الاستدلالات المنطقية في طوبيقا شيشرون١
تمهيد
- السبب الأول: هو كونه أول محاولة وضعت في علم مناهج البحث، هذا إذا وافقنا على أن مناهج البحث، هي تطبيق لمبادئ المنطق في العلوم المختلفة، وشيشرون نفسه يعلن عن هذه الحقيقة في بداية رسالته، حين يلفت نظر القارئ إلى استخدامات صديقه الفقيه «تريباتيوس». وعلى هذا فإن الأمثلة التي استخدمها شيشرون قد استقاها من القانون الروماني.
- السبب الثاني: هو أن هذه الرسالة تعتبر الأولى من نوعها، والتي خلط فيها صاحبها ومزج بين منطق أرسطو ومنطق الرواقيين؛ على أن هذا المزج بين المنطقين من شأنه أن يستمر عند عدد قليل من المفكرين في الشرق والغرب خلال العصور الوسطى.
- (١) دراسة لبعض الحجج العامة والتي عرضها أرسطو في الطوبيقا، وقد أخذت هذه الحجج طابعًا رواقيًّا. مثال ذلك: الحجج التي ذكرها أرسطو، والتي يمكن أن نستخلصها من الجنس Genus، والنوع Species، والمتشابه Similarity، والمختلف Difference، والمتضادات Contraries، والمتناقضات Contradictions، والمقدمات Antecedents، والتوالي Consequence، والعلة Cause، والمعلول Effect … إلخ.١٧
- (٢) دراسة لمختلف أشكال الاستدلالات الرواقية.١٨
- (٣) عرض لسيمانطيقا الرواقيين الخاصة بأصل المصطلحات ومعناها وكيفية الاشتقاق اللغوي.١٩
ونكتفي هنا في هذا البحث بدراسة الاستدلالات المنطقية كما عرضها شيشرون؛ حيث نقوم بتصنيفها مع بيان الكيفية التي طبق بها شيشرون منطق أرسطو في ميدان القانون من جانب، وعلى أن الحجج العامة التي ذكرها أرسطو في كتاب الطوبيقا قد أخذت عنه طابعًا رواقيًّا، ثم بيان أثرها بعد ذلك على المفكرين في الشرق والغرب خلال العصور الوسطى. وسيكون منهجنا في ذلك هو المنهج التحليلي المقارن الذي يعتمد على تحليل النصوص تحليلًا دقيقًا واستنباط واستخلاص كل ما تشمله من آراء وأفكار مع المقارنة بين هذه الفكرة وغيرها قديمًا وحديثًا. وقد نضطر في أحيان أخرى إلى اللجوء إلى استخدام المنهج التاريخي بالقدر الذي يفي بسرد نفس الظاهرة المنطقية كما في طوبيقا شيشرون على بعض المناطقة خلال العصور الوسطى.
أولًا: تصنيف شيشرون للاستدلالات المنطقية
-
(١)
إذا كان هذا صادقًا، كان ذاك صادقًا؛ ولكن هذا صادق؛ إذن ذاك صادق.
-
(٢)
إذا كان هذا صادقًا، كان ذاك صادقًا؛ ولكن ذاك ليس صادقًا؛ إذن هذا ليس صادقًا.
-
(٣)
ليس كلٌّ من هذا وليس ذاك صادقًا معًا، ولكن هذا صادق، إذن ذاك صادق.
-
(٤)
إما هذا أو ذاك صادق؛ ولكن هذا صادق، إذن ليس ذاك صادقًا.
-
(٥)
إما هذا أو ذاك صادق؛ ولكن ليس هذا صادقًا، إذن ذاك صادق.
-
(٦)
ليس كل من هذا أو ذاك صادقًا معًا، ولكن هذا ليس صادقًا، إذن ذاك صادق.
-
(٧)
ليس كل من لا هذا ولا ذاك صادقًا معًا، ولكن هذا ليس صادقًا، إذن ذاك صادق.
وهنا نلاحظ أن شيشرون، قد وضع نسقًا مكونًا من سبعة استدلالات، أربعة منها تبدأ بقضايا مثبتة، وثلاثة منها تبدأ بقضايا منفية، مما يدل على اهتمام شيشرون — على عكس الرواقية الأولى — بفكرتَي الوصل والنفي، حيث تعبر القاعدتان الأولى والثانية عن القياس الشرطي المتصل بنوعيه، والقاعدتان الرابعة والخامسة تعبران عن القياس الشرطي المنفصل بنوعيه. أما القاعدة الثالثة والقاعدة السادسة والقاعدة السابعة؛ فإنها تعبر عن استخدام منطقي جديد، ويعبر عنه بالكلمات «ليس كلاهما معًا»، وسوف يتجاهل المناطقة هذا الثابت إلى أن يبعثه أصحاب المنطق الرمزي الحديث.
هذا هو تصنيف شيشرون للاستدلالات المنطقية عند الرواقيين، وهو في هذا لا يضيف جديدًا. أما الجديد الذي يضيفه شيشرون، فهو تطبيق تلك الاستدلالات المنطقية من خلال القانون الروماني، وذلك بإعطاء أمثلة مستمدة من ذلك القانون، حيث يصوغها شيشرون في صورة منطقية ذكرها أرسطو في الطوبيقا، وقد أخذت عند شيشرون طابعًا رواقيًّا، وذلك على النحو التالي:
المثال الأول
ويمكن صياغتها أيضًا على النحو التالي:
(النقطة الواردة هنا في هذه الصيغة رمز للعطف «و»)
ويمكن قراءة هاتين الصيغتين؛ في حالة ما إذا صدقت (ق) صدقت (ك)، وكانت (ق) صادقة للزوم عن ذلك أن (ك) صادقة؛ أي في حالة ما إذا صدقت فكرة أن العملة المعدنية تدخل في مفهوم الفضة، صدقت الوصايا بها للزوجة، ولما كانت العملة المعدنية تدخل في مفهوم النقود صادقة، لزم عن ذلك أن العملة المعدنية قد أوصى بها للزوجة صادقة. ومعنى ذلك أننا قد استدللنا على صدق القضية (ك) بناء على صدق القضية (ق) التي تستلزمها. وهكذا، فحتى يمكننا أن نستدل على حجة قضية ما مثل (ك) لو حصلناها تاليًا في قضية لزومية، المقدم فيها مثل (ق) قضية صادقة؛ وبالتالي يكون الاستدلال صادقًا.
المثال الثاني
وباستخدام لغة المنطق الرمزي الحديث على الوجه الذي استخدمناه منذ قليل تكون لدينا الصورة المنطقية الصحيحة التالية:
ويمكن التعبير عن ذلك بصيغة أخرى.
ويمكن قراءة الصيغة على النحو التالي: في حالة ما إذا صدقت (ق) صدقت (ك)، وكانت (ك) كاذبة، لزم عن ذلك أن (ق) كاذبة؛ أي في حالة ما إذا كانت السيدة فابيا تريد أن تحصل على المال صادقة، فلا بد أن تكون هي بالفعل أم العائلة صادقة؛ ولما كانت فابيا ليست بالفعل أم العائلة (أي الكاذبة)؛ لزم عن ذلك أن فكرة حصولها على المال كاذبة أيضًا. ومعنى ذلك أننا قد استدللنا على كذب القضية (ق)، حين وضعناها مقدمًا لزومية، والتالي فيها مثل (ك) قضية كاذبة، ولذلك فالاستدلال صادق.
المثال الثالث
وهذا الاستدلال الذي ينسبه شيشرون لأرسطو ليس إلا تطبيقًا للقاعدة الثالثة، والتي تنص على أنه «ليس كل من هذا وليس ذاك صادقًا معًا؛ ولكن هذا صادق؛ إذن ذاك صادق»، وهذه القاعدة هي عبارة عن تعبير آخر عن قياس شرطي متصل مثبت، بعد أن ردَّ شيشرون اللزوم إلى عطف بواسطة النفي، حيث تتألف المقدمة الكبرى من قضية شرطية عطفية منفية بمثابة قضيتين متناقضتين لا تصدقان معًا، ولا تكذبان معًا، ولما كانت القضية الأولى (المقدم) يسبقها نفي تناقض فهي كاذبة، والقضية الثانية (التالي)، تكون صادقة لأنها تجمع بين أداة النفي البسيط والنفي التناقضي، وبالتالي يصبح النفي مزدوجًا. ومعروفٌ أن نفي النفي إثبات. كما جاءت المقدمة الحملية مثبتة للقضية الأولى (المقدم) وتأتي النتيجة مثبتة للقضية الثانية (التالي) وبذلك يكون الاستدلال صحيحًا.
ويمكن قراءة هذه الصيغة: أنه من الكذب أن تكون القضية (ق) صادقة والقضية (ك) كاذبة معًا، ثم القول بصدق القضية (ق) في الوقت نفسه، يلزم عنه أن تكون القضية (ك) صادقة، أي إنه من الكذب أن يكون الشخص له حق الانتفاع بالمنزل كاذبة وفي نفس الوقت عليه إصلاح ما تهدم منه كاذبة معًا، ثم القول بأن له حق الانتفاع صادق، يلزم عنه بأنه يجب على الشخص إصلاح ما تهدم من المنزل صادق وبالتالي يصبح الاستدلال صحيحًا، لأن المقدمة الأولى في هذا الاستدلال تقرر عدم إمكان كذب القضية (ق ولا ك) معًا. في حين أن المقدمة الثانية فيها (ق) صادقة، وعلى ذلك تكون الثانية صادقة، وهي نتيجة تلزم عن المقدمتين، ومن ثَم فالاستدلال صحيح.
المثال الرابع
وهذا الاستدلال الذي ينسبه شيشرون لأرسطو هو استدلال إحراج بنائي، وهو شبيه بالاستدلال الشرطي المختلط، وإن كان أكثر تركيبًا منه، وخاصة في المقدمة الشرطية المتصلة، وفي القضية الاستثنائية، وذلك يتضح من طريقة تكوينه، فهو يتكون من مقدمتين؛ المقدمة الأولى: مكونة من قضيتين شرطيتين متصلتين مرتبطتين بواو العطف «و»، والمقدمة الثانية: وهي المقدمة صغرى قضية شرطية منفصلة؛ لكنها استثنائية. وهي التي تثبت التاليتين في القضيتين الشرطيتين الواردتين في المقدمة الأولى (الكبرى)، ويمكن التعبير عن ذلك رمزيًّا بالصيغة التالية:
إذا كانت ق كانت ك، وإذا كانت ل كانت م
إذن إما ق أو ل
وتقرأ: في حالة ما إذا صدقت (ق) صدقت (ك)، وإذا صدقت (ل) صدقت (م)، ولما كان إما أن تصدق (ك) أو تصدق (م). فلا بد أن تصدق (ق) أو أن تصدق (ل). أي إذا كانت العقارات التي في التركة، والتي هي على شكل مال مخزون في صندوق أو في كتب ملكًا للزوج في الأصل صادقة، فإن للزوجة الحق في أن ترث تلك العقارات صادقة، ولما لم تكن تلك العقارات صادقة، فإن الزوجة ليس لها الحق في أن ترث تلك العقارات صادقة؛ لكنه إما أن تصدق فكرة أن للزوجة الحق في أن ترث تلك العقارات، أو تصدق فكرة أن الزوجة ليس لها الحق في أن ترث تلك العقارات. وبالتالي فلا بد أن تصدق فكرة أن العقارات التي التركة ملك للزوج في الأصل أو تصدق بأنها ليست ملكه.
والسؤال الآن: كيف حاول شيشرون رد الإحراج من خلال هذا الاستدلال؟
إذا كانت العقارات التي في التركة ملكًا للزوج في الأصل. فقد أوصى بها للزوجة؛ وإذا لم تكن تلك العقارات التي في التركة ملكًا للزوج في الأصل، فقد أوصى بها للزوجة أيضًا.
ويمكن التعبير عن ذلك رمزيًّا بالصيغة التالية:
إذا كانت ق كانت ك. وإذا كانت ل كانت ك.
إذن ك
وبلغة المنطق الرمزي الحديث تكون لدينا الحجة المنطقية الصحيحة التالية:
إذن ك
وبصيغة أخرى:
وتقرأ: في حالة ما إذا صدقت (ق) صدقت (ك)؛ وإذا صدقت (ل) صدقت (ك) أيضًا؛ ولكنه إما أن تصدق (ق) أو تصدق (ل)؛ للزم عن ذلك أنه لا بد أن تصدق (ك).
المثال الخامس
ويمكن التعبير عن ذلك رمزيًّا بالصيغة التالية:
إما ق أو ك
إذن ك
وبلغة المنطق الرمزي الحديث تكون لدينا الحجة المنطقية التالية:
إذن ك
وبصيغة أخرى:
المثال السادس
إما ق أو ك
إذن لا ك
وتقرأ: أن القول بصدق إحدى القضيتين (ق، ك) على الأقل، والقول بأن القضية (ق) صادقة، كل هذا يلزم عنه أن تكون القضية (ك) صادقة وهو استدلال لزومي صحيح، وتتضح صحته من خلال المثال؛ حيث إن القول بصدق إحدى القضيتين أو الاستفادة من الكميات الكبيرة من النبيذ والزيت على الأقل، وهي إما أن تكون السيدة لها حق الانتفاع ببعض ملكيته والقول بأن السيدة لها حق الانتفاع ببعض ملكيته صادقة، كل هذا يلزم عنه أن السيدة ليس لها حق الانتفاع من الكميات الكبيرة من النبيذ والزيت.
المثال السابع
وهذا الاستدلال الذي ينسبه شيشرون إلى أرسطو، ليس إلا تطبيقًا للقاعدة السادسة والتي قال عنها: ليس كل من هذا وذاك صادقًا معًا، ولكي يكون هذا صادقًا، إذن ليس صادقًا، وهذه القاعدة هي الصورة التي يطلق عليها طريقة النفي بالإثبات، وإن كانت تنطوي على إثبات بنفي، وهي عبارة عن قياس شرطي منفصل بالمعنى القوي بعد أن رد شيشرون الانفصال إلى عطف بواسطة النفي التناقضي، وهذا القياس يتألف من مقدمة شرطية عطفية يكون مقدمها نفيًا لأحد البديلين، ثم مقدمة حملية مثبتة لمقدم القضية الشرطية العطفية ونتيجة نافية لتالي تلك القضية. وبذلك يكون الاستدلال صحيحًا ويمكن التعبير رمزيًّا عن صحة هذا الاستدلال فيما يلي:
ليس كل من ق وك معًا
إذن لا ك
وباستخدام لغة المنطق الرمزي الحديث تكون لدينا الحجة الصحيحة التالية:
وبصيغة أخرى:
وتقرأ: أنه من الكذب القول بأن القضيتين (ق، ك) صادقتان معًا، ثم القول بصدق (ق) في الوقت نفسه، يلزم عنه أن تكون القضية (ك) كاذبة؛ وهي صيغة تعبر عن استدلال صحيح، لأن المقدمة الأولى في هذه الصيغة من خلال المثال تقرر أنه من الكذب القول بأن الأطفال ينتسبون إلى الأب وفي الوقت نفسه يأخذون النفقة، صادقتان معًا ثم القول بأن الأطفال ينتسبون إلى الأب صادقة، وعلى ذلك تكون النتيجة التي تلزم عن المقدمتين هي أنهم يأخذون النفقة (كاذبة).
المثال الثامن
وهذا الاستدلال الذي ينسبه شيشرون لأرسطو، ليس إلا تطبيقًا للقاعدة السابقة، والتي يقول عنها: «ليس كل من لا هذا ولا ذاك صادقًا معًا، لكن هذا ليس صادقًا، إذن ذاك صادق»، وهذه القاعدة هي تعبير آخر عن قياس شرطي منفصل بعد أن ردَّ شيشرون الفصل إلى عطف بواسطة النفي المزدوج، حيث تكون فيه المقدمة الحملية مفكرة لمقدم الكبرى العطفية المنفية نفيًا مزدوجًا، والنتيجة مثبتة لتالي المقدمة، وبهذا يكون الاستدلال رمزيًّا.
ليس كل من ق ولا ك معًا
ولكن لا ق
إذن ك
إذن ك
وتقرأ: إن الكذب في القول بأن القضيتين ق، ك كاذبتان معًا، ثم القول بكذب القضية ق في الوقت نفسه، يلزم عنه أن تكون القضية ك صادقة، وبالتالي يصبح الاستدلال صحيحًا، لأن المقدمة الأولى في هذا الاستدلال — وهي من خلال المثال — تقرر عدم إمكان كذب القضيتين لا ق، لا ك معًا. في حين أن المقدمة الثانية فيها — وهي ق — كاذبة، وعلى ذلك تكون النتيجة صادقةً، ومن ثم فالاستدلال صحيح.
مما سبق يتضح لنا الكيفية التي طبق بها شيشرون المنطق الأرسطي في ميدان القانون الروماني من جانب، وعلى أن الحجج العامة التي ذكرها أرسطو في كتابه الطوبيقا قد أخذت عنده طابعًا رواقيًّا متمثلًا في تطبيق القواعد السبع للاستدلالات المنطقية من خلال أمثلة قانونية.
ثانيًا: أثر طوبيقا شيشرون على مفكري الغرب والشرق
والسؤال الآن: إذا كان مناطقة العرب قد عرفوا عملية مزج المنطق الرواقي بالمنطق الأرسطي عن طريق شراح أرسطو؛ فهل استفادوا بهذا المزج في دراساتهم وأبحاثهم الدينية مثل فلاسفة العصور الوسطى؟
الحقيقة أنهم استفادوا منه استفادة كبيرة، فقد تناولوه بالبحث والدراسة، واستخدموه كمنهج للتفكير في بعض المشكلات والمسائل الدينية، فعلى سبيل المثال، نجد كتابات معظم المتكلمين تبدأ بعرض المسائل المنطقية والمنهجية والحديث عن طريق العلم وأنواع الاستدلال قبل الخوض في المسائل الكلامية، نجد ذلك عند أبي الحسن الأشعري (ت٣٢٤ﻫ) في كتابه «اللمع»، وأبي بكر الباقِلَّاني (ت٤٠٣ﻫ) في كتابه «التمهيد في الرد على الملاحدة»، ثم الجويني (ت٤٧٨ﻫ) في كتابه «الشامل»، ومن بعده الغزالي (ت٥٠٥ﻫ) في كتابه «القسطاس المستقيم»، كما نجد هذا الاتجاه أكثر بروزًا عند «عضد الدين الإيجي» (ت٧٥٦ﻫ) في كتابه «المواقف في علم الكلام»؛ وهو موسوعة كلامية فلسفية استطاع من خلالها أن يُقحِم المنطق الرواقي بالمنطق الأرسطي، وذلك من خلال استخداماته للتعريف، والتقسيم، والمفهوم، والماصدق، والقضايا الحملية، والقضايا الشرطية بأنواعها: المتصلة والمنفصلة في علم الكلام.
ويُعد الإمام ابن حَزْم الأندلسي من أوائل الفقهاء المسلمين الذين أدخلوا في علم أصول الفقه الأقيسة الحملية والشرطية، ويشهد على ذلك كتابُه «التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية». ويمكن أن نعرض نموذجًا لبعض الأمثلة التي طبق من خلالها ابن حزم الأقيسة الحملية والشرطية في ميدان الفقه، وذلك من خلال هذا الكتاب فيما يلي:
-
(١)
الأقيسة الحملية:
المثال الأول: وهو عبارة عن تطبيق الضرب الأول من الشكل الأول.
المثال الثاني: وهو عبارة عن تطبيق للضرب الأول من الشكل الثاني.
المثال الثالث: وهو عبارة عن تطبيق للضرب الأول من الشكل الثالث.
ليس أحد من المجرمين مباحًا له النساء
كل المجرمين منهي عن الصيدإذن فليس بعض المنهيين عن الصيد مباحًا لهم النساء٣٦ -
(٢)
الأقيسة الشرطية: ونكتفي بذكر مثالين لبعض الأقيسة الشرطية المتصلة لنبين الكيفية التي طبق من خلالها ابن حزم تلك الأقيسة في ميدان الفقه، وذلك فيما يلي:
المثال الأول: وهو عبارة عن تطبيق للقياس الشرطي المتصل المثبت.
إذا كان هذا الزاني محصنًا وبالغًا وعاقلًا، فإنه يجلد ويرجمولكن هذا زان بالغ عاقلإذن فهذا يجلد ويرجم٣٧المثال الثاني: وهو عبارة عن تطبيق للقياس الشرطي المتصل المنفي.
إذا كان هذا الزاني محصنًا وبالغًا وعاقلًا، فإنه يجلد ويرجمولكن هذا ليس زانيًا محصنًا وبالغًا وعاقلًاإذن فهذا لا يجلد ويرجم٣٨هذه هي بعض الأمثلة التي طبق من خلالها ابن حزم الأقيسة الحملية والأقيسة الشرطية في ميدان الفقه الإسلامي؛ ولا شك في أن محاولته تلك قد كان لها بالغ الأثر عند الفقهاء الذين جاءوا بعده، وبالأخص الإمام الغزالي الذي ساهم مساهمة فعالة في تطوير الاستدلالات المنطقية سواء الأرسطية والرواقية من أجل تطبيقها على القضايا والمسائل الفقهية.
ولقد بدأ الغزالي محاولته هذه في كتابَيه «مقاصد الفلاسفة» و«القسطاس المستقيم»، ثم عاد لكي يفصل ما أجمله في هذين الكتابين في كتابَيه «محك النظر» و«معيار العلم». أما كتابه «المستصفى من علم الأصول»، فإن نظرية القياس الأرسطية والرواقية أصبحت تمثل عنده المدخل الطبيعي لهذا العلم. الأمر الذي أدى بالأصوليين اللاحقين عليه إلى السير في الطريق الذي رسمه الغزالي، من حيث تكريس مقدمات مؤلفاتهم لعرض مختصر للمنطق الأرسطي والمنطق الرواقي ليكون بمثابة الأداة أو المنهج الذي سيسير الأصولي عليه في عرضه للمشكلات الفقهية.٣٩
تعقيب
وخلاصة كل ما تقدم: يمكن القول بأنه إذا كانت طوبيقا شيشرون قد جاءت لتفُض النزاع والخلاف القائم بين المشائيين والرواقيين خلال القرن الأول عن طريق مزج المنطق الأرسطي بالمنطق الرواقي، فإن هذه المحاولة بصرف النظر عن قيمتها الموضوعية، وبصرف النظر عن مدى تناسق دعوة شيشرون في هذا المزج الذي غلب فيه المنطق الرواقي على حساب المنطق الأرسطي. بصرف النظر عن ذلك كله، فقد كان له من النجاح في مزج المنطق الأرسطي بالمنطق الرواقي مزجًا أضحى من خلاله معظم مناطقة العصور الوسطى لا يميزون أحيانًا بين كون هذا من منطق أرسطو، وكون هذا من منطق الرواقيين، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنهم ورثوا هذا التقليد عن طريق الشُّراح الأرسطيين الذين مزجوا المنطق الرواقي بالمنطق الأرسطي مع عدم التمييز بينها.
ومن ناحية أخرى، فإن طوبيقا شيشرون قد أسفرت عن كونها أول محاولة في علم مناهج البحث، وذلك حين مزج المنطق الأرسطي بالمنطق الرواقي من خلال أمثلة مستقاة من القانون الروماني، تلك الأمثلة التي ترتبط بوقائع حية تقتضي إعمال القانون فيها، من حيث هو علم يرتبط أساسًا بالواقع العملي لحياة الناس وعلاقاتهم في ظل شريعة القانون الروماني الصارم.
ولا شك في أن هذه المحاولة قد كان لها من النجاح مثل محاولته مزج المنطق الأرسطي بالمنطق الرواقي على معظم المناطقة والمفكرين الذين جاءوا بعده، وقد أوضحنا ذلك حين سردنا باختصار شديد نفس الظاهرة على الفقهاء الرومان الذين طوروا ومزجوا المنطق بالقانون، وأيضا على جالينوس الذي مزج المنطق بالطب، وأيضًا على فلاسفة العصور الوسطة سواء في الغرب أو الشرق؛ وذلك حين استخدموا المنطق كمنهج للتفكير في بعض المشكلات والمسائل الدينية؛ سواء اللاهوتية أو الكلامية أو الفقهية.
أولًا: قائمة المصادر والمراجع العربية
-
(١)
ابن حزم الأندلسي: التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية، تحقيق: د. إحسان عباس، مكتبة الحياة، بيروت، بدون تاريخ.
-
(٢)
د. إكرام فهمي حسن: التقليد الطبي في مدرسة الإسكندرية، وأثره في نشأة المنطق العربي، رسالة ماجستير غير منشورة بآداب القاهرة، ١٩٩١م.
-
(٣)
بوشنسكي: المنطق الصوري القديم، ترجمة: د. إسماعيل عبد العزيز، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٩٦م.
-
(٤)
جورج سباين: تطور الفكر السياسي، الكتاب الثاني، ترجمة: حسن جلال العروسي، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٤م.
-
(٥)
د. حسن عبد الحميد: مقدمة في المنطق، الجزء الأول (المنطق الصوري)، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٨٠م.
-
(٦)
د. حسن عبد الحميد، ود. محمد مهران: في فلسفة العلوم ومناهج البحث، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٧٨م.
-
(٧)
روبير بلانشي: المنطق وتاريخه منذ أرسطو حتى راسل، ترجمة: د. خليل أحمد خليل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ١٩٨٠م.
-
(٨)
د. عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨٤م.
-
(٩)
د. عثمان أمين: الفلسفة الرواقية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٧١م.
-
(١٠)
د. محمد السرياقوسي: التعريف بالمنطق الرياضي، الإسكندرية، ١٩٧٨م.
-
(١١)
د. محمود فهمي زيدان: المنطق الرمزي «نشأته وتطوره»، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ١٩٧٩م.
ثانيًا: قائمة المصادر والمراجع الأجنبية
-
(1)
Anton Dumitriu, History of Logic, vol. 1, Abacus Press. 1977.
-
(2)
Benson Mates, Stoic Logic, University of California Press, Berkeley and Los Angeles, 1961.
-
(3)
Cicero, Topica, vol. z, Trans. by H. M. Hubbell William Heinemann Ltd., London, 1976.
-
(4)
Edward Zeller, Outlines of the History of Greek Philosophy, Henry Holt and Company, New York, 1908.
-
(5)
Sten Ebbesen, Ancient Scholastic Logic as the Source of Medieval Scholastic, Cambridge Press, London, 1982.
-
(6)
W. Kneale, M. Kneale, the Development of Logic, Clarendon Press, Oxford, 1966.
انظر: د. عثمان أمين: الفلسفة الرواقية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٧١م، ص٣٣-٣٤؛ وانظر أيضًا: د. عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨٤م، ص٣٧-٣٨.