محاسن الموت

في الحديث المرفوع: الموتُ راحة. وقال بعض السَّلَف: ما من مُؤمنٍ إلَّا والْموت خيرٌ له من الحياة؛ لأنه إن كان مُحسِنًا، فالله يقول: وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، وإن كان مُسيئًا فالله تعالى جدُّه يقول أيضًا: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا. وقال ميمون بن مهران: أتيتُ عمر بن عبد العزيز فكثُر بكاؤه ومسألتُه اللهَ الموت، فقلت: يا أمير المؤمنين، تسأل ربَّك الموت وقد صنع الله على يدك خيرًا كثيرًا؛ أحييتَ سُنَنًا وأمتَّ بِدَعًا، وفعلتَ وصنعتَ ولبقائك رحمة للمؤمنين؟ فقال: ألا أكون كالعبد الصالح حين أقرَّ اللهُ عينَه له أمره، قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ إلى قوله: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، فما دار عليه أسبوع حتى مات رحمه الله. قالت الفلاسفة: لا يَستكمِل الإنسان حدَّ الإنسانية إلَّا بالموت؛ لأنَّ حد الإنسانية أنه حيٌّ ناطق مَيِّت. وقال بعض السَّلف: الصالح إذا مات استراح، والطالِحُ إذا مات استُرِيح منه. قال الشاعر:

وما الموتُ إلَّا راحةٌ غيرَ أنه
من المنزِلِ الفاني إلى المنزل الباقي

وقال آخر:

جزا الله عنَّا الموت خيرًا فإنه
أبرُّ بنا من كُلِّ بَرٍّ وأرأفُ
يُعجِّلُ تخليص النُّفوس من الأذى
ويُدني من الدار التي هي أشرَفُ

وقال منصور الفقيه:

قد قلتُ إنْ مدحوا الحياة فأسرَفوا
في الموت ألف فضيلةٍ لا تُعْرَفُ
منها أمان بقائِه بِلِقائه
وفِراقُ كلِّ مُعاشِرٍ لا يُنْصِفُ

وقال أحمد بن أبي بكر الكاتب:

مَنْ كان يرجو أن يَعيش فإنَّني
أصبحتُ أرجو أن أموت فأُعْتَقَا
في الموت ألف فضيلةٍ لو أنَّها
عُرِفَتْ لكان سبيلهُ أن يُعشَقا

وقال لنكك البصري:

نحنُ والله في زمانٍ غشوم
لو رأيْناه في المنام فَزِعْنا
أصبح الناسُ فيه من سُوء حالٍ
حقُّ مَنْ مات منهم أن يُهنَّا

ضده

في الحديث المرفوع: أكثروا ذِكر هاذِم اللَّذَّات؛ يَعني الموت. قال الشاعر:

يا موتُ ما أجفاكَ من نازلٍ
تنزِلُ بالمرءِ على رَغْمِه
تستلبُ العذراءَ من خِدرها
وتأخذُ الواحدَ من أُمِّه

وقال:

وكلُّ ذي غيبةٍ له إيابٌ
وغائبُ الموتِ لا يئوبُ

وقال بعضهم: الناس في الدنيا أغراض تنتَصِل فيها سهام المنايا. وقال ابن المُعتز: الموت كسهمٍ مُرسل إليك، وعمرك بقدْر سفره نَحوَك. وقال بعضهم: الموتُ أشدُّ ممَّا قبْلَه وأهوَنُ ممَّا بعدَه. ونظر الحسَن — رضي الله عنه — إلى ميْتٍ يُدْفَن، فقال: إنَّ شيئًا أوَّلُه هذا لحقيق أن يُخاف آخِره، وإن شيئًا هذا آخِرُه لحقيقٌ أن يُزْهَد في أوَّلِه. وسُئل بعض الفلاسفة عن الموت فقال: مَفازَةٌ مَنْ ركِبَها ضلَّ خبَرُه وعُفِّيَ أثره. والله أعلم بالصواب وإليه المرجِع والمآب.

بحمْد المُنزَّه عن المساوي والأنداد، تمَّ طبع كتاب المحاسن والأضداد، وكان ذلك في غُرَّة ربيع الأول من شهور سنة ١٣٣٠ هجرية وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤