محاسن طلب الرزق

قال عمرو بن عتبة: مَنْ لم يقدِّمه الحزم أخَّره العجز، وقال رسول الله : يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أَحْدِثْ لي سفرًا أُحْدِث لك رزقًا، وفي بعض الأحاديث: سافروا تغنموا، وقال الكميت بن زيد الأسدي:

ولن يزيح هموم النفس إن حضرت
حاجات مثلك إلى الرحْلُ والجَمَلُ

وقال أبو تمام الطائي:

وطول مُقامِ المرء في الحي مُخلِقٌ
لديباجتيه فاغترب تتجدَّد
فإني رأيت الشمس زيدت محبَّة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمَدِ

وقال بعض الحكماء: لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان، فإن الكريم محتال والدنيء عيال، وأنشد:

فسِرْ في بلاد الله والتمس الغِنى
تَعِشْ ذا يَسارٍ أو تموت فتُعذَرَا
ولا تَرْضَ من عيشٍ بدونٍ ولا تَنَمْ
وكيف ينام الليل مَنْ كان مُعسِرَا

وتقول العامة: كلب جوَّال خيرٌ من أسد رابض، وتقول: مَنْ غلى دماغه صائفًا غَلَتْ قِدْره شاتيًا، ووقع عبد الله بن طاهر: مَنْ سعى رعى، ومن لزم المنام رأى الأحلام، هذا المعنى سرقة من توقيعات أنوشروان، فإنه يقول: هرك روذ جَرَد هركِ خسبد خواب بيند، وأنشد:

كفى حَزَنًا أن النوى قذفت بنا
بعيدًا وأن الرزق أعيَت مذاهبه
ولو أننا إذ فَرَّقَ الدَّهرُ بيننا
غنى واحدٍ مِنَّا تموَّلَ صاحِبُه
ولكننا من دَهرِنا في مئونةٍ
يكالِبُنا طَوْرًا وطَوْرًا نُكالِبُه

وقال آخر:

ومَنْ يكُ مثلي ذا عيالٍ ومُقتِرًا
من المالِ يَطْرَح نفسه كلَّ مَطْرَحِ
ليبلُغ غُذْرًا أو ينال غنيمةً
ومُبلغُ نفسٍ عُذْرَها مِثلُ مُنْجِحِ

وقال آخر:

وليس الرزق عن طَلَبٍ حَثيثٍ
ولكن ادلُ دَلوَك في الدَّلاءِ
تَجئكَ بملئها حِينًا وطورًا
تجيء بحمأةٍ وقليلُ ماءٍ

ضده

قيل: وُجِدَ في بعض خزائن ملوك العجم لوح من حجارة مكتوب عليه: كُن لما ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى — عليه السلام — خرج ليقتبس نارًا فنودي بالنبوَّة، وبلغنا عن ابن السماك أنه قال: لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض، وكن اليوم مشغولًا بما أنت مسئول عنه غدًا، وإياك والفضول فإن حسابها يطول، قال الشاعر:

إنِّي علمتُ وعِلمُ المرء ينفعه
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيُعنِّيني تطلُّبَه
ولو قعدْت أتاني لا يُعَنِّيني

وقال آخر:

لعمرُكَ ما كلُّ التعطُّل ضائرٌ
ولا كلُّ شُغْلٍ فيه للمرءِ مَنْفَعَة
إذا كانت الأرزاقُ في القرْبِ والنوَى
عليك سواءً فاغتنِمْ لذَّةَ الدَّعة

وقال آخر:

سَهِّل عليكَ فإن الرِّزقَ مَقدُورُ
وكلُّ مستأنفٍ في اللوحِ مَسطُورُ
أتى القضاءُ بما فيه لِمدَّته
وكلُّ ما لم يكن فيه فمحظور
لا تكذبن فخيرُ القول أصدقُهُ
إن الحريصَ على الدنيا لمغرورُ

وقال آخر:

لا تَعْتَبَنَّ على العباد فإنما
يأتيك رِزْقُكَ حين يؤذَن فيهِ

وقال آخر:

هيَ المقاديرُ تجري في أعنَّتها
فاصبِرْ فليس لها صَبرٌ على حالِ
يومًا تَريشُ خَسيس القومِ تَرْفَعُهُ
دون السماء ويومًا تخفض العالي

وقال آخر:

اصبر على زَمَنِ جَمٍّ نوائبه
فليس من شِدَّةٍ إلا لها فَرَجُ
تلقاه بالأمس في عَمياءَ مُظلَمةٍ
ويُصبح اليوم قد لاحت له السُّرُج

وقال آخر:

ألا رُبَّ راجٍ حاجةٍ لا ينالها
وآخر قد تُقضى له وهو آئِسُ
يجولُ لها هذا وتُقضى لغيره
فتأتي الذي تُقضى له وهو جالسُ

وقال آخر:

فلما أن عُنيتُ بما أُلاقي
وأعيتني المسائلُ بالقُروضِ
دَعَوْت الله لا أرجو سِواهُ
ورَبُّ العَرْش ذو فَرَجٍ عرِيضٍ

وقال آخر:

يا صاحب الهمِّ إن الهمَّ مُنفَرِجٌ
أبشِرْ بخيرٍ كأن قد فَرَّجَ اللهُ
اليأسُ يَقطَعُ أحيانًا بصاحبه
لا تيأسنَّ فإن الصانع الله
إذا ابتُلِيتً فثِقْ بالله وارضَ به
إن الذي يَكشِفُ البلوى هو الله

وقال آخر:

وإذا تُصِبْكَ من الحوادثِ نَكْبةٌ
فاصبرْ فكلُّ بَليَّةٍ تتكشَّف

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤