محاسن المشورة

يُقال: إذا استخار الرجُل ربَّه واستشار نَصيحَه واجتهد، فقد قضى ما عليه، ويقضي الله في أمره ما يُحِب. وقال آخر: حُسن المشورة من المُشير قضاء حقِّ النعمة. وقيل: إذا استُشِرْت فانصَح، وإذا قدِرْتَ فاصفَح. وقيل: مَنْ وعظ أخاه سِرَّا زانَه، ومن وعظَهُ جهرًا شانَه. وقال آخر: الاعتِصام بالمَشورة نجاة. وقال الآخر: نِصف عقلِك مع أخيك، فاستشِره. وقال آخر: إذا أراد الله لعبدٍ هلاكًا أهلَكه برأيِه. وقال آخر: المَشورة تُقوِّم اعوِجاج الرأي. وقال آخر: إياك ومَشورة النساء، فإن رأيهُنَّ إلى أفَن، وعزمُهنَّ إلى وَهن.

ضده

قال بعضُ أهل العلم: لو لم يكن في المَشورة إلا استِضعاف صاحِبك لك، وظهور فقرِك إليه، لوجَب اطِّراح ما تُفيدُه المشورة، وإلقاء ما يُكسِبه الامتنان. وما استشرتُ أحدًا إلَّا كنتُ عند نفسي ضعيفًا وكان عندي قويًّا، وتصاغَرتُ له ودخلَتْهُ العِزة؛ فإيِّاك والمشورة وإن ضاقتْ بك المذاهب، واختلفَتْ عليك المَسالك، وأدَّاك الاستِبهام إلى الخطأ الفادِح، فإنَّ صاحِبها أبدًا مُستذَلٌّ مُستضعَفٌ، وعليك بالاستِبداد فإنَّ صاحِبَه أبدًا جليل في العُيون، مَهيب في الصدور، ولن تزال كذلك ما استغنَيْتَ عن ذوي العقول، فإذا افتقرتَ إليها حقرتْكَ العيون، ورجفَتْ بك أركانك، وتضعضَعَ بُنيانُك وفسَدَ تدبيرُك واستحقرَك الصغيرُ واستخفَّ بك الكبير وعُرِفْتَ بالحاجة إليهم. وقيل: نعم المُستشار العِلم، ونعم الوزير العقل. وممَّن اقتصر على دون المشورة الشعبي، فإنه خرَج مع ابن الأشعث، فقدِمَ به على الحجاج فلقِيَه يزيد بن أبي مُسلم كاتب الحجَّاج، فقال له: أشِرْ عليَّ، فقال: لا أدري بما أُشير، ولكن أعتذِر بما قدِرتُ عليه، وأشار بذلك عليه كافَّة أصحابه. قال الشعبي: فلمَّا دخلتُ خالفتُ مَشورتهم، ورأيتُ والله غير الذي قالوا، فسلَّمتُ عليه بالأمرة ثُمَّ قلتُ: أيَّدَ الله الأمير، إنَّ الناس قد أمَروني أن أعتذرَ بِغَير ما يعلم الله أنه الحق، ولك الله أنْ لا أقول في مُقامي هذا إلَّا الحق. قد جهِدْنا وحرضنا فما كُنَّا بالأقوياء الفَجَرة ولا الأتقياء البرَرة. ولقد نصرَك الله علينا وأظفَرَك بنا، فإن سطوتَ فبِذنوبنا وإن عفَوْتَ فبِحِلمك والحُجَّة لك علينا. فقال الحجَّاج: أنت والله أحبُّ إلينا قولًا مِمَّن يدخُل علينا وسيفُه يقطُر من دِمائنا ويقول: والله ما فعلتُ ولا شهدت. أنتَ آمِنٌ يا شعبي. فقلتُ: أيها الأمير، اكتحلتُ والله بعدَك السَّهر واستحليْتُ الخَوف وقطعتُ صالح الإخوان، ولم أجِدْ من الأمير خلفًا. قال: صدقتَ وانصرفتُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤