الأعرابيات

حدَّثنا ثعلب عن الفتح بن خاقان، قال: لما خرج المتوكل إلى دمشق كنت عديله، فلما صرنا بقنَّسرين قطعت بنو سليم على التجار، فأنهى ذلك إليه، فوجَّه قائدًا من وجوه قواده إليهم فحاصرهم، فلما قربنا من القوم إذا نحن بجارية ذات جمال وهيئة وهي تقول:

أميرُ المؤمنين سما إلينا
سُمُوَّ البدرِ مال به الغريفُ
فإن نسلم فعفو الله نرجو
وإن نُقْتَل فقاتلُنا شريفُ

فقال لها المتوكل: أحسنت، ما جزاؤها يا فتح؟ قلت: العفو والصلة، فأمر لها بعشرة آلاف درهم، وقال لها: مُرِّي إلى قومك وقولي لهم: لا تردُّوا المال على التجار، فإني أعوضهم عنه. الأصمعي قال: خرجت إلى بادية فإذا أنا بخباء فيه امرأة، فدنوت فسلَّمت فإذا هي أحسن الناس وجهًا وأعدلهم قامةً وأفصحهم لسانًا، فحار فيها بصري واعترتني خجلة، فقالت: ما وقوفك؟ فقلت:

هل عندَكم مِن مخيضِ اليوم نشرَبُه
أم هل سبيلٌ إلى تقبيلِ عينيك
فلست أبغي سوى عينيك منزلة
أم هل تجودي لنا عضًّا بخدَّيكِ
أو تأذنين بريقٍ منك أرشفه
أو لمس بطنك أو تعمير ثدييك
رُدِّي الجوابَ على مَنْ زادهُ كلَفًا
تكريره الطرف في أجدال ساقيك

فرفعت رأسها إليَّ وقالت: يا شيخ، ألا تستحي؟! ارجع إلى أهلك وارغب في مثلك. وقال بعضهم: رأيت أعرابية بالنباح، فقلت لها: أتنشدين؟ قالت: نعم، في مثلك ورب الكعبة، قلت: فأنشديني، فأنشأت تقول:

لا بارك الله فيمن كان يُخبرُني
أن المحبَّ إذا ما شاء ينصَرِفُ
وجْدُ المحِب إذا ما بان صاحِبُهُ
وجْدُ الصبيِّ بثديي أمِّه كَلِفُ

قال: قلت لها: أنشديني من قولك، فقالت:

بنفسي مَنْ هواه على التنائي
وطولُ الدهر مؤتنقٌ جديدُ
ومَنْ هو في الصلاة حديث نفسي
وعدلُ الرُّوحِ عندي بل يَزيدُ

فقلت لها: إن هذا كلام مَنْ قد عشق، فقالت: وهل يعرى من ذلك مَنْ له سمع وقلب؟ ثمَّ أنشدتني:

ألا بأبي والله مَنْ ليس نافعي
بشيءٍ ولا قلبي على الوجد شاكره
وَمَنْ كبدي تهفو إذا ذُكِرَ اسمه
بشيءٍ ومَنْ قلبي على الناي ذاكره
له خفقانٌ يرفع الجيبَ بالشجى
ويقطع أزرار الجُربَّان ثائره

قال: وكتب عمر بن أبي ربيعة إلى امرأة بالمدينة:

برز البدر في جوارٍ تهادى
مُخطفاتِ الخُصور معتجرات
فتنفَّستُ ثمَّ قلت لبَكرٍ
عجَّلت في الحياة لي حَيبات
هل سبيل إلى التي لا أبالي
بعدها أن أموت قبل وفاتي

فأجابته:

قد أتانا الرسول بالأبيات
في كتابٍ قد خُطَّ بالتُّرَّهات
حائر الطرْف إن نظرت وما طَرْ
فُكَ عندي بصادق النظرات
غُرَّ غيري فقد عَرَفت لغيري
عهدك الخائن القليل الثبات

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤