلاميذه وشراحه، وأطلقوا عليها اسم «الأورجانون organum» (أي الأداة أو الآلة)، وظل هذا الأورجانون المنهج الوحيد للتفكير حتى مطلع العصور الحديثة.٢
وقد جرى العرف على ترتيب الأورجانون الأرسطي طبقًا لأندرنيقوس الرودسي (القرن الأول ق.م.) في ستة كتب على النحو التالي: المقولات، ثم العبارة، ثم التحليلات الأولى، ثم التحليلات الثانية، ثم الطوبيقا، وأخيرًا كتاب السوفسطيقا.٣

ويقوم هذا الترتيب على أساس تحتويه المؤلفات. فيتناول كتاب المقولات دراسة الحدود، ويتناول كتاب العبارة القضايا، ويتناول كتاب التحليلات الأولى الأقيسة، ويتناول كتاب التحليلات الثانية الأقيسة الضرورية، ويتناول كتاب الطوبيقا الأقيسة الاحتمالية، ويتناول كتاب السوفسطيقا الأقيسة المموهة القائمة على المغالطة (أي الأغاليط الصورية).

إلا أن أرسطو لم يتبع هذا الترتيب في مؤلفاته. ولا يوجد أي دليل يؤيد الرأي الشائع القائل بأن أرسطو قد اعتبر كل هذه المؤلفات — فيما عدا التحليلات الأولى والثانية — فصولًا متتابعة في مؤلف مرتب عن المنطق.٤
وموضوع هذا البحث هو «المغايرة النسقية في التحليلات الأولى الأرسطية»، وفيه نحاول أن نطبق هذا المبدأ المعرفي: «يمر العلم في انتقاله من مستوى الممارسة التلقائية العفوية إلى مستوى الصياغة النظرية لقواعد العلم»،٥ الأمر الذي قد يُحدث نوعًا من المغايرة النسقية.
ولتوضيح ما يعنيه هذا المبدأ نقول مع الدكتور «حسن عبد الحميد»: إن أي علم على الإطلاق قد مر في تاريخه بمرحلتين أساسيتين ومتميزتين: مرحلة الممارسة اليومية التلقائية التي يغلب عليها الطابع الإيديولوجي، ومرحلة الصياغة النظرية للقواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تجعل من المعرفة معرفة علمية بالمعنى الدقيق للكلمة.٦ أو هو الانتقال مما هو ضمني إلى ما هو صريح وواضح، فالطفل أو الرجل الأمي — على سبيل المثال — يستطيع كلاهما أن يستخدم اللغة استخدامًا صحيحًا نسبيًّا وبدون حاجة إلى تعلم قواعد النحو الخاصة بهذه اللغة أو تلك، ولو سألنا أحدهما أن يستخرج قواعد اللغة التي يتحدث بها، وأن يُصيغها صياغة نظرية، لما كان هذا في إمكانه، والسبب في ذلك أننا ننقله في هذه الحالة من مستوى الممارسة اليومية للغة إلى مستوى الصياغة النظرية لقواعدها.٧
والانتقال هنا هو انتقال من مستوى الممارسة اليومية العفوية للمعرفة إلى مستوى الوعي بالقواعد النظرية التي تنظم هذه المعرفة وقد أصبحت علمًا. وهذا الانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني لا يتم إلا عن طريق «قطع الصلة» — إلى حد ما — بالممارسات اليومية ذات الطابع الحدسي والتلقائي التي تسيطر على المعرفة قبل أن تتحول إلى علم.٨
والمغايرة النسقية هي «التغير الذي ينتج عنه أمر جديد كل الجدة، ولكنها عبارة عن مسار معقد متشابك الأطراف تنتج عنه مرحلة جديدة متميزة في تاريخ العلم.»٩ ومعالم المغايرة النسقية يمكن تتبعها على ثلاثة مستويات: مستوى لغة العلم من جانب، ومنهجه من جانب آخر، ومستوى نظرية العلم من جانب ثالث.١٠
ويمكن تطبيق هذا المبدأ المعرفي على الكتاب الثالث من الأورجانون الأرسطي، وهو كتاب التحليلات الأولى؛ حيث إن هذا الكتاب يمثل ثورة داخل ميدان المنطق، وهذه الثورة قد أنجزها أرسطو بمفرده ونقل بها هذا الفرع من فروع المعرفة من مرحلة الممارسة العفوية — والتي تمثلت في التفكير المنطقي في الفكر الفلسفي اليوناني السابق على أرسطو في القرن الخامس والنصف الأول من القرن الرابع ق.م. وبالأخص لدى الإيليين والسوفسطائيين وصاحب الأكاديمية «أفلاطون» — إلى مرحلة الصياغة النظرية،١١ والتي تسمى بالمغايرة النسقية.
وبالتالي يمثل كتاب «التحليلات الأولى» مرحلة المغايرة النسقية ليس فقط مع كل صور الممارسات السابقة للفكر المنطقي عند الإيليين والسوفسطائيين وأفلاطون، بل إن هذا الكتاب يقطع الصلة بينه وبين مؤلفات أرسطو المنطقية.١٢

والمتفحص لكتاب التحليلات الأولى يجده مختلفًا تمام الاختلاف عن كل ما سبقه من تراث منطقي؛ أي بدون أن يلغيه أو ينفيه، بل يتعداه ويتجاوزه.

ونستطيع أن نجمل الجدة المنطقية التي تميز هذا الكتاب فيما يلي:١٣
  • لغة جديدة كل الجدة صاغها أرسطو للتعبير عن نظرية القياس وقواعده وأشكاله وضروبه، وهي لغة المتغيرات.

  • منهج جديد استخدمه أرسطو لأول مرة في تاريخ علم المنطق، وهو المنهج الاستنباطي.

  • نظرية مكتملة في الاستدلال المنطقي التحليلي هدفها العلم الاستنباطي البرهاني.

ولقد بقي علم المنطق كما صاغ أرسطو نظريته ووضع لغته وحدد منهجه، كما هو حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، وهذا حدا بالفيلسوف الألماني «كانط» Kant (١٧٢٤–١٨٠٤م)، حينما لاحظ في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه «نقد العقل الخالص» بأن المنطق لم يتقدم خطوة واحدة منذ أيام أرسطو، وأن نظرية القياس — وهي صلب المنطق الأرسطي — قد وجدت صياغتها الأخيرة والنهائية في كتاب التحليلات الأولى.١٤

وعلى هذا يمكن تقسيم البحث إلى قسمين؛ الأول: الممارسة العفوية التلقائية للتفكير المنطقي في الفكر الفلسفي السابق على أرسطو. والثاني: أبعاد المغايرة النسقية في كتاب التحليلات الأولى.

وبخصوص المنهج المستخدم في البحث نود الإشارة بأنه هو المنهج التحليلي النقدي، حيث إنه في اعتقادي أنسب المناهج التي يمكن أن نعالج بها «المغايرة النسقية في التحليلات الأولى الأرسطية».

أولًا: الممارسة العفوية التلقائية للتفكير المنطقي في الفكر الفلسفي السابق على أرسطو

من المعروف أن المنطق هو العلم الذي يبحث عن المبادئ العامة للتفكير الصحيح، إذ يضع الشروط الضرورية والكافية التي يتم بواسطتها الانتقال من قضايا نفترض صدقها إلى النتائج اللازمة عنها،١٥ ومن المعروف كذلك أن أرسطو أول من صاغ — بطريقة علمية — نظرية هذا العلم الذي سبق تاريخيًّا كل العلوم في التأسيس، ولكن الناس لم ينتظروا صياغة لقواعد المنطق حتى يفكروا، والإنسان حيوان مفكر منذ أن وجد على سطح الأرض. المنطق كعلم يفترض — مسبقًا — المنطق كممارسة يومية تلقائية، شأنه في ذلك شأن النحو الذي يفترض المقدرة على الاستخدام المسبق للغة، فالعلم أيًّا كان لا يبدأ إلا حين يتجه المفكر إلى الواقع العملي لهذا العلم، ولكي يُصيغه صياغة نظرية.١٦
ولقد أخذت مرحلة الممارسة العفوية التلقائية للتفكير المنطقي في الفكر الفلسفي اليوناني السابق على أرسطو في القرن الخامس والنصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد صورًا عدة، وذلك على النحو التالي:
  • (أ)
    الفكر الجدلي كما تمثل في فلسفة الإيليين وحججهم الخاصة بنفي الكثرة والحركة … إلخ، والجدل الإيلي استمد جزءًا من مفاهيمه الأساسية من الفكر الرياضي الذي بلغ حدًّا معقولًا من التطور في هذا الوقت، مثل مفهوم القسمة الثنائية ومفهوم اللانهاية.١٧
    ويرى «ديوجين اللائرسي» Diogenes Laertius أن أرسطو كان يعزو اختراع فن الجدل إلى «زينون الإيلي»،١٨ تلميذ «بارمنيدس» (٥٤٧–٥٤٠ق.م.) الذي كان يرى أن العالم واحد، لا كثرة فيه ولا انقسام حقيقي، وثابت لا حركة فيه ولا انتقال، وكان زينون أول من استخدم برهان الخلف كأداة جدلية لدحض آراء خصوم أستاذه من الفيثاغوريين الذين رأوا أن العالم مكون من وحدات منفصلة أو أعداد.١٩
    ويبدو أن أرسطو حينما قال: إن «زينون» هو الذي أسس فن الجدل، إنما كان يشير إلى مفارقات زينون التي دحضت بعض فروض خصومه، بأن استخرجت منها نتائج لا يمكن التسليم بها، كما أنه من المحتمل أن يكون «أرسطو» قد وضع متناقضات زينون في الاعتبار، كما لو كانت أمثلة بارزة عن الجدل؛ بمعنى دحض فروض الخصوم بإظهار النتائج غير المقبولة الناشئة عن تلك الفروض. فعلى سبيل المثال فإنه من غير المعقول أن «أخيل» لن يلحق بالسلحفاة أبدًا. ومن ثم فإن الفروض التي تقود إلى هذه النتيجة يجب أن ترفض، طالما أن هذه الطريقة تعتمد على قانون المنطق الصوري، وهي معروفة «ببرهان الخلف» أو «القياس الشرطي المتصل في صورة نفي المقدم Modus Tollens».٢٠
    ويمكن توضيح ذلك بشيء من التفصيل إذا ما رجعنا إلى ما أورده أرسطو من حججه في امتناع الكثرة والحركة، نجد ثماني حجج، أربع منها في نفي الكثرة وأربع منها في نفي الحركة.٢١

    نبدأ بحجج نفي الكثرة، حيث تمثل الحجتان الأُوليان في الحقيقة حجة واحدة ذات فرعين، يستندان معًا على المقدمة المشتركة: إذا كانت هناك كثرة فلا تخلو الكثرة من أن تكون إما كثرة مقادير ممتدة في المكان، أو كثرة آحاد أو أعداد ممتدة وغير متجزئة. وتعتمد الحجة الأولى على الفرض الأول من فرض التالي. فإذا كانت هناك كثرة، فإنها تكون كثرة مقادير ممتدة في المكان، ومعنى ذلك أن المقدار يكون قابلًا للقسمة إلى آحاد غير متجزئة، لا تؤلف مقدارًا منقسمًا، وبذلك يكون المقدار المحدود المتناهي حاويًا أجزاء حقيقية غير متناهية العدد، وهذا خلف.

    وهذه الحجة تمثل ردًّا إلى المحال، وبالتالي تكون صيغتها المنطقية كالآتي:

    ك) ك] : ق.٢٢

    ولننتقل إلى الحجة الثانية القائمة على الفرض الثاني: لو كانت هناك كثرة، إنها تكون مكونة من آحاد غير متجزئة. وهذه الآحاد تكون متناهية العدد لتعينها، ما دامت حقيقية، وهي منفصلة، والمنفصل يفصل بينه أوساط، ويفصل بين هذه الأوساط أوساط أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، مما يناقض المفروض.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:

    [(ق ك) ك]: : ك.٢٣

    وتقوم الحجة الثالثة على أنه إذا كانت الكثرة حقيقية، كان كل واحد من آحادها يشغل مكانًا حقيقيًّا، ولكن هذا المكان يجب أن يكون في مكان، وهكذا إلى غير نهاية، وهذا خلف، فالكثرة غير حقيقية.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:

    [(ق ك) ك]: : ق.٢٤

    حيث تشير «ك» إلى الأماكن المتناهية التي تشغلها آحاد المكان المتناهية المتعينة، وتشير «ك» إلى الأماكن اللامتناهية التي يتسلسل الاحتواء فيها إلى ما لا نهاية.

    وإذا انتقلنا إلى الحجة الرابعة نجدها تختلف عن الحجج السابقة، إذ يذهب «زينون» إلى أنه إذا كانت الكثرة حقيقية وجب أن يقابل النسبة العددية بين كيلة الذرة وحبة الذرة وجزء على عشرة آلاف من الحبة، نسبة مساوية لها بين الأصوات الحادثة من سقوطها إلى الأرض، ولكن الواقع يخالف ذلك، فالكثرة إذن ليست حقيقية.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:

    [(ق ك) ك)]: : ق.٢٥
    حيث تشير «ك» إلى ما ينتج عن تسليم الخصم. وتشير « ك» إلى ما هو في الواقع مما يخالف ما نتج عن الفرض المحال.

    أما بالنسبة لحجج نفي الحركة، نجد أن الحجة الأولى والتي تسمى بحجة القسمة الثنائية، وهي تعتمد على فرض: إذا كان المكان موجودًا فهو موجود في شيء، ولكن الشيء الذي يوجد في شيء يوجد أيضًا في مكان، فالمكان إذن يجب عليه أن يوجد هو نفسه في مكان. وهذا إلى ما نهاية، فالمكان إذن غير موجود.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:
    ق ق: : ق.٢٦

    ومعناها: إذا كان يلزم عن قضية ما كذبُ هذه القضية فهذه القضية كاذبة.

    أما الحجة الثانية من حجج نفي الحركة، هي التي تسمى بحجة «أخيل والسلحفاة» وهي شديدة الصلة بالحجة الأولى، أو بالأصح تطبيق لها على مثال، فلو كانت هناك حركة لاستطاع أخيل — وهو أسرع عداء في اليونان — أن يسبق سلحفاة تتقدمه بمسافة، إذا بدآ السباق في وقت واحد، ولكنه لا يسبقها لأنه عندما يقطع المسافة الفاصلة بينهما، تكون السلحفاة قد قطعت مسافة أخرى، وعندما يقطع المسافة التي قطعتها، تكون السلحفاة قد قطعت ثانية … وهكذا إلى ما لا نهاية.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:
    [(ق ك) ك]: : ق.٢٧

    وأما الحجة الثالثة فهي التي تسمى بحجة السهم، وهي قائمة على أن الزمان مؤلفٌ من آنات غير متجزئة، يشغل السهم في كل منها مكانًا مساويًا لطوله، لا يبارحه في كل آن، وبذلك فإنه ساكن غير متحرك في كل آن، أو أنه لا ينطلق إلى هدفه.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:
    [(ق ك) ك]: : ق.٢٨
    حيث تشير «ك» إلى انطلاق السهم ووصوله إلى هدفه، وتشير « ك» إلى عدم انطلاقه وعدم وصوله إلى هدفه.

    أما الحجة الرابعة والأخيرة، وهي الحجة المعروفة بحجة الملعب، وهي تقوم كذلك على كون الزمان مؤلفًا من آنات غير متجزئة، وكون المكان مركبًا من نقط غير منقسمة. يحاول «زينون» أن يثبت أن فرض وجود الحركة يؤدي إلى تناقض، فلو تحرك جسم مكوَّنًا من أربع وحدات (طوله نصف طول ملعب) في عكس اتجاه جسم آخر موازٍ له ومتحرك بنفس السرعة مركب من أربع وحدات (طوله نصف طول الملعب نفسه)، فإن كلًّا منهما يقطع طول الآخر في نصف الزمن الذي يقطع فيه كل منهما طول جسم ثابت مكون من أربع وحدات موازٍ لهما. وعلى ذلك فإن الحركة تقطع نفس المسافة في زمن معين، وفي ضعف من الزمن، فيكون نصف الزمن مساويًا لضعفه، وهذا خلف، فالحركة وهم.

    وهذه الحجة تعتمد على الصيغة المنطقية بشكل مضمر، وذلك على النحو التالي:
    ك)]: : ق.٢٩
    يتضح لنا مما سبق أن زينون كان رائدًا من رواد المنطق في مرحلة الممارسة العفوية التلقائية، حيث إنه لا يوجد أي دليل يثبت أنه كان بمقدوره أن يصوغ بعض قوانين برهان الخلف، فقد ترك لأرسطو فيما بعد ليضع صراحةً القواعد التي تحكم هذا النوع من الجدل، وكذا لينشئ علم المنطق الصوري. وزينون كما نرى لا يدعي أنه سيبرهن على نظرية من النظريات، وإنما يقتصر على دحض نظرية خصومه؛ وخصومه هم الفيثاغوريون، ولم تكن غاية زينون المباشرة في بادئ الأمر أن يقيم نظرية أو يبرهن على صحة نظرية من النظريات، بل كان هدفه أن يهدم نظريات خصمه، وهذا هو الجدل السالب. ثم إن هذا الجدل لا يأتي من مقدمة ثابتة؛ بل من مقدمات يتقبلها الخصم أو يحبذها. إنه جدل يتجه إلى تبيان عيوب الخصم ومغالطاته ad hominem.٣٠
  • (ب)
    وبجوار هذا النوع من ممارسة فن الجدل، والذي يقوم على مهاجمة الجانب الصادق من دعوى الخصم وحججه، والذي يمثله الإيليون، نجد نوعًا آخر من هذا الفن، وفيه ينشد المتحاور الأخطاء المنطقية التي يرتكبها خصمه في الدفاع عن دعواه، وهذا النوع الثاني يفترض معرفة منطقية — ولو ضمنية — تؤهل المتحاور لمعرفة البراهين السليمة من غير السليمة منطقيًّا معرفة دقيقة، وذلك لأن مغالطات الخصم ليست دائمًا من النوع البريء اللاإرادي، أليست القدرة على إعطاء براهيننا العقلية الخاطئة مظهرَ الأشكال المنطقية السليمة تعتبر دليلًا على إجادتنا لفن الجدل والحوار من أجل تبرير وجهة نظر متناقضة أو من أجل إلزام الخصم بإقرار قضية تضعه موضع الحرج.٣١
    ويعد السوفسطائيون خير من يمثل هذا الجانب من الجدل؛ حيث كانوا يلجَئون في ذلك إلى حيل لغوية متقنة، وحجج تبدو — بما لها من حبكة لفظية — متقنة أكثر من اللجوء إلى إقامة البرهان على صحة دعواهم، فكانت قوة حججهم تقوم على الاستهواء أكثر من اعتمادها على الإقناع العقلي. ولذلك كانت نقطة انطلاقهم تلك الآراء الشائعة التي يسلم بها الناس دون نقد، ويقرون بها دون أن تكون واضحة في أذهانهم. وهنا يستطيع السوفسطائي، بما أوتي من قدرة لفظية بارعة وموهبة في الجدل كبيرة؛ أن يستميل المستمعين إلى حججه بما تبدو عليها من قوة وإقناع ظاهري.٣٢
    وبهذا تحول الجدل لدى السوفسطائيين إلى نوع من السفسطة، أي إلى فن يستخدم المرء فيه المنطق في سبيل إرضاء مآربه. وهكذا نجد أن السفسطة جدل يُستعمل لخدمة مآرب من يلجأ إليه دون أي اهتمام بالحقيقة، ويمكنه البرهنة على صحة القضية بعد البرهنة على صحة نقيضها، ونعلم أن السوفسطائي هو الذي يلجأ بصورة منتظمة إلى حجج خادعة ليس لها من الصحة غير الظاهر في سبيل الوصول إلى غاياته، وهذا ما يُدعى بالسفسطة. فقد ادعى السوفسطائي «بروتاجوراس» أن بمقدوره أن يجعل الحجة الأردأ تبدو الأفضل أكثر من تعلقه بالمنطق أو بالفلسفة. وقد سمى أفلاطون هذه الصورة المنحطة للجدل ﺑ «الجدل المموه»، وكان ذلك في محاورة السوفسطائي. كما اعتقد أرسطو أيضًا أن السوفسطائيين يستحقون لأن يرد عليهم، وذلك في كتابه «دحض الحجج السوفسطائية»، وإن كان قد ميز بصفة حاسمة بين الجدل والجدل المموه، إلا أن الجدل بالنسبة له كان نشاطًا موجهًا للاحترام.٣٣
    واستخدام السوفسطائيين للجدل المموه جعلهم يتفوقون في فن الخطابة؛ حيث وضعوا ذلك الفن في منزلة تفوق منزلة العلوم والفنون جميعًا؛ فقد اعتبروها قوة تمنح الحرية للبشر، فبها يدافع المرء عن حقه، ولقد ذكر «جورجياس» الخطابة بأنها: فن الكلام المقنع؛ ولذا فلا غنى عنها لكل الفنون الأخرى، وذلك لأن كل المشتغلين في هذه العلوم والفنون بحاجة إلى فن الإقناع للتعبير عن علومهم وإقناع الآخرين.٣٤
    ولقد كان من أكبر مظاهر الخطابة لدى أصحاب النزعة السوفسطائية، هو الدفاع عن الفكرة ومقابلتها، فكان السوفسطائي إذا تناول الطرف الراجح من موضوعه، قواه وأبرزه في صورة فنية من الخيال والجمال، بحيث يصل به إلى درجة اليقين.٣٥
    كما تطرق السوفسطائيون من خلال وضعهم لنظرية الخطابة إلى البحث في مسائل المنطق بطريقة عفوية تلقائية؛ حيث نجدهم صاغوا العديد من آرائهم وبراهينهم على أساس من قوانين الفكر، وبخاصة قانون عدم التناقض واستحالة الحكم على قضية ما بأحكام متناقضة، حيث يتضح من جدلهم الذي كان يهدف إلى دحض أقوال خصومهم على تبنيهم لقانون عدم التناقض، والذي استطاعوا به أن يحققوا هدفهم في نقض الخصم وإلزامه أشياءَ شنيعة أو أمورًا هي في المشهور كاذبة، ومن ثم رفضها.٣٦
    كما ميز السوفسطائيون بين أنواع القضايا وكيفية الحمل بشكل تلقائي عفوي، نجدها لدى «بروتاجوراس»، إذ قدم لنا في كتابه «في الحديث الجيد»، تمييزًا لصيغ الإسناد المختلفة، فنراه يقسم أساليب الكلام إلى سبعة: خبري؛ أي تقريري، سؤال، جواب، أمر، نداء، سرد، ورجاء.٣٧
    واستخدم السوفسطائيون كذلك القضايا ذوات الجهة الممكنة والاحتمالية، وينسب أفلاطون إلى جورجياس بداية صياغة القضايا في أسلوب جديد هو صياغة الاحتمال، كما يقول بأن «تيسياس» قد ساهم بنصيب في هذا الأمر، إذ إنهما كانا يبجلان الاحتمال أكثر من تبجيلهما للحقيقة التي تكون هي ذاتها غير قابلة للاحتمال.٣٨
    كما عرف السوفسطائيون الأقيسة الشرطية (وأقصد هنا القياس الإحراجي غير اليقيني الذي استخدمه «بروتاجوراس»)، واستخدموها في استدلالاتهم بصورة عفوية تلقائية، مثال ذلك حجة بروتاجوراس ضد تلميذه «أواتلس» الذي امتنع عن دفع باقي أجر أستاذه، إذ اتفق أن يعطيه إياه بعد أن يكسب أولى قضاياه. فأورد بروتاجوراس الحجة التالية: إذا كسبت القضية فيجب أن تدفع لي بناء على أمر القاضي. وإذا خسرتها فيجب أن تدفع لي بناء على العقد المبرم بيننا، ولكنه إما أن تكسب القضية أو تخسرها. إذن يجب أن تدفع إليَّ لا محال.٣٩

    يتضح لنا مما سبق أن الفكر الجدلي السوفسطائي قد أعد العقلية اليونانية وهيأها لاستقبال المنطق الأرسطي بعد ذلك.

  • (جـ)
    بلغت مرحلة الممارسة العفوية التلقائية لعلم المنطق قبل أرسطو قمتها عند أستاذه أفلاطون؛ حيث تشهد محاوراته مدى الذكاء والألمعية في إدارة المناقشة والحوار، إلا أن المبادئ المنطقية التي تحكم هذه المناقشة وتنظيمها لا تزال عنده ضمنية وليست صريحة؛٤٠ الأمر الذي أدى بمؤرخ مثل «بوشنسكي» إلى القول بأن «وضع أفلاطون في تاريخ المنطق معقد إلى حد ما؛ حيث إن جدله يعد فيما يبدو لنا خليطًا من علوم ومناهج مختلفة، فهو في ناحية يتضمن فن المناظرة والميتافيزيقيا والمنطق. ولهذا فإن قراءة محاوراته أمر لا يحتمله المنطقي تقريبًا؛ نظرًا لاحتوائها على أخطاء منطقية عديدة. إذ يكفي أن نذكُر تمسكه بالمبدأ الكاذب [كل أ هو ب كل لا أ هو لا ب]، أو الصعوبة في فهمه أن الذي لا يسلم بأن [كل أ هو ب] لا يجب عليه بالضرورة أن يسلم بأن [كل لا أ هو ب].٤١
    ومع ذلك فإن ما قام به أفلاطون في تاريخ المنطق كان له أهمية كبيرة؛ منها أنه أول من فكر وعرض بوضوح فكرة القوانين الصحيحة للتفكير، والتي كان يعلنها من وقت لآخر في سياق محاوراته، حيث يؤكد مؤرخ المنطق «وليم نيل» أن محاورات أفلاطون كانت تتألف من حجج تتعلق بموضوعات فلسفية، وبالتالي فمن الملائم أن يعمل أفلاطون على تقوية حجته من الناحية السيكولوجية عن طريق إضافة تغيير صريح لمبدئه؛ أنه إذا شك الشخص في الحجة، فإنه ربما يسلم بصحة مبدئه، وبذلك يكون الشخص مضطرًّا للتسليم بصحة الحجة.٤٢
    ولقد أعلن أفلاطون بهذه الطريقة عددًا من المبادئ المنطقية بشكل عرضي؛ حيث استخدم مبدأ التناقض كمعيار للفكر، كما رأى أن جميع الأشياء المتعينة لا تستطيع في وقت واحد ومن جهة واحدة أن تنطوي على خاصيات متناقضة. كما نظر أفلاطون لمبدأي الهوية والتناقض كقانونين للوجود، وإن كان «أفلاطون» لم يفسر مبدأ التناقض باعتباره قانونًا للفكر إلا في الكتاب العاشر من الجمهورية.٤٣
    ومن جهة أخرى، فقد احتوت محاورة «السوفسطائي» على أفكار منطقية أكيدة أفاد منها أرسطو — إفادة لا شك فيها — في اكتشاف أمرين أساسيين بالنسبة للمنطق فيما بعد، وهما القضية الحملية من جانب ومبدأ القياس من جانب آخر؛٤٤ وقد أخذ أرسطو الفكرتين معًا من أستاذه أفلاطون، حينما كان بصدد قراءة نظريته في التعريفات قراءة نقدية.٤٥
    ولقد أخبرنا أرسطو، فيما بعد كما يرى بعض الباحثين، من أنه توصل إلى اكتشافين هامين لصياغة علم المنطق، حينما كان يفكر في المشكلات التي تعرض لها أستاذه أفلاطون، ولم يستطع هذا الأخير حلها. فقد استرعى انتباه أرسطو نوعان من المشكلات كلاهما يتعلق بفكرة الجدل كما فهمها أفلاطون؛ حيث فهم أفلاطون المنهج الجدلي على أساس أنه مكون من خطوتين متتاليتين وعكسيتين؛ الخطوة الأولى: هي خطوة صاعدة، ونستطيع بواسطتها الصعود رويدًا رويدًا حتى نصل إلى المثال الأعلى، وهو مثال الخير أو الواحد. والخطوة الثانية: وهي خطوة هابطة نستطيع من خلالها — وعن طريق القسمة الثنائية المتوالية — أن نهبط سلم الأجناس والأنواع حتى نصل إلى الأنواع الدنيا من هذا السلم.٤٦
    ولا شك في أن أرسطو قد استفاد من هذا المنهج في صياغة الاستقراء ونظرية التعريفات العامة، ولفهم هذه النقطة يجب أن نتعرض لمفهوم التعريف عند سقراط وأفلاطون. ذهب سقراط إلى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته التي يكتشفها العقل من خلال بحثه وراء الأغراض المحسوسة، ويعبر عنها بالحد، وغاية العلم هو إدراك الماهيات، أي تكوين معان تامة بالحد، فكان يستعين بالاستقراء، فيتدرج به من الأجزاء البسيطة المحيطة بنا، والتي يمكن ملاحظتها في الحياة العادية، إلى الماهية المشتركة بينها، فلقد رد سقراط جدله كله إلى الحد والماهية، فيتساءل ما الخير وما الشر وما العدالة وما الظلم وما التقوى والإلحاد؟ وهكذا فكان يجتهد في حد الألفاظ والمعاني حدًّا جامعًا مانعًا.٤٧
    ولقد انتقد أفلاطون أستاذه سقراط، فهو يرى أنه لا بد من عبور مستوى المعرفة الظنية التي اكتسبناها عن طريق الاستقراء الحسي إلى مستوى العلم الحقيقي الذي يستند إلى ماهية الشيء المراد تعريفه؛ أي تلك الرابطة الضرورية التي تضمن تماسك الخصائص والصفات التي ينص عليها التعريف. وهكذا طور أفلاطون الفلسفة السقراطية القائمة على المفهوم، لكي تصبح الفلسفة الأفلاطونية القائمة على المثال؛ أي تلك الفلسفة القائمة على المثل من حيث هي كائنات مفارقة ومنفصلة عن الموجودات الجزئية.٤٨
    بيد أن أرسطو لم يقبل هذا الفهم الأفلاطوني لنظرية التعريفات؛ لأنه يصعب معه شرح الجمل أو القضايا الحملية، كتلك القضية التي تقول: «س» هي «ص»، أو «س» توصف بالصفة «ص»، أي القضايا التي يمكن تحليلها إلى موضوع ومحمول، والصعوبة تأتي من أن كل مثال يمكن اعتباره متميزًا بوجود مستقل ومنفصل، فهو أقرب إلى الموضوع منه إلى المحمول، ولهذا فإنه يلعب بصعوبة دور المحمول بالنسبة للموضوع؛ وبمعنى آخر فإن المثال الأفلاطوني هو عبارة عن نموذج ويتميز بمعنى ما من المعاني الجزئية، ولهذا فإنه يصعب علينا — من وجهة نظر أرسطو — أن نحمله على العديد من الموضوعات؛ ولهذا فإن أرسطو يعالج المفهوم Concept لا كمثال؛ بل كمحمول في إمكانه أن يحمل على موضوع معين، بل على عدة موضوعات يجمعها في فئة واحدة. وهكذا استطاع أرسطو أن يرسي الأساس الذي أقام عليه القضية الحملية، إحدى الدعائم الأساسية التي أقام عليها منطقه.٤٩
    ولقد استفاد أرسطو من الخطوة الثانية من منهج أفلاطون، والخاصة بالحركة الهابطة في اكتشاف نظرية القياس؛ حيث إن الطريقة التي يحدد بها أفلاطون معنى أي مفهوم من أجل الوصول إلى تعريف له، هي القسمة المتتالية؛ فمن أجل تحديد مفهوم معين، وليكن «س»، يجب أن نبدأ من مفهوم أعم، وليكن «أ»، وأن نهبط بعد ذلك سلم الأجناس والأنواع، وأن نقسم المفهوم الأعم «أ» إلى المفهومين الأكثر تحديدًا «ب» و«لا ب» على شرط أن يستثني كل منهما الآخر، وأن يكونا معًا جامعَين لكل الأفراد التي تدخل في نطاق المفهوم العام أ. وحينما نضع المفهوم س المراد تحديده ضمن أحد طرفي القسمة، ونستثنيه من الدخول في الطرف الآخر، فإننا نكون بهذا قد وصلنا إلى تحديد أدق.٥٠
    ويقدم أفلاطون في محاورة «السوفسطائي» مثلًا أوليًّا لشرح الطريقة التي تعرف الألفاظ عن طريق القسمة الثنائية، على أساس أن اللفظة المراد تعريفها هي «صيد الأسماك بالخطاف»، ويلاحظ أولًا أن صيد الأسماك يعد فنًّا، ومن ثم فإن الجنس الأول هو «الفنون»، وهي تنقسم إلى فنون للاقتناء وأخرى للإنتاج، وصيد الأسماك ينتمي إلى الفئة الثانية، وينقسم الاقتناء إلى ما يتم برضاء موضوعها، وما يقتنص فيها الموضوع. وهنا ينتمي صيد السمك إلى النوع الأخير، وقد تكون الأشياء المقتنصة جمادًا وحيوانًا. والصيد يتعلق بالأحياء، والأحياء تعيش على اليابس أو الماء، وهنا نجد موضوعنا ينتمي إلى الفئة الثانية، وقد تمسك بالشبكة أو بالطَّعن، وقد نقتنصها ليلًا أو نهارًا، وقد تضرب من أعلى أو من أسفل، وهذا النوع يتم فيه الضرب من أسفل، وبتجميع الصفات الفاضلة، نعرف من صيد السمك بالخطاف على أنه: فن اقتناء عن طريق قنص مخفف لحيوانات تعيش في الماء مع صيدها نهارًا وطعنها من أسفل، وهكذا حتى نحدد عن قرب مفهوم الصيد بالقنص.٥١
    تلك هي الطريقة الأفلاطونية في التعريف، وهي طريقة تقوم على وضع علاقة بين طرفين بواسطة طرف ثالث علاقته بهما معلومة، وذلك بأن يقسم الجنس بخاصيات نوعية تضاف إليه. فيطبق ماصدقه، وتجعل فيه أقسامًا مختلفة تطلق عليها أسماء مختلفة، ولكنها تشترك في معنى واحد؛ أي إننا نقسم الجنس إلى نوعين، ثم نقسم كل نوع من هذين النوعين إلى قسمين. وهكذا حتى تستنفد القسمة، فيكون المتبقي هو التعريف المطلوب.٥٢
    أما أرسطو؛ فلم يقبل القسمة الأفلاطونية للتوصل إلى التعريف، ومع أنه استخدم القسمة الأفلاطونية في منهج التحليل — المرحلة الأولى لتكوين الحد — إلا أنه هاجمها هجومًا عنيفًا، وقرر أنها قاصرة عن الوصول إلى الحد، إذ تعد قياسًا ضعيفًا أو عاجزًا، وذلك لأنها لا تخلو من الحد الأوسط، وهو العنصر الأساسي في القياس عند أرسطو، كما أنه هو الرابطة التي تربط بين الحدين الأكبر والأصغر، ففي القسمة إذن دور أو مصادرة على المطلوب.٥٣
    ويقدم لنا أرسطو في كتابه «التحليلات الأولى» مثالًا لطريقة التعريف بالقسمة الثنائية، وكيف أنها لا تعدو أن تكون قياسًا حقيقيًّا، فيقول: «إذا كانت لدينا المقدمات التالية: الإنسان حيوان، والحيوان إما مائت أو غير مائت، فالذي يلزم عن هاتين المقدمتين هو: أن الإنسان إما مائت أو غير مائت، وليس أنه أحدهما على وجه الخصوص. وكذا إن كان لدينا المقدمة: إن الإنسان حيوان مائت، والمقدمة: المائت منه ذو رجلين، ومنه ذو أرجل كثيرة. وأردنا أن نعرف أي النوعين يحمل على الإنسان، فإننا لا نستطيع أن نستفيد ذلك من طريق القسمة بأي حال من الأحوال.»٥٤ وذلك لكون القسمة قياسًا يخلو من الحد الأوسط.

    وحتى ندرك الفرق بين طريقة كل من أفلاطون وأرسطو في التعبير عن هذه الواسطة نلخص ما قلناه فيما يلي:

    أفلاطون

    س هي أ
    أ تنقسم إلى ب ولا ب
    إذن س هي؟

    أرسطو:

    س هي أ، أو س هي أ
    أ هي ب، أ هي لا ب
    إذن س هي ب، إذن س هي لا ب
    ولهذا السبب، فإن أرسطو على حق حين وصف منهج القسمة الثنائية، بأنه قياس ضعيف وغير برهاني؛ لأن النتيجة فيه لا تستخلص من المقدمات فقط، وإنما تعتمد على الحدس من جانب، والتجربة من جانب آخر.٥٥

يتضح لنا مما سبق أن الفكر المنطقي الأفلاطوني لم يتعد مرحلة الممارسة العفوية للتفكير المنطقي عند اليونان، والدليل على ذلك أن لغة أفلاطون المنطقية هي نفس لغة الإيليين والسوفسطائيين، كما أن منهج أفلاطون المنطقي هو بعينه المنهج الجدلي الفلسفي الأفلاطوني الذي يقوم في شقه الهابط على طريقة القسمة الثنائية ذات الأصول الإيلية والرياضية.

ثانيًا: أبعاد المغايرة النسقية في كتاب التحليلات الأولى

لا شك في أن الأورجانون الأرسطي — بشهادة معظم مؤرخي المنطق — قد تطور إلى حد بعيد، وأنه لا يوجد كتاب من كتابات أرسطو المنطقية ظل بدون تغيير، فضلًا عن أن معظم تلك الكتب قد وضعها أرسطو في زمن متأخر داخل إطار عام يتطابق إلى حد ما مع تعاليمه الأخرى، ولذلك فإن تحليل الخطوات المختلفة في تطوره تعد مهمة صعبة.٥٦
وهذه الصعوبة تتمثل في أن كل كتابات الأورجانون ليست على مستوى واحد، فبعض النصوص — كما يذكر مؤرخ المنطق «بوشنسكي» — لا تتجاوز نصوص أفلاطون أو معاصريه، بينما تدل نصوص أخرى على قدرة منطقية خارقة، وبالتالي فهي تكشف عن تقدم ملموس بالمقارنة مع النصوص الأخرى.٥٧
ويذكر مؤرخ المنطق «بوشنسكي» أنه يمكن استخدام معايير عديدة لذلك الأمر، وذلك على النحو التالي:٥٨
  • (١)

    استخدام القياس التحليلي (الحملي)، والذي يعد بمثابة الاكتشاف الأخير.

  • (٢)

    استخدام الحروف، كاختصارات وكمتغيرات.

  • (٣)

    مستوى الصرامة المنطقية، والأسلوب الذي كان مختلفًا جدًّا في كتابات عديدة، وربما من المفترض أن يكون قد تحسن مع الوقت.

  • (٤)

    التحسن الذي طرأ على تحليل القضية، من الشكل البسيط «أ-ب» مرورًا باستخدام الشكل الأكثر تعقيدًا «وإن الذي يوجد فيه ب في كله يوجد أ.»

  • (٥)

    إن الحروف تظهر على الأرجح في البداية، كاختصارات بسيطة، ثم كمتغيرات حدية، وفي النهاية كمتغيرات قضوية.

  • (٦)

    إن القضايا الموجهة التي تتوافق مع فلسفة أرسطو الخاصة بالمستقبل، تعد — فيما يبدو — الاكتشاف الأخير.

ثم يؤكد «بوشنسكي» أنه بتطبيق هذه المعايير، فإننا نجد أن الأعمال المنطقية لأرسطو — على الأقل من حيث الاهتمام — يمكن أن تكون قد كتبت بالترتيب التالي:
  • (أ)
    ففي البداية يأتي كتاب الطوبيقا مع كتاب السفسطة (والذي يعتبر تكملة لكتاب الطوبيقا، وهو بمثابة المقالة التاسعة منه)، وهما لا يشتملان بأية حال على متغيرات، كما أن القياس لم يكن قد تمت معرفته بعد. علاوة على أن المستوى المنطقي فيه متدنٍ، وتحليل القضية الحملية فيه بدائيٌّ.٥٩
  • (ب)
    كتاب المقولات، وهو ينتمي — فيما يبدو — إلى نفس الفترة؛ حيث يعد مدخلًا لكتاب العبارة؛٦٠ وهو يشتمل على نظرية في الألفاظ، ويتعامل معها بدون استخدام رموز للمتغيرات.
  • (جـ)
    كتاب العبارة، ولا بد أنه كتب فيما بعد، ويتضمن هذا الكتاب نظرية السيميوطيقا، التي كانت فيما يبدو في الأصل أفلاطونية، ومع أنه لا يوجد أثر في هذا الكتاب للمتغيرات وللأقيسة، إلا أنه من اللافت للنظر أن مستواه أعلى من كتاب الطوبيقا والسفسطة والمقولات. علاوة على اشتماله على فصل في الموجهات، وإن كان لم يزل أوليًّا بالمقارنة مع ما يوجد في التحليلات الأولى.٦١
  • (د)
    يمكن وضع المقالة الثانية من كتاب التحليلات الثانية بعد ذلك مباشرة؛ حيث إن أرسطو الآن يضع القياس والمتغيرات معًا، وإن كانت المتغيرات تستخدم دائمًا كاختصارات فقط. أما عن المستوى المنطقي، فإنه قد كان — فيما يبدو — أدنى درجة من الأجزاء الأخرى لكتاب التحليلات الأولى.٦٢
  • (هـ)
    أنه يجب أن نضع بعد ذلك الفصول ١، ٢، ٣، ٧، ٢٣، ٤٦ من المقالة الأولى من كتاب التحليلات الأولى، كما أن ما لدينا ليس مجرد متغيرات فحسب، بل إنها مستخدمة كمتغيرات حدية. كما يوجد أيضًا تفصيل كامل للقياس، فضلًا عن أن المستوى التكنيكي للقياس لافت للنظر.٦٣
  • (و)
    أما آخر الأعمال المنطقية، فربما تكون الفصول ٣، ٨، ٢٢ من المقالة الأولى للتحليلات الأولى، والمقالة الثانية من الكتاب نفسه؛ إذ إننا نجد هنا معظم النظريات الدقيقة؛ كنظرية الموجهات. فضلًا عن استخدام رموز المتغيرات أحيانًا كرموزٍ لمتغيرات قضوية.٦٤
وفي ضوء هذا الترتيب الزمني السابق، فإنه يمكن القول بأن الأورجانون الأرسطي، قد تطور بالتمييز بين مرحلتين: مرحلة ما قبل التحليلات، ومرحلة التحليلات. في مرحلة ما قبل التحليلات، قام أرسطو بالتنظيم المنهجي لقواعد المجادلة، والتوسع في القسمة الأفلاطونية على نحو ما يوجد في الطوبيقا والمقولات والعبارة، وهي الكتب التي طور فيها أرسطو — إلى حد بعيد — وقرر بوضوح مجموعة القواعد أو القوانين التي تقوم عليها هذه القسمة.٦٥

علاوة على ذلك، فقد حاول أرسطو في تلك المرحلة إبراز العمومية في أعماله عن طريق الاستخدام غير الملائم — إلى حد ما — للضمائر، أو عن طريق الأمثلة على نحو ما يفعل أفلاطون في محاورة الجمهورية.

أما مرحلة التحليلات، فقد جاء اسمها من موضوعها ومنهجها، فموضوعها أجزاء القياس والبرهان، وهما آلة العلم الكامل، ومنهجها تحليل القياس والبرهان إلى أجزائها، فإن العلم الكامل إدراك الشيء بمبادئه، ولا يتسنى هذا الإدراك إلا بالتحليل، والبرهان ينظر إليه من حيث صورته ومن حيث مادته، فهو ينحل إلى مبادئ صورية، وأخرى مادية، والتحليلات التي ترد البرهان إلى المبادئ الصورية التي يتعلق بها لزوم التالي من المقدم لزومًا ضروريًّا بصرف النظر عن مادة البرهان، تسمى التحليلات الأولى، والتحليلات التي ترد البرهان إلى المبادئ المادية التي يتعلق بها صدق التالي، تسمى التحليلات الثانية.٦٦
وكتاب التحليلات الأولى، يمثل مرحلة المغايرة النسقية لكل صور الممارسات السابقة للفكر المنطقي عند كل من الإيليين والسوفسطائيين وأفلاطون، والتي كانت متمثلة في منهج القسمة الثنائية، حيث أخذ أرسطو في أوائل التحليلات الأولى على منهج القسمة في أنه لا يوصل إلى نتيجة مفيدة، نظرًا لأنه بدلًا من نيل موافقة الآخر على نحو ما، فإنه يتوجب على هذا المنهج في كل خطوة من خطواته، أن يرجوه بالموافقة على إدراك ذلك، ولهذا انتهى أرسطو إلى أن أسلوبًا كهذا يعجز عن الإيصال إلى نتيجة، وبالتالي فهو غير استنتاجي؛ إذ إنه عندما نقسم المرتبة «أ» المنتمية إلى «ب» بدلًا من «لا ب»، إذ لا بد من موافقة المحاور على ذلك، حتى نتمكن من التقدم، وهو ما نحتاجه باستمرار في كل خطوة جديدة، وحول هذه النقطة لا يقدم لنا منهج التقسيم أية مساعدة، ولهذا انتهى أرسطو إلى أن القسمة الثنائية ما هي إلا مجرد قياس ضعيف لا يمكنه في الواقع إثبات شيء، ولكنه يكمن في سلسلة الافتراضات.٦٧
وكذلك فإن كتاب التحليلات الأولى يمثل مغايرة نسقية لكونه يقطع الصلة المعرفية بينه وبين كتاب الطوبيقا لأرسطو نفسه، والذي يعتبر أحد مؤلفات الشباب التي كان يتمرس فيها أرسطو ويتدرب على صياغة القواعد النظرية لعلم المنطق كما جاءت بعد ذلك في التحليلات الأولى.٦٨
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد في كتاب الطوبيقا فقرتين سابقتين لنظرية الرد غير المباشر الوارد في الفصول من الواحد والثلاثين إلى الخامس والأربعين من الباب الأول من كتاب التحليلات الأولى الفقرات: b 40–50 bH 46، ومؤدى الفقرة الأولى: إذا ما كان الخير جنسًا للذة، فهل تكون — أي اللذة — ليست خيرًا؟ لأنه إذا ما وجدت لذة غير خيرة فسوف يتضح أن الخير ليس جنسًا للذة، لأن الجنس يجمل على كل شيء يندرج تحت أي نوع معطى.٦٩
ونلاحظ هنا أنه توجد إشارة إلى قياس وارد في صورة الضرب Barbara (من الشكل الأول): «إذا كانت كل لذة خيرًا، وكانت س لذة، فإن س هي خير» لإثبات صحة قياس في صورة الضرب Felapton (من الشكل الثالث)، وإذا ما كانت «لا س» هي خير، وكل «س» هي لذة، فإن بعض ما هو لذة ليس خيرًا.٧٠
وتوجد إشارة مماثلة لهذه في الفقرة التالية: «لننظر ثانية ما إذا كان النوع المفترض يصدق على شيء ما، ولكن الجنس لا يصدق عليه، مثل ما إذا جعلنا الموجود أو الذي يمكن معرفته جنسًا للذي يمكن أن ندلي برأي عنه. لأن الذي يمكن أن ندلي برأي عنه يمكن أن يحمل على شيء غير موجود (لأن كثيرًا من الأشياء غير الموجودة هي موضوعات للفكر)، ولكن من الواضح أن الموجود والذي يمكن معرفته هو جنس للذي يمكن أن ندلي برأي عنه.»٧١
وفيما يلي قياس من الضرب Ferison من الشكل الثالث: «إذا كان لا واحد ما هو غير موجود موجودًا، وبعض ما هو غير موجود يمكن التفكير فيه، فإن ليس بعض ما يمكن التفكير فيه يكون غير موجود.»، ويمكن رد هذا القياس إلى قياس من الضرب ferio من الشكل الأول، فنقول: «إذا كان كل شيء نفكر فيه موجودًا، وبعض غير الموجود يمكن التفكير فيه، فإن بعض غير الموجود يكون موجودًا».٧٢
وفي هذين المثالين من الأقيسة كما في التحليلات الأولى، يشير أرسطو إلى الشكل الأول للرد، ولكنه يصوغ أمثلته دون استخدام رموز للمتغيرات.٧٣
وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهي أن كتاب الطوبيقا لم يقطع صلته بالفكر المنطقي الأفلاطوني، بدليل أن ممارسة فنَّي التصنيف والتعريف في الأكاديمية، هي التي حددت محتويات كتاب الطوبيقا، ومن المحتمل أن تكون نظرية المحولات هي التي أكسبت كتاب الطوبيقا الوحدة بما تنطوي عليه من وحدة قد درسها الأكاديميون من قبل؛ لأن أرسطو يعرض للمصطلحات الأساسية، مثل الخاصة، والعرض، والجنس، والنوع، والفصل، كما لو كانت معروفة من قبل. وكتاب الطوبيقا هو نتاج للتفكير في المنهج الجدلي المستخدم في الأسئلة المتعلقة بالتعريف والتصنيف.٧٤
علاوة على أن القصد من كتاب الطوبيقا — فيما يقول أرسطو — هو «أن نستنبط طريقًا يتهيأ لنا به أن نعمل من مقدمات ذائعة قياسًا في كل مسألة تقصد.»٧٥ فإن الكتاب يكون في الواقع عملًا منطقيًّا قائمًا على مبدأ عام يمكن على أساسه البرهنة على أمور حسية، وهذه المبادئ إما أن تكون قواعد منطقية — ويوجد هنا عدد قليل من هذه القواعد على عكس ما يحدث في التحليلات — أو إرشادات منهجية وملاحظات سيكولوجية.٧٦

من كل ما سبق يتضح لنا أن كتاب الطوبيقا لم يتعدَّ مرحلة الممارسة العفوية للتفكير المنطقي السابق على أرسطو، حتى وإن انطوى على بعض القواعد المنطقية، بدليل أن لغة كتاب الطوبيقا هي نفس لغة أفلاطون ومن قبله، السوفسطائيون والإيليون. ولذلك فإن كتاب الطوبيقا هو أحد مؤلفات الشباب التي كان يتمرس فيها أرسطو للتدريب على صياغة القواعد النظرية لعلم المنطق كما جاءت بعدُ في التحليلات الأولى.

ولذلك فإن كتاب التحليلات مختلف تمامًا عن كل ما سبقه من تراث منطقي عند الفلاسفة اليونان، فهو يمثل مغايرة نسقية مع هذا التراث، أي بدون أن يلغيه أو ينفيه؛ بل يتعداه ويتجاوزه. ولذلك يمكن أن ندرس معالم الجدة المطلقة التي تميز بها هذا الكتاب فيما يلي:

لغة التحليلات الأولى

وإذا كانت الوسائل التكنيكية المفيدة لدراسة المنطق — كالمتغيرات وما يرتبط بها من المصطلحات — لم تظهر في كتابات أرسطو في مرحلة ما قبل التحليلات، فإنها سرعان ما بدأت تظهر بوضوح في كتاب التحليلات الأولى؛ حيث يستخدم أرسطو في هذ الكتاب الحروف الأبجدية، كالمتغيرات، مما يُعد وسيلة جديدة ومطلع عهد جديد في التكنيك المنطقي على حد قول وليم نيل.٧٧
ففي التحليلات الأولى كان أرسطو يصوغ جميع الأقيسة الصحيحة من خلال الرموز، وكان لا يأتي بأمثلة لغوية إلا في حالات نادرة، وخاصة عندما يريد أن يُبين أن بعض الأقيسة فاسدة. وقد كانت أصغر الوحدات تتألف منها نظرية أرسطو هي الحدود، ويرمز لها أرسطو بحروف معينة. والحد يمكن أن يكون موضوعًا أو محمولًا في قضية أو مقدمة قياس. وبدل أن يستعمل أرسطو الألفاظ كحدود منطقية، نجده يتخلى عن هذا العمل ويستعمل الرموز، وتتميز هذه الرموز بأنها تشير فقط إلى موضع الحد، ويمكننا أن نضع محل هذه الرموز ألفاظًا لغوية معينة لنحصل أخيرًا على عبارات لغوية، وأهم ما تتميز به هذه الرموز أنها لا تدل على معنى ثابت؛ بل إنها مجردة من كل معنى، وهذه الرموز هي رموز للمتغيرات، وهذه المتغيرات على نوعين؛ أحدهما: متغيرات تشير إلى الموضوع في القضية، وثانيهما: متغيرات تشير إلى المحمول في القضية.٧٨
وقد كان أرسطو حريصًا على كتابة القضايا في صورة رمزية، إذ كان يضع حروف الهجاء كرموز للمتغيرات، وهذه المتغيرات ترمز إلى الحدود في القضية، ومن المألوف أن تعبر كتب المنطق التقليدي عن القضية الكلية الموجبة مثلًا بالصيغة: كل أ يكون ب، (All A is B)، لكن لم تكن هذه طريقة أرسطو في صياغتها، فقد كان أرسطو يقدم المحمول على الموضوع من خلال صيغة معينة هي: ب محمول على كل أ (B is Predicated of All A) أو ب تنتمي إلى كل أ (B Belongs to All A). وكان أرسطو يصوغ القياس في صورة رمزية أيضًا، لكنه لم يضعه في صورة استدلال، بحيث يوضع القياس في ثلاثة أسطر متتابعة، وأمام النتيجة علامة إذن، كما نألف في كتب المنطق التقليدي، «إن أول من استخدم هذ الرسم للقياس هو الإسكندر الأفروديسي Alexander of Aphrodisias في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث الميلادي.»٧٩
كان أرسطو يصوغ القياس في صورة قضية شرطية متصلة، تعبر المقدمتان مرتبطتين بواو العطف عن المقدم، وتعبر النتيجة عن التالي: (إذا كان أ محمولًا على ب، ب محمولًا على كل ج، فإن أ محمول على كل ج)، يزداد استخدام أرسطو لمتغيرات الحدود حين يتحدث عن قوانين الفكر ونقض المحمول وعكس النقيض: (إذا كان أ محمولًا على كل ب، ب محمولًا على بعض أ) وهكذا.٨٠
ومن جهة أخرى فقد استخدم أرسطو في سياق واحد حروف الهجاء، رموزًا للقضايا لا للحدود، حين أثبت أن ما هو ضروري ينتج عما هو ضروري، وأن الممكن ينتج عنه الممكن، وأن القضية الضرورية والممكنة لا يلزم عنها قضية مستحيلة. وقال: «… إذا كان أ محمولًا على ب، ب محمولًا على ج، فإن أ محمولٌ على ج، وإذا كانت كل منها ممكنة، فالنتيجة ممكنة، وإذا وجب علينا أن نعتبر مثلًا أ ضروريًّا يكون ب ضروريًّا؛ بل وينتج أيضًا أنه إذا كان أ ممكنًا يكون ب ممكنًا، وما دمنا قد برهنَّا عليه، فمن الواضح أنه إذا قمنا بفرض خاطئ، لكنه ليس مستحيلًا، فإن نتيجة الفرض سوف تكون خاطئة، لكنها ليست مستحيلة. إذا كان «أ» خاطئًا، لكنه غير مستحيل، وإذا كان «ب» نتيجة «أ»، فإن ب خاطئ، لكنه ليس مستحيلًا.»٨١
ولذلك فقد تمكن أرسطو — بفضل استخدام المتغيرات — من التعبير مباشرة عن العديد من المبادئ المنطقية، وذلك بالإشارة إلى ما يمثلها بلغة المخطط الاستدلالي بدلًا من وضعها بشكل يتجاوز المنطق، أو تفسيرها بأمثلة قياسية على نحو ما يفعل في مرحلة ما قبل التحليلات، بما فيها كتاب العبارة. ولهذا يقال: إن إدخال المتغيرات في المنطق اختراع أرسطي لم يسبقه إليه أحد.٨٢
وها هو ذا العالم المنطقي البولندي «يان لوكاشيفِتش» يقول: «وقد كان إدخال المتغيرات في المنطق من أعظم مبتكرات أرسطو، ويكاد المرء لا يصدق أن أحدًا من الفلاسفة أو اللغويين لم ينبه للآن إلى هذه الحقيقة الفائقة الأهمية. ولهذا أجازف بالقول: إنهم لا بد كانوا جميعًا على معرفة بالرياضيات، إذ يعلم كل رياضي أن إدخال المتغيرات في علم الحساب كان فتح عهد جديد في ذلك العلم. ويبدو أن أرسطو قد اعتبر ابتكاره هذا شيئًا واضحًا لا يحتاج إلى بيان، وذلك لأنه لا يتكلم عن المتغيرات في أي موضع من مؤلفاته المنطقية، وكان الإسكندر (الأفروديسي) أول من قال صراحة: إن أرسطو صاغ أقيسته من حروف Stoicheia، حتى يبين أن النتيجة لا تلزم عن مادة المقدمتين، بل تلزم عن صورتيهما واجتماعهما، فالحروف علامات الشمول وهي تدل على لزوم النتيجة دائمًا أيًّا كانت الحدود التي نختارها. وثم شارح آخر هو يوحنا فيلوبونوس، كان يدرك تمام الإدراك أهمية المتغيرات ومغزاها، فهو يقول: إن أرسطو بيَّن بالأمثلة كيف يمكن عكس المقدمات جميعًا، ثم وضع بعض القواعد الكلية الخاصة بالعكس مستخدمًا في ذلك الحروف بدلًا من المتغيرات، وذلك لأن القضية الكلية يدحضها مثال واحد تكذب فيه، ولكن البرهنة على صدقها لا تكون إلا بالنظر في كل أحوالها الجزئية (وهو أمر لا نهاية له، وهو من ثَم ممتنع) أو بالرجوع إلى قاعدة كلية بينة. ويصوغ أرسطو هذه القاعدة من حروف، وللقارئ أن يعوض عن الحروف بما يشاء من الحدود المتعينة.»٨٣
وقد برر بعض مؤرخي المنطق عدم قيام أرسطو بأية محاولة لشرح استخدامه، بأنه ربما كان أرسطو معتادًا على استخدامها في محاضراته في اللقيون، أو ربما أيضًا لأن أرسطو اعتبر ابتكاره هذا شيئًا واضحًا لا يحتاج إلى بيان، ولهذا السبب لم يتحدث عن المتغيرات في أي موضع من مؤلفاته، إلا أن «بوشنسكي» لا يوافقهم على هذا، خاصة وأن نص أرسطو نفسه أن الانتقال إلى المتغيرات كان يتم بصورة بطيئة. كما لو أن الأمر يبدو أن أرسطو نفسه لم يدرك تمامًا أنه يتعامل مع متغيرات، وإن كان «بوشنسكي» يرى في الوقت نفسه أنه مع أن أرسطو استخدم نوعًا واحدًا من المتغيرات للفئات وللأفراد، الأمر الذي تسبب في وجود خلط؛ نظرًا لأنه يميز بوضوح شديد بين القوانين المتعلقة بالأفراد والقوانين الخاصة بالفئات.٨٤

مما سبق يتضح لنا أنه إذا كان أرسطو في أعماله المبكرة، قد حاول إبراز العمومية عن طريق استخدام الضمائر والأمثلة، إلا أنه في التحليلات الأولى قد تخلص من ذلك تمامًا، وذلك من خلال استخدامه للمتغيرات التي أعطت لتعبيراته قدرًا كبيرًا من الوضوح وإيجازًا؛ وخاصة في إطار القواعد المنطقية المعقدة؛ كالقواعد الخاصة بالقياس، والتي يكون استخدام المتغيرات فيها أمرًا لا مفر منه تقريبًا.

منهج التحليلات الأولى

عندما اكتشف أرسطو مبدأ القياس (مقالة الكل ولا واحد dictum de omni et nullo)٨٥ وهو صلب المنطق الأرسطي وصحت له صياغة نظريته في التحليلات الأولى، ترسخت عنده هذه الفكرة، وهو أنه المنهج الوحيد الذي يستطيع بواسطته أن يشيد العلم أيًّا كان، وبما أن اكتشاف مبدأ القياس، قد ارتبط تاريخيًّا عند أفلاطون، وأرسطو نفسه، بنظرية التعريفات، فقد اعتقد أرسطو أنه لاكتشافه هذا إنما اكتشف في الوقت نفسه المنهج الذي يستطيع بواسطته تشييد النظرية العامة في التعريفات، التي تستند إليها أي نظرية عامة في العلم.٨٦
وهكذا أصبح القياس بأشكاله وقواعده الثابتة بالنسبة لأرسطو هو المنهج الذي يستطيع بواسطته الانتقال من تشييد نظرية العلم إلى تشييد العلم نفسه. ومعنى هذا أن التحليلات الأولى، قدمت لأول مرة منهجًا جديدًا في تاريخ علم المنطق، وهو المنهج الاستنباطي، وذلك في بناء نظرية القياس، وهذا المنهج يمثل مغايرة نسقية مع منهج القسمة الثنائية، بدليل أن أرسطو بعد أن عرف القياس وحلله، شرع يقارن بين منهج القياس ومنهج القسمة، فيقول: «إن هذه القسمة قياس ضعيف أو عاجز.» لأنها خلوٌ من حد أوسط، فهي تقول مثلًا: الكائنات إما حية وإما غير حية، فلنضع الإنسان في الحية، والحيوانات إما أرضية وإما مائية. فلنضع الإنسان في الأرضية … وهكذا، حتى تمضي جميع خصائص الإنسان، ولكنها لا تبين علة إضافية خاصة دون الخاصة المقابلة، وإنما نضعها وضعًا. فما لا نجده عند أفلاطون هي فكرة أن الاستدلال إقامة البرهان على أن المحمول يوافق الموضوع، وهذا لا يتحقق في القسمة، إن القسمة مصادرة على المطلوب الأول في جميع مراحلها، فإن صح أن القسمة الأفلاطونية هي التي أدت إلى القياس، فإن الفرق بعيد بين الطريقتين.٨٧

نظريه العلم في التحليلات الأولى

قدم أرسطو في التحليلات الأولى نظرية مكتملة في الاستدلال المنطقي التحليلي وهدفها العلم الاستنباطي، إلا أنه لم يخطر ببال أرسطو مطلقًا أن يكون منطقًا صوريًّا على النحو الذي أراده — مثلًا — هاملتون فيما بعدُ لتحليلاته الجديدة. صحيح أن نظرية القياس تبدو في التحليلات الأولى، وكأنها مقطوعة الصلة بمضمون الفكر، إلا أن هذه الفكرة باطلة رغم شيوعها، حتى بين المتخصصين في المنطق، وسرعان ما تتداعى حين نعلم أن نظرية القياس «ما هي إلا تمهيد أو إعداد لنظرية البرهان، موضوع التحليلات الثانية، والتي كانت الهدف النهائي من المنطق الأرسطي.»٨٨
ومن هنا جاءت التحليلات الثانية لتحكي لنا مجتمعة مدى النجاح الذي حققه المعلم في تشييد المعرفة الضرورية البرهانية، فلا غرابة بعد هذا أن يكون القياس عند أرسطو — على ما فيه من عيوب ومآخذ — هو وسيلتنا أو أداتنا الوحيدة في تشييد العلم، أو أن يكون ذهب إلى ذلك بعض تلاميذه من بعده؛ هو المدخل الضروري لكل علم.٨٩
وبذلك تصبح النظرية المنطقية المتمثلة في القياس برمتها عند أرسطو هي في خدمة العلم، ومعنى هذا بعبارة أخرى أن المنطق ظل على علاقة وثيقة بالواقع، ولهذا فقد اكتسب إلى حد بعيد الطابع التجريبي، كما أنه ظل مرتبطًا بالميتافيزيقيا، إذ إنه يعتبر وسيلتها المنهجية في التعبير عن نفسها. وباختصار، فإن النظرية الاستدلالية المنطقية التي تضمنها كتاب التحليلات الأولى تستند إلى نزعتين فلسفيتين متكاملتين عند أرسطو؛ هما: النزعة الواقعية من جانب، والنزعة العقلانية من جانب آخر.٩٠

الخاتمة

بعد هذه الجولة السريعة من الحديث عن «المغايرة النسقية في التحليلات الأولى الأرسطية»، يمكن أن نلخص أهم النقاط التي توصلنا إليها، وذلك على النحو التالي:
  • (١)

    إذا كان المنطق يهتم أساسًا، بدراسة الفكر الذي نعبر عنه في صورة عبارات وقضايا، لكي يستخلص منها المبادئ المنطقية للفكر أيًّا كان. فإن الناس لم ينتظروا أرسطو حتى يأذن لهم أن يفكروا، بل فكر الإنسان وقاس واستنبط الأمور من بعضها البعض منذ أن وجد على ظهر الأرض، وتعريف أرسطو للإنسان بأنه «حيوان مفكر» أو «عاقل» ما كان ليكون كذلك لولا أن الإنسان هو بطبعه مفكر.

  • (٢)

    إذا كان العرف قد جرى على أن الأورجانون الأرسطي، يبدأ بكتاب المقولات، يليه العبارة، ثم التحليلات الأولى، ثم التحليلات الثانية، ثم الطوبيقا، وأخيرًا كتاب السوفسطيقا. إلا أن أرسطو لم يتبع هذا الترتيب في مؤلفاته، ولا يوجد أي دليل يؤيد التصنيف الذي وضعه «أندرنيقوس الرودسي»، لكتابات أرسطو المنطقية، خاصة بعد أن تبين أنه لا يوجد كتاب من تلك الكتابات ظل بدون تغيير، فضلًا عن أن معظم تلك الكتب قد وضعها أرسطو في زمن متأخر داخل إطار عام يتطابق مع تعاليمه الأخرى.

  • (٣)

    ليس صحيحًا أن أرسطو اخترع علم المنطق بدون مرشد؛ فقد ثبت في ثنايا هذا البحث أن أرسطو قد استفاد في صياغته لموضوعات المنطق المختلفة من أبحاث المفكرين السابقين عليه في الرياضيات واللغة والجدل الفلسفي الذي بدأته المدرسة الإيلية وأكمله مِن بعدِهم أعلام السوفسطائيين. فمن صلب الجدل الإيلي خرج المنطق وتطورت الرياضيات، ولم تكن حجج زينون الخاصة بنفي الكثرة والحركة — مثلًا — والتي تعتمد على فكرة القسمة الثنائية وفكرة اللانهاية بجدل عابث لا طائل من ورائه، بل كانت الأساس الأول الذي بني عليه فيما بعد حساب التفاضل والتكامل في الرياضيات. كما أن فكرة اللانهاية التي يقوم عليها جدل الإيليين وخوفهم من وقوع العقل الإنساني في الخطأ عبر القسمة الثنائية التي لا تنتهي؛ هي التي عملت على اكتشاف مبدأ عدم التناقض ومبدأ قياس الخلف، الأساس الذي بني عليه التفكير النقدي — فيما بعد — في المنطق والرياضيات على السواء.

  • (٤)

    إذا نظرنا إلى جوهر المنطق الأرسطي، والمتمثل في نظرية القياس القائم على القضية الحملية، فإننا نجد أن أرسطو قد أخذ الفكرتين معًا من أستاذه، حينما كان بصدد قراءة نقدية في التعريفات.

  • (٥)

    إن كتاب التحليلات الأولى يُعد ثورة بالفعل داخل ميدان المنطق، وهذه الثورة قد أنجزها أرسطو بمفرده، ونقل بها هذا الفرع من فروع المعرفة، من مرحلة الممارسة العفوية عند «زينون» و«السوفسطائيين» و«أفلاطون»، إلى مرحلة الصياغة النظرية، ولذلك فإن كتاب التحليلات الأولى يمثل مغايرة نسقية، وقد تمثلت أبعاد تلك المغايرة في لغة المتغيرات، ومنهج الاستنباط ونظرية البرهان.

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر العربية

  • (١)

    أرسطو: منطق أرسطو، ج١، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويتية، ط١، ١٩٨٠م.

  • (٢)

    أفلاطون: السوفسطائي، ترجمة: الأب فؤاد جرجي بربارة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٦٩م.

  • (٣)

    د. فتحي التريكي: أفلاطون والديالكتيكية، الدار التونسية، الطبعة الثانية، تونس، ١٩٨٦م.

  • (٤)

    د. محمد السرياقوسي: برهان الخلف واستخداماته عند القدماء والمحدثين، بحث منشور ضمن بحوث ومقالات في المنطق، الجزء الثاني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٩٣م.

  • (٥)

    روبير بلانشي: المنطق وتاريخه، ترجمة: خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، بدون تاريخ نشر.

  • (٦)

    أ.م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ترجمة ودراسة وتعليق: د. إسماعيل عبد العزيز، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٩٦م.

  • (٧)

    ياسين خليل: نظرية أرسطو المنطقية، مطبعة أسعد، بغداد، ١٩٦٤م.

  • (٨)

    محمود فهمي زيدان: المنطق الرمزي «نشأته وتطوره»، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ٢٠٠٢م.

  • (٩)

    حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي لنشأة العلم، بحث منشور ضمن دراسات في الإبستمولوجيا، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، ١٩٨٦م.

  • (١٠)

    حسن عبد الحميد: مقدمة في المنطق، الجزء الأول (المنطق الصوري)، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٨٠م.

  • (١١)

    حسن عبد الحميد: الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية، مجلة كلية الآداب، جامعة صنعاء، العدد الثالث، ١٩٨١م.

  • (١٢)

    محمد فتحي عبد الله: الجدل بين أرسطو وكانط (دراسة مقارنة)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ١٩٩٥م.

  • (١٣)

    نهلة محمد مصطفى عوكل: نظريات أرسطو المنطقية وأصولها لدى السابقين عليه، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة طنطا، ١٩٩٦م.

  • (١٤)

    يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، دار المعارف بمصر، ١٩٥٠م.

  • (١٥)

    ثيوكاريس كيسيدس: سقراط، ترجمة: طلال السهيل، دار الفارابي، بيروت، ١٩٨٧م.

  • (١٦)

    لوكاشيفتش (يان): نظرية القياس الأرسطية من وجهة نظر المنطق الصوري الحديث، ترجمة: د. عبد الحميد صبرة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ١٩٦١م.

  • (١٧)

    ماكلوفسكي: تاريخ علم المنطق، نديم علاء الدين وإبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ١٩٨٧م.

  • (١٨)

    أميرة حلمي مطر: الفلسفة عند اليونان، دار المعارف، القاهرة.

  • (١٩)

    محمد مهران: مدخل إلى المنطق الصوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٥م.

  • (٢٠)

    أبير نصري نادر، المنطق الصوري، مكتبة العرفان، بيروت، ١٩٦١م.

قائمة المراجع الأجنبية

  • (1)
    W. Kneale, M. Kneale, The Development of Logic, Clarendon Press, Oxford, 1984, p. 11.
  • (2)
    Ross, W. D., The Works of Aristolle, Translated into English, vol. 1, Categoriae and De Interpretatione by E. M. Edghill, Analtica Priora by A. J. Jenkinson, Analytica Posteriorn by G. R. G. Mure,Topica and De Sophisticis Elenchis by W. A. Pickard Cambridge, Oxford University Press, London, 1950.
١  د. أميرة حلمي مطر: الفلسفة عند اليونان، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٠م، ص٢٥٩.
٢  د. محمد مهران: مدخل إلى المنطق الصوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٩.
٣  أ. م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ترجمة ودراسة وتعليق: د. إسماعيل عبد العزيز، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٩٦م، ص٩٩-١٠٠.
٤  د. محمد فتحي عبد الله: الجدل بين أرسطو وكانط (دراسة مقارنة)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ١٩٩٥م، ص٨٢.
٥  انظر: د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي لنشأة العلم، بحث منشور ضمن دراسات في الإبستمولوجيا، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، ١٩٩٢م، ص١٨٦.
٦  نفس المرجع: ص١٨٦-١٨٧.
٧  روبير بلانشي: المنطق وتاريخه، ترجمة: خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، بدون تاريخ نشر، ص١٩.
٨  د. حسن عبد الحميد: المرجع السابق، ص١٨٧.
٩  نفس المرجع، ص١٨٧-١٨٨.
١٠  نفس المرجع، ص٢٠٥.
١١  نفس المرجع، ص٢٠١.
١٢  نفس المرجع، ص٢٠١.
١٣  نفس المرجع، ص٢٠١.
١٤  انظر: Kant, Critique de la Raison Pure, Preface, p. 15 نقلًا عن د. حسن عبد الحميد، المرجع السابق، ص٢٠٣.
١٥  د. محمد مهران: المرجع السابق، ص٧.
١٦  د. حسن عبد الحميد: مقدمة في المنطق، الجزء الأول (المنطق الصوري)، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٨٠م، ص٤٧.
١٧  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي، ص٢٠٠.
١٨  انظر: Diogenes Laertius, Lives …, VII, 57. نقلًا عن محمد فتحي، الجدل بين أرسطو وكانط، ص١١.
١٩  يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، دار المعارف بمصر، ١٩٥٠م، ص٣٠-٣١.
٢٠  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١١-١٢.
٢١  انظر: أرسطو: السماع الطبيعي، م ٤ ف، ف ٣، م ٦، ف ٢، ف ٩ . وانظر: يوسف كرم، المرجع السابق، ص٣١-٣٢. وانظر: د. محمد السرياقوسي، برهان الخلف واستخداماته عند القدماء والمحدثين، بحث منشور ضمن بحوث ومقالات في المنطق، الجزء الثاني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٩٣م، ص٥٣ وما بعدها.
٢٢  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٥٤.
٢٣  نفس المرجع، ص٥٤.
٢٤  نفس المرجع، ص٥٥.
٢٥  نفس المرجع، ص٥٦.
٢٦  د. حسن عبد الحميد: المنطق الصوري، ص٤٧-٤٨.
٢٧  د. محمد السرياقوسي: المرجع السابق، ص٥٧.
٢٨  نفس المرجع، ص٥٨.
٢٩  نفس المرجع، ص٥٩.
٣٠  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١١-١٢.
٣١  د. حسن عبد الحميد: المنطق الصوري، ص٥١.
٣٢  د. محمد مهران: مدخل إلى المنطق الصوري، ص٨.
٣٣  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١٢-١٣.
٣٤  د. نهلة محمد مصطفى عوكل: نظريات أرسطو المنطقية وأصولها لدى السابقين عليه، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة طنطا، ١٩٩٦م، ص١٣٤.
٣٥  نفس المرجع، ص١٣٤.
٣٦  ثيوكاريس كيسيدس: سقراط، ترجمة طلال السهيل، دار الفارابي، بيروت، ١٩٨٧م، ص١٢٢.
٣٧  د. نهلة محمد مصطفى عوكل: المرجع السابق، ص١٠٦-١٠٧.
٣٨  د. ألبير نصري نادر: المنطق الصوري، مكتبة العرفان، بيروت، ١٩٦٦م، ص١٤١.
٣٩  د. حسن عبد الحميد: المنطق الصوري، ص٥٢.
٤٠  أ. م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ص٩٦.
٤١  انظر: W. Kneale, M. Kneale, The Development of Logic, Clarendon Press, Oxford, 1984, p. 11.
٤٢  ماكلوفسكي: تاريخ علم المنطق، نديم علاء الدين وإبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ١٩٨٧م، ص٧٥.
٤٣  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي …، ص٢٠١.
٤٤  د. حسن عبد الحميد: المنطق الصوري، ص٤.
٤٥  د. حسن عبد الحميد، الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية، مجلة كلية الآداب، جامعة صنعاء، العدد الثالث، ١٩٨١م، ص٩٥-٩٦.
٤٦  د. فتحي التريكي: أفلاطون والديالكتيكية، الدار التونسية، الطبعة الثانية، تونس، ١٩٨٦م، ص٣٣-٣٤.
٤٧  د. حسن عبد الحميد: الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية، ص٩٨-٩٩.
٤٨  نفس المرجع، ص٩٩.
٤٩  نفس المرجع، ص١٠٠-١٠١.
٥٠  أفلاطون: السوفسطائي، ترجمة: الأب فؤاد جرجي بربارة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٦٩م، المطلب الأول من الفصل الأول ٢١٩ أ، ٢٢١ ب، ج.
٥١  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص٨٥.
٥٢  Aristotle, Prior Analytics, 21, b.18.
٥٣  Ibid., B. 1, ch. 31, 46-b, 10:20.
٥٤  د. حسن عبد الحميد: الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية، ص١٠١-١٠٢.
٥٥  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي … ص٢٠١.
٥٦  W. Kneale, M. Kneale, The Development of Logic, pp. 23-24.
٥٧  روبير بلانشي: المنطق وتاريخه، ص٤١.
٥٨  أ. م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ص١٠٢-١٠٣.
٥٩  نفس المرجع، ص١٠٣.
٦٠  د. محمد فتحي عبد الله: الجدل بين أرسطو وكانط، ص٣٦.
٦١  أ. م. بوشنسكي: المرجع السابق، ص١٠٤.
٦٢  نفس المرجع، ص١٠٤.
٦٣  نفس المرجع، ص١٠٤.
٦٤  نفس المرجع، ص١٠٥.
٦٥  نفس المرجع، ص١٠٥.
٦٦  د. محمد فتحي عبد الله: الجدل بين أرسطو وكانط، ص٤٦.
٦٧  أرسطو: منطق أرسطو، ج١، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ط١، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٨٠م، ص٢٢٥.
٦٨  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي …، ص٢٠١.
٦٩  Aristotle, Topica, B. IV, ch.1, 120b, 17-20.
٧٠  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١٢٥.
٧١  Aristotle, op. cit., B. IV, ch.1, 101b, 20 ff.
٧٢  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١٢٥.
٧٣  W. Kneale, M. Kneale, op. cit., pp. 38-39.
٧٤  د. محمد فتحي عبد الله: المرجع السابق، ص١٢٧-١٢٨.
٧٥  Aristotle, op. cit., B1, 100a, 1 ff.
٧٦  أ. م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ص١٢٨.
٧٧  W. Kneale, M. Kneale, op. cit., p. 61.
٧٨  د. ياسين خليل: نظرية أرسطو المنطقية، مطبعة أسعد، بغداد، ١٩٦٤م، ص٤٧-٤٨.
٧٩  د. محمود فهمي زيدان: المنطق الرمزي؛ نشأته وتطوره، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ٢٠٠٢م، ص٢٨.
٨٠  نفس المرجع، ص٢٨-٢٩.
٨١  Aristotle, Prior Analytics, 1.15, 34a. 20-28.
٨٢  د. محمود فهمي زيدان: المرجع السابق، ص٢٩.
٨٣  يان لوكاشيفتش: نظرية القياس الأرسطية من وجهة نظر المنطق الصوري الحديث، ترجمة: د. عبد الحميد صبرة، منشأة المعارف، الإسكندرية، ١٩٦١م، ص٢٠-٢١.
٨٤  انظر: مقدمة د. إسماعيل عبد العزيز لترجمته لكتاب أ. م. بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ص٢٧-٢٨.
٨٥  وهذا المبدأ ينص على أن: «كل ما يكون محمولًا بشكل مستغرق — إيجابًا أو سلبًا — على أي فئة، يمكن أن يحمل بنفس الطريقة على أي شيء يتقرر انتماؤه إلى تلك الفئة». انظر: د. محمد مهران، مدخل إلى المنطق الصوري، ص٢٢٧.
٨٦  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي … ص٢٢٨-٢٢٩.
٨٧  Aristotle, Prior Analytics, 24, b. 18.
٨٨  د. حسن عبد الحميد: التفسير الإبستمولوجي …، ص٢٢٨-٢٢٩.
٨٩  نفس المرجع، ص٢٠١-٢٠٢.
٩٠  نفس المرجع، ص٢٠٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤