محاسن الجواب

قال: دخل رجلٌ على كِسرى إبرويز، فشكا إليه عاملًا غصَبَه على ضَيعة له، فقال له كِسرى: منذُ كم هيَ في يدِك؟ قال: منذ أربعين سنة. قال: فأنتَ تأكُلها أربعين سنة. ما عليك أن يأكل عامِلي منها سنةً واحدة. فقال: وما كان على الملِكِ أن يأكُل بهرام جور المُلك سنةً واحدة. فقال: ادفعوا في قفاه فأَخْرِجوه. فلمَّا خرَج أمكنَتْه التِفاتة فقال: دخلتُ بمظلَمةٍ وخرجتُ بثِنتَين. فقال كسرى: ردُّوه، وأمرَ برَدِّ ضَيعتِه وصيَّرَه في خاصَّته. ويُقال: إنَّ سعيد بن مُرَّة الكِندي حين أتى معاوية، قال له: أنت سعيد؟ قال: أمير المؤمنين سعيد وأنا ابنُ مُرَّة. قال: ودخَل السيد بن أنَسٍ الأزدي على المأمون، فقال: أنتَ السَّيِّد؟ فقال: أنتَ السَّيِّد يا أمير المؤمنين وأنا ابنُ أنَس. قال: وقِيل للعبَّاس بن عبد المُطَّلِب: أنتَ أكبرُ أم رسول الله ؟ قال: هوَ عليه الصلاة والسلام أكبرُ منِّي وأنا وُلِدْتُ قبله. قال: وقال الحجَّاج للمُهلَّب: أنا أطولُ أم أنت؟ قال: الأمير أطوَلُ وأنا أبسَطُ قامةً منه. قيل: ووقفَ المهدِيُّ على امرأةٍ من بني ثعل، فقال لها: مِمَّنِ العجوز؟ قالت: من طيء. قال: ما مَنَعَ طيْأً أن يكون فيها آخر مِثل حاتم؟ قالت: الذي مَنَعَ العرب أن يكون فيها آخر مِثلك. فأُعْجِبَ بقولها ووصَلها. قيل: ولمَّا استوْسَقَ أمرُ العراق لعبد الله بن الزُّبير وجَّه مُصعَبُ إليه وفدًا، فلمَّا قدِموا عليه قال لهم: وددتُ أنَّ لي بِكلِّ خمسةٍ منكم رجلًا من أهل الشام. فقال رجلٌ من أهل العراق: يا أميرَ المؤمنين، عُلِّقْناك وعَلِقْتَ بأهل الشام، وعَلِقَ أهل الشام بآل مروان، فما أعرِفُ لنا مَثلًا إلَّا قول الأعشى:

عُلِّقْتُها عَرَضًا وعُلِّقَتْ رَجلًا
غَيري وعُلِّقَ أخرى غَيرَها الرَّجُلُ

فما وجدْنا جوابًا أحسنَ من هذا. قال: وقال مُسلمةُ بن عبد الملك: ما شيء يُؤتى العبدُ بعدَ الإيمان بالله تعالى أحبُّ إليَّ من جوابٍ حاضر؛ فإن الجواب إذا انعقَبَ لم يكن شيئًا.

ضده

قال: اجتمَعَ عند رسول الله الزبرقان بن بدْر وعمرو بن الأهتم، فذكر عمرو الزبرقان، قال: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ الله، إنه لَمِطعامٌ جَواد الكفِّ مُطاع في أدانيه شديدُ العارِضة مانِع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: بأبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، إنه ليَعرِف مِنِّي أكثرَ من هذا ولكنَّهُ يَحسدُني. فقال عمرو: والله يا نَبِيَّ الله، إنَّ هذا لزَمِرُ المروءة، ضَيِّقُ العَطنِ لئيمُ العَمِّ أحمَقُ الخال. فرأى الكراهية في وجه رسول الله لمَّا اختلفَ قولُه، فقال: يا رسول الله، ما كذبتُ في الأولى، ولقد صدقتُ في الأخرى، ولكنِّي رَضيتُ فقلتُ أحسنَ ما علمت، وسَخِطتُ فقلتُ أسوأ ما أعلم. فقال رسول الله : إنَّ مِن البَيان لسِحرًا، وإنَّ من الشِّعر لحِكَمًا. وذكروا أنَّ الوليد بن عُقبةَ قال لعقيل بن أبي طالب: غَلَبك عليٌّ على الثروة والعدد، قال: وسبَقَني وإيَّاك إلى الجنَّة. قال الوليد: أما والله إنَّ شدِقَيكَ لمُتضمِّخان من دَمِ عثمان. قال عقيل: ما لك ولِقُريش، وإنما أنت فيهم كمَنيح الميسر. فقال الوليد: والله إنِّي لأرى لو أنَّ أهل الأرض اشتركوا في قتلِهِ لوَرَدوا صَعودًا. فقال له عقيل: كلًّا، أما ترغَبُ عن صُحبة أبيك. قال: وقال رجل من قُريش لخالد بن صفوان: ما اسمك؟ قال: خالد بن صفوان بن الأهتم. قال: إنَّ اسمك لكَذِب؛ ما أنت بخالد، وإن أباك لصفوان وهو حَجَر، وإن جدَّك لأهتَمُ والصَّحيح خَيرٌ من الأهتم. قال له خالد: من أيِّ قُريشٍ أنت؟ قال: من عبدِ الدَّار بن قُصيِّ بن كلاب. قال: لقد هشَّمَتْك هاشِم وأمَّتكَ أُمَيَّة وجَمَحَتْ بك جمحُ وخزَّمَتْك مَخزوم وأقصَتْك قُصَي؛ فجَعلتْكَ عبدَ دارِها تفتَحُ إذا دخلوا وتُغلِقُ إذا خرَجوا. قيل: ومرَّ الفرزدق فرأى خليفة الشَّاعر، فقال له: يا أبا فِراس مَن القائل:

هوَ القَيْنُ وابنُ القَينِ لا قَينَ مِثلُهُ
لِفَطْحِ المَساحِي أوْ لِجُدْلِ الأَدَاهِم

قال الفرزدق: الذي يقول:

هوَ اللِّصُّ وابنُ اللصِّ لا لِصَّ مثلُه
لِنقْبِ جِدارٍ أو لِطَرِّ الدَّرَاهِمِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤