محاسن المَودَّة

قال بعض الحُكماء: ليس للإنسان تنعُّم إلَّا بمودَّات الإخوان، وقال آخر: الازدياد من الإخوان زيادة في الآجال، وتوفير لحُسن الحال، وقيل: عاشروا الناس مُعاشرة إنْ عِشتُم حنُّوا إليكم، وإن مِتُّم بَكوا عليكم، وقال:

قد يمكُث الناس حينًا ليس بينهم
وِدٌّ فيزرَعه التسليم واللُّطف
يُسلي الشَّقيقين طولُ النأي بينهما
وتلتقي شُعَبٌ شتَّى فتأتلِفُ

وقال علي بن أبي طالب — رضي الله عنه وأرضاه — لابنه الحُسين: ابذُل لصديقك كلَّ المودَّة، ولا تطمئنَّ إليه كلَّ الطمأنينة، وأعطِه كلَّ المُواساة، ولا تفشِ إليه كلَّ الأسرار. وقال العبَّاس بن جرير: المودَّة تعاطُف القلوب وائتِلاف الأرواح وأُنس النفوس ووحشَةُ الأشخاص عند تنائي اللقاء، وظهور السرور بكثرةِ التَّزاوُر وعلى حسْب مُشاكَلة الجواهر يكون الاتِّفاق في الخصال. وقال بعضهم: مَنْ لم يُواخِ من الإخوان إلَّا مَنْ لا عَيبَ فيه قلَّ صديقه، ومن لم يرضَ من صديقه إلَّا بإيثاره إياه على نفسه دام سُخطه، ومَنْ عاتبَ على غَير ذنبٍ كثُر عدوُّه. وكان يُقال: أعجزُ الناس من فرَّط في طلبِ الإخوان، وقال الشَّاعر في مِثله:

لعمرُك ما مالُ الفتى بذخيرةٍ
ولكن إخوان الثِّقات الذَّخائرُ

ضده

قال المأمون: الإخوانُ ثلاثُ طبقات: طبقة كالغِذاء لا يُستغنى عنه، وطبقة كالدَّواء يُحتاج إليه أحيانًا، وطبقة كالدَّاء الذي لا يُحتاج إليه. وكتَبَ بعض الكُتَّاب أنَّ فُلانًا أولاني جميلًا من البِشْر مقرونًا بلطيفٍ من الخِطاب في بسْطِ وجهٍ ولِين كنَف، فلمَّا كشفَهُ الامتحان بيَسير الحاجة كان كالتابوتِ المَطليِّ عليه بالذَّهَب المملوء بالعذرة، أعجبَكَ حُسنُه ما دام مُطبقًا، فلمَّا فُتِحَ آذاك نَتنُه، فلا أبعدَ الله غيره. ومِمَّا قيل في ذلك:

والله لو كرِهت كفِّي مُنادَمتي
لقلتُ للكفِ بِيني إذْ كرهتيني

وقال آخر:

ولو أنِّي تُخالِفني شِمالي
لَمَا أتْبَعتُها أبدًا يَميني
إذًا لقطعْتُها ولقُلتُ بِيني
كذلك أجتوي مَنْ يَجتوِيني

وقال آخر:

مَنْ لم يُرِدك فلا تُرِده
ليكُن كمَنْ لم تَستفِدهُ
باعِدْ أخاك بِبُعدِهِ
فإذا نأى شِبرًا فزِدهُ

وقال آخر:

تَوَدُّ عدوِّي ثمَّ تزعُمُ أنَّني
أودُّكَ إنَّ الرأي منك لعازِبُ
وليس أخي مَنْ ودَّني رأيَ عَينِه
ولكن أخي مَنْ ودَّني وهو غائبُ

وقال آخر:

إنَّ اختيارَك لا عن خِبرةٍ سلفتْ
إلَّا الرَّجاء وممَّا يُخطئ النظرُ
كالمُستغيثِ ببطنِ السَّيلِ يَحسبُه
حرزًا يُبادِره إذ بلَّه المَطرُ

وقال آخر:

وصاحبٍ كان لي وكنتُ له
أشفَقَ مِن والدٍ على وَلَدِ
وكان لي مُؤنِسًا وكنتُ له
ليستْ بِنا وَحشةٌ إلى أحدِ
كُنَّا كساقٍ مَشتْ بها قَدَمٌ
أو كذراعٍ نِيطتْ إلى عَضُدِ
حتى إذا أمكن الحوادثُ مِن
حظِّي وحلَّ الزمان من عُقدي
ازورَّ عنِّي وكان ينظُرُ مِن
عيني ويرمِي بساعِدي ويدي
حتى إذا استرفدَتْ يدي يدَه
كنتُ كمُسترفِدٍ يدَ الأسَدِ

وقال آخر:

فيا عجبًا لمنْ رَبَّيتُ طِفلًا
ألقِّمُه بأطراف البَنان
أعلِّمُه الرِّماية كلَّ يومٍ
فلما اشتدَّ ساعدُه رَماني
أعلِّمه الفتوَّة كلَّ حينٍ
فلما طرَّ شاربُه جَفاني
أعلِّمه الرِّواية كلَّ وقتٍ
فلما صار شاعِرَها هَجاني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤